معركة الإسلام والرأسمالية (1952)/شبهات حول حكم الإسلام/طغيان الحكم


طغيان الحكم

ويجزع الكثيرون من المفكرين ورجال الفنون من حكم الإسلام أن ينصب لهم المشانق أو يحرقهم بالنار أو يلقى بهم في ظلمات السجون!

لماذا؟ لأن الحكومة الدينية من طبيعتها الاستبداد والظلم، وخنق الحريات وكتم الأنفاس، وضيق الأفق وجمود التفكير ...!

ومن أين جاءت هذه الصورة البائسة النكدة لحكم الإسلام وحكومة الإسلام أيها المفكرون المثقفون؟ إنها جاءت من محاكم التفتيش في عصور الظلمات؛ تلك التى حرقت العلماء، وقتلتهم بالخوازيق وألقت بهم إلى الحيات والثعابين. كما جاءت من الحكومات القائمة اليوم باسم الدين فى بعض بلاد المسلمين.

ولكن واحدة من هذه الحكومات ليست من الإسلام فى شيء. وهي لا تعتمد على الإسلام، إنما تعتمد على الجهل الفاشى، والانحطاط العقلى، والتأخر الفكرى، فى البلاد التى قامت بها فى القدم أو الحديث.

أعط هذه الشعوب الخاضعة للاستبداد علما ورقيا ونورا، ومعرفة بالدين.. تسقط عنها هذه الغشاوة، وتدرك أن الإسلام فى صفها على الحاكمين المستبدين، وليس في صف هؤلاء الحاكمين.

أفإِذا ادعى الحاكم المستبد أنه يستبد باسم الدين كان ذلك تهمة لهذا النوع من الحكم يوجب إقصاءه عن الحياة؟ إذن فما الرأى فى الحكم الديمقراطى الذى تحكم اليوم باسمه مصر والعراق والأردن، وكلها تحكم – والحمد لله - حكم ديمقراطياً دستورياً برلمانياً على آخر طراز فى الدساتير!

أهذه ديمقراطية دستورية برلمانية؟ وجهاز الدولة كله يعمل لحساب الرأسمالية، وهذه الملايين جائعة عارية مريضة مستقلة، ولا حامى لها ولا نصير؟

أهذه ديمقراطية دستورية برلمانية؟ و «نفر البوليس» يملك أن يتهم أي فرد فى عرض الطريق أنه ارتكب جريمة ما، ثم يقبض عليه ويصفعه ويركله ويشتمه، ويجرجره فى الوحل إذا تأبى عليه، حتى يذهب به إلى قسم البوليس، ليحرر له محضراً. وكل ذلك قبل أن يعرض على النيابة، وقبل أن يقدم إلى القضاء، وقبل أن يقرر إذا كان مجرماً أو بريئاً من المحاكمة بعد التحقيق!

أهذه ديمقراطية دستورية برلمانية، تلك التي يقع فيها ما يرويه رجل كالأستاذ المجاهد محمد على الطاهر فى كتابه الجامع «معتقل هاكستب» يقول:

«وقد بلغ الذعر بوالدة «على عمار» الطالب بكلية الحقوق بجامعة فاروق الأول أحد المعتقلين وشقيقاته البنات أن اختبأن تحت السراير هرباً من نيران البنادق السريعة المطلقات فقلبت السرائر وصرخ قائد القوات فيهن فانعقدت ألسنتهن.

«ودام البحث ثلاث ساعات عبثت فيها الأيدى بكل مقدس وعزيز كخلع البلاط وكسر الدواليب وتمزيق المراتب والأغطية، ويتحول المنزل بهمة رجال البوليس السياسى إلى تخالة أمام أعين الأطفال والنساء والشيوخ.

« ويساق رجال الأسرة بأكملها إلى المعتقل ضرباً بالعصى والسياط فى جميع أجزاء الجسم، من باب المنزل إلى باب المعتقل.

