مجلة المقتبس/العدد 42/رسائل بليغة

مجلة المقتبس/العدد 42/رسائل بليغة

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 8 - 1909



وقع إلينا كتاب مخطوط وقد كتب على جلده بخط حديث لا تحزن إن الله معنا حكمة بالغة لبعض الحكماء: لا مجد كمجد من يخدم وطنه، وقال اسكندر دوماس الفرنسوي المشهور: إن الأشرار يتحاملون على النفوس الشريفة بيد أنهم لا يستطيعون له أذىً فهي (أي النفوس الشريفة) كالصخور الصوانية تطغو عليها أمواج البحر عند هبوب العواصف فتظن أنها قد أغرقتها وهي قد غسلتها فتعود في نور الشمس أكثر جلاءً.

وليس لهذا المجموع اسم ولا عرفنا اسم جامعه ولا سنة نقله وإنما الطاهر من خطه المشرقي أنه مما كتب قبل الألف للهجرة وهو في ستة وأربعين ورقة من قطع الربع.

وفي الورقة الأولى منه صورة سؤال كتبه الشيخ الفقيه المفتي أبو محمد عبد الحميد بن أبي الدنيا إلى الفقيه الإمام العلامة الشيخ عز الدين أبي محمد عبد العزيز بن عبد السلام رضي الله عنهما فيمن تصدى للفتيا والجواب عليها وقد استغرق السؤال والجواب ورقتين.

أما المجموع فهو رسائل لبعض البلغاء فالرسالة الأولى كتاب الفقيه المشاور أبو محمد عبد القوي في زواج ابنته إلى أحد الفقهاء وكتاب لأبي بكر بن صاحب الصلاة إلى بعض إخوانه يوصيه بالتحفظ بكتبه من الفار وكتاب له إلى بعض إخوانه يصف جامع قرطبة جاء فيه:

والجامع قدس الله بقعته ومكانه، وثبت أساسه وأركانه، قد كسي بردة الازدهاء، وجلي في معرض البهاء، كأن شرفاته فلول في سنان، أو أشر في أسنان، وكأنما ضربت على سمائه كلل، وخلعت على أرجائه حلل، وكأن الشمس قد خلفت فيه ضياءها، ونسجت على أقطاره أضياءها، فترى نهاراً قد أحدق به ليل، كما أحدق بربوة سيل، ليل دامس، ونهار شامس، وللذبال تألق كنضنضة الحيات، أو إشارة السبابات بالتحيات، قد أترعت من السليط (شيرج) كؤوسها، ووصلت بحاجز الحديد رؤوسها، ونيطت بسلاسل كالجذوع القائمة، أو كالثعابين العائمة، عصبت بها تفاح من الصفر، كاللقاح الصفر، بولغ في صقلها وجلائها، حتى بهرت بحسنها ولآلائها، كأنما جليت باللهب، أو أشربت ماء الذهب، إن ساميتها طولاً رأيت منها سبائك عسجد، أو قلائد زبرجد، وإن جئتها عرضاً رأيت منها أفلاكاً ولكنها غير دائرة، ونجوماً ولكنها غير سائرة، تتعلق تعلق القرط من الذفرى، وينبسط شعاعها بسط الأديم حين يغرى، والشمع قد رفعت على النار رفع البنود، وعرضت عليها عرض الجنود، ليجتلي طلاقة روائها القريب والبعيد، ويستوي في هداية ضيائها الشقي والسعيد.

