محلى ابن حزم - المجلد الأول/الصفحة الرابعة


التـــــوحيد

41 - مسألة : وأن عيسى عليه السلام لم يقتل ولم يصلب ولكن توفاه الله عز وجل ثم رفعه إليه.

وقال عز وجل {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولـكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا} .

وقال تعالى: {إذ قال الله يعيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون} .

وقال تعالى عنه أنه قال: {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد} .

وقال تعالى {الله يتوفى الأنفس حين موتـها والتي لم تمت في منامـها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} .

فالوفاة قسمان: نوم وموت فقط، ولم يرد عيسى عليه السلام بقولـه: «فلما توفيتني» وفاة النوم، فصح أنه إنما عنى وفاة الموت .

فصح أنه إنما عنى وفاة الموت ، ومن قال إنه عليه السلام قتل أو صلب فهو كافر مرتد حلال دمه وماله لتكذيبه القرآن وخلافه الإجماع .

42 - مسألة : وأنه لا يرجع محمد رسول الله ، ولا أحد من أصحابه ، رضي الله عنهم ، إلا يوم القيامة إذا رجع الله المؤمنين والكافرين للحساب والجزاء.

هذا إجماع جميع أهل الإسلام المتقين قبل حدوث الروافض المخالفين لاجماع أهل الإسلام المبدلين للقرآن المكذبين بصحيح سنن رسول الله المجاهرين بتوليد الكذب المتناقضين في كذبهم أيضا .

وقال عز وجل : {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} .

وقال تعالى {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} .

فادعوا من رجوع علي ما لا يعجز أحد ، عن أن يدعي مثله لعمر أو لعثمان أو لمعاوية ، رضي الله عنهم ، أو لغير هؤلاء : إذا لم يبال بالكذب والدعوى بلا برهان لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من إجماع ، ولا من معقول وبالله تعالى التوفيق.

43 - مسألة : وأن الأنفس حيث رآها رسول الله ليلة أسري به أرواح أهل السعادة ، عن يمين آدم عليه السلام ، وأرواح أهل الشقاء ، عن شماله عند سماء الدنيا ، لا تفنى ، ولا تنتقل إلى أجسام أخر ، لكنها باقية حية حساسة عاقلة في نعيم أو نكد إلى يوم القيامة فترد إلى أجسادها للحساب وللجزاء بالجنة أو النار ، حاشا أرواح الأنبياء عليهم السلام وأرواح الشهداء فإنها الآن ترزق وتنعم .

ومن قال بانتقال الأنفس إلى أجسام أخر بعد مفارقتها هذه الأجساد فقد كفر .

برهان هذا ما حدثناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا حرملة بن يحيى ، حدثنا ابن وهب أنا يونس ، هو ابن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك قال : كان أبو ذر يحدث أن رسول الله  : «فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل (عليه السلام) ففرج صدري ثم غسلـه من ماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا فلما جئنا السماء الدنيا قال جبريل (عليه السلام) لخازن السماء الدنيا افتح قال: من هذا ؟ قال: جبريل ، قال: هل معك أحد ؟ قال: نعم معي محمد قال: فأرسل إليه ؟ قال: نعم ففتح فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شمالـه بكى قال فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح فقلت يا جبريل من هذا ؟ قال: هذا آدم (عليه السلام) وهذه الأسودة التي عن يمينه وعن شمالـه نسم بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة والأسودة التي عن شمالـه أهل النار فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شمالـه بكى (قال) ثم عرج بي جبريل (عليه السلام) حتى أتى السماء الثانية»

قال أنس : فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله عليهم ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه قد وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة. وذكر الحديث.

ففي هذا الخبر مكان الأرواح ، وأن أرواح الأنبياء في الجنة.

وأما الشهداء فإن الله عز وجل يقول : {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون}

وقال تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} {فرحين بمآ آتاهم الله من} .

ولا خلاف بين مسلمين في أن الأنبياء عليهم السلام أرفع قدرا ودرجة وأتم فضيلة عند الله عز وجل وأعلى كرامة من كل من دونهم ، ومن خالف في هذا فليس مسلما.

حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا عبد بن حميد ، أخبرنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر قال : قال النبي  : «إذا مات الرجل عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فالجنة وإن كان من أهل النار فالنار، ثم يقال له: هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة» .

ففي هذا الحديث أن الأرواح حساسة عالمة مميزة بعد فراقها الأجساد.

وأما من زعم أن الأرواح تنقل إلى أجساد أخر فهو قول أصحاب التناسخ ، وهو كفر عند جميع أهل الإسلام. وبالله تعالى التوفيق .

44 - مسألة : وأن الوحي قد انقطع مذ مات النبي .

برهان ذلك أن الوحي لا يكون إلا إلى نبي .

وقد قال عز وجل : {ما كان محمد أبآ أحد من رجالكم ولـكن رسول الله وخاتم النبيين} .

45 - مسألة : والدين قد تم فلا يزاد فيه ، ولا ينقص منه ، ولا يبدل .

قال تعالى {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآ أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ومآ أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم} .

وقال تعالى {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} .

46 - مسألة : قد بلغ رسول الله الدين كله وبين جميعه كما أمره الله تعالى

قال تعالى : {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} {صراط الله} .

وقال تعالى: {وإذا قيل لهم ماذآ أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} .

47 - مسألة : وحجة الله تعالى قد قامت واستبانت لكل من بلغته النذارة من مؤمن وكافر وبر وفاجر .

قال الله عز وجل : {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم} .

وقال تعالى : {من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن} .

48 - مسألة : والأمر بالمعروف والنهي ، عن المنكر فرضان على كل أحد على قدر طاقته باليد ، فمن لم يقدر فبلسانه ، فمن لم يقدر فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ليس وراء ذلك من الإيمان شيء.

قال عز وجل : {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولـئك هم المفلحون} .

وقال تعالى: {وإن طآئفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فآءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} .

حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن المثنى قال ابن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، عن سفيان الثوري ، وقال ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، ثم اتفق سفيان وشعبة ، كلاهما ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : قال أبو سعيد الخدري : سمعت رسول الله يقول «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» .

وبه إلى مسلم حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، حدثنا أبي ، عن صالح بن كيسان ، عن الحارث ، هو ابن الفضيل الخطمي ، عن جعفر بن عبد الله بن عبد الحكم ، عن عبد الرحمان بن المسور بن مخرمة ، عن أبي رافع هو مولى رسول الله ، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله  : «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» .

قال علي : لم يختلف أحد من المسلمين في أن الآيتين المذكورتين محكمتان غير منسوختين.فصح أن ما عارضهما أو عارض الأحاديث التي في معناهما هو المنسوخ بلا شك.

49 - مسألة : فمن عجز لجهله أو عتمته ، عن معرفة كل هذا فلا بد له أن يعتقد بقلبه ويقول بلسانه حسب طاقته بعد أن يفسر له لا إله إلا الله محمد رسول الله كل ما جاء به حق وكل دين سواه باطل .

حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أمية بن بسطام ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا روح ، عن العلاء بن عبد الرحمان بن يعقوب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله قال : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» .

وقال عز وجل : {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} .

50 - مسألة : وبعد هذا فإن أفضل الإنس والجن الرسل ثم الأنبياء على جميعهم من الله تعالى ثم منا أفضل الصلاة والسلام ثم أصحاب رسول الله ثم الصالحون .

قال تعالى {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشآء إن الله على كل شيء قدير}

وقال تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} وهذا لا خلاف فيه من أحد .

وقال عز وجل : {وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولـئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير} .

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق بن السليم ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود السجستاني ، حدثنا مسدد ، حدثنا أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله  : «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدكم ولا نصيفه» .

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود السجستاني ، حدثنا عمرو بن عون ومسدد قالا : حدثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن عمران بن الحصين قال : قال رسول الله  : «خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يظهر قوم يشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويحربون ولا يؤتمنون ويفشو فيهم السمن» .

هكذا حدثناه عبد الله بن ربيع " يحربون " بحاء غير منقوطة وراء مرفوعة وباء منقوطة واحدة من أسفل ورويناه من طرق كثيرة " يخونون " بالخاء المنقوطة من فوق وواو بعدها نون ، ومن خان فقد حرب.

