محلى ابن حزم - المجلد السادس/الصفحة الثانية والعشرون


كتاب الدماء والقصاص والديات

2097 - مسألة: هل على الممسك للقتل قود أم لا؟ وكذلك الواقف والمصوب والدال , والمتبع والباغي

قال علي : اختلف الناس في هذا : فقالت طائفة : يؤدب الممسك فقط.

وقالت طائفة : يقتل القاتل ويسجن الممسك حتى يموت. قالت طائفة : يقتل الممسك أيضا. فالقائلون بحبسه حتى يموت :

كما روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال : إن علي بن أبي طالب أتي برجلين قتل أحدهما وأمسك الآخر , فقتل الذي قتل , وقال للذي أمسك : أمسكت للموت , فأنا أحبسك في السجن حتى تموت. والقول الثاني

كما روينا عن الحكم بن عتيبة , وحماد بن أبي سليمان عن الممسك والقاتل فقالا جميعا : يقتل القاتل. وعن ابن شهاب أنه كان يقول في الرهط يجتمعون على الرجل فيمسكونه , فيفقأ أحدهم عينيه , أو يكسر رجليه , أو يديه , أو أسنانه , أو نحو هذا منه : إنه يقاد من الذي يباشر ذلك منه , ويعاقب الآخرون الذين أمسكوه عقوبة موجعة فإن استحب المصاب كانت الدية عليهم كلهم يغرمونها جميعا سواء.

وقال أبو حنيفة , والشافعي : يقتل القاتل , ويعاقب الممسك.

وأما القول الثالث فكما روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج قال : سمعت سليمان بن موسى يقول : الأجتماع فينا على المقتول هو أن يمسك الرجل ويضربه الآخر , فهما شريكان عندنا في دمه : يقتلان جميعا. وعن ربيعة ، أنه قال في الرهط يجتمعون على الرجل فيمسكونه فيفقأ أحدهم عينيه , أو يكسر رجليه ; أو يديه , أو أسنانه , أو نحو هذا منه : أنه يقاد من الذي باشر , ومن الذي أمسك , يقاد منهما جميعا.

وبه يقول مالك في القتل إن أمسكه وهو يدري أنه يريد قتله فقتله : فالقود عليهما جميعا .

وبه يقول الليث بن سعد.

قال أبو محمد : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعرف صواب ذلك من خطئه : فوجدنا من قال بقتل الممسك يقول : قد جاء عن عمر : لو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلتهم

قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه , لأنه ليس فيه ذكر للممسك أصلا , ونعم , ونحن نقول : لو باشر قتله أهل صنعاء لوجب قتلهم

والثاني أنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله . والثالث أنا قد ذكرنا من أقوال عمر التي خالفوه فيها عشرات : كخطبته على المنبر في الضرس جملا , وفي الضلع جملا , وفي الترقوة جملا وحكمه في العين العوراء بثلث ديتها وفي السن السوداء بثلث ديتها وفي اليد الشلاء بثلث ديتها كل ذلك عنه بأصح إسناد , وأوضح بيان. فمن عجائب الدنيا : أن يكون ما قال عمر رضي الله عنه وخطب به , وحكم به بحضرة الصحابة , لا يعرف له عنهم مخالف فيه لا يكون : حجة , ويكون ما لم يقل , ولا دل عليه , ولا أشار إليه : حجة. وقد خالفه في ذلك غيره من الصحابة ، رضي الله عنهم ، لو صح ذلك عنه , فكيف وهو لا يصح

فإن قالوا : إن الممسك معين

قلنا : نعم , وما جاءت قط سنة , ولا قرآن , ولا قياس , ولا قول صاحب : بأن المعين يقتل فبطل هذا القول لتعريه من الحجج. ثم وجدناه يبطله البرهان : وذلك أن النبي قد نص : على أن لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل ترك دينه , أو زنى بعد إحصان , أو قتل نفسا والممسك لا يسمى في اللغة , ولا في الشريعة " قاتلا ". ثم سألناهم عن الممسك للمرأة حتى يزني بها غيره أعليه حد الزنا ويسمى " زانيا " أم لا فلا خلاف منهم في أنه ليس " زانيا " ، ولا يسمى " زانيا " ، ولا عليه حد زنى فصح أنه لا يسمى الممسك باسم الفاعل على ما أمسك له.