وهنا انتهت الصفحة واختلط الكلام بغيره والغالب أن ورقة سقطت من الوسط، وكان فيها تكملة ذلك الوصف المسجع المستملح، وهناك رسائل كتب بها الوزير الكاتب أبو مروان بن زكريا ورسائل كتب بها ذو الوزارتين أبو بكر بن عبد العزيز منها كتاب كتبه عن أهل قرطبة إلى علي بن يوسف بن تاشغين ونصه: أيد الله أمير المسلمين بالتقوى وعمر به ربع الإسلام فلولا رجاؤه لكان قد خرف في هذه الجزيرة وأقوى وأتم به وعليه النعمى وجعل ذراه الأمنع الأحمى وأمده بالقوة والرحمى وأنار به طريق الهدى وصدع بنظره الحميل جميع العدى وجعله ممن اشتمل بالتوفيق وارتدى وجرى في غايات البر فسيح المدى واتبع آثار الذين هداهم الله واقتدى، كتبناه أدام الله تأييده وطاعته لم تخلق برودها ولم تتقض عهودها ولم يتغير معهودها ونحن لحقه مقدمون ولما أوجب الله من فرض إمامته معظمون ولما قضاه مسلمون ولما أمضاه مستسلمون وبين يدي أشفاقه باكون خاشعون وإلى جنابه وارتماضه (انفعاله) شاكون ضارعون وللحق فيما ينهيه حاكون وبه صادعون وقد ضاقت بالنفوس الحناجر وأسلمت الدموع المحاجر وسمعنا صراخ الأسرى المضطهدين يمنة ويسرة فما ملكنا إلا عبرة أو حسرة ووددنا يوم انتقل الأمير الأجل ولي العهد عن أنظارنا وارتحل من ديارنا أنا لقينا الموت المعجل فأراحنا من الأوجال ولم ترتق الخطوب إلينا حالاً بعد حال وهذا العدو المجاور لنا قضمه الله قد أحرقنا بشررة من ناره وأغرقنا في قطرة من غماره فكيف نكون بعد وقد أشجانا بشؤبوب برد ورمانا بضرم متقد ونحن نستقبل به جمعاً ولا نطيق له بغير الله دفعاً ونترقب آزفة تترك أنوار الإسلام والله الكافي كاشفة ولا تجد لها من دون الله كاشفة بل هو القادر على أن يصرف إلينا نظر أمير المسلمين فيسهل لنا مقاصدها ومسالكها ويرد عنا محاذيرها ومهالكها.