51 - مسألة : وأن الله تعالى خالق كل شيء سواه لا خالق سواه .

قال الله عز وجل {خالق كل شيء}

وقال تعالى: {هـذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين}

وقال تعالى: {خلق السماوات والأرض وما بينهما}

52 - مسألة : ولا يشبهه عز وجل شيء من خلقه في شيء من الأشياء.

قال عز وجل : {فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}

وقال تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد} .

53 - مسألة : وأنه تعالى لا في مكان ، ولا في زمان ، بل هو تعالى خالق الأزمنة والأمكنة .

قال تعالى : {وخلق كل شيء فقدره تقديرا}

وقال تعالى: {خلق السماوات والأرض وما بينهما}

والزمان والمكان فهما مخلوقان ، قد كان تعالى دونهما ، والمكان إنما هو للأجسام ، والزمان إنما هو مدة كل ساكن أو متحرك أو محمول في ساكن أو متحرك ، وكل هذا مبعد ، عن الله عز وجل .

54 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يسمي الله عز وجل بغير ما سمى به نفسه ، ولا أن يصفه بغير ما أخبر به تعالى ، عن نفسه .

قال عز وجل : {ولله الأسمآء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمآئه سيجزون ما كانوا يعملون}

فمنع تعالى أن يسمى إلا بأسمائه الحسنى وأخبر أن من سماه بغيرها فقد ألحد.

والأسماء الحسنى بالألف واللام لا تكون إلا معهودة ، ولا معروف في ذلك إلا ما نص الله تعالى عليه ، ومن ادعى زيادة على ذلك كلف البرهان على ما ادعى ، ولا سبيل له إليه ، ومن لا برهان له فهو كاذب في قوله ودعواه.

قال عز وجل {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} .

55 - مسألة : وأن له عز وجل تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد ، وهي أسماؤه الحسنى ، من زاد شيئا من عند نفسه فقد ألحد في أسمائه ، وهي الأسماء المذكورة في القرآن والسنة .

حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن رافع ، حدثنا عبد الرزاق أنا معمر ، عن أيوب وهمام بن منبه ، قال أيوب ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، وقال همام ، عن أبي هريرة ثم اتفقا ، عن رسول الله ، أنه قال : «إن لله تسعة وتسعين إسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة» زاد همام في حديثه «أنه وتر يحب الوتر» .

وقد صح أنها تسعة وتسعون اسما فقط ،

ولا يحل لأحد أن يجيز أن يكون له اسم زائد لانه قال : «مائة غير واحد»

فلو جاز أن يكون له تعالى اسم زائد لكانت مائة اسم ، ولو كان هذا لكان قوله عليه السلام مائة غير واحد كذبا ومن أجاز هذا فهو كافر .

وقال تعالى {هو الله الذي لا إلـه إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمـن الرحيم} {هو الله الذي لا إلـه إلا هو الملك} .

وقد تقصينا كثيرا منها بالأسانيد الصحاح في كتاب " الإيصال " والحمد لله رب العالمين.

56 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يشتق لله تعالى اسما لم يسم به نفسه .

برهان ذلك أنه تعالى قال : {والسمآء وما بناها} .

وقال: {وأكيد كيدا} .

وقال تعالى: {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} .

ولا يحل لأحد أن يسميه البناء ، ولا الكياد ، ولا الماكر ، ولا المتجبر ، ولا المستكبر ، لا على أنه المجازي بذلك ، ولا على وجه أصلا ، ومن ادعى غير هذا فقد ألحد في أسمائه تعالى وتناقض وقال على الله تعالى الكذب وما لا برهان له به. وبالله تعالى التوفيق.

57 - مسألة : وأن الله تعالى يتنزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ، وهو فعل يفعله عز وجل ليس حركة ، ولا نقلة .

برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا يحيى بن يحيى قرأت على مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن أبي عبد الله الأغر وعن أبي سلمة بن عبد الرحمان ، عن أبي هريرة أن رسول الله قال : «يتنزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له» .

قال مسلم : وحدثناه قتيبة بن سعيد ، حدثنا يعقوب ، هو ابن عبد الرحمان القاري ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله  : «ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل (الأول) فيقول: أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؛ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر» .

