مجلة المقتبس/العدد 7/الاحتفاء بالأحياء والأموات

مجلة المقتبس/العدد 7/الاحتفاء بالأحياء والأموات

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 8 - 1906



قرأت في الجزء الثالث من المقتبس ص147 مقالاً تحت عنوان روح جديدة جاء فيه أن الأمة أخذت تنصبغ بصبغة الغربيين منذ أنشأت تأخذ العلوم عنهم ومن ذلك إجلال رجال العلم والأدب أحياءً وأمواتاً. وقد رأيت دعوى أن ذلك روح جديدة وأن ذلك من أخذ الشرقيين عنهم منظور فيها إذ قد دون التاريخ من أمثال هذه الاحتفالات ما لا يحصى. وما ذنبنا إلا القصور بعدم التنقيب.

إن الفقهاء بأجمعهم على تنوع مذاهبهم عدوا من البدع تأبين الميت وذكر محاسنه ورثاءه قبل الدفن وبعده واستدلوا على ذلك بما روي من الآثار المعروفة في دواوين السنة أليس هذا لأن القرون المتقدمة كان فيها شيءٌ من ذلك: إنشاد مراث وتعديد مناقب وبث خطب. بلى ولولاه لما كان لتنبيههم معنى. ولم يزل ذلك معروفاً في عواصم البلاد فلا يموت عالم إلا وتتلى قبل الصلاة عليه عدة قصائد وذلك قبل نفخ هذه الروح الجديدة في صور الشرق.

وأما تكريم الأحياء للأحياء فلم يزل يحتفل بختم دروس الكتب المهمة كالصحيحين والموطئ في دور مشايخ الحديث أو أحد أصحابهم احتفالاً يحضره كثير من أهل الفضل والأدب وإن أعوزهم مدح العلم والكتاب نظماً فلم يفتهم ذلك مذاكرة أو لسان حال هذا أثر من آثار ما كان. ما الذي كان. كان إذا ختم عالم كتاباً مهماً من مؤلفاته يحتفل به أفاضل العصر احتفالاً يذيع في كل قطر.

أذكر من ذلك ما جرى عام 842 لما ختم الحافظ ابن حجر كتابه الباري شرح البخاري بالتاج والسبع وجوه بين كوم الريش ومنية الشيرج خارج القاهرة حضره من العلماء الذين حفظ التاريخ أسماءهم ثمانون بل نيفوا على ذلك وأما من كان من الطبقة الوسطى فما دونها فأولئك لا يبلغهم الحصر ونظم من أدبائهم ومشاهيرهم في التنويه بهذا المشروع عدة قصائد فمن ذلك قول الصلاح الأسيوطي من قصيدة

كم للبخاري من شرح وليس كما ... قد جاَء شرحك في فضل وتتميم

وقول الشهاب المتوفى مطلع قصيدة أبياتها 75:

تمنعت بدموع الصب في حجب ... فانظر لشمس الضحى في حلة السحب

ومنها

شرحت صدر البخاري مثل جامعه ... فراح ينشد هذا منتهى الط ومنها

هذا وحقك عام الفتح حج به ... لبيت فضلك وفد العلم عن رغب

وقول البرهان البقاعي صاحب التفسير المعروف من قصيدة:

بأبي الخدود نواضراً حسناتها ... كنواظر الغزلان في الدينار

قصدت يكون المسك حسن ختامها ... فتعلمت من ختم فتح الباري

وقصيدة لشمس الدجوي وقصيدة للخطيب برهان الدين المليجي وقصيدة المحب الدين البكري أولها

حديثك لي أحلى من المن والسلوى ... إذا حل سمعي حرم اللوم والسلوى

ومنها

وكم من شروح للبخاري عدة ... طواها بفتح البارئ أعجب لما يطوى

كساهُ جمالاً من عذوبة لفظهِ ... ففازت بهِ الدنيا وسلمت الدعوى

وله قصيدتان أخريان وقصيدة لشرف الدين الطنوبي ولشمس الدين النواجي قصيدة كبرى منها

وكم طوى نشره كتاباً ... على ممر الدهور سرمد

ومن يكن علمهُ عطاءً ... من فتح باريهُ كيف ينفد

ولما فرق مؤلفه صرر فضة ومجامع حلوى أنشد الدجوي

بفتح البارئ انشرح البخاري ... وأحمد ختمهُ بالفضل جامع

أدار دراهماً صرراً فأنشئ ... وحلوى فيهِ تأخذ بالمجامع

واذكر أيضاً أن في سنة 1188 أكمل اللغوي الشهير السيد مرتضى الزبيدي عليه الرحمة شرحه تاج العروس على القاموس واحتفل في داره بالتنويه بهذا المصنف البديع احتفالاً حضره شيوخ الوقت وكبار الأدباء كان منهم شيخ الجماعة الشيخ علي الصعيدي والدردير والسيد العيدروس والأمير الكبير وعطية الأجهوري وعبادة العدوي وأبو الأنوار السادات ومن في طبقتهم والطبقة الوسطى وما بعدها كما فصله الجبرتي. ومن المشاهير في التنويه بذوي الأدب والاحتفال بهم في القرن الغابر الأمير المجاهد السيد عبد القادر الحسني الجزائري ثم الدمشقي الشهير فإنه كان إذا قدمت إليه مقامة أدبية يدعو للتنويه بمنشئها شيوخ الشام ويولم له أنفس الولائم شتاءً في البلدة وصيفاً في منتزهه بدمر وقد خدم لأجله الصناعتين عدد ليس بالقليل فلكل عصر أفراد وكل وقت له صبغة خاصة ومهما تباينت الأنواع فالجنس واحد. وأما الاحتفالات القديمة التي أشرتم إليها آخر المقالة فاذكرني منها ما شرطه المعظم بن العادل الأيوبي لكل من يحفظ المفصل للزمخشري - وذلك مائة دينار وخلعة قال في وفيات الأعيان: فحفظه لهذا السبب جماعة ولم أسمع بمثل هذه المنقبة لغيره.

دمشق

ج. ق