مجلة المقتبس/العدد 38/الجباية في الإسلام

مجلة المقتبس/العدد 38/الجباية في الإسلام

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 3 - 1909



العشر

العشر: لغة جزوء من عشرة وجمعه أعشار وعشور وفي اصطلاح الفقه ما أخذ عن أرض العشر وأما أرض العشر فكل أرض أسلم أهلها عليها وهي من أرض العرب أو أرض العجم فهي لهم وهي أرض عشر بمنزلة المدينة حين أسلم أهلها وبمنزلة اليمن وكذلك كل من لا تقبل منه الجزية ولا يقبل منه إلا الإسلام أو القتل من عبدة الأوثان من العرب فأرضهم أرض عشرأفكارهمأ وإن ظهر عليها الإمام لأن رسول الله قد ظهر عَلَى أرضين من أراضي العرب وتركها فهي أرض عشر حتى الساعة: وأيما دار من دور الأعاجم ظهر عليها الإمام وتركها في أيدي أهلها فهي أرض خراج وإن قسمها بين الذين غنموها فهي أرض عشر وكل أرض من أراضي الأعاجم صالح عليها أهلها وصاروا ذمة فهي أرض خراج. وأما أرض الحجاز ومكة والمدينة وأرض اليمن وأرض العرب التي افتتحها رسول الله فلا يزاد عليها ولا ينقص منها لأنه شيء قد جرى عليه أمر رسولا لله وختمه فلا يحل للإمام أن يحوله إلى غير ذلك كذا فسودا العراق وأرض الشام وأرض مصر وغيرها مما فتحه الإسلام على عهد أو ذمة فهي أراض خراجية يجب عليها الخراج غير أن أبا يوسف رجمه الله جوز للإمام الخليفة أن يصير الأرض الخراجية عشرية فقال: فكل أرض أقطعها الإمام مما فتحت عنوة ففيها الخراج إلا أن يصيرها الإمام عشرية. . . إلخ ومن ثم يتضح أن الخليفة يحق له أن يحول أرض العراق وأرض الشام وأرض مصر وكل أرض خراجية إلى أراضٍ عشرية.

وأما مقدار العشر الشرعي فهو واحد من عشرة عن محصول الأراضي العشرية التي تسقى بماء المطر أو بماء الأنهر سحاً سقياً أو نصف واحد من عشرة عن محصول الأراضي العشرية التي تسقى بالدلو أو الدولاب قال رسول الله فيما سقت السماء أو سقي سحاً العشر وفيما سقي بالغرب أو السواني والنضوح نصف عشر.

وأما العشر النظامي فقد جاء في المادة الأولى من نظام الأعشار الصادر في 9 حزيران سنة 321 ما تعريبه بالحرف يؤخذ العشر عن المحصولات الأرضية ولم يعرفه بغير هذ التعريف لأن ما كان يؤخذ من العشر حينئذٍ اثني عشر وثلاثة وستين سانتيماً من المائة عن المحصول وهذا لا يعبر عنه بالعشر وكانت الدولة عقيب التنظيمات الخيرية تجبي العشر واحداً من عشرة باسم الخزينة ثم أضافت عليه واحداً من المائة باسم المنافع ـ من أجل الأشغال العمومية ـ ونصفاً من المائة باسم المعارف فصار العشر يومئذ 11. 5 من المائة وفي سنة 313 مالية ضمت الدولة نصفاً آخر باسم الخزينة فبلغ العشر اثني عشر:

10. 5للخزينة

1باسم المنافع

0. 5باسم المعارف12

فكانت هذه الزيادة من أجل سد العجز المالي يوم أخذت الجواسيس تتكاثر والاستبداد تشتد وطأته وفي سنة 316 صدرت الإرادة السنية قاضية بأخذ ستة في المائة عن بدل العشر يعني أن تؤخذ الستة عن الاثني عشر من المائة فبلغ العشر يومئذ 12. 63 اثني عشر وثلاثة وستين سانتيماً فصار هذا الكسر سبباً لشدة ظلم ملتزمي الأعشار إذ أصبحوا يأخذون ثلاثة عشر في المائة تفادياً من تشويش الحساب على زعمهم وبعد سنتين أصدرت نظارة المالية أمراً عاماً مبنياً على إرادة سلطانية قاضياً بإسقاط 13 سانتيماً من الشعر تخفيفاً عن الأهالي ودفعاً لتشويش الحساب فأصبح العشر اثني عشر ونصفاً عن المائة وهذا عبارة عن الثمن ولذلك لو أردنا أن نعرف العشر نظاماً لقلنا أن العشر النظامي ثمن أي واحد من ثمانية من عامة المحصول على حصص الأعشار ولذلك وضعت دائرة الديون العمومية دستوراً قاعدة من أجل حساب الحصص فعممته نظارة المالية في جميع دوائرها كي يطبق العمل عليها وهذه صورتها:

ميليم سانتيم عدد تام

60 17 79حصة العشر القديم

00 96 3الضم الجديد الذي وضع سنة 313 60 13 83حصة العشر القديم والجديد معاً 10. 5 ـ 100

40 98 4حصة التجهيزات العسكرية (المعدات الحربية)

00 88 11حصة المنافع والمعارف00 00 100

وبذلك صارت بدلات الأعشار تحال دفعة وتوزع على هذه القاعدة مثلاً لو أحيلت قرية ببدل قدره أربعون ألفاً يوزع على نسبة الحصص المذكورة أعلاه وهذه أقسام من المائة فلذلك يجب ضرب القسم ببدل القرية وتفريق عددين من حاصل الضرب من أجل المائة فيظهر مقدار الحصة وهذا مثاله:

العشر القديمالضم الجديدالتجهيزات العسكريةالمنافع والمعارف

79. 1763. 96 4. 984 11. 88

4000040000 40000 40000

ـــــ ــــــ ــــــ31670. 40. 0001584. 00. 001993. 60. 0004752. 00. 00

المجموع

31670. 4 العشر القديم

1584الضم الجديد

1993. 6 التجهيزات العسكرية

4752المنافع والمعارف40000. 0 بدل عشر القرية

وهذه الأربعون ألفاً هي اثنا عشر ونصف عن محصول القرية أي ثمن محصولها فما أغنى نظارة المالية عن هذا الدستور أو هذه القاعدة لو جعلت هذه الاثني عشر ونصفاً إلى هذا الترتيب:

10 العشر القديم 00. 5 العشر المضموم

1. 5 المعارف والمنافع

0. 5 التجهيزات

ـــ

2. 5

فكرت ملياً فلم تتجل لي الحكمة في المحافظة على ذلك التشويش وعلى ما أظن أن هذا التشويش إما حفظاً لأحكام الإرادة السنية أو لمقصد خفي يراد به حفظ زيادة واردات إحدى الحصص والله أعلم.

عرفنا العشر فيما سلف تعريفاً لغوياً وشرعياً ونظامياً وإليك العشر وحالة تلزيمه وإلزامه وجبايته وضرره الذي تئن منه الأمة العثمانية.

يؤخذ العشر عن عامة المحصول بموجب القانون إلا من الحطب والفحم وما فسد بعد زوال الطراوة من الخضر والبقول كالخبازة والباقلاء والخس والكراث والسبانخ وأما ما حفظ بالملح أو الكبيس بماء الملح من الخضر فيؤخذ عنه العشر (أي الثمن).

اختلف الأئمة الفقهاء في جواز أخذ العشر عن الخضر فيجوزه أبو حنيفة رضي الله عنه على أنه عند أبي حنيفة يجب العشر في الخضروات ويخرج حقها يوم الحصاد أي القطع ـ ابن عابدين.

وقد خالف ذلك الإمام أبو يوسف فقال حدثنا الوليد بن عيسى قال: سمعت موسى بن طلحة يقول لا صدقة في الخضر الرطبة والبطيخ والقثاء والخيار. وعن علي رضي الله عنه قال ليس في الخضر زكاة البقل والقثاء والخيار والبطيخ وكل شيءٍ ليس له أصل. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ليس في البقول زكاة اه وفي الخانية لا يجب العشر فيما كان من الأدوية كالموز والهليلج.

ومن هذه العبارة يظهر أن واضع النظام راعى القوانين ولكنه لم يترك ما وجد منه ريعاً مهماً للخزينة ولو كان فيه رحمة للأمة.

