مجلة المقتبس/العدد 49/المالية العثمانية

مجلة المقتبس/العدد 49/المالية العثمانية

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 3 - 1910



لا شيء يشغل بال العارفين من العثمانيين مثل إصلاح ميزانية الدولة وبينا النفوس متطلعة إلى ما يجري في مجلسنا النيابي بشأنها وردت مجلة العالمين الباريزية وفيها مقالة بقلم أحد الأخصائيين في هـ1ذا المعنى قال فيها أن واردات السلطان سليم الأول كانت تقدر سنة 1508 بـ 3. 130. 000 دوكا وبلغت سنة 1553 15 مليون دوكا وبعد ذلك عاد ارتقاؤها انحطاطاً وقوتها ضعفاً مشهوداً بالاقتراض فأصبحت المملكة في قبضة أرباب المصارف من الماليين ولا تزال حتى يوم الناس هذا. فليت شعري هل ينهض أحرار الأمة العثمانية المجددون لإنهاض ماليتهم من كبوتها؟ فالجواب عَلَى ذلك اقتصدوا عَلَى وجه حسن تحسن ماليتكم لأن هذه لا تستمد إلا من الاقتصاد عَلَى أن الحالة الزراعية والصناعية والتجارية في السلطنة العثمانية ليست عَلَى ما يرام بالنظر لمثل هذه المملكة الواسعة الرباع والأصقاع. فقد خرجت المملكة سنة 1905 18 مليون قنطار من الحنطة و34 مليون قنطار من الشعير والجاودار (الحنطة السوداء) والقرطمان والذرة. ويستخرج من اليمن قهوة حسنة معروفة منزلتها. وتبلغ مساحة الغابات التي خربتها المواشي عشرة ملايين هكتار. ويصدر من ولاية بورصة ولواء أزميد نحو ألف طن من الفيالج (الشرانق) وكثير من المواد الطبيعية عَلَى ظاهر الأرض وباطنها لم تستثمر إلى الآن لقلة رؤوس الأموال والمهندسين. وتقدر صادرات المملكة ووارداتها بنحو 1150 مليون فرنك تكاد تنقسم نصفين وطول سككها الحديدية 6600 كيلومتر.

هذا ما قاله صاحب هذا المبحث وقال إن إصلاح المالية العثمانية ليس بالأمر المتعذر فإنها إذا لم تحدث للدولة مشاكل خارجية تستطيع أن تلم شعثها بعد بضع سنين إذا أحسن الأحرار السياسة والإدارة. وهو قول يشبه ما يردده ناظر ماليتنا عَلَى أنه مثل بعض الماليين لا يرى عَلَى الدولة حرجاً في الاقتراض لسد العجز من ميزانيتها لأن الدولة تقترض من جهة وتوفي ديونها من جهة أخرى.

ولما كانت الدولة العثمانية دولة حربية منذ أن قامت في الوجود إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم تحتم عليها أن تنفق عَلَى جيشها شطراً عظيماً من دخلها وبذلك كانت العسكرية أو إدارة دخلها الإصلاح في الدولة بعد إعلان الحرية وهذا الإصلاح يستدعي نفقات طائلة فقد جعل ما يطلب للحربية في ميزانية 1326 8. 280. 452 ليرة عثمانية أو نحو 40 في المئ من الواردات والدولة تحاول أن تجعل لها بحرية تضاهي قوتها البرية وهيهات أن يتم لها ذلك وقد جعلت المخصص لهذه الغاية مليون ليرة وأخذت تجمع إعانة لإنشاء أسطول من رواتب الموظفين عَلَى اختلاف درجاتهم وتهز أكف المحسنين من الأهلين فجمع حتى الآن اثنان وأربعون مليون قرش أوصت بأكثرها عَلَى مدمرات ونسافات. وتدفع الدلوة زهاء ثمانية ملايين وربع للديون العمومية العثمانية مما يبلغ مع اللازم للجيش البري والبحري زهاء ثلثي الدخل والباقي يصرف رواتب لرجال الإدارة والدرك والمعارف والنافعة.