« وعادت النساء إلى الأم المشدوهة المتطلعة إلى وليدها وأبيه وأشقائه وهم يجلدون أمامها، فوجدن المسكينة قد أصيبت بالشلل لا تتكلم، وما زالت حتى الآن.

« وقد أثبت الطبيب الشرعى فى تقريره الذى قدمه إلى القضاء العادل أن على عمار الطالب بكلية الحقوق بجامعة فاروق. والمتهم فى الجناية العسكرية قد نزعت أظافره»!

أهذه ديمقراطية دستورية برلمانية، تلك التى يقف متهم فيها أمام المحكمة يروی ما نشرته إحدى الصحف اليومية الكبرى فى مصر على النحو التالي:

« ثم جىء بعبد الفتاح ثروت وهو المتهم الثالث فى قضية الاعتداء على الأستاذ حامد جودة وأجلسته المحكمة على مقعد.

« وأجاب بناء على مناقشة الأستاذ حسن العشماوى بأنه لم يعترف بأى شىء فى التحقيق، وأن التعذيب جعله فاقد الشعور.

« وروي بصوت مرتعش ضعيف صنوف التعذيب فقال: إن اللواء طلعت بك هدده بالتشريح إذا لم يعترف، قائلا: إن البلد فى أحكام عسكرية.

واستطرد يقول: وأخذونى إلى غرفة مع الضابطين العشري وفاروق كمال، وجردونى من ملابسى ونزلوا فى ضرب من تسعة مساء إلى أربعة صباحا.

« ولقد قسموا أنفسهم أربع مجموعات كل مجموعة من ۱۲ عسكريا وضابطا. ووضعوا رجلى فى الفلكة واستمر الضرب حتى أن الفلكية انكسرت.

« ثم استعملوا كرابيج الهجانة. ولما أفقت من إغمائى قال لى طلعت بك: هذه هى الجولة الأولى والبقية تأتى.

« وأخذونى إلى إبراهيم عبد الهادى باشا فقال لى: أنا عندى أمر أنى أموتك. ثم أمر بموالاة تعذيبى

« وكان التعذيب على أربع درجات بالضرب بالعصى والكرابيج ثم الكى بالنيران. وأحضروا سيخ حديد محمى، ولكن الضابط محمود طلعت طلب من الضباط أن يكفوا عنى قائلا: ده صاحبى وسيعترف بكل شىء.

« ثم نمت على الأسفلت فكانوا يطرقون الباب حتى يهرب النوم من عينى، وما كانوا فى حاجة إلى ذلك لأننى لم أكن أستطيع الرقاد على أى جزء من جسمى المشى كله.

« ثم طالبونى بالاعتراف وهددونى إن لم أفعل أن يعتدوا على اعتداء منكراً، وفعلا تقدم واحد يريد الاعتداء على، فقلت له: أنا أعرف أننى لا أستطيع مقاومتك وأنت يمكنك أن تفعل مع هذه الجريمة، ويمكنك أن تنجو من عقاب القانون، ولكنى أريد أن أقول لك قبل أن تبدأ: إن الله لن يترك هذه الجريمة بلا حساب. فابتعد عنى.

«وظل تعذيبى. وتلفت أعصابى.. وكنت لما أذهب إلى اسماعيل عوض بك وأشكو له يضرب الجرس ويأتى الحرس فيقول لهم: هاتوه لى أخرس خالص!

«وجاءنى ابراهيم عبد الهادى باشا ٤ مرات وقال لى أنا أبهدلك وأبهدل أهلك وأنا الحاكم العسكرى.

«كما جاء النائب العام محمود منصور باشا فلما تقدمت له شاكياً قال أنا عارف كل حاجة وتركنى.

«إن من الغريب حقاً أننى حينما حضرت اليوم لأداء الشهادة وجدت بعض رجال البوليس معهوداً إليهم المحافظة على الأمن. وكنت أعتقد أنهم الآن أمام المحكمة لمعاقبتهم على ما ارتكبوه من آثام.

