مجلة الرسالة/العدد 995/هلا قطعتم يد السارق؟

مجلة الرسالة/العدد 995/هلا قطعتم يد السارق؟

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 07 - 1952



لصاحب الفضيلة الأستاذ محمد عبد الله السمان

تحت هذا العنوان قالت السيدة سيزا نبراوي رئيسة الاتحاد

النسائي في مجلة المصور بتاريخ (206 1952) تعليقاً على

فتوى الأزهر ومؤتمر الهيئات الإسلامية بشأن حقوق المرأة

السياسية: (لقد دخلنا هيئة الأمم المتحدة وتغيرت طرق الحياة،

وعلى شيوخنا أن يتطوروا، في تفسير القرآن في الحياة، وإلا

فلماذا لا تقطع يد السارق، ولماذا لا يرجم الزاني والزانية؟ لقد

جعلنا قوانيننا) تعني الوضعية (تتفق في ذلك مع تطورات

الزمن)

نحن لا نود أن نناقش اتهام هذه السيدة الإسلام بالجمود وعدم صلاحيته لتطور الزمن، كما تهدف إليها كلمتها، ولكنا نود أن نناقش هذه المعركة الهزيلة التي أشعل نيرانها الغوغاء الثرثارون من الفريقين، والتي لا نعرف لها سراً إلا الثرثرة في غير جدوى، ولا ندرك لها هدفاً إلا تضيع الأوقات سدى وشغل الرأي العام عن مهام الأمور ولا سيما قضية البلد التي أصابت الذروة من الفشل، ونالت أعلى مراتب التهاون والإهمال.

إن الفريق الأول المؤيد لحقوق المرأة السياسية تتزعمه حركات نسائية هزيلة. تلعب من ورائها أصابع الاستعمار الذي يهمه يظل الرأي العام مشغولاً عن قضيته، ووراء هذه الحركات الهزيلة بعض الأقلام الهينة التي من رسالتها أن تبرز في غوغاء المعارك وضوضاء المناورات، وصخب المهازل. والناظر إلى هذه الحركات في مظهرها يعتقد أنها ستحقق للبلاد كل الخير، وتنهض بالوضع إلى القمة، وتدفع بالشعب إلى حيث يتربع فوق هامة المجد ولسنا ندري ماذا نفعل بصوت المرأة في الانتخاب إذا كان الرجل بعد لم يحسن إعطاء صوته؟ وماذا نفعل بنيابة المرأة شياختها، إذا كانت نيابة الرجل وشياخته ب تنجحا تحت قبة البرلمان، ولم تقدما ذرة من الخير لهذا البلد المنكوب،

إن عملية الانتخاب في الريف لم تزل عملية آلية، يتولى تحريكها العصبيات وذوو البطش وأصحاب السلطة من عمدة القرية إلى خفيرها. والفلاحون لا يفهمون من الأمر شيئا سوى أنهم يساقون يوم الانتخابات إلى الصناديق كما تساق المواشي إلى الحظائر. وأصحاب الحول والطول منهم لا يدفعهم إلى التأييد أو الخذلان سوى المنافع الشخصية، أو الحزازات الأسرية. وإن عملية الانتخاب في العاصمة لم تزل عملية تجارية يلعب خلالها السماسرة من رواد المقاهي وفتوات الأحياء دورا يشهد لهم بالبطولة ويقر لهم بالفروسية؛ لأن الطبقة المثقفة في العواصم تضم بأصواتها أن تكون وقوداً للضوضاء ودخاناً للمهازل!

ثم ماذا فعل البرلمان لمصر وهي لم تزل ترسف في قيود الذل والاحتلال؟ ثم ماذا فعلت أصوات الناخبين وصيحات المنتخبين ومصر لم تستطيع بعد أن تسحق الاحتلال الجاثم فوق صدرها وتزهق روح النفوذ الأجنبي الذي يسير دفة سياستها، ولا أن تظفر بالوحدة المؤكدة لشعب وادي النيل، ولا أن تنهض بالشعب إلى المستوى الذي يليق بالآدمية في دنيا الناس.

