مجلة الرسالة/العدد 995/القصص

مجلة الرسالة/العدد 995/القصص

ملاحظات: The Talkative Burglar بقلم إدغار والاس بتاريخ: 28 - 07 - 1952



اللص الثرثار

عن الإنكليزية

لما أضيئت الغرفة فجأة شعر اللص بالخطر، وكان هذا اللص يلقب

بين أصحابه بالدوق لجرأته على اقتحام المنازل ولحسن طلته وهيئته.

وقد قضى أكثر من عشرة أعوام في مخاطراته دون أن يعتقل مرة

واحدة. لكن الخوف يعتري أجرأ اللصوص عند وقوع الخطر.

وكان البيت مكوناً من طابقين: أما الأول فهو إدارة جريدة، وأما الثاني فهو مسكن رجل من الأغنياء كان مسافراً وكان البيت خالياً من السكان فجاء هذا الدوق ليسرقه على هذا الاعتقاد

لكنه لما دخل من النافذة وجد الغرفة مظلمة ورأى في وسطها منضدة وشم رائحة فأدرك أن في المنزل سكاناً لأن الرائحة هي رائحة وسكي، وكانت الزجاجة موجودة على المنضدة وبجانبها كأس وزجاجة من الصودا. ولما كانت النافذة لا تزال مفتوحة فقد تردد الدوق وهم بالعودة. ولكن في هذه اللحظة أضيئت الغرفة ووقف عند الباب رجل في يده مسدس وهو يقول: (من هذا؟)

فأجاب اللص: (حسن، استدع البوليس)

قال صاحب المنزل: (سأفعل) وفي نفس اللحظة دخلت سيدة فاختفت وراء صاحب المنزل وسألت: (ما هذا؟)

فقال صاحب المنزل:: (اذهبي فارتدي المعطف وعودي إذا شئت فانظري لصاً من أشهر اللصوص) وقال: (ألست الوغد الذي يدعونه بالدوق؟)

فابتسم اللص وقال: (نعم أنا الدوق ولكنني لست وغداً)

وكان الدوق في الخامسة والثلاثين مهيب الطلعة يحمل وقاره رجال البوليس على رفع أيديهم بالسلام عندما يرونه. وكانت ثيابه ثمينة وصوته ينم على السيطرة والنفوذ، وقال له صاحب المنزل: (إبق هنا) ثم مشى نحو آلة التليفون فجلس اللص أمام المنضدة ووضع رجلا على رجل كأنه جالس في منزله أو كأنه ضيف كريم

وطلب صاحب المنزل قسم بوليس (لايم ستريت) فقال اللص: (بل اطلب قسم بوليس (واردور) فهو أقرب مكاناً ونحن تابعون له)

قال صاحب المنزل: (كما تريد) وطلب القسم الذي أشار به الدوق، ثم قال في سماعة التليفون: (من؟ مفتش البوليس؟ أرسل بعض جنودك الآن. أنا السير براندون برتون - شارع كوربري رقم 162 - عندي لص. الأمر لا يدعو إلى عجلة شديدة فإني أستطيع الانتظار حتى يحضر الجنود)

ثم ألقى السير برتون بالسماعة والتفت إلى اللص الجالس أمام المنضدة وقال: (مرحباً بك!) فقال الدوق: (إنني أعلم منك بأقسام البوليس؛ وأنا فضلاً عن ذلك أحب قسم واردو فإن سجنه من السجون الجديدة النظيفة) فقال السير: (إنني لم أر لصاً أبرد منك. ما مقدار العقوبة التي تظن أنه سيحكم عليك بها؟) ففكر الدوق لحظة ثم قال: (خمسة أعوام لأنهم سيسجنونني مدة سابقة بسبب حكم لم ينفذ. وقد كنت في الواقع لا أريد دخول هذا المنزل بل المنزل المجاور وهو نادي السباق)

مضت بعد هذا فترة في صمت ثم قال السير وهو يشير إلى زجاجة الويسكي: (اشرب كأساً إذا شئت)

