مجلة المقتبس/العدد 94/بلاد العرب

مجلة المقتبس/العدد 94/بلاد العرب

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 11 - 1914



البلاد العربية على التحقيق هي كل شبه الجزيرة التي يحيط بها ألفرات وخليج فارس وخليج عمان شمالاً وشرقاً وجبال وروس والبحر المتوسط والبحر الأحمر شمالاً وغرباً والبحر الهندي فيما سوى ذلك بل ينبغي أن يضاف إليها معظم البلاد الواقعة بين نهري ألفرات ودجلة من عرض ماردين وديار بكر شمالاً إلى القرنة جنوباً فإن كل هذه البقعة كانت من أول فجر التاريخ إلى هذه الغاية يسكنها أقوام من الجنس السامي هم أقرب ما يكون إلى العرب والعادية العدنانية في أخلاقهم وعوايدهم ولغتهم فضلاً عن بنيتهم الجسمانية. وتشير التقاليد العربية على ما ذكر أشهر المؤرخين إلى أن العاديين في أقدم دولهم التي نزلت الأحقاف وحضرموت وبعدهم تمود هاجروا إلى الجنوب من العراق وما يجاوره.

والآثار دلت دلالة لا يختلف فيها أحد من العلماء الباحثين في العصر الحاضر على أن حمورابي الشهير كان عربياً والمتحقق أيضاً أن لغة بابل القديمة ولغة الآشوريين الذين شادوا فيما بين النهرين دولة من أعظم الدول القديمة كانت لغتهم عربية أو أقرب ما يكون إلى اللغة العربية العادية أو العدنانية المضرية. وإشباع البحث الآن في هذا الموضوع خارج عن مقصدنا وربما عدنا إليه في مقالة على حدة.

موضوع مقالتي الحاضرة هو بلاد العرب الأصلية الواقعة جنوبي خط موهوم يمتد من رأس خليج السويس إلى رأس خليج العجم بين البحر الأحمر غرباً والبحر الهندي جنوباً وشرقاً وخليج عمان وخليج فارس شرقاً وشمالاً. وحدودها واضحة كل الوضوح ليس في بلدان الدنيا ما هو أوضح منها إلا في جهتها الشمالية حيث يحدها الخط الموهوم كما أشرنا.

مساحة هذه البلاد

مساحة هذه البلاد بين مليون ومليون ومئتي ألف من الأميال المريعة ثلثها رمال دهناوية ونفودية (نسبة إلى دهناء ونفود) ومعظم هذه الرمال في الدهناء الكبيرة المعروفة بالربع الخالي بين اليمن وحضرموت وعمان وبلاد نجران إلى ما يصاقب قلعة بيشة غرباً وجنوباً وشرقاً وجنوبي شبه جزيرة قطر مما يلي عمان إلى واحة يبرين إلى الدواسر شمالاً ثم النفوذ الشمالي الكبير الذي يفصل بين صحراء سوريا شمالاً وبلاد شمر خيبر ومدائن صالح جنوباً.

وهناك رمال أخرى تفصل بين الحسا وهي كل البلاد الواقعة على الخليج ألفارسي من فاو تقريباً إلى شبه جزيرة قطر وبين نجد ثم الرمال التي تفصل شمر ونجداً عن العراق من مشد علي شمالاً إلى فاو جنوباً وهذا الثلث من الأرضين لا عمارة فيه أصلاً إنما ينزله الأعراب أو ينزلون أطرافه في الشتاء والربيع لرعاية أنعامهم وفي بعض هذا اثلث أحسن المراعي العربية في الزمن الذي أشرنا إليه.

والثلث الثاني صحار وحزون هي مراع للسائمة من الإبل والشاه وليس فيها عمران حضري إلا ما ندر حيث ثم بعض أعداد المياه. وأعداد المياه جمع عد وهو الماء الجاري لا ينقطع والقديم من الركايا.

