مجلة المقتبس/العدد 86/سجع العماد
مجلة المقتبس/العدد 86/سجع العماد
ذكر لنا احد الفضلاء بأننا حملنا على العماد الكاتب في الجزء عند كلامنا على سيرة صلاح الدين والاستطراد إلى تبجحه بنثره دون التوسع في حسناته في بلاغته وفصاحته وما كان كلامنا فيه إلا من قبيل الاستطراد وإلا فان سجع العماد مما سار مسير المثل في البلاد ولو كان البحث خاصا فيه وقصرنا في توفيته حقه لتم هذا الحكم من كل وجوهه. وها نحن أولاء نشفع ذاك النقد بنقل شذرات من سجعه البديع وأمامنا من كتبه الفتح القسي وزبدة النصر وهما من الكتب التي باكر المستشرقون إلى تمثيلها بالطبع منذ زمن للاستفادة من مضامينهما العماد الكاتب الاصبهاني أبو عبد الله محمد بن صفي الدين المعروف بابن أخي العزيز من طلبة المدرسة النظامية في بغداد ولما تخرج ومهر تعلق بالوزير ابن هبيرة ببغداد غزلاه النظر بالبصرة ثم بواسطة فلما توفي تشتت شمل إتباعه ومنهم العماد الذي أقم مدة. كما روى ابن خالكان في عيش منكد وجفن مسهد ثم انتقل إلى دمشق سنة 563 فاتصل بصاحبها نور الدين محمود بن زنكي وبصلاح الدين يوسف بن
أيوب وأهل لكتابة الإنشاء قال العماد: فبقيت متحيرا في الدخول فيما ليس من شأني ولا وظيفتي ولا تقدمت لي به دراية ولقد كانت مواد هذه الصناعة (أي الإنشاء) عتيدة عنده لكنه لم يكن قد مارسها فجبن عنها في الابتداء فلما باشرها هانت عليه وأجاد فيها واتى فيها بالغرائب وكان ينشئ الرسائل
بالعجمية أيضا وبعد وفاة نور الدين اتصل بصلاح الدين فنظمه في سلك جماعته واستكتبه واعتمد عليه فصار من جملة الصدور المعدودين والأماثل المشهورين يضاهي الوزراء ويجري في مضمارهم وكان القاضي الفاضل هو الواسطة في ذلك بينه وبين صلاح الدين وقال أنا لا يمكنني الملازمة الدائمة في كل سفرة وغدا يكاتبك ملوك الأعاجم ولا تستغني في الملك عن عقد الملطفات وحل التراجم والعماد يفي بذلك ولك اختاره وقد عرف في الدولة النورية مقداره واخذ للعماد خط السلطان بما قرره له من شغل. وكان القاضي الفاضل في أكثر أوقاته ينقطع عن خدمة السلطان ويتوفر على مصالح الديار المصرية والعماد ملازم للباب بشام وغيره وهو صاحب السر المكتوم.
قال صاحب وفيات الأعيان وصنف العماد والتصانيف الفائقة من ذلك كتاب جريدة القصر وجريدة العصر جعله ذيلا على زينة دمية الدهر تأليف الخطيري الذي جعل كتابه ذي على دمية القصر للباخرزي والباخرزي جعل كتابه ذيلا على يتيمة الدهر للثعالب وهذا جعل كتابه ذيلا على كتاب البارع لهرون بن علي المنجم وكتاب العماد في عشر مجلدات وصنف كتاب البرق الشامي في سبع مجلدات وكتاب الفتح القسي في مجلدين وكتاب السيل على الذيل جعله ذيلا على الذيل لابن السمعاني وصنف كتاب نصرة الفترة وعصرة القطرة في أخبار الدولة السلجوقية وله ديوان رسائل وديوان شعر في أربع مجلدات ونفسه في قصائده طويل وله ديوان صغير جميعه دونيت وكان بينه وبين القاضي الفاضل مكاتبات ومحاضرات لطاف. توفي سنة 597بدمشق. وسجع العماد الكاتب وان كتب إليه الوزير ضياء الدين بن الأثير صاحب المثل الثائر: وكيف لا يكون ذلك وقلمها هو يراع الذي نفثت الفصاحة في روعة وكمنت الشجاعة بين ضلوعه فإذا قال أراك كيف تنسق الفرائد في الأجياد وإن قال ذلك فهو كلام الأخ لأخيه والسجع كان من مألوفات تلك الأيام وابن الأثير كان مسجع أيضا فن كلام العماد لا يخلو من تخلف مهما تمثلنا قال القلشندي في صبح الأعشى فيما يكون حسن السجع وقبحه: منها إن يكون السجع بريء امن التكلف خاليا من التعسف محمولا على مايأتعي به الطبع وتبديه الغريزة ويكون اللفظ فيه تابعا للمعنى بان