مجلة المقتبس/العدد 26/الأدب الصغير

مجلة المقتبس/العدد 26/الأدب الصغير

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 3 - 1908


لابن المقفع

عني بنشره الشيخ طاهر الجزائري

العجب آفة العقل واللجاجة قعود الهوى.

والبخل لقاح الحرص والمراء فساد اللاسان والحمية سبب الجهل والآنف توأم السفه والمنافسة أخت العداوة.

وإذا هممت بالخير فبادر هواك لا يغلبك وإذا هممت بشر فسوّف هواك لعلك تظفر فإن ما مضى من الأيام والساعات على ذلك هو الغنم.

لا يمنعنك صغر شأن امريء من اجتباء ما رأيت من رأيه صواباً واصطفاء ما رأيت من أخلاقه كريماً فإن اللؤلؤة الفائقة لا تهان لهوان غائصها الذي استخرجها.

من أبواب الترفق والتوفيق في التعليم أن يكون وجه الرجل الذي يتوجه فيه من العلم والأدب فيما يوافق طاعة ويكون له عنده محمل وقبول فلا يذهب عناؤه من غير غناء ولا تفنى أيامه من غير درك ولا يستفرغ نصيبه فيما لا ينجح فيه ولا يكون كرجل أراد أن يعمر أرضاً تهمة فغرسها جوزاً ولوزاً وأرضاً جلساً فغرسها نخلاً وموزاً.

العلم زين لصاحبه في الرخاء ومنجاة له في الشدة.

بالأدب تعمر القلوب وبالعلم تستحكم الأحلام فالعقل الزاكي غير الصنيع كالأرض الطيبة الخراب. ومما يدل على معرفة الله (وهو) سبب الإيمان أن وكل بالغيب لكل ظاهر من الدنيا صغير أو كبير عيناً فهو يصرفه ويحركه فمن كان معتبراً بالجليل من ذلك فلينظر إلى السماء فيعلم أن لها رباً يجري فلكها ويدبر أمرها. ومن اعتبر بالصغير فلينظر إلى حبة الخردل فيعرف أن لها مدبراً ينبتها ويزكيها ويقدر لها أوقاتها في الأرض والماء يوقت لها زمان نباتها وزمان تهشمها. وأمر النبوة والأحلام وما يحدث في أنفس الناس من حيث لا يعلمون ثم يظهر منهم بالقول والفعل ثم اجتماع العلماء والجهال والمهتدين والضلال على ذكر الله تعالى وتعظيمه واجتماع من شك في الله تعالى وكذب به على الإقرار بأنهم أنشؤوا حديثاً ومعرفتهم أنهم لم يحدثوا أنفسهم فكل ذلك يهدي إلى الله ويدل على الذي كانت منه هذه الأمور مع ما يزيد ذلك يقيناً عند المؤمنين بأن الله حق كبير ولا يقدر أحد أنه باطل.

إن للسلطان المقسط حقاً لا يصلح خاصة ولا عامة أمر إلا بإرادته فذو اللب حقيق أن يخلص لهم النصيحة ويبذل لهم الطاعة ويكتم سرهم ويزين سيرتهم ويذب بلسانه ويده عنهم ويتوخى مرضاتهم ويكون من أمره المواتاة لهم والإيثار لأهوائهم ورأيهم على هواه ويقدر الأمور على موافقتهم وإن كان ذلك مخالفاً. وأن يكون منه الجد في المخالفة لمن جانبهم وجهل حقهم ولا يواصل من الناس إلا من لا تباعد مواصلته إياه منهم ولا تحمله عدواة أحد له ولا إضرار به على الاضطغان عليهم ولا مواتاة أحد على الاستخفاف بشيء من أمورهم والانتقاص لشيء من حقهم ولا يكتمهم شيئاً من نصيحتهم ولا يتثاقل عن شيء من طاعتهم ولا يبطر إا أكرموه ولا يجترئ عليهم إذا قربوه ولا يطغى إذا سلطوه ولا يلحف إذا سألهم ولا يدخل عليهم المؤونة ولا يستثقل ما حملوه ولا يغتر بهم إذا رضوا عنه ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه وأن يحمدهم على ما أصاب من خير منهم أو من غيرهم فإنه لا يقدر أحد أن يصيبه بخير إلا بدفاع الله عنه بهم.