أما إصلاح المالية فموقوف كما يقول العارفون عَلَى إصلاح طرق الجباية وتعديل قيم الأملاك وتضمين الأعشار بحيث يتعادل ما يجبى منها من الفلاحين ومن كبار الأغنياء المالكين وأن تطبق من خطط الإصلاح ما لا يكلفها النفقات الطائلة ويكون مأمون المغبة مثل إصلاح ري العراق واستثمار القرب فالأقرب من مناجمها وإنشاء الأهم فالأهم من خطوطها الحديدية ومرافئها البحرية. والاضطلاع بجباية رسوم الأغنام وفرض ضريبة التمتع عَلَى التجار الوطنيين والأجانب عَلَى صورة عادلة وإذا قبلت الدولة بزيادة الرسوم الجمركية أربعة في المئة تصبح 15 في المئة فتبلغ الزيادة فيها 34 في المئة وإذا أضفنا إليها إصلاح إدارة الجمارك بتكثير رواتب الموظفين والاقتصار عَلَى المقتدرين منهم تزيد الواردات نحو 35 في المئة.

وبيت قصيد كل هذا الاقتصاد في النفقات فقد رأينا الحكومة اقتصدت في الظاهر من أمور طفيفة وأسرفت في أمور كبيرة وما ندري عَلَى أي قاعدة من قواعد الاقتصاد طبقت فانون التقاعد في موظفيها فبعد أن كان العامل من الموظفين يقبض ألف قرش مثلاً أجرة تقاعده وأخذت تدفع له ألفاً ومئة قرش أي أنها زادته في رزقه وبذلك خسرت من وجهين الأول أنه دخل في زمرة المتقاعدين أنا كان يرجى أن ينفعوها بمعارفهم وتجاربهم لو داموا عَلَى عملهم مع مراقبتهم واستعاضت عنهم بإغمار لا يحسنون كيف يسيرون إلا قليلاً وتكبدت الخزانة من الوجه الثاني زيادة رواتب المتقاعدين.

ولو كانت الحكومة تقت رض المال اللازم لسد هذا العجز لهان الأمر وقلنا لها لا بأس من إقدامها الآن عَلَى تحسين ما تريد تحسينه والتوسعة في النفقة ولكنها تنفق بالاستدانة من مصارف أوربا وعليها الآن نحو 130 مليون ليرة عثمانية دين للمصارف وقد استلفت في العام الفائت لسد عجز الميزانية أربعة ملايين وهي تحتاج هذه السنة لعشرة ملايين ليرة أخرى.

ويقول المسيو لوران المستشار المالي ومع إنه لا يعرف مقدار الديون العثمانية معرفة صحيحة فالمظنون أنه لا يقل عن 2950 مليون فرنك فإذا ضم هذا المبلغ إلى القروض التي عقدت منذ سنة 1882 أي منذ إنشاء إدارة الديون العمومية وهي 1. 395. 000. 000 فرنك منها 1. 175. 000. 000 للديون العمومية 155. 000. 000 مليون سلفه و65. 000. 000 للمصرف الزراعي وأخذنا التعديل المتوسط لا نجد العجز يقل عن أربعة وستين مليون فرنك سانهة وقد تراكمت عليها هذه الديون لأنها سعت في استهلاك الديون المنتظمة.

وكيف يتأتى للدولة أن تكثر وارداتها فتصبح كما قال ناظر المالية ثلاثين مليوناً بعد ثلاث سنين ونحن نراها لم تضع في ميزانية الزراعة والمعادن سوى جزءٍ من مئة جزءٍ وأقل من ثلثمائة جزءٍ في المئة للتجارة النافعة ومعظم هذا القدر يصرف رواتب لموظفي هاتين الإدارتين فأين اترك لينفق عَلَى إصلاح ري العراق وفتح المناجم وإنشاء الخطوط الحديدة والطرق والمرافئ ولم يزد المخصص للمعارف سوى 350 ألف ليرة وهو قدر زهيد بالنسبة لاتساع المملكة وأكثر مما يصرف عَلَى تتريك العناصر العثمانية لا عَلَى تعليمها علماً ينفع الأمة والوطن.

