محلى ابن حزم - المجلد الخامس/الصفحة السابعة والخمسون

ابن حزم - المحلى المؤلف ابن حزم
(مسألة 2015 - 2017)


الاستبراء

2015 - مسألة: قال أبو محمد: وقد ذكرنا في " كتاب اللعان " من ديواننا هذا حكم الولد يدعيه اثنان فصاعدا إذا لم يعرف أيهم كان معها أولا سواء من أمة كان أو من حرة ونذكر هاهنا إن شاء الله تعالى حكم ذلك إذا كان يعرف أيهما الأول من الأزواج، أو السادات في ملك اليمين.

قال أبو محمد: من كانت له جارية يطؤها وهي ممن تحيض فأراد بيعها، فالواجب عليه أن لا يبيعها حتى تحيض حيضا يتيقنه، وكذلك إن أراد إنكاحها، أو هبتها، أو صداقها، فإن كانت ممن لا تحيض فلا يبعها حتى يوقن أنه لا حمل بها ثم على الذي انتقل ملكها إليه أن لا يطأها حتى يستبرئها بحيضة، ويوقن أنها حيضة، أو حتى يوقن أنه لا حمل بها، إلا أن يصح عنده أنها قد حاضت عند الذي انتقل ملكها عنه حيضا متيقنا، وأنه لم يخرجها عن ملكه حتى أيقن أنه لا حمل بها فليس عليه أن يستبرئها حينئذ، ولا يجوز أن يجبر على مواضعتها على يدي ثقة، ولا أن يمنع منها ; لأن كلا الأمرين شرط ليس في كتاب الله تعالى. وقد قال رسول الله : كل شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل. وقد أباح الله تعالى ملك اليمين فلا يحل منع المالك من أمته. والعجب أن المالكيين الموجبين للمواضعة متفقون على أنه لا ينتفع بذلك متى ظهر بها حمل، فأي معنى لعمل لا فائدة فيه، ولا تنقطع الريبة دون أن يوجبه نص.

قال أبو محمد، ولا يجب في البكر استبراء أصلا، فإن ظهر بها عند المشتري، أو الذي انتقل ملكها إليه، أو الذي تزوجها حمل بقيت بحسبها حتى تضع، أو حتى توقن بأن الحمل كان قبل انتقال ملكها إليه، فإن تيقن بذلك فسخ البيع، والهبة، والإصداق، والنكاح، وردت إلى الذي كانت له، فإن كان تزوجها وهي أمة: أمر بأن لا يطأها حتى تضع ولم يفسخ النكاح، لما قد ذكرناه في " كتاب النكاح " من ديواننا هذا. وجملته: أنه لا عدة على أمة من غير زوج، فإذا لم تكن في عدة فنكاحها جائز، فإن لم يوقن ذلك حتى تضع: نظر فإن كان وضعها لأقل من تسعة أشهر من حين أنكر الأول وطأها، أو لأقل من ستة أشهر من حيث وطئها الثاني: فالولد للأول بلا شك. إن ولدته لأكثر من تسعة أشهر بطرفة عين من حين وطئها الثاني: فالولد للثاني بلا شك. فإن ولدته لأكثر من تسعة أشهر من حين أمكن الأول وطأها، ولأقل من ستة أشهر من حين وطئها الثاني: فهو غير لاحق بالأول، ولا بالثاني، وهو مملوك للثاني إن كانت أمه أمة، إلا أنها تعتق عليه، ولا بد،.

لما ذكرنا في " كتاب العتق ". فلو ولدته لأقل من تسعة أشهر من حين أمكن الأول وطأها، ولأكثر من ستة أشهر من حين وطئها الثاني: فهو للأول، ولا بد، لأن فراشه كان قبل فراش الثاني، فلا ينتقل عنه إلا بنص، أو يقين من ضرورة مشاهدة وقد قال رسول الله : الولد لصاحب الفراش. فإذ لا شك في هذا فلا يجوز أن يبطل الفراش الأول الذي هو المتيقن ويصح فراش ثان بظن، لكن بيقين لا مجال للشك فيه. فإن تيقن بضؤولة خلقته أنه لستة أشهر، أو سبعة أشهر، أو ثمانية، وكانت هذه المدة قد استوفتها عند الثاني وتيقن بذلك أنه ليس للأول، فهو للثاني بلا شك. ولا يجوز أن يكون حمل أكثر من تسعة أشهر، ولا أقل من ستة أشهر ; لقول الله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا}.

