محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الثامنة والأربعون


كتاب الهبات

العارية

1651 - مسألة: والعارية جائزة , وفعل حسن , وهي فرض في بعض المواضع , وهي إباحة منافع بعض الشيء , كالدابة للركوب , والثوب للباس , والفأس للقطع , والقدر للطبخ , والمقلى للقلو , والدلو , والحبل , والرحى للطحن , والإبرة للخياطة , وسائر ما ينتفع به ، ولا يحل شيء من ذلك إلى أجل مسمى , لكن يأخذ ما أعار متى شاء , ومن سألها إياه محتاجا : ففرض عليه إعارته إياه إذا وثق بوفائه , فإن لم يأمنه على إضاعة ما يستعير أو على جحده فلا يعره شيئا. أما كونها فرضا كما ذكرنا , فلقول الله تعالى : {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون} فتوعد عز وجل من منع الماعون بالويل :

روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا حجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعود في قوله تعالى : {ويمنعون الماعون} قال : هو العواري : القدر , والدلو , والميزان

ومن طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد ، عن ابن مسعود قال : الماعون ما تعاوره الناس بينهم : الفأس , والقدر , وأشباهه.

ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن جابر بن صبح حدثتني أم شراحيل قالت : قالت أم عطية : اذهبي إلى فلانة فأقرئيها السلام وقولي لها : إن أم عطية توصيك بتقوى الله عز وجل ، ولا تمنعي الماعون قالت : فقلت : ما الماعون فقالت لي : هبلت , هي المهنة يتعاطاها الناس بينهم

ومن طريق يحيى بن سعيد أيضا , وعبد الرحمن بن مهدي , قال ابن مهدي : عن سفيان الثوري , وقال يحيى : عن شعبة , ثم اتفقا عن أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن عياض عن أصحاب رسول الله قالوا : الماعون منع القدر والفأس , والدلو.

ومن طريق ابن علية , وسفيان الثوري , كلاهما ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، عن ابن عباس في تفسير الماعون المذكور في الآية قال ابن عطية في روايته : متاع البيت , وقال سفيان في روايته : هي العارية والمعنى واحد. ورويناه أيضا : عن علي بن أبي طالب من طريق ابن أبي شيبة ، عن ابن علية عن ليث عن أبي إسحاق , وهؤلاء كلهم حجة في اللغة.

وروينا ، عن ابن عمر : هو المال يمنع حقه وهو موافق لما ذكرنا

وهو قول عكرمة , وإبراهيم وغيرهما , وما نعلم عن أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، خلافا لهذا

فإن قيل : قد روي عن علي رضي الله عنه أنها الزكاة

قلنا : نعم , ولم يقل ليست العارية ثم قد جاء عنه , أنها العارية. فوجب جمع قوليه.

فإن قيل : قد روي ، عن ابن عباس " لم يأت أهلها بعد " من طريق ليث عن مجاهد.

قلنا : نعم , وهذا غير مخالف لما صح عنه من طريق مجاهد ; لأن معنى قوله " لم يأت أهلها بعد " أي إن الناس اليوم يتباذلون ، ولا يمنعون وسيأتي زمان يمنعونه , ولا يحتمل ألبتة قول ابن عباس إلا هذا الوجه وبالله تعالى التوفيق.

وأما منع ذلك لمدة مسماة ; فلأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل.

وكذلك من أعار أرضا للبناء فيها , أو حائطا للبناء عليه , فله أخذه بهدم بنائه متى أحب بلا تكليف عوض لقول رسول الله  : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ، وأن من أضاع ما يستعير أو جحده ولم يؤمن ذلك منه فقد صح عن النبي النهي عن إضاعة المال ونهى الله تعالى عن التعاون على الإثم والعدوان , فلا يجوز عونه على ذلك وبالله تعالى التوفيق.


