مر القوافي تجيء طوعا ولا عجبا

مر القوافي تجيء طوعا ولا عجبا

​مر القوافي تجيء طوعا ولا عجبا​ المؤلف جبران خليل جبران


مر القوافي تجيء طوعا ولا عجبا
عل القوافي تؤدي بعض ما وجبا
صغها عقودا لهذا اليوم من درر
وحي فيها العلا والعلم والأدبا
فاليوم عيد لهذا القطر أجمعه
هنيء به الشرق والسودان والعربا
فانشد نشيد الأماني رب قافلة
قد أبطأت في السرى تشدو به حقبا
حلق مع الفلك الدوار في فلك
وزح أن اسطعت عن أسراره حجبا
وانظر بعينيك ما خط القضاء به
في اللوح واقرأ لنا ما فيه قد كتبا
فذاك عمري وراء الحجب مستتر
عليه سور من الأنوار قد ضربا
واهبط إلى الأرض خبرنا بما سمعت
أذناك أن لنا في سمعه أربا
وانثر على الوادي من علم ومن أدب
فإن ذا الشعب يهوى العلم والأدبا
حدثه كيف سمت أرواحنا زمنا
وكيف كنا على رغم العدى العربا
وكيف كانت لنا الأيام طائعة
كما تشاء فلم تهمل لنا طلبا
حدث بني النيل عن بغداد عن كثب
عن الأمين عن المأمون إذ غضبا
سالت دماء بني العباس بينهما
الملك أسمى وأعلى من دم سكبا
بغداد كانت منارا للعلوم فما
للعلم من طالب إلا لها طلبا
لا تشرق الشمس إلا في منائرها
وليس يغرب عنها البدر ما غربا
وصف لنا كيف دالت وامتحت دول
وكيف جيش حماة الشرق قد غلبا
وما دهى الشرق في ابناه قاطبة
فأصبح الرأس من أبنائه ذنبا
قد أثقلتنا قيود لا نهوض بها
وإن يك صائغ قد صاغها ذهبا
أعد على مسمعي ذكر الألى سلفوا
فرب ذكرى محت فيما محب كربا
ورب ذكرى سرت في جسم سامعها
وردت الروح فيه بعدما ذهبا
فأنت كالوحي لم تهبط على بلد
إلا رأينا إلا رأينا به الآيات والعجبا
كمحكم الآي والتنزيل جئت به
وقد ملأت به الأشعار والكتبا
فيا أمير القوافي رب مملكة
أنار قولك فيها جيشها اللجبا
ورب قول جرى جرى من فيك حزت به
في عالم الشعر دون العالم القصبا
فما حدا الحادي إلا من قصائدكم
ولا شدا بلبل إلا بها طربا
ولا تغنى فتى في الشرق قافية
إلا وشعرك ما أوحى وما كتبا
لو كنت في الوادي دامال أقمت لكم
تمثال در ولم أرض به الذهبا
وقلت للناس طوفوا حوله أبدا
مثل الحجيج فهذا كعبة الأدبا
فارجع إلى مصر في أمن وعافية
وزر دمشق وزر بغداد زر حلبا
وصف لهم ما رأت عيناك في بلد
أبناه ليس لهم إلا العلا طلبا
فإن أصاخوا لما تمليه واستمعوا
فاخبرهم عن بني السودان خير نبا
وقل لهم إنا لم نزل هدفا
لكل رام ومن قد لام أوعتبا
لانعرف النوم إلا خلسة غضبا
والحر إن مسه ما ساءه غضبا
النيل في الوادي يروي كل ذي ظمإ
وليس فينا فتى من مائه شربا
لنا إليهم حنين دائم وهوى
مهما تدارى به عذالنا حلبا
فهم لنا إخوة بل هم أشقتنا
ومصر لما تزل أما لنا وأبا
الشرق يجمعنا والنيل يربطنا
كوحدة جمعت ما بينها العربا
أما المليك فإنا لا تكن له
إلا الولاء وإلا الحب والأدبا
در في المجد در مصر وفيها
كل آس تزهو به وطبيب
إن ذكرنا أسماءهم يوم فخر
طاب في النابغين ذكر نجيب
عالم عامل إذا ما دعته
فرص البر كان خير مجيب