وأما الثلث الثالث فأرض زرع وضرع لا ينفص في خصبه عن أخصب الأرضين في العراق وضفاف النيل في مصر والصعيد وفي هذا الثلث أغلب اليمن ومتصرفية عسير وقسم كبير من عمان ومعطم أودية حضرموت ونجد ولا سيما الفلج وأعراض اليمامة وواحات الحسا.

عدد السكان

يختلف الكتاب في تقدير عدد سكان هذه البلاد وحقهم أن يختلفوا لاتساع مساحتها وانفصال بعض أقسامها عن بعض وصعوبة الوصول إلى كل قسم من أقسامها أياً كان أما للحوائل الطبيعية أو لتنكر أهلها من غريب عنهم يجوس خلال ديارهم والذي رأيناه في مطالعتنا كلها لكتاب من الإنكليز. وهؤلاء لا يؤتمنون على الحقيقة في كل ما يتعلق بالبلاد العثمانية فإنهم منذ زمن بعيد لا يرون ولا يكتبون إلا ما يوافق سياستهم ومقاصدهم الخصوصية الخفية حتى في أمر كالذي نحن في صدده أي عدد السكان فأنهم يزيدون فيه أو ينقصون على ما يكون أمام غايتهم وقد رأيت لكاتب ورحالة منهم مشهور يعرف باسم كين مؤلفاً جغرافياً في مجلدين وفيه ما يقضي بالعجب فإنه يذكر في موضع من كتابه أن سكان هذه البلاد لا يزيدون عن خمسة ملايين في الأكثر ثم يذكر في موضع آخر أنهم يبلغون اثني عشر مليوناً وبين العددين تفاوت كبير. ولا أتصدى الآن لبيان الداعي الذي دعاه لذكر هذين العددين المختلفين اختلافاً بيناً من غير أن يظهر في كتابته أو في إشارة إلى أنه فطن إلى ما بينهما من التفاوت العظيم ولكبي أذكر ما ذكره عن المستر ولفرد بلنط الكاتب والسياسي الإيرلندي المشهور وهذا الرجل زار حائلاً مدينة ابن الرشيد وعاصمة بلاد شمر فقال كين عنه أنه (أي بلنط) تحقق أن موقع حائل بالنسبة إلى جبل أجا هو غير ما ذكره الجغرافيون وأهل العلم بتخطيط البلدان ومع علمه هذا لم يصلح الخطأ مخافة أن يقتنع العثمانيون من إصلاحه فيما إذا عرضت واقعة مهمة في المستقبل تقتضي معرفة موقعها الحقيقي. والظاهر من كتابته أنه لم ينكر عن بلنط ولا رأى فيما أتاه من إخفاء هذه الحقيقة لهذا الغرض ما يؤاخذ عليه. وأقوام هذه حالتهم وهكذا مقاصدهم ومتجه أفكارهم لا نلام فيما إذا كنا نشك في كل ما كتبوه ويكتبونه عن الحكومة العثمانية والبلاد العثمانية حتى عن عدد الأجناس المختلفة فيها ولا أظن أن كين يختلف عن بلنط من هذا القبيل فإنهما انكليزيان وكل انكليزي من غير طبقة الغوغاء يسابق صاحبه في خدمة مقاصد دولته وترويج سياسة الحكومة العليا في الخارج يكاد يفعل ذلك سليقة وبالبديهة وقائدهم في ذلك صحافتهم الداهية الخلابة والصخابة عند الإقتضاء.

والذي أرجحه في عدد سكان العربية أنهم يزيدون عن الإثني عشر مليوناً ف ن عمان بلاد واسعة خصبة جيدة الهواء قليلة الوبالة وأهلها يحسنون الزراعة ويشدون شيئاً من الصناعة الخاصة بهم والرائجة عندهم وفوق ذلك هم أهل تجارة واستعمار وفد كان معظم شرقي افريقية لهم بل امتددت سلطتهم وتجارتهم إلى قلب الكنغو وأواسط جنوبي إفريقية وما زالت كل بلاد زنجبار لهم إلى أن خالطوا البريطانين فعمل هؤلاء على التخفيف عنهم من ثقل مسؤوليتهم في افريقية ففصلوا هذه أولاً عن مركز السلطة في عمان ثم ما زالوا يخففون من مشاق العثمانيين وسلطان زنجبار في تلك الأصقاع ويتحملون هم تلك الأعباء الشاقة عنهم حتى لم يبقوا عليهم شيئاً من التعبئة يستحق الذكر فجزاهم الله عن أتعابهم جزاء يستحقونه!

