مجلة المقتبس/العدد 80/أخبار وأفكار
مجلة المقتبس/العدد 80/أخبار وأفكار
إيطاليا والإسلام
قال لنا ذات يوم أحد علماء الشرقيات من الألمان أتدري السر الأعظم في غلبتنا الفرنسيس في حرب السبعين فذكرنا له ما حضرنا من الأسباب فقال: لا هذا ولا ذاك وإنما كنا معاشر الألمان عارفين بما عند جيراننا حق المعرفة أما هم فكانوا يجهلون حقيقتنا ولذلك كتب النصر لنا.
ولقد حملت مجلة العالم الإسلامي الباريزية مبحثاً للمسيو أنطوان كاباتون من مستشرقي فرنسا تحت عنوان إيطاليا دولة إسلامية فآثرنا ننقل لبابه إلى العربية ليعلم من لا يعلم أن كل أمة لا تعرف ما عند جارتها تغلبها كما غلب الألمان الفرنسيس وأن التمجد بالقديم وحده دون أن يكون لصاحبه شيء من دواعي الشرف الحقيقي الطريف مما يلقي بالأمم من قمم العز إلى دركات الذل وأن الشرق ينون أن يعد له قوة تعادل قوة الغرب يزدرده هذا ويقضي عليه سنة الله في خلقه. قال العالم الفرنسوي:
إن معاهدة لوزان الخيرة التي اعترفت بامتلاك إيطاليا الفتاة لليبيا قد أدخلت إيطاليا في مصاف الدول الإسلامية فإن أثرت الحرب بين إيطاليا والعثمانية في المسألة العثمانية البلقانية كل التأثير فقد أثرت في مكانة إيطاليا ونفوذها ووجهتها السياسية والاقتصادية أيضاً. واعتبرت حملة طرابلس حادثاً جديداً لقسمة قارة أفريقية بين الدول الأوربية وعنواناً حديثاً لسلطان المدنية الغربية الطامعة القوية عَلَى الغفلة الشرقية.
وراحت إيطاليا مدفوعة بعوامل التذكارات الماضية وما أصابها من الفشل بين جاراتها ومنافساتها تريد الظهور في القبض عَلَى قيادة بلاد البحر المتوسط.
وما من حرب منذ سنة 1859 وقعت موقع القبول عند الشعب الإيطالي مثل الحرب الأخيرة إذ تلقتها الأمة الإيطالية بالبهجة عَلَى اختلاف طبقاتها ومن النساء من أرسلن ثلاثة أولاد لا رابع لهن إلى ديار الحرب وخرجن يوعونهم ويقلن نتجبي الحرب فلقيت الحملة في ذهابها وإيابها من ضروب الإكرام في بلادها شيئاً كثيراً ولا تسل عن فرح القوم يوم شاهدوا أبناءهم عائدين يحملون شارة الاستعمار لبلاد ربما كان أولادها في المستقبل جيش إيطاليا السود.
وحدث ما شئت أن تحدث عما صدر في إيطاليا من الكتب والرسائل والصحف في وصف طرابلس وبرقة وما إلى ذلك يوم نادت إيطاليا: هيا إلى الحرب وعضدتها الصحف والحكومة عَلَى اختلاف صبغاتها في هذه الدعوة لا ليكون لإيطاليا مجد ومصرف اقتصادي فقط بل لتكون عَلَى قيد غلوة من بلادها أراض مخضبة ينزلها أبناؤها الذين يكثرون كثرة زائدة ولذلك كانت إيطاليا تمجد بحماسة تمازجها سذاجة أقل حرس يعود من ليبيا وكيسه عَلَى ظهره كما كانت تتألم لأقل نقد يأتيها من الخارج.
فالأسلوب العلمي العظيم الذي وفقت إليه إيطاليا لوضع الحرب أوزارها انتهى بتمجيد الأمة الإيطالية. بعثت إيطاليا مئة ألف مقاتل عَلَى أسطولها الفاره لتقضي كل القضاء عَلَى الأتراك والأعراب ممن لم يتيسر لحماستهم الدينية وحبهم للاستقلال أن ينوبا مناب الأسلحة المنظمة والذخائر والجند والنظام.
اغتبطت إيطاليا بفتح طرابلس وبرقة وأثبتت أنها الوارثة الوحيدة لمملكة رومية التي كانت الحاكمة عَلَى العالم في القديم وحققت أمانيها منذ خابت يوم ضمت فرنسا تونس إليها سنة 1881 وانهزمت في الحبشة سنة 1889 لأنها عادت فأصبحت مملكة مستعمرة بما فتحته من ليبيا التي فتحتها رومية منذ الزمن الطول أيام كانت ضفاف البحر المتوسط للروح الإيطالية مهمازاً يحفزها كما كانت الآستانة مهمازاً للروح الصقلبية السلافية.
ولقد طمحت إيطاليا في كل زمن إلى هذا الشاطئ من البحر المتوسط فحملت أولاً القوة والسلام الروماني ولما انحلت عرى هاتين المادتين تحت ضربات البرابرة عادت توجهه وجهها إلى تلك الوجهة أيضاً لا إلى الشمال فكان البحر المتوسط ميدان عمل جنوة وبيزا والبندقية وأمالفي وباري وسالرن ولم يقنع تجارها بأن يغتنوا بالاتجار بأقمشة الهند وفارس وجزيرة العرب وأفاؤيتها وأباريزها بل أخذوا برزانة يؤيدون النفوذ اللاتيني في آسيا الصغرى ومصر والحبشة وكان من انتشار الإسلام وقوته في القرن الثامن أن ضربت هذه الفتوح التي تذكر بفتوح رومية أيام عظمتها ضربة شديدة فاحتقر المسلمون إيطاليا عَلَى سمو مدارك أبناءها ومرونة أخلاقهم وأغاروا عليها فأدخلوا عَلَى قلوب أهلها الهول والفزع فكان الجلاد عظيماً ولئن وفقت إيطاليا إلى طرد العرب من صقلية فإن نجاح مدنها الساحلية في الجنوب قد تراجع وظلت جنوة وبيزا متأثرتين وعادت البندقية فوجهت وجهتها إلى آسيا الصغرى.
وكان من الحروب الصليبية أن تهيأت لإيطاليا أسباب الانتقام فهذه الغارات وإن كان باباوات رومية هم الذين أملتها عقولهم قد بذل فيها العنصر الإيطالي بما عرف به من الحمية الممزوجة بقليل من التبجح من حسن السياسة أكثر مما بذل من الشجاعة.
فاقتصر الإيطاليون في الحرب الصليبية عَلَى مرافقة جيوش أوربة إلى آسيا وبينا كان ملوك الأمم الأخرى تقيم ممالك صغرى في الأرض المقدسة كان الإيطاليون يقطفون ثمرات تلك الحملات. وقد ثبت هذا الدهاء السياسي الإيطالي في الحملة الصليبية الرابعة فإنه أنتج لجنوة وبيزا أن ربحتاً كثيراً واستأثرت البندقية بتجارة آسيا الصغرى وامتلاك أراضٍ مخصبة عَلَى الشواطئ الشرقية من البحر المتوسط وجزء من الآستانة. ولما سقطت القسطنطينية عَلَى يد محمد الثاني سنة 1453 حالت دون هذا السير النافع وهذا فإن البندقية مع ما أتته من عجائب المهارة وحسن المأتى بل بجهادها العلني قد احتكرت جميع تجارة أوربا مع الشرق.
وبهذا الاحتكاك غير المنفصل تمت للبندقية عَلَى قوتها البحرية والتجارة معرفة الشعوب الإسلامية حق المعرفة أكثر من كل أوربا وكان من العادة الجارية مع طبقة التجار من أبناءها أن يتكلموا التركية والعربية ويألفوا بعض العادات والمصطلحات الشرقية ولكن جاءت قوة في القرون الثلاثة التالية أكثر من قوة البندقية عَلَى ما لها من الصلات التجارية مع العناصر ألإسلامية فزادت عليها لأنها تطمع في امتلاك العالم ونعني بها الباباوية.
فإن كنيسة أحلام رومية استطاعت أن تمتد إلى الخارج ويكون لها مطلب أعلى من الزنج حتى أنها في عهد غارات الجرمانيين كانت تحلم أن تقبض ذات يوم عَلَى قياد الوحدة وحب الاستيلاء الذي سقط بسقوط دولة القياصرة فأحسن صلاتها مع المسيحيين بل ومع الوثنيين في الشرق ممن تطع في تنصيرهم وأدركت كل الإدراك الخطر الناشئ من امتداد كلمة الإسلام عَلَى أوربا المسيحية. ومع أن الحملات الصليبية قد أخفقت وقوة الإيمان قد انثلمت في القائمين بها ما برحت كنيسة رومية إلى أوائل القرن السابع عشر تطالب بأعمال أخرى وفي هذا العهد كان العف أخذ ينال العثمانيين.
بيد أن رومية شعرت في الحرب الصليبية الثانية أن السيف وحده غير كافٍ في مثل هذا الجهاد ورأت أن تعارض التعصب الإسلامي بطوائف متماسكين في اتحادهم من غيوري الأوربيين أو الشرقيين لتقطع أوصال المسلمين قطعاً أدبياً بعد أن أوقفتهم عن سيرهم المادي. وما فتئت رومية منذ القرن الثاني عشر والثالث عشر تحاول تنصير جميع الشعوب الآسياوية التي ظلت عَلَى وثنيتها فبعثت إلى بلاد المسكوب وفارس وأرمينية والتاتار والتبت ومغوليا والصين والأرخبيل الهندي وفوداً من أهل الذكاء والحصافة ممن خلفوا لنا رحلاتهم ومذكراتهم اليومية عهدت إليهم أن يسبروا غور أمراء لينصروهم أو ليتحالفوا وإياهم صد المسلمين عَلَى الأقل. وكان نصيب مصر والحبشة أيضاً البحث عن مثل هذا الشأن.