فإن ذكروا قول الوليد بن عقبة : فإن لم تكونوا قاتليه فإنه سواء علينا ممسكوه وضاربه قيل لهم : هذا قول جائر متعد , مخبر عن نيته فقط , لا عن اللغة , ولا عن الديانة.

وبرهان هذا : قوله في هذا الشعر بعد هذا البيت : بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم ، ولا تنهبوه لا تحل مناهبه بني هاشم كيف الهوادة بيننا وعند علي درعه ونجائبه فإن لم تكونوا قاتليه فإنه سواء علينا قاتلوه وسالبه همو قتلوه كي يكونوا مكانه ما غدرت يوما بكسرى مرازبه

قال أبو محمد : حاش لله , ومعاذ الله , وأبى الله أن يكون عند علي سلب عثمان ودرعه ونجائبه , كما قال الوليد الكاذب , ومعاذ الله أن يكون علي قتل عثمان لان يكون مكانه , أو لشيء في الدنيا , وعلي أتقى لله من أن يقتل عثمان , وعثمان أتقى لله من أن يقتله علي. ثم لو احتججنا بهذا البيت لكان حجة لنا عليهم , لأن فيه : فإن لم تكونوا قاتليه فإنه سواء علينا ممسكوه وضاربه فقد أخبر أن الممسكين ليسوا قاتلين , فهذا حجة عليهم وبالله تعالى التوفيق.

قال أبو محمد : ثم نظرنا في غيره فوجدنا الممسك ليس قاتلا , لكنه حبس إنسانا حتى مات. وقد قال الله تعالى {والحرمات قصاص} , فكان الممسك للقتل سببا ومتعديا , فعليه مثل ما فعل , فواجب أن يفعل به مثل ما فعل , فيمسك محبوسا حتى يموت وبهذا نقول.

وهو قول علي بن أبي طالب ، ولا يعرف له مخالف من الصحابة ، رضي الله عنهم ، وقد روي في ذلك أثر مرسل. كما ،

حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع , قال : حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أمية قال : قضى رسول الله في رجل يمسكه رجل وقتله آخر بأن يقتل القاتل ويحبس الممسك.

ومن طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية خبرا أثبته " أن رسول الله قال : يحبس الصابر للموت كما حبس ويقتل القاتل.

قال أبو محمد : تفريق رسول الله بين حكم الحابس وبين حكم القاتل : بيان جلي. وعهدنا بالحنفيين والمالكيين , يقولون : إن المرسل والمسند سواء وهذا مرسل من أحسن المراسيل , وقد خالفوه , ويشنعون على من خالف قول الصاحب إذا وافق أهواءهم وبالله تعالى التوفيق.


2098 - مسألة: هل في قتل العمد كفارة أم لا ؟

قال علي : اختلف الناس في هذا : فقالت طائفة : على قاتل العمد كفارة , كما هي على قاتل الخطأ , وهو قول الحكم بن عتيبة , والشافعي.

وقال مالك , والليث : يعتق رقبة أو يصوم شهرين , ويتقرب إلى الله تعالى بما أمكنه من الخير.

وقال أبو حنيفة , وأبو سليمان , وأصحابنا : لا كفارة في ذلك , ولكن يستغفر الله تعالى , ويتوب إليه , ويكثر من فعل الخير.