بلاد كبلاد عمان بلاد زراعة وصناعة وتجارة واستعمار وتكاد تكون إلا في سواحلها أحسن بلاد في الدنيا طيب هواء وجمال مناظر وفوق ذلك لا تقل مساحتها عن خمسة وثمابين ألف ميل مربع أي مضاعف مساحة سورية من رأس خليج اسكندرون إلى العريش ولها بادية أيضاً هي ضعف بادية سورية مساحة على الأقل. بلاد هذه صفتها ما أظن ينقص عدد سكانها عن عدد سكان سورية وفي الراجح عندي أنهم لا يقلون عن أربعة ملايين.

ومن الغريب أن كين يقدر عدد سكان عمان في كتابه المطبوع سنة 1896 بمليون ونصف من النفوس ويقدر عدد سكان شمر والبحرين ونجد بثلاثة ملايين ونصف على أن بولفريف قدر في سنة 1862 إمارة ابن الرشيد وكل بلاد نجد بدواً وحضراً بمليون وسبعمئة ألف نفس وقدر سكان عمان بمليونين ومئتين وثمانين ألف نفس على التفصيل الآتي:

عدد نفوس إمارة ابن الرشيد الحضر

اسم البلاد عدد القرى عدد السكان

جبال شمر 4. 162،. . .

الجوف 12 4.،. . .

خيبر 8 2.،. . .

القصيم العليا 2. 35،. . .

تيماء 6 12،. . .

عدد البدو

شمر 8.،. . .

الشرارات 4.،. . .

الحويطات 2.،. . .

بنو عطية 6،. . .

معاز 4،. . .

طي 8،. . .

وحيدية 8،. . .

المجموع بدواً وحضراً أربع مئة وأربعون ألفاً تقريباً

عدد سكان إمارة نجد الوهابين من الحضر

اسم البلاد عدد القرى عدد النفوس

العارض 15 11.،. . .

اليمامة 32 14.،. . .

الحريق 5. 45،. . .

اسم البلاد عدد القرى عدد النفوس

أفلاج 12 12،. . .

وادي دواسر 5. 1. .،. . .

سليل 14 3.،. . .

الوشيم 2. 8.،. . .

سدير 25 14.،. . .

القصيم (السفلى) 6. 3. .،. . .

الحسا 5. 16.،. . .

القطيف 22 1. .،. . .

المجموع 316 1، 219،. . .

عدد البدو أو الأعراب

اسم القبيلة عدد الأنفس

العجمان 6،. . .

بنو هاجر 4، 5. .

بنو خالد 3،. . .

بنو مطير 6،. . .

بنو عطيبة 12،. . .

الدواسر 5،. . .

السباعة 3،. . .

قحطان 6،. . .

حرب 14،. . .

عنيزة 3،. . .

آل مرة 4،. . .

بطون متفرقة 1.،. . .

المجموع 76، 5. .

ومجموع البدو والحضر 1، 285، 5. .

فإذا أضفنا إلى هذا العدد نفوس إمارة ابن الرشيد أي أربعمئة وأربعين ألف نفس كان مجموع عدد السكان في شمر ونجد أي في إمارة ابن الرشيد وإمارة ابن سعود نحواً من مليون وسبعمئة وخمسة وخمسين ألفاً.

فلينظر ناظر إلى مقدار التفاوت بين تقدير الرجلين والذي أعتقده أن بولغريف زاد في عدد إمارة الرشيد بعض الزيادة ونقص من عدد ابن السعود لميله إلى الأول وكرهه الثاني.

