محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة الثامنة والخمسون

ابن حزم - المحلى المؤلف ابن حزم
الحضانة (مسألة 2018)


الحضانة

2018 - مسألة: الأم أحق بحضانة الولد الصغير والأبنة الصغيرة حتى يبلغا المحيض، أو الأحتلام، أو الإنبات مع التمييز، وصحة الجسم سواء كانت أمة أو حرة، تزوجت أو لم تتزوج، رحل الأب عن ذلك البلد أو لم يرحل والجدة أم. فإن لم تكن الأم مأمونة في دينها ودنياها نظر للصغير أو الصغيرة بالأحوط في دينهما ثم دنياهما، فحيثما كانت الحياطة لهما في كلا الوجهين وجبت هنالك عند الأب، أو الأخ، أو الأخت، أو العمة، أو الخالة، أو العم، أو الخال وذو الرحم أولى من غيرهم بكل حال، والدين مغلب على الدنيا. فإن استووا في صلاح الحال فالأم والجدة، ثم الأب والجد، ثم الأخ والأخت، ثم الأقرب فالأقرب. والأم الكافرة أحق بالصغيرين مدة الرضاع، فإذا بلغا من السن والأستغناء مبلغ الفهم فلا حضانة لكافرة، ولا لفاسقة.

برهان ذلك: قول الله عز وجل: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} فأما الأم فإنه في يدها ; لأنه في بطنها ثم في حجرها مدة الرضاع بنص قول الله عز وجل: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} فلا يجوز نقله أو نقلها عن موضع جعلهما الله تعالى فيه بغير نص، ولم يأت نص صحيح قط بأن الأم إن تزوجت يسقط حقها في الحضانة، ولا بأن الأب إن رحل عن ذلك البلد سقط حق الأم في الحضانة.

روينا من طريق مسلم أنا قتيبة بن سعيد، وزهير بن حرب قالا جميعا: أنا جرير بن حازم عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رجل يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك، قال: ثم من قال: أمك، قال: ثم من قال: أمك، قال: ثم من قال: أبوك.

ومن طريق مسلم أنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني، أخبرنا ابن فضيل عن أبيه عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك أدناك فهذا نص جلي على إيجاب الحضانة ; لأنها صحبة.

وأما تقديم الدين فلقول الله عز وجل: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}. وقوله تعالى: {كونوا قوامين بالقسط}. وقوله تعالى: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه}. فمن ترك الصغير والصغيرة حيث يدربان على سماع الكفر، ويتمرنان على جحد نبوة رسول الله وعلى ترك الصلاة، والأكل في رمضان، وشرب الخمر والأنس إليها حتى يسهل عليهما شرائع الكفر، أو على صحبة من لا خير فيه، والأنهماك على البلاء: فقد عاون على الإثم والعدوان، ولم يعاون على البر والتقوى، ولم يقم بالقسط، ولا ترك ظاهر الإثم وباطنه وهذا حرام ومعصية. ومن أزالهما عن المكان الذي فيه ما ذكرنا إلى حيث يدربان على الصلاة والصوم، وتعلم القرآن، وشرائع الإسلام، والمعرفة بنبوة رسول الله والتنفير عن الخمر والفواحش: فقد عاون على البر والتقوى، ولم يعاون على الإثم والعدوان، وترك ظاهر الإثم وباطنه، وأدى الفرض في ذلك.

وأما مدة الرضاع فلا نبالي عن ذلك لقول الله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين}. ولأن الصغيرين في هذه السن ومن زاد عليها بعام أو عامين لا فهم لهما، ولا معرفة بما يشاهدان، فلا ضرر عليهما في ذلك. فإن كانت الأم مأمونة في دينها والأب كذلك: فهي أحق من الأب، لقول رسول الله الذي ذكرنا، ثم الجدة كالأم، فإن لم تكن مأمونة لا الأم، ولا الجدة في دينها أو تزوجت غير مأمون في دينه، وكان الأب مأمونا: فالأب أولى، ثم الجد. فإن لم يكن أحد ممن ذكرنا مأمونا في دينه، وكان للصغير أو الصغيرة أخ مأمون في دينه، أو أخت مأمونة في دينها: فالمأمون أولى، وهكذا في الأقارب بعد الإخوة. فإن كان اثنان من الإخوة أو الأخوات، أو الأقارب مأمونين في دينهما مستويين في ذلك. فإن كان أحدهما أحوط للصغير في دنياه: فهو أولى، فإن كان أحدهما أحوط في دينه والآخر أحوط في دنياه: فالحضانة لذي الدين لما ذكرنا قبل. ولقول الله تعالى: {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما}. وتفسير الحياطة في الدنيا: أن يكون أحدهم أشد رفاهية في عيشه، ومطعمه وملبسه، ومرقده وخدمته، وبره وإكرامه، والأهتبال به فهذا فيه إحسان إلى الصغير والصغيرة، فواجب أن يراعى بعد الدين لقوله تعالى {وبالوالدين إحسانا وبذي القربى}.

