معركة الإسلام والرأسمالية (1952)/عداوات حول حكم الإسلام/عداوات الشيوعية والشيوعيين


عداوات الشيوعية والشيوعيين

الشيوعية دعوة قاست من رجال الدين الأمرين، وهي تكافح لتحطيم حكم القياصرة، وإعطاء الجماهير ضروريات حياتها التي كانت محرومة منها.

وهي نظرية فلسفية تنكر أن يكون في هذه الحياة مؤثر في سيرها، خارج عن مادتها؛ فهي تنكر منذ اللحظة الأولى أن يكون هناك إله، ليس كمثله شيء في هذه الحياة.

وهي تقرر أن المؤثرات في سير التاريخ كلها ناشئة من الماديات الواقعية. ففي تنكر منذ اللحظة الأولى أن يكون هناك رسل وحي إليهم.

وهي تعتنق مذهب التفسير المادي للتاريخ. فهي تنكر منذ اللحظة الأولى أن يكون الأفراد – رسلاً أو أبطالاً – أدوار إنشائية في تطور المجتمع.

وهي - على ما فيها في الجانب الاقتصادي من موافقات كثيرة لبعض النظم الإسلامية - تناقض فكرة الإسلام الكون والحياة والإنسان؛ وتعاديه عداء شديدًا بسبب هذا الاختلاف الأساسية في طبيعة التفكير.

والشيوعية تعد نفسها في مرحلة حرب و كفاح؛ فكل عقيدة فيها جانب للروح، وفيها حساب الله، تعدها الشيوعية عدوة لها، ولو كانت هنالك مشابه كثيرة في الجانب الاقتصادي بينهما. بل إن الشيوعية لتعادي الإسلام أكثر مما تعادي المسيحية؛ لأن المسيحية لم تعد قوة إيجابية في طريقها، ولأن الإسلام يملك أن يحقق عدالة اجتماعية اقتصادية - بجانب احتفاظه بالله في العقيدة واحتفاظه بالروح في الحياة - ومثل هذا خطر كل الخطورة على الدعوة الشيوعية التي تعتمد أول ما تعتمد على سوء الأحوال الأجتماعية؛ ويأس الجماهير من أن تجد لها طريقًا إلى العدالة غير الشيوعية.

وقد أحست الشيوعية هذا في السنوات الأخيرة؛ فأخذت تجند لمحاربة الدعوة إلى الحكم الإسلامى جهودها، وتبث ضد هذه الفكرة دعايتها. وهذه الدعاية تأخذ طريقها في شعبتين:

الشعبة الأولى: هى تشويه صورة الحكم الإسلامي، مستغلة تلك الصورة المزورة للحكومة الإسلامية في بعض الشعوب الشرقية. و بیان عدم جدية هذا الحكم؛ وغموض الأسس التي يرتكن إليها، وصلاحية هذا الغموض للتأويل والاستغلال ضد الجماهير، وضد الحرية والمفكرين الأحرار.

والشعبة الثانية: هي الإلحاح في القول بأن العالم ينقسم فقط إلى كتلتين اثنتين: الشرقية والغربية، وأن علم الانضمام إلى الجهة الشرقية، معناه تقوية الجهة الغربية. وكذلك أي تفكير في إيجاد كتلة ثالثة، معناه تجزئة القوى مما يقوي جبهة الرأسمالية!

ولقد كشفنا ما في هذا القول وذاك من مغالطة، وما يخفي وراءه من أغراض. والمهم أن يفطن الناس حين يسمعون الدعوة ضد الحكم الإسلامي إلى بواعتها الحقيقية.

إن الشيوعيين يتعصبون لمذهبهم نعصبًا يجعله في نظرهم غاية في ذاته، لا وسيلة لتحقيق عدالة اجتماعية؛ لذلك يهمهم أن يسدوا في وجوه الجماهير أي طريق آخر يمكن أن يحقق لها عدالة حقيقية، كي لا يبقى هناك إلا طريق واحد: طريق الشيوعية.

ولا يجوز أن نغفل كذلك أن ليس التعصب المذهبي وحده هو الذي يملي على دعاة الشيوعية خطتهم، بل إن الدولة الروسية لها من ذلك شيء! فالشيوعية وسيلة إلى السيطرة على كل دولة تعتنقها؛ وليس مجرد اعتناقها كافيًا إن هي رفضت النفوذ الروسي. وهذه يوغوسلافيا شيوعية لا يطعن أحد في شيوعيتها؛ ولكنها رفعت رأسها أمام ذلك النفوذ، خلت عليها اللعنة، ولم تشفع لها شيوعيتها!

وفي مصر تتدخل عوامل أخرى غير التعصب الشيوعية؛ ويجب أن نحسب لهذه العوامل حسابها.. إن في مصر شيوعيين لا لأنهم يحبون الشيوعية، بل لأنهم يكرهون الإسلام، فكل ما يحارب الإسلام إذن حولهم صديق!

وهم يتظاهرون أمام المغفلين من المسلمين بأنهم مجردون من كل تعصب ديني، لا يحفلون كل الأديان: وهم في حقيقتهم صليبيون ينصبون للإسلام وحده. ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ!

وما أحب أن أفيض في هذا الموضوع، ولكن أحب أن أنبه كل مسلم من الأبرياء الذين تخدعهم هذه المؤامرة إلى أن يتأكد من الباعث الأول على الطعن في الإسلام وحكم الإسلام. قد لا تكون الشيوعية إلا ستارًا لذلك الطعن الخبيث. وأحب لكل فتي من فتيان المسلمين انزلقت خطاه إلى خلية شيوعية، أن يتلفت، فإن وجد فيها معه أحدًا من هؤلاء الصليبيين المستترين، فليأخذ حذره أنها عمل لحساب الصليبية، لا لحساب الشيوعية، والعدالة الاجتماعية.

ووددت أن انتهى إلى هذا الحد في الفصل، لولا دعاية تنبض في خاطري حول بعض شيوعيينا المصريين الأعزاء؛ الذين يتحدثون أحياناً ضد حكومة الإسلام!

معظم هؤلاء الأعزاء، يتناولون الحديث في هذه الشؤون، وهم «منسجمون» في خدر الحشيش اللذيذ، وأمامهم جمرات من الفحم وحولها دخان النرجيلة المتلوي!

هؤلاء الرفاق المريحون؛ لا يريدون مواجهة الواقع السيء في دنيا الناس - ونحن نشفق عليهم فهم ضحايا بريئة لذلك الواقع الأليم - وهم يهربون منه في خدر الحشيش اللذيذ؛ يحلمون الأحلام المريحة عن «بابا ستالين» وهو يدس لهم في «شجرة الهدايا» عدالة اجتماعية لذيذة، لا يتعبون حتى في تناولها.

فما لهم إذن ولهذا الإسلام المتعب، الذي يكلفهم جهدًا ومشقة؛ بل ويفرض عليهم الصحو والعمل.. دعنا يا عم دعنا من هذا الإسلام، ومن متاعبه الجسام. وغدًا نصحو من المنام، على وقع خطوات «ستالين الهمام».