وأما إمارة عمان فأرجح أيضاً أن بولغ ريف قدّر عدد سكانها بأقل مما هو حقيقة واعتمد في ذلك على بعضهم ممن كانو يعرفون الحكومة الإنكليزية في تلك البلاد أو على معرفته هو بالسليقة أو بالبداهة ثم جاء كين بعد ثلاثين سنة من أيام بولغريف وكانت المنازعات على عمان بدأت في شدتها بين الإنكليز والفرنساوين فقدر عدد تلك الامارة بما قدره تهويناً من أمرها على ألفرنساويين فيما أرجح وألا فلا يعقل أن تتراجع هذه البلاد على خصبها واستتاب الاظمن فيها إلى الوراء فيقل سكانها بعد مرور ثلاثين سنة نحواً من سبعمائة ألف أي ما يزيد على خمسة وثلاثين في المئة على حين كان يجب أن يكون العكس أن يزيد عدد سكانها في هذه المدة أربعين في المئة عما كانت هليه في أقل تقدير.

لنرجع إلى موضوعنا فنقول: قدر كين ولاية الحجاز بثلاثة ملايين نسمة وولاية اليمن بمليوني ونصف النسمة ولم يجر ذكراً لحضرموت ولا للقارة بين حضرموت وعمان وكذلك لم يشر أدنى إشارة إلى منطقة عدن وما حواليها مما هو داخل في نفوذ مملكته وكذلك لم يذكر شيئاً عن بلاد سبأ التي عاصمتها مارب ولا عن الجوف ولا عن نجران ولا ما يحوم حول هذه البلدان أو يتبعها تبعاً سياسيا أو تجاريا أو جواراً.

أما الحجاز ويراد به كل متصرفية عسير فضلاً عن أرض الحرمين فتقديره ولا يبعد كثيرا عن الصواب فيما أرى، وكذلك تقديره اليمن فأن الداخل منه في ولايتنا العثمانية كما هي ولاية سوريا لايزيد فيما أظن عن المليونين والنصف، إلا أن هناك ما هو عثماني ألا أنه تحت حكم أمرائه وشيوخه اليمانيين لا أثر فيه لنفوذ أجنبي وذلك كقبائل حاشد وبكيل وهمدان وخيوان في الجبال التي إلى الشرق والشمال من صنعاء والحكم فيه لأمام الزيدية ومقره الآن في صعدة على ما أرجح فكل هذا القسم من اليمن وفيه معظم مملك حاصور القديمة وصميم الدولة الحيرية ممن عرفو بالأزواء في آخر عهدهم ويلحق به بلاد مأرب ولاجوف ونجران لا ينقص عدد أهليته فيما أرجح عن المليون والنصف من السكان وهو غير بعيد فإذا قدرنا سكان حضرموت ومهرة بثلاثة أرباع المليون ويقدرون عادة بين المئتي والثلاثمئة ألف في أعلى تقدير واضفنا ذلك إلى الأغداد المذكورة سابقاً بلغ سكان العربية من أربعة عشر مليوناً والنصف مليون وان شئت قل خمسة عشر مليون على ما يأتي:

أسماء الإمارات والولايات - عدد السكان بالملايين

إمارتا أبن السعود وابن الرشيد 3. . . . . .

إمارتا الحسا والقطيف 35. . . . .

سلطنة عمان 4. . . . . .

ولاية الحجاز 3. . . . . .

ولاية اليمن 25. . . . .

يافع ومأرب والجوف وبلاد حاشد وبكيل ونجران 15. . . . .

حضرموت ومهرة والقرى 5. . . . .

المجموع 145. . . . .