1652 - مسألة: والعارية غير مضمونة إن تلفت من غير تعدي المستعير , وسواء ما غيب عليه من العواري وما لم يغب عليه منها. فإن ادعى عليه أنه تعدى , أو أضاعها حتى تلفت , أو عرض فيها عارض , فإن قامت بذلك بينة أو أقر : ضمن بلا خلاف , وإن لم تقم بينة ، ولا أقر : لزمته العين وبرئ ; لأنه مدعى عليه وقضى رسول الله باليمين على المدعى عليه.

وأما تضمينها : فإن الناس اختلفوا : فقالت طائفة كما

قلنا.

وقالت طائفة : هي مضمونة على كل حال بأي وجه تلفت.

وقالت طائفة : لا يضمن إلا أن يشترط المعير ضمانها فيضمن حينئذ.

وقالت طائفة : لا ضمان على المستعير غير المغل يعني المتهم. وقال قائل : أما ما غيب عليه كالحلي والثياب ونحو ذلك , فيضمن جملة وقد روي عنه ، أنه قال : إن قامت له بينة بأنها تلفت من غير فعله فلا ضمان عليه , وإن لم تقم بينة فهو ضامن.

وأما ما ظهر كالحيوان ونحوه : فلا ضمان فيه ما لم يتعد.

قال أبو محمد : وهذا قول مالك , وما نعلم له فيه سلفا إلا عثمان البتي وحده , وما نعلم لهم حجة أصلا إلا أنهم قالوا : نتهم المستعير فيما غاب. .

فقلنا : ليس بالتهمة تستحل أموال الناس ; لأنها ظن , والله تعالى قد أنكر اتباع الظن , فقال تعالى : {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا}.

وقال رسول الله  : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث. ويلزمكم إذا أعملتم الظن أن تضمنوا المتهم , ولا تضمنوا من لا يتهم , كما يقول شريح. ويلزمكم أن تضمنوا الوديعة أيضا بهذه التهمة وفساد هذا القول أظهر من أن يتكلف الرد عليه بأكثر مما أوردنا وبالله تعالى التوفيق.

وقال بعضهم : قسناه على الرهن. .

فقلنا : هذا قياس للخطأ على الخطأ , وحجة لقولكم بقولكم , وكلاهما خطأ.

وقال بعضهم : لما اختلف السلف في تضمين العارية توسطنا قولهم

قلنا لهم : ومن هذا سألناكم من أين فعلتم هذا وملتم إلى هذا التقسيم الفاسد ، ولا سبيل إلى دليل أصلا , لا من قرآن , ولا من سنة , ولا رواية سقيمة , ولا قياس , ولا قول صاحب , ولا رأي له وجه فسقط هذا القول.

وأما من قال : لا ضمان على المستعير غير المغل , ولا على المستودع غير المغل , فهو قول شريح , رويناه من طريق عبد الرزاق : سمعت هشام بن حسان يذكر عن محمد بن سيرين عن شريح هذا القول , وقال : المغل : المتهم وهو يبطل بما بطل به قول مالك ; لأنه بناه على التهمة , وهو ظن فاسد.

وأما من قال : لا ضمان على المستعير إلا أن يشترط عليه الضمان فهو قول قتادة , وعثمان البتي , رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة.

قال أبو محمد : وهذا باطل ; لأنه شرط ليس في كتاب الله عز وجل , فهو باطل , ولقد كان يلزم الحنفيين , والمالكيين المجيزين للشروط الفاسدة بالخبر المكذوب المسلمون عند شروطهم أن يقولوا بقول قتادة هاهنا , ولكن لا مؤنة عليهم من التناقض فبطل هذا القول أيضا , ولم يبق إلا قول من ضمنها جملة , أو قولنا :

فنظرنا في قول من ضمنها جملة. ف

وجدنا ما روينا من طريق عبد الرزاق ، حدثنا ابن عيينة هو سفيان عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة , وعبد الرحمن بن السائب , قال ابن أبي مليكة : عن ابن عباس , وقال ابن السائب : عن أبي هريرة , قالا جميعا : العارية تغرم.

ومن طريق ابن وهب عن رجال من أهل العلم ، عن ابن عمر أنه كان يضمن العارية.

