مجلة المقتبس/العدد 87/أخبار وأفكار
مجلة المقتبس/العدد 87/أخبار وأفكار
الموسيقى الأهلي
تألف في القاهرة معهد للموسيقا الأهلي من جماعة من الوطنيين والأجانب ورئاسة حسن باشا واصف من عيون أعيان القاهرة والغرض منه ترقية هذا الفن الشريف وقد جعله الجناب الخديوي تحت حمايته وخصه أمراء الأسرة الخديوية برعايتهم ومعونتهم.
الجنايات في مصر
بلغ عدد حوادث الجنايات في القطر المصري في العام الماضي 4096 حادثة مقابل 3784 في العام الذي قبله.
السفن الراسية في بيروت
بلغ مجموع السفن البخارية والشراعية التي أرست في تغر بيروت سنة 1913 - 1024 سفينة بخارية منها 232 إنكليزية و171 أفرنسية و147روسية و141نمساوية و139طليانية ومحمولها كلها 1. 766. 541 وجاء الثغر 1826 سفينة شراعية محمولها 32. 873 طناً منها 1826سفينة عثمانية.
أكل الثوم
كان بعضهم يذهب إلى أن البلغاريين تطول أعمارهم لإكثارهم من تناول اللبن الرائب وقد ذهب أحد أطباء باريز اليوم إلى أن الإكثار من أكل الثوم مما يطيل الحياة فهو يحرض الناس على مزاولة أكل الثوم ويمدح الحساء المطيبة بالثوم ويعتقد بأن من يتناولها يعيش أكثر من ثمانين سنة ويخطئ من يقول بأن البلغاريين تطول باللبن أعمارهم وعلل ذلك لكثرة تناولهم في مآكلهم من الثوم.
الطلبة المصريون
ثبت بالإحصاء أن مجموع الطلبة المصريين الذين يطلبون العلم في أوربا على نفقاتهم نحو 614 منهم 373 طالباً في بلاد الإنكليز و139في فرنس و64 في سويسرا منهم من يتعلم الحقوق ومنهم الاقتصاد السياسي ومنهم الطب ومنهم الآداب ومنهم الهندسة ومنهم الزراعة ومنهم التجارة ومنهم الفنون الجميلة ومنهم غير ذلك.
أهل الإسلام
ذكرت مجلة العالم الإسلامي التي تصدر في لندن أن في الدنيا كلها 201. 296. 696 مسلماً منهم 156690110 في آسيا و42. 039. 349 في إفريقية و2. 373. 676 في أوربا و173. 61 في أميركا الشمالية والجنوبية و19. 500 في أوستراليا والجزر التابعة لها. وإن 167093. 891 منهم تحكمهم حكومات مسيحية والباقون وعددهم 34. 192. 805 لا يزالون يتمتعون باستقلالهم.
حفلة تكريم
أقيمت في مصر ليل 4 حزيران 1914 (11رجب سنة 1323) حفلة في أوتل شبرد لتكريم واصف بك غلي صاحب المحاضر المنشورة في هذا الجزء لنقله إلى الغرب مزايا العرب وآدابهم ووقوفه موقف الدفاع عنهم وهو ابن بطرس باشا غلالي أحد رؤساء النظار السابقين ومن كبار رجال النهضة القبطية فاحتفل به جمهور كبير من عظماء مصر وعلمائها وأدبائها ورجال صحفها وسياستها وعددهم107 فانتدب الجناب الخديوي عنه عثمان باشا مرتضى رئيس ديوانه وجعلت الحفلة برئاسة إسماعيل باشا صبري ولما تناولا الطعام هنيئاً طابت نفوسهم إلى الكلام فافتتح الكلام إسماعيل صبري باشا بأبيات قال في مطلعها
أي صوت حيته بالأم ... س باريس مقر العلوم والعلماء
من ترى ذلك الذي جملته ... حكمة الشيب في ربيع الفتاء
ذلك الأسمر الذي به البي ... ض مطلاً من منبر الخطباء
وأما اللثام عن أدب العر ... ب كرام الآباء والأبناء
إلى أن قال
أيه ياابن الأمجاد قمت بأعبا ... ءٍ كبار والمجد ذو أعباءِ
وأريت الأنام ذوي القر ... بى ورأي الكريم في الكرماء
وقال أحمد بك شوقي في قصيدة
إنما يقدر الكرام كريم ... ويقيم الرجال وزن الرجال
وإذا عظم البلاد بهوها ... أنزلتهم منازل الإجلال توجت هامهم كما توجوها ... بكريم من الثناء وغال
إنما (واصف) يناء من الأخ ... لاق في دولة المشارق عال
ونجيب مهذب من نجيب ... هذبته تجارب الأحوال
وأهب المال والشباب لما ين ... فع لا للهوى ولا للضلال