وقد يجب العشر في كل ما أخرجته الأرض فالعشر الشرعي الحقيقي هو كما ذكر في الكتب الفقهية قال وحدثنا أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك عن النبي أنه قال فيما سقت السماء أو سقي سيحاً العشر وفيما سقي بالقرب (دلو) أو السواني أو النضوح نصف العشر اه كتاب الخراج.

وفسره بقوله إنما جعل العشر في السيح ونصف العشر في الدالية لمؤنة الدابة والسانية:

يجب العشر في الأول ونصفه في الثاني بلا رفع أجرة العمال ونفقة البقر وكري الأنهار وأجرة الحافظ ونحو ذلك (درر). قال في الفتح لا يقال بعدم وجوب العشر في قدر الخارج الذي بمقابلة المؤنة بل يجب العشر في الكل لأنه عليه الصلاة والسلام حكم بتفاوت الواجب بتفاوت المؤنة ولو رفعت المؤنة كان الواجب واحداً وهو العشر دائماً في الباقي لأنه لم ينزل العشر إلى نصفه إلا للمؤنة والباقي بعد رفع المؤنة لا مؤنة فيه فكان الواجب دائماً العشر لكن الواجب قد تفاوت شرعاً فعلمنا أنه لم يعتبر شرعاً عدم عشر بعض الخارج وهو القدر المساوي للمؤنة أصلاً اه حاشية ابن عابدين.

فقد فهم مما تقدم أن صاحب الشرع عليه السلام نظر إلى حالة الزراع وفرض عليهم العشر بالنسبة لريعهم الحقيقي ولا يخفى أن الأرض التي تشرب بالدلو والدولاب ليست كالأرض التي تشرب من الأنهار سيحاً (يعني سقياً) أو من ماء المطر فالأولى تحتاج إلى عمل ودراهم أكثر من الثانية ولذلك عد صاحب الشرع نصف عشر الأولى بمثابة عشر الثانية اه.

وقد اعتبروا الضم على العشرة أمراً لازماً مشروعاً لاحتياج الحكومة من أجل المعدات الحربية ولتعمير الطرق وإنشائها وتعميم المعارف على أنهم خصصوا نظارة ومستخدمين من أجل المعدات الحربية ليموهوا على الأمة زاعمين أنهم بعملهم هذا يدخرون هذا الضم للمعدات الحربية ويدفعون عنه سوء الاستعمال فهيهات هيهات!

أتدري ماذا كانت النتيجة؟ لم تكن إلا تزييد الضريبة على الأمة وإيجاد وظائف للمقربين والملتمسين وصرف الواردات في غير ما وضعت له ومن أغرب تصوراتهم ظنهم أن حصة التجهيزات إذا دخلت الخزينة تبعت قانون الفوضى في نظارة المالية فكأن الحكومة أرادت أن تعترف بعجزها عن تنظيم أمور ماليتها وحفظ إيرادها من سوء الاستعمال.

وأما حصة المنافع فلم نر ولم نسمع بأنها صرفت في تعمير الطرق أو الجسور وأما ما صرف على الطرق والجسور فهو من بدلات العملة المكلفة التي كانت مأكلاً للولاة والمتصرفين والقائمقامين والمهندسين.

وأما حصة المعارف فكان القسم الأعظم منها يصرف لأولئك الجواسيس الذين تصدروا على كراسي العالم ليمنعوا الجرائد والكتب المفيدة ويلقبوها بذلك التعبير الذي ترتعش لذكره الفرائص وهو (مضرة) كأنهم كانوا نافعين! ويصرفون هذه المبالغ على السفاهة والبذخ. ويحتجون بجواز هذه الضمائم بما يوجد في الضرائب من الضمائم في بلاد الغرب وقد فاتهم أن تحميل أعظم الضرائب على عاتق الفلاح ظلم وضرره في عمران البلاد واضح. أشرت إلى أن الشرط في وضع الضرائب حفظ النسبة بين إيراد الأشخاص الحقيقي فإن حسبنا ريع الفلاح السالم ألغينا ريعه أقل من ثلث ما تأخذه الحكومة باسم العشر وزد عليه أن بذاره وبقره ولباسه ومؤنته قد استدانها بفائض يتجاوز الخمسة والعشرين إذا ما قلت الخمسين في المائة فأي أرض تضمن لفلاحنا التعس هذا العشر الفاحش وهذا الفائض المدهش؟