قال مسلم : وحدثناه إسحاق بن منصور ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا يحيى ، هو ابن أبي كثير ، حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمان ، حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله  : «إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله (تبارك وتعالى) إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل يعطى ؟ هل من داع يستجاب له ؟ هل من مستغفر يغفر له ؟ حتى ينفجر الصبح» .

قال علي : فالرواية ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة من طريق الزهري " إذا بقي ثلث الليل الآخر "

ومن طريق يحيى بن أبي كثير " إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه "

ومن طريق أبي صالح ، عن أبي هريرة " إذا مضى ثلث الليل الأول إلى أن يضيء الفجر "

وهكذا رواه ابنا أبي شيبة ، وابن راهويه ، عن جرير ، عن منصور ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الأغر ، عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري ، وأوقات الليل مختلفة باختلاف تقدم غروب الشمس ، عن أهل المشرق وأهل المغرب.

فصح أنه فعل يفعله الباري عز وجل من قبول الدعاء في هذه الأوقات ، لا حركة ، والحركة والنقلة من صفات المخلوقين ، حاشا الله تعالى منها.

58 - مسألة : والقرآن كلام الله وعلمه غير مخلوق .

قال عز وجل : {ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما}

فأخبر عز وجل أن كلامه هو علمه ، وعلمه تعالى لم يزل غير مخلوق .

59 - مسألة : وهو المكتوب في المصاحف والمسموع من القارئ والمحفوظ في الصدور ، والذي نزل به جبريل على قلب محمد  : كل ذلك كتاب الله تعالى وكلامه القرآن حقيقة لا مجازا ، من قال في شيء من هذا أنه ليس هو القرآن ، ولا هو كلام الله تعالى فقد كفر ، لخلافه الله تعالى ورسوله وإجماع أهل الإسلام .

قال عز وجل : {فأجره حتى يسمع كلام الله} .

وقال تعالى {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون}

وقال تعالى: {بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ}

وقال تعالى: {في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون * تنزيل من رب العالمين}

وقال تعالى: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنآ إلا الظالمون} وقال تعالى: {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين} .

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا القعنبي ، عن مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر قال : «نهى رسول الله أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو» .

ولا يحل لأحد أن يصرف كلام الله تعالى وكلام رسول الله إلى المجاز ، عن الحقيقة بدعواه الكاذبة. وبالله تعالى التوفيق.

60 - مسألة : وعلم الله تعالى حق لم يزل عز وجل عليما بكل ما كان أو يكون مما دق أو جل لا يخفى عليه شيء .

قال عز وجل : {وهو بكل شيء عليم} وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه شيء .

وقال تعالى {يعلم السر وأخفى} والأخفى من السر هو مما لم يكن بعد .

61 - مسألة : وقدرته عز وجل وقوته حق لا يعجز ، عن شيء ، ولا عن كل ما يسأل عنه السائل من محال أو غيره مما لا يكون أبدا .

قال عز وجل : {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة} .

حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدثنا معن بن عيسى ، حدثنا عبد الرحمان بن أبي الموال سمعت محمد بن المنكدر يحدث عبد الله بن الحسن قال : حدثني جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله « يعلم أصحابه الاستخارة فذكر الحديث وفيه اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك» .

وقال عز وجل : {لو أردنآ أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنآ إن كنا فاعلين} .

وقال تعالى: {لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشآء} .

وقد أخبر عز وجل أنه قادر على ما لا يكون أبدا:

قال عز وجل: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا} . وقال تعالى: {والله على كل شيء قدير} .

وقال تعالى: {إنمآ أمره إذآ أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} .

ولو لم يكن تعالى كذلك لكان متناهي القدرة ، ولو كان متناهي القدرة لكان محدثا ، تعالى الله ، عن ذلك ، وهو تعالى مرتب كل ما خلق ، وهو الذي أوجب الواجب وأمكن الممكن وأحال المحال ، ولو شاء أن يفعل كل ذلك على خلاف ما فعله ، لما أعجزه ذلك ، ولكان قادرا عليه ، ولو لم يكن كذلك لكان مضطرا لا مختارا. وهذا كفر ممن قاله.

قال عز وجل : {وربك يخلق ما يشآء ويختار} .

