مجلة المقتبس/العدد 11/الخلنج والخلينج

مجلة المقتبس/العدد 11/الْخَلَنْجُ وَالْخُلَيْنِجُ

مجلة المقتبس - العدد 11
الْخَلَنْجُ وَالْخُلَيْنِجُ
ملاحظات: بتاريخ: 16 - 12 - 1906



(1 تمهيد) طالع بعض القراء الأماثل من البغاددة ما جاء في المقتبس عن فوائد ورق النبات الذي ذكر هناك (ص421) باسم الاريقي. وسألوني هل له اسم في العربية وما هو وهل ذكره شعراء العرب في شعرهم وما هذا النبات وطلبوا مني أن أعرفه تعريفاً مولاً كافياً شافياً على ما جاء به العرب سابقاً والإفرنج في عهدنا هذا فلبيت طلبهم بكتابة السطور التالية

(2 تعريف الخلنج على ما نطق به العرب) اسم الاريقي بالعربية هو الخلنج. أما الاريقي فكلمة يونانية قال ابن البيطار في تعريفه: قال أبو عبيد البكري: هذا الاسم يقع عندنا بالأندلس على الشجرة التي يصنع من أصلها فحم الحدادين ويسمى باليونانية اريقي (وبالأصل المطبوع ارتقي وهو من غلط الطبع) لها أغصان طوال مقدار قامة الإنسان ذات هدب أصفر من هدب الطرفاء بين اللدونة والخشونة وزهره صغير إلى الحمرة وفيها غبرة وهي لطيفة في شكل المحجمة في جوفها شعيرات من لوانها في رأس كل شعيرة حبة هينة لطيفة ألطف من حب الخردل فرفيرية اللون قد فرعها واحدة حتى خرجت في وسطها من كمام الزهرة (قلت أنا: وهذا النوع يسمى بالفرنسية أو

ومنه صنف آخر أبيض النور إلا أنه ألطف من نور الأول مقداراً والشكل واحد. (زدت أنا: وهذا الذي يصح أن نطلق عليه اسم الخلينج مصغر خلنج تمييزاً له عن الخلنج الأول ويقابله باليونانية لفظة موريقي وهو الذي يطلق عليه بالفرنسية اسم بدون تقييد وبلسان النبات أو

وقال في تعريفه داود الحكيم في تذكرته: خلنج شجرة بين صفرة وحمرة يكون بأطراف الهند والصين ورقة كالطرفاء وزهره أحمر وأصفر وأبيض وحبه كالخردل. وقال المجد الفيوز أبادي: الخلنج كسمد: شجر معرب. وزاد في التاج: شجر فارسي معرب (خلنك) يتخذ من خشبه الأواني.

وأما صاحب دائرة المعارف فإنه من بعد أن أورد كلام داود الحكيم من تحديد ووصف قال: وقد ذكروا (أي العرب) أنه يصنع من خشبه قصاع قال الشاعر:

يطعم الشهد في الجفان ويسقي ... لبن البخت في قصاع الخلنج

وهذا يدل على أنه شجر كبير. وقولهم يكون بأطراف الهند والصين يدل على أنه غير الذي اصطلح على تسميته مؤخراً بهذا الاسم لأنه معروف في غربي آسيا وفي أوربا كثيراً أنه شجيرات أو نجوم.

قلنا أن ابن منظور عند ذكره البيت الآنف إيراده قال:. . . وقيل هو كل جفنة وصحفة وآنية صنعت من خشب ذي طرائق وأساريع موشاة. قلنا: وحينئذ يسقط اعتراض الدائرة على أن كلامها صادق إذا كان من الخلينج لا عن الخلنج لأنني رأيت في بلاد الهند ما يمكن أن يخرط من سوقه أنواع الآنية بدون أدنى مانع. لأن هذا النبات يكون أنجماً وشجيرات تكاد تكون أشجاراً ويبلغ جنسها 400 نوع وموطن أغلبها إفريقية وليس منها في أوربا إلا عشرون وفي آسيا الغربية ثلاثة أو أربعة وفي الهند والصين وفارس نوعان فقط منهما الخلنج الكبير.

(3 تعريف الخلنج على ما ذكره العلماء المحدثون وأنواعه) هو جن أصلي لفصيلة الخلنجية أي أنها النبتة ثنائية الفلقة وحيدة أهداب التويج ذكورها سفلية الاندغام وأغلب نباتاتها شجيرات ونجوم جميلة المنظر وأهدابها (وهي أوراقها) متعاقبة في الأغلب ويندر كونها متقابلة أو احاطية وهي بسيطة خالية من الأذينات ونورها مختلف وأجاسها أربعة أشهرها الجنس الأساسي ثم الاندروميدة ثم الاربوتس فالرودندرون. الخ. وأما أثمارها فتكون في خل كثير البزر.

وأغلب منابت الخلنج الأرضون الرملية ومن خاصيته النبتية أنه يزيد تراب الأرض التي يجيء فيها ويعلي خصبها ويجعل ذلك التراب من أحسن الأتربة لخفته وقوته ولذلك يعرف بالتراب الخلنجي.

