مضى خلف الأبرار والسيد الطهر

مضى خلفُ الأبرارِ والسيدُ الطهرُ

​مضى خلفُ الأبرارِ والسيدُ الطهرُ​ المؤلف ابن معتوق


مضى خلفُ الأبرارِ والسيدُ الطهرُ
فصدرُ العلى منْ قلبهِ بعدهُ صفرُ
وغيبَ منهُ في الثرى نيرُ الهدى
فغادرتْ ذكاءُ الدين وانكسفَ البدرُ
وماتَ الندى فلترثهِ ألسنُ الثنا
وليثُ الوغى فلتبكهِ البيضُ والسّمرُ
فَحَقُّ الْمَعَالِي أَنْ تَشُقَّ جُيُوْبَهَا
عليهِ وتنعاهُ المكارمُ والفخرُ
هُوَ الْمَاجِدُ الْوَهَّابُ مَا فِي يَمِينِهِ
هُوَ الْعَابِدُ الأَوَّابُ وَالشَّفْعُ وَالْوِتْرُ
هُوَ الْحُرُّ يَوْمَ الْحَرْبِ تُثْنِي حِرَابُهُ
عليهِ وفي المحرابِ يعرفهُ الذّكرُ
فَلاَ تَحْسَبَنَّ الدَّهْرَ أَهْلَكَ شَخْصَهُ
ولكنّهُ في موتهِ هلكَ الدّهرُ
فلو دفنوهُ قومهُ عندَ قدرهِ
لجلَّ ولو أنَّ السّماكَ لهُ قبرُ
وما دفنهُ في الأرضِ إلا لعلمنا
بِهِ أَنَّهُ كَنْزٌ لَهَا وَلَنَا ذُخْرُ
وما غسلهُ بالماءِ إلا تطوعاً
وَإِلاَّ فَقُوْلاَ لِي مَتَى نَجُسَ الْبَحْرُ
فَتىً يُوْرِدُ الْهِنْدِيَّ وَهْوَ حَدِيْدَةٌ
ويصدّقُ فيهِ وهوَ منْ علقٍ تبرُ
فَهَلْ لِفُرُوْضِ الدِّينِ وَالنَّفْلِ حُرْمَةٌ
وصاحبهُ المعروفُ والجودُ والبرُّ
تعطّلتِ الأحكامُ بعدَ وفاتهِ
وضاعتْ حدودُ اللهِ والنهيُ والأمرُ
يعزُّ على المختارِ والصّنوِ رزؤهُ
لعلمها في أنّهُ الولدُ البرُّ
فَغَيْرُ مَلُومٍ جَازِعٌ لِمُصَابِهِ
ففي مثلِ هذاالخطبِ يسيتقبحُ الصّبرُ
أجلُّ بني المهديِّ لو أنّهُ ادّعى
وقالَ أنّهُ المهديُّ وازرهُ الخضرُ
كريمٌ كأنَّ اللهَ أخّرَ موتهُ
لِيَكْسِبَ فِيْهِ الأَجْرَ مَنْ فَاتَهُ بَدْرُ
فَكَيْفَ رِيَاضُ الْحُزْنِ يَبْسِمُ نَوْرُهَا
وَتَرْجُو حَيَاةً بَعْدَ مَا هَلَكَ الْقَطْرُ
وَكَيْفَ نُرَجِّي أَنَّ لِلَيْلِ آخِراً
وَفِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ قَدْ دُفِنَ الْفَجْرُ
فأيُّ عظامٍ في ثراهُ عظيمةٍ
تَجِلُّ وَعَنْ إِرْثَائِهَا يَصْغُرُ الْشِّعْرُ
نصلّيْ عليها وهيَ عنا غنيّةٌ
ولكنّنا فيها لنا يعظمُ الأجرُ
وَنُثْنِي عَلَيْهَا رَغْبَةً فِي ثَنَائِهَا
لِيَعْبَقَ فِي الأَفْوَاهِ مِنْ طِيْبِهَا عِطْرُ
ترفّعنَ عنْ قدرِ المراثي جلالةً
وعنْ أدمعِ الباكيْ ولو أنّها درُّ
فَمَنْ لِلْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ بَعْدَهُ
وَمِمَّنْ نَرَجِّي النَّفْعَ إِنْ مَسَّنَا الضُّرُّ
كَأَنَّ الْوَرَى مِنْ حَوْلِهِ قَبْلَ بَعْثِهِمْ
دَعَاهُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ فِي يَوْمِهِ الْحَشْرُ
لئنْ غدرتْ فيها اللّيالي فإنّها
بكلِّ وفيِّ العهدِ شيمتها الغدرُ
وَمَا ضَرَّهَا لَوْ أَنَّهَا فِي عَبِيْدِهِ
مِن الْخَلْقِ يُفْدَى ذلِكَ السَّيِّدُ الْحُرُّ
سرتْ نسمةُ الرّضوانِ نحوَضريحهِ
ولا زالَ فيها منْ شذا طيبهِ نشرُ
وفي ذمّةِ الرّحمنِ خيرُ مودّعٍ
أقامَ لدينا بعدهُ الوجدُ والفكرُ
تناءى فللدّنيا عليهِ وأهلها
بُكَاءٌ وَحُزْنٌ وَالْجِنَانُ لَهَا بِشْرُ
دعتهُ لوصلِ الحورِطوبى فزارها
ولمْ يدرِ فيمنْ بعدهُ قتلَ الهجرُ
فلا يشمتِ الحسّدُ فيهِ فإنّهُ
سَتَرْغَمُهُمْ بِالْمَوْتِ أَبْنَاؤُهُ الْغُرُّ
لَئِنْ سَلِمَتْ أَبْنَاؤُهُ وَبَنُوهُمُ
فَوَيْلُ الْعِدَا وَلْيَفْرَحَ الذِّئْبُ وَالنَّسْرُ
فُرٌوعٌ تَسَامَتْ لِلْعُلاَ وَهْوَ أَهْلُهَا
فطابتْ وفي أفنانها أثّرَ الشكرُ
مُلُوكٌ زَكَتْ أَخْلاَقُهُمْ فَكَأَنَّهُمْ
حدائقُ جناتٍ وأخلاقهمْ زهرُ
كأنَّ عليّاً بينهمْ بدرُ أربعٍ
عشرٍ أضاءتْ حولهُ أنجمٌ زهرُ
إِذَا مَا عَلِيٌّ كَانَ فِي الْمَجْدِ وَالْعُلاَ
سَلِيْماً فَلاَ زَيْدٌ يَقُولُ وَلاَ عَمْرُو
يَهُونُ عَلَيْنَا وَقْعُ كُلِّ مُلِمَّةٍ
إذا كانَ موجوداً وإنْ فدحَ الأمرُ
أمولايَ هذا عادةُ الدهرِ في الورى
وليسَ بهِ خيرٌ يدومُ ولا شرُّ
فعذراً لما يجنيهِ فيكمْ فكمْ وكمْ
لَهُ عِنْدَكُمْ مِنْ قَبْلُ فَادِحةٌ وتْرُ
عسى اللهُ يجزيكَ الثوابَ مضاعفاً
ويعقبُ عسرَ الأمرِ منْ بعدهِ يسرُ
وَيُلْهِمُكَ الصَّبْرَ الْجَمِيْلَ بِفَضْلِهِ
ويمتدُّ في الحظِّ السعيد لكَ العمرُ