يقتصر من اللفظ بما يحتاج إليه في المعنى دون الإتيان بزيادة أو نقص بسبب السجع دون المعنى خرج السجع عن حيز الذم ومنها إن تكون الألفاظ المسجوعة حلوة حادة لا غثة ولا باردة مونقة المعنى حسنة التركيب غير قاصرة على صورة السجع الذي هو تواطؤ الفقر فيكون كمن نقش أثوابا من الكرفس أو نظم عقدا من الحرز الملون: قال في المثل الثائر وهذا مقام نزل عنه الأقدام ولايستطيء إلا الواحد من أرباب هذا الفن بعد الواحد قال ومن اجل ذلك كان أربابه قليلا ولولا ذلك كان كل أديب سجاعا إذا ما منهم من احد إلا وقد يتيسر عليه تأليف ألفاظ مسجوعة في الجملة. وها قد إن أوان نقل فصول من كلام العماد بيانا لمنزلته في النثر وتجليه في حلبة البيان قال في مقدمة الفتح القسي: هذا كتاب أسهمت فيه بين الأدباء الذين يتطلعون اللي الغرر المتجلية وبين المستخبرين الذين يستشرفون إلى السير المتحلية. يأخذ الفريقان منه على قدر القرائح والعقول. . . ويكون حظ المستخبر أن يسمع والأديب إن يقول. فان فيه من الألفاظ ما صار معدنا من معادن الجواهر التي نولدها (انظر إلى هذه الدعوى التي لا تفوقها إلا دعوى الوزير ابن الأثير صاحب المثل السائر) ومن غرائب الوقائع ما صار به لسانا من السنة العجائب التي نوردها وإنما بدأت بالتاريخ به لاستقبال سنة ثلث وثمانين وخمسمائة لان التواريخ معادها إما إن تكون مستحقة من بدء نشأة البشر الأولى راما مستحقة بمعقب من الدول الأخرى فلا امة من الأمم ذوات الملل. وذوات الدول. إلا ولهم تاريخ يرجعون إليه. ويعولون عليه. ينقله خلفها عن سلفها وحاضرها عن غابرها تقيد به شوارد الأيام وتنصب به معالم الأعلام ولولا ذلك لانقطعت الوصل وجهلت الدول ومات في أيام ذكر الأول. ولم يعلم الناس أنهم لعلاقة الثرى. وأنهم نطف في ظلمات الأصلاب طويلة الثرى. وان أعمارهم مبتداه من العهد الذي تقادم لأدم وقد اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم أراده من ظهورهم. فليعلم المرء قبل انقضاء عمره وقبل نزول قبره ما استبعده أهل الطي من حقيقة الشر. وتقبل في واحدة من الأطوار شهادة عشر. فقد قطع عمرا بعد عمر. وسار دهرا بعد دهر. وثوى والشر في ألف قبر. وإنما كان من الظهور في ليل إلى إن وصل من العيون إلى فجر ولولا التاريخ لضاعت مساعي أهل السياسات الفاضلة. ولم تكن المدائح بينهم وبين المذام هي الفاضلة. ولقد الاعتبار بمسالة العواقب وعقوبتها. وجهل ما وراء صعوبة الأيام من سهولتها وما وراء سهولتها من صعوباتها فأرخ بنو ادم بيومه. وكان أول من اشترى الموت نفسه وقاع النزع مقام سومه. ثم أرخ الأولون بالطوفان الذي بلل الأرض وأغرقها ثم بالعام الذي بلبل الألسن وفرقها وأرخت الفرس أربعة فإليه ترجع الفرس تواريخ لأربع طبقات من ملوكها أولهم كلشاه ومعنى هذا الاسم ملك الطين فإليه ترجع الفرس بأنسابها وعليه ينسق عقد حسابها وهي الآن تؤرخ بيزجرد أخر ملوكها وهو الذي بزه الإسلام تاج إيوانه وأطفئ نور الله بيت نيرانه وأرخ اليونان من فيلبس أبي لاسكندر والى قلوبطرة أخرهم وهؤلاء المسمون بالحفاء وهم الصابئون وأرخ اليهود بأنبيائهم وخلفائهم وبعمارة البيت المقدس وبخرابه على ما اقتضاه نقل أوائلهم وآبائهم وكانت العرب قبل ظهور الإسلام تؤرخ بتواريخ كثيرة فكانت حمير تؤرخ بالتابعة ممن يلقب يذو ويسمى بفيل وكانت غسان تؤرخ بعام السد حين أرسل الله عرم السيل وأرخت العرب اليمانية بظهور الحبشة على اليمن ثم بغلبة الفرس عليه وأرخت معه بغلبة جرهم للعماليق وإخراجهم عن الحرم ثم أرخو بعام الفساد وهو عام وقع فيه بين قبائل العرب تنازع في الديار فنقلوا منها وافترقوا عنها ثم أرخوا بحرب بكر وتغلب ابني وائل وهي حرب البسوس وثم أرخوا بحرب عبس وذبيان ابني بغيض وهي حرب داس والغبراء وكانت قبل المبعث بستين سنة ثم أرخوا بعام الخنان قال النابغة الذبياني:
فمن بك سائلا عني فإني ... من الفتيان في عام الخنان
وأرخوا بعدة من مشاهير أيامهم وأعوامهم بعام المخانق وعام النائب ويوم ذي قار وبحرب الفجار وهي أربع حروب ذكرها المؤرخون وأسندها الراوون وأدنى ما أرخوا به قبل الإسلام بحلف الفضول منصرف قريش من الفجار الرابع وبحلف المطيبين وهو قبل حلف الفضول ثم بعام الفيل وهو الجار ذو القربى لتاريخ الإسلام وخرجت إمام الجمعة فطويت الصحف وجفت الأقلام واظهر الله على الأديان الدين القيم ونسخ تاريخ الهجرة كل تاريخ متقدم.
وقال في مفتتح فصل في ذكر ما جرت عليه حال الفرنجة في خروجهم من القدس وشرع الإفرنج في بيع الأمتعة واستخراج ذخائرهم المودعة وباعوا بالمجان في سوق الهوان وتقاعد الناس بهم فابتاعوا بأرخص الإثمان وباعوا بأقل من دينار كل ما يساوي أكثر من عشرة. وجدوا في ضم الذهبيات والفضيات من الأواني والقناديل والحريريات والمذهبات من الستور والمناديل ونقضوا من الكنائس الكمائن واستخرجوا من الخزائن والدفائن وجمع البطرك الكبير كل ما كان على القبر من صفائح التبر ومصوغات العسجد ومصنوعات اللجين وجميع ما كان في قمامة من الجنسين والنسيجين فقلت للسلطان هذه أموال الكنائس والأديار فلا تتركها في أيدي هؤلاء الفجار فقال إذا تأولنا عليهم نسبونا إلى القدر وهم جاهلون بسر هذا الأمر فنحن نجريهم على ظاهر الأمان ولا نتركهم يرمون أهل الإيمان بنكث الإيمان بل يتحدثون بما أفضناه من الإحسان فتركوا ما ثقل وحملوا ما عز وخف وتفضوا من تراب تراثهم وقمامة قمامتهم الكف وانتقل معظمهم إلى صور وكتفوا بالديجور الديجور وبقي منهم زهاء خمسة عشر ألفا امتنعوا عن مشروع الحق فاختصوا بمشروط الرق فإما الرجال وكانوا سبعة ألاف فأنهم ألفوا ذلا لم يكونوا آه بآلاف فاقتسمتهم أيدي سبا وتفرق الغانمون بجمعهم في الزهاد والربا وأحصيت النساء والصبيان ثمانية ألاف نسمة عادت بيننا مقتسمة وأصبحت ببكائها وجوه الدولة مبتسمة.
وأنت ترى انه لو رفعت بعض الأسجاع من هذا الفصل البادي التكلف عليه لأصبحت عبارة العماد من السهل الممتنع ولكنه تشبث بأذيال هذه الصناعة واثر التصنيع الصعب المنقادة على الطبع السلس. وقال من فصل أخر وسار السلطان ومعه عماد الدين زنكي وسيفه بصقله يضحك وبدم الكفر يبكي ومظفر الدين كوكبوري وهو الذي حين يواري صارمة في نجيع العدى لزند الظفر يوري وصحبه من فرسان العرب كل فارس معرب ومن شجعان الأكراد كل فاتك مخرب ومن فتاك الأتراك كل قصور قاصر ومن صيد الصناديد كل كسروي كاسر وكل كمي كميش واكديش على اكديش وقارح على قارح وخضم على سابح وجرى جار جارح وبهمة وبطل وجبل على جبل وفحل على فحل وذمر نكل وورد على ورد ومرد على جرد وحلس على حلبس وباشر بالموت معبس واهيس اليس واحمى أحمس ووغشمشم همام وأيهم مقدام وباسل ذي باس وعاسل عاس ورئبال على رئبال ومشتمل على شمال وبحر على بحر وصقر على صقر وركبوا سلالهم وجنبوا جنائنهم وجروا على الساحل سيولا وجروا بالذوابل ذيولا وطارابليس طرابلس بخوا في الخوف ودام الجوى في رعب أهلها بدم الجوف وما سار إلا من خف في نهضته ونهض بخفته وأحسن حصن الأكراد بالا كدار وصفت على صافيتا بوارق البوار وقطع عرق عرقا وعقرت وتعرت العريمة وتعرقت ومزعت تلك الأعمال ومزقت وأرهقت وأزهقت ونفرت أنفارها وبقرت أبقارها وملئت بالدوائر ديارها وسيقت مواشيها وحشيت بالنيران أوساطها وحواشيها.
