مفيد العلوم ومبيد الهموم/كتاب الرد على الكفرة/الباب السابع


( الباب السابع في الرد على المنجمين )

قال بطليموس الفلك بما فيه من السيارات قديمة أزلية وهذه السيارات مدبرات للعالم كما قال الله تعالى ﴿فَٱلْمُدَبِّرَٰتِ أَمْرًا وهي زحل والمريخ والمشترى والشمس والزهرة وعطارد والقمر وهن موجبات للسعد والنحس ثم اختلفوا في تأثيرها فمن قائل إنها تفعل بطبعها عند محدثات ومقارنات ومن قائل إنها أحياء عالمون قادرون بفعل الاختيار وقيل السيارات لا تفعل شيئًا لكنها دلالات على هذه الحوادث والله هو المستبد بالخلق والاختراع واختلف المسلمون في النجوم فمن قائل لا أحيل على النجوم شيئًا فليست بسبب ولا فاعل البتة ومن قائل يجوز أن يقال سير هذه الكواكب سبب كالصيف أجرى الله السنة فيه بحرارة الهواء وفي الشتاء ببرد الهواء فلو أراد قلب الحر والبرد فلا الصيف موجبه ولا الشتاء لكنها أسباب وأوقات وعبارات والله هو المختص بالخلق والايجاد والدليل عليهم أن نقول هذا النجم هل هو حي عالم قادر أم لا فإن قال ليس بحي لكن يفعل الشيء بطبعه لا باختياره قلنا هذا محال لإن الجماد لا يقع منه الفعل ألا ترى الميت والجماد يستحيل وقوع الفعل منه وأيضًا فإنما يؤثر الطبع عند الاتصال لا عند الانفصال والبعد كالنار تحرق القريب لا البعيد فكذلك النجم وجب أن لا يؤثر ولا يعمل شيئًا عند البعد وبزعمك أن زحل في السماء السابعة فكيف يعمل بطبعه بمن هو على وجه الارض (دليل آخر) من ذا الذي أوجد الفلك والسيارات أبنفسها وجدت أم بصانع فإن قلت بنفسها فمحال وإن قلت بصانع فذلك ما تقول بأن النجم حادث فيستدعي نجمًا آخر إلى ما لا يتناهى فإن قيل أنتم تثبتون صانعًا وتقولون لا نهاية له وذلك لا يقتضي نفيا الجواب نحن نثبت صانعًا للعالم على خلاف العالم حيًا قادرًا لا يشبه العالم وأنت تثبت الحوادث بحادث مثله وهو محال وإن قال الفلك قديم بسياراته فمحال لأن السيارات تدور والفلك دوّار من حال إلى حال والقديم كيف يتغير لأن الصفة الطارئة حادثة والقديم لا أول له وكما أن ذاته لا أول لها فصفاته كذلك (دليل آخر) نرى جماعة في سفينة يغرقون مع اختلاف طبائعهم فعلمت أن لا فعل للطالع وإن قالوا السيارات أحياء نقول هذا رد للمشاهدة فان النجم هو مضيء لا علم له وهو مسخر لا علم له بما يعقل من الحركة والسكون والسير فأين الحياة والمعرفة (جواب) إن قلت النجم حي عالم فاعل باختياره فقد ارتفع الخلاف لاني أثبت الصانع الحي العالم القادر إلا انك تسميه نجمًا وإنما أسميه ربا وصانعًا وأما الله تعالى فموجد ولم يرد التوقف بتسميته نجما وأيضا فإن الصانع واحد وأنت تثبت سبعا فقد أشركت والله تعالى أعلم.