وروينا من طريق وكيع عن الحسن بن عتبة عن سعيد بن الحارث قال: اختصم خال وعم إلى شريح في صبي فقضى به للعم، فقال الخال: لا أنفق عليه من مالي فدفعه إليه شريح وهذا نص قولنا.

قال أبو محمد: فإن استووا الأخوات أو الإخوة في كل ذلك، أو الأقارب، فإن تراضوا في أن يكون الصغير أو الصغيرة عند كل واحد منهم مدة فذلك لهم، فإن كان في ذلك ضرر على الصغير أو الصغيرة: فإن كان تقدم كونه عند أحدهم لم يزل عن يده،، فإن أبوا فالقرعة.

وأما قولنا إن الأمة والحرة سواء فلأن القرآن والسنة لم يأت في أحدهما نص في التفريق بينهما فالحكم فيما لا نص فيه شرع لم يأذن به الله تعالى.

وأما قولنا سواء رحل الأب أو لم يرحل فلأنه لم يأت نص قرآن، ولا سنة بسقوط حضانة الأم من أجل رحيل الأب فهو شرع باطل ممن قال به، وتخصيص للقرآن والسنن التي أوردنا، ومخالف لهما بالرأي الفاسد وسوء نظر للصغيرين وإضرار بهما، في تكليف الحل والترحال والإزالة عن الأم والجدة وهذا ظلم لا خفاء به، وجور لا شك فيه.

وأما قولنا إنه لا يسقط حق الأم في الحضانة بزواجها إذا كانت مأمونة وكان الذي تزوجها مأمونا فللنصوص التي ذكرنا ولم يخص عليه الصلاة والسلام زواجها من غير زواجها. ولما روينا من طريق البخاري أنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير، أخبرنا ابن علية أنا عبد العزيز عن أنس بن مالك قال: قدم رسول الله المدينة ليس له خادم فأخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إن أنسا غلام كيس فليخدمك قال: فخدمته في السفر والحضر وذكر الخبر فهذا أنس في حضانة أمه، ولها زوج وهو أبو طلحة بعلم رسول الله ولا فرق في النظر والحياطة بين الربيب زوج الأم والربيبة زوجة الأب، بل في الأغلب الربيب أشفق، وأقل ضررا من الربيبة، وإنما يراعى في كل ذلك الدين، ثم صلاح الدنيا فقط.

واحتج المانعون من ذلك بما روينا من طريق عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج أنا أبو الزبير عن رجل صالح من أهل المدينة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: كانت امرأة من الأنصار تحت رجل من الأنصار فقتل عنها يوم أحد وله منها ولد فخطبها عم ولدها ورجل آخر إلى أبيها فأنكح الآخر، فجاءت إلى النبي فقالت: أنكحني أبي رجلا لا أريده وترك عم ولدي فيأخذ مني ولدي فدعا رسول الله أباها فقال له: أنت الذي لا نكاح لك اذهبي فأنكحي عم ولدك.

قال أبو محمد: هذا مرسل وفيه مجهول، ومثل هذا لا يحتج به وذكروا ما روينا من طريق أبي داود أنا محمود بن خالد السلمي أنا الوليد، هو ابن مسلم عن أبي عمرو الأوزاعي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن امرأة طلقها زوجها وأراد انتزاع ولده منها فقال لها رسول الله أنت أحق به ما لم تنكحي وهذه صحيفة لا يحتج بها ".

وقد ذكرنا في " كتابنا الموسوم بالإعراب " وفي " كتاب الإيصال " ما تركوا فيه رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولم يعيبوه إلا بأنه صحيفة.

فإن قيل: فهلا قلتم: الخالة كالجدة، لقول الله عز وجل: {ورفع أبويه على العرش} وإنما كانت خالته وأباه. قلنا: لم يأت قط نص عن رسول الله أنها كانت خالته وإنما هي من أخبار بني إسرائيل وهي ظاهرة الكذب، ولعلها كانت أمه من الرضاعة، فهما أبوان على هذا.