قال أبو محمد : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الحق من ذلك

فنظرنا في قول مالك , والليث , فوجدناهما لا يخلوان من أن يكونا رأيا ذلك واجبا أم لا فإن كانا لم يرياه واجبا , فأي معنى لتخصيصهما عتق رقبة , أو صوم شهرين دون سائر وجوه البر من الجهاد , وذكر الله تعالى , والصدقة. وإن كانا رأياه واجبا , فقد خيراه بين العتق , والصوم , وليست هذه صفة الكفارة التي أمر الله تعالى بها في القتل الخطأ , لأن تلك مرتبة , وهم قد خيروه , فسقط هذا القول وبالله تعالى التوفيق. ثم نظرنا فيمن أوجب الكفارة في ذلك فوجدناهم يحتجون : بما ثناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا إبراهيم بن علية عن الغريف بن عياش عن واثلة بن الأسقع قال : أتى النبي نفر من بني سليم فقالوا : إن صاحبا لنا قد أوجب قال : فليعتق رقبة يفك الله بكل عضو منها عضوا منه من النار. قال أحمد بن شعيب : وأرنا الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا عبد الله بن سالم حدثني إبراهيم بن أبي علية قال : كنت جالسا بأريحاء فمر بي واثلة بن الأسقع متوكئا على عبد الله بن الديلمي فأجلسه , ثم جاء إلي فقال : عجبت مما حدثني الشيخ يعني واثلة بن الأسقع قلت : ما حدثك قال : كنا مع النبي في غزوة تبوك فأتاه نفر من بني سليم , فقالوا : إن صاحبا لنا قد أوجب فقال رسول الله  : اعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار. وبما حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا محمد بن أيوب الصموت الرقي ، حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ، حدثنا الحسن بن مهدي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا إسرائيل عن النعمان عن عمر بن الخطاب قال : جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله فقال : يا رسول الله إني وأدت بنات لي في الجاهلية فقال اعتق عن كل واحدة منهن رقبة قال : يا رسول الله إني صاحب إبل قال : فانحر عن كل واحدة منهن بدنة. وقالوا : لما أوجب الله تعالى على قاتل الخطأ ، ولا ذنب له كفارة في ذلك , كان العامد المذنب أحق بالكفارة.

قال أبو محمد : أما حديث واثلة فلا يصح , لأن الغريف مجهول , وقد ظن قوم أنه عبد الله بن فيروز الديلمي وهذا خطأ , لأن ابن المبارك نسب الغريف ، عن ابن علية فقال ابن عياش : ولم يكن في بني عبد الله بن فيروز أحد يسمى عياشا ، وابن المبارك أوثق وأضبط من عبد الله بن سالم. ثم لو صح هذا الخبر لما كانت لهم فيه حجة , لأنه ليس فيه أنه كان قتل عمدا , فإذ ليس فيه ذلك : فلا شبهة لهم في هذا الحديث أصلا. وإنما فيه أن صاحبا لنا قد أوجب ، ولا يعرف في اللغة أن " أوجب " بمعنى قتل عمدا , فصار هذا التأويل كذبا مجردا , ودعوى على اللغة لا تعرف. وقد يكون معنى " أوجب " أي أوجب لنفسه النار بكثرة معاصيه , ويكون معنى " قد أوجب " أي قد حضرت منيته فقد يقال : هذا أوجب فلان بمعنى مات فبطل قولهم. وقد قال قوم : إن سكوت النبي في هذا الخبر عن ذكر " الرقبة " أن تكون مؤمنة , وعن تعويض الشهرين : دليل على بطلان قول من أوجب الكفارة في قتل العمد.

قال أبو محمد : وأما خبر عمر بن الخطاب , فلا يصح , لأن في طريقه إسرائيل وهو ليس بالقوي وسماك بن حرب وكان يقبل التلقين.

وأيضا فكان يكون في إيجاب ذلك على كل من قتل نفسا في الجاهلية وهو كافر حربي كما كان قيس بن عاصم المأمور بهذه الكفارة في هذا الحديث وهم لا يقولون بهذا أصلا فبطل تعلقهم بهذا الخبر.