فلم تلبث الرهبنات العظمى قد أنشئت مثل الدومنيكينيين والفرنسيسكانيين واليسوعيين والكبوشيين والكرمليين واللعازريين ليكونوا جنداً مخلطاً في خدمة إمام الأحبار وتفتح تلك البلاد لدخول النصرانية إليها فأثبت جيش من الرهبان عَلَى اختلاف مظاهرهم في قارتي آسيا وأفريقية الشمالية لافتتاحها ونشر الإنجيل فيها ثم نشر المدنية الغربية فحبط القائمون بالأمر أولاً ولم يهتدوا لأحسن الطرق في العمل فانهال الفرنسيسكانيون والدومنيكينيون يفادون بأرواحهم ويصبرون عَلَى ضروب العذاب في سبيل دعوة الشعوب الإسلامية في أفريقية الشمالية إلى الدين المسيحي وكانت الطرق التي عمدوا إليها عَلَى تحمس فيها ممزوجة بكثير من الجهل فشعروا في الحال أن الضرورة تقضي عَلَى من يريد دعوة أحد إلى دينه أن يتكلم بلغته عَلَى الأقل ليتفاهم الداعي والمدعو فنادا القوم في كل مكان بضرورة إنشاء مدارس لتعليم اللغات كان رايموند لول داعيتها الذي لم ينله تعب ولا نصب.
فقضى مجمع فينا سنة 1311 الذي كان يرأسه أكلمنتس الخامس لأن يؤسس في باريز وأكسفورد وبولون وسلمنكة دروساً عربية وعبرانية وكلدانية من شأنها تخريج وعاظ وأهل جدل أشد لتنصير المسلمين واليهود وأنشأ الفرنسيسكانيون والدومنيكينيون في ايدارهم دروساً من هذا القبيل ليعدوا رهبانهم لنشر الإنجيل ومنذ ذاك العهد أصبحت إيطاليا مهد حركة بالمشرقيات وأخذوا بنوع خاص يدرسون العبرية لفهم أسرار التوراة لتنصير اليهود واللغة العربية لتنصير المسلمين وكان أساتذة العبرية يتخرجون بأعلم العلماء الربانيين وأساتذة العربية كانوا ممن رحلوا إلى البلاد اللغة التي أخذوا يدرسونها ويصحبهم بصفة معيدين أناس من المسلمين أو من السوريين الموارنة ممن كانوا يعلمونهم العربية بالعمل ورأى هؤلاء القسس بحكم الضرورة أن يتقنوا من اللغة العامية إلى الفصحى ليشتد ساعدهم في فهم المسائل الفلسفية ورد حجج المخالفين بأسلوب فسلفي أدبي.
ومن أجل هذه الغابة اهتموا أيضاً بمصر والحبشة ومن مدارسهم نشأ العلماء الأول من الأقباط والحبش والأمحريين ولكن دراسة اللغة العربية بقيت الحاكمة المتحكمة في شبه جزيرة إيطاليا فكان ينظر إلى تعلمها أنه من الحاجات الماسة لكل تجار المدن البحرية. فقد وضع أحدهم سنة 1265 باللغة العربية كتاب المعاهدة التجارية بين تونس وجمهورية بيزا وظلت العربية مألوفة في عدة أماكن من إيطاليا الجنوبية عقيب احتلال العرب صقلية فكانت في بلاط ملوك نورمانديا وهوهانستوفين وفريدريك الثاني ودي منفروا لغة العلم العالي والشعر والأدب. وما كانت العربية عَلَى ما فيها من القصائد المقيمة المقعدة والعواطف المؤثرة لتحمل أمثال شارل دانحو عَلَى تحمسه لدينه أن يخاف عاديتها بل كان الطباء والطبيعيون في قصره إما من الإسرائيليين أو من المسلمين المنحلين في عقائدهم وكان الطب هو الجواز التي سارت به الفلسفة العربية عندما قام جيرارددي كرمون الشهير في أوائل القرن الثالث عشر في ظل دولة فريدريك الثاني يترجم بعض كتابات ابن سينا الفيلسوف.
وفي القرن الثالث عشر ترجم المعلم موسى من أهل بلرمة من اللاتينية إلى العربية كتاب أبقراط في أمراض الخيل فتسربت فلسفة ابن رشد من أمثال هذه الطرق ولم تلبث أن صادفت قبولاً بين ناشئة إيطاليا حتى شكا من ذلك جهاراً بترارك في القرن الخامس عشر إذ رأى في تلقف فلسفة ابن رشد الإلحاد والازدراء باليونانية واللاتينية. وكثير من العلماء والأدباء من غير طبقة الرهبنان كانوا يرون في موجبات الفخر في القرن التالي أن يعرفوا العربية سائرين عَلَى سنة بيك دي لاميراندول.
وعلى توفر بعضهم عَلَى نشر كتب في الجدل مع المسلمين حتى قبل أن يترجم القرآن بإحدى اللغات الغربية فإن عشاق العربية كانوا يرون من الحيطة ودواعي الغيرة أن يمرنوا أنفسهم عَلَى ترجمة رسائل في الطب ينقلونها عن العربية إذ لم يكن أحد يجهل مكانة العرب في هذا الفن وبذلك يرون أنهم ينجون من الاتهام بالزندقة وقد أصبح أندري أريفاين في البندقية حجة في هذا الباب وأنشأ هؤلاء المترجمون يدققون علاوة عَلَى ذلك كل التدقيق فيما ينشرون فكان لهم أسلوب علمي حقيقي. ولما رأي أندري مومكاجون بللون في القرن الخامس عشر لأن تراجم ابن سينا القديمة وأطباء بلاط فريدرك الثاني ليس فيها عناية ذهب يحكم دراسة اللغة العربية في دمشق وأتم تعليمه الشرقي بالرحالة في مصر وسوريا وفارس وآسيا الصغرى رحلة طويلة وذلك قبل أن يعود إلى كلية بادو ليشرح لتلامذته فلسفة ابن سينا. وقصد جيرولا مورانوزيو أحد أطباء البندقية بلاد الشام أيضاً في سنة 1483 ليتبحر في فهم فلسفة ابن سينا ويعلق شروحاً عَلَى ترجمته عليها.
وكان من سقوط القسطنطينية وهجرة علماء من اليونان إلى إيطاليا وكثير من نصارى الشرق واختراع الطباعة وقيام الإصلاح أن هبت في أرجاء إيطاليا حركة النهضة العلمية التي تجلت في أجمل مظاهرها في الدروس الشرقية ولاسيما في دروس العربية والإسلام.
كانت الحركة في تعلم المشرقيات عامة وإفرادية معاً انتشرت كل الانتشار بفضل الكاردينال فريدريك دي مديسيس في فلورنسا والباباوات في رومية والكاردينال بورومة في ميلان والكاردينال بارباريكو في بادو ومن تقدمهم مثل باباغانيني الذي نشر في البندقية أول طبعة من القرآن باللغة العربية ولكن هذه الطبعة لم تلبث أن أبيدت بغيرة دينية خرقاء وكان من الأسقف أغوستينو جويستنياني المشغوف بالدروس الشرقية ولاسيما العربية والعبرية أن يقبل من فرنسيس الأول بتدريس اللغة العبرية بعد أنصرف ثروته واقتناء مجموعة من المخطوطات المهمة في العبرية والعربية والكلدانية والرومية وكان تيزايوامبرو كيو قومس (كونت) ألبونز مستشرقاً مدققاً.
وهكذا كانت إيطاليا كلما أُولع علمائها باللغة العربية وتشربوا روحها تميل كل الميل إلى الأقطار التي كان يتكلم فيها. وقد نشر أندريا أريفابن من مانتو أول طبعة إيطالية من القرآن إن كل كل هذه الأعمال عَلَى جلالتها لا تعد شيئاً في جانب إنشاء مطبعة أشر ميديسيس المالكة والمطبعة الشرقية لبث الدعوة ومطبعة بادو وكليتها وإحداث مملكة أمبروز في ميلان وكل ذلك بغية تنصير المسلمين والوثنيين. فقد طبعة مطبعة ميديسيس 18 ألف نسخة من الإنجيل باللغة العربية سمته (أربعة أناجيل يسوع المسيح سيدنا المقدسة) وأرسلتها مع تجار لتباع ثمن بخس في البلاد العربية أو التي تفهم بها العربية عَلَى صورة حازمة لا يظهر منها القصد الذي يرمي إليه دعاة الدين.
وكانت النية معقودة قبل كل شيء عَلَى إعلان حرب صليبية جديدة روحية عَلَى الإسلام يدخل إليها بالوسائل العلمية وعني الباباوات الأدباء أمثال ليون العاشر أو إكلمنتيس السابع عناية خاصة بتأسيس خزائن كتب من المخطوطات تسلب من المسلمين الأعداء القدماء لتكون بذلك مجموعات نفيسة في دار كتب الفاتيكان أما غريغوريوس الثالث عشر فكان لا يرى أحسن في النجاح من تنصير الناس وإبادتهم وأنشأ يوليوس الثاني في مدينة فانو عَلَى بحر الإدرياتيك أول مطبعة عربية احتفل ليون العشر بافتتاحها سنة 1514 بنشرها أول كتاب طبع بحروف عربية وهو كتاب صلاة السواعي. وكان في رومية مطبعة حجرية شرقية أنشاها سافري دي بريف الذي ظل سنين طويلة سفيراً لملك فرنسا في القسطنطينية وهو نفسه الذي حفر أمهات الحروف العربية التي نقلت عنها مطبعة الأمة في باريز أشكالها. ونشر منذ سنة 1613 كتاب التعليم المسيحي.