أما اختلاف أنواعه فيأتي في العموم من هيئته الخارجية ونظام أنواره وألوانه التي لا تقف عند حد. إلا أن جميع هذه الأنواع تعرف بدوام خضرة أهدابها وطول بقاء أزهارها وخلانج إفريقية هي أجمل وأبهى وأزهى هذه الأنواع وأشدها رغبة للناس وتطلباً لها منهم إلا أنها ألطف قواماً وبقاء وهي تتكاثر بالبزر أو العكيس.

(حاشية. العكيس بلسان النباتيين: القضيب من الحبلة يعكس تحت الأرض إلى موضع آخر وقد يطلق على كل قضيب يعكس ولو لم يكن من قضبان الحبلة. قلت وهو المعروف في بعض البلاد بالدرخة عند العوام وبالفرنسية أو التعزيز (حاشية: التعزيز عند علماء النبات ما يحول من فسيل النخل وغيره قال القتيبي: وسمي بذلك لأنه يحول من موضع إلى موضع فيغرز قلت وهو المعروف في بعض البلاد بالقلم عند العوام. وعند الفرنسيين بكلمة أما أشهر الأنواع المعروفة في هذه البلاد الشرقية فهو الخلنج الأرمد ويعرف بلسان علماء النبات باسم وينبت بكثرة في الحراج ولوفرة أزهاره فهو ينشر بين خضرة تلك الدكادك والألوية أعلاماً وردية ضاربة إلى البنفسجية وهو الذي قال عنه ابن البيطار أن النحل تعمل من زهراتها عسلاً ليس بمحمود. - والخلنج الصادق وهو رأس النوع المسمى بالكلونة ومشهور بتويجه المشقوق. - وخلنج المكانس وهو الذي تتخذ من أغصانه الناعمة المكانس والمنافض الخشنة (المنافض جمع منفض أو منفضة وهي المسماة بالفرشاة أو الفرشة عند البعض والمكانس الاسلامبولية والشامية تسوى من هذا النوع. وفي عدة بلاد تتخذ تلك الأغصان مع الجذور خشباً للوقود وفحمه من أحسن الفحم.

ومن أنواعه الأجنبية الخلنج ذو الأزهار الكبيرة وهو يكثر في البلاد الرأس من إفريقية ويبلغ علوه متراً ونصف متر ونوره أحمر برتقالي أو أحمر سقلاطوني. ومن تلك الأنواع الخلنج القاروري وتكون أزهاره على هيئة قوارير ولونها على بياض مؤطرة بحمرة.

(4خواصه الطبية) قال داود الحكيم: هو حار يابس في الثانية قد جرب دهنه لإزالة الإعياء والضربان والنقرس عن برد. ونشارته إذا غسل بها البدن فعلت ذلك ومثقال من بزره بالعسل يحفظ القلب من السم والأكل في أوانيه ينفع الخفقان. وقال ابن البيطار: إذا تضمد بزهرتها أو ورقها أبرأت نهش الهوام. وقال جالينوس في 6وقوة هذا النبات قابضة محللة لا لذع معها وأكثر ما يستعمل منه ورده وورقه فقط. وقال الشريف: زهره له قوة حارة يابسة في الثانية وإذا جمع زهره ووضع في الدهن وشمس ثلاثة أسابيع ودهن به نفع من الإعياء ومن أوجاع المفاصل ومن النقرس البارد السبب. وفي دائرة المعارف: اشتهر بتفتيت الحصا وشفاء القولنجات واستعمل منقوع أزهاره في شفاء القوباء وقيل إذا تكمد بالأزهار نفعت من النقرس. وقد تستعمل في الحمامات البخارية كذلك وقيل أيضاً أنها تنفع من حمى الربع.

(5وروده في أشعار العرب) جاء في الأغاني 17: 167 قال الزبير: حدثني عمي مصعب أن عبيد الله بن قيس كان عند عبد الملك فأقبل غلمان له معهم عساس خلنج فيها لبن البخت فقال عبد الملك: يا ابن قيس أين هذا من عساس مصعب التي تقول فيها:

ملكُ يطعم الطعام ويسقي ... لبن البخت في عساس الخلنج

فقال لا. أين يا أمير المؤمنين لو طرحت عساسك هذه في عس من عساس مصعب لوسعها وتغلغلت في جوفه فضحك عبد الملك. ثم قال: قاتلك الله يا ابن قيس فإنك تأبى إلا كرماً ووفاءً.

قلت وقد اختلفت الروايات في إيراد البيت المذكور ففي الأغاني هذه الرواية. وفي دائرة المعارف الرواية التي ذكرناها في صدر هذه المقالة. وكذلك جاء في محيط المحيط.

وأما رواية التاج فهي:

تلبس الجيش بالجيوش وتسقي ... لبن البخت في عساس الخلنج

وإليك الآن رواية اللسان:

يلبس الجيش بالجيوش ويسقي ... لبن البخت في عساس الخلنج

وفي مادة ب خ ت من التاج:

إن يعش مصعب فإنا بخير ... قد أتانا من عيشنا ما نرجي

يهب الألف والخيول ويسقي ... لبن البخت في قصاع الخلنج

وممن ذكر الخلنج من الشعراء هميان ابن قحافة. فقد قال:

حتى إذا ما قضت الحوائجا ... وملأت ساحلاً بها الخلانجا

منها وثموا الأوطب النواشجا (عن اللسان)

فهذا بحث علمي أدبي لغوي طبي من قديم وحديث عساه يكون كنزاً للطالب والله الموفق إلى السداد بغدادأحد قراء المقتبس