مجلة المقتبس/العدد 95/إمبراطورية النمسا والمجر

مجلة المقتبس/العدد 95/إمبراطورية النمسا والمجر

مجلة المقتبس - العدد 95
إمبراطورية النمسا والمجر
ملاحظات: بتاريخ: 1 - 12 - 1914



خلفت مملكة النمسا والمجر بموجب القرار الرئاسي الأساسي الذي نشر في 21 كانون الأول 1867 مملكة النمسا القديمة فهي تتألف مت مملكتين منضمتين تحت لواء واحد فإمبراطور النمسا هو أيضاً ملك المجر ولا اشتراك بين المملكتين في غير الجيش وجزء من المالية والأمور الخارجية ولكل مملكة منها قانونها الخاص وإدارتها الخاصة. يقسم بين بلاد النمسا والمجر نهر الليتا الذي يصب في نهر الطونة شرقي فينا. وولايتا البوسنة والهرسك اللتان ضمتا إلى هذه المملكة سنة 1908 مشتركتان بين النمسا والمجر.

كانت مساحة النمسا بموجب إحصاء سنة 1910 - 193، 300 كيلو متراً مربعاً وسكانها898، 567، 28 ومساحة المجر 325، 325 كيلو متراً مربعاً 20. 850. 700 ساكن. وأصول شعوب هذه المملكة متنوعة تنوع رسم جبالها وأنهارها وهم كالفسيفساء الجبلية منهم نحو ثلاثة عشر مليوناً ونصف من الألمان ونحو تسعة ملايين من المجر وثلاثة ملايين من الرومان وواحد وعشرين مليوناً من السلافيين وهم ينقسمون بحسب لغاتهم إلى ستة أقسام فسلاف الشمال عبارة عن ثمانية ملايين وهم التشك والمورافيون والسولفاكيون ينزلون في بوهيميا ومورافيا وفي الأصقاع المجاورة لبلاد المجر وفيها نحو أربعة ملايين ونصف بولوني في سيلسيتريا وغاليسيا الغربية ونحو أربعة ملايين روتيني في غاليسيا الشرقية والأصقاع المتاخمة للمجر ثم سلافيو الجنوب ومنهم نحو ثلاثة ملايين ونصف خرواني وصربي ومليون وربع سلوفاني ونحو ثلاثة أرباع المليون إيطالي وثلاثة أرباع أهلها هم من الكاثوليك الرومانيين وخمسهم هم من الروم الكاثوليك أو الروم الشرقيين على اختلاف الطقوس وأربعة ملايين وربع من البروتستانت ومليونان ومئة ألف إسرائيلي وزهاء ستمائة ألف مسلم.

هذه هي الإمبراطورية التي فقدت مؤخراً إمبراطورها حليف الدولة العلية العثمانية وعميد ملوك الأرض فرانسوا جوزيف. توفي صباح 22 تشرين الثاني سنة 1916 (26 المحرم 1335) عن 86عاماً كان بها إمبراطوراً 68 عاماً فقد ولد في مدينة فينا سنة 1830 وهو ابن الإمبراطور فرانسوا الأول ولي الحكم سنة 1848 وقد تنازل عن الملك عمه فرانسوا الأول وتنازل والده عن حقوقه في الملك فظهرت في السنة الأولى من ملكه خطوب مهمة وفتن مستطيرة منها ثورة فينا التي قمعت على أصعب وجه وثارت إيطاليا والمجر لتخلع ربقة الحكم النمساوي فكبح جماح الثائرين من الإيطاليين ووطد الإمبراطور حكمه على المجر بمعاونة روسيا وانتهت حرب إيطاليا ينة1859 بتقلص ظل الحكم النمساوي عن لومبارديا الإيطالية مما أحدث في البلاد النمساوية سخطاً فرأى الإمبراطور أن يسكن ثائرة غضب أمته بمنحها دستور سنة 1861 وفيه إعطاء حرية مطلقة لها.

وحدثت من جهة بروسيا شجون أخرى بشأن مسألة دوجيتي شلشويق هو لشتماين فاتحدت بروسيا مع النمسا أواخر سنة 1863 لإعلان الحرب على الدانيمرك وفي سنة 1865 نشب الخلاف بين الحكومتين المتخالفتين الظافرتين فاتحدت بروسيا مع إيطاليا ودحرت النمسا في موقعة سادوفا (1866) وانتهى ذلك بانفصال النمسا عن الاتحاد الجرماني وبفقدها إقليم البندقية.