وظل الكاردينال فرديناند دي ميديسيس متمماً لذوق أسرته في حب المعارف الشرقية فابتاع مخطوطات شرقية باسم البابا وكان يدير بطرياركية أنطاكية والإسكندجرية ومملكة الحبشة إدارة روحية وأنشأ عَلَى نفقته مطبعة ميديسيس وولى عليها ريموندي الذي ولد سنة 1536 في نابولي وهي أكثر البلاد التي كانت العربية منتشرة فيها. فكان باللغات الشرقية التي كان يتقنها ولاسيما العربية قدوة الداعين إلى تعلم المشرقيات ونشر بالعربية كتاب نحو وكتاب ابن سينا وغيرها فكانت مطبوعاته بحسن طبعها ووضعها موضوع الإعجاب العام وبعض أن قضى ريموندي نحبه لم تعد أسرة ميديسيس تفكر في إعلان الحرب الروحية عَلَى المسلمين بواسطة الكتب بل عمدت إلى إحداث الاضطرابات العملية.
ولم تشأ رومية أن تكون في خدمة المعارف الشرقية بالمطابع والمكاتب والمدارس دون أسرة ميديسيس في بث هذه الدعوة لتنشر بها الدعوة للإسلام فقد صارت بفضل الباباوات ميدان درس ونشر كل ما يرقي عقول القسيسين الذين تنتدبهم رومية لفتح العالم فتحاً روحياً يتخرجون في المدارس ما أمكن بلسان البلاد وعاداتها ومعتقداتها التي يريدون بث دعوتهم فيها ودار الكتب تتمم لهم هذه المعلومات فيعثرون فيها عَلَى ما سطره أسلافهم في رحلاتهم إلى البلاد التي عنوا بتنصير أهلها وما تلقفوه من معتقداتهم وعاداتهم ولهجاتهم وصناعهم ويقضى عَلَى كل قسيس أن يكتب مقامه في القاصية كتابة أو رسالة تخدم هذا الغرض. ومطبعة بث الدعوة تنشر كل ما يؤلف من هذا القبيل وتترجم إلى لغات شرقية كثيرة الكتب المسيحية والردود عَلَى الإسلام وكان للغة العربية الشأن الأول من بين هذه اللغات التي تطبع فيها المطبعة وهي عشرون لغة شرقية.
وما كان القصد من هذه العناية إلا دينياً محضاً بادئ بدءٍ ولم يكن العلم الشرقي إلا واسطة تساعد عَلَى علم الجدل وكذلك اللغة العربية لم تكون إلا سلاحاً تقاتل به الإسلام ولذلك كانت المدرسة الإكليركية الشرقية في بادو لا ترى غضاضة عليها أن تشتغل بالعلم المجرد أحياناً للأثر الذي يحدث عنه وكانت المطبعة والمكاتب الشرقية من المتمات لتك المدرسة لذهابها بفضل الشهرة وتأثيرها في الأفكار.
وقد تخرج بالأستاذين ماراسي وأغابيتو عد تلاميذ باللغة العربية فصنفوا فيها وأفادوا وتعاقب اثنان من الكرادلة عَلَى أبرشية بادو كان ل منهما يتنافس في عصره في خدمة الدروس الشرقية. وهكذا كان شأن ميلان فإن فريدريك برورومة بث فيها روح العلوم الشرقية وبعث منذ سنة 1609 إلى الشرق يبتاع بالأثمان الباهظة كتباً ومخطوطات شرقية فأسس المكتبة الأمبروزية الشهيرة ولم يكثر تلامذة المدرسة التي أسسها لهذا الغرض بل كانوا قلائل امتازوا بإخصائهم وكان ثمة أساتذة خاصة من مسيحيي الشرق أو المسلمين الملحدين ولطالما عطف عليهم ونشطهم وتخرج في مدرسة امبرواز أنطونيو جيجي باللغة العربية فكان لها مجداً أثيلاً.
عد القرنان السادس عشر والسابع عشر عصر ازدهار الدروس الشرقية ولاسيما الدروس العربية في إيطاليا أما القرن الثامن عشر فكوان عصر الانحطاط التام إذ قلت فيه حتى الغيرة الدينية والحماسة العقلية ولم ينشأ فيه سوى الكاردينال ميزوفانتي الخارقة في إتقان اللغات المنوعة فكان مفخراً للعلم الإيطالي وقد تقاسم جمهور الشعب أقيال وملوك متوسطون صار معهم إلى الشقاء والعبودية أما الطبقة العالية فقد حرمت من الاشتراك في إدارة شؤون بلادها ينهكها الاستبداد المدقق أو اضطهاد النمسا الشديد فنسيت في لذائذها المادية حريتها وعلو منزلتها العقلية.
وفي سنة 1790 احترقت مطبعة ميديسيس ثم أعيد إنشاؤها وبعد أن تقلب عليها الأحوال ونقلت إلى باريز بأمر الإمبراطور نابليون أعيدت إلى إيطاليا وفيها طبع أعاظم مستشرقي الطليان أمثال أماري وسيكابارللي وكويدي كتبهم وما نشروه عن آثار العرب. ولما فتح نابليون مصر وأعلن أنه يراعي للمسلمين معتقداتهم وحقوقهم وأنه لا أرب له إلا قتال المماليك أحلاف إنكلترا رأى أن يستولي عَلَى قلوب المصريين فظهر لهم بمظهر الحياد وحسن الخدمة وبعث يجلب مطبعة لبث الدعوة الشرقية من إيطاليا فأتته إلى مصر واخذ بها يطبع الكتب خدمة للسياسة والتجارة.
فأصيبت من ثم المطابع الشرقية في إيطاليا بضربات السياسة والحوادث وبقيت المدرسة الإكلركية وخزائن كتبها في معزل وعلى ما عرف به المستشرق العالم بالعربية أسيماني من سعة الفضل فإنه من لم يتيسر لبلاده أن تعيد الحياة للمشرقيات بعد انطفأت جذوتها بالفتن والكوائن وانقراض بيت ميديسيس. ونشأ للعربية أستاذ في القرن الثامن وهو القس فللا درس في كلية بلرمة ونشر بعض الكتب ولكن القرن التاسع عش امتاز بآدابه كما امتاز بالحياة في إيطاليا التي هبت قوة حرة وراحت ترفرف نحو كل ما كان فيه مجد ما أيام تاريخها المجيد فأزهرت فيه الدروس الشرقية ولاسيما الدروس العربية والعلوم الإسلامية. فكانت الولايات الجنوبية في إيطاليا تخرج أبطالاً في المشرقيات أمثال المؤرخ والسياسي ميشيل أماري الذي نشر أحسن تاريخ للمسلمين في صقلية وكثير من الكتب التي تدل عَلَى فضل علم وتدقيق. ودروس العربية في كليتي فلورنسا وبيزا ونشأ معه الأستاذ سيكا بارللي مدرس العربية في فلورنسا ثم بونازيا مدرسة كلية نابولي وأغناس كويدي الذي هو اليوم أحد زعماء المجلين من علماء المشرقيات من الطليان وهكذا نشأ لإيطاليا أجلة من المتجرين في علوم الشرق ولغاته وأمراء يفضلون عَلَى العلماء في طبع ما يلزم ونشره.
وكان امتياز إيطاليا قديماً في نشر المعارف في كل البلاد فأصبحت كذلك في عهد وحدتها تريد أن اجعل لكل إقليم حظاً من هذه الخدمة ولمتلبث صعوبة الحياة الحديثة والأطماع القديمة التي يظهر أنها اليوم العامل في حياة الممالك الأوربية أن تحدو إيطاليا السياسية إلى الانتفاع من هذه المعارف النظرية انتفاعاً عملياً.
ولما تمت لإيطاليا وحدتها لم ترى لها نصيباً في المغانم في أرض أوربا فوجهت وجهتها منذ ثلاثين سنة إلى أن تضع يدها عَلَى ما لم يكتب له الاستعمار الأوربي من حوض المتوسط فرأت أولاً أن تبعث بالفقراء من أبنائها في صقلية وسردينيا إلى تونس إذ قد رأت فرنسا قبضت عَلَى قياد الجزائر وإسبانيا عَلَى الريف وإنكلترا عَلَى مصر ولكن سرعان ما أخفقت أحلامها بإعلان فرنسا حمايتها عَلَى تونس سنة 1881 فبقيت أمامها طرابلس الغرب ولكن لم تجرأ أن تحلم بها ولذلك أبعدت في أطماعها بادئ بدءٍ فأرادت الاستئثار ببلاد الشاطئ الشرقي من أفريقية فكان فيها مراسلوها وعلمائها دعاة لما تريد إيطاليا القيام به.
وإذا كانت مصر عَلَى قربها من إيطاليا وغناها وعراقتها في الإسلام مما يكون الخطر كانت هي أول غاية انصرفت إليها كهنة الطليان وتجارهم وكانت إيطاليا منذ القرن السادس عسر مركزاً لتعليم الآداب القبطية وقد أنشأت تعلم علم الآثار المصرية القبطية في بيزا لتثبت بذلك أنها لا تريد أن تكون غريبة عن علم كانت لها القدم الراسخة قديماً في الإبداع فيه وكانت للغة الحبشية المقام الأول في إيطاليا لأنها رأتها أقرب إلى بث الدعوة في نساطرة الحبش وإن التجارة تمكن ودن أن يصطدم الإيطالي مع الإسلام الذي لا يتساهل.
وفي أوائل القرن التاسع عشر أنشأت إيطاليا مجمعاً ومدرسة لتنصير الأفريقيين وتعلم دعاة لهذا الغرض تأخذهم من أبناء تلك البلاد وتربيهم ليعودوا إلى مساقط رؤوسهم يحيون فيها روح دينهم الجديدة لكن هذا العمل في التنصير أخفق لما حال أمامه في كل مكان من بث دعوة الإسلام ونشر الدعوة البرتستانتية فاقتصرت إيطاليا من ثم عَلَى غرس نفوذها في تلك البلاد وإعداد الأسباب للمطامع الاستعمارية.
