مجلة المقتبس/العدد 66/حالة الجو الطقس

مجلة المقتبس/العدد 66/حالة الجو الطقس

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 8 - 1911


الفواعل الطبيعية التي تؤثر فيها وتدل على ما تصير إليه

لا بد أن يتلقى قراؤنا الكرام هذا الموضوع بما يستحقه من الاحتفاء بعد أن ألفتت أنظارهم إليه الثلوج التي تراكمت في هذا الشتاء على ربوع البلاد فسدَت المسالك وساقت حيوانات البر من كهوفها وأوجارها لتشارك الإنسان في مساكنه وتشاطره شظف العيش في مكامنه.

وقد خُيل لمن لا إلمام لهم بالنواميس الطبيعية أن كثرة شرورنا قد كانت السبب لهذه الضربة الإلهية والحقيقة أن خطايانا كثيرة في كل سنة فلو كانت هي الداعي لذلك لاقتضى أن لا تفارقنا الضربات على مر السنين.

ومما لا ريب فيه أن الممسك أزمّة السماوات والأرض بيده قد سنَّ للطبيعة شرائع تسير بموجبها وتنتج معاً ما نشاهده من الظواهر الفلكية والتقلبات الجوية التي تختلف باختلاف اتجاه هذه الفواعل وكيفية ارتباطها معاً واجتماعها أو تفرقها على ما سنبينه.

ومع أن العلوم والمعارف هي ومجموع اختبارات البشر لا تزال قاصرة عن إيضاح معظم ما تتوق النفس لمعرفته مما لا يزال وراء حجاب الغيب فإنها قد كشفت لنا الشيء الكثير عن أسرار الطبيعة حتى صارت الميتيورلوجيا أو الظواهر الجوية علما جزيل المنفعة للملاح والزراع والتاجر وغيرهم من أرباب المهن والحرف.

وقد تبين من درس طبيعة الهواء والنور والحرارة وحركات الأرض ومهابّ الرياح والجاذبية وغير ذلك أن تقلبات الجو وظواهره بين صحو ومطر وحر وبرد الخ خصوصاً عن اتحاد أفعال السبع قوات الآتي بيانها:

1) دورة الأرض اليومية على محورها.

2) دورة الأرض السنوية في فلكها.

3) الجاذبية التي تشد الهواء إلى الأرض.

4) قوة التباعد عن المركز الناجمة عن دورة الأرض على محورها وعن قوة استمرار حركة الهواء.

5) قوة دقائق المادة المعروفة بالحرارة والنور والالفة والكيمية والكهربائية، وقوة الإشعاع التي تصل إلينا من الشمس، وجميع الاختلافات والتقلبات الموقعة على عرض الأماكن وحركتي الأرض اليومية والسنوية.

6) فقد الحرارة بالإشعاع من الأرض والهواء.

7) اختلاف تمدد الأجسام باختلاف توزيع الحرارة في الهواء لتوقف ذلك على مركز القارات والاقيانوسات وعلى وجود أبخرة سهلة التكشيف كالتي تكون ممزوجة بقارات لا تنفك عنها وعلى النتروجين والأوكسجين اللذين يتركب منهما معظم قارة الهواء.

فأدنى تغيير في هذه القوات أو كيفية عملها يحدث تغييراً فيما يحيط بنا. ويتعب علينا التنبؤ بالدقة عن حالة الجو لأننا لا نزال نجهل ما وراء كرتنا الأرضية من الفواعل. ولكننا نعلم أن قوة ما تنتقل دائماً من الشمس إلينا بسرعة جاذبية الثقل وتتخلل الهواء المحيط بنا وبها يعلل تكوّن الشفق وذلم أن هذه القوة المسماة ليونس وإلكترونات متى تكهربت تنحرف عن سيرها المستقيم حالما تخالط الهواء وترسم منحنيات لولبية الشكل. وعندما تتصل هذه الدقائق ببعض الغازات من مثل الكربتون يستنير الغاز فيكون من ذلك النور الشفق الذي يشاهد في الأماكن القريبة من القطبة الشمالية أكثر من غيرها كأعالي اسوج ونروج وشمال كندا وغيرها.