ومذيق العقول في الغرب مما ... عصر العرب في السنين الخوالي
في كتاب حوى المحاسن في الشع ... ر وأوعى جوائز الأمثال
من صفات كالعين صدقاً وسبتاً ... في أداء الوجوه والأشكال
نسيب تحاذر العيد منه ... شرك الحسن أو شباك الدلال
ونظام كأنه فلك اللي ... ل إذا لاح وهو بالزهر حال
وبيان كما تجلى على الرس ... ل تجلى على رعاة الضال
ما علمنا لغيرهم من لسان ... زال أهلوه وهو في إقبال
بليت هاشم وبادت نزار ... واللسان المبين ليس يبال
كلما هم مجده نزوال ... قام فحل فحال دون الزوال
يا بني مصر لم أقل أمة القب ... ط فهذا تشبث بمحال
واحتال على خيال من المج ... د ودعوى من العراض الطوال
إنما نحن مسلمين وقبطاً ... أمة وحدت على الأجيال
سبق النيل بالأبوة فينا ... فهو أصل وآدم الجد تال
نحن من طينة الكريم على الل ... هـ ومن مائة القراح الزلال
مر ما مر من قرون علينا ... رسفاً في القيود والأغلال
وانقضى الدهر بين زغردة الع ... س وحثوا التراب والأعوال
ما تحلى بكم يسوع ولا ك ... نا لطه وديمه بجمال
وتضاع البلاد بالنوم عنها ... وتضاع الأمور بالإهمال
يا شباب الديار مصر إليكم ... ولواء العرين بالأشبال
كلما روعت بشبه يأس ... جعلتكم معاقل الآمال
هيئوها لما يليق بمنف ... وكريم الآثار والأطلال وانهضوا نهضة الشعوب لدنيا ... وحياة كبيرة الأشغال
وإلى الله من مشى بصليب ... في يديه ومن مشى بهلال
وقال حافظ بك إبراهيم:
يا صاحب الروضة الغناء هجت ينا ... ذكر الأوائل من أهل وجيران
نشرت فضل كرام في مضاجعهم ... جرَّ الزمان عليهم ذيل نسيان
إني أحييك عنهم في جزيرتهم ... وفي العراق وفي مصر ولبنان
جلوت للغرب حسن الشرق في حلل ... بما يستهين بها نساج (هرنان)
ظنوك منهم وقد أنشأت تخبطهم ... بما عنا لك من سحر وتبيان
ما زلت تبرهنا طوراً وتبرهم ... حتى ادعاك محياك الفريقان
لولا اسمرارك فازوا في ادعائهم ... (بواصف) وخسرنا أي خسران
إلى أن قال:
أمسى كتابك كالسيما يعيد لهم ... مرأى الحوادث مرت منذ أزمان
قد شاهدوا فيه تحت النفع عنترة ... يصارع الموت عن عبس وذبيان
وشاهدوا أسداً يمشي إلى أسدٍ ... كلاهما غير هياب ولا وآني
هذا من العرب يلوي به فزع ... زذاك أروع من آساد خفان
لله در يراع أنت حامله ... لو كان في أنملي يوماً لأغناني
وقفت تدفع عن آدابنا تهماً ... كادت تقوض منها كل بنيان
فكنت أول مصري أقام لهم ... على نبالة مصر آلف برهان
ما زلت تلقي على أسماعهم حججاً ... في كل ناد وتأتيهم بسلطان
حتى أثنيت وما في الغرب مجتريء ... على البناء ولا زار على الباني
محوت ما كتبوا عنا بقاطعة ... من البراهين فلت قول (رينان)
انحنى على الأدب الشرقي مفترياً ... عليه ما شاء من زور وبهتان
ظن الحقيقة في الأشعار تنقصنا ... واللفظ والقصد والتصوير في آن
وإننا لم نصل فيها إلى مئة ... عداً وذاك لعي أو لنقصان
ولو رأى ابن جريح في قصائده ... لقال آمنت في سري وإعلاني مالي أفاخر بالموتى وبين يدي ... من شعر أحيائنا ما ليس بالفاني
في شعر شوقي وصبري ما نتيه به ... على نوابعهم دع شعر مطران
بوركت يا ابن الوزير الحر من رجل ... لم يختلف فيه أو في فضله اثنان
بلغ إذا جئت بايزاً أفاضلها ... عنا التحيات وأشفعها بشكران
وخص كاتبهم (جولاً) بأطيبها ... كيما نقابل إحساناً بإحسان
واجعل لسفرك ذبلاً في شواعرنا ... وقف لهن هناك الموقف الثاني
وقال أحمد أفندي نسم من قصيدة:
وحسب فضلك أن أعليت بينهمو ... قدر النساء باكبار وإجلال
حليتها بالعفاف المحض فابتدرت ... بالطهر غالية عن كل لآل