مما يدل على علم العالم معرفته بما يدرك من الأمور وإمساكه عما لا يدرك وتزيينه نفسه بالمكارم وظهور علمه للناس من غير أن يظهر منه فخر ولا عجب معرفته بزمانه الذي هو فيه وبصره بالناس وتحريه العدل في كل أمر ورحب ذرعه فيما نابه واحتجاجه بالحجج فيما عمل وحسن تبصيره من أراد أن يبصر شيئاً من علم الآخرة فبالعلم الذي يعرف ذلك.

ومن أرادج أن يبصر شيئاً من علم الدنيا فبالأشياء التي هي تدل عليه.

ليكن المرء مسؤولاً وليكن فصولاً بين الحق والباطل وليكن صدوقاً ليؤمن على ما قال وليكن ذا عهد ليوفى له بعهده وليكن شكوراً ليستوجب الزيادة وليكن جواداًُ ليكون للخير أهلاً وليكن رحيماً بالمضرورين لئلا يبتلى بالضر وليكن ودوداً لئلا يكون معدناً لأخلاق الشيطان.

وليكن حافظاً للسانه مقبلاً على شأنه لئلا يؤخذ بما لم يجترم وليكن متواضعاً ليفرح له بالخير ولا يحسد عليه وليكن قنعاً لتقر عينه بما أوتي وليسر للناس بالخير لئلا يؤذيه الحسد.

وليكن حذراً لئلا تطول مخافته.

ولا يكن حقوداً لئلا يضر بنفسه إضرارً باقياً.

وليكن ذا حياء لئلا يستذم للعلماء فإن مخافة العالم مذمة العلماء أشد من مخافته عقوبة السلطان.

حياة الشيطان ترك العلم وروحه وجسده الجهل ومعدنه من أهل الحقد والقساوة ومثواه من أهل الغضب وعيشه من المصارمة ورجاؤه في الإصرار على الذنوب.

وقال: لا ينبغي للمرء أن يعتد بعلمه ورأيه ما لم يذاكره ذوو الألباب ولم يجامعوه عليه فإنه لا يستكمل علم الأشياء بالعقل الفرد.

أعدل السير أن تقيس الناس بنفسطك فلا تأتي إليهم إلا ما ترضى أن يؤتى إليك.

وأنفع العقل أن تحسن المعيشة فيما أوتيت من خير وألا تكترث من الشر بما لم يصبك.

ومن العلم أن تعلم أنك لا تعلم ما لا تعلم.

ومن أحسن ذوي العقول عقلاً من أحسن تقدير أمر معاشه ومعاده تقديراً لا يفسد عليه واحد منهما الآخر فإن أعياه ذلك رفض الأدنى وآثر عليه الأعظم.

وقال: المؤمن بشيء من الأشياء وإن كان سحراً خير ممن لا يؤمن بشيء ولا يرجو معاداً.

لا تؤدي التوبة أحداً إلى النار ولا الإصرار على الذنوب أحداً إلى الجنة.

من أفضل أعمال البر ثلاث خصال الصدق في الغضب والجود في العسرة والعفو عند القدرة.

رأس الذنوب الكذب وهو يؤسسها وهو يتفقدها ويثبتها ويتلون ثلاثة ألوان بالأمنية والجحود والجدل يبدأ صاحبه بالأمنية الكاذبة فيما يزين له من المسوآت فيشجعها عليها بأن ذلك سيخفى فإذا ظهر عليه قابله بالجحود والمكابرة فإن أعياه ذلك ختم بالجدل فخاصم عن الباطل ووضع له الحجج والتمس به التثبت وكابر الحق حتى يكون مسارعاً للضلالة ومكابراً بالفواحش.

لا يثبت دين المرء على حالة واحدة أبداً ولكنه لا يزال إما زائداً وإما ناقصاً.

من علامات اللئيم المخادع أن يكون حسن القول سيء الفعل بعيد الغضب قريب الحسد حمولاً للفحش مجازياً بالحقد متكلفاً للجود صغير الخطر متوسعاً فيما ليس له ضيقاً فيما يملك.

وكان يقال إذا تخالجتك الأمور فاستقل أعظمها خطراً فإن لم يستبن ذلك فأرجاها دركاً فإن اشتبه ذلك فأجدرها أن لا يكون له مرجوع حين تولي فرصته.