فشرب وشكره ومضت فترة صمت أخرى. ثم قال السير برتون: (ولكن لماذا كنت تريد أن تدخل في نادي السباق؟)

فقال الدوق بلهجة تنم على الوثوق التام: (لقد كنت أعلم من قبل باسم الجواد الذي سيربح في السباق المقبل) فابتسم السير وقال: (أنا كذلك أعلم)

فهز الدوق رأسه وقال: (أنت مخطئ فقد تغير العزم على منح الجائزة لجوادك (ويت لادي) الذي كنت تعتقد حتى هذه اللحظة أنه صاحب الجائزة)

فامتقع وجه السير لما رآه يصرح باسم الجواد وصاحبه. وقد كانت الحقيقة أن التدبير جرى من قبل في النادي على أن ينال هذا الجواد الجائزة.

ثم قال اللص: (وكنت قد اشتريت أوراقاً للمراهنة على جوادك، ولكنني بعتها واشتريت بمائة وخمسين جنيها أوراقاً أخرى على الجواد الآخر لكي أربح خمسة آلاف جنيه وحملت أصدقائي من اللصوص على مثل ذلك)

وكانت لهجة الثقة التي يتكلم بها اللص داعية للسير برتون على تكرار الابتسام وقال: (لكنه من المحتمل أن تخسر) فقال الدوق: (إن هذا مستحيل - لكن البوليس تأخر)

وكان إبداؤه هذه الملاحظة بمناسبة هي أن الساعة دقت الثانية بعد منتصف الليل. وقد نظر إليها اللص وأبدى تعجبه من ارتفاع صوتها حينما تدق دقة مزعجة مع أنها من أغلى طراز. فلم يجبه السير على هذه الملاحظة ولكن سأله: (ما اسم الجواد الآخر؟)

قال الدوق: (ليس من حقي أن أخبرك لأن المصدر علمي يتعلق بحادثة غرامية بين رجل أعزب وبين امرأة متزوجة. ولو أخبرتك باسم الجواد فقد تعرف هذه المرأة. وأرى مما يتنافى مع شرف الكبار من اللصوص أن يفعلوا ذلك. لقد كنت أسرق منزلاً لأحد الأغنياء فوجدته مستيقظاً ومعه امرأة فاضطررت إلى الاختباء وسمعت الحديث الذي دار بينهما وهو عن التدبير الذي تم لتغيير الجواد الرابح. وقد كان هذا التدبير لمصلحة الرجل وبواسطة تلك المرأة.

وهنا دخلت اللادي برتون وقد دهشت عندما وجدت زوجها واللص يتحادثان كأنهما صديقان ووجدت اللص جالساً مطمئناً. وزادت دهشتها عندما وقف اللص ووقف زوجها للترحاب بها عند الدخول. وقالت لزوجها: (ما الذي فعلت؟ ألم تستدع البوليس؟)

فتناول اللص كرسياً وأشار إليها بالجلوس فجلست وهي في غاية الدهشة مما تراه.

وقال السير: (اسمعي ما يقوله الدوق. لقد أخبرني بأن العزم تغير في نادي السباق ولن ينال الجائزة جوادنا (وايت لادي)

فنظرت اللادي في حيرة إلى اللص وقالت: (ما هو الجواد الأخير؟)

فقال: (لا تسأليني فإن القصة تمس شرف إحدى السيدات، وقد كنت منذ أسبوع أسرق بيت رجل غني فجلست في غرفة الاستقبال. وكان في غرفة النوم سيدة متزوجة تتآمر مع الرجل على موضوع السباق)

ولاحظ الدوق ارتباك السيدة مما بدا في نظراتها وصوتها، ولكن السير كان بطئ الملاحظة فلم يدرك شيئاً من ذلك.