لو كان عندي كعوب جئت تمهرها ... لكان شفرك أقصى مهرها الغالي
أحييت فضل الألي بادت أوائلهم ... من مالكين زمام الدهر أفيال
قوم إذا سئلوا جادوا بباهرة ... من العوارف لم تخطر على بال
وإن همو حاربوا هشت نفوسهمو ... للحرب من كل كرار ونزال
حتى إذا نهضوا خافت بوادرهم ... كواسر الوحش من شبل ورئبال
وإن أحبوا فما في حبهم ريب ... تؤذي العفاف لغدار ومحتال
وإن هم انتسبوا في كل منقبة ... جاؤوا بكل كريم العم والخال
الصادعين على الأملاك بيضتهم ... من كل أروع بادي الكبر مختال
فجدد العهد واذكر أمة سلفت ... يا من فخرت بذكرى عصرها الخالي
عز القريض فمن لي بابن هانئه ... يطريك في حكم غر وأمثال
كنت الرسول إلى القوم الألى نكروا ... هذي المآثر عن سهو وإغفال
فكنت مثل يسوع في واقفه ... يهدي نفوس شعب عنه ضلال
نايين! حاسدة باريس مذ أخذت ... عندك النهى بين تكبير وإهلال
شفيت فيها جهالات مغشية ... على عقول أناس منذ أجيال
فالعمي مبصرة والصم سامعة ... والميت قام لما تلقيه من قال
وتكلم ويصا أفندي فما قال عن المحتفل به: أنه كتب ما كتبه كشاعر ليجب من يقرأ كتابه في اشعر العربي فاستعمل لغة الشعراء حتى لقد يخيل إلى القرئ أنه يقرأ شعراً لا نثراً. وفي الحقيقة فإن واصف بك ولد شاعراً فغرامه بالشعر العربي سيد الشعر كما يقول هو غرام فطري فعبر عنه بلغة هي لغة الآلهة كما يقول القدماء فكر كثيراً في الشكل الذي يصوغ فيه معنيه فأدهش من قرأها من الفرنسويين حتى أن كتابه ولو أنه حديث في آداب القوام فقد عنيت الجرائد الكبرى كلها بإنقاذه وتقريظه ثم دعي بعد فألقى محاضرات في الشعر العربي بأجمل ما قيل في اللغة الفرنسوية.
بين في مقدمة بليغة كيف أن الشعر كان شريفاً عند العرب فجعلوه ديوان علومهم وأخبارهم وتواريخهم وحكمهم وحياتهم اليومية كما فعل المصريون على جدران معابدهم وكيف كان ملكة مستحكمة فيهم حتى أنهم كانوا ينطقون به ارتجالاً فكانوا كلهم شعراء ثم سرد لذلك أسباباً عدة: منها شعور العربي وشدة تأثره وانفعالاته النفسانية واتساع مدى خياله. ومنها استيعابه اللغة العربية وما فيها من المترادفات العديدة فكان رؤساء العرب متنافسين في الشعر فرئيس القبيلة كان ناشدها وحامي ذمارها ينشد انتصاراتها ويهجوا أعداءها.
ثن بين مصادر الشعر وقسمها ستة أقسام أصلية وهي الغزل والحماسة والمدح والذم والوصف والحكم ثم بين كيف كان الشاعر ب \ يقصد المدح والافتخار بقومه ولم يكن ينتظر أجراً على ذلك. ولكن بعد الفتح الإسلامي جاء خلف لم يكن اللسان لسانهم وتعلموا الشعر صناعة ثم مدحوا أمراء العجم بأشعارهم طالبين أجراً فصار الغرض من الشعر الاستجداء فترفع أهل المراتب عنه وأصبح تعاطيه مذمة وكذلك الهجو فكان الشاعر يبيع أشعاره كالسلع لمن غالى في شرائها.
كل ذلك صاغه المحتفل به بلغة فصيحة شعرية فعند ما تكلم مثلاً على الغزل أمام السيدات الشريفات في الليسيوم الذي ترأسه الدوقة دوسين انظروا كيف وصف الحسناء العربية منتقياً ألفاظ الجمال من كتب العرب فترجمها بألفاظ شعرية من اللغة الفرنسوية حتى أني بعد ما قرأت هذا الوصف سألت نفسي هل هذه الحسناء لم تكن تمثالاً من المرمر صوره خيال الكاتب أو هل لم يصف أحد هذه التماثيل المعروضة في متحف اللوكسمبرج والتي لابد أن يكون قد وقع نظره عليها قبل إلقاء محاضراته.
ثم انظروا كيف وصف الحب عند العرب. قال إنه كان طاهراً نقياً بعيداً عن كل بهيمية وكانت المرأة محترمة مساوية للرجل وذكر من اشتهر من النساء في الحروب والشعر والآداب والطب والعلوم.
