مفيد العلوم ومبيد الهموم/كتاب الرد على الكفرة/الباب الخامس


( الباب الخامس في الرد على الملاحدة لعنهم الله )

الملاحدة شر خليقة الله تعالى وأخبث عباد الله وكفرهم أعظم من كفر فرعون وهامان وثمود وكفر جميع الكفار يتلاشى في جنب كفرهم وإن كان الكفر كله ملة واحدة ولكن أعرفك خبرهم وأصل مذهبهم نشأ من ميمون بن ديمان الثنوي المقيم بكنيسة فارس في سنة ثلاثمائة وعشرين وتقوية مذهبهم من جهة تاج الملك الملحد المسيحي لعنه الله وأول بلدة ظهرت فيها هذه المقالة أهواز وقيل أصفهان وعود هذا المذهب وعاقبته وخاتمته التعطيل فأوله رفض وآخره تعطيل محض ولا ملك لهم البتة ولا سلطنة ولا مقالة البتة سوى التلبيس ومقصدهم معادلة الإسلام وتشويش الشريعة وافترقت المجوس على سبعمائة فرقة والباطنية شيء منهم والكلب والخنزير يسكنان بلاد الإسلام والباطني لا يقيم بين المسلمين لخبث عقائدهم وداعيتهم في العراق الحسن بن أحمد الصباح الرازي الزنديق كان ساعيًا كاتبًا بالري ويعلم النجوم والفلسفة بمصر وسمى نفسه صباحًا يعني انه صبح طلع بين الدعاة كما أن أبا عليّ بن الحسن كان من قرية ببخارى يقال لها سينا فسمى نفسه إبن سيناء وهو الضياء وصعد هذا الزنديق قلعة الموت في سنة سبعين وأربعمائة أخذ الدعوة من مصر بمعونة تاج الملك الزنديق وأعطاه مالًا اشترى به قلعة الموت خربها الله تعالى وكان يدعي التشيع ونصرة أهل البيت ويعدهم الخروج والاستيلاء فجلس يومًا على القلعة وقسم جميع البلاد على قومه يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا وكثر هرجه وشرّه وفتكه بالملوك والسلاطين والعلماء والكبراء ولم يحصل على ما أضمره من الخروج والاستيلاء إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ففرحت قلوب المسلمين بسببه وكان يقوى بتغافل السلطان والأتراك ومداهنتهم في أمره فمات لعنه الله ومن فضائحهم أن الشرائع لها بواطن غير الذي يعرفه العلماء فالصلاة دعاء إلى الامام والصوم حفظ السر والحج القصد إلى الامام وغسل الجنابة يطهر القلب عن المعقول إلى غير ذلك مما لا يحصى فنقول القرآن عربي والعرب تفهم من هذا شرائع معقولة وما يقوله تركي أو مصري والقرآن لم ينزل بلغة التركي والمصري فلو خاطبهم بلغة لا يعرفونها كان عبثًا وظلمًا فقولك تحكم محض لم قلت ذلك وأيضًا فصاحة العرب منذ خمسمائة سنة يسمعون عنها ولا يعرفون معانيها حتى جعلت من صف البقالين فكيف عرفت يا زنديق ما اشتبه على العرب.

شعر
أقصر يحق لمثلك الاقصار
أتريد تعييرا وأنت العار

وأيضًا أولئك صلوا وصاموا وتعبوا فكانوا على الحق دون العالمين يا عجبا ودهرنا عجائب وأيضًا بما عرفت هذا ضرورة أم نظرا وأنت لا تقول بالمعقول يا كافر زنديقًا أجبنًا ولا جواب لك ومن فضائحهم أن حشر الأجساد لا يكون والجنة والنار لهما ظواهر وبواطن والجواب العقل يدل على جواز ذلك وأخبرنا الصادق بوقوع ذلك فآمنا وصدقنا فمن أنت يا فضولي يا خبيث يا زنديق أن المسلمين تقلدوا قول النبي مع ألف معجزة ولا يقبلون قول رسولك الدهري أفلاطون اليوناني وجروين وسروين يقلدون من خرافاتك هذا بادر علم الله ومن قدر على إنشاء شيء لم يكن له ابتداء قدر على اعادته والجنة والنار عرفنا حقيقتهما من قول الله سبحانه وقول رسوله المعصوم وأقام ألف معجزة حتى قبلنا قوله فأنت يا زنديق بأي دليل تقبل قوله ومن فضائحهم يستحلون تحريف المصاحف والمساجد وقتل الذراري والصبيان فنقول يا ملاعين الانبياء ما قتلوا الناس ابتداء بل دعوهم إلى الحجة والبرهان وأنتم تزعمون أنكم على ملة الانبياء وتفعلون أفعال المجانين فإن كان لكم حجة فأظهروها وإلا فالكلب خير منكم ومن فضائحهم شتم الانبياء ولقب أحدهم نفسه رب العزة ويزعمون أن شريعة الرسول وحاش الله أن تتغير منسوخة بمحمد بن اسماعيل والله تعالى يقول وخاتم النبيين وقال لا نبي بعدي وختم الشيء آخره الكيس إذا ختم لا يخرج منه شيء وقال النسابون أن محمد بن اسماعيل مات ولا عقب له فكم أحصى ولا أخير له ولقد صنفت كتابًا يا معشر الوزراء في الرد عليهم قريبًا من خمسين طباقة كاغد فلنقتصر هاهنا فلا كلام معهم إلا المشرفي الجام وقد انقطع الكلام.