وتفسير هذه المقدمة الشديدة الوقوع الكريهة المسموع الأميرة قلعة رباح ومورة نفدت في شهر كذا وأوعب العسكر مع والينا أبي محمد وفقه الله في نقلها ونهضوا بما تحملوا من ثقلها فلما أعنقوا في مضمارهم وبعد عنا ماكنا نتطلع من أخبارهم جاء الصريخ أن عسكر الروم دخل على فج المساجد إلى بلاد الإسلام رد الله عنه كيد عبدة الأصنام وهناك مقاصد شتى شعوبها وغنائم لا يتعذر مطلوبها فأخذ بنا الورع في كل طريق وخفنا على كل جانب من جوانب المسلمين وفريق وتوجه من بقي في البلد من أهل الفلاحة وغيرهم للإنذار وتقليع الأقطار وأعلام أهل البوادي بنبأ هذا العسكر الجرار ورفعهم عن مواضع سكناهم عسير ولا يرد قدر الله عمن هو قتيل أو أسير واستصرخنا الأمير الأجل أبا زكريا يحيى بن اسحق وفقه الله لهذا الخطب النازل والعدو المغير المنازل فتوانى فيما كان يروم وسبقه إلينا الروم فأغاروا من الوادي الكبير إلى القليعة إلى لورة إلى فرنجولس واجتاز الوادي إلى يلمه وبعض نواحي استجة وكان ذلك في اليوم الثالث من وصول خبرهم إلينا ووروده علينا وأكثر أهل هذه الناحية لم يطيعوا النذير ولا صدقوا التحذير بل غلبهم ضعف المقدرة عن الانتقال وكثرة العيال والأطفال فامتلأت بالسبي الجبال وأسلمت من فيها السهول ولا تعصمهم الجبال وأخذوا من النهاب والإمتاع والحاضر والكراع ما لا يدركه الإحصاء ولا يملكه الاستقصاء وبقوا في ذلك يومين لا يجدون من يرد امتدادهم ولا من يرمي سوادهم حتى غلب أكفهم الانتهاب وضامه بهم المشي والذهاب ووصل كتاب وإلينا أبي محمد بن كركي بعد أخذه في الصدر والقفول من ذلك السفر يذكر ما اتصل به من الخبر ووعدنا بالتشمير في اتباعهم وأخذ الاهبة لقراعهم وتلوه إذن الله في ذلك لاعبين بكثرة الجند واجتماعهم وجاء أيضاً عن والي إشبيلية أنه وصل لورة وسيره حثيث وهو للمسلمين ناصر ومغيث والنصارى قد أثقلتهم الأسرى والغنائم فلا يمشون إلا رويداً ولا ينتقلون إلا صار الأمن لهم قيداً واجتمع الواليان وفقهم الله والعدو لم يبعد طلبه ولا تعذر مطلبه ونفر المسلمون من كل مكان خفافاً وثقالاً فرساناً ورجالاً وقد رأوا أسباب النجح بينة ولوازم الجهاد متعينة ولما تراءت الفئتان قصرت الأقدام وقلّ الإقدام وطفئت الحفائظ وكان لها توقد واحتدام ونسي فرض الإسلام واستخف ثقل الملام ورأى الكافر ما عليه من عساكر تترادف أمدادها وتزيد ضعفاً على من عنده أعدادها فلجأ العدو إلى جبيل لا يعصم الهارب ولا يمنع الطالب وسدل به الرجالة المطوعون فأرهقوه عسراً وحالوا بينه وبين المواشي قسراً وخالطوا الكفار في صعيد وسائر العساكر غير بعيد ورزق الله المطوعين الصبر في محاربتهم والاجتهاد في مطاعنتهم ومضاربتهم فما ذعر الكفار لهم سرباً ولا فلوا