تلزيم العشر

يعلم العثمانيون كافة أن العشر يؤخذ بطريق البدل إلا في بعض الأنحاء كحوران تدفعه للحكومة عيناً وبدل الأعشار يباع مزايدة وللمزايدة وإلا حالة أوقات محدودة تحددها مجالس الإدارة وعندما تطرح بدلات الأعشار للمزايدة تستدعي الحكومة شيوخ القرى وتكلفهم بوضع بدل عشر قريتهم بزيادة عن بدلها السابق فإن أجابوا تخلصوا ورجعوا إلى قريتهم وإن أبوا أو اعتذروا لقلة المحصول عندهم ضربوا وأهينوا وأدخلوا السجن وهذا العمل مغفور في نظر أولي الأمر لأنه به تزيد واردات العشر.

ولا ينكر أن بعض الأهالي أيضاً يسعون في تخفيف بدل الأعشار فيهضمون حقوق الخزينة فإن كان في قريتهم ربح تهاجم عليها الملتزمون وإن كان فيها خسارة أحيلت على أهلها بالكفالة المتسلسلة بالرغم من أنوفهم في كل قضاء وفي كل مركز متصرفية أو مركز ولاية. في جميع أنحاء المملكة العثمانية أعيان من أرباب النفوذ يلتزمون ضيعهم ويختصون بقرى عدوها من مستعمراتهم وعندما يضع هؤلاء أختامهم في قائمة المزايدة لا يستطيع أحد من الملتزمين أن يزيد عليهم فإن زاد حل به البلاء لأن ذلك الوجيه يستطيع بسيطرته أن يسجنه أو يتهمه بجناية فيتوب عن الالتزام هذا إذا صادف من يرحمه ويخلصه من ذلك الافتراء.

وأرباب النفوذ لا يتعدى بعضهم على بعض لأنهم تقاسموا الغنيمة وكل منهم رضي بما اختص بع واعتاد الملتزمون أيضاً أن يتقاسموا القرى أو يتشاركوا في بدلات القرى التي تربح ربحاً عظيماً ومنهم من جعل السفه مسلكه فتراه يهدد الذين لا نفوذ لهم ولا سيطرة عندهم في التزام ضيعهم ويأخذ منهم دراهم معدودات تحت اسم حق السكوت لئلا يزيد على بدلها وخوفاً من أن يصير البدل قانوناً يطلب الزيادة عليه في السنة الآتية وقد يلتزم ملتزم بدل أعشار قرية من أجل دين له على أهاليها على أمل استيفاء ديونه حتى ولو كان محصولها لا يعادل بدلها.

والمهارة والشطارة التي تطلب من القائمقام والمتصرف أو الوالي الغيرة على تزييد بدلات الأعشار ولو كان فيه ظلم الأهالي وخرابهم وقد تبلغ قرى الأهالي فوق بدلها الحقيقي وربما يدفعون 20 في المائة ويرضون بهذه الخسارة لما صادفوه أثناء الإحالة من الضغط والتضييق والضرب وأما المتوسطون فيكون بدل بلادهم معتدلاً ولكن قرى أرباب النفوذ تحال بأبخس الأثمان فقرية يبلغ بدلها مائة ألف قرش مثلاً تحال عليه بخمسة أو عشرة آلاف قرش فالفقراء يظلمون والأغنياء والوجوه وأرباب النفوذ يظلمون الخزينة ويأكلون حقوقها فإن نظرنا إلى أنحاء المملكة بأسرها نجدها منقسمة بين أولئك المستبدين ولذلك نجد ما خسرته الخزينة بسببهم أعظم مما تستوفيه بالضرب والحبس من أولئك الفقراء المدقعين.