نسبة هذه الولايات والإمارات عسكرياً

أما عمان فمنفصلة كل الانفصال لما يحبط بها من بحور الرمال من كل الجهات مما أدى إلى انقطاع طريق الحاج البرية بينها وبين مكة منذ مئات السنين بل الطرق التجارية بينها وبين الحسا والقطيفة قلما يسلكها احد الآن ومثل ذلك الطريق إلى نجد واليمامة، ولاقوم لا يحملون حقداً على العثمانيين وكثيا منهم أهل السواحل لم يسمعوا شيئاً مما يفتري أهل البريطانيين علينا لأن هؤلاء القوم الحملان يتحرجون اخلاصاً ويأثماً من التشنيع علينا عند العثمانيين في داخلية بلادهم لأن العثمانيين يخافون ما يخافون منهم إذا مر مار منهم زائرأً أكرموه وأحسنوا ضيافته كل الإحسان ثم يصرفونه من حيث أتى راجعاً أدراجه

وأما في السواحل فالقوم يعلمون عن البريطانون وعن مقاصدهم أكثر مما يعلمه العلمون منا نحن وقد اختبروا أمرّ أختبار ما أنتجته مداخلاتهم التجارية والسياسية منذ أواسط القرن الماضي إلى اليوم من إلقاء بذور ألفتنة ثم تحيزهم إلى ألفاتنين بما أوجب شق السلطنة وانتزاع كل شرقي افريقية منهم أخيراً

على أن العثمانيين يخافون قوة القوم البحرية ويدارونهم غاية المداراة ولكنهم على حذر منهم وتيقظ وذلك مما جعلهم حتى الساعة يستغنون عن مساعداتهم الخيرية ومعاهدهم التهذيب وسركاتهم التجارية وطرقهم الحديدية والفضل في ذلك عائد إلى أهل الجبال من الداخلية فأنهم مستقلون في داخليتهم عن حكومة مسقط استغناء كل ولاية عمن الولايات المتحدة عن حكومة واشنطن على أقل تقدير.

إن بولغريف الإنكليزي اليسوعي الشهير استطاع أن يلقي بعض المفاسد في حائل والرياض وكثيراً منها في الحسا والقطيفة أما في عمان فلم يستطع شيئاً من ذلك.

وقد ذكر عن حسن معاملة القوم للغرباء وكرم أخلاقهم وحسن ضيافتهم ما لو استطاع إخفاءه لإخفاه أو قوي على إنكاره لأنكره ويقول أيضاً أن العثمانيين على الساحل يخافون طمع الإنكليز ويرقبوهم بعين الحذر وأما في الداخلية وضمن جبالهم وهم هناك أهل النجدة والبأس فلا يبالون بالبريطان وإلى الآن لم يجسر أحد منهم على اختراق بلادهم ولو عابر سبيل.

وأشد من العثمانيين تجنباً للإنكليز ولكل أجنبي أهل مهرة وحضر موت ساحلهم وداخليتهم أما في الداخلية فلا وصول للإنكليز إليهم بوجه من الوجوه والمطلع على سياحة ثيودور بنت المترجمة إلى المقتطف سنة 98 على ما أظن أن هذا الرجل الغني وفي حاشيته الإمام بهادور شريف وغيره من المسلمين لاقى من مقاومة السكان ما لاقى مع أنه كان معتمداً في سياحته على مساعدة سلطان مكلا وهي أكبر فرضة على ساحل حضرموت ولسلطانها معاملات كثيرة مع الهند وعدن سياسيا وتجارياً.

ومع ذلك لم يكن هذا الرجل يطأ داخلية حضرموت حتى اضطر أن يرجع أدراجه على غاية من الخوف والسرعة كما كان نصيب ليوهرش المستشرق النمساوي الشهير من قبله هذا في حضرموت أما عدن وما حولها حيث منطقة النفوذ الإنكليزي فإن معظم به حاكم عدن من رؤساء القبائل الذين تنتقدهم الحكومة الهندية راتباً معلوماً في كل سنة أن يؤمنوا طريق التجارة فلا يعرضون القادمين إلى عدن بمحصولات الداخلية ولا الراجعين منها بالبضائع الإنكليزية والهندية لا يطمعون منهم بأكثر من ذلك.

وأما أهل نجد فقل عنهم أضعاف ما قلناه من أهل حضرموت وعدن واليمن فإنهم يكرهون كل تداخل أجنبي ترى ذلك واضحاً في إجماع خاصتهم وعامتهم على البعد عن دهاة لجنة الخليج ألفارسي. ولطالما اجتهدت هذه اللجنة ومركزها في أنو شير في أن تقوي النجدين وتدخلهم في معاهدة أو رابطة معها فلم تفلح.

