مجلة المقتبس/العدد 81/مصير ومسير
مجلة المقتبس/العدد 81/مصير ومسير
كل فرد لغاية هو غاد ... لا يرى غيرها طريق السداد
باذلاً جهده وراء الأماني حثيثاً يسعى لها في الجهاد
غير أن الغايات مختلفات ... فهي بين الإصلاح والفساد
والذي ينظر في الدن ... يا بعيني بصيرة واتنتقاد
لا يرى غير طامع بجمع الما ... ل ويغنى وطامع بازدياد
فكأن الإنسان ما جاء إلا ... لمعاش ما بين ماءٍ وزادِ
قل لمن يجهل الحياة تفكر ... في مصير الاباء والأجداد
كيف كانوا واين صاروا واين الرسل وأين القرون من قبل عاد
أينَ أين المكلوك وأين الرعايا ... أين أين القواد والأجناد
أين أين البناة أين الباني ... أين من شيدوا كذات العماد
أين إسكندجر واين هرقل ... اين نمرود اين ذو الأوتاد
اين قارون اين فرعون موسى ... اين كسرى وقيصر ذو الآد
اين من كتبوا الكتاب للحر ... ب وصالوا بالمرهفات الحداد
اين من كانوا يحرضصون عَلَى الما ... ل ومن كان كعبة القصاد
هذه ذورتهم تجيبك عنهم ... لو يجيب الجماد صوت المنادي!
صرتهم كأس المنون لما ... يستفيقوا حتى أوان التنادي
وغدوا يحملون من بعد عرش الملك في موكب عَلَى الأعواد
وجفاهم إخوانهم وبنوهم ... وجميع الحجاب والقواد
واستقروا في ضيق اللحد يا سعد مقر السيوف في الأغماد
ووضعوا بالتراب بعد فراش ... من حديد مؤثر ووساد
جمعتهم دار المنون جميعاً ... وهم من قبائل وبلاد
فغدا الضد يألف الضد طوعاً ... وغريب تآلف الأضداد
ومليك الزمان منهم له الدو ... د نديم بعد الحسان الخراد
كل هذا وأنت تطغى وتغتر ... بدنيا مصيرها للنفاد!
أنت في كل حالة حيث صاروا ... صائر خلفهم بلا استعداد سعد أن الإنسان أصلحه الله ... ظلوم من ساعة الميلاد
ذو نفاق وذو جداع وذو ... مكر وذو شرة وذو استبداد
أيها المرء أنت اشرف مخلو ... ق عَلَى الأرض ذو حجى وقاد
أيها المرء أنت أحسن خلق الله خلقاً وأحسن الإحاد
لم يكن خلقك الذي جئت فيه ... عبثاً كالوحوش أو الجماد
بل لأمر بل أمور كثار ... أنت عنهن غافل في رقاد
طاعة الله رأسها فوق رب النا ... س رب الفناء رب العباد
مرسل الريح منشئ السب داحي ال ... أرض بل رافع الطباق الشداد
واحد ما له بكل شريك ... جل عن والد وعن أولاد
قربته الظنون من كل شيء ... نزهته العقول عن الأنداد
إنما الفضل لو علمت هو العلم ... وبذل الندى وبيض الأيادي
والنهي والإباء مع شمم الأنف ... وغوث اللهيف بالأنجاد
طلب المجد عزة النفس حسن الذكر نيل الفخار طول النجاد
سعة الخلق عفة الجيب نفع ال ... ناس طرداً من حاضر أو باد
سيرة العدل لهجة الصدق حفظ ال ... عهد حفظ الذمام صدق الوداد
أيها الغافل انتبه من رقاد ... إن ذاك العصر ليس عصر الرقاد
إن ذا العصر عصر رب المساعي ... إن ذا العصر عصر واري الزناد
إن ذا العصر عصر جذب ودفع ... عصر نيل العلا بطول السهاد
إن ذا العصر عصر نور وهدى ... عصر علم الحجى والسداد
عصر سبق ومفخر ورقي ... عصر سير البخار والمنطاد
ليت شعري متى تلين القلوب ... من اناس قست كصم الصلات
فيؤاسي الغني منهم أخا الفقير ويضحي الشحيح سمج الأيادي
ويعيش الفتى بأرغد عيش ... لا يرى عيشه خسة ونكاد
وتمر الأيام طراً عَلَى النا ... س يعدونها من الأعياد
ويصير الغني منهم نبيهاً ... عارفاً بالإصدار والإيراد ويعودون من قد دعي لأذاة ... حين يدعو كنافخ في الرماد
ثم تغدو ترعي مع الذئاب شاء ... وظباء النقا مع الأسياد
لست ادري وليتني كنت أدري ... أي يوم تزول فيه العواري
أي يوم يموت فيه غواة! ... قد تمادوا في ألغي أي تماد
كم أضلوا عن الهدى واستبدوا ... بالديانات أي استبداد!
كلما قلم مصلح ثم يدعو ... هم إليه رموه بالإلحاد
فمتى يا ترى يبدد شمل ... ذو اجتمع من عصبة الأوغاد
ومتى تسترد بغداد مجداً ... سالفاً لهفتي عَلَى بغداد!
يوم كانت في عصر ههرون تزهو ... مثل زهور الربيع بالأوراد
وتمر المياه منها فتستقي ... جنة بعد جنة في الوهاد
وتشد الرحال من كل فج ... لحمى ربعها ومن كل واد
كل ركب قد سار يقفوه ركب ... أمها من شواسع الأبعاد
فهي ملتقى الآمال نجح الأماني ... منجع الناس منهل الوراد
يا سواد العراق (بيضك) الجد ... ب فصرت البياض وسط السواد!
يا سواد العراق فيك كنوز ... يعلم الله ما لها من تفاد
يا سواد العراق أمجلك القو ... م وقد كنت روضة المرتاد
يا سواد العراق ابنك ذا اليو ... م من الضغط في ثياب حداد!
يا سواد العراق تبكيك عين ال ... شعر ذا اليوم عن سواد المداد!
يا سواد العراق شلت يمين ... ذات إثم دلت عليك الأعادي
ليتني كنت في الزمان إماماً ... شيمتي شيمة الكريم الجواد
وهماماً تهخشى لقاه كماة ال ... حرب في يوم معرك وجلاد
فأذيق الطغاة طعم المنايا ... وأكبد البغاة أهل العناد
وأبيد الخمول والجهل والظلم وجيش النفاق من بغداد
وأرى القتل والشهادة في دع ... وا غاي المنى وكل مراد
حبذا الموت في سبيل المعالي ... والمنايا في خدمتى لبلادي إن خير القريض ما كان منه ... يطرب السامعين بالإنشاد
والذي نظمه يقص عَلَى القا ... رئ وعظاً يذيب صم الجمال
فهو طوراً ما بين أمر ونهي ... وطوراً بين حاد وهاد
وهو حيناً بين المآتم ناعٍ ... وأوانا بين العرائس شاد
خالي الذكر من أحاديث لبنى ... وسليمى وزينب وسعاد
سلس اللفظ والعبارة جزل ... معجز باهر كشعر زياد
إن هذا يا سعد غاية سؤلي ... إن هذا يا سعد جل اعتقادي
هو مقصودي الذي طول عمري ... أتمناه من صميم فؤاد
إن أكن مخطئاً فأنا ابن أنثى ... أو مصيباً فمن صحيح اجتهاد
بغداد كاظم الدجيلي