«الرئيس: هل طلبوا منك أقوالاً معينة؟

« - نعم. أن أقول: إننى أعرف مالك وعاطف وإننى مشترك فى الاعتداء على حامد جوده.

«وما كاد المتهم ينتهى من هذه العبارة حتى ارتجف بدنه وحملق في الهواء وأصيب بنوبة عصبية إغمائية. وجعل يرسل شهيقاً عصبياً مؤلماً، أبكى معظم الحاضرين فى القاعة.

«وبادر رجال البوليس برش الماء على وجهه كما خف إليه طبيب من الموجودين وحملوه إلى الخارج.

«وطلب الأستاذ مختار عبد العليم إثبات ذلك فى محضر الجلسة فوافقت المحكمة، وأضاف الرئيس أن يثبت أيضاً أن النوبة طالت مدة طويلة»!

فإذا كان هذا كله، وكثير غيره مما ترويه قصة كل منهم سياسى فى تاريخ مصر الحديث قد وقع، فهل الديمقراطية الدستورية البرلمانية هى التى أنتجته، وهى المسؤولة عنه، وهى التى يجب أن تقصى عن الحكم، لأنه فى ظلها ترتكب هذه المنكرات؛ كما يقال: إنها ارتكبت وترتكب فى العصور المظلمة وفى بعض البلاد المعاصرة باسم الإسلام؟

إن المرجع فى الحكم على نظام ما يجب أن يكون هو قواعده وأصاله. فأما تخالف هذه القواعد والأصول، بسبب الجهل أو الانحطاط، أو أية عوامل أخرى، فالذى يجب أن يقوله المخلصون للحق فى هذه الحالة: إن أصول هذا الحكم ليست مرعية. وإنه يجب أن يرجع إلى هذه الأصول والدعوة إلى هذه الرجعة تكون إذن قوية لأنها ترتكن إلى أصل معترف بها، ولكنه مهمل فى التطبيق.

لقد كان إقصاء الإسلام عن الحكم يكون مقبولا، لو كان الخائفون من الاستبداد فى ظله، أو المغرضون الذين يخوفون من هذا الاستبداد، يقولون إن طبيعة الإسلام تدعو إلى الاستبداد من الحاكم، أو تدعو المحكومين إلى الرضى والخنوع!

ولكن الإسلام هو هو الدين الذى قرر للمجتمع نظاما لا سيد فيه ولا مسود، ولا أشراف فيه ولا عبيد نظاما يجعل أبا بكر وعمر - أكبر صاحبين لرسول الإسلام - تحت إمرة مولى من الموالى وقيادته، فلا يري أحد في هذا شيئا ولا يريان. نظاما يدع ابن الرجل من عامة الشعب فى مصر يضرب «ابن الأكرمين»، ابن حاكم مصر عمرو بن العاص، بأمر الخليفة وأمام الجموع، نظاما ينذر من يقبلون الاستضعاف والذل بالعذاب الأليم: ﴿الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيمَ كنتمْ؟ قالوا كنا مستضَعفين في الأَرض قالوا ألم تكن أرض اللَهِ واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ويحرضهم على القتال لحقهم: «ومن قتل دون مظلمته فهو شهيد» وينذرهم لو سكتوا عن الحاكم الظالم فلم يغيروا عليه: «من رأى سلطان جائراً مستحلا لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان على الله أن يدخله مدخله»

أفهذا النظام الذي يشفق المشفقون أن يؤدى إلى استبداد الحكام واستلام المحكومين؟ أم هو التمحل والتضليل؟

بقي الخوف من ضيق آفاق القائمين على الحكم الإسلامي وجمود تفكيرهم. وما أحسب هذه الصورة قامت في أذهان هؤلاء. الرقاق، إلا من اقتران حكم الإسلام بعائم الشيوخ ومسابح الدراويش!