جباية العشر

فبعد إحالة الأعشار يتهاجم الملتزمون على اختلاف طبقاتهم إلى القرى ويستخدمون الأشقياء والمحكومين والفارين من وجه الحكومة ويتخذونهم آلة الجباية وحقهم من العشر ولما يصل الملتزم في جنوده إلى القرية يجمع المختار والشيوخ ويعدهم بأن يترك لهم قسماً مما يترتب عليهم من العشر على شرط أن يقدروا البساتين والصحاري والكروم والخضر بأضعاف أضعاف أثمانها الحقيقية ولذلك ترى الفلاح يدفع عن بساتينه وكرومه وخضره نصف ما أخذه من الثمن إذا لم نقل كله ويعطون الملتزم دفتراً بما رفع قبل الإحالة ويتفقون معه على إعطائه 14 من المائة بدل 12. 5 وهو العشر النظامي والباقي عوضاً عما أكله الدواب ويسمونه إطعامية وتلفية. وهذا المقدار يختلف بحسب رضا الشيوخ ومن البلاء المبرم إذا صاروا شركاء فترى الملتزم يتحكم في الأهالي تحكم النمرود ولذلك تدخل المملكة في حرب داخلية أيام الأعشار فيفتح باب الرزق للمحاكم فيعذبون الزراع حينئذ أنواع العذاب وإن أحيلت القرية على الأهالي فالبلاء الأعظم يأتيهم من شيوخهم ووجوههم والمطلع على أحوال الفلاحين أيام الأعشار وما يقاسونه بعلم منه ومما فصلناه أن إحالة بدلات الأعشار على هذه الصورة مضرة بالأهالي والخزينة أيضاً.

مضرات الالتزام

صاحب المال أي الفلاح يصبح كالمحكوم عليه ريثما تحال القرية ويأتي الملتزم فلا يستطيع الأكل من ماله ولا إطعام دابته فبينما هو يعرف أنه مكلف بدفع العشر للحكومة التي قامت بحفظه وحفظ ماله وعرضه يرى نفسه محكوماً عليه لرجل مثله من أفراد الرعية وهذا ما يصعب على الطبع والإحساس ولما كان إخراج الغلة متوقفاً على الإحالة والمساعدة من الملتزم وقد تمضي شهور ريثما تجري الإحالة فيضيع على الزراع السعر وربما يخسرون ألوفاً وقد تنقص البيادر في هذه البرهة بسبب أكل الدواب والعصافير والطيور وهذه لا تأكل سوى الحبوب ولا ترجح على القمح والشعير شيئاً ومن غرائب الالتزام أن الفلاحين يجبرون على نقل الغلة من مسافة ساعة بحسب المادة 9 من نظام الأعشار وهناك أناس من أصحاب النفوذ أهل البطالة ينتظرون موسم الأعشار ليلتزموا قرية أو قرى باعتبار قيم أراضي آبائهم وهؤلاء قلما تجد في قلوبهم رحمة فيستبدون بالأهالي ويظلمونهم ظلماً لا مزيد عليه والأهالي لا يستطيعون الشكوى فلو تجاسر أحدهم واشتكى من تعدى عليه وغصب ماله الذي أحرزه بعرق جبينه بين شدة الحر وزمهرير البرد كان البلاء عليه من الحكومة ومن ذلك الملتزم.

وإن أرادت الحكومة أن تجبي الأعشار بنفسها (أمانةً) تحتاج إلى استخدام مأمورين ويصعب عليها أن تجد مستخدمين صادقين يحفظون حقوقها وتكون قد سلطت على الأمة أناساً يظلمونها ويسومونها سوء العذاب ويخونونها معاً فتكون حينئذ ظلمت الأهالي وأضاعت إيرادها.

وقد يستحسن بعضهم تلزيم الأعشار لما فيه من الزيادة من سنة أخرى وفاته أن كان ثمة زيادة فذلك من شدة الضغط وإن من نتائج الترقيات التي أخذت تنتشر رويداً رويداً وأن حالة الفلاح أحسن من قبل ولا ننسى أن الزيادة بجانب النقص والخسارة بجانب الربح وخلاصة الكلام أن تلزيم بدلات الأعشار وإحالته على ما ذكرنا وجبايته مضر بالأهالي وببيت المال ايضاً.

ماذا تفعل الحكومة؟

تجعل العشر ضريبة على الأراضي (لا تخميناً كما يظن الناس) وإليك التفصيل.

