مجلة المقتبس/العدد 2/صحف منسية
مجلة المقتبس/العدد 2/صحف منسية
شعر ابن حزم
قال الفقيه أبو عبد الله الحميدي قال كان لشيخنا الفقيه أبي محمد بن حزم في الشعر والأدب نفس واسع وباع طويل وما رأيت أسرع بديهة منه وشعره كثير وقد جمعته على حروف المعجم ومنه ما كتبت عنه
هل الدهر إلا ما رأينا وأدركنا ... فجائعه تبقى ولذاته تفنى
إذا امكنت فيه مسرة ساعة ... تولت كمر الطرف واستخلفت حزناً
إلى تبعات في المعاد وموقف ... نود لديه أننا لم نكن كنا
حصلنا على هم وإثم وحسرة ... وفات الذي كنا نقر به عينا
حنين لما ولى وشغل بما أتى ... وغم لما يرجى فعيشك لا يهنا
كأن الذي كنا نسر بكونه ... إذا حققته النفس لفظ بلا معنى
قال وله أيضاً من قصيدة خاطب بها قاضي الجماعة بقرطبة عبد الرحمن بن بشير يفخر فيها بالعلم ويذكر أصناف ما علم يقول فيها
أنا الشمس في جو العلوم منيرة ... ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
ولو أنني من جانب الشرق طالع ... لجد على ما ضاع من ذكري النهب
ولي نحو أكناف العراق صبابة ... ولا غروان يستوحش الكلف الصب
فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم ... فحينئذ يبدو التأسف والكرب
فكم قائل أغفلته وهو حاضر ... وأطلب ما عنه ما تجيء به الكتب
هنالك يدرى أن للبعد قصة ... وأن كساد العلم آفته القرب
فوا عجباً من غاب عنهم تشوقوا ... له ودنو المرء من دارهم ذنب
وإن مكاناً ضاق عني لضيق ... على أنه فيح مذاهبه سهب
وإن رجالاً ضيعوني لضيع ... وإن زماناً لم أنل خصبه سغب
ومنها في الاعتذار في مدح نفسه
ولكن لي في يوسف خير أسوة ... وليس على من بالنبي ائتسى ذنب
يقول وقال الحق والصدق إنني ... حفيظ عليم ما على صادق عتب وأنشدني لنفسه
لا يشتمن حاسدي إن نكبة عرضت ... فالدهر ليس على حال بمترك
ذو الفضل كالتبر طوراً تحت ميقعة ... وتارة في ذرى تاج على ملك
وأنشدني أيضاً له
لئن أصبحت مرتحلاً بشخصي ... فروحي عندكم أبداً مقيم
ولكن للعيان لطيف معنى ... له سأل المعاينة الكليم
وقد كرر أيضاً هذا المعنى فقال:
يقول أخي شجاك رحيل جسم ... وروحك ما له عنا رحيل
فقلت له المعاين مطمئن ... لذا طلب المعاينة الخليل
قال أبو عبد الله الحميدي وقلت له يوماً قال أبو نواس:
عرضن للذي تحب بحب ... ثم دعه يروضه إبليس
فقل أنت في طريق التحقيق فقال:
أين قول وجه الحق في نفس سامع ... ودعه فنور الحق يسري ويشرق
سيؤنسه رفقاً وينسى نفاره ... كما نسي القيد الموثق مطلق
وأنشدت له (صاحب الذخيرة) أيضاً في ما كان يعتقده من المذهب الظاهر من جملة أبيات يقول فيها:
وذي عذل في من سباني حسنه ... يطيل ملامي في الهوى ويقول
أفي حسن وجه لاح لم تر غيره ... ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل
فقلت له أسرفت في اللوم ظاهراً ... وعندي رد لو أردت طويل
ألم تر أني ظاهري وأنني ... على ما بدا حتى يقوم دليل
وقال هذا الإمام الشاعر
قالوا تحفظ فإن الناس قد كثرت ... أقوالهم وأقاويل العدى محن
فقلت هل عيبهم لي غير أني لا ... أقول بالرأي إذ في رأيهم فتن
وإنني مولع بالنص لست إلى ... سواه أنحو ولا في نصره أهن
لا انثني نحو آراء يقال بها ... في الدين بل حسبي القرآن والسنن يا برد ذا القول في قلبي وفي كبدي ... ويا سروري به لو أنهم فطنوا
دعهم يعضوا على صم الحصا كمداً ... من مات من قوله عندي له كفن
إني لأعجب من شأني وشأنهم ... وا حسرتا إنني بالناس ممتحن
ما إن قصدت لأمر قط أطلبه ... إلا وطارت به الإظعان والسفن
أما لهم شغل عني فيشغلهم ... أو كلهم بي مشغول ومرتهن
كأن ذكري تسبيح به أمروا ... فليس يغفل عني منهم لسن
إن غبت عن لحظهم ماجوا بغيظهم ... حتى إذا ما رأوني طالعاً سكنوا
دعوا الفضول وهبوا للبيان لكي ... يدرى مقيم على الحسنى ومفتتن
وحسبي الله في بدء وفي عقب ... بذكره تدفع الغماء والإحن
وقال: بلغت من لذة الدنيا ذرى أربي ... في لذة العيش والسلطان والنشب
فأذهبت دول الأيام منزلتي ... وزاد فقدي للذات في كربي
وكان مالي لهذا كله تبعاً ... بل صار عوناً لأعدائي على طلبي
لكن رجعت وقد جد الزمان إلى ... كنز من العلم والأخلاق والأدب
فاعجز الدهر أن يودي بواحدة ... منها واقصر عني واهي السبب
لا اختشى تضع الأيام منزلتي ... مدى الزمان وعندي أغلب الطلب
لا يستطيعون عذلي عن ولايتها ... إذ كل وال لهم بالعزل في العقب
هذا بلا كلفة مني ولا حرس ... ولا عديد ولا إنفاق مكتسب
وكل من كان في دنياي يصحبني ... ناديته حين خانتني فلم يجب
كلام من جرب الأمرين واتضحت ... له المذاهب من جد ومن لعب
أنا ابن من دبر الدنيا بخاتمه ... عشرين عاماً وعشر بعد لم يرب
وإن منزلتي في العلم منزلة ... في الملك حظ كحظ الصادق النسب
مازلت اذخره دهري وانفقة ... (دأباً) كمثل اللجين المحض والذهب
وإنني لبخيل بالسلام إذا ... بخلت بالعلم من لفظي ومن كتبي
لو استطعت منحت الناس كلهم ... ما قد تجمع في حفظي وفي كتبي
أأبذل المال يفني البذل حاصله ... ولست أبذل ما ينمى على النهب سائل بأي علوم العالمين تجد ... عندي ينابيع ذاك العلم من كتبي