وكمان يقال الرجال أربعة اثنان يختبر ما عندهما بالتجربة واثنان قد كفيت تجربتهما فأما اللذان يحتاجان إلى تجريبهما فإن أحدهما برٌّ كان مع أبرار والآخر فاجر كان مع فجار فإنك لا تدري لعل البر منهما إذا خالط الفجار أن يتبدل فيصير فاجراً ولعل الفاجر منهما إذا خالط الأبرار أن يتبدل فيصير براً فيتبدل البر فاجراً والفاجر براً.

وأما اللذان قد كفيت تجربتهما وتبين لك ضوء أمرهما فإن أحدهما فاجر كان في أبرار والآخر براً كان في فجار.

حق على العاقل أن يتخذ مرآتين فينظر من إحداهما في مساوئ نفسه فيتصاغر بها ويصلح ما استطاع منها وينظر من الأحرى في محاسن الناس فيحليهم بها ويأخذ ما استطاع منها.

احذر خصومة الأهل والولد والصديق والضعيف واحتجج عليهم بالحجج.

لا يوقعنك بلاء تخلصت منه في آخر لعلك أن لا تخلص منه.

الورع لا يخدع والأريب لا يُخدع.

ومن ورع الرجل أن لا يقول ما لا يعلم ومن الإرب أن يتثبت فيما يعلم.

وكان يقال عمل الرجل فيما يعلم أنه خطأ هوى والهوى آفة العفاف وتركه العمل بما يعلم أنه صواب تهاون والتهاون آفة الدين.

وإقدامه هلى ما لا يدري أصواب هو أم خطأ جماح والجماح آفة العقل.

وكان يقال وقر من فوقك ولِن لمن دونك وأحسن مواتاة أكفائك وليكن أثر ذلك عند مواتاة الأكفاء فإن ذلك هو الذي يشهد لك أن إجلالك من فوقك ليس بخضوع منك لهم وإن لينك لمن دونك ليس لالتماس خدمتهم.

خمسة مفرطون في خمسة أشياء متدمون عليها الواهن المفرط إذا فاته العمل والمنطقع من أخوانه وصديقه إذا نابته النوائب والمستمكن منه عدوة لسوء رأيه إذا تذكر عجزه والمفارق الزوجة الصالحة إذا ابتلي بالطالحة والجريء على الذنوب إذا حضره الموت.

أمور لا تصلح إلا بقرائنها لا ينفع العقل بغير ورع ولا الحفظ بغير عقل ولا شدة البطش بغير شدة القلب ولا الجمال بغير حلاوة ولا الحسب بغير أدب ولا السرور بغير أمن ولا الغني بغير جود ولا المروءة بغير تواضع ولا الخفض بغير كفاية ولا الاجتهاد بغير توفيق.

أمورٌ هن نبعٌ لأمور فالمروءات كلها تبع للعقل والرأي تبع للتجربة والغبطة تبع لحسن الثناء والسرور تبع للأمن والقرابة تبع للمودة والعمل تبع للقدر والجدة تبع للإنفاق.

أصل العقل التثبت وثمرته السلامة.

وأصل الورع القناعة وثمرته الظفر.

وأصل التوفيق العمل وثمرته النجح.

لا يذكر الفاجر في العقلاء ولا الكذوب في الأعفاء ولا الخذول في الكرماء ولا الكفور بشيء من الخير.

لا تؤاخين خباً ولا تستنصرن عاجزاً ولا تستعينن كسلاً.

إن من أعظم ما يروّح به المرء نفسه أن لا يجري لما يهوى وليس كائناً إلا لما لا يهوى وهو لا محالة كائن.

اغتنم من الخير ما تعجل. ومن الأهواء ما سوّفت. ومن النصب ما عاد عليك. ولا تفرح بالبطالة ولا تجبن عن العمل.

من استطعم من الدنيا شيئاً فبطر واستصغر من البر شيئاً فتهاون واحتقر من الإثم شيئاً فاجترأ عليه واغتر بعدوّ وإن قل فلم يحذره فذلك من ضياع العقل.

لا يستخف ذو العقل بأحد وأحق من لم يستخف به ثلاثة الأتقياء والولاة والأخوان فإنه من استخف بالأتقياء أهلك دينه ومن استخف بالولاة أهلك دنياه ومن استخف بالأخوان أفسد مروءته.