فكانت سياسة إيطاليا حازمة محتشمة أولاً ففي سنة 1869 عندما فتحت ترعة السويس ابتاعت شركة الملاحة الإيطالية روباتينو من زعيمين مستقلين مرفأ أساب بالقرب من جزيرة بريم عَلَى الشاطئ الأفريقي من البحر الأحمر فجعلته محطة لسفنها الذاهبة إلى الشرق الأقصى ولما خاب ظن إيطاليا في الاستيلاء عَلَى تونس ابتاعت من هذه الشركة سنة 1882 جميع ما تملكه في تلك الرجاء بمبلغ 410 آلاف فرنك فكلفتها كثيراً وأرسلت حملة لتأديب قبائلها المجاورة مثل الدناكل والصومال من المسلمين فذبحوا لها رجالها سنة 1894 وعادت فبعثت بحملة إلى مصوع وبعثت إنكلترا جيشاً إلى البحر الأحمر للدفاع عن سواكن ومصوع من عصاة السودان واقترحت عَلَى إيطاليا أن تكون الحملة مشتركة عَلَى أن تكون مصوع لإيطاليا ويحق لها بسط سلطاناه عَلَى الجبشة فبادرت إلى احتلال مصوع وتيسر لإيطاليا بأعمال حربية قليلة أن تضم أرضهما إلى أرض أساب.
ولكن بسط حمايتها عَلَى الحبشة نشأت عنه كارثة غير متوقعة وذلك أن جيوشها ما كادت تصل إلى البحر الأحمر حتى تحالف أمراء الحبشة وجعلوا نجاشيهم جوهانس إمبراطوراً عليهم فقتل هذا حملة للطليان مؤلفة من ستمائة شخص عن بكرة أبيها سنة 1887 فأرسلت إيطاليا عشرين ألف رجل فلم يكادوا ينزلون إلى البر حتى فيهم الجوع والحصار ودهمهم ثمانون ألفاً من الحبشان فانهزمت إيطاليا شر هزيمة في ساكنتي (1888) ثم استمالت إليها النجاشي منليك واعدة إياه بأن يكون هو إمبراطور الحبشة دون جوهانس ولكنه لم يتغرر بأمانيها بل رد الإيطاليين رد الأبطال عن حياض داره فذبح سنة 1895 أناس من المستعمرين الإيطاليين في أمباألاكاخي وبعد بضعة أشهر سحق الحبشة لإيطاليا جيشاً مؤلفاً من خمسة وسبعين ألف إيطالي في أدوا فاضمحلت آمال الإيطاليين بعد ذلك وقنعت بما ترك لها من المواني هناك وراح أبناؤها ينتشرون في تونس ومصر وعلماء المشرقيات من المتضلعين من العربية من أبنائها يرفعون شأنها الماضي كفي الحضارة وتقاليدها القديمة في النصرانية.
واتفق أحد رجال البيت الخديوي الأمير أحمد فؤاد باشا تعلم في المجمع العلمي في تورينو فكان منه بعد ذلك أن عقد أنفع الصلات مع إيطاليا كما بدأ ذلك منه سنة 1908 وقد عين رئيساً للجامعة المصرية لتعلم العلوم الحديثة للمصريين ونظم الجامعة بمشورة عالم فرنساوي مشهور المسيو مسبور وكانت أكثر الدروس تلقى بالعربية فكان من الأساتذة كويدي ونالينو ومالو الإيطاليين الذين درسوا الدروس التي عهدت إليهم بالعربية.
ومنذ ذام العهد مالت الأفكار في إيطاليا إلى طرابلس الغرب لتكون لها أهراء حنطة كما كانت للرومان قديماً وذلك لأن صرف المال وبذل الوقت والعناية بزراعتها سيكون منها مورد ربح عظيم وتجد فيها اليد العاملة من الطليان مجالاً واسعاً للاستعمار فرأت إيطاليا أن يكون الفتح الاستعماري مشفوعاً بالرفق والرحمة والتساهل في معاملة الشعوب الإسلامية وأن يكون أساس الاستعمار في تلك الأقطار المصالح الاقتصادية وأن تدار البلاد بأيدي أعظم رجل الإدارة ممن تتعلم منهم وزارات الأوربية دروساً في الاستعمار.
واخذت إيطاليا بتنظيم كلية بادو التي كانت اتخذتها جمهورية البندقية منذ قرنين مدرسة لتخريج رجال سياستها وتراجمتها وسماسرتها تدرس فيها اللغة العربية والفارسية والتركية ولاسيما العربية وستعنى هذه المرة بالعربية أكثر ليكون من متخرجيها أعظم الإداريين المستعمرين لليبيا وتضاف إلى دروسها اللهجات البلقانية المنوعة ممن تتجر معهم البندقية وإيطاليا. ولجنوة درس عربي طالما تناوب تدريسه أعظم مستشرقيها وهي اليوم تطالب بأن يكون لها امتياز بتخريج رجال الإدارة والاستعمار بإنشاء كلية بحرية استعمارية فيها وكذلك سيكون لكلية بولون أثر عظيم في تخريج رجال بالعربية كما منهم حظ ليس بقليل الآن. وفي رومية في مدرسة الدعوة إلى الإيمان درسان للعربية والسريانية وكذلك مدرسة القديس أبولينير فإن درس العربية يدرسه فيها الأسقف بوغاريني وتفتخر الحكومة اللادينية في رومية بأن فيها درساً للغة العربية وآدابها بزعامة الأستاذ سكياباريللي والحبشية تحت نظارة كويدي. وفي جنوب شبه جزيرة إيطاليا المملوء بتذكارات إسلامية والقريب من حيث الوضع الجغرافي من بلاد المسلمين كلية بلرمة التي تدرس العربية فيها كل من الأستاذين ناينو وبوبونازا واقتصرت نابولي عَلَى تعليم العربية بالعمل كما تعلمها بالنظر أيضاً. وفي نابولي مجمع شرقي يعلم بالعمل اللغات الحية في آسية وأفريقية وفيه تلامذة صينيون وهنود وبلغاريون وصربيون وفلاخيون وألبانيون ويونان. وفي سنة 1901 عيد تنظيم هذا المجمع عَلَى مثال مدرسة اللغات الشرقية في باريز ويمتاز بأن دروسه مجانية ولا يمتحن الطلاب فيه.
لا جرم أن فتح طرابلس سيزيد في نجاح هذه المدرسة فيكون لإيطاليا الحظ بأن تكون دولة تحيا فيها المدنية الشرقية في البحر المتوسط عَلَى ما يبدو الآن لأعين الشعوب الإسلامية النازلة في البحر المتوسط من أن هذه الدولة حديثة العهد بنفوذها بما ترسله من فقراء المستعمرين والعاملين القادرين عَلَى منافسة اليد العاملة الوطنية. اهـ.
كليات ألمانيا الكليات أو الجامعات أو دور الفنون في ألمانيا هي المدارس العالية المحتوية عَلَى الفرع الآتية: الأولى شعبة الإلهيات، الثانية شعبة الحقوق، الثالثة شعبة الطب، الرابعة شعبة الفلسفة (وهذه أربع فروع، (1) الفلسفة المجردة وعلم التربية والمنطق (2) علم الألسن والأدبيات (3) التاريخ والجغرافيا وتاريخ الصنائع والموسيقى (4) السياسات وعلم الاقتصاد) الخامسة شعبة الرياضيات والطبيعيات (وهي الرياضيات وعلم الفلك والحكمة الطبيعية والكيمياء والحيوانات والنباتات وطبقات الأرض). فعدد كليات ألمانيا اثنتان وعشرون. نصفها في بروسيا ونصفها في سائر الحكومات المتحدة وهاك أسماء الموجودة بها مع تاريخ تأسيسها وعدد طلابها السنة التدريسية الشتائية من سنة 1911.
تاريخ التأسيس عدد الطلاب الكليات
1908 14543برلين (بروسيا)
1472 07596ميونخ (بافيرا)
1409 05804 ليبسيك (سكسونيا)
1818 01407 بون (بروسيا)
1502 02811هالله (بروسيا)
1567 02506 استراسبورغ (إلزاس ولورين)
1702 02429 برسلاو (بروسيا)
1457 02387 فرايبورغ (بادن)
1737 02355 غوتنغن (بروسيا)
1771 02296 مونستر (بروسيا)
1386 02181 هايدلبرغ (بادن)
1527 01936ماربورغ (بروسيا)
1477 01913 توبينكن ورتمبرغ
1558 01753 يينا ساكس وإيمار
1544 01614 كنغسبرغ بروسيا
1665 01570 كيل بروسيا 1402 01509 ورتسبورغ بافيرا
1607 01409 كيش هس
1743 01099 أرلانكن بافيرا
1456 01034 كرابغسوالد بروسيا
1419 00903 روشتوك مكلمبرغ
1913 جديدةفرانكفورت عَلَى ماين بروسيا
63755المجموع
ومن هذا المجموع 5000 طالبة تقريباً. وعدا ذلك فإن في غالب المدن مدارس عالية علمية، هندسية، زراعية، صناعية، تجارية، حربية ومراصد فلك ودور معلمين ومعلمات.
الحنطة في فرنسا
قالت الماتين: إن أكثر الأمم مقطوعية للحنطة هي الأمة الفرنسوية ثم أيدت قولها بالإحصاء التالي وهو إحصاء سنة 1909 الذي يمكن اعتباره كمتوسط كمية الحنطة التي تناولتها مقطوعية 1909.
مقطوعيتها (ألف قنطار) المقطوعية الفردية
فرنسا984322. 5
ألمانية576130. 9
النمسا والمجر 571201. 1
إسبانيا401672. 1
الجزر البريطانية739441. 7
إيطاليا644481. 9
روسيا (أروربا وآسيا) 1784001. 1
الولايات المتحدة1490051. 6
فيتبين مما تقدم أن المقطوعية الشخصية هي في فرنسا أكثر منها في سواها. وإن في الإشاعات المتداولة عَلَى ألسنة الناس في الخارج أو الفرنسويين يكثرون في أكل الحنطة والضفادع شيئاً صحيحاً أي أن قسمي الخبز صحيح أما الثاني فخرافة.