وقال تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} فمن ادعى أن حملا وفصالا يكون في أكثر من ثلاثين شهرا: فقد قال الباطل والمحال، ورد كلام الله عز وجل جهارا. وقد قال أبو حنيفة: يكون الحمل عامين، واحتج له أصحابه بحديث فيه الحارث بن حصيرة وهو هالك أن ابن صياد ولد لسنتين وهذا كذب وباطل، وابن حصيرة هذا شيعي يقول برجعة علي إلى الدنيا. وذكروا أيضا ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي سفيان عن أشياخ لهم عن عمر: أنه رفع إليه امرأة غاب عنها زوجها سنتين فجاء وهي حبلى فهم عمر برجمها، فقال له معاذ بن جبل: يا أمير المؤمنين، إن يك السبيل لك عليها، فلا سبيل لك على ما في بطنها فتركها عمر حتى ولدت غلاما قد نبتت ثناياه فعرف زوجها شبهه، فقال عمر: عجز النساء أن تكون مثل معاذ، لولا معاذ هلك عمر.

قال أبو محمد: وهذا أيضا باطل، لأنه عن أبي سفيان وهو ضعيف عن أشياخ لهم، وهم مجهولون.

ومن طريق سعيد بن منصور أنا داود بن عبد الرحمن، عن ابن جريج عن جميلة بنت سعد عن عائشة أم المؤمنين قالت: ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل هذا المغزل جميلة بنت سعد مجهولة: لا يدرى من هي فبطل هذا القول والحمد لله رب العالمين.

وقالت طائفة: يكون الحمل أكثر من أربع سنين: رويناه عن سعيد بن المسيب من طريق فيها علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وهو قول الشافعي، ولا نعلم لهذا القول شبهة تعلقوا بها أصلا.

وقالت طائفة: يكون الحمل خمس سنين، ولا يكون أكثر أصلا وهو قول عباد بن العوام، والليث بن سعد وروي عن مالك أيضا، ولا نعلم لهذا القول متعلقا أصلا.

وقالت طائفة: يكون الحمل سبع سنين، ولا يكون أكثر وهو قول الزهري، ومالك،

واحتج مقلدوه: بأن مالكا ولد لثلاثة أعوام.، وأن نساء بني العجلان ولدن لثلاثين شهرا. وأن مولاة لعمر بن عبد العزيز حملت ثلاث سنين. وأن هرم بن حيان، والضحاك بن مزاحم حمل بكل واحد منهما سنتين.

وقال مالك: بلغني عن امرأة حملت سبع سنين.

قال أبو محمد: وكل هذه أخبار مكذوبة راجعة إلى من لا يصدق، ولا يعرف من هو لا يجوز الحكم في دين الله تعالى بمثل هذا. وممن روي عنه مثل قولنا: عمر بن الخطاب كما روينا من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قال عمر بن الخطاب أيما رجل طلق امرأته فحاضت حيضة أو حيضتين ثم قعدت فلتجلس تسعة أشهر حتى يستبين حملها، فإن لم يستبن حملها في تسعة أشهر فلتعتد بعد التسعة الأشهر ثلاثة أشهر عدة التي قد قعدت عن المحيض.

قال أبو محمد: فهذا عمر لا يرى الحمل أكثر من تسعة أشهر، وهو قول محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وأبي سليمان، وأصحابنا.

قال علي: إلا أن الولد قد يموت في بطن أمه فيتمادى بلا غاية حتى تلقيه متقطعا في سنين، فإن صح هذا فإنه حمل صحيح لا تنقضي عدتها إلا بوضعه كله إلا أنه لا يوقف له ميراث، ولا يلحق أصلا ; لأنه لا سبيل إلى أن يولد حيا، ولو سعت عند تيقن ذلك في إسقاطه بدوا لكان مباحا ; لأنه ميت بلا شك وبالله تعالى التوفيق.