ومن الغريب أنه ورد عَلَى الخزينة السنة الماضية خمسة وعشرون مليون ليرة من الضرائب المنوعة ومليونان ونصف عن ولايتي البوسنة والهرسك وأربعة ملايين بدل التخلي عن بلغاريا وخمسة ملايين صودرت من أموال المخلوع عبد الحميد وأموال أعوانه ونحو مليون من واردات الأراضي السنية ما عدا القرض الذي عقدناه وهو زهاء أربعة ملايين وأنفق كل هذا في سنة واحدة ولعل هذه السنة لا تكون أقل من طريدتها لأتن الدولة لا تأمن كل ساعة أن يفتح عليها باب فتنة داخلية أو خارجية تضطر إلى الإنفاق فيها ما لم تدخله في ميزانيتها.

أهم الواردات المخمنة في الميزانية 6. 233. 259 ليرة من الأعشار و3. 980. 395 من الجمارك و1. 222060 ليرة خراج الأراضي 1. 377. 360 خراج العقارات و1.

790. 720 رسوم الأغنام و1. 289. 612 البدلات النقدية إلى غير ذلك من رسوم التمتع والمرتب عَلَى الغابات والمناجم مما لا يتجاوز الستة العشرين مليوناً. وقد ألغي منذ ابتداء سنة 1326 من البلاد التي لم تحرر نفوسها وأملاكها جميع الرسوم التي كانت تؤخذ باسم الدكاكين والخيم وما شاء كل ذلك عدا عن رسم الاحتساب أو الدخولية الذي كان وضعه من أهم عوامل فتنة الأرناؤد الأخيرة كما ألغيت الرسوم التي تؤخذ من الصيارف وأصحاب المعامل المنشأة حديثاً وجميع القوانين المتعلقة بالعملة المكلفة وتذاكر المرور أي الجوازات وتحصيل بدلات الطرق نقداً لا بدناً وتلغى الرسوم التي أحدثت في الكمارك بدون استناد عَلَى قانون أو نظام وألغيت الرسوم التي كانت تستوفيها الحكومة تحت أسماء الدلالية الزورق والرحى والحطب والفحم والباج والصياغ ومعمل القرميد والقصب والمضيق ومرور الحيوانات وميزان الفضة وتمغته وغيرها كما ألغيت رسوم الجسور والمعابر في ولايات بغداد والبصرة والموصل والقدس وبعد جهات أدرنة فإنها تركت للبلدية.

وقد كتب شفيق بك المؤيد نائب دمشق في مجلس الأمة العثمانية وهو ثقة في الشؤُون المالية مبحثاً قال فيه: إن ديون الدولة يوم تألفت إدارة الديون العمومية محررة بالضبط في تأليف قانون هذه الإدارة وكانت يومئذ عبارة عن 116. 815. 172 ليرة عثمانية غير أنا إذا دققنا نجد أن قيمة هذه الديون الحقيقية لا تتجاوز ثلاثين مليون ليرة لأن القمة المحررة في القانون هي قيمة اعتبارية لا حقيقية وقد قسمت الديون المذكورة وقتئذ إلى أربعة أقسام أعظمها وكان يتناول أمثر من ثلاثة أرباعها ما كان معروفاً عند أصحاب الدين باسم (ترتيب د).

