مفيد العلوم ومبيد الهموم/كتاب الغرائب/الباب السابع


( الباب السابع في القول في الحروف )

إعلم أن هذه مسئلة عظيمة ومشكلة داهية لا يعرفها إلا الفضلاء ولا يلقاها إلا ذو حظ عظيم فالعامي إذا سأل عنها فليزجر فإن سلامة دينه في تركه سؤاله من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وكل مترسم بالعقل تراه يدعو الناس إلى الخوض في الحروف فاعلم أنه مفتون مضل ليس من أئمة الدين فالامام مالك بن أنس رحمه الله ما يحارب في رد السائل الذي سأله عن الاستواء فقال الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة فإن عدت أمرت بضرب رقبتك لان أفهام العوام لا تحتمل هذه الأسرار ولو علم العامي الجلف في ساعة ما علمه العالم بمدار سبعين سنة يكون غنيًا عظيمًا مثال من يدعو العوام إلى الخوض في الحروف مثال من يدعو الصبيان الذين لا يعرفون السباحة إلى الخوض في البحر ومن يدعو المزمن المقعد إلى السير في البراري يدل عليه قوله ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّ وكلام الله تعالى لا تكفيه البحار السبعة وإن بلغت سبعين ألفًا فاعلم أنها شافية كافية ولأنك كنت معدومًا والحروف موجودة فكيف تكون معدومًا وكلامك موجود ويلزمه أن تكون الحروف في المحاسبة والمكاتبة وفي كل حالة قديمة لأن الدليل قد قام على أن الجواهر متماثلة وسماع صوت المرأة حرام واستماع القرآن مباح واجب في كل موضع فلو قرأت أجنبية القرآن هل يحل استماعها إن قلت لا يحل فهو كفر لأنه يقول لا يحل استماع القرآن وإن قلت يجوز فخلاف الاجماع أن صوت المرأة عورة.