من حاول الأمور احتاج فيها إلى ست الرأي والتوفيق والفرصة والأعوان والأدب والاجتهاد وهن أزواج فالرأي والأدب زوج لا يكمل الأدب إلا بالرأي ولا يكمل الرأي بغير الأدب.

والأعوان والفرصة زوج لا تنفع الأعوان إلا عند الفرصة ولا تنفع الفرصة إلا بحضور الأعوان. والتوفيق والاجتهاد زوج فالاجتهاد سبب التوفيق وبالتوفيق ينجح الاجتهاد.

يسلم العاقل من عظام الذنوب والعيوب بالقناعة ومحاسبة النفس.

لا تجد العاقل يحدث من يخاف تكذيبه ولا يسأل من يخاف منعه ولا يعد ما لا يجد إنجازه ولا يرجو ما يعنف برجائه ولا يقدم على ما يخاف العجز وهو يسخي نفسه عما يغبط به القوالون خروجه من عيب التكذيب ويسخي نفسه عما ينال به السائلون سلامته من مذلة المسألة.

ويسخي نفسه عن فرح الرجاء خوف الأكداء.

ويسخي نفسه عن محمدة المواعيد براءته من مذمة الخلف.

ويسخي نفسه عن مراتب المقدمين ما يرى من فضائح المقصرين.

لا عقل لمن أغفله عن آخرته ما يجده من لذة دنياه وليس من لا عقل أن يحرمه حظه من الدنيا بصره بزوالها.

حاز الخير رجلان شسعيد ومرجو والسعيد الفالج والمرجو من لم يخصم والفالج الصالح ما دام في قيد الحياة وتعرض الفتن في مخاصمة الخصماء من الأهواء والأعداء.

السعيد يرغبه الله في الآخرة حتى يقول لا شيء غيرها فإذا هضم دنياه وزهد فيها لآخرته لم يحرمه الله بذلك نصيبه من الدنيا ولم ينقصه من سروره فيها والشقي يرغبه الشيطان في الدنيا حتى يقول لا شيء غيرها فيعجل الله له التنغيص في الدنيا التي آثر مع الحزن الذي يلقى بعدها.

الرجل أربعة جواد وبخيل ومسرف ومقتصد فالجواد الذي يوجحه نصيب آخرته ونصيب دنياه جميعاً في أمر آخرته.

والبخيل الذي لا يعطي واحدة منهما نصيبها.

والمسرف الذي يجمعهما لدنياه.

والمقتصد الذي يلحق بكل واحدة منهمات نصيبها

أغنى الناس أكثرهم إحساناً.

قال رجل لحكيم: ما خير ما يؤتى المرء قال: غريزة عقل قال: فغن لم تكن قال فتعلم علم قال: فإن حرمه، قال: صدق اللسان، قال فإن حرمه، قال: سكت طويل، قال: فإن حرمه، قال: ميتة عاجلة.

من أشد عيوب الإنسان خفاء عيوبه عليه فإنه من خفي عليه عيبه خفيت عليه محاسن غيره ومن خفي عليه عيب نفسه ومحاسن غيره لم يقلع عن عيبه الذي لا يعرف ولن ينال محاسن غيره التي لا يبصرها أبداً.

خصال يسر بها الجاهل كلها كائن عليه وبالاً منها أن يفخر من العلم والمروءة بما ليس عنده ومنها أن يرى بالأخيار من الاستهانة والجفوة ما يشمته بهم.

ومنها أن يناقل عالماً وديعاً منصفاً له في القول فيشتد صوت ذلك الجاهل عليه ثم يفلجه نظراؤه من الجهال حوله بشدة الصوت وكثرة الضحك.

ومنها أن يفرط منه الكلمة والفعلة المعجبة للقوم فيذكر بها.

ومنها أن يكون مجلسه في المحفل أو عند السلطان فوق مجالس أهل الفضل عليه.

من الدليل على سخافة المتكلم أن يكون ما يُرى من ضحكه ليس على حسب ما عنده من القول أو يجاذب الرجل الكلام وهو يكلم صاحبه ليكون هو المتكلم أو يتمنى أن يكون صاحبه قد فرغ وأنصت له لم يحسن الكلام.

فضل العلم في غير الدين مهلكة وكثرة الأدب في غير رضوان الله ومنفعة الأخيار قائد إلى النار.