لهم غرباً فاستمدوا الولاة وعندهم الكماة وبين أيديهم الرماة فما أمدوهم بحام ولا أعانوهم برام بيد أن الكفار يئسوا من الحياة ولم يطمعوا في النجاة واعتنقوا اعتناق وداع ولا يثقوا بقوة ولا خداع وفني عمر اليوم والكتائب لم تتحرك وقد أذن الله بالإملاء لمن أشرك وترك الليل فقوض الكافر بجمعه على أعين الناس وأسرى ومعه الدواب والأسرى وقد أهملهم أهل الإسلام ولم ثرع فيهم ذمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وتركت الغنم والبقر سدى واغتالتها يد الردى وانتهبتها أهل الحصون كما تنتهب المغنم المباح وأخذوها كما تؤخذ الفوائد والأرباح ولم يرجع منها إلى أهلها إلا النذر اليسير والتافه الحقير وكان للأسرى عند رحيلهم عجة في الأصفاد وضجة في الأغلال والأقياد تصرع الجماد وتفجر الأحجار الصلاد فما رقت لذلك قلوب أقستها الذنوب وبعد عنها نصر الله وهو قريب ومنعها من حسن اليقين شك مريب، ومعظم الشكوى بأهل إشبيلية فإنهم أظهروا المباعدة وأقلوا المساعدة وعادهم في ذلك الخميس عيد من ذكر يوم الخميس فاستقبلوا العجز استقبالاً وخرجوا للنصر فما زادوا إلا خبالاً فيالله ويالأمير المسلمين من دماء سفكت وحرمات هتكت وأنفة في دين الله وضعت وتركت وجماعة من المسلمين غلبت بيد الباطل وملكت، وقدامهم من أخوانهم من يزيد على عددهم أضعافاً يغلب فيها النساء الرجال ويسبق ذوي الغرر والحجول ربات الحجال ولو كانوا نصفهم لكان ذلك النصف يحسبهم وكتاب الله تعالى قد أوجب أنه يغلبهم وقد روى ثقات الأخبار خطبة علي رضي الله عنه بالأنبار وأمير المسلمين أولى من اهتدى بهديه ورأى في الإسلام مثل رأيه وقد علم الروم أن حمى الإسلام غير ممنوع وغاربه غير مدفوع وعندهم في هذه السنة احتفال واحتشاد وتأهب واستعداد وما منا أحد إلا وهو يجتاز للجلاء أقرب طرقه ويرى موضع الفداء والسيف من عنقه وقد دعونا أمير المسلمين بما أسلف إلينا من نعمه وأعلقنا من ذممه وقرب إلينا من مسافة مطالعه واقتضاء الواجب في مناصحته ومشايعته والرب سائله عما استرعاه ومجازيه بعمله المبرور ومسعاه ولعل الله يجعل لنا في قلبه رأفة تعطفه إلى هذه الشكوى وترفه ما نزل بنا من البلوى وإنا لننتظر من نظره الجميل وجوابه الواضح السبيل ما يقر النفوس في قرارها ويعيد الآمال في النجاة بعد فرارها وهو أيده الله بذكر ما أخذه عليها من العهد المسؤول في النصح المبذول والصدق المقبول فرأينا أن لا نكتم ما يجب إبداؤه ولا نمسك ما يلزم أداؤه وهو المسؤول جلت قدرته أن يرفع بالتقوى قدره ويشرح لهذه الشكوى صدره ويجزيه عن جوانب الاتها العدل وبسيطها ومذاهب زانها الرفق وأقسطها أفضل ما جزي به أماماً تواضع لله فحببه إلى خلقه وأعانه على حقه لا رب غيره والسلام.