فإذا تبين أن هؤلاء أن يكونوا أستاد حكم الإسلام في مصر، بل طرداءه، ما لم يغيروا ما بأنفسهم، ويعملوا عملا منتجاً غير مجرد الصلوات والأذكار والتراتيل. إذا تبين هذا فيجب أن تخفي هذه الصورة النكدة لحكم الإسلام، ما لم تكن التهمة موجهة لمبادئ الإسلام في ذاتها لا المشايخ والدراويش. فهل إنه لكذلك ذلك الدين العظيم؟

إن أحداً لم يجرؤ إلى اليوم أن يتهم هذا الدين ذاته بضيق الأفق والجمود، وهو يعرف عنه شيئاً يسمح له بالحديث في الموضوع. فأما الذين يخوضون في لا يعرفون، فهم لا يستحقون الاحترام، لأنهم لا يحترمون أبسط قواعد الجدل والحديث.

إن هذا الدين لا يدخل نفسه أبداً في الشؤون العلمية البحتة، ولا العلوم التطبيقية المحضة، باعتبارها من أمور الدنيا. «أنتم أعرف بشؤون دنياكم» قاعدة أساسية فيه. وعندئذ يخرج نفسه نهائياً من الميدان الذي حشرت الكنيسة نفسها فيه في القرون الوسطى، فحرقت العلماء وسجنتهم لأنهم يتحدثون في العلم، وهي تحشر نفسها فيه !

فأما شؤون الاجتماع وشؤون العبادات، وسائر ما يتعلق بروح الإنسان وفكره، فكل ما لم يحلل حرامًا منصوصًا عليه نصاً صريحاً ، أو يحرم حلالا منصوصاً عليه نصاً صريحاً، فهو رأي يحتمل الصواب والخطأ، ويجادل صاحبه بالحسنى، ويحميه الإسلام أن يصيبه الأذى؛ إلا أن يكون كفراً صراحا بواحاً، لا يحتمل الشك ولا التأويل.

فأما الحدود الإسلامية فتلك شيء آخر. شيء يدخل في دائرة الجرائم الاجتماعية التي تصان بها حرمة المجتمع وكرامته ومصلحته. فإذا خطر لأحد أن يرميها بالقسوة، وأن يتحدث عنها باسم المدنية والهمجية فذلك شأن آخر. لنا فيه حديث.

إن هذه الحدود كقطع يد السارق، ورجم الزاني المحصن أو جلده، وجلد غير المحصن، وجار السكير.. قد تبدو قاسية عند النظرة الأولى وعند من لم يدرس فكرة هذا الدين الكلية وقوا على العامة جملة.

إن الإسلام لا يقيم هذه الحدود على مرتكبي تلك الجرائم إلا بعد أن لا يكون لهم عذر ما في ارتكابها، ولا شبهة في وقوعها.

إنه يقطع يد السارق، الذي لم يسرق اضطراراً ليطعم نفسه أو يطعم أهله؛ فإذا كانت هنالك مبررات اجتماعية أو فردية تضطر إلى هذه الفعلية فلا عقوبة؛ بل ربما عاد بالعقوبة على من دفع المجرم إلى ارتكاب جريمته! وهكذا فعل عمر مع غلمان سرقوا ناقة. فلما علم أنهم سرقوا لأن سيدهم لا يعطيهم الكفاية من الطعام، أطلقهم وغرم السيد ثمن هذه الناقة ضعفين. ولما كان الجوع في عام الرمادة عطل حد السرقة.

وإنه يرجم الزاني الذي يضربه الشهود في حالة تلبس كامل أو يجلده، في الوقت الذي لا يبيح لأحد أن يتسور على أحد داره أو يتجسس عليه. فالزاني الذي يضبطه الشهود إذن لا يرتكب هذه الفاحشة في خفية، بل في مكان يستطيع الشهود أن يضبطوه فيه، فهو إذن مجرم فاحش متبجح، ينشر الفاحشة ويشيعها؛ والله يكره هذا ويمقته ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وأما الذين يرتكبون هذه الفاحشة متسترين، ثم يعترفون طلباً للتكفير، فالإسلام يرأف بهم رأفة شديدة، ويحاول أن يتلمس لهم الشبهات، كي يعفي هذه الضمائر المتحرجة المتطهرة من العقاب.