وقالت اللادي: (وهل رأيت السيدة؟) فقال: (لقد لمحت) فقال السير برتون (هل هي زوجته؟)

قال: (كلا وقد قلت الآن إنها متزوجة)

قالت اللادي: (ولماذا لم تظهر نفسك؟) فلاحظ السير على زوجته هذه الملاحظة: (وكيف يظهر نفسه ويتعرض للاعتقال؟)

فقالت: (إنه ما كان من المكن أن يعتقل ما دامت المرأة التي معه متزوجة)

قال الدوق بإباء وترفع: (إنني لا أستغل الأسرار ولا أتجر بسوء السمعة)

استمر اللص في سرد ما سمعه عن تغيير الجواد الرابح فاستثار اهتمام السير لأنه وثق من صدق ما يسمع لما فيه من تفاصيل عن شؤون النادي.

وفي أثناء الكلام دق الجرس فاستأذن السير من اللص وذهب إلى الباب. وفي أثناء غيبته التفتت اللادي إلى اللص وقالت: (أرجو أن تصارحني الآن، أليس المنزل الذي سمعت فيه هذا الحديث هو منزل اللورد آرثر جريفزلي؟)

قال: (نعم ولكن ما يدريك ذلك؟)

فقالت اللادي: (دع هذا التجاهل فإنني السيدة التي كانت هناك. ألم تكن الليلة ليلة الأربعاء؟)

قال اللص: (أأنت مجنونة حتى تعترفي أمامي بمثل هذا الاعتراف؟ لكن سرك على كل حال مصون في قلب يكتم الأسرار، وقد كانت الليلة ليلة السبت وكانت المرأة امرأة غيرك)

وقد كان اللص يحسب هذا القول مطمئناً لها ولكنه أخطأ فإن هذا القول لم يزدها إلا انزعاجاً. وألحت عليه أن يخبرها باسم المرأة الأخرى.

وقالت إنها لا تهتم لنفسها ولا تعبأ بالسر ولكنها تهتم لأن اللورد يدعو إلى منزله امرأة غيرها. وأخذت تلعن وتسب وتقسم أنه لن يكون بينها وبين اللورد علاقة)

وفي أثناء الحديث عاد السير برتون وقال إن الذي كان يدق الجرس هو رجل البوليس وإنه صرفه بأكذوبة اخترعتها وإنه يرجو من الدوق أن يخبره باسم الجواد الآخر.

قال الدوق! (لا تتعب نفسك فإني لا أسمح بذكر حديث يؤدي إلى معرفة المرأة) فقال السير: (عجيب والله أن يأتي لص في الساعة الثانية بعد منتصف الليل ليلقى علينا درساً في الأخلاق. قل وسأعطيك ما تريد من المال) فأبدى اللص علائم الاشمئزاز.

وقالت السيدة لزوجها: (ليس مما يتفق مع مكانتك أن تساوم مثل هذا الرجل على ما أفهمك أنه سر)

ولكنها رأت إصرار زوجها وتشبث الدوق وضاق صدرها بسرها وشعرت بأنها أحرجت فقالت: (إن الرجل الغني الذي يتحدث عنه هو اللورد آرثر جريفزلي والجواد الرابح جواده)

وقف الدوق مغضباً وقال: (هذا سر خنته)

ولكن اللادي خرجت باكية متعثرة وقد عرتها رعشة المضطرب فتبعها زوجها. ووقف اللص وحده وهو نادم على إفشاء السر أكثر من ندمه على أنه سارق.

وبعد ساعة عاد السير برتون وهو أصفر الوجه خائر القوى وقال: (إن اللادي اعترفت لي بالحقيقة كلها وهي ترجو مكافأة على إطلاق حريتك الليلة أن تسرق لها الخطابات التي كتبتها إلى اللورد آرثر)

فوعده الدوق بذلك

وفي الليلة التالية كان اللورد آرثر في حجرة مدير البوليس السري ليساعده على استكشاف جريمة

قال المدير! (ما هو الشيء المسروق؟) فقال: (رزمة من الخطابات يظهر أن اللص حسبها أوراقاً مالية)

فقال مدير البوليس: (وما فائدة البحث عنها؟ إن اللص سيمزقها كما كنت تفعل لو أعيدت إليك)

لكن مدير البوليس كان مخطئاً فإن اللص أخذها ليردها إلى اللادي برتون وقد نال في مقابل ذلك جائزة هاجر بها من إنجلترا إلى أمريكا وترك مهنته الدنيئة

ع. ق