فإن قيل: فقد رويتم عن أبي داود أنا عباد بن موسى أنا إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ، وهبيرة عن علي بن أبي طالب فذكر أخذه بنت حمزة من مكة، وأن جعفر بن أبي طالب قال: ابنة عمي وخالتها عندي فقضى بها لخالتها وقال: الخالة بمنزلة الأم.

قلنا: لا يصح ; لأن إسرائيل ضعيف وهانئ، وهبيرة مجهولان.

فإن قيل: فقد رويتم من طريق أبي داود أنا محمد بن عيسى أنا سفيان عن أبي فروة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن رسول الله قضى ببنت حمزة لجعفر ; لأن خالتها عنده. قلنا: هذا مرسل، ولا حجة في مرسل وأبو فروة هو مسلم بن سالم الجهني وليس بالمعروف.

فإن قيل: قد حدثكم يوسف بن عبد الله النمري قال أنا عبد الله بن محمد يوسف الأزدي، أخبرنا إسحاق بن أحمد أنا العقيلي أنا أحمد بن داود أنا عمران الحصني أنا يوسف بن خالد السمتي " أنا أبو هريرة المدني عن مجاهد عن أبي هريرة أن رسول الله قال: الخالة أم. قلنا: هذا أسقط من أن يشتغل به ; لأن فيه يوسف بن خالد السمتي، وهو مرغوب عنه متروك مذكور بالكذب وأبو هريرة المدني لا يدري أحد من هو.

فإن قيل: فقد حدثكم أحمد بن محمد الطلمنكي أنا محمد بن أحمد بن مفرج أنا محمد بن أيوب الصموت أنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار أنا محمد بن المثنى أنا أبو عامر العقدي أنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله يعني ابن الهادي عن محمد بن إبراهيم عن نافع بن عجير عن أبيه عن علي بن أبي طالب أنه اختصم هو وأخوه جعفر وزيد بن حارثة في حضانة بنت حمزة، فقال رسول الله : أما الجارية فأقضي بها لجعفر تكون مع خالتها وإنما الخالة أم. قلنا: نافع بن عجير وأبوه عجير مجهولان، ولا حجة في مجهول إلا أن هذا الخبر بكل وجه حجة على الحنفيين، والمالكيين، والشافعيين ; لأن خالتها كانت متزوجة بجعفر وهو أجمل شاب في قريش وليس هو ذا محرم من بنت حمزة ونحن لا ننكر قضاءه عليه الصلاة والسلام بها لجعفر من أجل خالتها ; لأن ذلك أحوط لها. فإن قيل: فهلا قلتم بتخييره إذا عقل لما حدثكم به حمام بن أحمد أنا عباس بن أصبغ أنا محمد بن عبد الملك بن أيمن أنا أحمد بن زهير بن حرب أنا أبي أنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن هلال بن أسامة عن " أبي ميمونة قال: شهدت أبا هريرة خير غلاما بين أبيه وأمه.

ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أنا وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي ميمونة عن أبي هريرة أن امرأة جاءت إلى النبي قد طلقها زوجها فأرادت أن تأخذ ولدها فقال رسول الله استهما عليه ثم قال عليه الصلاة والسلام للغلام: تخير أيهما شئت فاختار أمه. قلنا: أبو ميمونة هذا مجهول ليس هو والد هلال الذي روي عنه ثم إذا تدبر لم تكن فيه حجة ; لأنه ليس فيه أنه لو تخير أباه قضي له به.

وأيضا فنحن لا ننكر تخييره إذا كان أحد الأبوين أرفق به، ولا شك في أن رسول الله لا يخير بين خير وشر، ولا شك في أنه عليه الصلاة والسلام لا يخير إلا بين خيرين.

وكذلك نحن على يقين من أنه عليه الصلاة والسلام لا يترك أحدا على اختياره ما هو فساد له في دينه أو في حالته، فقد يسوء اختيار الصغير لنفسه، ويميل إلى الراحة والإهمال، فلا شك في أنه عليه الصلاة والسلام إن كان خير الصبي فلم ينفذ اختياره إلا وقد اختار الذي يجب أن يختار لا يجوز غير ذلك أصلا.