وفي سنة 1864 على إثر بولغريف من الرياض خائباً ناقماً على الأمير فيصل الوهابي وعلى الوهابيين وكان جاء الرياض متنكراً على نفقة إمبراطور فرنسا ومر بحائل أيضاً فعلى إثر انصرافه برغث صدر الكونيل لوس بلي مدير سياسة الخليج ألفارسي فكتب رسالة خاصة إلى الأمير فيصل يستأذنه في زيارة إلى مقره في الرياض فأغفل الأمير جوابه فكتب ثانياً يسأل خفارة وأدلآ. ولما طال الوقت ولم يرد جواب الأمير عبر إلى الكويت ومن هناك أرسل ثالثة ما كان سأله من الخفارة والإدلاء وانظر عدة أسابيع وبعد أن طال انتظاره وكاد يفرغ صبره ورد عليه جواب الأمير بأوجز عبارة لا يزيد عن صريح الإذن بقبول زيارته ولكن لا دليل ولا خفراء فسافر هذا الرجل هو وحاشيته في بزّه أهل نجد لم يجسر أن يظهر بزّيه الإفرنجي ولما بلغ الرياض نزل في مقصف لابن الأمير خارج المدينة ولم يؤذن له بمواجهة الأمير فيصل إلا في اليوم الثاني وبه تردد مدة ثم بعد أن أقام ثلاثاً لم ير له أفضل من سرعة الرجوع فزم جماله واعتمد دليلاً من قناصة الصليب فقاده هذا في طريق غير مطروق نفذ به شمالي الهفوف. ومما يذكر في هذه الزيارة أن الكولونيل وحاشيته لم يجسروا أن يستعملوا شيئاً من سياحاتهم العلمية الجغرافية في أخذ عرض مكان أو طوله أو رسم خارطة للطريق الذي مروا فيه أو شيئاً آخر مما يحرص عليه أصحاب الرحلات من علماء الأوربيين. ومنذ عهده إلى هذا العهد لم يدخل نجداً بريطاني لا سائحاً ولا جاسوساً فيما نعلم ويعلمه أيضاً جورج هوغرث صاحب الكتاب المشهور المسمى اختراق البلاد العربية المطبوع سنة 19. 4.

والخلاصة فإن أهل نجد هم من أبعد أهل العربية عن الإسترسال إلى الإنكليز بوجه من الوجوه مهما بلغ من دهاء سياستهم وخلابة مواعيدهم.

والشمريون لا ينقصون مثقال ذرة عن إخوانهم النجدين ولا يحتاج إلى اطالة الكلام في شأنهم فإنهم الآن جنباً إلى جنب مع العثمانيين يدفعون في صدر الإنكليز لم تؤثر فيهم رقاهم ولا خلبتهم مواعيدهم الغرارة التي هي كما نلم ويعلمون ولا يطعن فيما أوردناه من نفور عرب البادية من دهاة البريطانيين ورجال السياسة وذوي الوعود البراقة فيهم، عصيان أمير مكة السابق الشريف حسين عون وما تواتر عنه من أنه استهواه الذهب الإنكليزي فجوابنا لمن أراد نقض ما بنيناه بمثل هذا القول أن عمل الأمير حسين من الأعمال الخارقة للعادة التي لا تنجلي حقيقتها ولا تتضح أسبابها إلا بعد خمود نارها وحينذاك يصح للمعترض أن يؤسس ما يقوله على فكرة ثابتة وأما وأنباء حسين وأعوانه غامضة وراء ستار وهو وجمعه يأتون ما يأتونه من خلف أجبال وكهوف تحجب عنا أمرهم وتستر سرهم فلا يمكن للمؤرخ الاعتماد على نبأ غير مسبور الغور ولا واضح الحقيقة.

هذا ما اتفق لنا إيراده الآن في البحث عن الأقطار العربية. والإيغال في ذكره يعوزنا إلى المجلدات. وفوق كل ذي علم عليم.

بيروت

ج. ض