والذي يرجح أن هذه العقوبة مراعىً في تشديدها، فكرة نشر الفاحشة، أن عقوبة الجلد، توقع على فريق آخر: فريق الذين يشيعون الفاحشة بنشر الإشاعات والأراجيف حول أعراض المؤمنات الطاهرات:

﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.

كذلك الحال في حد شارب الخمر. فهو يجلد إذا ضبط شارباً. فإذا كان في خفية، لم يره أحد، فليس لأحد أن يتسوَّر عليه بيته أو يتجسس. فأما ذلك المستهتر الذي يجهر بالمعصية، فمن حق المجتمع أن يقي نفسه من نشر المثل السيئ في جوانبه، ومن حقه إذن أن يعاقبه. فأما حين يتستر ولا يتبجح فذلك حسابه مع ضميره ومع خالقه. وتلك مسألة أخرى، يتولاها الإسلام وإيقاظ الضمير لا بالعقوبة.

ونستعير هنا رأيًا للأستاذ محمد قطب سجله في كتابه: «الإنسان بين المادية والإسلام» عن العقوبات الإسلامية، خلاصته: أن الإسلام يمنع أولا كل الأسباب التي تضطر الفرد إلى ارتكاب الجريمة، ويعالجها علاج وقاية قبل وقوعها، وبذلك لا يبقى لمرتكبها عذر في ارتكابها، إلا متبجحًا مستهترًا مختارًا، وحينئذ لا تكون العقوبة قاسية مهما بدت قاسية، لأن الإسلام لا يتلمس الأسباب ولا يتربص الدوائر؛ بل بقي. فإذا لم تنفع الوقاية، فالعلاج إذن ضروري لا محالة1.

ذلك واضح. فأمّا الذين في قلوبهم مرض، فيعدون هذه الاحتياطات في حدود الإسلام دلالة على عدم جديتها! وهي جهالة تافهة، تأخذ الأشياء من سطوحها في عجلة مستهترة تنافي كرامة العلم، ووقار البحث، والجد الضروري في تناول مثل هذه الأمور.

... وبعد! فليطمئن المخلصون من المفكرين ورجال الفنون ومن إليهم أن حكم الإسلام لن يسلمهم إلى المشانق والسجون! ولن يكبت أفكارهم، ويحطم أقلامهم، وينبذهم من حمايته ورعايته؛ ولا يأخذوا الصيحات التافهة التي يصيحها اليوم رجال الدين المحترفون في وجه بعض الكتب وبعض الأفكار حجة!! فإِنما هذه الصيحات تجارة رابحة اليوم، وحرفة كاسبة، لأنهم يعيشون في عهد الإقطاع الذي يقيمهم حراساً لمظالمه وجرائمه، ولكي يبرروا وجودهم في أعين الجماهير يطلقون هذه الصيحات الفارغة بين الحين والحين.

فأما حين يكون الحكم للإسلام، فلن يبقي لهؤلاء عمل، فسيكونون يومئذ مجندين لعمل منتج نافع، هم وبقية المتعطلين المتسكعين من كبار الملاك ورجال الأموال، ومن الموظفين والمستخدمين في الدواوين، ومن أحلام المقاهي والمواخير والحانات، ومن المشردين في الشوارع والطرقات. أو المصطلين للشمس حول الأجران.. وكلهم في التبطل والتسكع سواء. بعضهم كاره مضطر، وبعضهم كسول خامل، وبعضهم مستغل مستهتر.

وحين تندفع الجموع في تيار العمل النشيط؛ لن تكون هناك جرائم تقام عليها الحدود إلا في القليل النادر، وفي حالات الشذوذ، الذي لابد منه في المجتمعات.


  1. يراجع فصل الجريمة والعقاب في كتاب «الإنسان بين المادية والإسلام»