مجلة المقتبس/العدد 12/أكلة التراب

مجلة المقتبس/العدد 12/أكلة التراب

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 1 - 1907



معربة عن مجلة الطبيعة الفرنسية

أكلة التراب من العادات المشاهدة في جميع أطراف العالم فلا يتناوله المتناولون أجزاءً صغيرة كما تؤخذ التوابل بل يكثرون من تناوله بكميات وافرة. وقد قال بلين أن بعض الرومانيين كانوا يمزجون الحنطة بالطباشير المستخرج من ضواحي بوزليس إحدى مدن إيطاليا اليوم. وكان التراب المختوم المجلوب من جزيرة لمنوس وأرمينية يستعمل في الطب. ويأكل بعضهم الطين في أميركا الجنوبية في خلال الفيضانات كما يتخذون التراب إداماً في المعجنات في بورتو والهند والصين ويقوم الصلصال الأبيض مقام صحفة من الحلواء في شاطئ الذهب بإفريقية.

ويتخذ من الحجر الرخص الأبيض طعمٌ لقنص الثعالب والوعول وغيرهم من الحيوانات الكاسرة. وسمن الحجر معروف عند العملة الألمان. وقد شاع استعمال تراب صالح في بلاد فارس. وأهل السنغال يمزجون تراب المغرة (طين أحمر) بالأرز فيأكلونه. وثبت في الهند خاصة منذ عهد طويل أن أكل التراب ينتهي بصاحبه إلى الموت. ويظهر أن القوم في أمريكا الجنوبية يضعون في الليل على عيون الأطفال أوجهاً مستعارة لمنعهم من قلع الجبس عن الحيطان وأكله.

وكثيراً ما شوهد أن أناساً في بعض الأصقاع يتناولون كمية من التراب أو الخزف المكرر فقد ثبت أن العثماني (كذا) يتناول نصف رطل مصري في النهار وأن الفرد في إقليم البنغال من بلاد الهند يتناول ستة أواق. ويجعل التراب أو الخزف بعض الأحيان تماثيل صغيرة وغيرها كما نجعل السكر والحلويات وأقراص الطحين والعسل والتوابل. فيستخدمون في البنغال وبوليفيا صور قديسين من الطين والخزف كما يتخذون منها في جاوة صور آدميين وحيوانات. والتراب أكثر شيوعاً من الخزف.

ولقد أدى البحث عن أسباب مرض آكل التراب ليوم إلى أنه ينبغي التمييز بين ما استعمله بعض الشعوب في كل زمن من مزج طعامهم بمواد حديدية مختلفة وبين المرض الذي يصاب به بعضهم في الأصقاع معينة وهو عبارة عن ابتلاع كمية عظيمة من التراب. فإن من الأمراض ما ينشأ عنه ميل إلى تناول التراب مثل بعض أمراض الهستريا والجنون والخبل. وكذلك بعض النساء في حال الحبل. ويكثر الميل إلى ذلك بالأكثر في الأمراض التي تحدث عنها اضطراب في المعدة ويشكو أربابها بضيق وجوع واحتراق في القسم الشراسيفي فيتوهمون أنهم إذا ابتلعوا جسماً ثقيلاً تسكن آلامهم وهذا ضرب خاص من ضروب الطوى الشديد وجوع البقر

ومن جملة الأمراض الشائعة في أقطارنا ما ينجم عنه حالياً إفراط في اشتهاء الطعام وميل إلى ابتلاع ماد صلبة ولو لم تكن مغذية هو مرض الأنيميا المصرية داءٌ عني بالنظر فيه بعض أهل العلم منذ بضع سنين فثبت الهم أنه يحدث من ديدان صغيرة قليلة كانت أو كثيرة تعلق في الغشاء المخاطي المعدي على مساواة الإثني عشري (أي القسم الأول منت المعي الرقيق) ولا يصاب به في البلاد الأوروبية غير عملة المناجم ولذلك يدعى أيضاً هزال المعدنين. كما يصاب به العملة الذين يشتغلون في الأنفاق ومعامل الخزف والقرميد. والحرارة والرطوبة هي من الأسباب الجوهرية في نمو هذه الديدان. فتعيش الدودة وتبيض في معي المرء كما تنمو في الطين الذي هو إلى الحرارة وتدخل الجسم عن طريق الجلد أو عن طريق الفم وبهذا عرفت أن دودة الأحشاء هذه التي يقل نموها في البلاد الباردة للأسباب المقدمة آنفاً يكثر نموها في الأصقاع الحارة والرطبة.

وبعد فقد ثبت وجود الأنيميا المصرية مثلاً في مصر وعلى ساحل إفريقية تقريباً وإنه يصاب بها الزنوج أحياناً بصورة شديدة للغاية. وقد وجد الباحثون بين المصابين بها أناساً من أكلة التراب كانوا يحملون داء الأنيميا في أحشائهم.

ومن السهل أن نتصور مبلغ ما يتعرض له أكلة التراب من الأخطار إذا عرفنا أنه مملوءٌ بالدويبات والجراثيم. ولا يعد أن ينجلي البحث في المستقبل عما إذا كانت نسبة بين الأصقاع التي ينتشر فيها مرض الأنيميا المصرية وبين الأصقاع التي يؤثر عن أهلها أكل التراب. وإنا لنرى أكلة التراب على كثرة في الهند كما نجد مرض الأنيميا. وكذلك الحال في الصين والهند الصينية وسيام واليابان. وقد بحث سنتيل في مرض الأنيميا في أمريكا فثبت له أنها منتشرة في الأرجاء التي شوهد فيها أكلة التراب وأنه لا يصاب بها الهنود فقط تتناول الزنوج والبيض أيضاً.

ويروى أن أكلة التراب يموتون في أمريكا شر ميتة فتبدو عليهم أعراض الهزال فيهلكون.

هذا وقد ثبت أن الأنيميا تسبق في الغالب عادة أكل التراب وقيل أنه سبب الأنيميا ولا يدرك ذلك في الأنيميا البسيطة وتظهر كل الظهور إذا كانت الأنيميا ناشئة عن ديدان.