فراجعهم علي بن يوسف بن تاشنين:

كتابنا كتب الله لكم يقيناً تطمئن بصدقه القلوب وتهون بعده الخطوب وأيدكم بإيمان تنبعث به البصائر ويثوب ويذهب بسبب الروع الذي يخوف به الشيطان أولياءه فلا يعقب ولا يؤب من حضرة مراكش حرسها الله في الثاني عشر من جمادي الآخرة سنة خمس وثلاثين وخمسمائة ونحن نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو حمداً نتخذه إلى المزيد من نعمته سبيلاً ونجعله إلى رحمته دليلاً وننزله بعصمته كفيلاً ونصلي على محمد نبيه الكريم صلاة عامة تامة تتعاقب إليه مع التسليم الأصفى وعلى آله الطيبين وصحبه الأكرمين بكرةً وأصيلا، أما بعد تجاوز الله عن ذنوبنا وذنوبكم وفزع بأمنه عن قلوبنا وقلوبكم وصفح عما يعلمه من عيوبنا وعيوبكم فإن كتابكم الأثير وافانا مضمناً من سوء أثر العدو قصمه الله في المسلمين عصمهم الله ما أغص وأشرق وأمضى وأرق وجمع علينا من همومكم وغمومكم ما انتشر وافترق وذلك ما أحصاه قبل خلق الخلائق كتاب من الله سبق قال الله سبحانه وبلغ رسوله وصدق (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها أن ذلك على الله يسير، لكيلا تأسو على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور) وما نهون مصاباً أدرك المسلمين والمسلمات فيه من النكال الموجع ما أدرك وظهر على المؤمنين في مواطنهم من كفر بالله وأشرك وفتك في حومته بدين الله من فتك ولوددنا والله شاهد أن نجعل دون نفس المسلمين نفساً لا ندخرها ما استطعنا من فدائهم ولا نكره أن نبذلها جهدنا في جهاد أعدائهم وأن نكون جنة واقية من أمامهم وورائهم ولكن نقول ما قال سبحانه وتسليماً وتراه كما هو عند الله عظيماً (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم أن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً) وقد علمتم أمتع الله بالحسنى أمتاعكم وأقر بعوائد البشرى أبصاركم وأسماعكم وكشف عنكم وعنا فيكم ما وقذكم وراعكم أنا قد تقدمنا إلى جميع العمال ومن تحت أيديهم من الرجال أن يتظافروا على العدو قصمه الله ويأتلفوا ويتطاوعوا ولا يختلفوا ويتقدموا في حسن الدفاع ويزدلفوا ولو أن جميع المسلمين من قلة أتي وبأضعاف كثيرة رمي لقلنا في الحاجزة نعماً هي ولكن فت في أعضاد الله تبريحهم وتنازعوا ففشوا وذهب ريحهم ولم يحظ عندنا بقبول تعريضهم في العدو وتصريحهم فاستحقوا مقت الله ومقت الأمة ولومها وأعطوا شيعة الكفر على الرغم منهم حكمها وشومها وفضحوا المسلمين كما فضحت عامل (عاد؟) قومها وعلى الله تعالى ثم علينا تقويم الزيغ بعينه والأود والتقدم لكل خاصة وللمسلمين عامة على توفيق الله تعالى بالنظر الاحد وأعينونا رحمة الله بالأدعية الصالحة التي هي أمضى السلاح وأوثق العدد وأما ما سرى إليكم من أعداد العدو قصمه الله لخروج يستقبله وفساد في البلاد يؤمله فالله تعالى بقدرته يشغله عن ذلك ويذهله ويرميه بحوادث لا تنتظره ولا تمهله وحن علينا وقد استرختم بنا أن نلبي بمشيئة الله نداءكم ونجيب على الصبة والذ والذلول دعا كم ونلقي دونكم الأموال والأنفس أعداءكم وما كنا لو لم تعلنوا في الكتب المجردة نجواكم ولم يبلغنا على السنة الأقلام شكوا كم لندعكم لعدو يستبيح حماكم ويجمع نفسه لمصرتكم وإذا كم ولا نستقيم أصلحكم الله بما نيتنالكم عن أذكاركم واعتصامنا جميعاً بالله هو مولانا ومولاكم واعلموا وفقكم الله أن حماكم حمانا ومن رماكم فقد رمانا ومن أرادكم بسوء الله يكبه لوجهه فما تخطانا ولا تعدانا وظلام الإسلام بحمد الله ممتدة وتلك النصب التي تقدمنا بها في العام الأول معتدة والاهبة بحمد الله متى حزب حازب مستجدة والذي من نصرتكم نستدعيه ونستمنحه في الله ونستهديه دعاء نتعرف بنعمة الله بركة إخلاصكم فيه على الذين شغلوا خيل الله قبلنا عن ثنايا في غزو الكفر نطلعها وأودية في مواطئ بغيظ حزب الشيطان نطويها ونقطعها والله يأخذ هذه الفئة ولا يدعها ويكبتها سريعاً ببطشه الكبرى ويصدعها فخذوا رحمكم الله في أدعية يقبلها ويرفعها ويد الله مع الجماعة ولن يرجع إلا بالإجابة السريعة إن شاء الله مجتمعها وأما ما انتهبه أهل الحصون وسواهم من أغنام المسلمين فلا فرق بينهم في ذلك وبين المشركين ولو كان ذلك النشر جامع يضم تفاريقه وحائط المسلمين يرى الحرج ويخشى ضيقه أو آمر بمعروف أدناه عن منكر يؤثر الحق ويسلك طريقه لحفظ تلك البقية على أربابها وحال بين المسلمين وبين انتهابها لكنهم أمنوا من سعتها وطلابها وما منعه قوم لم يحضرهم من أهل الرضى حاضر ولم يشهده منهم ناصر والله على نصر المهتضمين قادر توكل الله للمسلمين بناصر ناجز ولا وكلهم إلى مضيع ولا عاجز وجعل بينهم وبين الأعداء كل حجر مانع وحاجز بمنه والسلام.

