محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة التاسعة والثلاثون

ابن حزم - المحلى المؤلف ابن حزم
كتاب السلم (مسأله 1620 - 1625)


كتاب السلم

1620 - مسألة: ومن أسلم في صنفين ولم يبين مقدار كل صنف منهما فهو باطل مفسوخ , مثل أن يسلم في قفيزين من قمح وشعير ; لأنه لا يدري كم يكون منهما قمحا , وكم يكون شعيرا , ولا يجوز القطع بأنهما نصفان لأنه لا دليل على ذلك وبالله تعالى التوفيق. فلو أسلم اثنان إلى واحد فهو جائز , والسلم بينهما على قدر حصصهما في الثمن الذي يدفعان ; لأن الذي أسلما فيه إنما هو بإزاء الثمن بلا خلاف. فلو أسلم واحد إلى اثنين صفقة واحدة , فهما فيما قبضا سواء ; لأنهما شريكان فيه , وأخذاه معا , فلا يجوز أن يتفاضلا فيه إلا بأن يتبين عند العقد أن لهذا ثلثه ولهذا ثلثيه , أو كما يتفقون عليه وبالله تعالى التوفيق.


1621 - مسألة: ولا بد من وصف ما يسلم فيه بصفاته الضابطة له ; لأنه إن لم يفعل ذلك كان تجارة عن غير تراض , إذ لا يدري المسلم ما يعطيه المسلم إليه ، ولا يدري المسلم إليه ما يأخذ منه المسلم فهو أكل مال بالباطل. والتراضي لا يجوز ، ولا يمكن إلا في معلوم وبالله تعالى نتأيد.


1622 - مسألة: والسلم جائز فيما لا يوجد حين عقد السلم , وفيما يوجد , وإلى من ليس عنده منه شيء , وإلى من عنده. ولا يجوز السلم فيما لا يوجد حين حلول أجله.

برهان ذلك : أن رسول الله أمر بالسلم كما ذكرنا " وبين في الكيل " وفي الوزن , وإلى أجل , فلو كان كون السلم في الشيء لا يجوز إلا في حال وجوده , أو إلى من عنده ما سلم إليه فيه لما أغفل عليه السلام بيان ذلك حتى يكلنا إلى غيره , حاشا لله من ذلك وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى , وما كان ربك نسيا.

وأما السلم فيما لا يوجد حين حلول أجله فهو تكليف ما لا يطاق , وهذا باطل , قال الله تعالى : {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} فهو عقد على باطل فهو باطل.

وقولنا في هذا كله هو قول مالك , والشافعي , وأحمد , وأبي ثور وأبي سليمان ولم يجز السلم في شيء لا يوجد حين السلم فيه : سفيان , والأوزاعي , وأبو حنيفة. وزاد أبو حنيفة فقال : لا يجوز السلم إلا فيما هو موجود من حين السلم إلى حين أجله لا ينقطع في شيء من تلك المدة وما نعلم هذا القول عن أحد قبله. وقال الحسن بن حي : لا يجوز السلم في شيء ينقطع , ولو في شيء من السنة ، ولا يعلم أيضا هذا عن أحد قبله.

واحتج المانعون من هذا بنهي رسول الله عن بيع السنبل حتى يشتد وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه.

قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه : أول ذلك أنهم مخالفون له ; لأنهم يجيزون السلم في البر والشعير وهما بعد سنبل لم يشتد

وأما بيع الثمر قبل بدو صلاحه , فلا حجة لهم فيه ; لأن السلم عند الحنفيين وعندنا ليس بيعا فبطل تعلقهم به جملة. ولو كان بيعا لما حل , لنهي النبي عن بيع ما ليس عندك لا لمن هو عنده حين السلم فإن خصوا السلم من ذلك

قلنا : فخصوه من جملة بيع الثمر قبل بدو الصلاح فيه وإلا فقد تحكمتم في الباطل. وموهوا ب

ما روينا من طريق أبي داود ، حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن رجل نجراني ، عن ابن عمر قال رسول الله  : لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه. و

حدثنا حمام ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا أحمد بن محمد البرتي القاضي ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن النجراني ، عن ابن عمر عن النبي  : أنه نهى أن يسلف في ثمرة نخل حتى يبدو صلاحه النجراني عجب ما كان ليعدوهم حديث النجراني , ثم ليس فيه إلا ثمر النخل خاصة.