فإن قيل: فقد ذكرتم ما حدثكم عبد الله بن ربيع التميمي أنا محمد بن معاوية القرشي أنا أحمد بن شعيب النسائي أنا محمود بن غيلان أنا عبد الرزاق أرنا سفيان هو الثوري عن عثمان البتي عن عبد الحميد الأنصاري عن أبيه عن جده أنه لما أسلم وأبت امرأته أن تسلم فجاء ابن لهما صغير لم يبلغ ثم خيره عليه الصلاة والسلام بينهما فاختار أمه، فقال: اللهم اهده فذهب إلى أبيه.

قلنا: هذا خبر لم يصح قط ; لأن الرواة له اختلفوا فقال عثمان البتي: عبد الحميد الأنصاري عن أبيه عن جده. وقال مرة أخرى: عبد الحميد بن يزيد بن سلمة: أن جده أسلم. وقال مرة أخرى: عبد الحميد بن سلمة عن أبيه عن جده. وقال عيسى: عبد الحميد بن جعفر أخبرني أبي عن جدي رافع بن سنان. وكل هؤلاء مجهولون، ولا يجوز تخيير بين كافر ومسلم أصلا. فهذا ما يذكر من الآثار في هذا الباب.

وأما ما جاء عن السلف فيه: فروينا من طريق الزهري، وعكرمة أنه قضى بحضانة ابن لعمر بن الخطاب لأم الصبي وقال: هي أحق به ما لم تتزوج وكان عمر نازعها فيه وخاصمها إلى أبي بكر وهذان منقطعان.

ومن طريق ابن وهب، عن ابن لهيعة عن غير واحد من الأنصار، وغيرهم: أن أم عاصم بن عمر تزوجت فقضى أبو بكر بعاصم لأم أمه، وقد كان عمر يخاصمها فيه، وهذا لا شيء ; لأن ابن لهيعة ساقط، فكيف وهو عمن لا يدرى.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج أخبرني عطاء الخراساني، عن ابن عباس أن عمر خاصم امرأته أم ابنه عاصم إلى أبي بكر إذ طلقها وقال: أنا أحق به، فقال له أبو بكر: ريحها وحرها وفراشها خير له منك حتى يشب ويختار لنفسه وقضى أبو بكر لها به.

ومن طريق القاسم بن محمد أن أبا بكر قضى لجدة عاصم بن عمر أم أمه وقد جاذبها عمر فيه، وهذا منقطع فهذا ما يعرف عن أبي بكر رضي الله عنه.

وأما عمر رضي الله عنه: فروينا من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: خير عمر غلاما بين أبيه وأمه فاختار أمه فانطلقت به.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن إسماعيل بن عبيد الله عن عبد الرحمن بن غنيم قال: اختصم إلى عمر بن الخطاب في غلام فقال: هو مع أمه حتى يعرب عنه لسانه فيختار.

ومن طريق حماد بن سلمة عن الأغر بن سويد عن عمير بن سعيد أن عمر قضى بالولد للعم دون الأم، ثم رده إلى الأم فهذا ما بلغنا عن عمر رضي الله عنه.

وأما علي رضي الله عنه: فروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان أنا يونس بن عبيد الله الحرمي حدثني عمارة بن ربيعة أنه خاصم فيه أمه وعمه إلى علي بن أبي طالب قال: فخيرني علي ثلاثا كلهن أختار أمي ومعنا أخ لي صغير، ف

قال علي: هذا إذا بلغ مبلغ هذا خير.

وأما أبو هريرة فقد ذكرنا عنه التخيير قبل، فهذا ما حضرنا فيه عن الصحابة، رضي الله عنهم، وروينا عن عمر، وابن عمر: إذا بعتم أخوين فلا تفرقوا بينهما.

وأما التابعون: فروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن شريح قال: الأم أرفق، والأب أحق، وقضى: أن الصبي مع أمه إذا كانت الدار واحدة ويكون معهم من النفقة ما يصلحهم.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن أجلح: أن شريحا قضى بالصبي للجدة إذا تزوجت أمه.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: الأم أحق بالولد ما لم تتزوج فإذا تزوجت أخذه أبوه.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج سمعت عطاء سئل عن ولد المكاتب والعبد من الحرة فقال: الأم أحق به ; لأنها حرة.