62 - مسألة : وأن لله عز وجل عزا وعزة ، وجلالا وإكراما ، ويدا ويدين وأيد ، ووجها وعينا وأعينا وكبرياء ، وكل ذلك حق لا يرجع منه ، ولا من علمه تعالى وقدره وقوته إلا إلى الله تعالى ، لا إلى شيء غير الله عز وجل أصلا ، مقر من ذلك مما في القرآن ، وما صح عن رسول الله .

ولا يحل أن يزاد في ذلك ما لم يأت به نص من قرآن أو سنة صحيحة .

قال عز وجل : {ذو الجلال والإكرام} .

وقال تعالى: {يد الله فوق أيديهم} و{لما خلقت بيدي} و {مما عملت أيدينآ أنعاما} {إنما نطعمكم لوجه الله} {ولتصنع على عيني} {فإنك بأعيننا} .

ولا يحل أن يقال عينين لانه لم يأت بذلك نص ، ولا أن يقال " سمع وبصر ، ولا حياة " لانه لم يأت بذلك نص ، لكنه تعالى سميع بصير حي قيوم .

حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني أحمد بن يوسف الأزدي ، حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا أبو إسحاق هو السبيعي ، عن أبي مسلم الأغر أنه حدثه ، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا : قال رسول الله  : «العز إزاره، والكبرياء رداؤه» يعني الله تعالى .

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا الفضل بن موسى ، حدثنا محمد بن عمرو ، حدثنا أبو سلمة ، هو ابن عبد الرحمان بن عوف ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله في حديث : خلق الله تعالى الجنة والنار «أن جبريل قال لله تعالى: وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد» .

ولو كان شيء من ذلك غير الله تعالى لكان إما لم يزل .

وأما محدثا ، فلو كان لم يزل لكان مع الله تعالى أشياء غيره لم تزل ، وهذا شرك مجرد ، ولو كان محدثا لكان تعالى بلا علم ، ولا قوة ، ولا قدرة ، ولا عز ، ولا كبرياء قبل أن يخلق كل ذلك وهذا كفر .

وقال تعالى : {إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}

وقال تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا}

وقال تعالى: {ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون}

وقال تعالى: {وذروا الذين يلحدون في أسمآئه} .

فصح أنه لا يحل أن يضاف إليه تعالى شيء ، ولا أن يخبر عنه بشيء ، ولا أن يسمى بشيء إلا ما جاء به النص. ونقول : إن لله تعالى مكرا وكيدا.

وقال تعالى {أفأمنوا مكر الله}

وقال تعالى: {وأكيد كيدا} وكل ذلك خلق له تعالى. وبالله تعالى التوفيق.

63 - مسألة : وأن الله تعالى يراه المسلمون يوم القيامة بقوة غير هذه القوة .

قال عز وجل : {وتذرون الآخرة * وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة} .

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن السليم ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا ابن أبي شيبة هو أبو بكر ، حدثنا جرير ، ووكيع وأبو أسامة كلهم ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن جرير بن عبد الله أنه سمع رسول الله يقول ونظر إلى القمر «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته» .

ولو كانت هذه القوة لكانت لا تقع إلا على الألوان ، تعالى الله ، عن ذلك .

وأما الكفار فإن الله عز وجل قال : {إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} .

64 - مسألة : وأن الله تعالى كلم موسى عليه السلام ومن شاء من رسله .

قال تعالى {وكلم الله موسى تكليما} {اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} ، {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله} .

65 - مسألة : وأن الله تعالى اتخذ إبراهيم ومحمدا خليلين .

قال عز وجل : {واتخذ الله إبراهيم خليلا} .

حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثحدثنا محمد بن بشار العبدي ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن إسماعيل بن رجاء قال سمعت عبد الله بن أبي الهذيل يحدث ، عن أبي الأحوص قال : سمعت عبد الله بن مسعود يحدث ، عن النبي ، أنه قال : « لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكنه أخي وصاحبي، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا» .

باب التوحيد
التوحيد (مسألة 1 - 20) | التوحيد (مسألة 21 - 40) | التوحيد (مسألة 41 - 65) | التوحيد (مسألة 66 - 91)