أما الغيم والمطر والثلج والبرد وسائر متعلقاتها فتكون بالطريقة الآتية:

تلقي الشمس أِعتها على مياه الاوقيانوسات والأبحر والبحيرات وما ماثلها من المستودعات المائية فتسخن الهواء الملامس لها ولليابسة وتبخر الماء فيخفف ويصعد في الهواء المشبع رطوبة إلى الطبقة التي يتكون فيها الغيم ويتمدد الهواء بالحرارة أيضاً فيصعد بقوة يدفع بها الهواء المجاور لها من الجهات الأربع. ومعنى هذا الدفع أنه ينفق شيئاً من حرارته كلما صعد ودفع ما يجاوره حتى يبرد أخيراً وتغلب فيه الرطوبة فيبتدئ أن يتكاثف بشكل الغيم أو السديم. وهذا التكاثف إنما يتم بالتفافه حول ذرات الغبار ودقائق الإلكترونات التي تقدم ذكرها فتكسى هذه الذرات بالرطوبة كما يكسى في الصيف ظاهر إبريق زجاجي ملآن ثلجاً. وعلى ذلك فكلما زاد الغبار في الجو زاد تكاثف الغيم وقل المطر الذي لا يعطل إلا من أواسط الغيم أو فقلبه حيث الغبار قليل وذلك بعد أن يضغط على الغيم والهواء الأعلى منه وشرط في أن الغيم أن يكون مكهرباً بارداً إلى درجة تكون الندى. فمن غيمة كبيرة يكونها الهواء الرطب حول دقائق المادة قد يوجد جزءُ صغير فقط خال من الغبار فيتمدد بسرعة كافية لتكوين ماء المطر.

ومن هذا يتضح أن إطلاق المدافع الكبيرة في الهواء إذ وصل دخانه بما فيه من الدقائق إلى مساواة الغيم يحدث غيما ويمنع وقوع المطر لان المطر لا يسقط إلا من قلب الغيوم حيث يقل الغبار أو يخلو بتاتاً.

أما إذا سقط المطر وكان الهواء بارداً جداً فإنه يجمد. فإذا كان الهواء يهب من جميع الجهات لعب فيه ودوَّره فيسقط برداً وإلا فإذا سكن الهواء سقط عطباً كنتف القطن وهو الثلج الذي تكسى به قمم الجبال وسائر الأماكن العالية الباردة.

ولمعرفة أوقات سقوط المطر أو الثلج يجب أن ندرس مهاب الرياح وعلاقة البرد من كلف الشمس ومغنطيسية الأرض وغير ذلك مما يصعب معرفته بالدقة.

غير أن الآلات التي اخترعت حديثاً للدلالة على حالة الجو وهي البارومتر والثرمومتر أي مقياس ضغط الهواء ومقياس الحرارة كثيراً ما تدل على حدوث الأمطار والزوابع بالضبط قبل وقوعها بزمن يختلف من 12 إلى 24 ساعة وما ذلك إلا لتأثرها بضغط الهواء ومبلغ ما فيه من الحرارة والرطوبة التي تقل اتكثر تبعاً للفواعل العديدة الطبيعية كما بيناه آنفاً.

فرطوبة هواء الهند مثلاً تأتي من بعد شاسع أي من جهة الجنوب الغربي للاقيانوس الهندي وهواء أوربا يؤثر في أفريقية وهواء جنوب أفريقية يؤثر في آسيا وهكذا فكأن الهواء كرة مرنة ينتقل فعل الفواعل على أحد جوانبها إلى كل جانب ولذلك فجونا عرضة للتأثر من الأعلى أي من الفلك الذي ورداء حدود الهواء ومن القطبتين ومن جانبي خط الاستواء فلا يكاد يفعل فيه فاعل إلا ويظهر تأثير ذلك في مجموعه. ولهذه الأسباب لا يمكننا معرفة أوقات الأمطار والثلوج واشتداد الحر والبرد وغير ذلك إلا إذا عرفنا تأثير جميع الفواعل والمؤثرات في اتحاد العالم. وهذا ما يسعى العلماء لرصده ومعرفته حسبما تمكنهم الأحوال.

وقد لا يمر بنا زمن طويل حتى تصير نبوات العلماء موضوع ثقة القوم فيعرف الناس جهات الرياح وأوقاتها وأزمان سقوط المطر والثلج بضبط يكاد يقرب من كنه الحقيقة.

وفي أوربا وأميركا الآن معاهد خاصة فلكية تنبئ بتغيير حالة الجو أنباء جزيلة النفع للإنسانية. وعما قريب تتفتح عيون الناس في آسيا فيختطون هذه الخطة العلمية ويجاورون القوم في حياتهم العمرانية.

بيروت // خليل سعد