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر ، عن ابن طاووس عن أبيه قال في قضية معاذ بن جبل : العارية مؤداة. وكان شريح يضمن العارية , وضمنها الحسن , ثم رجع عن ذلك , وصح عن مسروق أيضا , وعن عطاء بن أبي رباح. وذكره ابن وهب عن يحيى بن سعيد الأنصاري , وربيعة , وذكرا : أنه قول علمائهم الذين أدركوا به وكانوا يقضون. وذكره أيضا عن سليمان بن سيار , وعمر بن عبد العزيز , ومكحول. وقال الزهري : أجمع رأي القضاة على ذلك , إذ رأوا شرور الناس وبهذا يقول الشافعي , وأحمد بن حنبل , وأصحابهما , واحتجوا بقول الله تعالى : {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}.

فقلنا لهم : فضمنوا بهذه الآية الوديعة فقد ضمنها عمر , وغيره , ونعم , هو مأمور بأدائها ما دام قادرا على أدائها , فإن عجز عن ذلك , فالله تعالى يقول : {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} فإذ ليس في وسعه أداؤها فهو غير مكلف ذلك , وليس في هذه الآية تضمين ; لأن أداء الغرامة هو غير أداء الأمانة , فلا متعلق لكم بهذه الآية أصلا ; لأنه ليس فيها أداء غيرها , ولا ضمانها , واحتجوا بما جاء في أدراع صفوان بن أمية , وبما روي العارية مؤداة والزعيم غارم وكلاهما : لا يصح : أما خبر دروع صفوان , فإننا رويناه من طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا شريك ، هو ابن عبد الله القاضي عن عبد العزيز بن رفيع عن أمية بن صفوان بن أمية عن أن رسول الله استعار منه يوم حنين أدراعا ; فقال : غصب يا محمد فقال : بل عارية مضمونة شريك مدلس للمنكرات إلى الثقات , وقد روى البلايا والكذب الذي لا شك فيه عن الثقات.

ومن طريق الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا يحيى بن أبي بكير ، حدثنا نافع عن صفوان بن أمية أنه استعار منه النبي سلاحا فقال : مضمونة قال : مضمونة. الحارث متروك , ويحيى بن أبي بكير لم يدرك نافعا , وأعلى من عنده شعبة , ولا نعلم لنافع سماعا من صفوان أصلا , والذي لا شك فيه : فإن صفوان مات أيام عثمان قبل الفتنة.

ومن طريق ابن وهب عن أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه : أن صفوان بن أمية أعار رسول الله سلاحا فقال : أعارية مضمونة أم غصب فقال : بل عارية مضمونة هذا منقطع ; لأن محمد بن علي لم يدرك صفوان ، ولا ولد إلا بعد موته بدهر.

ومن طريق مسدد ، حدثنا أبو الأحوص ، حدثنا عبد العزيز بن رفيع عن عطاء بن أبي رباح عن ناس من آل صفوان بن أمية استعار رسول الله من صفوان سلاحا , فقال صفوان : أعارية أم غصب قال : بل عارية , ففقدوا منها درعا , فقال رسول الله إن شئت غرمناها لك فقال : يا رسول الله إنه في قلبي من الإيمان ما لم يكن يومئذ هذا عن ناس لم يسموا.

ومن طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا أحمد بن سليمان ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا إسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع ، عن ابن أبي مليكة عن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية أن رسول الله استعار من صفوان بن أمية دروعا فهلك بعضها , فقال رسول الله إن شئت غرمناها لك قال : لا يا رسول الله إسرائيل ضعيف ثم ليس في قوله عليه الصلاة والسلام إن شئت غرمناها لك لو صح بيان بوجوب غرمها إذا لم يكن هاهنا غير هذا اللفظ , والأموال المحرمة لا يجوز القضاء بإباحتها بغير بيان جلي.

ومن طريق ابن وهب ، عن ابن جريج , ويونس , وعبيد الله بن عمر , قال ابن جريج : عن عطاء , وقال يونس : عن ربيعة , وقال ابن عمر عن الزهري فذكر دروع صفوان , ، وأن النبي قال : بل طوعا , وهي علينا ضامنة هذا مرسل.