وفي كتاب الفتح القسي فصول اشد إيغالا من هذا التكلف الذي اقتبسنا نموذجا منه للتعريف بأسلوب هذا الكاتب وله أيضا في زبدة النصرة ونخبة العصر الذي اختصره الفتح البندري ونشه الأستاذ هو تسما الهولندي المستشرق الشهير لأول مرة في الغرب قال في بداية حال السلجوقية وهم أتراك كانت السلجوقية ذوي وعدد وأيد ويد لا يدينون لأحد ولا يدنون من بلد وميكائيل بن سلجق زعيمهم المبجل وعظيمهم المفضل وقد سكنوا من إعمال بخارا موضعاً يقال له نور بخارا وما زالوا في انصر شيعة وأنضر عيشة وهم في الرعي يكلئون الكلأ وفي الريع يملئون الملأ لا يذعر داعر ولا يردعهم رادع والسلاطين يرعونهم للملمات ولا يرعونهم ويدعونهم للمهمات ولا يدعونهم حتى عبر عب السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين إلى بخارا المساعدة قدر خان فرأى مكيال مكيائيل بحصا الحصافة معيرا وصاع مصاعه بباسل البسالة موفرا فرغب في استغرابه وانجذب إلى اجتذابه وأراد إن يعبر إلى خراسان به وبأهله ويكنف أكنافها الذي الحفظ والحفيظة بنبله ونبله وامتنع ميكائيل عليه ومال عنه ولم يمل إليه فغاظ السلطان تمنعه فقبضه واعتقله وعبر به وبأصحابه إلى خراسان ونقله وقال له ارسلان الحاجب أني أرى في أعين هؤلاء عين الهول وأنهم لمعروفون بالجرأة والقوة والحول والرأي عندي إن تقطع إبهام كل من تعبره منهم ليؤمن ضره ولا يخاف شره فما قبل خطابه في هذا الخطب وقال له انك لقاسي القلب فلما أقاموا في خراسان تقربوا إلى عميدها أبي سهل احمد بن الحسن الحمدوني وأهدوا إليه ثلثه أفراس مختلية وسبعة أجمال بخطية وثلاثمائة رأس غنم تركية وهداه إقبالهم إلى قبول الهدية وكانوا سألوه إن بمرجهم في المروج ويسد بمواشيهم محارم تلك الفروج فعين لهم مروج دندلقان فقاربها وما قاربها وتحاكماها من عداهم وجانبها وتوفي محمود بن سبكتكين وهو كاره لأمرهم مثفق من وميض جمرهم مستشف ستر القضاء في قضية شرهم وجد أبو سهل الصعب فيهم سهلا. واتخذهم لارتفاقه بهم صحبا وأهلا ونفذ مسعود بن محمود بن سبكتكين عسكرا من غزة إلى خراسان فواقعهم وقتل منهم عدة واسر منهم جماعة حملهم إلى غزة منهم يبغوا إلى خراسان فاستعطفوه فلم يعطف واستسعفوه فلم يسعف ولما غلق رهنهم وتوثق شربوا كاس اليأس وأبدلوا إيناس الناس بايحاش الحاشية ومشى شحنة طاس لاستياق ما لهم من ماشية واستلان خشونتهم واستسهل صعوبتهم ولما ظن انه أب بالغنم والغنيمة وباء بعز العزيمة ركبوا إليه صهوات الخنق وصرفوا نحوه أعنة الخيبة والعنق حتى لقوه فتركوه لقي وتبعوا المنهزمين ودخلوا إلى طاس فملكوها وجاسوا خلال ديارها وسلكوها وتشاوروا في ما بينهم وقالوا هذا بحر خضناه وفتح ابتكرتاه وطاس مدينتنا التي تؤوينا وحصننا الذي يحمينا فلا نفرج عنها ولا نخرج منها وشرع أبو سهل الحمدوني في إدراك ما فرط واستمساك ما اخبط وكادوا يجيبونه بالجميل ويحملون في الجواب ويميلون بما لأته إلى صوب الصواب فتسرع شحنة نيسابور وتعسر وجند وعسكر وشن على سرحهم غارة على غارة ونهض لمنفعة نهضت بمضرة فركبت السلجوقية إليه والى جماعته إرسالا ونبشوا معهم وشبوا قتالا وهزموهم وكسروهم وقتلوهم وأسروهم وامتدوا إلى نيسابور فدخلوها ووجدوا في خلوها فرصة فاهتبلوها وذلك في شهر رمضان سنة 429 وعزموا على مد يد ونهب البلد فمنعهم طغرليك محمد بن ميكائيل بن سلجق وهو أميرهم وكبيرهم وقال لهم نحن في شهر حرام لأنهتك عصمته ولا يحصل من النهب ارب وإنما يسوئنه السمعة ويشيع الشنعة فنفرت جماعته من مقاله وسخفوا رأيه في تبيين حرام الفعل وحلاله.
إلى إن قال واستولوا على خراسان وتجاوزوها إلى العراق وطارا على ملك الديلى ورموه بالصليم وغلوا الأملاك وبلغوا الأفلاك واقتسموا البلاد وطرفوا إطرافها والبلاد قال وهذه السنة (437) هي أول سنة ورد فيها الأتراك (السلجوقيين) إلى العراق وانتشروا منها في الأفاق ثم قال وأجفل الملوك من خوف إقدامهم وتنحوا من طريق ضرامهم فما جاؤوا إلى بلدة إلا ملكوا مالكها وملئوا مسالكها وأرعبوا ساكنيها واسكنوها الرعب وغلبوا ولاتها وولوها القلب وازوروا إلى الزوراء وأشاعوا مد اليد بالغارة الشعواء وقال في ظهور الإسماعيلية فنابت نوائب وظهرت العجائب وفارق الجمهور بيننا جماعة نشئوا على طباعنا وكالوا بصاعنا وكانوا معنا في المكتب واخذوا حظا وافرا من الفقه والأدب وكان منهم رجل من أهل الري وساح في العالم وكانت صناعته الكتابة فخفي أمره حتى ظهر وقام فأقام من الفتنة كل قيامه واستولى في مدة فريبة على حصون وقلاع منيعة وبدأ من القتل والفتك بأمور شنيعة وخفيت عن الناس أحوالهم ودامت حتى استتب على استتبا بسبب لن لم يكن للدولة أصحاب أخبار وكان الرسم في أيام الديلم ومن قبلهم الملوك أنهم لم يخلوا جانبا من صاحب خبر وبريد فلم تخف عنهم أخبار الأقاصي والداني وحال الطائع والعاصي حتى ولي في الدولة السلجوقية ألب ارسلان محمد بن داود ففاوضه نظام الملك في هذا الأمر فأجابه انه لا حاجة بنا إلى صاحب خبر فان الدنيا لا تخلو كل بلد فيها من أصدقاء لنا وأعداء فإذا نقل إلينا صاحب الخبر وكان له غرض اخرج الصديق في صورة العدو والعدو في صورة الصديق فاسقط السلطان هذا الرسم لأجل ما وقع لهم من الوهم فلم يشعر إلا بظهور القوم وقد استحكمت قواعدهم واستوثقت معاقدتهم وأخافوا السبل وأجالوا على الأكابر الأجل وكان الواحد منهم يهجم على كثير وهو يعلم انه يقتل فيقتله غيلة ولم يجد احد الملوك في حفظ نفسه منهم حيلة فصار الناس فيهم فريقين فمنهم من جاهرهم بالعداوة والمقارعة ومنهم من عاهدهم على المسالمة والموادعة فمن عاداهم خاف من فتكهم ومن سالمهم نسب إلى شركهم في شركهم وكان الناس منهم على خطر عظيم من الجهتين فأول ما بدؤوا بقتل نظام الملك ثم اتسع الخرق وتفاقم الفتق ولما أكنوا تجمعوا من كل صنف تطق إلى جميع أصناف الناس التهم ودب البري السقم وتوفرت على التوفي الهمم.
هذه هي انموذجات من سجع العماد ولعل في ذلك فائدة لمن يحب هذه الطريقة ولكنها صعبة لا تنتج في هذا العصر الذي أصبح فيه المعاني قبل المباني.