والحفظ الذكي الواعي بغير العلم النافع مضر بالعمل الصالح والعقل غير الوازع عن الذنوب خازن للشيطان.

لا يؤمننك شر الجاهل قرابة ولا جوار ولا ألف فإن أخوف ما يكون الإنسان لحريق النار أقرب ما يكون منها وكذلك الجاهل إن جاورك أنصبك وإن ناسبك جنى عليك وإن ألفك حمل عليك ما لا تطيق وإن عاشرك آذاك وأخافك مع أنه عند الجوع سبع ضار وعند الشبع ملك فظ وعند الموافقة في الدين قائد إلى جهنم فأنت بالهرب منه أحق منك باهرب من سم الأساود والحريق المخوف والدَّين الفادح والداء العياء.

كان يقال قارب عدوك بعض المقاربة تنل حاجتك ولا تقاربه كل المقاربة فيجترئ عليك عدوك وتذل نفسك ويرغب عنك ناصرك ومثل ذلك العود المنصوب في الشمسي إن أملته قليلاً زاد ظله وإذن جاوزت الحد في إمالته نقص الظل.

الحازم لا يأمن عدوه على كل حال إن كان بعيداً لم يأمن من معاودته وإن كان قريباً لم يأمن مواثبته فإن رآه متكشفاً لم يأمن استطراده وكمينه وإن رآه وحيداً لم يأمن مكره.

الملك الحازم يزداد برأي الوزراء والحزمة كما يزداد البحر بمواده من الأنهار.

الظفر بالحزم. والحزم بإجالة الرأي. والرأي بتكرار النظر وبتحصين الأسرار.

إن المستشير وإن كان أفضل من المستشار رأياً فهو يزداد برأيه رأياً كما تزداد النار بالودك ضوءاً وعلى المستشار موافقة المستشير على صواب ما يرى والرفق به في تبصير خطأ إن أتى به وتلقيب الرأي فيما شكا فيه حتى يستقيم لهما مشاورتهما.

لا يطمعن ذو الكبر في حسن الثناء ولا الخب في كثرة الصديق ولا الشيء الأدب في الشرف ولا الشحيح في المحمدة ولا الحريص في الأخوان ولا الملك المعجب بثبات الملك.

صرعة اللين أشد استئصالاً من صرعة المكابرة.

أربعة أشياء لا يستقل منها قليل النار والمرض والعدو والدين.

أحق الناس بالتوفير الملك الحليم العالم بالأمور وفرص الأعمال ومواضع الشدة واللين والغضب والرضا والمعاجلة والأناة الناظر في الأمر يومه وغده وعواقب أعماله.

السبب الذي يدرك به العاجز حاجته هو الذي يحول بين الحازم وبين طلبته.

إن أهل العقل والكرم يبتغون إلى كل معروف وصلة وسبيلاً والمودة بين الأخيار سريع اتصالها بطيء انقطاعها ومثل ذلك مثل كوب الذهب الذي هو بطيء الانكسار هين الإصلاح والمودة وبين الأشرار سريع انقطاعها بطيء اتصالها كالكوز من الفخار يكسره أدنى عبث ثم لا يوصل له أبداً.

والكريم يمنح الرجل مودته عن لقاءة واحدة أو معرفة يوم واللئيم لا يصل أحد إلا عن رغبة أو رهبة وإن أهل الدنيا يتعاطون فيما بينهم أمرين ويتواصلون عليهما ذات النفس وذات اليد فأما المبتذلون ذات اليد فهم المتعاونون المستمتعون الذين يلتمس بعضهم الانتفاع متاجرة ومكايلة.

ما التبع والأعوان والصديق والحشم إلا للمال ولا يُظهر المروءة إلا للمال ولا الرأي والقوة إلا بالمال ومن لا أخوان له فلا أهل له ومن لا أولاد له فلا ذكر له ومن لا عقل له فلا دنيا له ولا آخرة ومن لا مال له فلا شيء له والفقر داعية إلى صاحبه مقت الناس وهو مسلبة للعقل والمروءة ومهذبة للعلم والأدب ومعدن للتهمة ومجمعة للبلايا ومن نزل به الفقر والفاقة لم يجد بداً من ترك الحياء ومن ذهب حياؤه ذهب سروره ومن ذهب سروره مقت ومن مقت أوذي ومن أوذي حزن ومن حزن ذهب عقله واستنكر حفظه وفهمه ومن أصيب في عقله وفهمه وحفظه كان أكثر قوله وعمله فيما يكون عليه لا له فإذا افتقر الرجل اتهمه من كان له مؤتمناً واساء به الظن من كان يظن به حسناً فإذن أذنب غيره أظنوه وإن كان للتهمة وسوء الظن موضعاً وليس خلة هي للغني مدح إلا هي للفقير عيب.