أما أراضي الحجاز والمدينة ومكة واليمن وأرض العرب فكلها عشرية لا يجوز تحويلها إلى غير ذلك ولا يزاد عليها ولا ينقص منها لأنه أمر جرى عليه أمر رسول الله وحكمه فأصبح أمراً دينياً لأنه ثبت ذلك بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول أي يفترض لقوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده فإن عامة المفسرين قالوا أنه العشر أو نصفه وهو مجمل بيّنه قول رسول الله ما سقت السماء ففيه العشر وما سقي بقرب أو دالية ففيه نصف العشر. . إلخ. حاشية ابن عابدين ص53 وعد العشر من العبادة قال ابن عابدين في حاشيته إذا أدى بنفسه فله ثواب العبادة وإذا أخذه الإمام يكون له ثواب ذهاب ماله في وجه الله تعالى ـ بدائع.

وفي البزازية لا يحل الأكل من الغلة قبل أداء الخراج وكذا قبل أداء العشر إلا إذا كان المالك عازماً على أداء العشر اه وقد عد العشر زكاة أو صدقة اه. فأهل تلك البلاد المباركة الذين عرفوا بالتدين والمحافظة على العهود والأقوال لا يتأخرون عن أداء العشر الشرعي بل إنما يأتون به إلى بيت المال ليحل لهم الأكل من المحصول فيجب استيفاء العشر فيها كما وضعه صاحب الشرع عليه السلام ولا يجوز تحويله أو تزييده أو تنقيصه وتجب العناية بتفهيم أهاليها أن العشر فرض ديني لا يجوز أكله والحيلة فيه. وأما ما كان في الأهالي من الخيانة فهو من سوء تأثير الاستبداد وظلم المأمورين وفساد أخلاقهم.

وأما أرض الشام وأرض مصر وسواد العراق وغيرها فأرض خراج يحق للإمام أن يحولها إلى أرض عشرية ويضع عليها العشر كما يشاء وقد سبق ذكره غير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما مسح سواد العراق سأل عماله على الخراج حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف فقال لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق فقال عثمان حملت الأرض أمراً هي له مطيقة ولو شئت لأضعفت وقال حذيفة وضعت عليها أمراً له هي محتملة فقال: انظرا ألا تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق أما لئن بقيت لأرامل أهل العراق لأدعهن لا يحتجن إلى أحد بعدي. فتأمل ومن هذا يتضح أن الإمام لا يجوز له أن يحمل الأرض فوق طاقتها من العشر أو الخراج.

هل يجوز جعل العشر الجاري الآن ضريبة على أراضي الخراج؟

جاء في كتاب الخراج أن عمر رضي الله عنه مسح سواد العراق فبلغ ستة وثلاثين ألف جريب وأنه وضع على جريب الزرع درهماً وقفيزاً وعلى الكرم عشرة دراهم وعلى الرطبة خمسة دراهم وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وعلى جريب القصب ستة دراهم وعلى جريب الحنطة أربعة دراهم وعلى جريب الشعير درهمين وعلى جريب السمسم خمسة دراهم وعلى الخضر من غلة الصيف على كل جريب ثلاثة دراهم ومن جريب القطن خمسة دراهم وجاء في كتاب الخراج أيضاً أن عبد الملك بن مروان أحد خلفاء بني أمية حمل الأموال على قدر قربها وبعدها فجعل على كل مائة جريب زرع مما قرب ديناراً وعلى كل مائتي جريب مما بعد ديناراً وعلى كل ألف أصل كرم مما قرب ديناراً وعلى كل ألفي أصل مما بعد ديناراً وعلى الزيتون على كل مائة شجرة مما قرب ديناراً وعلى كل مائتي شجرة مما بعد ديناراً وكان غاية البعد عنده مسيرة اليوم أو اليومين وأكثر من ذلك وما دون اليوم فهو في القرب وحملت الشام على مثل ذلك وحملت الموصل على مثل ذلك نتبين مما تقدم ذكره أن الخراج كان عبارة عن ضريبة مقطوعة على الأرض تنوعت بالنسبة للإيراد الصافي وقد سبق أن أرض الشام والعراق ومصر وغيرها كالأناضول والروم أيلي وطرابلس الغرب مما افتتحه المسلمون عنوة كانت أراضي خراجية وقد جوز الإمام أبو يوسف تحويلها لأراضي عشرية وجوز تزييد مقدار العشر وتنقيصه فيها فيتضح لك مما تقدم ومما تقتضيه المصلحة العامة أن تحويل العشر الجاري حتى الآن إلى ضريبة عادلة تطرح على الأراضي الخراجية على شرط أن تطيق حملها وتكون متناسبة مع الريع الحقيقي جائز بل واجب.

