معركة الإسلام والرأسمالية (1952)/في الإسلام الخلاص/مشكلة العمل والأجور


مشكلة العمل والأجور

إذا كان العمل هو وسيلة التملك ووسيلة تنمية الثروة فى اعتبار الإسلام؛ فهو إذن قيمة أساسية من القيم الاجتماعية والاقتصادية.

والإسلام يحيط العمل بقداسة، ويمنح اليد العاملة توقيراً، حتى ليقول نبى الإسلام الكريم عن يد ورمت فى العمل: «هذه يد يحبها الله ورسوله» وتتوارد أحاديثه تترى عن هذه القداسة: «من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له»، «إن الله يحب العبد المحترف».. «ما أكل أحدكم طعاماً قط خيراً من عمل يده».

ولقد مر أن بعض فقهاء الإسلام يجعل للعامل الحق فى الحصول على نصف الربح؛ والمبدأ العام الذى يجعل للحاكم أن يستجد من الأحكام بقدر ما يجد من الأقضية، يجعل الدولة من حقوق التشريع العمالية ما تراه دائماً وفق مطالب المجتمع المتجدد، ومبدأ المصالح المرسلة (أي مصالح المجتمع التى لم يرد فيها نص) ومبدأ سد الذرائع (أى توقى الأخطار المحتملة) كفيلان بمنح الدولة كل الحرية فى التشريع، حسب مقتضيات الأحوال فى حدود العدل وكفاية العامل ورضاه.

وفى هذا المضطرب الواسع، والحرية العريضة، فسحة لتلافى كل ظرف طارئ ومواجهة كل حالة استثنائية؛ على ضوء المصلحة الاجتماعية العامة، وعلى ضوء المبادئ الإسلامية الأخرى، التى تحرم الغبن، كما تحرم كل إجراء يؤدى إلى الترف فى جانب والحرمان فى جانب؛ أو يؤدى إلى احتباس المال فى أيد قليلة، وتداوله فى محيط ضيق. ومن أول مبادئ الإسلام ألا يكون المال فى أيدي الأغنياء وحدهم: «كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم» فكل نظام للأجور يؤدى إلى هذه النتيجة هو نظام محرم لا يقره الإسلام. وعلى ضوء هذا المبدأ وتلك المبادئ العامة السابقة يمكن التشريع للأجور فى اطمئنان.

أما ساعات العمل فهى محدودة بالمبدأ الإسلامى العام الذى يحرم الضرر: «لا ضرر ولا ضرار» فكل ما يؤدى إلى إرهاق صحة العامل، أو حرمانه حق الراحة الضرورية، أو حق الاطمئنان النفسى على حاضره وعلى مستقبله، هو نظام محرم لا يقره الإسلام فى العمل ولا يرضاه وعلى الدولة أن تشرع فى هذه الحدود حسب المقتضيات.

ونظام العمل نظام متجدد، ومقتضياته وظروفه أبدا فى تغير. لهذا وضع الإسلام المبادئ العامة للتشريع له، ولم يحدد قوانين ثابتة، فتلك خطته العامة ليواجه حاجات الحياة المتجددة؛ ويتقبل تجارب البشرية الواقعة فى كل زمان، ويبقى حارسا للاتجاه العام، كى لا يحيد عن وجهته، ولا يخالف عن روحه ومبادئه.

ولقد كانت هنالك بقية من الحديث عن «الملكية الفردية» آثرت نقلها إلى هنا، لأنها حديث «عن الاحتكار» وللاحتكار صلة بالملكية العامة، وصلة بالعمل والأجور. ذلك أن نظام الاحتكار كثيراُ ما يؤدى إلى تحكم صاحب العمل في العمال - فوق تحكمه في السوق والاستهلاك - لأن العمال الذين يعملون فى صناعة أو حرفة محتكرة لفرد أو شركة، يعانون نظاماً أشبه شيء بنظام الإقطاع. كل ما هنالك أن الإقطاع احتكار للأرض، والاحتكار احتكار للصنف.

والإسلام يحرم نظام الاحتكار، كما يحرم ما يدعونه حقوق الامتياز بالنسبة إلى الموارد العامة والخدمات العامة. وما يسمى اليوم «تأميم المرافق العامة» وهو مبدأ رئيسى من مبادئ الإسلام.

فكل هذه الاحتكارات القائمة: كاحتكار صناعة السكر، واحتكار صناعة المواد الكحولية، واحتكار صناعة السمنت. وكل الامتيازات المعروفة: كامتياز شركة القنال، وامتياز شركة الترام، وامتياز شركات النور والمياه.. وما إليها؛ كلها نظم لا يقرها الإسلام. أولا: لأنها وسيلة من وسائل التحكم فى السعر والتحكم فى العامل وثانيا: لأنها وسيلة لتضخيم الثروة بطريقة جائرة لا تحقق تكافؤ الفرص للجميع. وثالثاً: لأنها وسيلة من وسائل تعطيل الإنتاج ورفض التحسينات فى كثير من الأحيان.