وأما ولد الزوجة لا أكثر من تسعة أشهر من آخر وطء وطئها زوجها فهو متيقن بلا لعان، وكذلك إن ولدته لأقل من ستة أشهر إلا أن يكون سقطا فهو له وتصير الأمة به أم، ولده، وتنقضي به عدة المطلقة، والمتوفى عنها.

وأما استبراء الأمة المتنقلة الملك فقد اختلف في ذلك أيضا كما روينا من طريق عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج قال: قال عطاء: تداول ثلاثة من التجار جارية فولدت، فدعا عمر بن الخطاب القافة فألحقوا ولدها بأحدهم. ثم قال عمر: من ابتاع جارية قد بلغت المحيض فليتربص بها حتى تحيض، فإن كانت لم تحض فليتربص بها خمسا وأربعين ليلة.

ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا هشيم أنا الحجاج، ومنصور، قال الحجاج عن عطاء، وقال منصور عن سعيد بن المسيب، قالا جميعا: تستبرأ الأمة التي لم تحض بشهر ونصف.

وقول ثان كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري، ومعمر، قال سفيان عن فراس عن الشعبي عن علقمة، عن ابن مسعود، وقال معمر عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر، قالا جميعا: تستبرأ الأمة بحيضة.

ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج قلت لعطاء: كم عدة الأمة تباع قال: حيضة وقاله أيضا عمرو بن دينار.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في الأمة تباع وقد حاضت قال: يستبرئها الذي باعها، ويستبرئها الذي اشتراها بحيضة أخرى وقال به الثوري.

ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن في الأمة إذا باعها سيدها وهو يطؤها قال: يستبرئها بحيضة قبل أن يبيعها، ويستبرئها المشتري بحيضة أخرى

وهو قول الشافعي، وأبي سليمان.

وقول ثالث كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال أنا هشيم أنا منصور عن الحسن: أنه سئل عن استبراء الأمة التي لم تحض قال: تستبرأ بثلاثة أشهر، فأتينا ابن سيرين فسألناه عن ذلك فقال: ثلاثة أشهر، قال هشيم: وأرنا خالد الحذاء عن أبي قلابة قال: تستبرأ الأمة بثلاثة أشهر.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر قال: إذا كانت الأمة عذراء لم يستبرئها إن شاء قال أيوب: يستبرئها قبل أن يقع عليها.

وبه إلى معمر عن قتادة قال في أمة عذراء اشتراها من امرأة قال: لا يستبرئها، فإن اشتراها من رجل فليستبرئها. وقال سفيان الثوري: تستبرأ التي لم تبلغ كما تستبرأ العجوز.

وقال أبو حنيفة، وأصحابه: لا يطأ الرجل الجارية يشتريها حتى يستبرئها بحيضة، فإن كانت لا تحيض فشهر، ولا يحل له أن يتلذذ منها بشيء قبل الأستبراء. قالوا: فلو اشتراها فلم يقبضها حتى حاضت لم يجز له أن يعد تلك الحيضة استبراء، بل يستبرئها بحيضة أخرى، ولا بد. قالوا: فلو زوجها من رجل لم يكن عليه أن يستبرئها لا هو، ولا الناكح إلا في رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة، فإنه قال: لا يطؤها حتى يستبرئها بحيضة. واختلفوا في التي تحيض تباع فترتفع حيضتها لا من حمل يعرف بها قال أبو حنيفة، وأبو يوسف: لا يطؤها حتى تمضي أربعة أشهر. وقال محمد بن الحسن: لا يطؤها حتى يمضي عليها شهران وخمس ليال ثم رجع فقال: لا يطؤها حتى تمضي لها أربعة أشهر وعشر ليال. وقال زفر: لا يطؤها حتى يمضي لها سنتان وهو قول سفيان الثوري وهذه أقوال في غاية الفساد ; لأنها بلا برهان.

قال أبو محمد: واحتج من رأى الأستبراء كما ذكرنا: بما رويناه من طريق أبي داود أنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة أنا يزيد بن زريع أنا سعيد، هو ابن أبي عروبة عن قتادة عن صالح بن رستم الخزاز عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري أن بعض أصحاب رسول الله أصابوا سبايا بأوطاس فكان الناس تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله عز وجل: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت} أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن.