ومن طريق ابن وهب عن الليث بن سعد قال:، أخبرنا يحيى بن سعيد أن المرأة إذا طلقت فهي أولى بالولد الذكر والأنثى ما لم تتزوج، فإذا خرج الوالد إلى أرض يسكنها كان أولى بالولد وإن كانوا صغارا وإن هو خرج غازيا أو تاجرا فالأم أحق بولدها إلا أن يكون غزا غزوة انقطاع لا نعلم عن تابع غير ما ذكرنا. وما نعلم استثناء الزواج في الأم إلا عن شريح، والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري إلا أن الزهري قضى به في ذلك للأب وقضى به شريح للجدة.

فإن قالوا: لعل الزهري قضى به للأب إذا لم يكن له جدة، ولا خالة

قلنا: ولعل شريحا إنما قضى به للجدة إذا لم يكن للولد أب وما وجدنا إباحة رحيل الأب بالولد إلا عن يحيى بن سعيد وحده وكلام شريح في ذلك وليس بالبين، أفيكون أكذب ممن ادعى الإجماع في هذا ونعوذ بالله من الخذلان واستسهال الكذب.

وأما المتأخرون فإن سفيان الثوري قال: إن تزوجت الأم فالخالة أحق وقال الأوزاعي: إذا تزوجت الأم فالجدة للأب أحق بالولد، فإن لم تكن فالعم أحق بالولد من جدته أم أمه فإن طلقت الأم لم ترجع إلى الحضانة. وقال الليث بن سعد: الأم أحق بالأبن حتى يبلغ ثماني سنين وبالأبنة حتى تبلغ، ثم الأب أولى بها، إلا أن تكون الأم غير مرضية فتنتزع الأبنة منها قبل ذلك. وقال الحسن بن حي: الأم أولى حتى تكعب الأبنة، وييفع الغلام فيخيران بين أبويهما، فأيهما اختار قضي له بذلك، ثم إن بدا للولد والأبنة بعد ذلك فأراد الرجوع إلى الآخر فذلك لهما، فإن تزوجت الأم فلا حق لها في الحضانة، فإن طلقت قبل وقت تخيير الولد والأبنة عادت على حقها في الحضانة، قال: فإذا بلغت الأبنة وهي مأمونة فلها أن تسكن حيث شاءت، كذلك الأبن إذا بلغ وأونس رشده.

وقال أبو حنيفة: الأم أحق بالأبن والأبنة الصغيرين، ثم الجدة أم الأم ثم أم الأب، ثم الأخت الشقيقة، ثم الأخت للأم. ثم اختلف قوله فمرة قال: ثم الخالة، ثم الأخت للأب، ثم العمة وبه يأخذ زفر ومرة قال: ثم الأخت للأب، ثم الخالة، ثم العمة، وبه يأخذ أبو يوسف. ثم لم يختلف قوله في أن الخالة الشقيقة أحق من الخالة للأب، وأن الخالة للأب أحق من الخالة للأم، والخالة للأم أحق من العمة الشقيقة، والعمة الشقيقة أحق من العمة للأب، وأن العمة للأب أحق من العمة للأم.

وقال أبو حنيفة: والكافرة والمؤمنة سواء. قال: فالأم والجدتان أحق بالجارية حتى تحيض، وبالغلام حتى يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس ثيابه وحده.

وأما الأخوات، والخالات، والعمات فهن أحق بالجارية والغلام حتى يأكلا وحدهما، ويشربا وحدهما ويلبسا ثيابهما وحدهما فقط. ولا حق لمن ذكرنا في الحضانة إن تزوجن إلا أن يكون زوج الجدة هو الجد، ويكون زوج سائر من ذكرنا ذا رحم محرمة من الجارية والغلام فلا يسقط بذلك حق الحضانة لهن.

قال: وبعد كل من ذكرنا تجب الحضانة للأب، ثم لأب الأب، ثم للأخ الشقيق، ثم للأخ للأب، ثم للعم الشقيق، ثم للعم للأب. قال: ولا حق في الحضانة للأخ للأم، ولا للعم للأم، ولا للجد للأم، ولا للخال جملة، ولا للرجل تكون قرابته من قبل الأم. وقد روي عن زفر: أن الخالة أولى من الجدة للأب، وأن الأخت الشقيقة والأخت للأم سواء لا تقدم إحداهما على الأخرى قالوا: فإن أمت أو طلقت إحدى من ذكرنا رجعت على حقها في الحضانة.

