مقدمة ابن الصلاح/النوع الثاني عشر

(حولت الصفحة من مدلس)


النوع الثاني عشر: معرفة التدليس وحكم المدلس

التدليس قسمان:

أحدهما: تدليس الإسناد، وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه موهما أنه سمعه منه. أو: عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمعه منه. ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر.

ومن شأنه أن لا يقول في ذلك أخبرنا فلان ولا حدثنا وما أشبههما. وإنما يقول قال فلان، أو: عن فلان ونحو ذلك.

مثال ذلك: ما روينا عن علي بن خشرم قال: كنا عند بن عيينة، فقال: قال الزهري، فقيل له: حدثكم الزهري ؟ فسكت، ثم قال: قال الزهري، فقيل له: سمعته من الزهري ؟ فقال: لا، لم أسمعه من الزهري، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري.

القسم الثاني: تدليس الشيوخ، وهو: أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه، فيسميه، أو يكنِّيه، أو ينسبهُ، أو يصفهُ بما لا يَعرف به، كي لا يُعرف.

مثاله: ما روي لنا عن أبي بكر بن مجاهد، الإمام المقري: أنه روى عن أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني فقال: حدَّثنا عبد الله بن أبي عبد الله. وروى عن أبي بكر محمد بن الحسن النقَّاش المفسر المقري، فقال: حدثنا محمد بن سند، نسبه إلى جدٍ له، والله أعلم.

أما القسم الأول: فمكروه جدا، ذمَّه أكثر العلماء، وكان شعبة من أشدهم ذما له. فروينا عن الشافعي الإمام رضي الله عنه أنه قال: التدليس أخو الكذب. وروينا عنه أنه قال: لأن أزني أَحبُ إليِّ من أن أُدلَّس. وهذا من شعبة إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير.

ثم اختلفوا في قبول رواية من عرف بهذا التدليس: فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحا بذلك، وقالوا: لا تُقبل روايته بحال، بَّين السماع أو لم يبِّين.

والصحيح التفصيل: وأن ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبِّين فيه السماع والاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه. وما رواه بلفظ مبين للاتصال، نحو سمعت، وحدثنا، وأخبرنا وأشباهها فهو مقبول مُحتج به.

وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدا: كقتادة، والأعمش، والسفيانين، وهشام بن بشير، وغيرهم.

وهذا لأن التدليس ليس كذبا، وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل.

والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبِّين قد أجراه الشافعي رضي الله عنه فيمن عرفناه دلَّس مرة، والله أعلم.

وأما القسم الثاني: فأمره أخف، وفيه تضييع للمروي عنه، وتوعير لطريق معرفته على من يطلب الوقوف على حاله وأهليته.

ويختلف الحال في كراهة ذلك بحسب الغرض الحامل عليه، فقد يحمله على ذلك كون شيخه الذي غَّير سمته غير ثقة، أو كونه متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه جماعة دونه، أو كونه أصغر سنا من الراوي عنه، أو كونه كثير الرواية عنه فلا يحب الإكثار من ذكر شخصٍ واحدٍ على صورةٍ واحدةٍ.

وتسمح بذلك جماعة من الرواة المصنفين، منهم الخطيب أبو بكر، فقد كان لهَجِا به في تصانيفه، والله أعلم.

مقدمة ابن الصلاح
المقدمة | النوع الأول معرفة الصحيح | النوع الثاني معرفة الحسن | النوع الثالث معرفة الضعيف | النوع الرابع معرفة المسند | النوع الخامس معرفة المتصل | النوع السادس معرفة المرفوع | النوع السابع معرفة الموقوف | النوع الثامن معرفة المقطوع | النوع التاسع معرفة المرسل | النوع العاشر معرفة المنقطع | النوع الحادي عشر معرفة المعضل | النوع الثاني عشر معرفة التدليس وحكم المدلس | النوع الثالث عشر معرفة الشاذ | النوع الرابع عشر معرفة المنكر | النوع الخامس عشر معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد | النوع السادس عشر معرفة زيادات الثقات وحكمها | النوع السابع عشر معرفة الأفراد | النوع الثامن عشر معرفة الحديث المعلل | النوع التاسع عشر معرفة المضطرب | النوع العشرون معرفة المدرج | النوع الحادي والعشرون معرفة الموضوع | النوع الثاني والعشرون معرفة المقلوب | النوع الثالث والعشرون معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد | النوع الرابع والعشرون معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله | النوع الخامس والعشرون في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده | النوع السادس والعشرون في صفة رواية الحديث وشرط أدائه | النوع السابع والعشرون معرفة آداب المحدث | النوع الثامن والعشرون معرفة آداب طالب الحديث | النوع التاسع والعشرون معرفة الإسناد العالي والنازل | النوع الموفي ثلاثين معرفة المشهور من الحديث | النوع الحادي والثلاثون معرفة الغريب والعزيز | النوع الثاني والثلاثين معرفة غريب الحديث | النوع الثالث والثلاثون معرفة المسلسل من الحديث | النوع الرابع والثلاثون معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه | النوع الخامس والثلاثون معرفة المصحَّف | النوع السادس والثلاثون معرفة مختلف الحديث | النوع السابع والثلاثون معرفة المزيد في متصل الأسانيد | النوع الثامن والثلاثون معرفة المراسيل الخفي إرسالها | النوع التاسع والثلاثون معرفة الصحابة | النوع الموفي أربعين معرفة التابعين | النوع الحادي والأربعون معرفة الأكابر الرواة عن الأصاغر | النوع الثاني والأربعون معرفة المدبج | النوع الثالث والأربعون معرفة الإخوة والأخوات | النوع الرابع والأربعون معرفة رواية الآباء عن الأبناء | النوع الخامس والأربعون معرفة رواية الأبناء عن الآباء | النوع السادس والأربعون معرفة من اشترك في الرواية عنه راويان | النوع السابع والأربعون معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد | النوع الثامن والأربعون معرفة من ذكر بأسماء مختلفة | النوع التاسع و الأربعون معرفة المفردات الآحاد | النوع الموفي خمسين معرفة الأسماء والكنى | النوع الحادي والخمسون معرفة كني المعروفين بالأسماء دون الكنى | النوع الثاني والخمسون معرفة ألقاب المحدثين | النوع الثالث والخمسون معرفة المؤتلف والمختلف | النوع الرابع والخمسون معرفة المتفق والمفترق | النوع الخامس والخمسون نوع يتركب من النوعين اللذين قبله | النوع السادس والخمسون معرفة الرواة المتشابهين | النوع السابع والخمسون معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم | النوع الثامن والخمسون معرفة النسب التي باطنها على خلاف ظاهرها | النوع التاسع والخمسون معرفة المبهمات | النوع الموفي ستين معرفة تواريخ الرواة | النوع الحادي والستون معرفة الثقات والضعفاء | النوع الثاني والستون معرفة من خلط في آخر عمره | النوع الثالث والستون معرفة طبقات الرواة والعلماء | النوع الرابع والستون معرفة الموالي | النوع الخامس والستون معرفة أوطان الرواة وبلدانهم