ذكر عمرة ابنة علقمة التي اشتهرت في واقعة واحد والخنساء التي حمدت ربها على استشهاد بنيها الأربعة يوم القادسية ورجت منه أن يجمعها معهم في مستقر رحمته وزينب التي مارست في الطب وجندب زوجة امرئ القيس وعائشة بنت طلحة وعمرة بنت هبل اللاتي سبقن مدام دي رمنوييه في جمع الشعراء والأدباء في بيوتهن للسمر والمحادثة في شؤون الآداب.
ثم بين ما امتاز به العرب من الصفات كالوفاء بالعهد أمثال حمظلة بن أبي عفرة وهو مشهور ومعروف والسموأل ثم احترام المرأة واحترام البنين لآبائهم والكرم وحب الانتقام الخ.
ولكن أحسن ما كتبه واصف بك هو ما كتبه عن حكم العرب فقال إن هذه الحكم هي نوع من الحماسة والفخر مصدرها الأنفة العربية فالشاعر العربي لا يفتخر فقط بأنه أشعر الشعراء وأشجع الفرسان وأكرم الكرماء بل يفتخر أيضاً بأنه أحكم الحكماء خاض معترك الحياة وذاق حلوها ومرها وعرف أسرارها فمن اتبع نصائحه اهتدى وهذه النصائح يهديها إلينا بلا مقابل كرماً منه فهو رجل كامل. ثم لخص بعد ذلك ما جاء في هذه الحكم فقال إن حكماء العرب يفكرون في الموت ويستهينون بالدنيا ويذكرون أنها ليست لحي وطناً فيجب اتخاذ صالح الأعمال فيها والاعتصام بالصبر والسكوت ذخيرة.
ومن قرأ هذه الحكم وأراد أن يقارنها بنوع من الفلسفة الحديثة لم يجد إلا الفلسفة المعروفة بال ولكن الشعر العربي له مزية خاصة إذ إنه يرفع هذه الحكم ويلبسها ثوباً من الظرف والجدة.
وقال أحمد حافظ بك عوض من خطبة.
أن آداب اللغات سواء كانت فطرية خالصة كما كانت آداب العرب في عهد البداوة أو مزر كشة عليها مسحة الصناعة والرشاقة كما كانت في أواخر المدينة العربية - هي مرآة صادقة تظهر فيها أخلاق الأمة وأطوارها ظهيراً لا سبيل فيه إلى المراء والمداراة وقد كانت الدرجة التي تصل إلها آداب اللغة في أمة من الأمم هي مقياس رقيها في درجات المدينة والكفاءة العقلية حتى ليصح أن يقال أن وحدة القياس للمدينة هي الآداب من شعر ونثر وحكمة.
وما على الباحث في تواريخ الأمم الغابرة إلا أن يكون لديه من سلامة الذوق ودقة النظر ما يمكنه من استجلاء صور هاتيك الأمم من قراءة الآداب. وأما التاريخ فهو بمعزل عن هذه الروح لأنه لا يؤدي إلى إلا إحصاء حوادث قد يقع مثلها في كل أمة وفي كل عصر. وربما أصدق التواريخ في وصف حالات الأمم النفسية والاجتماعية ما كان لمؤلفه يد في الأدب ومشاركة فيه ولهذا فإن كان مؤرخو العرب قد قصروا في الصناعة التاريخية فإنهم كانوا أدباء في تواريخهم، مؤرخين في أدبهم وبذلك أوقفونا على حالة الأمة العربية النفسية والأخلاقية وجعلونا كأننا نعيش معهم.
إن أوربا اليوم قد ألقيت إليها مقاليد السيادة في العالم فجلست على منصة الحكم بين الأمم. لا أقول الحكم بالاستعمار والتسلط فقط ولكن والحكم على رقي الأمم في مستوى المدينة والآداب أيضاً. فليس من سبيل إلى رفع مقدار أمة من الأمم الشرقية خاصة أو اللاأوربية بوجه عام في نظر الأمم أو الدول الأوربية أقرب وأشرف من رفع اللثام عن الحالة النفسية لتلك الأمة وعرضها كما هي مصورة في أشعارها وآدابها. وذلك ما صنعه واصف بك بين الأمة العربية والأمة الفرنسية بل والعالم الأوربي بأجمعه، ولهذا نحن نكرمه الليلة.
فواصف كان كالمحامي عنا خصه الله بموهبة المعرفة بلغة قضاتنا أمامهم غير هياب ولا وجل يناضل عنا بأفصح عبارات لغتهم ويشرح لهم ما لأمتنا من الآداب الراقية والحكم الرائقة حتى يحصرهم بفصاحته وحجته فحكموا لنا حكماً يفيدنا في مصالحنا الاجتماعية والأدبية بل والاقتصادية والسياسية.