مشارق الأرض لفها بمغارب

مَشارِقُ الأَرضِ لَفَّها بِمَغارِبٍ

​مَشارِقُ الأَرضِ لَفَّها بِمَغارِبٍ​ المؤلف شكيب أرسلان


مَشارِقُ الأَرضِ لَفَّها بِمَغارِبٍ
وَغادَرَ قُطبَيها مِزاجاً لِقاطِبِ
وَجانَسَ بَينَ الغَورِ وَالنَجدِ عِندَها
كَلّا أَرضِها لَم يَعي وَقعَ السَلاهِبِ
وَضيقٌ بَينَ الفَرجَتينِ فَصارَتا
إِلى مِثلِ ما ضُمَّت أَنامِلُ حاسِبِ
وَقَرَّبَ بَينَ العَدُوَّتَينِ كَأَنَّما
لَهُ كَرَّةَ الغَرباءِ أَكَرَّةَ لاعِبِ
مَروِيَّ شِعارِ الهِندِ دانَ وَراوِياً
سَبانَ المَعالي عَن رِقاقِ المَضارِبِ
لِواءٌ مِنَ الإِسلامِ قَد عَزَّ نَصرُهُ
أَطَلَّ عَلى الآفاقِ مِن كُلِّ جانِبِ
لِواءٌ لَوانَ الأَرضِ طالَ أَثيرُها
لَمّا زالَ حَتّى أَندَقَّ بَينَ الكَواكِبِ
وَلَو أَنَّ قَرانَ الشَمسِ أَرىخى ذَوائِباً
لَما كانَ مِنهُ غَيرَ إِحدى الذَوائِبِ
تُداوِلهُ بَعدَ النَبِيِّ خَلائِفٌ
مَفاخِرُهُم كُلٌّ عَلى كُلِّ غارِبِ
لَعَمري لَئِن طالَ التَحَكُّكَ بِالسُهى
وَقارِبٌ رَوقُ النَجمِ أَوَ لَم يُقارِبِ
لَمّا طاوَلتُ أَحسابَ عُثمانَ عُصبَةٌ
وَلا دانَ مِنها مَطلَبٌ نَحوَ طالِبِ
أَرى آلَ عُثمانَ بِنَصرِ مُحَمَّدٍ
هِيَ الأَزدُ إِلّا أَنَّها لم تُصاحِبِ
مَلونَ بِالأَمرِ الَّذي يَحمِلونَهُ
خَلِّيونَ عَن خَلفِ المَساعي الكَواذِبِ
لَقضد نَوَّروا لَيلاً مِنَ النَقعِ داجِياً
بِشُهبِ رِماحٍ لِلنُحورِ ثَواقِبِ
وَقَد فَرَّعوا مِن كُلِّ مَلكٍ عَقيلَةٌ
رِياضَتُها أَعيَت عَلى كُلِّ خاطِبٍ
لَقَد جَمَعوا البَرَّينِ مَعض زَاخِريهِما
وَأَحسَنَ مِنهُ جَمعَهُم لِلمَناقِبِ
حَفِظتُ لِعُثامٍ وَقاراً مَريدُهُ
تَرَدّى بِإِذنِ اللَهِ حُلَّةَ خائِبِ
وَحَسُنَت بَل حَصُنتَ ما شِئتَ وَاِقتَضَت
خَواطِرُكَ الغَرا وَحُسنُ المَذاهِبِ
سَرَدَت لَهُ هَذا الحَديدَ فَلَم تَزَل
تَمُدُّ بِقُضبانٍ لَهُ وَقواضِبِ
قَواضِبُهُ في الحَربِِن تُنتَدَب لَها
وَقُضبانِهِ في السِلمِ إِن لَم تُحارِبِ
وَما عَفَت نارُ الحَربِ إِلّا تَعَقُّلاً
وَكُلٌّ مِنَ الدَولاتِ تُدلى بِجاذِبِ
وَما عَقَتها إِلّا اِحتِفازاً لِقُربِها
وَهَل يَنهَضُ البازي بِغَيرِ مَخالِبِ
لِكُلٍّ مِنَ الأَمرَينِ أَعدَدتَ عُدَّةً
فَسالِم إِذا ما طِبتَ نَفساً وَغاضِبِ
سَهِرتُ وَقَد نامَ الأَنامُ بِمُقلَةٍ
لَه قَلبُ شَيحانَ وَجُثمانِ شاحِبِ
فَحُبُّكَ ذا شَرعِيٌّ وَعُرفي وَمَذهَبي
وَمَدحَكَ ذا فَرَضي وَوَتَري وَواجِبي