وأما الشافعي فإنه وإن كان أطرد منهم للخطأ في قولهم , فقد أخطأ معهم فيه أيضا , لأن من أصلهم أن لا يقاس الشيء إلا على نظيره , وما يشبهه لا على ضده , وما لا يشبهه , فالخطأ هاهنا في قياس العمد على الخطأ وهو ضده. وأخطئوا أيضا كلهم معه في قياسهم المخطئ في الصيد يقتله محرما على المحرم يقتله عامدا , فقاسوا أيضا هنالك الخطأ على العمد , وهو ضده. وأخطئوا أيضا معه كلهم في قياسهم ترك الصلاة عمدا على تركها نسيانا. وقد شاركهما الشافعي أيضا في خطأ آخر في هذا الباب ,

وهو قولهم كلهم : أن لا يقاس متعمد التسليم من الصلاة قبل إتمامها في إيجاب السجدتين عليه على المسلم من الصلاة قبل إتمامها نسيانا فهذه صفة القياس , وصفة أقوالهم في قياساتهم كلها : يهدم بعضها بعضا , وينقض بعضها بعضا

قال أبو محمد : فإذ لا حجة في إيجاب الكفارة على قاتل العمد , لا من قرآن , ولا من سنة , فإن الله تعالى يقول {ما فرطنا في الكتاب من شيء} , وقال تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} ,

وقال رسول الله  : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام.

فصح أن الدين كله قد كمل وبينه الله تعالى ورسوله . وبيقين ندري أنه لو كان في قتل العمد كفارة محدودة لبينها الله تعالى , كما بين لنا الكفارة في قتل الخطأ. وكما بين لنا رسول الله وجود القود , أو الدية , أو المفاداة , في ذلك. فإذ لم يخبرنا الله تعالى بشيء من ذلك , ولا أوجبه هو , ولا رسوله فنحن نشهد بشهادة الله تعالى : أنه ما أراد قط كفارة محدودة في ذلك , ولكن الله تعالى يقول ونضع الموازين القسط ليوم القيامة إلى قوله تعالى {وكفى بنا حاسبين} , وقال تعالى : {إن الحسنات يذهبن السيئات} , فمن ابتلي بقتل مسلم عمدا فقد ابتلي بأكبر الكبائر بعد الشرك , وترك الصلاة : ففرض عليه أن يسعى في خلاص نفسه من النار فليكثر من فعل الخير : العتق , والصدقة , والجهاد , والحج , والصوم والصلاة , وذكر الله تعالى فلعله يأتي من ذلك بمقدار يوازي إساءته في القتل , فيسقط عنه. ونسأل الله العافية.


2099 - مسألة: جارية أذهبت عذرة أخرى , أو رجل فعل ذلك بجماع , أو غيره

قال أبو محمد : حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة أنا جعفر بن أبي وحشية عن الشعبي : أن جواري من أهل حمص كن يتزاورن , ويتهادين , فأرن , وأشرن , فلعبن الأخرقة فركبت واحدة على الأخرى , ونخستها الثالثة , فوقعت : فذهبت عذرتها , فسأل عبد الملك بن مروان قبيصة بن ذؤيب , وفضالة بن عبيد عن ذلك فقالا جميعا : الدية ثلاثة أثلاث , وتبقى حصتها , لأنها أعانت على نفسها فكتب إلى العراق : فسأل عبد الله بن معقل بن مقرن عن ذلك فقال : برين من نطفها إلا من نخستها وقال الشعبي مثل قول عبد الله وقال الشعبي : لها العقر. وبه إلى حماد بن داود عن عبد الله بن قيس أن ثلاث جوار قالت إحداهن : أنا الزوج , وقالت الأخرى : أنا الزوجة , وقالت الأخرى : أنا الأب , فنخست التي قالت : أنا الزوج التي قالت : أنا الزوجة , فذهبت عذرتها , فقضى عبد الملك بن مروان , بالدية عليهن وقال الشعبي : لها العقر. وبه إلى حماد ، حدثنا حميد عن بكر بن عبد الله : أن جاريتين دخلتا الحمام فدفعت إحداهما الأخرى , فذهبت عذرتها فقال شريح : لها عقرها. وبه إلى حماد ، حدثنا داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب : أن رجلا استكره جارية فافتضها فقال عمر بن الخطاب هي جائفة , فقضى لها عمر بثلث الدية.

