مجلة المقتبس/العدد 25/نحن على منطاد

مجلة المقتبس/العدد 25/نحن على منطاد

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 2 - 1908



نحن من أرضنا على منطاد ... جائل في شواسع الأبعاد

طائر في الفضاء عرضاً وطولاً ... بجناح من القوى غير باد

أيها الأرض سرت سيرك مثنى ... ذا نتاجين في زمان أحاد

فتقلبت في نهار وليل ... ذا مضل وذاك للناس هاد

في بلاد يكون سيرك تأوي ... باً على أنه سرىً في بلاد

فيك دفع وفيك يا أرض جذب ... لك ذا سائق وذلك حاد

فلك دائر على الشمس طوراً ... في اقتراب وتارة في ابتعاد

ليت شعري وما حصلت في الآ ... راء إلا على خلاف السداد

لبقاء تقلنا الأرض في تس ... يارها أم تقلنا لنفاد

نحن في عالم تقصف فيه ... عارض النائبات بالأرعاد

شأننا العجز فيه نوجد أنى ... قذفتنا يد الخطوب الشداد

ضاع جذر الحياة عنا فخلنا ... أنها كالأصم في الأعداد

شغلتنا الدنيا بلهو ولعب ... فغفلنا والموت بالمرصاد

ضلَّ من رام راحة في حياة ... نحن منها في معرك وجلاد

كلما قد أجلت في أم دفر ... فكر مستبصر بها نقاد

قلت قولاً أفاد من قبل فيه ... فيلسوف القريض غير مفادي

إذا نجحا في اسعة الموت أضع ... اف خيار في ساعة الميلاد

إنما هذه الحياة جروح ... أثخنتنا والموت مثل الضماد

كل أسر يهون إن أطلقت أر ... واحنا الموثقات بالأجساد

لا تلمني إذا جزعت فإني ... ما ملكت الخيار في إيجادي

طال عتبي على عدات الليالي ... مثلما طال مطلها بمرادي

كدرت عيشي الحوادث حتى ... لا أرى الصفو غير وقت الرقاد

صاح ما دلّ في الأمور على الأش ... كال إلاَّ تفحص الأضداد

فاعتبر بالسفيه تمس حليماً ... وتعرّف بالغيّ طرق الرشاد

واللبيب الذي تعلم إتيا ... ن المعالي من خسة الأوغ أيها الغرّ لا تغرك دنيا ... ك بكون مصيره لفساد

خفَّ من غاص في الغرور كما في ... لجة الماء خف ثقل الجماد

يا خليليَّ والخليل المواسي ... منكما من يقوم في إسعادي

خاب قوم أتوا وغى العيش عُزّلاً ... من سلاحي تعاون واتحاد

قد جفتنا الدنيا فهلاَّ اعتصمنا ... من جفاء الدنيا بحبل وداد

لو عقلنا لما اختشى قط محسو ... دون وقع الأذاة من حساد

فمتاع الحياة أحقر من أن ... يستفز القلوب بالأحقاد

أنا والله لا أريد بأن أو ... قع شراً ولو على من يعادي

أنّ لي إن سمعت أنة محزو ... نٍ أنيناً مرجعاً في فؤادي

إن نفسي عن همها ذات شغلٍ ... بهموم العباد كل العباد

لا أحب النسيم إلا إذا هـ ... بّ على كل حاضر أو باد

أيها الناس إنّ ذا العصر عص ... ر العلم والجدّ في العلى والجهاد

عصر حكم البخار والكهربائي ... ة والماكنات والمنطاد

بنيت فيه للعلوم المباني ... وأقيمت للبحث فيها النوادي

فاض فيض العلوم بالرغم ممن ... ضربوا دونهن بالأسداد

إن للعلم من الممالك سيراً ... مثل سير الضياء في الأبعاد

اطلع الغرب شمسه فحبا الشر ... ق اقتباساً من نورها الوقاد

إن للعلم دولة خضعت دو ... ن علاها عوالم والأضداد

ما استفاد الفتى وإن ملك الأر ... ض بأعلى من علمه المستفاد

لا تسابق في حلبة العز ذا العل ... م فما للهجين شأو الجواد

إن أموات أمة العلم أحيا ... ء حياة الأرواح والأجساد

وكأين في الناس من ذي خمول ... صار بالعلم كعلة القصاد

ربَّ يوم وردت دجلة فيه ... مورداً خالياً عن الوراد

حيث ينصبُّ في سكوت عميق ... ماؤُها لاثماً ضفاف الوادي

وهبوب النسيم يكتب في الما ... ء سطوراً مهتزة في اطراد ينمحي بعضها ويظهر بعض ... فهي تنساب بين خافٍ وباد

وتئن المياه لي بخرير ... كأنين السقيم للعُوَّاد

قمت في وجهها أردّد طرفي ... ساكناً والضمير مني ينادي

واقفاً تحت سرحة ناح فيها ... طائراً فوق غصنها المياد

منشداً في النواح شعراً غريزي ... اً حزيناً كأنه إنشادي

جاوبته أفنانها بأنين ... من حفيف الأوراق والأعواد

أيها الطائر المرجع فوق ال ... غصن هل أنت نائح أم شاد

بين ماء جارٍ ولحن شديّ ... منك يا طائر استطار فؤادي

يا مياهاً جرت بدجلة تجتا ... ز مروراً بجانبي بغداد

إن نفسي إلى الحقيقة عطشى ... أفتشفين على من صاد

كنت تجرين والرصافة والكر ... خ خلاءٌ من رائح أو غاد

أيها الماء أين تجري ضياعاً=وحواليك قاحلات البوادي

فمتى تفطن النفوس فيحيا ... بك سقياً موات هذي البلاد

لو زرعنا بك البقاع حبوباً ... لحصدنا النضار يوم الحصاد

أفيدري خليج فارس ماذا ... فمه منك بالع بازدراد

أنت والله عسجد ولجين ... لو أتينا الأمور باستعداد

فاجر يا ماءُ ' ن جريت رويداً ... بأناة ومهلة وأتاد

علنا نستفيق من رقدة الفق ... ر فنغنى بفيضك المزداد

سلكتك السما ينابيع في الأر ... ض أمدّتك أيما إمداد

فتفجرت في السفوح عيوناً ... نبعت من مخازن الأطواد

وإذا ما نتهيت في جريان ... عدت للبدءِ في متون الغوادي

= هكذا دار دائر الكون من حي_ث انتهى عاد راجعاً للمبادي

بغداد

معروف الرصافي