ومن طريق أبي داود أنا عمرو بن عون أنا شريك عن قيس بن وهب عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رفعه، أنه قال في سبايا أوطاس لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن طاووس أرسل رسول الله مناديا في بعض مغازيه: لا يقعن رجل على حامل، ولا على حائل حتى تحيض.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن زكريا عن الشعبي أصاب المسلمون سبايا يوم أوطاس فأمرهم رسول الله أن لا يقعوا على حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة لا نعلم ورد في هذا غير ما ذكرنا.

قال أبو محمد حديث طاووس، والشعبي: مرسلان، ولا حجة في مرسل وخبر أبي الوداك ساقط ; لأن أبي الوداك وشريكا ضعيفان. ثم لو صحت لكانت حجة على من احتج بها ; لأن فيها المنع من وطء التي ليست حاملا حتى تحيض، وهم لا يقولون بهذا بل يحدون حدودا ليست في هذه الآثار، ومن الكبائر مخالفة أثر يحتج به المرء ويصححه.

وأما خبر أبي علقمة فهو الذي لا يصح في هذا الباب غيره، فليس فيه ذكر للأستبراء أصلا، لا بنص، ولا بدليل فيه إباحة وطء المحصنات إذا ملكناهن فقط فهو عليهم لا لهم.

وأما الذي في آخر أي فهي لكم حلال إذا انقضت عدتهن فلا شك في أنه ليس من كلام رسول الله وأعلى مراتبه أن يكون من كلام أبي سعيد، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله . ثم لو صح أنه من كلام رسول الله وهو لا يصح أبدا لما كانت لهم فيه حجة، لأنه إنما فيه " إذا انقضت عدتهن " والعدة المعروفة في الدين ليست إلا أربعة أشهر وعشرا في الوفاة، وثلاثة قروء للتي تحيض من المطلقات، أو ثلاثة أشهر للتي لم تحض أو لا تحيض من المطلقات، أو وضع الحمل لمطلقة، أو متوفى عنها، ولا مزيد وهم هاهنا جعلوا الأستبراء بحيضة وليس هذا عدة فبطل أن يكون لهم متعلق فيه أصلا.

وأما مالك فإنه رأى الأستبراء بالمواضعة في علية الرقيق ولم يرها في الوخش ولم يجز اشتراط النقد في ذلك ورأى نفقتها مدة المواضعة على البائع. ورأى ما حدث فيها مدة المواضعة على البائع، ورأى المواضعة في البكر ولم ير مع هذا كله أن المواضعة تبرئ من الحمل وهذه أقوال لا تعرف عن أحد قبله، وهي مع ذلك في غاية المناقضة والفساد. وأول ذلك إيجابه فرضا شرط المواضعة، وهو شرط ليس في كتاب الله عز وجل وأبطل شرط نقد الثمن وهو حق للبائع مأمور في القرآن بإيفائه إياه إذ يقول الله تعالى: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} وقوله تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}. وثانيها فرقه بتفريقه في ذلك بين العالية والوخش وهذا عجب جدا أتراهم يجهلون أن الوخش يحمل كما تحمل العالية، ولا فرق. وثالثها إيجابه النفقة على البائع وهذا أكل مال بالباطل، ولا يخلو أن يكون صح بينهما بيع أو لم يصح، فإن كان صح بينهما بيع فأي شيء يوجب النفقة على البائع على أمة غيره، وإن كان لم يصح بينهما بيع فلأي معنى أوجب المواضعة. فإن قالوا: بما ظهر بها حمل فبطل البيع. قلنا: هذا لا يؤمن من عندكم بعد الحيضة في المواضعة فأوجبوا في ذلك نفقتها على البائع وإلا فقد ظهر فساد قولكم يقينا، وكذلك لا يؤمن ظهور عيب يوجب الرد، ولا فرق. ورابعها إيجابه ما حدث فيها مدة المواضعة على البائع فيلزمه فيها ما ألزمناه في إيجابه النفقة على البائع سواء سواء.

وروينا من طريق حماد بن سلمة أنا علي بن يزيد عن أيوب بن عبد الله اللخمي، عن ابن عمر قال: وقعت في سهمي جارية يوم جلولاء كأن عنقها إبريق فضة، قال ابن عمر: فما ملكت نفسي أن جعلت أقبلها والناس ينظرون فقد أجاز التلذذ قبل الأستبراء وبالله تعالى التوفيق.