ومن طريق ابن وهب عن مسلمة بن علي عن بعض أهل العلم أنه بلغه أن في شرط أهل اليمن من النبي إن كان بأرض اليمن كون أو حدث أن يعطوا رسل اليمن : ثلاثين بعيرا وثلاثين فرسا , وثلاثين درعا ; وهم ضامنون لها حتى يردوها هذا مردد في الضعف منقطع , وعمن لم يسم , ومسلمة بن علي ساقط.

ومن طريق سعيد بن منصور ، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار : شرط رسول الله على أهل نجران عارية : ثلاثين فرسا , وثلاثين درعا , وثلاثين رمحا , فإن ضاع منها شيء فهو ضامن على رسله , شهد المغيرة بن شعبة , وأبو سفيان بن حرب , والأقرع بن حابس هذا منقطع , لم يدرك عمرو من هؤلاء أحدا ورويناه أيضا من طريق هشيم عن حصين مرسل. وقد

روينا من طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عبد العزيز بن رفيع عن إياس بن عبد الله بن صفوان أن رسول الله إذا أراد حنينا قال لصفوان : هل عندك من سلاح قال : عارية أم غصبا قال : لا , بل عارية , فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعا , فلما هزم المشركون جمعت دروع صفوان , ففقد منها , فقال له رسول الله إنا قد فقدنا من أدراعك أدراعا , فهل نغرم لك فقال : لا يا رسول الله إن في قلبي اليوم ما لم يكن فهذا مرسل كتلك , وهو يبين أنها غير مضمونة في الحكم. واحتجوا بما رويناه من طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم سمعت أبا أمامة الباهلي قال : سمعت النبي في حجة الوداع يقول : العارية مؤداة , والدين مقضي , والزعيم غارم إسماعيل بن عياش ضعيف.

وروينا أيضا العارية مؤداة من طريق أحمد بن شعيب عن عبد الله بن الصباح ، حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت الحجاج بن الفرافصة حدثني محمد بن الوليد عن أبي عامر الهوزني عن أبي أمامة عن النبي الحجاج بن الفرافصة مجهول.

ومن طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا عمرو بن منصور ، حدثنا الهيثم بن خارجة ، حدثنا الجراح بن مليح حدثني حاتم بن حريث الطائي سمعت أبا أمامة عن النبي حاتم بن حريث مجهول.

ومن طريق ابن وهب ، عن ابن لهيعة عن عبد الله بن حيان الليثي عن رجل منهم قال : سمعت رسول الله يقول : العارية مؤداة , والمنحة مردودة ابن لهيعة لا شيء.

ومن طريق البزار ، حدثنا عبد الله بن شبيب ، حدثنا إسحاق بن محمد الفروي ، حدثنا عبد الله بن عمر ، حدثنا زيد بن أسلم ، عن ابن عمر عن النبي  : العارية مؤداة الفروي ضعيف , وعبد الله بن عمر هو العمري الصغير ضعيف. ثم لو صحت هذه الألفاظ لما كان فيها إلا أنها مؤداة , وهكذا نقول : إن أداءها فرض , والتضمين غير الأداء , وليس فيه أنها مضمونة أصلا فبطل تعلقهم بشيء منها. وذكروا

ما روينا من طريق شعبة عن قتادة عن سمرة بن جندب عن النبي  : على اليد ما أخذت حتى تؤديه وهذا منقطع ; لأن قتادة لم يدرك سمرة. ورويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله  : على اليد ما أخذت حتى تؤديه الحسن لم يسمع من سمرة ثم لو صح فليس فيه إلا الأداء , وهكذا نقول , والأداء غير الضمان في اللغة والحكم , ويلزمهم إذا حملوا هذا اللفظ على الضمان أن يضمنوا بذلك المرهون والودائع ; لأنها مما قبضت اليد , وكل هذا قد قال بتضمينه طوائف من الصحابة فمن بعدهم فظهر تناقضهم. وقد