قال أبو محمد : هاتان مسألتان : في إحداهما قول فضالة بن عبيد وهو صاحب من قضاة الصحابة ، رضي الله عنهم ، لا يعرف له في ذلك مخالف منهم. والأخرى فيها قول عمر بن الخطاب , ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة أيضا. وجميع الحاضرين المخالفين من المالكيين , والحنفيين , والشافعيين : مخالفون لهما في ذلك , وهم يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم , ولا يبالون به إذا خالف تقليدهم

قال علي : أما المرأة تذهب عذرة المرأة بنخسة , أو نحو ذلك فإنه عدوان يقتص منها بمثل ذلك إن كانت بكرا , فإن كانت ثيبا فقد عدمت ما يقتص منها فيه , فليس إلا الأدب

برهان ذلك : قول الله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} , وقول رسول الله  : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع. فصح وجوب القود فيما قدر عليه , وصح الأدب باليد إنكارا وتغييرا للمنكر فيما عجز عن القود فيه وبالله تعالى التوفيق. ولا غرامة في ذلك أصلا , لأن الأموال محظورة , فلا تحل غرامة بغير نص ، ولا إجماع.

وكذلك لا مدخل للعقر هاهنا , لأن العقر هو المهر , والمهر إنما هو في النكاح لا فيما عداه وبالله لقد علم الله تعالى أن هذه المسألة ستقع وتكون. ونحن نقسم بالله : لو أراد الله تعالى أن تكون في ذلك غرامة لبينها , ولما أغفلها , فإذ لم يفعل تعالى ذلك فما أراد أن يجعل فيها غرما أصلا ، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله وبالله تعالى التوفيق.


2100 - مسألة: التنافس

قال علي : حدثنا حمام ، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ، حدثنا عبد الله بن يونس ، حدثنا بقي بن مخلد ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، حدثنا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال : أقبل رجل بجارية من القادسية فمر على رجل واقف على دابة , فنخس الرجل الدابة , فرفعت الدابة رجلها فلم تخطئ عين الجارية , فرفع إلى سلمان بن ربيعة الباهلي , فضمن الراكب , فبلغ ذلك ابن مسعود , فقال : على الرجل , إنما يضمن الناخس. عن شريح : يضمنها الناخس وعن الشعبي مثل ذلك.

قال أبو محمد : فهذه اختلفوا فيها كما ترى : سلمان بن ربيعة ضمن الراكب , وابن مسعود ضمن الناخس

قال علي : الناخس هو المباشر لتحريك الدابة , فهو ضامن ما أصابت , ففي المال الضمان.

وأما في الرجل فإن كان قصد إلى تحريكها لتضرب إنسانا بعينه , أو بعض جماعة علم بها الناخس : فهو قاتل عمد , وجان , عليه القود في ذلك كله , وعليه في النفس الدية , أو المفاداة وإن كان لا يدري أن هنالك أحدا : فهو قاتل خطأ , والدية على العاقلة , وعليه الكفارة. وبالله تعالى التوفيق.

محلى ابن حزم - المجلد السادس/كتاب الدماء والقصاص والديات
كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2022 - 2024) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2025) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة مسألة 2025 - 2026) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2027) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 1 مسألة 2027) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 2 مسألة 2027) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2028) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة مسألة 2028) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2029 - 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 1 مسألة 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 2 مسألة 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (تتمة 3 مسألة 2030) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2031 - 2037) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2038 - 2050) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2051 - 2059) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2060 - 2074) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2075 - 2078) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2079 - 2085) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2086 - 2089) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2090 - 2093) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2094 - 2096) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2097 - 2100) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2101 - 2103) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2104 - 2112) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2113 - 2115) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2116 - 2118) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2119 - 2125) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2126 - 2131) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2132 - 2134) | كتاب الدماء والقصاص والديات (مسألة 2135 - 2143)