فإن كان شجاعاً سمي أهوج.

وإن كان جواداً سمي مفسداً.

وإن كان حليماً سمي ضعيفاً.

وإن كان وقوراً سمي بليداً.

وإن كان لسناً سمي مهذاراً.

وإن كان صموتاً سمي عيباً.

وكان يقال من ابتلى بمرض في جسده لا يفارقه أو بفراق الأحبة والأخوان أو بالغربة حيث لا يعرف مبيتاً ولا مقبلاً ولا يرجو إياباً أو بفاقة تضطره إلى المسألة فالحياة له موت والموت له راحة.

وجدنا البلايا في الدنيا إنما يسوقها إلى أهلها الحرص والشره فلا يزال صاحب الدنيا يتقلب في بلية وتعب لأنه بخلة الحرص والشره.

وسمعت العلماء قالوا: لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق ولا غنى كالرضا وأحق ما صبر عليه ما لا سبيل إلى تغييره.

وأفضل البر الرحمة ورأس المودة الاسترسال ورأس العقل المعرفة بما يكون وما لا يكون وطيب النفس وحسن الانصراف عما لا سبيل إليه وليس في الدنيا سرور يعدل صحبة الأخوان ولا فيها غم يعدل غم بفقدهم.

لا يتم حسن الكلام إلا بحسن العمل كالمريض الذي قد علم دواء نفسه فإذا هو لم يتداو به لم يغنه والرجل ذو امروءة قد يكرم على غير مال كالأسد الذي يهاب وإن كان عقيراً والرجل الذي لا مروءة له يهان وإن كثر ماله كالكلب الذي يهون على الناس وإن طوق وخلخل.

ليحسن تعاهدك نفسك بما تكون به للخير أهلاً فإنك إن فعلت ذلك أتاك الخير يطلبك كما يطلب الماء السيل إلى الحدور.

إن أولى النسا بفضل السرور وكرم العيش وحسن الثناء من لا يبرح رحله من أخوانه وأصدقائه من الصالحين موطوءاً ولا يزال عنده منهم زحام يسره ويسرونه ويكون من وراء حاجاتهم وأمورهم فإن الكريم إذا عثر لم يستقلل إلا بالكرام كالفيل إذا وحل لم تستخرجه إلا الفيلة.

لا يرى العاقل معروفاً صنعه وإن كثر كثيراً ولو خاطر بنفسه وعرضها في وجوه المعروف لم ير عيباً بل يعلم أنه أخطر الفاني بالباقي واشترى العظيم بالصغير.

وأغبط الناس عند ذوي العقول أكثر سائلاً منجحاً ومستجيراً آمناً.

لا تعد غنياً من لم يشارك في ماله ولا تعد نعيماً ما كان فيه تنغيص وسوء ثناء.

ولا تعد الغنم غنماً إذا ساق غرماً ولا الغرم غرماً إذا ساق غنماً ولا تعتد من الحياة ما كان في فراق الأحبة.

ومن المعونة على تسلية الهموم وسكون النفس لقاء الأخ أخاه وإفضاء كل واحد منهما إلى صاحبه ببثه وإذا فرق بين الليف وألفه فقد سلب قراره وحرم سروره.

وقال: ما نرانا نخلف عقبة من البلاء إلا صرنا في أخرى لقد صدق القائل الذي يقول: لا يزال الرجل مستمراً حتى يعثر فإذا عثر مرة واحدة في أرض الخباء لج به العثار وإن مشى في جددلان. هذا الإنسان موكل به البلاء فلا يزال في تصرف وتقلب لا يدوم له شيء ولا يثبت معه كما لا يبدوم لطالع النجوم طلوعه ولا لأفلها أفوله ولكنها في تقلب وتعاقب فلا يزال الطالع يكون آفلاً والآفل طالعاً.

(انتهى)