روينا من طريق أحمد بن شعيب ، حدثنا إبراهيم بن المستمر ، حدثنا حبان بن هلال ، حدثنا همام بن يحيى ، حدثنا قتادة عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال : قال لي رسول الله  : إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعا وثلاثين بعيرا فقلت : يا رسول الله أعارية مضمونة أم عارية مؤداة قال : بل عارية مؤداة فهذا حديث حسن ليس في شيء مما روي في العارية خبر يصح غيره ,

وأما ما سواه فلا يساوي الأشتغال به وقد فرق فيه بين الضمان , والأداء , وأوجب في العارية الأداء فقط دون الضمان فبطل كل ما تعلقوا به من النصوص. وقالوا : وجدنا كل ما يقبضه بعض الناس من بعض من الأموال ينقسم ثلاثة أقسام : أحدها قسم منفعة للدافع دون المدفوع إليه , كالوديعة , والوكالة فهذا غير مضمون , فواجب أن يكون كل ما في هذا الباب كذلك وثانيها قسم منفعته للدافع والمدفوع إليه معا , كالقراض , وقد أتفقنا على أنه غير مضمون , فوجب أن يكون الرهن وكل ما في هذا الباب كذلك. وثالثها ما منفعته المدفوع إليه دون الدافع كالقرض , وقد صح الإجماع على أنه مضمون فوجب أن تكون العارية وكل ما في هذا الباب كذلك.

قال أبو محمد : وهذا قياس , والقياس كله باطل , إلا أنه من المليح المموه من مقاييسهم وأنهم ليسفكون الدماء , ويبيحون الفروج , والأموال والأبشار بأقل من هذا , كقياسهم في الصداق , وفي جلد الشارب قياسا على القاذف , والقود للكافر من المؤمن , وفاعل فعل قوم لوط , وسائر قياسهم , إلا أننا نعارض هذا القياس بمثله , وهو أن العارية دفع مال بغير عوض , كالوديعة.

وأيضا فإن ما يلي في اللباس وفيما استعيرت له فنقص منها بلا تعد فلا ضمان فيه , فكذلك سائر النقص وهذا كله وساوس , نعوذ بالله من الحكم بها في دينه.

قال علي : فبقي قولنا , فوجدناه قد روي عن عمر , وعلي ,

كما روينا من طريق ابن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، عن ابن صالح بن حي عن عبد الأعلى عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب قال : العارية ليست بيعا ، ولا مضمونة إنما هو معروف إلا أن يخالف فيضمن ,

وهذا صحيح عن علي.

ومن طريق عبد الرزاق ، حدثنا قيس بن الربيع عن الحجاج بن أرطاة عن هلال الوزان عن عبد الله بن عكيم قال عمر بن الخطاب : العارية بمنزلة الوديعة , ولا ضمان فيها , إلا أن يتعدى

وهو قول إبراهيم النخعي , وعمر بن عبد العزيز , والزهري , وغيرهم

وهو قول أبي سليمان

قال أبو محمد : قول الله تعالى : {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض}.

وقال رسول الله  : (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام).

فصح أن مال المستعير محرم إلا أن يوجبه نص قرآن أو سنة , ولم يوجبه قط نص منهما

وقال الله تعالى : {ما على المحسنين من سبيل}

وقال تعالى : {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق}. والمستعير ما لم يتعد ، ولا ضيع : محسن فلا سبيل عليه بنص القرآن , والغرم سبيل بيقين فلا غرم عليه وبالله تعالى التوفيق.

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/كتاب الهبات
كتاب الهبات (مسأله 1626 - 1629) | كتاب الهبات (مسأله 1630) | كتاب الهبات (مسأله 1631) | كتاب الهبات (مسأله 1632 - 1633) | كتاب الهبات (مسأله 1634 - 1635) | كتاب الهبات (مسأله 1636 - 1641) | كتاب الهبات (مسأله 1642 - 1649) | كتاب الهبات (مسأله 1650) | كتاب الهبات (مسأله 1651 - 1652) | كتاب الهبات (مسأله 1653 - 1659)