محاضرات في تاريخ الدولة العباسية/الباب الأول، الفصل السادس: خلافة الهادي


الفصـل السـادس

خلافة الهادي

١٦٩ - ١٧٠هـ/٧٨٥ - ٢٨٦م

بويع لموسى (الهادي) بالخلافة، في بغداد في نفس اليوم الذي مات فيه المهدي، وكان مقيما بجرجان، يحارب أهل طبرستان، "وكتب الرشيد إلـى الآفاق بوفاة المهدي وأخذ البيعة للهادي1. ونستشف من الروايات قيـــــــام نـزاع خفي بين ابني المهدي وهما: موسى (الهادي) الذي تنازل له عيس بـن موسى (الذي مات سنة ١٦٧هـ)2 عن ولاية العهد، وهارون الرشيد، الـذي أخذت له البيعة كولي ثان للعهد في سنة ١٦٦هـ3. والذي كانت أمه الخيزران تهتم بشئون الحكم منذ عهد زوجها المهدي. وأغلب الظن أنه مما ساعد على دقة الموقف أن المهدي أشرك الأخوين في الحكم على أيامه فعهد بمشرق الدولة إلى ولي العهد موسى كما عهد بمغربها إلى ولي العهد الثاني هارون وكان لكل منهما ديوانه الخاص. ففي سنة ١٦٣هـ ولى المهدي هرون الرشيد المغرب كله، من الأنبار حتى إفريقية، وأضاف إلى ذلك أذربيجان وأرمينية، وجعل لهـارون كاتب على الخراج هو ثابت بن موسى، وعلى ديوان رسائله يحيى بن برمك4. وزاد في حرج الموقف أن المهدي كما تقول الروايات مال في آخر أيامه إلى عزل ابنه موسى الهادي والبيعة للرشيد بولاية العهد وتقديمه عليه، ويقـال أن المهدي مات وهو خارج للهادي وهو بمنطقة جرجان ليخلعه بعد أن بعـث إليه في القدوم عليه لهذا الغرض وامتنع الهادي. ولهذا تحاول بعض الروايات أن تفسر موت المهدي فتقول أنه لم يمت ميتة طبيعية وأنه مات في حالة صيـد أو مات مسموماً5.

ولن تطول خلافة الهادي أكثر من سنة وثلاثة أشهر، أرقته (شغلته) فيهـا مسألة ولاية العهد، وذلك أن الهادي شعر بخطر أخيه هارون الذي كانت تؤيده أمه الخيزران، وكانت تتدخل في شئون الحكم، فعمل على الحد من سلطانهـا، كما حاول أن يعمل الرشيد على التنازل عن ولاية العهد وبدأ يتخذ إجـراءات مشددة ضد أخيه، وسلبه امتيازاته كولي للعهد فالنص يقول: "وأمر الهادي - أن لا يسار بین یدي هرون بالحربة فاجتنبه الناس وتركوا السلام عليــه"6.

ونستبين من النصوص أن الرشيد كان مستعداً للتنازل عن ولاية العهد لابن أخيه جعفر وربما تم ذلك لولا صغر سن ابن الهادي ونصح يحيى بن خالد برمك للرشيد بعدم الاستجابة لطلب أخيه الخليفة، وعرف الهادي تأثير يحيـى على الرشيد، "فبعث إليه وتهدده ورماه بالكفر" ولكن ابن برمك تمكن من إقناع الخليفة بترك هذه المسألة بعض الوقت، ونصحه بألا يحمل الناس على نكث الأيمان - أن حنث الأيمان أي تحللهم من البيعة - وبين له أن ابنه جعفر لم يزل صغيـــــــــراً وسأله "أتظن الناس يسلمون الخلافة لجعفر - وهو لم يبلغ الحنث ـ أو يرضون به لصلاتهم وحجهم وغزوهم" ثم رغبه في أن يكون ابنه ولي العهد الثاني7.

