مجلة المقتبس/العدد 22/السجن
مجلة المقتبس/العدد 22/السجن
سكنا ولم يسكن حراك التبدد ... مواطن فيها اليوم ايمن من غد
عفا رسم مغنى العز منها كما عفت ... (لخولة اطلال ببرقة ثهمد)
بلاد اناخ الذل فيها بكلكل ... على كل مفتول السبالين اصيد
معاهد عنها ضل سابق عزها ... فهل هو من بعد الضلالة مهتد
أحاطت بها الارزاء من كل جانب ... إلى أن محتها معهداً بعد معهد
وحلق في آفاقها الجور بازياً ... مطلاً عليها صائتاً بالتهدد
وينقض احياناً عليهافتارة ... يروح وفي بعض الاحايين يغتدي
فيخطف اشلاء من القوم حية ... ولم يقد المقتول منها ولم يد
ويرمي بها في قعر اظلم موحش ... به اين تسقط جذوة الروح تخمد
هو السجن ما إدراك ما السجن انه ... جلاد البلايا في مضيق التجلد
بناء محيط بالتعاسة والشقا ... لظلم بريء او عقوبة معتدي
زر السجن في بغداد زورة راحم ... لتشهد للانكاد افجع مشهد
محل به تهفو القلوب من الاسى ... فإن زرته فاربط على القلب باليد
مرّبع سور قد أحاط بمثله ... محيط بأعلى منه شيد بقرمد
وقد وصلوا ما بين ثان وثالث ... بمعقود سقف بالصخور مشيد
وفي ثالث الاسوار تشجيك ساحة ... تمور بتيار من الخسف مزبد
ومن وسط السور الشمالي تنتهي ... إليها بمسدود الرتاجين موصد
هي الساحة النكراء فيها تلاعبت ... مخازيق ضيم تخلط الجد بالدد
ثلاثون متراً في جدار يحيطها ... بسمك زهاء العشر في الجو مصعد
توأصلت الاحزأن في جنباتها ... بحيث متى يبل الاسى يتجدد
تصعد من جوف المراحيض فوقها ... بخار إذا تمرر به الريح تفسد
هناك يود المرء لو قاء نفسه ... وأطلقها من اسر عيش منكد
فقف وسطها وانظرحواليك دائراً ... إلى حجر قامت على كل مقعد
مقابر بالاحياء غصت لحودها ... بخمس مئتين انف ساو بازيد
وقد عميت منها النوافذ والكوى ... فلم تكتحل من ضوء شمس بمرود تظن إذا صدر النهار دخلتها ... كانك في قطع من الليل اسود
فلو كان للعباد فيها أقامة ... لصلوا بها ظهراً صلاة التهجد
يزور هبوب الريح الا فناءها ... فلم تحظ من وصل النسيم بموعد
تضيق بها الانفاس حتى كانما ... على كل حيزوم صفائح جلمد
وحتى كان القوم شدت رقابهم ... بحبل اختناق محكم القتل محصد
بها كل مخطوط الخشام مذلل ... متى قيد مجروراً إلى الضيم ينقد
يبيت بها والهم ملءاهابه ... بليلة متبول الحشا غير مقصد
يمييت بمكذوب العزاء نهاره ... ويحيى الليالي غير نوم مشرد
ينوء باعباء الهوان مقيداً ... ويكفيه أن لو كان غير مقيد
وتقذفهم تلك القبور بضغطها ... عليهم لحر الساحة المتوقد
فيرفع بعض من حصير ظلالة ... ويجلس فيها جلسة المتعبد
وليست تقيه الحر الا تعلة ... لنفس خلت من صبرها المتبدد
وبالثوب بعض يستظل وبعضهم ... بنسج لعاب الشمس في القيظ يرتدي
فمن كان منهم بالحصير مظللا ... يعدونه رب الطراف الممدد
ترأهم نهار الصيف سفعا كانهم ... اثافي أصلاها الطهاة بموقد
وجوه عليها للشحوب ملامح ... (تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد)
وقد عمهم قيد التعاسة موثقاً ... فلم يتميز مطلق عن مقيد
فسيدهم في عيشه مثل خادم ... وخادمهم في ذلة مثل سيد
يخوضون في مستنقع من روائج ... خبائث مهما يزدد الحر تزدد
تدور رؤوس القوم من شم نتنها ... فمن يك منهم عادم الشم يحسد
ترأهم سكأرى في العذاب ومأهم ... سكأرى ولكن من عذاب مشدد
وتحسبهم دوداً يعيش بحمأة ... وما هو من دود بها متولد
الا رب حر شاهد الحكم جائزاً ... يقود بنا قود الذلول المعبد
فقال ولم يجهز ونحن بمنتدى ... به غير مأمون الوشابة ينتدي
على أي حكم املاية حكمة ... ببغداد ضاع الحق من غير منشد فادنيت للنجوى فمي نحو سمعه ... وقلت لأن العدل لم يتبغدد
رعى الله حياً مستباحاً كانه ... من الذعر اسراب النعام المطرد
وما صاحب البيت الحقير بناؤه ... بافزع من رب البلاط الممرد
وماذا ك إلا أنهم قد تخاذلوا ... ولم ينهضوا للخصم نهضة ملبد
فناموا عن الجلى ونمت كنومهم ... سوى نوحة مني بشعر مغرد
وهل انا الا من أولئك إن مشوا ... مشيت وإن يقعد أولئك اقعد
وكم رمت ايقاظاً فاعيا هبوبهم ... وكيف وعزم القوم شارد مرقد
نهوضاً نهوضاً ايها القوم للعلى ... لتبنوا لكم بنيان مجد موطد
تقدمنا قوم فابعد شوطهم ... وقد كان عنا شوطهم غير مبغد
وسد علينا الاعتساف طريقنا ... فاحجف بالغوري والمتنجد
افي كل يوم يزحف الدهر نحونا ... بجند من الخطب الجليل مجند
فيارب نفس من كروب عظيمة ... ويارب خفف من عذاب مشدد
بغداد
معروف الرصافي