مجلة المقتبس/العدد 13/حكم وخواطر

مجلة المقتبس/العدد 13/حكم وخواطر

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 2 - 1907


كتبت منذ سنوات في المجلة المصرية بعض جمل وخواطر سنحت لي يومئذ منها ما تحديث به مناهج الحكماء ومنها ما ذهبت به مذاهب التعريض والإيماء إلى معانٍ عصرية ومقاصد سياسية فاستحسن بعضهم تلك الجمل واستشهدوا بها ووجد في بعضها قوم إغلاقاً ولم يدركوا جميع مراميها فقصدت أن أجرب هذا النمط مرة ثانية لا لأنني مخترع شيئاً بل لأني مجدد أسلوباً إذ أن المعاني وإن كان أكثرها قديماً فلابد لها في كل عصر من زي يلائمه ولكل زمن لغة ولكل عصر بلاغة.

قرائح الرجال كمعادن الجبال لا تظهر القرائح إلا بالاختيار كما لا تعرف المعادن إلا بالاحتقار

ما حث مطايا التقدم مثل مناخس الانتقاد

إذا تأخر بالإنسان مركب الحياة تمنى مهب الحوادث

حملة العاقل في رأسه وجملة الجاهل على ظهره

الفضل دنبٌ يذنبه الفاضل إلى أهل النقص فليكفّر عنه بالتواضع

ربَّ ملولٍ من العمل لو ارتاح ملَّ أكثر

قد يفيد السلب كما يفيد الإيجاب وأحياناً ينهض بالمرء النقص ما لا ينهض به الكمال

قد يكون ما يُجدي العدو بعداوته بوزن ما يفيد الصديق بصداقته وكم عداوة أكسبتك محابّ

المتكبر ممقوت ولو أخرج الحق من جنبه والمتواضع محبوب ولو لم يتب من ذنبه لأنه مهما يكن من فضيلة فإن الكبر ينسفها ومهما يكن من نقيصة فإن الإقرار يخففها

أحسن مركز للعدو العاقل العدل في غير لين والأدب في غير خضوع

بعض الناس يداوي العداوة بالظلم وبعضهم يعالجها بالذل وكلاهما يزيد الداء

قد تقع الندامة على العجلة بالخير كما تقع على العجلة بالشر وربما كان الندم على المعروف مع غير أهله أنكى من الندم على الجزاء في غير أهله.

الصادق أشد الناس دهاء لأنه يصل إلى جميع مقاصده من أخصر الطرق ويعبر إلى النجاة على جسر الاعتقاد

إذا كان العامل عالماً كان إذاً العالم عالماً (العامل الأول هو الوالي)

إذا كان الملك حكيماً فمملكته هي المدينة الفاضلة لا تظنن العالم الشرير عالماً لأن العلم الذي لا تطهر معه النفس هو كالماء الذي لا يطهر من النجس

جميع الخلائق مفترسة لكن بعضها يأكل بالأسنان وبعضها يأكل باللسان

ليس المهذب من لا تجد له عدواً بل المهذب من لا تجد عليه طاعناً بحق

أكثر ما يمتدح العدو عدوه في موطن الحملة عليه

إذا ضعف زرع القلب أنبت زوان الكذب على أسلة اللسان

إذا قدرت فاصفح لأن علو المقام كافٍ في الانتقام

ما أقبح الهجوم بالمُعوِر والسباق بالمقصّر وإثارة العداوات بمخروق الستر

الثناء نبتُ شائك لا يُجتنى إلا بإدماء الأصابع والراحة لصٌّ هارب لا يمسك إلا بهجر المضاجع

إذا أنعمت بنعمة وجحدها جاحد فلا تذكرها لأن سكوتك عن المنّ أكرم من كرمك بالمنة

اكبر الرجال في عيني من كان فعله أكثر من قوله وباطنه خيراً من ظاهره

ضدان لا أصعب من اجتماعهما لدى المرء ضيق الرزق وسعة العقل

لا تنتقم لنفسك مثلما ينتقم لك الدهر وقد يزيد على ما كنت تريد

ما عاض من المال مثل العقل ولا سدّ هوّة الفقر مثل الشرف ولا قصف غصن الفضيلة مثل ريح الدعوى ولا جدع أنف الأصالة مثل دنس العرض والأصيل الطاهر أولى بالعشق من الجميل الباهر.

مناط الحساب العقل وعلى قدر عقل الخصم يكون انفعال خصمه منه

لا يغلبك في خصام مثل المجنون لأنه محكوم له من الجميع من أول جلسة

الصداقة أمانةٌ وجدير بالأمانة التي أبت حملها الجبال أن لا تعرض إلا على أقوياء الرجال

أسعد حالات الصداقة أن يتوازن الحسن والحب وأن تتساوى درجات الاعتبار في العقل مع جرات الائتلاف بالقلب

يجب أن يصوَّب الصواب ولو خاب صاحبه وأن يخطّأ الخطأ ولو فاز راكبه لأن الصواب للنجاح أساس وما جاء خلاف ذلك فعلى خلاف القياس

كل عهدٍ لازمٌ ذمة صاحبه إلا في الشر فالنقض حلال ما أعجب إلا ممن يتعرض للنوافل وهو غير متمم للفروض وممن يتصدى للمكارم وهو غير مؤد للحقوق وممن يأخذ طريقة رفاعية أو قادرية وهو مقصر في نفس الإسلام

من أغرب ضروب الحسد أن العين تتجمد لجاهك ولو كنت محسناً وتسيل لبؤسك ولو كنت مسيئاً

ليس معنى التعنت في اختيار الصديق النفور من الناس أو التقطيب في وجوه الجلاس إذ بين الصداقة والمؤانسة درجات فمؤانسة الجميع لباقة وكياسة ومصادقة الجميع حماقة وخساسة

لا يمكن الإنسان أن يحب من لا يحترم ولكن ربما اتخذ من لا يحترم وسيلة لقضاء حاجته وشتان بين المحبة والمصانعة

لا يجب الاتكال على الكبار في تجويد الأعمال العامة بسبب علو مر بهم لأن غلط الكبير يكون كبيراً ولأن علو المركز يحول دون التدقيق

بقدر حظك من الدنيا تقسو عليك القلوب وعلى درجة علوك تنظر شزراً إليك العيون

لو كانت قيمة كل امرئ ما يحسنه حقاً لخسف المقام بكثير من كبار الأرض

الشهادة الحسنة بحق العدو أحبولة التصديق عند الذم

الجهل البسيط أول درجات العلم وخيرٌ للإنسان أن يقيم بالعراء من أن يقيم بالبناء الساقط

يستريح المرء من الصدوق لأنه يركن إلى كلامه كله ومع الكذوب لأنه لا يقبل شيئاً من جدّه ولا هزله وإنما كان التعب مع المتوسط هذا الذي لا يُدرى متى يصدق ومتى يكذب

ما من خير محض ولا من شر محض ولا من حال تضر من وجهين

قيمة الشيء الحاجة إليه فالثلج قيمته حمله والحجر ثمنه نقله وكم تراب هو ذهب وكم عودٍ يستطرف وهو في أرضه حطب.

إذا طال البؤس على امرئ تمنى التبديل لأن بالتقلب على الجنبين راحةً للعليل

التواضع ستّار كل العيوب والخضوع ملينُ لأقسى القلوب

لا تفرط في تشهي أمر فربما صار حلوه علقماً وآلت راحته ألماً وجنيت من كثرة التمني ندماً

كثرة التسهيل في الأول تورث كثرة التعقيد في الآخر.

بيروت

شكيب أرسلان