وقال مالك: الأم أحق بحضانة الولد، ثم الجدة أم الأم، ثم الخالة، ثم الجدة من قبل الأب، ثم الأخت، ثم العمة، ثم ابنة الأخ. قال: وكل هؤلاء أحق بالذكر حتى يبلغ الحلم، وبالأبنة حتى تزوج. قال: فإن تزوجت الأم سقط حقها في الحضانة فإن كان زوج الجدة الجد لم يسقط حقها في الحضانة قال: ثم بعد ابنة الأخ الأب، ثم العصبة.

وقال الشافعي: الأم أحق بالأبن والأبنة ما لم تتزوج، ثم الجدة من قبل الأم وإن علت، ثم الأب، ثم الجد أبو الأب وإن علا، ثم سائر العصبة: الأخ، وابن الأخ، والعم، وابن العم، ثم الجدة أم الأب، ثم أمهاتها، ثم الجدة أم أب الأب، ثم أمهاتها وإن علت، ثم الأخت الشقيقة، ثم الأخت للأب، ثم الأخت للأم، ثم الخالة الشقيقة، ثم الخالة للأب، ثم العمة. قال: فإذا بلغ الصغير سبع سنين وهو يعقل عقل مثله خير بين أبيه وأمه، فحيث اختار جعل فإن تزوجت الأم خرجت عن الحضانة فإن أمت عادت إلى حقها في الحضانة. واختلفوا في رحيل الأب فقال أبو حنيفة: إن كان النكاح وقع في مصر فأرادت المرأة أن تشخص بولدها الصغار فالوالد أحق فإن سكنت في غير الموضع الذي وقع فيه عقد النكاح فأرادت الرجوع إلى المكان الذي وقع فيه عقد النكاح فلها ذلك وهي في ذلك أحق بهم من الأب ولها أن ترحل بهم إلى ما يقرب من المصر الذي وقع فيه عقد النكاح إن كان يمكن عصبة الولد أن ينهضوا إلى رؤية الصغير أو الصغيرة ويرجعوا من نهارهم، وقال ابن أبي ليلى: نحو ذلك.

وقال مالك: للأب أن يرحل ببنيه إذا كان راحلا رحلة إقامة لا رجوع له صغارا كانوا أو كبارا قال: والعصبة كالأب في ذلك إذا مات الأب، قال: وليس للأم أن ترحلهم إلى البريد ونحوه. وقال الليث، والشافعي نحو ذلك.

قال أبو محمد: كل ما ذكرنا من حق الحضانة في الزوجات فهو في المماليك المسبيين، والمبيعين، كل ذلك سواء سواء ; لأن النصوص التي أوردنا تقتضي ذلك، ولا يفسخ البيع، لكن يخير من له ملك الصغير والصغيرة على أن يدعهما عند من له حضانتهما ; لأنه لم يأت نص بفسخ البيع.

وقال أبو حنيفة: لا يفرق بين الصغير والصغيرة وبين ذوي رحمها المحرمة، فإن بيع الصغير أو الصغيرة دون ذوي رحمها أو ذات رحمه لم يفسخ البيع. قال أبو يوسف: يفسخ في الأم والولد خاصة

وقال مالك، والليث، والشافعي: يفرق بين الصغيرين وبين كل ذي رحم محرمة إلا الأبوين فقط فلا يفرق بينهما وبين ولدهما.

وقال أحمد بن حنبل: لا يفرق بين الصغيرين من السبي وبين ذوي رحمه المحرمة. وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: لا يفرق بين الولد وأمه وإن كان بالغا.

قال أبو محمد: إنما أوردنا هذه الأقوال ليوقف على تخاذلها وتناقضها وفسادها، وأنها استحسانات لا معنى لها، وليظهر كذب من ادعى الإجماع في شيء من ذلك.

وروينا من طريق شعبة عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن فروخ عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: إذا بعتم أخوين فلا تفرقوا بينهما. أنا محمد بن سعيد بن نبات أنا أحمد بن عون الله أنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني أنا محمد بن بشار أنا عثمان بن عمر، عن ابن أبي ذئب عمن سمع سالم بن عبد الله بن عمر يذكر عن أبيه، أنه قال: إذا بعتم أخوين فلا تفرقوا بينهما، قلت له: إذا لا يعتدل القسم قال: لا اعتدل. وعن عثمان رضي الله عنه أن لا يباع السبي إلا أعشاشا وعن عمر بن عبد العزيز فسخ البيع بخلاف ذلك.

محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الحضانة
الحضانة (مسألة 2018) | الحضانة (مسألة 2019 - 2020)