ثم ماذا فعلت هذه الحركات النسائية! هل استطاعت أن تعمم التعليم بين بنات جنسها، وإن تشق جداول الثقافة لينهل منها الجميع على السواء؟ ألا تدري المتزعمات لهذه الحركات أن نسبة المتعلمات لم تزل تافهة لا يقام لها وزن، وأن نسبة الجهل في السواد الأعظم من بنات جنسهن لم تزل عالية إلى درجة الخجل. فلتسهم هذه الحركات النسائية - إن كانت صادقة في جهودها - في تحقيق الوحدة والجلاء. ولتسهم بجانب هذا في النهوض بالمرأة ثقافياً واجتماعياً وعلمياً، بحيث تشمل نهضتها المدن والقرى والكفور، وليكن للمرآة بعدئذ ما أرادت من حقوقها السياسية والاجتماعية.

أما الفريق الآخر: وهو الفريق المناهض للحركات النسائية فتتزعمه الهيئات الإسلامية الراكدة وبعض رجال الدين المحسوبين على الدين ظلماً. والواقع أنه ليس لهؤلاء الناس أهداف حية يرغبون في تحقيقها حتى يعملوا، فهم يتصيدون المعارك الجدلية والميادين الفارغة ليثبتوا وجودهم. وهم يحاولون أن يجعلوا للإسلام سلطة في توافه المسائل ولو ظل مسلوب السلطة في مهام الأمور. ويؤولون في كتاب الله تأويلا فاسدا يتفق وضآلة الحجة وتفاهة البرهان.

ولسنا ندري ماذا فعل هؤلاء الناس للإسلام حتى يخشوا الخروج عليه، ويتصنعوا الدفاع عنه! إن الإسلام لم يزل قريباً في مصر وفي كل بلد إسلامي، وإن شعوبه لم تزل رازحة تحت نير الاستعمار دون أن تقوى على تحطيمه، وإن قانون السماء لم يزل مبعداً لا ينظر إليه، ولا يكترث لوجوده، وإن شريعة الله لم تزل مضطهدة في كل رقعة إسلامية لا يعترف بقدرها، ولا يسأل عن كيانها.

ولسنا ندرى ماذا يضير الإسلام أن يكون للمرأة صوت انتخابي، وأن تدخل تحت قبة البرلمان وهو الذي أقر كتابه تلك المرأة التي تحكم حكماً ديمقراطياً شوريا، وسمح لها تناقش الخليفة في أمور الدنيا والدين، والتي بايعت الرسول كما بايعه الرجل سواء بسواء، وحابت معه في كل ميدان، وشاطرت الرجل الجلوس في بيوت الله.

إذا كان هؤلاء الناس يخسون على الأخلاق أن تزاحم المرأة الرجل، وأن تمهد للسفور والاختلاط بحقوق السياسة. فالملاهي والمراقص والحانات ودور اللهو والعبث أصبحت مجالا فسيحا للمزاحمة والاختلاط والسفور.

أليس من العار أن يتحدى الهيئات الإسلامية (شرذمة النساء) وتعقد من أجلها المؤتمرات، ويبعثر المال في النشرات وبرقيات الاستنكار والاجتماع؟ بل أليس من العار أن يتحدى هذه الشرذمة أيضاً رجال الدين فيصدرون الفتوى تلو الفتوى كأن لهم مصنعا من الفتاوى يخرج العشرات في كل لحظة؟

إننا نود أن نقول للفريقين رويدكم فإنكم تناضلون في ميدان لا بركة فيه ولا خير يرجى من ورائه. إنكم توهمون أنفسكم بأنكم تناضلون في سبيل الوطن والدين، وتزعمون أنكم تجاهدون في سبيل إحقاق الحق وإزهاق الباطل، ولو صدقتم في نضالكم وجهادكم لحققتم أماني الوطن وأعززتم الإسلام بتحقيق مطالبه. ولكن. . وما أمر ولكن على من ضل سمعهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

محمد عبد الله السمان