محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الثانية والسبعون

ابن حزم - المحلى المؤلف ابن حزم
كتاب الإمامة (مسأله 1773 - 1777)


كتاب الإمامة

1773 - مسألة: لا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين ليس في عنقه لإمام بيعة لما رويناه من طريق مسلم قال : ، حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، حدثنا أبي قال : ، حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن نافع قال : قال لي عمر " سمعت رسول الله يقول : (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).

فإن قيل : قد مات عمر رضي الله عنه وجعل الخلافة شورى في ستة نفر : عثمان , وعلي , وعبد الرحمن بن عوف , وسعد بن أبي وقاص , وطلحة , والزبير ، رضي الله عنهم ، وأمرهم أن يتشاوروا ثلاثة أيام في أيهم يولى.

قلنا : نعم , وليس في هذا خلاف لأمر رسول الله الذي ذكرنا , لأنه رضي الله عنه استخلف أحدهم وهو الذي يتفقون عليه فعثمان هو الخليفة من حين موت عمر والناس تلك الثلاثة الأيام بمنزلة من بعد عن بلد الخليفة فلم يعلمه باسمه ، ولا بعينه إلا بعد مدة فهو معتقد لأمامته وبيعته وإن لم يعلمه باسمه ، ولا بنسبه ، ولا بعينه وبالله تعالى التوفيق.


1774 - مسألة: ولا تحل الخلافة إلا لرجل من قريش صليبة , من ولد فهر بن مالك من قبل آبائه. ، ولا تحل لغير بالغ وإن كان قرشيا ، ولا لحليف لهم , ولا لمولى لهم , ولا لمن أمه منهم وأبوه من غيرهم :

روينا من طريق مسلم ، حدثنا أحمد بن يونس قال : ، حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : قال عبد الله بن عمر قال رسول الله  : لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان.

ومن طريق البخاري , ، حدثنا أبو اليمان أنا شعيب ، هو ابن أبي حمزة عن الزهري : أن محمد بن جبير بن مطعم كان يحدث عن معاوية ، أنه قال : سمعت رسول الله يقول : إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله على وجهه ما أقاموا الدين.

قال أبو محمد : حديث ابن عمر أعم من حديث معاوية , وهذان الخبران وإن كانا بلفظ الخبر فهما أمر صحيح مؤكد , إذ لو جاز أن يوجد الأمر في غير قريش لكان تكذيبا لخبر النبي وهذا كفر ممن أجازه.

فصح أن من تسمى بالأمر والخلافة من غير قريش فليس خليفة , ولا إماما ، ولا من أولي الأمر , ولا أمر له : فهو فاسق عاص لله تعالى , هو وكل من ساعده أو رضي أمره , لتعديهم حدود الله تعالى على لسان رسول الله . ومن كان حليفا أو مولى أو أبوه من غير قريش : فإنه ليس من قريش بيقين الحس وإنما نسب إليهم لأستضافته إليهم , وإذ ليس من قريش على الحقيقة , ولا على جهة , ولا على الإطلاق , فلا حق له في الأمر.

وأما من لم يبلغ , والمرأة , فلقول النبي : (رفع القلم عن ثلاث) فذكر الصبي حتى يبلغ. ولأن عقود الإسلام إلى الخليفة ، ولا عقد لغلام لم يبلغ ، ولا عقد عليه. وقد

حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا وهيب بن مسرة ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي داود الطيالسي عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة قال " سمعت رسول الله يقول : (لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة).


1775 - مسألة: ولا يحل أن يكون في الدنيا إلا إمام واحد , والأمر للأول بيعة : لما روينا من طريق مسلم ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، هو ابن راهويه وزهير بن حرب , كلاهما سمع جريرا عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة الصائدي ، أنه قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول " إنه سمع رسول الله يقول في حديث طويل : (ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعمه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر).

ومن طريق مسلم حدثني عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا يونس بن أبي يعفور عن أبيه عن عرفجة ، هو ابن شريح قال : سمعت رسول الله يقول : من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه.

ومن طريق مسلم حدثني وهب بن بقية الواسطي ، حدثنا خالد بن عبد الله هو الطحان عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله  : إذا بويع لخليفته فاقتلوا الآخر منهما.