ما هي القاعدة في تحويل العشر إلى ضريبة؟

تتألف لجنة قوامها رجال ممن لهم خبرة بفن الزراعة واقتدار بتخمين القيم ويصحبهم مهندس ويرأسهم رجل ذو خبرة واطلاع على أحوال البلاد والفلاحين دارس في المدارس العالية ويشترط في الجميع أن يكون ممن تحلى بشرف النزاهة والصدق والاستقامة فيتجولون في أنحاء الولاية ويفحصون قوة إنبات الأراضي ويقسمونها إلى ثلاثة أو أربعة أقسام أعلا وأوسط وأدنى وضعيفة (يعني قلما تعطي ريعاً) ثم ينظرون في بدل أعشار عشر سنين أو خمس عشرة سنة عن قرية ما على شرط أن ينظروا إلى حقيقة البدلات السابقة فإن كانت للأهالي فلا شك بأنهم يجدون بدلاتها فاحشة فيجب عليهم التخفيف وإن كانت لأرباب النفوذ فلا شك بأنهم يجدون بدلاتها ناقصة فيجب عليهم التزييد وربما وجدوا قرية من قرى الأهالي محفوظة من الغدر الفاحش لاتفاقهم وتيقظهم كما أنهم يجدون بعض قرى الأعيان مظلومة لتجاوز بعض أرباب النفوذ أو لغضب أولي الأمر عليهم ثم يقسمون مجموع البدلات على عشر سنين أو خمس عشرة سنة وبعد ذلك يوزعون خارج القسمة على حسب درجات الأراضي من حيث قوة الإنبات وهكذا يفعلون في الولايات التي هي من الأراضي الخراجية ولا بد من النظر إلى نوع الأراضي إن كانت مشجرة أو غير مشجرة ويجب تفريق الأراضي التي تسقى بماء المطر أو بماء النهر سيحاً من الأراضي التي تسقى بالدلو أو الدولاب وتفريق الأراضي التربية من المدن والمرافئ الأساكل عن الأراضي البعيدة. وخلاصة الكلام يجب على اللجنة أن تحمل الأرض ضريبة تطيقها ولا تتجاوز عشر محصولها فإن فعلوا أراحوا الأمة وتزايدت واردات الخزينة ودخلت تحت قاعدة الانتظام وخف الظلم وصار إيراد الدولة معلوماً فلا تخطئُ في تنظيم ميزانيتها وإن ظلم رجل بضريبة فله أن يراجع ويدفع ظلمه والآن قد فتح باب العدل فلا يبقى مظلوم على غدره إن شاء الله.

منافع الضريبة على الأراضي

يعرف الإنسان ما عليه من الضرائب فيحسب مصروفه على أراضيه وريعه الحقيقي فيسعى في عمارة أراضيه ليخفف عنه ألم الضرائب ويضمن ربحاً عظيماً فإن وصل إلى مرغوبه عمر الأرض فتعمر البلاد وإن خسر ترك الزراعة وانصرف إلى التجارة وعلى ما أظن أن الحكومة الدستورية ستسعى في تخفيف الضرائب عن عاتق الأمة وأخص منهاضرائب الزراع وإذا خفت عنهم أغنتهم وجعلتهم يتزوجون ويعملون الولائم ويكتسون ويصرفون المبالغ في اللبس والفرش فيزيد واردات البلاد مع واردات الخزينة وأكرر قولي أن الحكومة لا تغنى إلا بغنى الأمة والأمة لا تغنى إلا بتخفيف الضرائب. وحينئذ ترى فلاحنا قد أصبح حراً وتخلص من استبداد الملتزمين ومن أسرع في إخراج محصوله فأدرك الأسعار في غلائها ربح الأرباح وصارفي رغد من العيش وهذه النعم لا نجدها في تلزيم بدلات الأعشار وكفى بذلك عبرة.

شكري العسلي