فإن قالوا : قسنا على ثمرة النخل

قلنا : وهلا قستم على السائمة غير السائمة , ثم ليس فيه ما قالوه من تمادي وجوده إلى حين أجله.

وأما السلم إلى من ليس عنده منه شيء : فروينا من طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا ابن أبي زائدة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع قال : كان ابن عمر إذا سئل عن الرجل يبتاع شيئا إلى أجل وليس عنده أصله لا يرى به بأسا , وكرهه ابن المسيب , وعكرمة , وطاووس , وابن سيرين فبطل كل ما تعلقوا به من الآثار. وذكروا في ذلك عمن دون رسول الله

ما روينا من طريق البخاري : ، حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي ، حدثنا شعبة عن عمرو ، هو ابن مرة عن أبي البختري قال : سألت ابن عمر عن السلم في النخل فقال : " نهى عن بيع النخل حتى يصلح وسألت ابن عباس عن السلم في النخل فقال : نهى رسول الله عن بيع النخل حتى يؤكل منه ومن البخاري : ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري سألت ابن عمر عن السلم في النخل فقال : نهى عمر عن بيع التمر حتى يصلح.

ومن طريق مالك عن نافع ، عن ابن عمر : لا بأس أن يسلم الرجل في الطعام الموصوف إلى أجل مسمى ما لم يكن ذلك في زرع لم يبد صلاحه أو ثمر لم يبد صلاحه.

ومن طريق أبي ثور ، حدثنا معلى ، حدثنا أبو الأحوص ، حدثنا طارق عن سعيد بن المسيب قال : قال عمر : لا تسلموا في فراخ حتى تبلغ وذكروا كراهية ذلك عن الأسود , وإبراهيم.

قال علي : لا حجة في أحد دون رسول الله فكيف والظاهر من قول عمر , وابنه , وابن عباس : أنهم إنما نهوا عن ذلك من أسلم في زرع بعينه أو في ثمر نخل بعينه ونص هذه الأخبار ، عن ابن عباس , وابن عمر : أنهما رأيا السلم بيعا , والحنفيون لا يرونه بيعا ومن الباطل أن يكون قولهما حجة في شيء غير حجة في شيء آخر وبالله تعالى التوفيق.


1623 - مسألة: ومن سلم في شيء فضيع قبضه أو اشتغل حتى فات وقته وعدم فصاحب الحق مخير بين أن يصبر حتى يوجد , وبين أن يأخذ قيمته لو وجد في ذلك الوقت من أي شيء تراضيا عليه لقول الله تعالى : {والحرمات قصاص} فحرمة حق صاحب السلم إذا لم يقدر على عين حقه كحرمة مثلها

وقد ذكرناه في " كتاب البيوع ".


1624 - مسألة: ولا تجوز الإقالة في السلم ; لأن الإقالة بيع صحيح على ما بينا قبل وقد صح نهي النبي عن بيع ما لم يقبض وعن بيع المجهول ; لأنه غرر لكن يبرئه مما شاء منه فهو فعل خير وبالله تعالى التوفيق.


1625 - مسألة: مستدركة من البيوع : من اشترى أرضا فهي له بكل ما فيها من بناء قائم أو شجر ثابت.

وكذلك من اشترى دارا فبناؤها كله له وكل ما يكون مركبا فيها من باب أو درج أو غير ذلك وهذا إجماع متيقن وما زال الناس يتبايعون الدور والأرضين من عهد رسول الله هكذا لا يخلو يوم من أن يقع فيه بيع دار أو أرض هكذا ، ولا يكون له ما كان موضوعا فيها غير مبني كأبواب , وسلم , ودرج , وآجر , ورخام : وخشب , وغير ذلك. ولا يكون له الزرع الذي يقلع ، ولا ينبت , بل هو لبائعه وبالله تعالى التوفيق. ومن ابتاع أنقاضا أو شجرا دون الأرض فكل ذلك يقلع ، ولا بد وبالله تعالى التوفيق.

تم كتاب السلم

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/كتاب السلم
كتاب السلم (مسأله 1613 - 1618) | كتاب السلم (مسأله 1619) | كتاب السلم (مسأله 1620 - 1625)