2016 - مسألة: ومن استلحق ولد خادم له باعها ولم يكن عرف قبل ذلك ببينة أنه وطئها، أو بإقرار منه قبل بيعه لها بوطئه إياها لم يصدق ولم يلحق به سواء باعها حاملا، أو حدث الحمل بها بعد بيعه لها، أو باعها دون ولدها، أو باع ولدها دونها كل ذلك سواء، فلو صح ببينة عدل أنه وطئها قبل بيعه لها، أو بأنه أقر قبل أن يبيعها بوطئه لها، فإن ظهر بها حمل كان مبدؤه قبل بيعه لها بلا شك فسخ البيع بكل حال، وردت إليه أم الولد، ولحق به ولدها أحب أم كره أقر به أو لم يقر. وكل أمة لأنسان صح أنه وطئها ببينة، أو بإقرار منه، فإنه يلحق به ما ولدت أحب أم كره، ولا ينتفع بأن يدعي استبراء، أو بدعواه العزل وبالله تعالى التوفيق.

برهان ذلك: قول الله عز وجل: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} وقول رسول الله : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، ولا شك في أن الأمة قد صح ملكها، أو ملك ولدها، أو ملكهما للمشتري فقد منع الله عز وجل من قبول دعوى البائع في إبطال ملك المشتري بالملك ; لأنه كاسب على غيره، ومدع في مال سواه بلا بينة.

وقال مالك: إن باعها حاملا ثم ادعى أن ولدها منه فسخ البيع قال: فلو ادعاه وقد أعتقت لم يفسخ العتق، ولا ابتياع المعتق لها.

قال أبو محمد: وهذه مناقضة لا خفاء بها ; لأنه إذا صدق في دعواه ففسخ بها ملك مسلم وصفقته فواجب أن يصدق ويفسخ بها عتق الأمة، ولا فرق، ولئن لم يجز أن يصدق في فسخ العتق فإنه لا يجوز أن يصدق في فسخ صفقة مسلم وإبطال ملكه وبالله تعالى نتأيد. فإن قالوا: البيع يفسخ بالعيب. قلنا: والعتق يفسخ بالأستحقاق،

وأما إذا صح وطؤه لها إذا كانت في ملكه أو صح حينئذ إقراره بوطئها. فبرهان قولنا في لحاق الولد به، وفسخ العتق والبيع والإيلاد فيهما: ما روينا من طريق أبي داود السجستاني، أخبرنا مسدد أنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله في ابن أمة زمعة فقال ابن زمعة: أخي ابن أمة أبي ولد على فراش أبي فقال رسول الله : الولد للفراش احتجبي منه يا سودة هو أخوك يا عبد. أنا أحمد بن قاسم أنا أبي قاسم بن محمد بن قاسم ثنا جدي قاسم بن أصبغ أنا أحمد ابن زهير بن حرب أنا أبي أنا جرير عن المغيرة بن مقسم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: الولد لصاحب الفراش. حدثنا حمام بن أحمد أنا عباس بن أصبغ أنا محمد بن عبد الملك بن أيمن أنا بكر بن حماد التمرنتي، أخبرنا مسدد، أخبرنا يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن محمد بن زياد أنه سمع أبا هريرة يحدث عن النبي ، أنه قال: الولد لصاحب الفراش.