وقد أعقب هذه الحرب المشؤمة إصلاحات جمة في داخل البلاد فأصبح الكونت دي بوست وهو ألماني سكسوني وزيراً لإمبراطورية النمسا والمجر وعهد إلى الكونت أندراسي في بلاد المجر أن يؤلف وزارة بحرية وفي 8 حزيران 1867 توج فرنسوا جوزيف ملكاً على المجر وكان فيها فاتحة الملوك الذين يتوجون ملوكاً على مملكتين وقد كان يتوقع أن يوجه الكونت دي بوست دفة سياسة النمسا نحو سياسة الانتقام من بروسيا لكن هزيمة الفرنسيس أمام الألمان في حرب السبعين قلبت المسائل إلى طور آخر واضطر فرنسوا جوزيف أن يعاهد كلاً من بروسيا وإيطاليا اللتين ظفرتا به فظهرت المحالفة الثلاثية. ثم حدثت اضطرابات داخلية أخرى وهي نزوع التشك في بوهيميا إلى الثورة يريدون أن ينالوا استقلالهم على نحو ما فعل المجر. وصبت مصائب أخرى على رأس الإمبراطور المتوفى من مثل مقتل أخيه مكسيمليان إمبراطور المكسيك عام 1854 وانتحار الأرشيدوق رودولف ابنه (1889) ومقتل الإمبراطورة اليزابيت زوجته (1898) وكان مقتل ولي عهده الأرشيدوق فرانز وزوجته في سراجيفو بيد صربي غادر من الأسباب الظاهرية في اندلاع لهيب الحرب العامة التي لا نزال نصبح في عجائبها ونمسي منذ ثلاثين شهراً منحت بلاد النمسا قانونها الأساسي سنة 1848 وإذ كانت مختلفة العناصر والجنسيات اضطرت الحكومة أن تستعيده منها مرات ثم تعطيه فكان نيل السلافيين على أكثرية عظمى في الانتخاب سبباً في دهشة الحكومة وظل الألمان في النمسا والمجر بمثابة الجزء القليل بالنسبة للجزء الكبير فدعت الحال أن يعدل القانون الأساسي الذي وضع لمثل هذه المملكة على صورة يتمثل فيها الدهاء والجربذة وإن معاملة النمساويين للمجريين هذه المعاملة الحسنة بعد الخلاف الشديد الذي استحكمت أواخيه بينهم زمناً قد دل على حسن سياسة النمسا ولا سيما الإمبراطور المتوفى فضمت النمسا والمجر سنة 1867 بأن تم الاتفاق بين هاتين للملكتين على أن يدفع المجر عن مملكة النمسا كما يدفعون عن مملكتهم (المقتبس م8 ص459) ويكونون مستقلين إلا في الجيش والبحرية والأمور الخارجية فيدفعون قسطاً صالحاً من المال لمعاونة حكومة فينا وتتعهد الأسرة المالكة النمساوية بالمحافظة على استقلال المجر وحرية البلاد واستعمال جميع قوة النمسا للدفاع عن سلامة الأملاك المجرية ملك النمسا يحكم المجر كما يحكم بلاده ولكنه يمثل مملكتين متباينتين ولا يكون ملك النمسا ملكاً شرعياً إلا إذا أقر على تتويجه مجلس نواب المجر ويقضي القانون الأساسي أن يقيم الملك ستة أشهر في فينا وستة أشهر في بودابست وهو يتلطف بالأمة المجرية كل التلطف وقد تعلم لسانهم في صغره وخطبهم به قبل أن يتولى الملك فأعجبوا به وكثيراً ما كان يلبس الثياب الوطنية الخاصة ببعض شعوبه مثل سكان التيرول وكان التيروليون والسالزبورغيون يحبونه حباً كثيراً وكذلك شعبه حتى كان يقال أن إمبراطورية النمسا تتداعى أركانها بعد موت الإمبراطور فرنسوا جوزيف وكان بعض الغربيين أنفسهم يدعون أن لطفه هو الذي يحول دون حدوث شيء في البلاد والحال أن أسرة هابسبورغ مشهورة بذوقها ولطفها منذ القديم وباتحاد المملكتين حياتهما وقوتهما. من المصائب في مملكة في أن تتألف من عدة عناصر يصعب الجمع بينها لكن حكمة الإمبراطور ورجاله عدلت المسائل وثقفت الناشز وأخذت من عنان المغضب ودارت مع الزمن حتى اشتهرت النمسا بأنها مملكة حسن الإدارة وقد جاء زمن على حكومتها منعت فيه الصحف المجرية من الصدور بلسان المجر وعقبه زمن آخر أصبحت فيه حرية بلاد المجر كأحسن حرية في الشعوب الأوربية.

كان الإمبراطور المتوفى عاملاً مهماً سعى في ترقية أمته حتى أصبحت بفضله دولة قوية الشكيمة بعيدة الشوط في مضمار المدنية والصناعات وأبانت عن قوتها في جيشها وحسن إدارتها في الحرب الأخيرة وهي تقاتل الجيوش الروسية من الشرق والجيوش الإيطالية من الجنوب.

أما الإمبراطور الجديد فهو شارل ابن الأرشيدوق أوتو وأمه ماريا جوزيفا أميرة سكسونيا ولد سنة 1887 فيكون عمره اليوم 29سنة وقد وعد برعاية القانون الأساسي في إدارة جميع الشعوب في بلاد النمسا والمجر وجرى تتويجه في فينا وفي بودا عاصمة المجر الأصلية متبعاً في ذلك الأصول القديمة غير مخل بشيء منها وكان الإمبراطور الجديد أثبت لياقته في حرب عدو بلاده هذه المرة وقد ربي تربية عسكرية راقية يرجى له بها أن تكون بلاده في عهده عهد سلام وراحة ورقي.