ثورة الحسين بن علي بالمدينة:


أما عن العلويين، فإنهم قاموا بالثورة في المدينة ومكة - وستفشل هذه الثـورة في الحجاز، كما فشلت سابقتها من قبل، ولكنها ستنجح في بلاد المغرب الأقصى وتزعم هذه الثورة الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبـي طالب المعروف بقتيل فخ عند مكة.

أما عن سبب اشتعال الثورة فهو أن والي المدينة وهو حفيد عمر بن الخطـاب اسمه عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب - أقام الحد على أحد العلويين الذي يعرف باسم الزفت وذلك لشربه النبيذ. واحتج العلوي وهـو الحسين بن علي على عقاب المتهمين، وقال للوالي أن أهل العراق لا يرون بـه، وكفل الحسين بن علي الثائر أبا الزفت (أن ضمنه)، ولكن أبا الزفت تغيب عن العرض الذي كان يجب عليه أن يحضره، وكان في هذا حرج للضامن، الـذي لم يجد سوى الثورة رداً على أمانات الوالي، وجاء العلويون صباحاً إلى المسجد فبايعوا الحسين على كتاب الله وسنة نبيه "للمرتضى من آل محمد". وتمكن الثوار من هزيمة الوالي ونهبوا بيت المال، إلا أن أهل المدينة لم يجيبوهم فخرجوا بعد أحد عشر يوماً. وذهب الحسين إلى مكة، وتمكن من ضم كثير من العبيد حولـه، وذلك بعد أن أعلن تحريرهم. وكان في مكة كثير من العباسيين، وكان معهم الموالي والسلاح، فاجتمع العباسيون بذي طوى، وقادهم محمد بن سليمان بن علي والـي البصرة وقاتلوا العلويين وتمكنوا من إلحاق الهزيمة بهم، وقتل المطالب بالخلافة، وتمكن كثير من الثوار من النجاة باختلاطهم بالحجاج. وتمكن أحد العلويين وهـو إدريس بن عبد الله من الهرب إلى مصر وهناك حمله صاحب البريد الذي كـان يتشيع إلى بلاد المغرب، حيث وصل إلى مدينة "وليلي" في منطقة طنجة وهنـاك استجاب له بـربـر أوربـة وكون دولة الأدارسة وبنى مدينة فاس التي ستصبح عاصمة المغرب الأقصى8.

الخـــــــوارج:


أما عن الخوارج فانهم ثـاروا بالجزيرة، وهزموا الوالي قرب الموصل، ولـم يقض عليهم إلا بعد أن قتل زعيمهم غيلـة9
الزنادقة:


أما عن الزنادقة فتقول الرواية أن المهدي أوصى الهـادي بمحاربتهم دون شفقة وأنه كان قد أمر بإعداد ألف جذع لصلبهم، ولكـن المـوت لم يمهله10 إذ خرج إلى الموصل وعاد منهـا شديد المرض، والظاهـر أنـه لم يمت ميتة طبيعية بسبب معاودته التفكير في خلع أخيه هــــــــــــرون من ولاية العهد. وهناك روايات يستشف منها أن الخيزران هي التـي دبرت موتـه11.


  1. ابن الأثير، ج ٥، ص ۷۳ - ٧٤.
  2. ابن الأثير، ج ٥، ص ٦٩.
  3. نفس المصدر السابق، ص ٦٦.
  4. نفس المصدر السابق، ص ٦٣.
  5. ابن الأثير، ج ٥، ص ۷۱.
  6. انظر، ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ۷۹ (عن الحد من نفوذ أمه)، ص ۷۷.
  7. ابن الأثير، ح ٥، ص ۷۷ – ۷۸.
  8. انظر، ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ٧٤ - ٧٦.
  9. ابن الأثير، ج ٥، ص ۷۷.
  10. ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ٨١.
  11. نفس المصدر السابق، ص ۷۸ – ۷۹.