ومن الكتب أيضاً أربعة كتب من أبي الحسن علي بن سيده إلى أستاذه، وفي المجموع عدة كتب لذي الوزارتين أبي عبد الله بن أبي الحضال منهم رسالة إلى عسكر انهزم فوبخه وثانية كتبها عن تاشغين بن علي إلى صاحب فاسر في أمر محمد بن تميم حين استراب منه وثالثة أيضاً مراجعاً للوزير الكاتب أبي مروان بن زكريا جواباً عن رسالة خاطبه بها وغير ذلك ومما يؤثر ما كتبه عن علي بن يوسف إلى يحيى بن علي بولاية بلنسية وها هو:

كتابنا أعزك الله بتقواه ورفع قدرك وأسماه وأيد عزمك في ذاته وقواه ولا زلت تتقلب في عوارفه المقيمة ونعماه من حضرة مراكش حرسها الله لأربع خلون لجمادي الأولى سنة أربع وعشرين وخمسمائة وأنا بما نعرفه من صفو ولائك وصدق غنائك وظاهر استقلالك واكتفائك نرى أن نرفعك بمقتضى حقك في الأحوال ونوسع لك في الأعمال ونعقد بطوقك منها ما نعلم أنه به ناهض مضطلع ونضيف إليك من جسيمها ما أنت بشروطه والقيام بحقوقه رحب الصدر متسع ولضبط جوانبه ومراعاة لوازمه منتظم الأمر مجتمع فقلدناك بعد استخارة الله تعالى والابتهال إليه في اطلاعنا على مواقع السداد وإمدادنا بحسن التوفيق والإرشاد ولاية بلنسية وأعمالها حماها الله تقليداً جمعنا لك به بين الولايتين وملكناك به أمر كريمتين وزمام جحفلين فتقلد ما قلدناك على الطائر السعيد وتظاهر التأييد وتوله معرفاً فيه يمن التقليد وتوالي الصنع الحميد وانفذ إلى عملك وتسلمه من المصروف بك واستقبل الأمر بأقوى عزيمة وجد وانفذ مضاءٍ وامضى حد وكن به جد ناهض مستبد وتلك حال خطيرة قد جذبنا إليك زمام قيادها وتوخينا بك إقامة منآدها وثغور قد رميناها منك بسدادها وأمور صارت بتصييرها إليك عند عالم بإصدارها وإيرادها وقد أغنانا علمك بالسياسات في جميع الطبقات عن أن نفصلها تفصيلاً أو نأتيك بها قبيلاً وإنما أعطيناك جملة لا يؤودك تدبيرها ولا يذهب عنك تفسيرها لأنك إنما تقدم على بلد صاقبته كثيراً وجاورته دهراً طويلاً فشؤونه في صدرك مجتمعة وإلى فكرك منحصرة مع تكررك على المكان واطلاعك عليه تارة بالخبر وتارة بالعيان وقديماً تمنى أن يلقى إليك قيادة وصب سادته ورعاياه وأجناده فاجزهم الآن بودادهم وحطهم في أنفسهم وأموالهم وبلادهم وعم جميع الأحوال بتصفحك ومتع الجميع بتأملك واعط كلاً حقه من نصفتك وحسن رعايتك وأذقهم حلاوة الأمن والعدل في ولايتك إن شاءالله، وموضع إقامتك هناك أنت تختاره حيث تهوى لنفسك فتبوأ مكاناً يصلح لأمرك ولا تبعد به كل البعد عن قاصية ثغرك فترجح ما بين شاطبة وبلنسية أو منزلة بينهما ذلك مصروف إلى اختيارك والشاهد يرى ما لا يرى الغائب ونحن بعيد وأنت قريب وإنك كما علمنا موفق الرأي مصيب والله تعالى مؤيدك ومرشدك ومعينك ومنجدك بجوده ومجده لا رب غيره فإن احتجت أن تستعين بأبي عبد الله محمد بن علي أخيك أعزه الله فاستعرفه يقدم عليك واستدعه يسرع إليك واستنب مكانه بميورقة محمود المناب نافذاً في ذلك الباب إن شاءالله عرفك الله يمن ما وليت وأعانك على حفظ ما استرعيت بفضله وجميل صنعه لا إله غيره والسلام.

وكتب عنه أيضاً إلى أهل بلنسية في ذلك:

كتابنا كتب الله لكم تمهيد الأحوال والجهاد وأمدكم بسوابغ الإجمال والهبات ويسركم للأعمال الصالحات والمساعي المرضيات من حضرة مراكش حرسها الله لأربع خلون لجمادي الأولى سنة أربع وعشرين وخمسمائة وقد رأينا بعد استخارة الله التي يتوصل إلى المراشد من بابها وتدرك المناحج من أسبابها أن نولي عليكم أبا زكريا يحيى ابن علي أعزه الله بتقواه فقد قلدناه أعمالكم ووصلنا به حبالكم نظراً منا لكم بمكانه وإلقاءً بأزمتكم إلى حازم وقته وأوانه فإنه والله ينجده ويسعده بحيث علمتم حسن سيرة وعدل ومتانة دين وفضل وتمسكاً من التقوى بأقوى حبل مع صالح مشهد وبلاء وصادق حفاظ وغناء ونفاد عزيمة ومضاء فآثرناكم منه يحافظ لنظامكم ومصرف لزمامكم وساد لثغوركم وقوام بأموركم فهو يقلبها على الحزم ويديرها ويمضي على ما يراه ويحكم تدبيرها وحسبنا في تمهيد أكنافكم وحراسة أطرافكم أن نجعلها وإياكم في كفالته ونختار لها ولكم حسن إنابته وقد فزعنا إليكم به من شؤونكم وقضيناكم به ممطول ديونكم فما ترجعون بعده بتباعة ولا تخشون معه إن شاء الله من حوزة مضاعة فعليكم رحمكم الله أن تتلقوا أمره بأتم سمع وطاعة وتتوخوا نصحه بكل جهد واستطاعة ثم إنه لا يستغني أن تكونوا ظهراً في المحاتم التي يتوخى بها جبر أحوالكم ورم ما رثّ من حبالكم فليجدكم عندها أمام كل إرادة ولتنجذبوا في يده باسمح مقادة فإنه لا يجعلكم الأعلى الذي فيه عن حوزتكم دفاع ولمصالحكم انتظام واجتماع وأنتم عنده على منازلكم يقدر كلاً قدره ويقضي إليه أمره فما في بره ولا في سياسته تقصير ولا عنده في غير كنهه جانب عسير وعلى ذلكم فقد وصيناه بجانبكم من غير أن نخاف منه عن القصد انحرافاً أو نحذر من جهته نكوباً عن الواجب أو خلافاً وإنما قصدنا معه الذكرى فإنها توقظ ذا لحجى وتنب وتبين لذي الحلم والنهى ما يشتبه عرفنا الله وإياكم ميامين هذا التقليد وجعله كافلاً بالأمر السعيد والصنع الحميد إنه الكريم والسلام

وكتب إلى العسكرية بها في الغرض المذكور!

كتابنا أبقاكم الله وعصمكم بتقواه وأجزل حظوظكم من حسناه وجعلكم سابقين إلى طاعته ورضاه متقلبين في عوارفه ونعماه من حضرة مراكش حرسها الله في تاريخ كذا من سنة كذا وقد ولينا أمركم أبا زكريا يحيى بن علي أعزه الله بتقواه وقدنا تصريف أعنتكم وأرمينا إليه بأزمتكم ومكانه حيث لم تجهلوه خيراً وضيماً ونصاباً كريماً وهدياً قويماً وإقداماً وتصميماً ومضاء كان به إذا رفع اللواء على الخميس زعيماً والآن بولائه إياكم فقد آن أن تتضاعف نجداتكم وتصدق عزماتكم فإنه يقود بكم من يرسل أمام اعنتكم عنانه ويروي قبل أسنتكم سنانه وأنتم مع ذلك بحكمه مصرّفون وبالتزام طاعته مكلفون وإلى رايته مجتمعون وتحتها متألفون فإذا أمر فأتمروا وإذا رمى بكم جانباً فابتدروا وإذا أوردكم فردوا وإذا أصدركم فاصدروا فإن حسن الطاعة بركة وجمال ويمن وإقبال كما أن الاستعصاء عليكم مبني على الأخلاق اللئيمة ومخبئة للنفوس الكريمة فأطيعوه كما فرض عليكم في المكروه والمحبوب وانضموا عليه راشدين مشفقين انضمام الجوانح على القلوب فإن لكم حسن الإيثار جزاكم الحسنى والحياء الانم الاسنى جعلكم الله ممن أصحب في القياد وأجاب داعي الرشاد وآثر التقوى واعتقدها خير زاد بمنه والسلام.

وفي هذا المجموع أيضاً بعض مقامات سنها المقامة القرطبية وتنسب إلى أبي عبد الله بن أبي الخصال وقد تبرأ منها وهي في وصف أعيان قرطبة ورؤسائها ثم رد على صاحب المقامة أيضاً اسمها الانتصار كتب بها أبو جعفر بن أحمد والمقامة الشبلية وتعري لأبي الوليد بن سيد أمير، ورسالة لأبي محمد بن القاسم في الترجيح بين الصابي والبديع وقد فضل البديع على الصابي ويتبعها رد من أبي عبد الله بن أبي الخصال في الانتصار للصابي، هذه نموذجات جزئية من الكتاب نشرناها على علاتها وربما سمح لنا الوقت بالرجوع إلى نقل بعض جمل من كتب ابن سيده والموازنة بين الصابي والبديع.