قال أبو محمد: فقضى رسول الله بالولد لصاحب الفراش بعد موته في أمة لم يحفظ إقرار سيدها بذلك الولد، ولو أقر به لم يحتج عبد بن زمعة لسوى ذلك. وحكم عليه الصلاة والسلام بأن الأمة فراش، وأن الولد لصاحب الفراش، وإنما تكون الأمة فراشا إذا صح أن سيدها افترشها ببينة بذلك، أو ببينة بإقراره بذلك. وليس أمره عليه الصلاة والسلام سودة أم المؤمنين بالأحتجاب منه بكادح في ذلك أصلا، ولا احتجاب الأخت عن أخيها بمبطل أخوته لها ألبتة ; لأنه ليس فرضا على المرأة رؤية أخيها لها، إنما الفرض عليها صلة رحمه فقط، ولم يأمرها عليه الصلاة والسلام قط بأن لا تصله ومن ادعى ذلك فقد كذب، وقد قال عليه الصلاة والسلام: هو أخوك يا عبد وهذا يكفي من له عقل. وقد قال بعض من لا يبالي بما أطلق به لسانه من الكذب في الدين: إنما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: هو لك يا عبد أي هو عبدك. فقلنا: الثابت، أنه قال: هو أخوك كما أوردنا، ولو قضى به عبدا لم يلزمها أن تحتجب عنه بنص القرآن، فاعجبوا لهول هؤلاء القوم فوجب ما قلنا نصا والحمد لله رب العالمين. وإذا صح أن الحمل منه فواجب فسخ بيع الحر، وبيع أم الولد، وفسخ عتق من أعتقهما، وفسخ إيلاد من أولدها بعد ذلك، وبالله تعالى التوفيق. وبهذا جاء الأثر عن السلف: روينا من طريق عبد الرزاق أنا معمر، وابن جريج كلاهما عن الزهري عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: بلغني أن رجالا منكم يعزلون، فإذا حملت الجارية قال: ليس مني، والله لا أوتى برجل منكم فعل ذلك إلا ألحقت به الولد فمن شاء فليعزل ومن شاء لا يعزل. ومن طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أن عمر بن الخطاب قال: من كان منكم يطأ جاريته فليحصنها فإن أحدكم لا يقر بإصابته جاريته إلا ألحقت به الولد. وما نعلم في هذا خلافا لصاحب إلا ما روينا من طريق محمد بن عبد الله بن يزيد المقري أنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت أن أباه كانت له جارية يعزل عنها وأنها جاءته بحمل فأنكر ذلك وذكر الحديث.

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري، عن ابن ذكوان هو أبو الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت قال: كان زيد بن ثابت يقع على جارية له، وكان يعزلها فلما ولدت انتفى من ولدها وضربها مائة ثم أعتق الغلام.

ومن طريق عبد الرزاق عن محمد بن عمر، وأخبرني عمرو بن دينار أن ابن عباس وقع على جارية له وكان يعزلها فانتفى من ولدها.

قال أبو محمد: وقال أبو حنيفة: لا يلحق ولد الأمة بسيدها سواء كانت أم ولد أو لم تكن إلا بأن يدعيه وإلا فهو منتف عنه.

وقال مالك: يلحق به لوطئه إياها إلا أن يدعي أنها استبرأت ثم لم يطأها.

قال أبو محمد: كل ما روي في هذا الباب عن الصحابة مخالف لقولهما. والعجب كله أن هذين قولان بلا دليل أصلا من قرآن، ولا من سنة، ولا من رواية سقيمة، ولا من قول صاحب، ولا من قياس، ولا من رأي له وجه. والعجب كله أن مالكا لا يرى الأستبراء يمنع من الحمل، ثم يراه هاهنا ينفي النسب به وهذا أعجب من العجب.

2017 - مسألة: والولد يلحق في النكاح الصحيح، والعقد الفاسد بالجاهل، ولا يلحق بالعالم بفساده، ويلحق في الملك الصحيح، وفي المتملكة بعقد فاسد بالجاهل، ولا يلحق بالعالم بفساده ; لأن رسول الله ألحق الناس بمن ولدوا ممن تزوجوا من النساء، وممن تملكوا في الجاهلية، ولا شك في أنه كان فيهم من نكاحه فاسد، وملكه فاسد، ونفى أولاد الزنى جملة بقوله عليه الصلاة والسلام: وللعاهر الحجر فصح ما قلنا. وأما العالم بفساد عقد النكاح، أو عقد المالك، فهو عاهر عليه الحد، فلا يلحق به الولد، والولد يلحق بالمرأة إذا زنت وحملت به، ولا يلحق بالرجل، ويرث أمه وترثه ; لأنه عليه الصلاة والسلام ألحق الولد بالمرأة في اللعان ونفاه عن الرجل. والمرأة في استلحاق الولد بنفسه كالرجل، بل هي أقوى سببا في ذلك لما ذكرنا من أنه يلحق بها من حلال كان أو من حرام ; ولأنه لا شك منها إذا صح أنها حملته وبالله تعالى التوفيق.