ثم إذا اعتبرت المقطوعية من الوجهة العامة كان الفرنسيون بعد روسيا الشاسعة الأطراف والولايات المتحدة في طليعة سائر الأمم في المقطوعية. وإن في الجدول الآنف دلالة عَلَى مقطوعية كل شعب من الحنطة. بقي أن نعرف كيف تتحوط كل أمة لإملاء أهرائها التي تفرغ في كل عام. عَلَى أنه لا بد من التمييز بين البلاد التي تزيد مقطوعيتها من الحنطة عن حاصلاتها والتي تزيد حاصلاتها الخاصة عن مقطوعيتها فمن الفئة الأولى.
حاصلاتها (ألف قنطار) الفرق
ألمانيا3755720056
النمسا والمجر499367184
حاصلاتها (ألف قنطار) الفرق
إنكلترا 1748656458
إيطاليا 5181312635
فأعظم البلاد استيراداً للحنطة هي إنكلترا ثم ألمانيا حليفتها. أما فرنسا وإسبانيا فإن محصولهما من الحنطة يعادل عَلَى نوع ما مقطوعيتهما وبيان ذلك.
حاصلاتألف قنطارالفرق
فرنسا 97752680
إسبانيا 39219948
أما البلاد التي تزيد حاصلاتها عن مقطوعيتها فروسيا وحدها في أوربا ثم رومانيا. أما البلاد الأخرى فكلها واقعة وراء البحار وبيان ذلك.
المقطوعيةالحاصلات
روسيا178400 230288
رومانيا 704016022
الولايات المتحدة 149005 185980
كندا30051 45318
الهند الإنكليزية 66487 77616
أوستراليا14137 24607 الأرجنتين 884835655
ولهذه الأرقام من الوجهة السياسية مكانة عظمى فالجزر البريطانية تستطيع أن تستمد من مستعمراتها ثلاثة أرباع ما ينقصها لمقطوعيتها. وإن ما نقوله هنا عن الحنطة ليصح أيضاً في اللحوم وسائر الحبوب الغذائية. فالقوة البحرية الإنكليزية الضخمة تضمن ورود الأقوات عليها بانتظام وهي مسألة حيوية بالنسبة إليها لأنه إذا استطاع العدو أن يمنع عنها القوات اللازمة هلكت بالمجاعة. ومثل ذلك يقال في دول التحالف الثلاثي فهي لا قوام لها بدون وصول المؤونة اللازمة لها من الخارج. وأهم البلاد التي تستورد منها روسيا وهي عدوتها. فإذا أمسكت عنها الحنطة في إبان الحرب وكانت لها (أي روسية) بحرية قوية هلكت أمم التحالف الثلاثي جوعاً. وإن هذه الجاة حاجة استيراد المؤن من الخارج لتزيد عاماً فعام بسبب ازدياد الناس في أوربا في الآونة الأخيرة وتجد البرهان عَلَى ذلك المقارنة التالية:
الكمية المستوردة (ألف قنطار)
1881 1909
ألمانيا 3085 2056
النمسا والمجر 4137184
إنكلترا35520 56458
إيطاليا48512605
أما فرنسا التي كانت ما قط تستورد كميات كبيرة فقد استوردت في سنة 1881 اثني عشر مليوناً و864 ألف قنطار أي أكثر مما استوردته دول التحالف الثلاثي بثلاث مرات. وسبب ذلك أن سكان ألمانيا كانوا في ذلك العهد 44 مليوناً مقابل 64 مليوناً في 1909 و67 مليوناً اليوم. وكانت النمسا 38 مليوناً وهي اليوم 53 مليوناً. وإن ازدياد عدد السكان في أوربا كلها ليضطرها أن تستورد حاجتها من الحنطة من الخارج. وهذا الاضطرار يقضي بوجوب الاعتماد عَلَى عمارة تجارية كبيرة وأسطول حربي ضخم. اهـ.
أموال الفرنسيس
لفرنسا وحدها في القروض التي عقدتها الدولة منذ سنة 1885 إلى الآن مبلغ 846 مليون فرنك يضاف إليها ما لها من الأموال في المشاريع الآتية:
مليون فرنك
في البنك العثماني63
سكة حديد أزمير 71
القدس ويافا 18
دمشق حماة121
سلانيك 127
معدن هركلي 29
مرفأ أزمير11
بيروت14
الآستانة 37
مياه الآستانة 17
شركة حصر الدخان 16
يكون المجموع ملياراً و370 مليون فرنك يضاف إليها الديون غير المنتظمة وهي:
فرنك
الديون الموحدة العثمانية83. 600. 000
تحويلات الرومللي11. 400. 000
ديون أخرى 75. 000. 000
سلفات متفرقة7. 000. 000
3000000000 20/ 15
100
هذا عدا عن الأموال المستثمرة في بعض المشاريع الثانوية وهي كثيرة أيضاً فإذا أضفنا إليها سائر الديون العثمانية بلغ المجموع نحو ثلاثة مليارات من الفرنكات تزيد فائدتها 25 في المئة من مجموع دخل الدولة ويضاف إلى ذلك القرض الأخير وهو 700 مليون فرنك.
طلابنا في فرنسا الغالب أن معظم من يدرسون العلوم من أبناء العثمانيين في كليات أوربا ينزلون ويختارون من كلياتها كلية باريز وكلية ليون فكرونو بل فمونبليه فنانسي ثم يكون من طلبتنا أناس في كليات ألمانيا فإنكلترا فالنمسا.
وقد ذكرت الطان إحصاء في عدد طلاب الكليات في فرنسا جاء فيه أن عدد طلاب الكليات في فرنسا 41109 طالب وطالبة منها 4056 من الفتيان والباقون ذكور أي نحو عشر الداخلين في المدارس الجامعة هن من الجنس اللطبف وبلغ عدد الأجانب من الطلبة 3819 أي نحو عشرة في المئة من مجموع الطلبة و4056 طالبة فيوكن مجموع الطالبين والطالبات من غير الفرنسويين في كليات فرنسا 7875 من أصل 41. 109.
واكثر الطلبة الأجانب يدرسون الحقوق ويأتون من الشرق فقد بلغ عدد طلاب رومانيا 257 والروس 243 والمصريين 163 والعثمانيين 124 أي نحو ثلثي عدد الأجانب ثم 83 بلغاريا و36 ألمانياً و28 يونانياً و27 صربياً و25 نمسوياً ومجرياً و33 لوكسمبرغياً و21 أميركانياً جنوبياً و17 سويسرياً وثلثة الطلبة الأجانب في الطب هم من الروس الذين يبلغ عدد أبنائهم 861 ثم يجيء العثمانيون وعددهم 87 والبلغار 67 والرومان 59 واليونان 39 والذين يدرسون العلوم من الروس 950 ومن العثمانيين 70 أما عدد الدارسين في الآداب فهم 709 من الروس و233 من الألمان و141 من الإنكليز و70 من الطليان فيكون مجموع الطلبة الأجانب في كليات فرنسا كما يلي: 2769 روسياً 408 رومانياً و323 عثمانياً و289 ألمانياً و233 بلغارياً و214 مصرياً و190 إونكليزياً و154 نمسوياً ومجرياً و130 إيطالياً و106 من الولايات المتحدة و106 من اليونان و68 سويسرياً و81 من أميركا الجنوبية و52 صربياً و52 أفريقياً و47 لوكسمبرغياً و40 إسبانيولياً و36 من الإلزاس واللورين و31 سويدياً ونروجياً و27 بلجيكياً و36 من أميركا الوسطى و25 إيرانياً و23 برازيلياً و19 برتقالياً.
تربية النساء
بينا نحن مع قومنا في ول درجة من سلم الارتقاء ولما لم نصعدها إذاً بنساء الغرب قد بلغن شوطاً في التعلم لا يكاد يصدقه شرقي فقد ثافن الرجال في التعليم والتهذيب حتى كدن يفقنهم وبالغن في إنهاض بنات جنسهن حتى تطاولن في بعض الممالك إلى المطالبة بإشراكهن في الحياة السياسية فنلن في فنلندة ونروج وأوستراليا والولايات المتحدة الأميركية ما أملن في هذا الشأن ولا يمض زمن طويل حتى ينال نساء بريطانيا العظمى حقوقهن في الانتخاب كما نال سكان تلك الممالك الأربعة المذكورة وهن يحاولن في فرنسا أن يكاثرن الرجال في المجاميع العلمية فيكون منهن أعضاء في اكبر مجالس العلم في باريز وعمالاتها.
وإن الباحث ليمل إذا أراد نقل بعض ما يكتب النساء الغربيات من المقالات والأبحاث ويلقين من المحاضرات والخطب في هذا الشأن وفيهن مديرة المدرسة العالية والمحامية والصحفية والطبيبة والعالمة بالطبيعة والفلك والكيمياء والهندسة والمعلمة وآخر ما قر عليه قرارات العالمات من النساء في إنكلترا أن بين الرجل والمرأة اختلافاً أساسياً هو في المرأة بالنسبة للرجل صعوبة الحياة وطولها وطول سلسلة مصائبها وقوتها عَلَى مقاومة الأم راض وندرة نبوغها وبعض ما اختصت به من العاهات كالجنون والجرائم. وهن يحاولن هناك أن تربى المرأة تربية تتأهل بها للكسب وتصير صالحة للقيام بوظيفة الأمومة عَلَى ما يجب.
قال إميل فاكي: كانت المرأة لأول عهدها دابة ثم حيواناً داجناً ثم رقيقة ثم خادمة ثم قاصرة ثم هاهي اليوم تحاول أن تثبت رشدها وتسجله في سجلات القانون. ولقد صح أن النساء النبيلات وبنات الطبقة الثانية في الناس ككن في القرون الوسطى يشاركن في الحياة البلدية ويدخلن المجالس فقد قادت جان دارك الجيوش وأرسلت كاترين دي سين في القرن الرابع عشر سفيرة إلى أفنيون إلى حضرة البابا وحكمة مرغريتا دوجة سافوا بلاد القاع عَلَى عهد ابن أخيها شارت الخامس وكثيرات من الأميرات في ذاك العهد تولين الأحكام وتعاطين التجارة والإدارة ومنهن من عملن في كليات إسبانيا وإيطاليا.
ولما جاء القرن الخامس عشر والسادس عشر انقلب الأمر فكانت من نتائج الإصلاح الديني أن اتجهت الأفكار نحو إحياء العبرانية ومصطلحاتها كما كان من نتائج النهضة الاتجاه صوب الأوضاع اليونانية بيد أن التعليم الذي كان لا بأس به ويلقنه الفتيات في الأديار قد حرمن منه بعد إقفالها.
فالتربية التي حيل دون النساء خلال ثلاث قرون الأخذ بها في الغرب قد بدأن بتربيتها فأنتج ذلك تلك الحركة الأدبية الباهرة في القرن الثامن عشر في فرنسا وبريطانيا العظمى وما كان عزوف نساءِ إسبانيا عن الاختلاط واعتزالهن اعتزال الشرقيات في خدورهن وجهلهن إلا سبب انحطاط أمتهن.
يجب أن يصبح النساء أمهات قبل كل شيء ولهذا وجب عليهن أن يقوين مداركهن وينرن عقولهن. إن مميزات الرجل وميزات المرأة متمم بعضها للآخر وهي ضرورية لارتقاء المجتمع.
الارتقاء الذي نتخيله للمستقبل وكل تغيير يحدث في تربية المرأة وفي قبولها في الأعمال الخاصة اليوم بالرجال يجب أن يجري عَلَى فكر عملي وعلى طريقة التجربة وباحتراز واحتياط وأن يلاحظ فيها الأخلاق الفطرية في المرأة ويميز بينها وبين الصفات الثانوية الخ.
هذا ما حكم به العلامة المشار إليه عَلَى المرأة وهو الحكم المعتدل لمعقول أما نحن فعلى رأيه تحب أن تكون المرأة أماً قبل كل شيء ولكن أماً مهذبة التهذيب الراقي في الجملة تخفف عن الرجل عناءه وتنشل هذا المجتمع من سقوطه فتأثير المتعلمة الواحدة أكثر من ألف جاهلة وأنا موقون بأن ارتقاء المرأة البلغارية واليونانية والصربية كان أعظم باعث لارتقاء تلك الأمم والظفر بنا في مواقع الدفاع عن ذمارنا وديارنا لجودة سلاحهم وكثرة نصائرهم أما نحن فقد حرمنا التربية البيتية كما حرمنا التربية المدرسية وهذا جماع انحطاطنا. نريد لنساء الإسلام التعليم الابتدائي الراقي الآن ثم ترتقي درجته.
معادن القطر المصري
أنشأ المستر جون والس المفتش الأول في مصلحة المعادن المصرية سابقاً نقالة شائقة عن المعادن في هذا القطر قال فيها:
اختلف الناس في مسألة التعدين في القطر المصري في السنوات العشر الماضية وتضاربت آراؤهم فيها فوضعها بعضهم موضع الهزء والسخرية وأحلها آخرون محلاً رفيعاً من الاهتمام ولاسيما الذين جالوا في هذا القطر وجابوا صحاريه وتمكنوا من مشاهدة الأعمال التي عملها القدماء لاستخراج الذهب والنحاس والحجارة الكريمة والتنقيب فيها. فالحصون القديمة والآبار والمحطات التي لا تزال آثارها ماثلة إلى اليوم تشهد عَلَى ما بلغته مصر من حسن النظام في عهد حكامها الأقدمين وكذلك اتساع بعض المناجم القديمة والطرق التي كانت تستخرج بها المعادن لا تترك مجالاً لتخرص المتخرصين.
ولكن الناس في أيامنا هذه لا ينظرون إلى الشيء من الجهة الخيالية بل ينظرون إليه من الوجهة المادية أو الربح الذي يعود عليهم منه. فهل المعادن التي في مصر كافية لأن تكفل الربح للذين يستخرجونها والفائدة للقطر المصري؟
ومن رأيي أن المعادن موجودة في مصر بكميات وافرة تعود عَلَى القطر بفائدة اقتصادية كبيرة ولكن بشرط أن تعير الحكومة المصرية هذه المسألة الاهتمام اللازم وأن تشجع رواد التعدين في بلادها وأن تحسن شروط الامتيازات الحاضرة وتحمي مصالح أصحابها أكثر مما تحميها الآن. ولا يسعني المقام في هذه العجالة أن أبحث في مسألة التعدين بحثاً مستفيضاً فأحصر كلامي لذلك في المعادن التالية وهي أهم المعادن التي في مصر.
الذهب - في الصحراء الشرقية كثير من المناجم القديمة وبعضها كبير جداً ولكن ظهر من الأبحاث التي أجريت فيها أن استئناف العمل فيها بنمط عظيم لا يعود بربح يذكر عَلَى الشركة أو الشركات التي تقوم به إلا أنه يستدل من العروق الغنية التي في تلطك المناجم أن استئناف العمل فيها قد يعود بالربح عَلَى الشركات الصغيرة أو المعدنين الذي يملكون رأس مال كان للقيام بذلك. ولا مشاحة في أن الأبحاث التي أجريت في مصر إلى الآن كانت قاصر جداً ولا يبعد أن تؤدي الأبحاث المقبلة إلى اكتشاف رواسب مهمة جداً من التبر الدنيءِ في الصخور المتبلورة والمتكتلة.
وقد اظهر التعدين في بعض المناجم ولاسيما في منجمي أم يارت برامية ما خصت به عروق الذهب فغي بعض الطبقات الصخرية في مصر من الغنى فإن هذين المنجمين استخرج منهما ما قيمته مئتا ألف جنيه من الذهب الإبريز من كمية قليلة من التبر والدلائل كلها تدل عَلَى أنه لا يبعد أن يعثر عَلَى عروق تكون غنية بتبر الذهب مثل العروق التي عثر عليها في الأيام الغابرة.
النحاس - موجود في أماكن عديدة ولكن لا يؤمل أن يكون من استخرجه ربح يذكر في أي مكان من الأماكن الموجودة فيها تبره.
الرصاص - موجود في الطبقة الطباشيرية المتوسطة من طبقات الأعصر الثلاثية وفي الصخور الكلسية التي في سواحل البحر الأحمر بين الدرجة 26 والدقيقة 30 والدرجة 24 من العرض الشمالي بكثرة تدعو إلى البحث عنه عَلَى نمط عظيم. وقد اهتم لأمره في جبل الرصاص منذ أربع سنوات أو خمسة.
الزمرد - في سقايظ وأم حربة وسواهما مناجم قديمة لاستخراج الزمرد وبعض هذه المناجم كبير جداً وقد بلغ العمل فيها أعظمه في العصر اليوناني الروماني واستأنفت شركة من شركات المستر ستيتر العمل فيها عَلَى نمط صغير فعثرت عَلَى حجارة جميلة من الزمرد ولكن الشركة لم توال العمل ولم تكن مهتمة به الاهتمام اللازم علاوة عَلَى أن أحوال المعيشة في الصحراء الشرقية كانت غاية في الصعوبة ولم تكن أسباب الوصول إليها سهلة في تلك الأيام مما جعل مواصلة العمل فيها ضرباً من المحال.
الزبرجد - يوجد منه حجارة جميلة في جزيرة القديس يوحنا (جزيرة الزبرجد) الواقعة إزاء رأس بناس في درجة 24 من العرض الشمالي. وفي هذه الجزيرة شركة إنكليزية فرنسوية تستخرج حجارة الزبرجد منها الآن.
المغنيس - يوجد أكسيد المغنيس في شبه جزيرة سيناء وهو طبقات متسعة في دوائر كبيرة يبلغ مسطح الدائرة منها عدة أميال مربعة وهذه الدوائر تعد الآن ليستخرج منها المغنيس حتى تسهل سبل النقل والشحن.
الحديد - يوجد طبقات متسعة من معدن الحديد إلى الشمال من رأس بناس ولكنه يحتوي عَلَى كمية كبيرة من التيتانيوم ولا ينتظر أن يأتى في حالته الحاضرة بفائدة اقتصادية تذكر.
الفوسفات - القطر المصري أغنى بلاد العالم بصخور الفوسفات وهي توجد بمقادير عظيمة في سواحل البحر الأحمر بين الدرجة 26 والدرجة 27 من العرض الشمالي وفي الضفة الشرقية من النيل جنوبي قنا وفي الواحتين الداخلة والخارجة. أما في الطبقات التي في سواحل البحر الأحمر فإن شركات عديدة تعمل فيها الآن لاستخراج الفوسفات منها وكل الدلائل تدجل عَلَى أنها ستنجح نجاحاً باهراً. والأفكار متجهة الآن إلى استخراج ما فوق الفوسفات (سوبر فوسفات) والأبحاث جارية الآن في ذلك.
الزيت - تقدمت الأبحاث التي بدئ بها في خليج السويس منذ بضع سنوات تقدماً عظيماً فثبت منها أن مقادير كبيرة جداً من زيت البترول موجودة عَلَى عمق غير بعيد في رأس جمسه. والزيت التي ظهر هناك من أعلى الأصناف وأجودها ويحتوي من 15 إلى 30 في المئة بنزيناً ومن 30 إلى 40 في المئة من زيت الإضاءة وقليل من زيت الثخين الذي يستعمل في تزيت الآلات ومن 3 إلى 6 في المئة من الشمع ولا يحتوي شيئاً من زيت الوقود أو الفضلات. ولكن مستقبل الزيت في القطر المصري يتوقف بالأكثر عَلَى وجوده في الطبقة الرملية التي يختلف عمقها بين 2600 و3500 قدم فإذا ظهر من المباحث التي يجرونها الآن أنه موجود في هذه الطبقة صارت مصر في مقدمة البلدان التي تستخرج الزيت.
الملح - موجود في القطر المصري بمقادير كبيرة جداً وتختلف سماكة الطبقات الموجودة فيها من بضعة أقدام إلى ألف قدم.
الصودا - توجد كربونات الصودا بمقادير وافرة جداً في وادي النطرون والصحراء الغربية.
حجارة البناء الثمينة - في الصحراء الشرقية بالقطر المصري أجمل أنواع الحجارة التي تستعمل في زخرفة الأبنية وتزويقها وأشهر هذه الحجارة وأجملها كلها الحجر السماقي الأحمر (البرفير) الذي في مقاطع جبل الدخان والحجر الناري اللماع (ديوريت) في مقالع كلوديانوس.
صلصال الخزف - في القطر المصري نحو ستة آلاف نفس يشتغلون بضع مواعين الخزف البسيطة. والأتربة الصالحة لصنع جميع الأنواع من الخزف القاسي المشوي والمواسير موجودة بكثرة في مصر ولكن لا ينتظر أن تتقدم هذه الصناعة إلى حد تصير كافية لسد حاجة القطر وإصدار شيءٍ منها إلى الخارج إلا بعد أن تحل مسألة الوقود وترخص أثمانها ويسهل الوصول إليها.
الوقود - لم يبحث إلى الآن عن الوقود عدا زيت البترول بحثاً وافياً. والحطب المتحجر في صعيد مصر لا يقابل بسائر أنواع الفحم التي ترد من الخارج فهو والحالة هذه من أدنى أنواع الوقود وأقلها قيمة ولكنه يحتوي عَلَى كمية كبيرة من الكربون وقد يمكن تحويلها إلى غاز محترق بواسطة أحد الأجهزة الملائمة فإذا تحقق ذلك سهل الانتفاع بالطبقات الدلغانية التي تكثر في الصعيد واستخدامها في إدارة الآلات الرافعة وغيرها من الأعمال الصناعية.
وقد لا يبعد أن يوجد الغاز في حالته الطبيعية بجوار السويس وحلوان والأحوال الجيولوجية هناك تحمل عَلَى إجراء المباحث بهذا الصدد.
الفحم - لا دليل إلى الآن يثبت وجود الفحم في مصر ولكن يحتمل العثور عَلَى فحم تجاري في شبه جزيرة سيناء إذا بحث عنه بحثاً منتظماً إلا أن معلوماتنا الجيولوجية القديمة عن تكوين الصخور الكربونية في سيناء لا تخولنا إبداء رأي قاطع في هذه المسألة المهمة.
دول الحضارة
بحث إحدى المجلات الأوربية عن مساحة الدول الثلاث ألمانيا وإنكلترا وفرنسا وعن عدد نفوسها وثروتها العامة وأوردت سكانها وحكومتها وتجاراتها الخارجية ومحمول بواخرها التجارية والحربية وجاء فيها ما يلي:
مساحة أراضيها عدد سكانهازيادة النفوس
ألمانيا 540. 858 64. 926. 000 13. 6 في الألف
إنكلترا 313. 607 44. 902. 000 11.
فرنسا 536. 463 39. 600. 000 1. 8
الثورة العمومية الواردات السنوية العامة
ألمانيا 340 مليار فرنك50 مليار فرنك
إنكلترا320 45
فرنسا287 25
واردات الحكومة سنوياً (عن سنة 1911)
ألمانيا 10 مليارات فرنك
إنكلترا 5
فرنسا 5
التجارة الخارجية محمول السفن التجارية (عن سنة 1912)
ألمانيا24 مليار فرنك3023 ألف طن
إنكلترا27 11683
فرنسا 14 1462 محمول السفن الحربية
ألمانيا995400 طن
إنكلترا6016500
فرنسا643000
فضل القراءة
خطب إرنست لا فيس عالم الفرنسيس ومؤرخهم في إحدى القرى في فرنسا خطبة عَلَى من أتموا دروسهم من أبناء الفلاحين قال: يا أولادي الأعزة. أخاف أن يكون بينكم من يغادرون منكم المدرسة الآن أناس يقولون في نفوسهم: لا دروس ولا فروض ولا دفاتر ولا كتب خلص من كل هذا. فإلى أمثال هؤلاء أوجه كلامي أريد أن أزيل عنهم ما انخدعوا به. كلا أيها الأصحاب الصغار ليس الأمر كذلك ولم يقف عند هذا الحد. فإن زمان الدراسة قصير لا يتأتى تخريج رجل في خلاله فالواجب أن تظلوا عَلَى طلب الاستفادة والتعلم ولكنكم ستقولون أنكم مضطرون أن نعمل لنتعلم كيف نعيش. أعرف هذا وثقوا بأني لا أرغب في أن يقضي جماع الفرنسيس حياتهم عَلَى نحو ما يقضيها أهل صناعتي في القراءة والكتابة جالسين عَلَى الكراسي. فسترون الآن بأني لا أطالبكم بما يشق عليكم القيام به مهما كان نوع الحرفة التي تحترفون.
يجب عليكم أن لا تتوقعوا من أساتذتكم كل تهذيبكم وأن تتعلموا أن تكونوا أساتذة أنفسكم فأنتم لا تدركون كم يعمل المرء في إنهاض نفسه إذا أراد. وما من امرئ ينهض بكم أكثر من نهوضكم بأنفسكم. إني آمل بادئ بدءٍ منكم أن تبقوا كتبكم المدرسية عندكم وربما لم تروقكم مطالعتها واستظهارها واللعب يشغلكم ولكنكم الآن لستم مضطرين إلى تلاوتها لاستظهارها بل تتلونها متى راقكم وعلى النحو الذي يروقكم.
بعد أيام قليلة إذا أمطرت السماء ذات يوم أو كان اليوم يوم أحد تذكروا بأن الصفحات الفلانية من الكتاب الفلاني قد أعجبكم فأعيدوا قراءتها وأني لا أعجب إذا لم ترقكم أكثر من ذي قبل لأنكم تفهمونها أحسن لسببين الأول لأنكم في سن النمو العقلي والثاني لأنكم تقرأون لا لتسمعون بل للتلذذ.
في كل مديرية من مديراتنا دروس ومحاضرات تلقى عَلَى الكبار في الأعمار فاحضروها وفي كل مدرسة مكتبة فاستعيروا من كتبها وابتاعوا كل مدة كتاباً ولا تكثروا بل اكتفوا بثلاثة أو أربعة كتب في السنة فالكتب اليوم رخيصة وبضعة فرنكات تكفي لأن تؤلفوا منها مكتبة حافلة بالجملة وتصبحون مثالاً لأبناء الطبقة الوسطى ممن لا تحدثهم أنفسهم أن يبتاعوا كتاباً واعتنوا مهما كان نوع المسكن الذي تسكنون فيه أن تنصبوا لكم لوح خشب تضعون عليه كتبكم وغطوها لتأمن من الغبار واللوثات. ومن اللائق أن تكون الكتب مغطاة أحسن تغطية وإن تقدمتم قليلاً في السن عودوا أنفسكم تلاوة الجرائد فتجدون في جرائد الشعب مادة تنيرون بها عقولكم في الحوادث العظمى التي تجري في بلادكم وبلاد العالم أجمع.
أننتم هنا من أبناء المزارعين وستكونون كذلك في المستقبل والشتاء والليالي طويلة في المزرعة فالأولاد يرقدون في فراشهم والحيوانات في حظائرهم ولا شيء يشغلكم في الليل فكيف بقضاء الوقت النافع وقد كان الزارع في القديم يحيك كزوجته جوارب وغيرها وقد أهملت هذه العادة. وقيل لي أن عادة قضاء السهرات والزيارات بين الجيران قد بطلت أيضاً. دقاق الساعة يروح ويجيء في السكون فكأنه يعيد الحياة قطرةً قطرة ويقول عند كل دقة ها قد سقطت نقطة أخرى والمرء من وراء ذلك يكتئب ويمل. ولكل حرفة ساعات من الملل تشبه هذه.
افزعوا إذا انقطعتم عن العمل لتلاوة كتاب واقرأوا بصوت جهوري وكرروا ما تقرأونه فقد كان خالي في هذه القرية عشاباً فلاحاً وهو يتلوا قصص لافونتين آونة فراغه لم يبق عَلَى غيرها من كتبه المدرسية فكان يتلوها بتدبر في خلواته وجلواته بصوت عال وبأدبها تأدب وبحكمتها قضى حياة طيبة أوقات الفراغ فدفعت عنه الملل.
أما أنتم فعصركم عصر لا يجوز فيه اللغو فقد طويت المساوف في الأرض وكانت من قبل واسعة الأطراف بحيث تكفي المرء الآن بضعة أسابيع ليطوفها وبعض الثواني لنبعث بفكرنا بل بصوتنا إلى أبعد ألوف من الكيلومترات وقد قربنا من السماء والنجوم قريبة من مجهر الراصد والتبحر بما فيها من الأودية والجبال المرسومة عَلَى خارطة كأنها تشير وتنادي ببحاثة يبحث فيها. وقرب ما بين القطبين الشمالي والجنوبي وأرباب الرحلات اقتربوا منها والجبال قد خرقت وجعلت في بطونها الأنفاق والطيارات تحوم من فوق قممها والثلوج ترى عليها م فرقها إلى قدمها والترع تحيط بالأرض وقد فتحت والصحاري بعدت إلا بالحديد الذي يخرقها وهاهم يخططون الآن سكة حديدية بين المحيط الأتلانتيكي والبحر الهندي والبحر الرومي والبحر الجنوبي. وممالك أوربا القديمة تنشئ ممالك في القارة السوداء وسيكون من هذا الاختلاط أجناس جديدة وأمم لا يعلم مستقبلها كما لم يكن يعلم مستقبل أوربا منذ خمسة آلاف سنة حكماء مصر ولا بلاد كنعان. لم تكن أوربا في عصر من العصور أعمل منها الآن أخذت شعوبها تتحاب وما قط أحب أحد وطنه حبه له الآن والحروب وإن يوم انتشبت فسيأتي يوم تقدس كل الأمم معبد الهاي أو قصر السلام الذي يؤمل دعاته أن تثبت كلمتهم في الشعوب فتبطل الحروب.
الأمم تطمع في الحرية أكثر من قبل وبهاء التيجان قد اصفر وفي كل مكان انتشر الفكر الديمقراطي واضطر الحكومات إلى العناية بكل ما يجعل الحياة موطدة الأركان. والعلم لا يزال يرتقي في المكاتب والمعامل الكيماوية والصناعية وفي كل يوم خبر عظيم. أول أمس بلغنا أن يابانياً من تلامذة باستور اكتشف في معمل كيماوي في أميركا ميكروب الكلب وأمس وصل علم الطيارات في الهواء إلى ما وصل فماذا تعلم غداً.
ولذا أوصيكم ألا تبقوا منعزلين عن هذه الحركة وجاهلين بزمانكم وبلادكم أي أناس بدون تاريخ ولا وطن. إنكم بذلك تنحطون ولا يكون لكم ما تفاخرون به فعليكم أن تتعلموا بكل الطرق: بإطالة المكث في المدرسة، بالقراءة، بإطالة الروية في تجارب الحياة. تقومون اليوم بشيءٍ وغداً بآخر عَلَى التدريج تزداد معلوماتكم وتنسق في رءوسكم وتنشأ مادتكم من الأفكار والعواطف فتعرفون زمانكم وتحسنون كيف تعيشون. وأختم كلامي بتوصيتكم باقتناء لوح خشب تضعون عليه كتبكم وأعدكم بأني أعطي لوحاً لمن يطلبه مني وهو مدهون وملمع أيضاً. اهـ.
المرأة القديمة
حاضر المسيو بنلفه من أعضاء مجمع العلوم في باريز نادي الطلاب في تلك العاصمة فيما كان للمرأة في القديم من التأثير العقلي والأدبي ومما قاله: إننا نتخيل بأننا نتهور ونبتدع شيئاً جديداً لأننا نفتح السبل أمام المرأة والفتاة اليوم للتوافر عَلَى دراسة العلوم والآداب والصناعات العقلية وهذا وهم لا حقيقة وذلك لأننا نحن أخلاف الرومان مباشرة أولئك الذين رزقوا عقولاً لا تحب الحقيقة المجردة وفيها من المتانة شيءٌ كثيرٌ ولكنها قصيرة قصر سيوفهم نخدع بجسارة مجتمعنا الحاضر ونظن أننا أتينا أمراً فرياً. ولكل إذا رجعنا إلى الأمم التي كانت أعظم الشعوب في إشراك غيرها بثمرات الارتقاء البشري وكانت الموحدة الحقيقية للمدنية وأعمي بهم اليونان ومصر ولاسيما آشور يثبت معنا أن المرأة شاركت الرجل منذ العصور القديمة لا في الجمال فقط بل في البحث عن الحقيقة. والظاهر أن المرأة في تلك القرون التي كان فيها الرجال أقرب إلى الطبيعة بما خصت به من الإدراك هي الدليل البصير الفطري تقود الرجل في أبحاثه الطويلة المعقولة المدققة. ولقد تجلى تأثير النساء العرافات عند جميع الشعوب اليونانية الذين كانوا تلامذة كهنة بلاد آشور وكلدية. فقد كان الفيلسوف فيثاغورس ناشر تعاليم العلم الآشوري في يونان يحنو عَلَى امرأته تيانو الجميلة حنو حب وعبادة ومن فلسفته أن الرجل اختص بالعقل والقوة المنطقية والمرأة بالنظر العقلي فإذا كان الرجل في هذا العالم الغريب في أسراره مفكراً فإن المرأة ناشرة للأفكار.
وكان هذا الفكر الذي هو نتيجة الأزمان القديمة والمأثور عن كهنة الوثنيين والبابليين عَلَى الجملة جماع العلوم المأثورة عن البشر وهذا الفكر هو الذي تترجم عنه للجمهور أساطير اليونان ومصر وما كان للمرأة من الشأن في مواعظ الوحي الغريبة فكان النساء العذارى في غابة دودون المظلمة المختصات بعبادة المشتري هن اللائي يحسن التعبير عن اللغة السبيلية المنبعثة من البلوط المقدس وكان العذارى أيضاً في غابة سيكلوب عن عمد الكرنك يستقبلون حجاج المصريين الذين يسألون المولى تعالى. ولقد قام في دودون والكرنك عَلَى ما جاء في أساطير هيلاد ومصر فتاتان أُخذتا أسيرتين من مركب فينيقي وهما اللتان أنشأتا المعبدين وأصبحت كاهنتين وسماهما اليونان الرسولتين أي الناقلتين من بلاد القاصية الحقائق الجديدة.
الفلاح الغربي
يختلف التعليم في أوربا وأميركا باختلاف البلدان فتعليم البلاد التي تغلب فيها الصناعات غير تعليم الأقاليم الزراعية والكور التي يكثر بها التجار غير الكور الساحلية البحرية وتعليم بلاد الغابات غير تعليم بلاد البقول والزرع وأقاليم المعادن والمناجم غير تعليم الصيد البحري وهكذا يلقن أطفالهم التعليم الذي يناسبهم ويتعدى العلم قصور الأغنياء إلى أكواخ الفقراء ويشترك بالنور المدني والقروي وترتقي الأمة بمجموعها والبلاد بجملة أطرافها.
وبقد عرف الغربيون أن العمل الزراعي يشبه معملاً ومهماً تقلبت عليه العناية والتحسين لا يزال عبارة عن منزل ولا يصلح الفلاح إن لم يصلح تدبير البيت وبذلك يتأتى له أن ينتفع الانتفاع المطلوب من تربية الحيوان والألبان كما ينتفع فلاح الدانيمرك مثلاً فتقل موفيات الأطفال بانتشار المعارف الصحية وتقل السرقات والموبقات بتعليم الفلاحين جوهر الدين الصحيح وتتعلم الأم الفلاحة فتخرج الفلاحين الصالحين.
قالوا أن الغربيين أكثروا لفائدة الرجال من تأسيس المعاهد لتكميل الرجل الفلاح في صناعته ولم يكتفوا بالمدارس فقط بل عنيت به الجمعيات والنقابات وكثرت عليه المحاضرات والمسابقات والمعارض يرى فيها الأدوات وتحسينها وأنواع الزراعات ونموها وأن بعض بلدان الغرب اقتصرت من تعليم الفلاحين القدر الكافي من الدروس الابتدائية وحبستهن في قن الدجاج والمطبخ ومعمل اللبن يعملن ما خلقن له والفنة فلم تحصل لهن أنسة بالأساليب الزراعية الحديثة لينتفعوا عَلَى ما يجب من الألبان والبيوض والطيور.
رأت بعض الأمم أن المدارس الزراعية وغيرها لا تفيد الفائدة المطلوبة من إنارة عقول جميع أبناء القرى القاصية كما تنار عقول القرى الدانية فأنشأت مدارس مؤقتة سيارة تقيم في القرية بضعة أسابيع تعلم أهلها ما يلزمهم لتحسين حالهم وتقوم بعملات سريعة وإن كانت غير منتظمة قليلاً ولا تامة ولكنها نافعة في الجملة.
لسويسرا مدارس للخادمات ومدارس لإتقان تدبير المنزل ومدارس عالية لتعليم المعلمين والمعلمات في الفنون وأنشأوا في إيرلاندا وبولونيا وهنغاريا جمعيات نسائية وأنشأ النساء في القسم الفلامندي من بلجيكا أندية الفلاحات وهي عبارة عن مجتمعات ومدرسة للنساء والبنات معاً بل هي ضرب من الكليات الشعبية وفرع للإناث من مدرسة جامعة للعامة يعمى فيها بالتعليم الصناعي والأخلاق المحلية وهي لهن خير ملاجئ تؤويهن.
تكلم أحدهم في جريدة الطان عَلَى هذه الأندية فقال أن برنامج التعليم فيها يدهش بسعته وقد تبين مع هذا أنه أسفر عن نتيجة حسنة لما دل من الكلام عليها في المؤتمر الدولي الثالث الذي عقده القائمات بهذا الأمر من البلجيكيات من مدينة غاند فظهرت بالأرقام فائدة هذه الأندية التي بلغ عددها في تلك البلاد الصغيرة فقط 183 منتدى فيه من الداخلات 21. 406 نسوة وانتشرت الأندية في بولونيا والولايات المتحدة وغيرها انتشار الحانات من جديد في بلادنا. أما برنامج الدروس التي تعلمها الأندية للبنات والنساء فهي علم ولادة الأطفال وتربية أجسامهم وعلم التربية والتعليم وصحة البيت والاصطبل وقواعد التغذية المقوية الاقتصادية ومضار الألكحول والإسعافات الطبية المؤقتة للمرضى والجرحى ونظام القن وأصول عمل الجبن والسمن وتربية الطيور وتربية الأشجار وتربية النحل وتعهد المباقل وعلم عمل المربيات والحلاوى وعلم الحساب ومضار الاشتراء بالدين والخياطة وتفصيل الثياب والغسيل والكي واحترام التقاليد وطاعة مبادئ الخلاق الدينية.
وبالجملة يتعلمن دائرة معارف مختصرة سهلة يتعلمها بناتهم ونساؤهم في القرى لينجبون فلاحين صالحين ويتوفرن عَلَى حسن استثمار الثروة من الأراضي والحيوان ويعشن عيش المرفهات الطاهرات المقتصدات والنساء في بلجيكا هن اللائي أخذن عَلَى عاتقهن هذا الواجب مع القسيسين في أميركا يتولى ذلكلمبشرون والكهنة وكذلك في بولونيا.