وهكذا كانت المئة منه تختلف أبداً بين 17 و20 وإنا عَلَى ما ذكر ما تجاوزت قط قبل أن تظهر مسألة توحيد الديون 21 و22 كما أن مجلس الديون العمومية لم يدفع قط في مشتراه لاستهلاك الدين قيمة فوق ذلك. وإني لآت ببرهان جلي عَلَى أن قيمة الحقيقية أعني قيمتها في البورص لم تتجاوز قط ثلاثين مليوناً. وذلك أن مجلس الديون العمومية كان ولم يزل ينشر كل سنة خلاصة أعماله في رسالة مخصوصة يطبعها ويوزعها عَلَى أصحاب الدين. وقد وقعت يدي الآن اتفاقاً عَلَى رسالته عن عام 314 فوجدت أن الفائدة التي أداها المجلس تلك السنة عن الأقسام الأربعة المذكورة بلغت 1. 014. 483 ليرة عثمانية فإذا أضفنا إلى هذا المبلغ ما بعود من صافي الواردات لأسهم السكة الحديدية الروملية وهو 156335 ليرة بلغ المجموع 1. 178. 080 ليرة وإذا أخذنا رأس مال هذا المبلغ بحساب قيمة الديون الموحدة وجدنا ذلك لا يبلغ ثمانية وعشرين مليوناً غير أنه يجب لأجل تعيين ومقدار الديون الخارجية وقتئذ أن نضيف إلى هذا المبلغ قيمة الديون المضمونة بخراج مصر والدين الذي كان معروفاً بالتحويلات الممتازة فبلغ مجموع ذلك زهاء خمسين مليون ليرة وهذا يكاد لا يتجاوز مقدار الدين الموحد الآن فأين هذا من 150 مليوناً.

أما ديوننا الخارجية الآن فهي كما يأتي وهي أرقام حقيقية راهنة لا اعتبارية:

18. 606. 698 الديون المضمونة بخراج مصر.

52. 394. 659 الدين الموحد.

31. 332. 554 ديون أخرى مودعة لمجلس الدين.

2. 399. 606 ديون لبعض البيوت المالية.

15. 262. 764 ديون منوط أمر تأديتها بنظارة المالية (منها القرضان الأخيران).

119996281 المجموع.

فإذا أضفنا إلى هذا المبلغ قيمة القرض الذي تنوي الحكومة عقده وأضفنا عشرين مليوناً رأس مال ما ندفعه كل سنة ضماناً لشركات السكك الحديدية نجد أن مجموع ديون الأمة ستتجاوز في منتهى هذه السنة المالية مائة وخمسين مليوناً فتزيد عنها يوم تأسست الديون العمومية ما يقرب من مائة مليون.

قال عَلَى أني لست من الذين يستعظمون هذا المبلغ ويرون أن أحوالنا المالية وخيمة العاقبة لمجرد تراكم هذه الديون علينا. كلا وإنما الخطر كله في سياسة الحكومة المالية وانحرافها عن طريق الاقتصاد متبعة خط التبذير والإسراف في جميع شؤونها وأمورها مما لا يقف بنا عند هذا الحد بل يجرنا إلى عقد القروض الجديدة فنحمل عاتق أخلافنا ما لا يقدرون عَلَى القيام بأعبائه ونبيع آجل القمة بعاجل لقمة نحن في غنى عنها.

وإن في ميزانية السنة الحالية أجلى برهان وأعظم دليل عَلَى ما قدمت.

تقررت ميزانية الدولة العثمانية عن سنة 326 بعجز يتجاوز عشرة ملايين ونصفاً من الليرات العثمانية ومهما قال القائلون فهذا العجز لا ينقص عندي عن ثمانية عندي عن ثمانية ملايين فتحتاج الحكومة لسده أن تعد قرضاً يقرب عشرة ملايين بزيادة نحو ثلاثة ملايين عن العام الماضي.

ولا يخفى أن ديوننا الخارجية وضمانات السكك الحديدية مع الواردات المخصصة لها مفوضة إدارتها جميعها إلى دائرة أجنبية لا تأثير للحكومة في أعمالها وهذه الواردات مع النفقات وفائدة الديون المخصصة لها يجب في الحقيقة تنزيلها عن الميزانية إيراداً ومصروفاً فإذا فعلنا ذلك رأينا أن صافي الواردات التي للحكومة حق التصرف بها يبقى عبارة عن ثمانية عشر مليوناً فإذا استقرضت الحكومة عشرة ملايين لسد عجز الميزانية تكون قد استقرضت ما يقرب من ستين بالمائة من مجموع وارداتها فما ظن القراء بتاجر لا يكتفي أن يصرف سنوياً عَلَى خاصته وأسرته جميع كسبه وإيراده بل يقترض فوق ذلك ستين في المئة من مجموع هذا الكسب والإيراد اهـ.