مجلة المقتبس/العدد 16/من أين إلى أين

مجلة المقتبس/العدد 16/من أين إلى أين

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 5 - 1907



من أين من أين يا ابتدائي ... ثم إلى أين يا انتهائي

أمن فناء إلى وجود ... ومن وجود إلى فناء

أم من وجود له اختفاء ... إلى وجود بلا اختفاء

خرجت من ظلمة لأخرى ... فما أمامي وما ورائي

ما زلت من حيرة بأمري ... معانق الأس والرجاء

أن طريق النجاة وعر ... يكبو به الطرف ذو النجاء

يا قوم هل في الزمان نطس ... يهدي إلى ناجع الدواء

لأي أمر هذي الليالي ... تأتي وتمضي على الولاء

فتطلع الشمس في صباح ... وتغرب الشمس في مساء

أرى ضياء يروق عيني ... ولست أدري كنه الضياء

وما اهتزاز الأثير إلا ... علالة نزره الجلاء

نحن على رغم ما علمنا ... نعيش في غيهب العماء

نشرب ماء الظنون عبا ... فلم نعد منه بارتواء

تأتي علينا مشاهدات ... نروح منهن في مراء

وكم نرى فعل فاعلات ... من القوى وهي في الخفاء

ياويلة الحس أنه عن ... حقيقة الأمر في غطاء

فإن أجزاء كل جسم ... مبتعدات بلا التقاء

وفي دقاق الجماد عرك ... يتهم الحس بالخطاء

يا قوة الجذب أطلقيني ... من ثقله أوجبت عنائي

لولاك لولاك يا شكالي ... لطرت كالنور في الفضاء

أنت عماد السماء لكن ... خفيت عن عين كل راء

ربطت كل النجوم فيها ... بعضاً ببعض ربط اعتناء

فدرن في الجو جاريات ... كانها السفن فوق ماء

نحن بني الأرض قد علمنا ... بأننا من بني السماء

لو كنت في المشتري لبانت ... أراضي سماء بلا امتراء فليس فوق وليس تحت ... ولا اعتلاء لذي اعتلاء

وإنما نحن فوق نجم ... نحيا محاطين بالهواء

فليت شعري أي ارتقاء ... للروح يبقى أي ارتقاء

وأنت يا كهرباء سر ... يدا وما زال في غشاء

عجائب الكون وهي شتى ... فيك انطوت أيما أنطواء

أضأت إن شئت كل داج ... إن كأنت الروح للبقاء

وكم تقاضاك فيلسوف ... حقيقة صعبة الأداء

فقال والقول منه ظن ... ما الكون إلا بالكهرباء

وليلة بتها أنادي ... نجومها أبعد النداء

أأخذ منهن بالتداني ... فكراً ويأخذن بالتنائي

فإنثنى باكياً بشعري ... ويطرب الليل من بكائي

وربما كر بعد وهن ... فكري فألفى بعض الشفاء

فأرجع القهقرى أغني ... وما سوى الشعر من غناء

أقول والنسر فوق رأسي ... وطالع النجم في إزائي

يا أيها الأنجم الزواهي ... لله ما فيك من بهاء

أما كفاك السنى جمالا ... حتى تجللت بالسناء

يا أنجم النعش فاصدقيني ... أمات ذو النعش بانطفاء

أني إذا كنت في حداد ... إليك أهدي حسن العزاء

وأنت يا نسر من كلال ... وقعت أم طلبة الغذاء

أخوك هل طائر لوكر ... أم قاصد منتهى الفضاء

كان أم النجوم سيف ... سل على الليل ذو مضاء

رصع متناه بالداري ... فراق في الحسن والرواء

كان نجم السها أديب ... في أرض بغداد ذو ثواء

كان خط الشهاب مدل ... لأسفل البئر بالرشاء

كانما أنجم الثريا ... في شكلها الباهر الضياء قفاز كف به فصوص ... من حجر الماس ذي الصفاء

برئت للموت من حياة ... ما نكبت مهيع الشقاء

لم يكفها أنها اجتياح ... حتى غدت حومة البلاء

يا أيها المترف المهنى ... يمرح في ثوب كبرياء

مهلا أخا الكبر بعض كبر ... ألست تقنى بعض الحياء

أنت ابن فقر إلى أمور ... بهن تدعى يا ابن الثراء