مجلة المقتبس/العدد 20/سوء المنقلب
مجلة المقتبس/العدد 20/سوء المنقلب
بغداد حسبك رقدة وثبات ... أو ما تمضك هذه النكبات
ولعت بك الأحداث حتى أصبحت ... أدواء خطبك ما لهن أساة
قلب الزمان اليك ظهر مجنه ... أفكان عندك للزمان ترات
ومن العجائب أن يمسك ضره ... من حيث ينفع لو رعتك رعاة
إذ من ديالة والفرات ودجلة ... أمست تحل بأهلك الكربات
أن الحياة لفي ثلاثة أنهر ... تجري وأرضك حولهن موات
قد ضل أهلك رشدهم وهل اهتدى ... قوم أجأهلهم هم السر وات
قوم أضاعوا مجدهم وتفرقوا ... فترأهم جمعاً وهم أشتات
لقد استهانوا العيش حتى أهملوا ... سعياً مغبة تركة الأعنات
يا صابرين على الأمور تسومهم ... خسفاً على حين الرجال أباة
لا تهملوا الضرر اليسير فإنه ... أن دام ضاقت دونه الفلوات
فالنار تلهب من سقوط شرارة ... والماء تجمع سيله القطرات
لا تستنيموا للزمان توكلاً ... فالدهر نزاء له وثبات
فإلى متى تستهلكون حياتكم ... فوضى وفيكم غفلة وأناة
تالله أن أفعالكم بخلافه ... نزل الكتاب وجاءت الآيات
أفتزعمون بأن ترك السعي في ... هذي الحياة توكل وتقاة
إن صح نقلكم بذاك فبينوا ... أو قام عندكم الدليل فهاتوا
لم تلق عندكم الحياة كرامة ... في حالة فكانكم أموات
شقيت بكم لما شقيتم أرضكم ... فلها بكم ولكم بها غمرات
وجهلتم النهج السوي إلى العلى ... فترادفت منكم بها العثرات
بالعلم تنتظم البلاد فإنه ... لرقي كل مدينة مرقاة
أن البلاد إذا تخال أهلها ... كانت منافعها هي الآفات
تلك الرصافة والمياه تجفها ... والكرخ قد ماجت به الأزمات
سالت مياه الواديين جوارفاً ... فطفحن والأسداد مؤتكلات
فتهاجم الماآن من ضفتيهما ... فتناطحا وتوالت الهجمات حتى إذا اتصل الفرات بدجلة ... وتساوت الوهدات والربوات
زحفت جيوش السيل حتى أصبحت ... بالكرخ نازلة لها ضوضاء
فسقت بيوت الكرخ شر مقيئ ... منها فقاءت أهلها الأبيات
واستنفعت منها المياه فطحلبت ... بالمكث ترغو تحتها الحمآت
حتى استحال الكرخ مشهدا بؤس ... تبكي به الفتيان والفتيات
طرقاته مسدودة ودياره ... مهدودة وعرا صه قذرات
ياكرخ عز على المروءة أنه ... لجج المياه عليك مزحمات
فلئن أماتتك السيول فإنما ... أمواجهن عليك ملتطمات
من مبلغ المنصور عن بغداده ... خبراً تفيض لمثله العبرات
أمست تناديه وتندب أربعاً ... طمست رسوم جمالها الهبوات
وتقول يالأبي الخلائف لو ترى ... أركان مجدي وهي منهدمات
لغدوت تنكرني وتبرح قائلا ... بتعجب ما هذه الحربات
أين البروج بنيتهن مشيدةً ... أين القصور علت بها الشرفات
أين الجنان بحيث تجري تحته ... االأنهار يانعة بها الثمرات
أترى أبو الأمناء يعلم بعده ... بغداد كيف تروعها النكبات
يا دجلة يا للرزية دجلة ... بعد الرشيد ولا الفرات فرات
كان الفرات يمد دجلة ماؤه ... بجدأول تسقي بها الجنات
إذ بين دجلة والفرات مصانع ... تفتر عن شتب السنوات
يا نهر عيسى أين منك موارد ... عذبت وأين رياضك الخضلات
ماذا دهى نهر الرفيل من البل ... حيث المجاري منه مندرسات
إذا قصر عيسى كان عنده مصبه ... وعليه منه أطلت الغرفات
أم أين بركة زلزل وزلزاله ... االسلسال تسرح حوله الظبيات
يا نهر طابق لا عدمتك منهلاً ... أين الصراة تحفها الروضات
أم أين كرخايا تمد مياهه ... نهر الدجاج فتكثر الغلات
أم أين نهر الملك حيث تسلسلت ... فيه المياه وهن مطردات قد كان تزدرع الحبوب بأرضه ... فتسح فيه بفيضها البركات
أم أين بطا طيا تأتيه من ... نهر الدجيل مياهه المجراة
وله فروع أصلهن لشار ... ع الكبش المجاري منه منتهيات
تنمو الزروع بسقيه فغلاله ... كل العراق ببعضها يقتات
لهفي على نهر المعلى إذ غدت ... لا تستبين جنانه النضرات
نهر هو الفردوس تدخل منه في ... قصر الخلافة شعبة وقناة
كالسيف منصلتاً تضاحك وجه ... هـ الأنوار وهي عليه ملتمعات
إذ نهر بين عند كلواذى به ... ملد الغصون تهزها النسمات
وبقربه من نهر بوق دارة ... تنفي الهموم مروجها الخضرات
يا قصر باب التبر كنت مقرناً ... والنفي يصدر منك والإثبات
أيام تطلعك العدالة شمسها ... وترف فوقك للهدى رايات
أيام تنشدك العلوم نشيدها ... فتعود منك على العلوم صلات
أيام تقصدك الأفاضل بالرجا ... فتفيض منك لهم جداً وهبات
أيام يأتيك الشكي بأمره ... فيروح عنك وما لديه شكاة
تمضي الشهور عليك وهي أنيسة ... وتمر باسمة بك الساعات
ماذا دهاك من الهوأن فأصبحت ... أثار عزك وهي منطمسات
قد ضيعت بغداد سابق عزها ... وغدت تجيش بصدرها الحسرات
كم قد سقاها السيل من أنهارها ... ضراً وهن منافع وحياة
واليوم قلت بجانبيها أرخوا ... دفق السيول فماجت الأزمات
بغداد
معروف الرصافي