مفيد العلوم ومبيد الهموم/كتاب الرد على الكفرة/الباب الأول


( الباب الاول في حقيقة التعصب )

واشتقاقه من العصيب والعصب وهو الشدة يوم عصيب ويقال للغزال عصاب فكل من كان شديدًا غيورًا في دينه ومذهبه فمتعصب ذاب عن الدين حافظ للاسلام والاعتقاد (فصل) وأعلم أن التعصب قاعدة الإسلام وقانون الإيمان وأساس الشريعة وشعار الموحدين وعلامة المؤمنين ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيّ عن بينة ولو كره الكافرون ولا يبلغ المرء حقيقة الإيمان حتى يكون على دينه أغير منه على محارمه من بناته وأخواته والمداهنة من علامة المنافقين ومن لا غيرة له على الدين والمذهب فلا دين له ومن لا وفاء له فلا دين له والتغافل عن البدعة ينبيء عن قلة الدين وفي الخبر الدّيّوث لا يدخل الجنة فيا معاشر المسلمين تعجبوا من هذا الخبر قال من لا يغار على أهله فلا يدخل الجنة والدين والمذهب خير من بضع امرأة فمن لا يغار على الدين كيف يدخل الجنة وكفى بالله نكالة فلا خلاف بين المسلمين أن المصلي لو رأى أحدا يقع في الحريق والبئر العميق فإنه يجب عليه قطع الصلاة وتخليص الرجل كذلك البدعة تجر إلى النار فمن رأى واحدًا يتكلم في البدعة أو يجالس مبتدعًا يجب عليه أن يمنعه أوّلًا وينصحه ثانيًا ويزجره عن البدع ثالثًا وعند هذا يلزم قوله أنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا قيل يا رسول الله هذا المظلوم ننصره حتى يصل إلى حقه فكيف ننصر الظالم قال تمنعه عن الظلم فذلك نصرته وهو الأمر العظيم والرضى بالكفر كفر والرضا بالفسق فسق ومن اعترضت له شبهة يجب على العلماء حلها وازاحتها فإن تواكلوا حرجوا عن آخرهم وأيضًا من لا يغضب في موضعه فقد رد حكم الله في خلق الغضب فمن استغضب ولم يغضب فهو حمار والأمر بالمعروف ركن الشريعة ولو عمر رجل سبعين سنة وتصدق بألف دينار ذهبًا ثم تكلم بالبدعة فعمله هباء منثور ولا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب المؤمن في الله ويبغض المبتدع في الله قال النبي الحب في الله والبغض في الله فإن قلت أسرار العباد بيد الله والخلق كلهم عباد الله خلق قومًا للجنة وقومًا للنار يسر قومًا للطاعة وقومًا للمعصية فدع عباد الله إلى الله فكل شاة برجلها ستناط ولا خصومة في دين محمد فمن أنت يا فضولي أنت وصي آدم أم أنت محتسب العالمين فأقول هذا سؤال يقرع باب الإباحة ويخطب الزندقة ويسد باب الأمر والنهي وهو إعراض عن الله تعالى ورسوله لأن الله أمر ونهى ووعد وأوعد وأحب وأبغض وقال ﴿جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وقال ﴿لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وهذا الرسول ينبيء عن حكم الشرع والذي يقوله الأشعري أمر الله وأمر الله واجب يجب على العبد أن يحفظ أمر الله ولا ينظر إلى حكمة الله والذي قال ان محمدًا كان حرًا لا خصومة في دينه فقد كذب لأنه كان حر النفس لم يكن حرًا عن الخصومة إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبيد وقد قتل خلائق جمة وقتل في يوم واحد من بني قريظة والنضير أربعمائة رجل ويدعى في التوراة نبي القتال والملحمة وهو يقول لو سرقت فاطمة بنت محمد رضي الله عنها لقطعت يدها أعاذها الله من ذلك ولو أن ظالمًا قصد وليًا لقتله فهرب يجب على من رآه أن يكذب ولا يصدق ولو ترك الاكل حتى كاد أن يهلك يجب عليه الاكل ولو رأى أعمى يقع في البئر يجب على المصلي الذي لا يتكلم أن ينبهه والسكوت في هذا الموضع حرام وأيضًا أن من قال ان الخصومة بين المسلمين حرام فيلزم أن لا يعترض لمن سلب ثوبه وصفع قفاه ووطيء عياله لأن الخصومة حرام ولو قال كذا يجب فنقول هذه زندقة كبرى ومن فعل هذا فهو مباحي كافر وإن قال لا يجوز السكوت عليه قلنا كذلك أوامر الله لا يجوز السكوت عليها.