مجلة المقتبس/العدد 6/تدبير الصحة

مجلة المقتبس/العدد 6/تدبير الصحة

ملاحظات: بتاريخ: 22 - 7 - 1906



أوان المسكرات

نشر الدكتور شارل دانا أستاذ النرولوجيا في كلية كورنل من ايتاكا في أميركا نتيجة أبحاثه في المشروبات الروحية فثبت لديه من حوادث كثيرة أن أوان إدمان المسكرات يبتدئ قبل سن العشرين وأن قليلاً من الناس يتعاطونها بعد سن الأربعين. ومن رأيه إذا أرادت الحكومات أن تفلح في مقاومة المسكرات أن تحظر مبيع الكحول إلى كل ولد أو شاب قاصر بعقوبات شديدة تجري أحكامها على من يخالف ذلك من المتجرين بها وهذه أنجع واسطة لإقلال عدد من اعتادوا هذه العادة السيئة في إدمان الخمور. قال أن جمعيات الامتناع عن المسكرات في إنكلترا وخصوصاً في ايرلندا تمنح جوائز من المال لمن يمتنعون كل الامتناع عن تناول الكحول إلى الخامسة والعشرين من سنهم وهذه الطريقة جيدة لأن كثيراً من الشبان لا ينقضون يميناً أقسموه في هذا المعنى خيفة أن لا يقبضوا ما وعدوا به من الدراهم ولو جرت بعض البلاد التي تضعف أبنائها إرادة النفوس على قانون تضعه في عقاب بائعي المسكرات من تغريمهم وحبسهم مثلاً لأتى ذلك بفوائد جمة. ويظن هذا العالم أن هذه الطريقة تؤثر في سير المسكرات تأثيراً محسوساً في بضع سنين بمعنى أنها لا تزيل أثرها بل تقلل من عدد من يتعاطونها ويقل سواد من تضر بهم. وقد عمدت إنكلترا إلى اتخاذ مثل هذا التدبير ولكن المسكرات ما برحت في بلادها تخرب الأجسام وتزيد الأسقام. وقد جاء في إحصاء أخير إن عدد الممتنعين عن المسكرات في إنكلترا ثلاثة ملايين وعدد الأولاد ممن سنهم دون الخامسة عشرة أربعة عشر مليوناً فبذلك كان عدد من يتعاطون المسكرات في إنكلترا أربعة وعشرين مليوناً يصرف كل منهم في السنة ما قيمته 135 فرنكاً من المشروبات الروحية. ويقدرون أن كثيراً من أسرات العملة في إنكلترا تنفق سدس ما لها على المسكرات وأن ما ينفق على المسكرات في إنكلترا كل سنة يعادل ما أنفقته حكومتها على حرب البوير. هكذا يبحث علماء أمم لا حظر في أديانها على المشروبات الروحية فما هو حال شعوب أصبحت تتعاطاها من غير حرج ولا نكير من دون ما حاجة إليها إلا تقليد الغربيين على أن ديانتهم تحظرها وعاداتهم تنكرها وأصقاعهم لا تحتملها.

السياحة والصحة

كان البشر منذ عرف التاريخ يسيحون في الأرض إلا أن سياحاتهم الأولى كانت للغارة والفتح فلما ارتقوا قليلاً في سلم التمدن صارت السياحات للعلم والاتجار ولما أوغلوا في المدنية صارت أكثر الرحلات لحفظ الصحة. ومنذ تسلط الإنسان على المملكة الحيوانية بعد أن كان في عهده الأول يألف البحيرات ويسكن المغاور والغابات مازال معروفاً بميله إلى الرحلة ونزوعه إلى التنقل فطرة فيه يتنقل كما تتنقل بعض الحيوانات والطيور ثم تعود أدراجها إلى كهوفها وأوكارها محافظة على طريقها الأول. ولم تكن السياحة في هذا القطر مثلاً ضرورية لأبنائه ونزلائه قبل ثلاثين سنة كما هي اليوم وقد زادت مرافق الحياة واتخذت أسباب تحسين الهواء وأقيمت المعالم النافعة لأن مشاغل الحياة ومتاعب المجتمع كانت أقل من الآن وأطعمة تلك الأيام وأشربتها كانت إلى البساطة أقرب وطرق العيش كانت إلى السلامة. فالعيش اليوم في مصر أشبه بالعيش في لندن وباريس مع أن الطريقة القديمة كانت ملائمة لهواء البلاد أكثر. وشتان بين طبيعة غربي أوربا وشرقي إفريقية.

وقد ارتأى أحد أطباء الإفرنج في هذه العاصمة أن خير طريقة يلجأ إليها من لا يستطيعون مغادرة هذه البلاد في الصيف أن لا يفرطوا في شيء أصلاً ويعيشوا هادئين ويخففوا من العمل ومن الطعام فيتناول المرء في الصباح والمساء طعاماً لطيفاً ولا يأكل عند الظهر ما تتعب المعدة بهضمه بل يتناول قدحاً من الشاي وشيئاً مما يقال له التملق (عصرونية) وأن يعتدل جداً في تناول الأشربة الروحية أو يمتنع عنها كل الامتناع وهو الأسلم ويستحم في النهار والليل بالماء البارد مرتين أو ثلاثة ولاسيما في منتصف الليل ليستريح الجسم من وعثاء التعب وبرحاء القيظ والحر. قال والسياحة ضرورية لمن لم يولد في هذه البلاد ريثما يكون من أبناء أبنائه من يألفون إقليم البلاد أما المصري فإن السياحة تكسبه صحة وتجعل فيه قوة ومضاء وتفيد من حيث الاطلاع على معالم الحضارة وآثار العلم والتهذيب.

طول الأعمار

شغل هذا الموضوع بال الباحثين من العلماء ومن رأي أحد حذاق الأطباء العارفين بعلم الحياة أن العمر يطول مدة تبلغ ست أو سبع مرات من المدة التي يقضيها الحيوان ليستكمل نموه ويبلغ أشده فالقط ينمو في 18 شهراً ولذلك كان معدل حياته من 10 إلى 12 سنة والكلب يكبر في سنتين فيعيش من 13 إلى 14 سنة والخيل تنمو في خمس سنين فمعدل حياتها من 15 إلى 30 سنة فنتج من ذلك أن الإنسان لما كان ينمو في عشرين سنة فمعدل عمره من 120 إلى 140 سنة وقد أورد على ذلك برهاناً أن هنري جانكين الإنكليزي عاش 169 سنة وانه مات في بلاد المجر في العهد الأخير بطرس سكورتان وعمره 185 سنة وانه كان في مستشفى بروسيا رجل بلغ المائتي سنة وبيده جواز أعطيه سنة 1763 وكان في سن الستين وهو أيم منذ 123 سنة ومات ابنه سنة 1824 في التسعين من عمره. وقد ارتأى أن اللبن والملح والخبز الجيد والإقلاع عن المشروبات الروحية أعظم باعث على طول الأعمار.