وبه إلى مسلم ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن فرات القزاز عن أبي حازم قال : سمعت أبا هريرة يحدث عن النبي ، أنه قال في حديثه : أنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله قال : فوا ببيعة الأول فالأول , وأعطوهم حقهم , فإن الله سائلهم عما استرعاهم.


1776 - مسألة: والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على كل مسلم إن قدر بيده فبيده وإن لم يقدر بيده فبلسانه وإن لم يقدر بلسانه فبقلبه ، ولا بد , وذلك أضعف الإيمان , فإن لم يفعل فلا إيمان له. ومن خاف القتل أو الضرب , أو ذهاب المال , فهو عذر يبيح له أن يغير بقلبه فقط ويسكت عن الأمر بالمعروف وعن النهي عن المنكر فقط. ولا يبيح له ذلك : العون بلسان , أو بيد على تصويب المنكر أصلا , لقول الله تعالى : {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل}.

وقال عز وجل : {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}.

ومن طريق مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , لمحمد بن المثنى , ومحمد بن العلاء أبو كريب قال ابن أبي شيبة : ، حدثنا وكيع عن سفيان الثوري , وقال محمد بن المثنى : ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة , ثم اتفق سفيان , وشعبة , كلاهما عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب , وقال أبو كريب : ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه , ثم اتفق طارق , ورجاء , كلاهما : عن أبي سعيد الخدري , قال : سمعت رسول الله يقول : (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).

ومن طريق مسلم ، حدثنا عمرو الناقد , وأبو بكر بن النضر , وعبد بن حميد ، واللفظ له , قالوا كلهم : ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، حدثنا أبي عن صالح بن كيسان عن الحارث ، هو ابن الفضيل الخطمي الأنصاري عن جعفر بن عبد الله بن الحكم عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبي رافع مولى رسول الله أن عبد الله بن مسعود حدثه أن رسول الله قال : (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم يحدث من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل).

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد البصير ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري عن زبيد اليامي عن سعد بن عبيدة عن علي بن أبي طالب عن النبي قال : لا طاعة لبشر في معصية الله

ومن طريق أبي داود ، حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله  : السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ، ولا طاعة.

وبه إلى أبي داود ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، حدثنا حميد بن هلال عن بشر بن عاصم عن عقبة بن مالك عن رجل من رهطه قال : بعث رسول الله سرية فسلحت رجلا منهم سيفا فلما رجع قال : لو رأيت ما لامنا رسول الله قال : (أعجزتم إذ بعثت رجلا فلم يمض لأمري أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري).

قال أبو محمد : عقبة صحيح الصحبة , والذي روي عنه صاحب وإن لم يسمه فالصحابة كلهم عدول , فإذا ثبتت صحة صحبته فهو عدل مقطوع بعدالته , لقول الله تعالى : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار.

قال علي : [ وهو قول علي ] وكل من معه من الصحابة وأم المؤمنين وطلحة , والزبير , وكل من معهم من الصحابة , ومعاوية , وكل من معه من الصحابة , وابن الزبير , والحسين بن علي رضي الله عن جميعهم وكل من قام في الحرة من الصحابة , والتابعين , وغيرهم. وهذا الأحاديث ناسخة للأخبار التي فيها خلاف هذا ; لأن تلك موافقة لما كان عليه الدين قبل الأمر بالقتال , ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باق مفترض لم ينسخ , فهو الناسخ لخلافه بلا شك. وبالله تعالى التوفيق.


1777 - مسألة: وصفة الإمام أن يكون مجتنبا للكبائر , مستترا بالصغائر , عالما بما يخصه , حسن السياسة ; لأن هذا هو الذي كلف ، ولا معنى لان يراعى أن يكون غاية الفضل ; لأنه لم يوجب ذلك قرآن , ولا سنة , فإن قام على الإمام القرشي من هو خير منه أو مثله , أو دونه : قوتلوا كلهم معه لما ذكرنا قبل إلا أن يكون جائزا. فإن كان جائزا فقام عليه مثله أو دونه : قوتل معه القائم , لأنه منكر زائد ظهر , فإن قام عليه أعدل منه وجب أن يقاتل مع القائم ; لأنه تغيير منكر.

وأما الجورة من غير قريش فلا يحل أن يقاتل مع أحد منهم ; لأنهم كلهم أهل منكر , إلا أن يكون أحدهم أقل جورا فيقاتل معه من هو أجور منه , لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق.