مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين

(حولت الصفحة من مقالات الإسلاميين)


مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ذي العزة والأفضال والجود والنوال أحمده على ما خص وعم من نعمه وأستعينه على أداء فرائضه وأسأله الصلاة على خاتم رسله.

أما بعد فإنه لا بد لمن أراد معرفة الديانات والتمييز بينها من معرفة المذاهب والمقالات ورأيت الناس في حكاية ما يحكون من ذكر المقالات ويصنفون في النحل والديانات من بين مقصر فيما يحكيه وغالط فيما يذكره من قول مخالفيه ومن بين معتمد للكذب في الحكاية إرادة التشنيع على من يخالفه ومن بين تارك للتقصي في روايته لما يرويه من اختلاف المختلفين ومن بين من يضيف إلى قول مخالفيه ما يظن أن الحجة تلزمهم به وليس هذا سبيل الربانيين ولا سبيل الفطناء المميزين فحداني ما رأيت من ذلك على شرح ما التمست شرحه من أمر المقالات واختصار ذلك وترك الإطالة والإكثار وأنا مبتدئ شرح ذلك بعون الله وقوته.

اختلف الناس بعد نبيهم () في أشياء كثيرة ضلل فيها بعضهم بعضاً وبرئ بعضهم من بعض فصاروا فرقاً متباينين وأحزاباً متشتتين إلا أن الإسلام يجمعهم ويشتمل عليهم.

وأول ما حدث من الاختلاف بين المسلمين بعد نبيهم () اختلافهم في الإمامة كانوا فيما نقموا عليه من ذلك مخطئين وعن سنن المحجة خارجين فصار ما أنكروه عليه اختلافاً إلى اليوم ثم قتل رضوان الله عليه وكانوا في قتله مختلفين فأما أهل السنة والاستقامة فإنهم قالوا: كان رضوان الله عليه مصيباً في أفعاله قتله قاتلوه ظلماً وعدواناً وقال قائلون بخلاف ذلك وهذا اختلاف بين الناس إلى اليوم.

ثم بويع علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فاختلف الناس في أمره فمن بين منكر لإمامته ومن بين قاعد عنه ومن بين قائل بإمامته معتقد لخلافته وهذا اختلاف بين الناس إلى اليوم.

ثم حدث الاختلاف في أيام علي في أمر طلحة والزبير رضوان الله عليهما وحربهما إياه وفي قتال معاوية إياه وصار علي ومعاوية إلى صفين وقاتله علي حتى انكسرت سيوف الفريقين ونصلت رماحهم وذهبت قواهم وجثوا على الركب فوهم بعضهم على بعض فقال معاوية لعمرو بن العاص: يا عمرو ألم تزعم أنك لم تقع في أمر فظيع فأردت الخروج منه إلا خرجت قال: بلى قال: فما المخرج مما نزل قال له عمرو بن العاص: فلي عليك أن لا تخرج مصر من يدي ما بقيت قال: لك ذلك ولك به عهد الله وميثاقه قال: فأمر بالمصاحف فترفع ثم يقول أهل الشام لأهل العراق: يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم البقية البقية فإنه إن أجابك إلى ما تريده خالفه أصحابه وإن خالفك خالفه أصحابه وكان عمرو بن العاص في رأيه الذي أشار به كأنه ينظر إلى الغيب من وراء حجاب رقيق فأمر معاوية أصحابه برفع المصاحف وبما أشار به عليه عمرو بن العاص ففعلوا ذلك فاضطرب أهل العراق على علي رضوان الله عليه وأبوا عليه إلا التحكيم وأن يبعث علي حكماً ويبعث معاوية حكماُ فأجابهم علي إلى ذلك بعد امتناع أهل العراق عليه أن لا يجيبهم إليه فلما أجاب علي إلى ذلك وبعث معاوية وأهل الشام عمرو بن العاص حكماً وبعث علي وأهل العراق أبا موسى حكماً وأخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق اختلف أصحاب علي عليه وقالوا: قال الله تعالى: " فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " ولم يقل حاكموهم وهم البغاة فإن عدت إلى قتالهم وأقررت على نفسك بالكفر إذ أجبتهم إلى التحكيم وإلا نابذناك وقاتلناك فقال علي رضوان الله عليه: قد أبيت عليكم في أول الأمر فأبيتم إلا إجابتهم إلى ما سألوا فأجبناهم وأعطيناهم العهود والمواثيق وليس يسوغ لنا الغدر فأبوا إلا خلعه وإكفاره بالتحكيم وخرجوا عليه فسموا خوارج لأنهم خرجوا على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وصار اختلافاً إلى اليوم وسنذكر أقاويل الخوارج بعد هذا الموضع من كتابنا.

هذا ذكر الاختلاف اختلف المسلمون عشرة أصناف:

الشيع والخوارج والمرجئة والمعتزلة والجهمية والضرارية

مقالات الشيع

فالشيع ثلاثة أصناف وإنما قيل لهم الشيعة لأنهم شيعوا علياً رضوان الله عليه ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله () فمنهم

الغالية

وإنما سموا الغالية لأنهم غلوا في علي وقالوا فيه قولاً عظيماً وهم خمس عشرة فرقة:

فالفرقة الأولى منهم البيانية

أصحاب بيان بن سمعان التميمي يقولون أن الله عز وجل على صورة الإنسان وأنه يهلك كله إلا وجهه وادعى بيان أنه يدعو الزهرة فتجيبه وأنه يفعل ذلك بالاسم الأعظم فقتله خالد بن عبد الله القسري وحكي عنهم أن كثيراُ منهم يثبت لبيان بن سمعان النبوة ويزعم كثير من البيانية أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية نص على إمامة بيان بن سمعان ونصبه إماماً.

والفرقة الثانية منهم أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين

يزعمون أن عبد الله بن معاوية كان يدعي أن العلم ينبت في قلبه كما ينبت الكمأة والعشب وأن الأرواح تناسخت وأن روح الله جل اسمه كانت في آدم ثم تناسخت حتى صارت فيه قال: وزعم أنه رب وأنه نبي فعبده شيعته وهم يكفرون بالقيامة ويدعون أن الدنيا لا تفنى ويستحلون الميتة والخمر وغيرهما من المحارم ويتأولون قول الله عز وجل: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا ".

والفرقة الثالثة منهم أصحاب عبد الله بن عمرو بن حرب وهم يسمون الحربية

يزعمون أن روح أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية تحولت فيه وأن أبا هاشم نص على إمامته.

والفرقة الرابعة منهم المغيرية

أصحاب المغيرة بن سعيد يزعمون أنه كان يقول أنه نبي وأنه يعلم اسم الله الأكبر وأن معبودهم رجل من نور على رأسه تاج وله من الأعضاء والخلق مثل ما للرجل وله جرف وقلب تنبع منه الحكمة وأن حروف أبي جاد على عدد أعضائه قالوا: والألف موضع قدمه لاعوجاجها وذكر الهاء فقال: لو رأيتم موضعها منه لرأيتم أمراً عظيماً يعرض لهم بالعورة وبأنه قد رآه لعنه الله وزعم أنه يحيي الموتى بالاسم الأعظم وأراهم أشياء من النيرنجات والمخاريق وذكر لهم كيف ابتدأ الله الخلق فزعم أن الله جل اسمه كان وحده لا شيء معه فلما أراد أن يخلق الأشياء تكلم باسمه الأعظم فطار فوقع فوق رأسه التاج قال: وذلك قوله: " سبح اسم ربك الأعلى " قال: ثم كتب بإصبعه على كفه أعمال العباد من المعاصي والطاعات فغضب من المعاصي فعرق فاجتمع من عرقه بحران أحدهما مالح مظلم والآخر نير عذب ثم اطلع في البحر فأبصر ظله فذهب ليأخذه فطار فانتزع عين ظله فخلق منها شمساً ومحق ذلك الظل وقال: لا ينبغي أن يكون معي إله غيري ثم خلق الخلق كله من البحرين فخلق الكفار من البحر المالح المظلم وخلق المؤمنين من النير العذب وخلق ظلال الناس فكان أول من خلق منها محمداً () قال: وذلك قوله: " قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " ثم أرسل محمداً إلى الناس كافة وهو ظل ثم عرض على السموات أن يمنعن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فأبين ثم على الأرض والجبال فأبين ثم على الناس كلهم فقام عمر بن الخطاب إلى أبي بكر فأمره أن يتحمل منعه وأن يغدر به ففعل ذلك أبو بكر وذلك قوله: " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال " قال: وقال عمر: أنا أعينك على علي لتجعل لي الخلافة بعدك وذلك قوله: " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر " والشيطان عنده عمر وزعم أن الأرض تنشق عن الموتى فيرجعون إلى الدنيا فبلغ خبره خالد بن عبد الله فقتله.

قال: وكان جابر الجعفي من أصحابه وأنزله أصحاب المغيرة بمنزلة المغيرة ومات جابر وادعى وصيته بكر الأعور الهجري القتات فصيروه إماماً وقالوا إنه لا يموت فأكل أموالهم وكان المغيرة يأمرهم بانتظار محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وذكر لهم أن جبريل وميكائيل عليهما السلام يبايعانه بين الركن والمقام ويحيي له سبعة عشر رجلاً يعطى كل رجل منهم كذا وكذا حرفاً من الاسم الأعظم فيهزمون الجيوش ويملكون الأرض فلما خرج محمد وقتل قال بعض أصحاب المغيرة: لم يكن الخارج محمد بن عبد الله وإنما كان شيطاناً تمثل في صورته وأن محمداً سيخرج ويملك على ما قال المغيرة وبرئ بعضهم من المغيرة.

والفرقة الخامسة منهم المنصورية

أصحاب أبي منصور يزعمون أن الإمام بعد أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي أبو منصور وأن أبا منصور قال: آل محمد هم السماء والشيعة هم الأرض وأنه هو الكسف الساقط من بني هاشم وأبو منصور هذا رجل من بني عجل وزعم أبو منصور أنه عرج به إلى السماء فمسح معبوده رأسه بيده ثم قال له: أي بني اذهب فبلغ عني ثم نزل به إلى الأرض ويمين أصحابه إذا حلفوا أن يقولوا: ألا والكلمة وزعم أن عيسى أول من خلق الله من خلقه ثم علي وأن رسل الله سبحانه لا تنقطع أبداً وكفر بالجنة والنار وزعم أن الجنة رجل وأن النار رجل واستحل النساء والمحارم وأحل ذلك لأصحابه وزعم أن الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر والميسر وغير ذلك من المحارم حلال وقال: لم يحرم الله ذلك علينا ولا حرم شيئاً تقوى به أنفسنا وإنما هذه الأشياء أسماء رجال حرم الله سبحانه ولا يتهم وتأول في ذلك قوله تعالى: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " وأسقط الفرائض وقال: هي أسماء رجال أوجب الله ولا يتهم واستحل خنق المنافقين وأخذ أموالهم فأخذه.

والفرقة السادسة منهم الخطابية

أصحاب أبي الخطاب بن أبي زينب وهم خمس فرق كلهم يزعمون أن الأئمة أنبياء محدثون ورسل الله وحججه على خلقه لا يزال منهم رسولان واحد ناطق والآخر صامت فالناطق محمد () والصامت علي بن أبي طالب فهم في الأرض اليوم طاعتهم مفترضة على جميع الخلق يعلمون ما كان وما هو كائن وزعموا أن أبا الخطاب نبي وأن أولئك الرسل فرضوا عليهم طاعة أبي الخطاب وقالوا: الأيمة آلهة وقالوا: ولد الحسين أبناء الله وأحباؤه ثم قالوا ذلك في أنفسهم وتأولوا قول الله تعالى: " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " قالوا: فهم آدم ونحن ولده وعبدوا أبا الخطاب وزعموا أنه إله وزعموا أن جعفر بن محمد إلههم أيضاً إلا أن أبا الخطاب أعظم منه وأعظم من علي وخرج أبو الخطاب على أبي جعفر فقتله عيسى بن موسى في سبخة الكوفة وهم يتدينون بشهادة الزور لموافقيهم.

والفرقة الثانية من الخطابية وهي الفرقة السابعة من الغالية

يزعمون أن الإمام بعد أبي الخطاب رجل يقال له معمر وعبدوه كما عبدوا أبا الخطاب وزعموا أن الدنيا لا تفنى وأن الجنة ما يصيب الناس من الخير والنعمة والعافية وأن النار ما يصيب الناس من خلاف ذلك وقالوا بالتناسخ وأنهم لا يموتون ولكن يرفعون بأبدانهم إلى الملكوت وتوضع للناس أجساد شبه أجسادهم واستحلوا الخمر والزنا واستحلوا سائر المحرمات ودانوا بترك الصلاة وهم يسمون المعمرية ويقال أنهم يسمون العمومية.

والفرقة الثالثة من الخطابية وهي الثامنة من الغالية يقال لهم البزيغية

أصحاب بزيغ بن موسى يزعمون أن جعفر بن محمد هو الله وأنه ليس بالذي يرون وأنه تشبه للناس بهذه الصورة وزعموا أن كل ما يحدث في قلوبهم وحي وأن كل مؤمن يوحى إليه وتأولوا في ذلك قول الله تعالى: " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله " أي بوحي من الله وقوله: " وأوحى ربك إلى النحل " و: " إذ أوحيت إلى الحواريين " وزعموا أن منهم من هو خير من جبريل وميكائيل ومحمد وزعموا أنه لا يموت منهم أحد وأن أحدهم إذا بلغت عبادته رفع إلى الملكوت وادعوا معاينة أمواتهم وزعموا أنهم يرونهم بكرة وعشية.

والفرقة الرابعة من الخطابية وهي التاسعة من الغالية يقال لهم العميرية

أصحاب عمير بن بيان العجلي وهذه الفرقة تكذب من قال منهم أنهم لا يموتون ويزعمون أنهم يموتون ولا يزال خلف منهم في الأرض أيمة أنبياء وعبدوا جعفراً كما عبده اليعمريون وزعموا أنه ربهم وقد كانوا ضربوا خيمة في كناسة الكوفة ثم اجتمعوا إلى عبادة جعفر فأخذ يزيد بن عمر بن هبيرة عمير بن البيان فقتله في الكناسة وحبس بعضهم.

والفرقة الخامسة من الخطابية وهي العاشرة من الغالية يقال لهم المفضلية

لأن رئيسهم كان صيرفياً يقال له المفضل يقولون بربوبية جعفر كما قال غيرهم من أصناف الخطابية وانتحلوا النبوة والرسالة وإنما خالفوا في البراءة من أبي الخطاب لأن جعفراً أظهر البراءة منه فجميع من أخرج الأمر من بني هاشم من الإمامية الذين يقولون بالنص على علي وادعى الأمر لنفسه ستة: عبد الله بن عمرو بن حرب الكندي وبيان بن سمعان التميمي والمغيرة بن سعيد وأبو منصور والحسن بن أبي منصور وأبو الخطاب الأسدي وزعم أبو الخطاب أنه أفضل من بني هاشم.

وقد قال في عصرنا هذا قائلون بالبهية سلمان الفارسي.

وفي النساك من الصوفية من يقول بالحلول وأن البارئ يحل في الأشخاص وأنه جائز أن يحل في إنسان وسبع وغير ذلك من الأشخاص وأصحاب هذه المقالة إذا أرادوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري لعل الله حال فيه ومالوا إلى اطراح الشرائع وزعموا أن الإنسان ليس عليه فرض ولا يلزمه عبادة إذا وصل إلى معبوده.

والصنف الحادي عشر من أصناف الغالية يزعمون أن روح القدس هو الله عز وجل

كانت في النبي () ثم في علي ثم في الحسن ثم في الحسين ثم في علي بن الحسين ثم في محمد بن علي ثم في جعفر بن محمد بن علي ثم في موسى بن جعفر ثم في علي بن موسى بن جعفر ثم في محمد بن علي بن موسى ثم في علي بن محمد بن علي بن موسى ثم في الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى ثم في محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي وهؤلاء آلهة عندهم كل واحد منهم إله على التناسخ والإله عندهم يدخل في الهياكل.

والصنف الثاني عشر من أصناف الغالية يزعمون أن علياً هو الله

ويكذبون النبي () ويشتمونه ويقولون أن علياً وجه به ليبين أمره فادعى الأمر لنفسه.

والصنف الثالث عشر من أصناف الغالية هم أصحاب الشريعي

يزعمون أن الله حل في خمسة أشخاص: في النبي وفي علي وفي الحسن وفي الحسين وفي فاطمة فهؤلاء آلهة عندهم وليس يطعن أصحاب الشريعي على النبي () ولا يقولون عنه ما حكيناه عن الصنف الذي ذكرناه قبلهم وقالوا: لهذه الأشخاص الخمسة التي حل فيها الإله خمسة أضداد فالأضداد أبو بكر وعمر عثمان ومعاوية وعمرو بن العاص وافترقوا في الأضداد على مقالتين: فزعم بعضهم أن الأضداد محمودة لأنه لا يعرف فضل الأشخاص الخمسة إلا بأضدادها فهي محمودة من هذا الوجه وزعم بعضهم أن الأضداد مذمومة وأنها لا تحمد بحال من الأحوال وحكي أن الشريعي كان يزعم أن البارئ جل جلاله يحل فيه وحكي أن فرقة من الرافضة يقال لهم النميرية أصحاب النميري يقولون أن البارئ كان حالاً في النميري.

والصنف الرابع عشر من أصناف الغالية وهم السبائية

أصحاب عبد الله بن سبأ يزعمون أن علياً لم يمت وأنه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وذكروا عنه أنه قال لعلي عليه السلام: أنت أنت والسبائية يقولون بالرجعة وأن الأموات يرجعون إلى الدنيا وكان السيد الحميري يقول برجعة الأموات وفي ذلك يقول: إلى يوم يؤب الناس فيه إلى دنياهم قبل الحساب والصنف الخامس عشر من أصناف الغالية يزعمون أن الله عز وجل وكل الأمور وفوضها إلى محمد () وأنه أقدره على خلق الدنيا فخلقها ودبرها وأن الله سبحانه لم يخلق من ذلك شيئاً ويقول ذلك كثير منهم في علي ويزعمون أن الأيمة ينسخون الشرائع ويهبط عليهم الملائكة وتظهر عليهم الأعلام والمعجزات ويوحى إليهم.

ومنهم من يسلم على السحاب ويقول إذا مرت سحابة به أن علياً رضوان الله عليه فيها وفيهم يقول بعض الشعراء:

برئت من الخوارج لست منهم ** من الغزال منهم وابن باب

ومن قوم إذا ذكروا علياً ** يردون السلام على السحاب

والصنف الثاني من الأصناف الثلاثة التي ذكرنا بأن الشيعة يجمعها ثلاثة أصناف وهم الرافضة

وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر وهم مجمعون على أن النبي () نص على استخلاف علي بن أبي طالب باسمه وأظهر ذلك وأعلنه وأن أكثر الصحابة ضلوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاة النبي () وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوقيف وأنها قرابة وأنه جائز للإمام في حال التقية أن يقول أنه ليس بإمام وأبطلوا جميعاً الاجتهاد في الأحكام وزعموا أن الإمام لا يكون إلا أفضل الناس وزعموا أن علياً رضوان الله عليه كان مصيباً في جميع أحواله وأنه لم يخطئ في شيء من أمور الدين إلا الكاملية أصحاب أبي كامل فإنهم أكفروا الناس بترك الاقتداء به وأكفروا علياً بترك الطلب وأنكروا الخروج على أيمة الجور وقالوا: ليس يجوز ذلك دون الإمام المنصوص على إمامته وهم سوى الكاملية أربع وعشرون فرقة وهم يدعون الإمامية لقولهم بالنص على إمامة علي بن أبي طالب.

فالفرقة الأولى منهم وهم القطعية وإنما سموا قطعية لأنهم قطعوا على موت موسى بن جعفر بن محمد بن علي وهم جمهور الشيعة يزعمون أن النبي () نص على إمامة علي بن أبي طالب واستخلفه بعده بعينه واسمه وأن علياً نص على إمامة ابنه الحسن بن علي وأن الحسن بن علي نص على إمامة أخيه الحسين بن علي وأن الحسين بن علي نص على إمامة ابنه علي بن الحسين وأن علي بن الحسين نص على إمامة ابنه محمد بن علي وأن محمد بن علي نص على إمامة ابنه جعفر بن محمد وأن جعفر بن محمد نص على إمامة ابنه موسى بن جعفر وأن موسى بن جعفر نص على إمامة ابنه علي بن موسى وأن علي بن موسى نص على إمامة ابنه محمد بن علي بن موسى وأن محمد بن علي نص على إمامة ابنه علي بن محمد بن علي بن موسى وأن علي بن محمد بن علي بن موسى نص على إمامة ابنه الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى وهو الذي كان بسامرا وأن الحسن بن علي نص على إمامة ابنه محمد بن الحسن بن علي وهو الغائب المنتظر عندهم الذي يدعون أنه يظهر فيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.

والفرقة الثانية منهم وهم الكيسانية وهي إحدى عشرة فرقة وإنما سموا كيسانية لأن المختار الذي خرج وطلب بدم الحسين بن علي ودعا إلى محمد بن الحنفية كان يقال له كيسان ويقال إنه مولى لعلي بن أبي طالب رضوان الله عليه.

والفرقة الأولى من الكيسانية وهي الثانية من الرافضة يزعمون أن علي بن أبي طالب نص على إمامة ابنه محمد بن الحنفية لأنه دفع إليه الراية بالبصرة.

والفرقة الثالثة من الرافضة وهي الثانية من الكيسانية يزعمون أن علي بن أبي طالب نص على إمامة ابنه الحسن بن علي وأن الحسن بن علي نص على إمامة أخيه الحسين بن علي وأن الحسين

والفرقة الرابعة من الرافضة وهي الثالثة من الكيسانية وهي الكربية أصحاب أبي كرب الضرير يزعمون أن محمد بن الحنفية حي بجبال رضوى أسد عن يمينه ونمر عن شماله يحفظانه يأتيه رزقه غدوة وعشية إلى وقت خروجه وزعموا أن السبب الذي من أجله صبر على هذا الحال أن يكون مغيباً عن الخلق أن لله تعالى فيه تدبيراً لا يعلمه غيره ومن القائلين بهذا القول كثير الشاعر وفي ذلك يقول:

ألا إن الأيمة من قريش ** ولاة الحق أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه ** هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط إيمان وبر ** وسبط غيبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى ** يقود الخيل يقدمها اللواء

تغيب لا يرى فيهم زماناً ** برضوى عنده عسل وماء

والفرقة الخامسة من الرافضة وهي الرابعة من الكيسانية يزعمون أن محمد بن الحنفية إنما جعل بجبال رضوى عقوبة لركونه إلى عبد الملك بن مران وبيعته إياه.

والفرقة السادسة من الرافضة وهي الخامسة من الكيسانية يزعمون أن محمد بن الحنفية مات وأن الإمام بعده ابنه أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية.

والفرقة الثامنة من الرافضة وهي السابعة من الكيسانية يزعمون أن الإمام بعد أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ابن أخيه الحسن بن محمد بن الحنفية وأن أبا هاشم أوصى إليه ثم أوصى الحسن إلى ابنه علي بن الحسن وهلك علي ولم يعقب فهم ينتظرون رجعة محمد بن الحنفية ويقولون أنه يرجع ويملك فهم اليوم في التيه لا إمام لهم إلى أن يرجع إليهم محمد بن الحنفية في زعمهم.

والفرقة التاسعة من الرافضة وهي الثامنة من الكيسانية يزعمون أن الإمام بعد أبي هاشم محمد بن علي بن عبد الله بن العباس قالوا: وذلك أن أبا هاشم مات بأرض الشراة منصرفه من الشام فأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد ثم أوصى إبراهيم بن محمد إلى أبي العباس ثم أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية بعضهم إلى بعض ثم رجع بعض هؤلاء عن هذا القول وزعموا أن النبي () نص على العباس بن عبد المطلب ونصبه إماماً ثم نص العباس على إمامة ابنه عبد الله ونص عبد الله على إمامة ابنه علي بن عبد الله ثم ساقوا الإمامة إلى أن انتهوا بها إلى أبي جعفر المنصور وهؤلاء هم الراوندية وافترقت هذه الفرقة في أمر أبي مسلم على مقالتين: فزعمت فرقة منهم تدعى الرزامية أصحاب رجل يقال له رزام أن أبا مسلم قتل وقالت فرقة أخرى يقال لها

والفرقة العاشرة من الرافضة وهي الحربية أصحاب عبد الله بن عمرو بن حرب وهي التاسعة من الكيسانية يزعمون أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية نصب عبد الله بن عمرو بن حرب إماماً وتحولت روح أبي هاشم فيه ثم وقفوا على كذب عبد الله بن عمرو بن حرب فصاروا إلى المدينة يلتمسون إماماً فلقوا عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فدعاهم إلى أن يأتموا به فاستجابوا له ودانوا بإمامته وادعوا له الوصية وافترقوا في أمر عبد الله بم معاوية ثلاث فرق: فزعمت فرقة منهم أنه قد مات وزعمت فرقة منهم أخرى أنه بجبال أصبهان وأنه لم يمت ولا يموت حتى يقود بنواصي الخيل إلى رجال من بني هاشم وزعمت فرقة أخرى أنه حي بجبال أصبهان لم يمت ولا يموت حتى يلي أمور الناس وهو المهدي الذي بشر به النبي ().

والصنف الحادي عشر من الرافضة وهي البيانية أصحاب بيان بن سمعان التميمي وهو الصنف العاشر من الكيسانية يزعمون أن أبا هاشم أوصى إلى بيان بن سمعان التميمي وأنه لم يكن له أن يوصي بها إلى عقبه.

والصنف الثاني عشر من الرافضة وهو الحادي عشر من الكيسانية يزعمون أن الإمام بعد أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

والصنف الثالث عشر من الرافضة وهم الذين يسوقون النص من النبي () على إمامة علي حتى ينتهوا بها إلى علي بن الحسين وهم المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد يزعمون أن الإمام بعد علي بن الحسين ابنه محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر وأن أبا جعفر أوصى إلى المغيرة بن سعيد فهم يأتمون به إلى أن يخرج المهدي والمهدي فيما زعموا هو محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم وزعموا أنه حي مقيم بجبال ناحية الحاجر وأنه لا يزال مقيماً هناك إلى أوان خروجه وإذا قلنا عن صنف أنهم يسوقون الإمامة إلى علي بن الحسين فإنما نعني الذين يقولون أن النبي () نص على إمامة علي وأن علياً نص على إمامة الحسن وأن الحسن نص على إمامة الحسين وأن الحسين نص على إمامة علي بن الحسين.

والصنف الرابع عشر من الرافضة يسوقون الإمامة من علي بن أبي طالب حتى ينتهوا بها إلى علي بن الحسين ثم يزعمون أن الإمام بعد علي بن الحسين أبو جعفر محمد بن علي وأن الإمام بعد أبي جعفر محمد بن عبد الله بن الحسن الخارج بالمدينة وزعموا أنه المهدي وأنكروا إمامة المغيرة بن سعد.

والصنف الخامس عشر من الرافضة يسوقون الإمامة من علي حتى ينتهوا بها إلى علي بن الحسين ويزعمون أن علي بن الحسين نص على إمامة أبي جعفر محمد بن علي وأن أبا جعفر محمد بن علي أوصى إلى أبي منصور ثم اختلفوا فرقتين: فرقة يقال لها الحسينية يزعمون أن أبا منصور أوصى إلى ابنه الحسين بن أبي منصور وهو الإمام بعده وفرقة أخرى يقال لها المحمدية مالت إلى تثبيت أمر محمد بن عبد الله بن الحسن وإلى القول بإمامته وقالوا: إنما أوصى أبو جعفر إلى أبي منصور دون بني هاشم كما أوصى موسى صلى الله عليه إلى يوشع بن نون دون ولده ودون ولد هارون ثم إن الأمر بعد أبي منصور راجع إلى ولد علي كما رجع الأمر بعد يوشع بن نون إلى ولد هارون قالوا: وإنما أوصى موسى عليه السلام إلى يوشع بن نون دون ولده ودون ولد هارون لئلا يكون بين البطنين اختلاف فيكون يوشع هو الذي يدل على صاحب الأمر فكذلك أبو جعفر أوصى إلى أبي منصور وزعموا أن أبا منصور قال: إنما أنا مستودع وليس لي أن أضعها في غيري ولكن القائم هو محمد بن عبد الله.

والصنف السادس عشر من الرافضة يسوقون الإمامة إلى أبي جعفر محمد بن علي وأن أبا جعفر نص على إمامة جعفر بن محمد وأن جعفر بن محمد حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر أمره وهو القائم المهدي وهذه الفرقة تسمى الناوسية لقبوا برئيس لهم يقال له عجلان بن ناوس من أهل البصرة. والصنف السابع عشر من الرافضة يزعمون أن جعفر بن محمد مات وأن الإمام بعد جعفر ابنه إسماعيل وأنكروا أن يكون إسماعيل مات في حياة أبيه وقالوا: لا يموت حتى يملك لأن أباه قد كان يخبر أنه وصيه والإمام بعده.

والصنف الثامن عشر من الرافضة وهم القرامطة يزعمون أن النبي () نص على علي بن أبي طالب وأن علياً نص على إمامة ابنه الحسن وأن الحسن بن علي نص على إمامة أخيه الحسين بن علي وأن الحسين بن علي نص على إمامة ابنه علي بن الحسين وأن علي بن الحسين نص على إمامة ابنه محمد بن علي ونص محمد بن علي على إمامة ابنه جعفر ونص جعفر على إمامة ابن ابنه محمد بن إسماعيل وزعموا أن محمد بن إسماعيل حي إلى اليوم لم يمت ولا يموت حتى يملك الأرض وأنه هو المهدي الذي تقدمت البشارة به واحتجوا في ذلك بأخبار رووها عن أسلافهم يخبرون فيها أن سابع الأئمة قائمهم.

والصنف التاسع عشر من الرافضة يسوقون الإمامة من علي بن أبي طالب على سبيل ما حكينا عن القرامطة حتى ينتهوا بها إلى جعفر بن محمد ويزعمون أن جعفر بن محمد جعلها لإسماعيل ابنه دون سائر ولده فلما مات إسماعيل في حياة أبيه صارت في ابنه محمد بن إسماعيل وهذا الصنف يدعون المباركية نسبوا إلى رئيس لهم يقال له المبارك وزعموا أن محمد بن

والصنف العشرون من الرافضة يسوقون الإمامة من علي على ما حكينا عمن تقدمهم حتى ينتهوا بها إلى جعفر بن محمد ويزعمون أن الإمام بعد جعفر محمد بن جعفر ثم هي في ولده من بعده وهم السميطية نسبوا إلى رئيس لهم يقال له يحيى بن أبي سميط.

والصنف الحادي والعشرون من الرافضة يسوقون الإمامة من علي إلى جعفر بن محمد على ما حكينا عمن تقدم شرحنا لقوله آنفاً ويزعمون أن الإمام بعد جعفر ابنه عبد الله بن جعفر وكان أكبر من خلف من ولده وهي في ولده وأصحاب هذه المقالة يدعون العمارية نسبوا إلى رئيس لهم يعرف بعمار ويدعون الفطحية لأن عبد الله بن جعفر كان أفطح الرجلين وأهل هذه المقالة يرجعون إلى عدد كثير.

فأما زرارة فإن جماعة من العمارية تدعي أنه كان على مقالتها وأنه لم يرجع عنها وزعم بعضهم أنه رجع عن ذلك حين سأل عبد الله بن جعفر عن مسائل لم يجد عنده جوابها وصار إلى الائتمام بموسى بن جعفر بن محمد وأصحاب زرارة يدعون الزرارية ويدعون التميمية.

والصنف الثاني والعشرون من الرافضة يسوقون الإمامة حتى ينتهوا بها إلى جعفر بن محمد ويزعمون أن جعفر بن محمد نص على إمامة ابنه موسى بن جعفر وأن موسى بن جعفر حي لم يمت ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها حتى يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً وهذا الصنف يدعون الواقفة لأنهم وقفوا على موسى بن جعفر ولم يجاوزوه إلى غيره وبعض مخالفي هذه الفرقة يدعوهم الممطورة وذلك أن رجلاً منهم ناظر يونس بن عبد الرحمن ويونس من القطعية الذين قطعوا على موت موسى بن جعفر فقال له يونس: أنتم أهون علي من الكلاب الممطورة فلزمهم هذا النبز.

والقائلون بإمامة موسى بن جعفر يدعون الموسائية لقولهم بإمامة موسى بن جعفر ويدعون المفضلية لأنهم نسبوا إلى رئيس لهم يقال له المفضل بن عمر وكان ذا قدر فيهم وفرقة من الموسائية وقفوا في أمر موسى بن جعفر فقالوا: لا ندري أمات أم لم يمت إلا أنا مقيمون على إمامته حتى يضح لنا أمر غيره وإن وضحت لنا إمامة غيره كما وضحت لنا إمامته قلنا بذلك وأنقدنا له.

وقد ذكرنا قول القطعية الذين قطعوا على موت موسى بن جعفر في أول ذكرنا لأقاويل الرافضة وشرحنا ذلك وتبيناه.

والصنف الثالث والعشرون من الرافضة يسوقون الإمامة من علي إلى موسى بن جعفر كما حكينا من قول المتقدمين غير أنهم يقولون أن موسى بن جعفر نص على إمامة ابنه أحمد بن موسى بن جعفر.

والصنف الرابع والعشرون من الرافضة يزعمون أن النبي () نص على علي وأن علياً نص على الحسن بن علي ثم انتهت الإمامة إلى محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر كما حكينا عن أول فرقة من الرافضة ويزعمون أن محمد بن الحسن بعده إمام هو القائم الذي يظهر فيملأ الدنيا عدلاً ويقمع الظلم والأولون قالوا أن محمد بن الحسن هو القائم الذي يظهر فيملأ الدنيا عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

واختلفت الروافض القائلون بإمامة محمد بن علي بن موسى بن جعفر

لتقارب سنه ضرباً من الاختلاف آخر وذلك أن أباه توفي وهو ابن ثماني سنين - وقال بعضهم: بل توفي وله أربع سنين - هل كان في تلك الحال إماماً واجب الطاعة على مقالتين: فزعم بعضهم أنه كان في تلك الحال إماماً واجب الطاعة عالماً بما يعلمه الأيمة من الأحكام وجميع أمور الدنيا يجب الائتمام والاقتداء به كما وجب الائتمام والاقتداء بسائر الأيمة من قبله.

وزعم بعضهم أنه كان في تلك الحال إماماً على معنى أن الأمر كان فيه وله دون الناس وعلى أنه لا يصلح لذلك الموضع في ذلك الوقت أحد غيره وأما أن يكون اجتمع فيه في تلك الحال ما اجتمع في غيره من الأيمة المتقدمين فلا وزعموا أنه لم يكن يجوز في تلك الحال أن يؤمهم ولكن الذي يتولى الصلاة لهم وينفذ أحكامهم في ذلك الوقت غيره من أهل الفقه والدين والصلاح إلى أن تم الكلام في الغلاة والإمامية.

واختلفت الروافض أصحاب الإمامة في التجسيم وهم ست فرق

فالفرقة الأولى الهشامية أصحاب هشام بن الحكم الرافضي يزعمون أن معبودهم جسم وله نهاية وحد طويل عريض عميق طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه لا يوفي بعضه على بعض ولم يعينوا طولاً غير الطويل وإنما قالوا: طوله مثل عرضه على المجاز دون التحقيق وزعموا أنه نور ساطع له قدر من الأقدار في مكان دون مكان كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها ذو لون وطعم ورائحة ومجسة لونه هو طعمه وطعمه هو رائحته ورائحته هي مجسته وهو نفسه لون ولم يعينوا لوناً ولا طعماً هو غيره وزعموا أنه هو اللون وهو الطعم وأنه قد كان لا في مكان ثم حدث المكان بأن تحرك البارئ فحدث المكان بحركته فكان فيه وزعم أن المكان هو العرش وذكر أبو الهذيل في بعض كتبه أن هشام بن الحكم قال له: أن ربه جسم ذاهب جاء فيتحرك تارة ويسكن أخرى ويقعد مرة ويقوم أخرى وأنه طويل عريض عميق لأن ما لم يكن كذلك دخل في حد التلاشي قال فقلت له: فأيما أعظم إلهك أم هذا الجبل وأومأت إلى أبي قبيس قال: فقال: هذا الجبل يوفي عليه أي هو أعظم منه وذكر أيضاً ابن الراوندي أن هشام بن الحكم كان يقول: أن بين إلهه وبين الأجسام المشاهدة تشابهاً من جهة من الجهات لولا ذلك ما دلت عليه وحكي عنه خلاف هذا أنه كان يقول أن جسم ذو أبعاض لا يشبهها ولا تشبهه وحكى الجاحظ عن هشام بن الحكم في بعض كتبه أنه كان يزعم أن الله جل وعز إنما يعلم ما تحت الثرى بالشعاع المتصل منه الذاهب في عمق الأرض ولولا ملابسته لما وراء ما هناك لما دري ما هناك وزعم أن بعضه يشوب وهو شعاعه وأن الشوب محال على بعضه ولو زعم هشام أن الله تعالى يعلم ما تحت الثرى بغير اتصال ولا خبر ولا قياس كان قد ترك تعلقه بالمشاهدة وقال بالحق.

وذكر عن هشام انه قال في ربه في عام واحد خمسة أقاويل زعم مرة انه كالبلورة وزعم مرة انه كالسبيكة وزعم مرة انه بشبر نفسه سبعة أشبار ثم رجع عن ذلك وقال: هو جسم لا كالأجسام وزعم الوراق أن بعض أصحاب هشام أجابه مرة إلى أن الله عز وجل على العرش مماس له وأنه لا يفضل عن العرش ولا يفضل العرش عنه.

والفرقة الثانية من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام وإنما يذهبون في قولهم أنه جسم إلى أنه موجود ولا يثبتون البارئ ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض متلاصقة ويزعمون أن الله عز وجل على العرش مستو بلا مماسة ولا كيف.

والفرقة الثالثة من الرافضة يزعمون ان ربهم على صورة الانسان ويمنعون ان يكون جسما

والفرقة الرابعة من الرافضة الهشامية أصحاب هشام بن سالم الجواليقي يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحماً ودماً ويقولون هو نور ساطع يتلألأ بياضاً وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان له يد ورجل وأنف وأذن وعين وفم وأنه يسمع بغير ما يبصر به وكذلك سائر حواسه متغايرة عندهم وحكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه وفرة سوداء وأن ذلك نور أسود.

والفرقة الخامسة من الرافضة يزعمون أن رب العالمين ضياء خالص ونور بحت وهو كالمصباح الذي من حيث ما جئته يلقاك بأمر واحد وليس بذي صورة ولا أعضاء ولا اختلاف في الأجزاء وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان أو على صورة شيء من الحيوان.

والفرقة السادسة من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بجسم ولا بصورة ولا يشبه الأشياء ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج وهؤلاء قوم من متأخريهم فأما أوائلهم فإنهم كانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه.

واختلفت الرافضة في حملة العرش هل يحملون العرش أم يحملون البارئ عز وجل وهم فرقتان

فرقة يقال لها اليونسية أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمي مولى آل يقطين يزعمون أن الحملة يحملون البارئ واحتج يونس في أن الحملة تطيق حمله وشبههم بالكركي وأن رجليه تحملانه وهما دقيقتان

وقالت فرقة أخرى أن الحملة تحمل العرش والبارئ يستحيل أن يكون محمولاً.

واختلفت الروافض هل يوصف البارئ بالقدرة على أن يظلم أم لا

فأبى ذلك قوم وأجازه آخرون.

واختلفت الروافض في القول أن الله سبحانه عالم حي قادر سميع بصير إله وهم تسع فرق

فالفرقة الأولى منهم الزرارية أصحاب زرارة بن أعين الرافضي يزعمون أن الله لم يزل غير سميع ولا عليم ولا بصير حتى خلق ذلك لنفسه وهم يسمون التيمية ورئيسهم زرارة بن أعين.

والفرقة الثانية منهم السيابية أصحاب عبد الرحمن بن سيابة يقفون في هذه المعاني ويزعمون أن القول فيها ما يقول جعفر كائناً قوله ما كان ولا يصوبون في هذه الأشياء قولاً.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن الله عز وجل لا يوصف بأنه لم يزل إلهاً قادراً ولا سميعاً بصيراً حتى يحدث الأشياء لأن الأشياء التي كانت قبل أن تكون ليست بشيء ولن يجوز أن يوصف بالقدرة لا على شيء وبالعلم لا بشيء وكل الروافض إلا شرذمة قليلة يزعمون أنه يريد الشيء ثم يبدو له فيه.

والفرقة الرابعة من الروافض يزعمون أن الله لم يزل لا حياً ثم صار حياً.

والفرقة الخامسة من الروافض وهم أصحاب شيطان الطاق يزعمون أن الله عالم في نفسه ليس بجاهل ولكنه إنما يعلم الأشياء إذا قدرها وأرادها فأما قبل أن يقدرها ويريدها فمحال أن يعلمها لا لأنه ليس بعالم ولكن الشيء لا يكون شيئاً حتى يقدره ويثبته بالتقدير والتقدير عندهم الإرادة.

والفرقة السادسة من الرافضة أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أنه محال أن يكون الله لم يزل عالماً بالأشياء بنفسه وأنه إنما يعلم الأشياء بعد أن لم يكن بها عالماً وأنه يعلمها بعلم وأن العلم صفة له ليست هي هو ولا غيره ولا بعضه فيجوز أن يقال العلم محدث أو قديم لأنه صفة والصفة لا توصف قال: ولو كان لم يزل عالماً لكانت المعلومات لم تزل لأنه لا يصح عالم إلا بمعلوم موجود قال: ولو كان عالماً بما يفعله لم يصح المحنة والاختبار.

وقال هشام في سائر صفات الله عز وجل كقدرته وحياته وسمعه وبصره وإرادته أنها صفات لله لا هي الله ولا غير الله وقد اختلف عنه في القدرة والحياة فمن الناس من يحكي عنه أنه كان يزعم أن البارئ لم يزل حياً قادراً ومنهم من ينكر أن يكون قال ذلك.

والفرقة السابعة من الرافضة لا يزعمون أن البارئ عالم في نفسه كما قال شيطان الطاق ولكنهم يزعمون أن الله عز وجل لا يعلم الشيء حتى يؤثر أثره والتأثير عندهم الإرادة فإذا أراد الشيء علمه وإذا لم يرده لم يعلمه ومعنى أراد عندهم أنه تحرك حركة هي إرادة فإذا تحرك علم الشيء وإلا لم يجز الوصف له بأنه عالم به وزعموا أنه لا يوصف بالعلم بما لا يكون.

والفرقة الثامنة من الرافضة يقولون أن معنى أن الله يعلم أنه يفعل فإن قيل لهم: أتقولون أن الله لم يزل عالماً بنفسه اختلفوا فمنهم من يقول: لم يزل لا يعلم بنفسه حتى فعل العلم لأنه قد كان ولما يفعل ومنهم من يقول: لم يزل يعلم بنفسه فإن قيل لهم: فلم يزل يفعل قالوا: نعم ولا نقول بقدم الفعل.

ومن الرافضة من يزعم أن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون إلا أعمال العباد فإنه لا يعلمها إلا في حال كونها.

والفرقة التاسعة من الرافضة يزعمون أن الله لم يزل عالماً حياً قادراً ويميلون إلى نفي التشبيه ولا يقولون بحدث العلم ولا بما حكيناه من التجسيم وسائر ما أخبرنا به من التشبيه عنهم.

وافترقت الرافضة هل البارىء يجوز أن يبدو له إذا أراد شيئاً أم لا على ثلاث مقالات

فالفرقة الأولى منهم يقولون أن الله تبدو له البداوات وأنه يريد أن يفعل الشيء في وقت من الأوقات ثم لا يحدثه لما يحدث له من البداء وأنه إذا أمر بشريعة ثم نسخها فإنما ذلك لأنه بدا له فيها وأن ما علم أنه يكون ولم يطلع عليه أحداً من خلقه فجائز عليه البداء فيه وما اطلع عليه عباده فلا يجوز عليه البداء فيه.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه جائز على الله البداء فيما علم أنه يكون حتى لا يكون وجوزوا

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أنه لا يجوز على الله عز وجل البداء وينفون ذلك عنه تعالى.

واختلفت الروافض في القرآن وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم هشام بن الحكم وأصحابه يزعمون أن القرآن لا خالق ولا مخلوق وزاد بعض من يخبر على المقالات في الحكاية عن هشام فزعم أنه كان يقول: لا خالق ولا مخلوق ولا يقال أيضاً غير مخلوق لأنه صفة والصفة لا توصف وحكى زرقان عن هشام بن الحكم أنه قال: القرآن على ضربين: إن كنت تريد المسموع فقد خلق الله عز وجل الصوت المقطع وهو رسم القرآن فأما القرآن فهو فعل الله مثل العلم والحركة لا هو هو ولا غيره.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه مخلوق محدث لم يكن ثم كان كما تزعم المعتزلة والخوارج وهؤلاء قوم من المتأخرين منهم.

واختلفت الرافضة في أعمال العباد هل هي مخلوقة وهم ثلاث فرق: فالفرقة الأولى منهم وهو هشام بن الحكم يزعمون أن أعمال العباد مخلوقة لله وحكى جعفر بن حرب عن هشام بن الحكم أنه كان يقول أن أفعال الإنسان اختيار له من وجه اضطرار من وجه اختار من جهة أنه أرادها واكتسبها واضطرار من جهة أنها لا تكون منه إلا عند حدوث السبب المهيج لها.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه لا جبر كما قال الجهمي ولا تفويض كما قالت المعتزلة لأن الرواية عن الأيمة زعموا جاءت بذلك ولم يتكلفوا أن يقولوا في أعمال العباد هل هي مخلوقة أم لا شيئاً.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن أعمال العباد غير مخلوقة لله وهذا قول قوم يقولون بالاعتزال والإمامة.

واختلفت الروافض في إرادة الله سبحانه وهم أربع فرق

فالفرقة الأولى منهم أصحاب هشام بن الحكم وهشام الجواليقي يزعمون أن إرادة الله عز وجل حركة وهي معنى لا هي الله ولا هي غيره وأنها صفة لله ليست غيره وذلك أنهم يزعمون أن الله إذا أراد الشيء تحرك فكان ما أراد تعالى عن ذلك.

والفرقة الثانية منهم أبو مالك الحضرمي وعلي بن ميثم ومن تابعهما يزعمون أن إرادة الله غيره وهي حركة لله كما قال هشام إلا أن هؤلاء خالفوه فزعموا أن الإرادة حركة وأنها غير الله بها يتحرك.

والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والإمامة يزعمون أن إرادة الله ليست بحركة فمنهم من أثبتها غير المراد فيقول أنها مخلوقة لله لا بإرادة ومنهم من يقول: إرادة الله سبحانه لتكوين الشيء هو الشيء وإرادته لأفعال العباد هي أمره إياهم بالفعل وهي غير فعلهم وهم يأبون أن يكون الله سبحانه اراد المعاصى فكانت

والفرقة الرابعة منهم يقولون: لا نقول قبل الفعل إن الله أراده فإذا فعلت الطاعة قلنا أرادها وإذا فعلت المعصية فهو كاره لها غير محب لها.

واختلفت الروافض في الاستطاعة وهم أربع فرق

فالفرقة الأولى منهم أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أن الاستطاعة خمسة أشياء الصحة وتخلية الشؤون والمدة في الوقت والآلة التي بها يكون الفعل كاليد التي يكون بها اللطم والفأس التي تكون بها النجارة والإبرة التي تكون بها الخياطة وما أشبه ذلك من الآلات والسبب الوارد المهيج الذي من أجله يكون الفعل فإذا اجتمعت هذه الأشياء كان الفعل واقعاً فمن الاستطاعة ما هو قبل الفعل موجود ومنها ما لا يوجد إلا في حال الفعل وهو السبب وزعم أن الفعل لا يكون إلا بالسبب الحادث فإذا وجد ذلك السبب وأحدثه الله كان الفعل لا محالة وأن الموجب للفعل هو السبب وما سوى ذلك من الاستطاعة لا يوجبه.

والفرقة الثانية منهم زرارة بن أعين وعبيد بن زرارة ومحمد بن حكيم وعبد الله بن بكير وهشام بن سالم الجواليقي وحميد بن رباح وشيطان الطاق يزعمون أن الاستطاعة قبل الفعل وهي الصحة وبها يستطيع المستطيع فكل صحيح مستطيع وكان شيطان الطاق يقول: لا يكون الفعل إلا أن يشاء الله.

وحكي عن هشام بن سالم أن الاستطاعة جسم وهي بعض المستطيع ومن الرافضة من يقول: الاستطاعة كل ما لا ينال الفعل إلا به وذلك كله قبل الفعل والقائل بهذا هشام بن حرول.

والفرقة الثالثة منهم أصحاب أبي مالك الحضرمي يزعمون أن الإنسان مستطيع للفعل في حال الفعل وأنه يستطيعه لا باستطاعة في غيره وحكى زرقان عنه أنه كان يزعم أن الاستطاعة قبل الفعل للفعل ولتركه.

والفرقة الرابعة منهم يزعمون أن الإنسان إن كان قادراً بآلات وجد فهو قادر من وجه وغير قادر من وجه.

واختلفت الروافض في أفعال الناس والحيوان هل هي أشياء أم ليست أشياء وهل هي أجسام أم لا وهم ثلاث فرق

فالفرقة الأولى منهم الهشامية أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أن الأفعال صفات للفاعلين ليست هي هم ولا غيرهم وأنها ليست بأجسام ولا أشياء وحكي عنه أنه قال: هي معان وليست بأشياء ولا أجسام وكذلك قوله في صفات الأجسام كالحركات والسكنات والإرادات والكراهات والكلام والطاعة والمعصية والكفر والإيمان فأما الألوان والطعوم والأراييح فكان يزعم أنها أجسام وأن لون الشيء هو طعمه وهو رائحته وحكى زرقان عنه أنه قال: الحركة

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن حركات العباد وأفعالهم وسكناتهم أشياء وهي أجسام وأنه لا شيء إلا الأجسام وأن العباد يفعلون الأجسام وهذا قول الجواليقية وشيطان الطاق.

والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والإمامة يقولون في ذلك كأقاويل المعتزلة ويختلفون فيه كاختلافهم فمنهم قوم يزعمون أن أفعال الإنسان وسائر الحيوان أعراض وكذلك قولهم في الألوان والطعوم والأراييح والأصوات وسائر صفات الأجسام وسنذكر اختلاف المعتزلة في ذلك عند ذكرنا أقاويل المعتزلة فلهذه العلة لم نستقص أقاويل المعتزلة في هذا الموضع من كتابنا إذ كنا إنما نحكي في هذا الموضع أقاويل الشيع دون غيرهم.

واختلفت الروافض فيما يتولد عن فعل الإنسان هل هو فعله وهل يحدث الفاعل فعلاً في غيره أو لا يحدث الفعل إلا في نفسه وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الفاعل لا يفعل في غيره فعلاً ولا يفعل إلا في نفسه ولا يثبتون الإنسان فاعلاً لما يتولد عن فعله كالألم المتولد عن الضربة واللذة التي تحدث عند الأكل وسائر المتولدات.

والفرقة الثانية منهم وهم القائلون بالاعتزال والنص على علي بن أبي طالب يزعمون أن الفاعل منا ما يحدث الفعل في غيره وأن ما يتولد عن فعله كالألم المتولد عن الضربة والصوت المتولد عن اصطكاك الحجرين وذهاب السهم المتولد عن الرمية فعل لمن تولد ذلك عن فعله

واختلفت الروافض في رجعة الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الأموات يرجعون إلى الدنيا قبل يوم الحساب وهذا قول الأكثر منهم وزعموا أنه لم يكن في بني إسرائيل شيء إلا ويكون في هذه الأمة مثله وأن الله سبحانه قد أحي قوماً من بني إسرائيل بعد الموت فكذلك يحيي الأموات في هذه الأمة ويردهم إلى الدنيا قبل يوم القيامة.

والفرقة الثانية منهم وهم أهل الغلو ينكرون القيامة والآخرة ويقولون: ليس قيامة ولا آخرة وإنما هي أرواح تتناسخ في الصور فمن كان محسناً جوزي بأن ينقل روحه إلى جسد لا يلحقه فيه ضرر ولا ألم ومن كان مسيئاً جوزي بأن ينقل روحه إلى أجساد يلحق الروح في كونه فيها الضرر والألم وليس شيء غير ذلك وأن الدنيا لا تزال أبداً هكذا.

واختلفت الروافض في القرآن هل زيد فيه أو نقص منه وهم ثلاث فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن القرآن قد نقص منه وأما الزيادة فذلك غير جائز أن يكون قد كان وكذلك لا يجوز أن يكون قد غير منه شيء عما كان عليه فأما ذهاب كثير منه فقد ذهب كثير منه والإمام يحيط علماً به.

والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والإمامة يزعمون أن القرآن ما نقص منه ولا زيد فيه

واختلفت الروافض في الأيمة هل يجوز أن يكونوا أفضل من الأنبياء أم لا يجوز ذلك وهم ثلاث فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الأيمة لا يكونون أفضل من الأنبياء بل الأنبياء أفضل منهم غير أن بعض هؤلاء جوزوا أن يكون الأيمة أفضل من الملائكة.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الأيمة أفضل من الأنبياء والملائكة وأنه لا يكون أحد أفضل من الأيمة وهذا قول طوائف منهم.

والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والإمامة يزعمون أن الملائكة والأنبياء أفضل من الأيمة ولا يجوز أن يكون الأيمة أفضل من الأنبياء والملائكة.

واختلفت الروافض في الرسول عليه السلام هل يجوز عليه أن يعصي أم لا وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الرسول () جائز عليه أن يعصي الله وأن النبي قد عصى الله في أخذ الفداء يوم بدر فأما الأيمة فلا يجوز ذلك عليهم لأن الرسول إذا عصى فالوحي يأتيه من قبل الله والأيمة لا يوحى إليهم ولا تهبط الملائكة عليهم وهم معصومون فلا يجوز عليهم أن يسهوا ولا يغلطوا وإن جاز على الرسول العصيان والقائل بهذا القول هشام بن الحكم.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه لا يجوز على الرسول عليه السلام أن يعصي الله عز وجل ولا يجوز ذلك على الأيمة لأنهم جميعاً حجج الله وهم معصومون من الزلل ولو جاز عليهم السهو واعتماد المعاصي وركوبها لكانوا قد ساووا المأمومين في جواز ذلك عليهم كما جاز على المأمومين ولم يكن المأمومون أحوج إلى الأيمة من الأيمة لو كان ذلك جائزاً عليهم جميعاً.

واختلفت الروافض في الأيمة هل يسع جهلهم وهل الواجب عرفانهم فقط أم الواجب عرفانهم والقيام بالشرائع التي جاء بها الرسول عليه السلام وهم أربع فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن معرفة الأيمة واجبة وأن القيام بالشرائع التي جاء بها الرسول واجب وأن من جهل الإمام فمات مات ميتة جاهلية.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن معرفة الإمام إذا أدركها الإنسان لم تلزمه شريعة ولم تجب عليه فريضة وإنما على الناس أن يعرفوا الأيمة فقط فإذا عرفوهم فلا شيء عليهم.

والفرقة الثالثة منهم وهم اليعفورية يزعمون أنه قد يسع جهل الأيمة وهم بذلك لا مؤمنون ولا كافرون.

والفرقة الرابعة منهم يقولون في القدر بقول المعتزلة أن المعارف ضرورة ويفارقون اليعفورية في جهل الأيمة ولا يستحلون الخصومة في الدين واليعفورية أيضاً لا تستحلها.

واختلفت الروافض في الامام هل يعلم كل شيء ام لا وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإمام يعلم كل ما كان وكل ما يكون ولا يخرج شيء عن علمه من أمر الدين ولا من أمر الدنيا وزعم هؤلاء أن الرسول كان كاتباً ويعرف الكتابة وسائر اللغات.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الإمام يعلم كل أمور الأحكام والشريعة وإن لم يحط بكل شيء علماً لأنه القيم بالشرائع والحافظ لها ولما يحتاج الناس إليه فأما ما لا يحتاجون إليه فقد يجوز أن لا يعلمه الإمام.

واختلفت الروافض في الأيمة هل يجوز أن تظهر عليهم الأعلام أم لا وهم أربع فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الأيمة تظهر عليهم الأعلام والمعجزات كما تظهر على الرسل لأنهم حجج الله سبحانه كما أن الرسل حجج الله ولم يجيزوا هبوط الملائكة بالوحي عليهم.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الأعلام تظهر عليهم وتهبط الملائكة بالوحي عليهم ولا يجوز أن ينسخوا الشرائع ولا يبدلوها ولا يغيروها.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن الأعلام تظهر عليهم وتهبط الملائكة بالوحي عليهم ويجوز أن ينسخوا الشرائع ويبدلوها ويغيروها.

والفرقة الرابعة منهم يزعمون أن الأعلام لا تظهر إلا على الرسل وكذلك الملائكة لا تهبط إلا عليهم بالوحي ولا يجوز أن ينسخ الله سبحانه شريعتنا على ألسنتهم بل إنما يحفظون شرائع الرسل ويقومون بها.

واختلفت الروافض في النظر والقياس وهم ثماني فرق

فالفرقة الأولى منهم وهم جمهورهم يزعمون أن المعارف كلها اضطرار وأن الخلق جميعاً مضطرون وأن النظر والقياس لا يؤديان إلى علم وما تعبد الله العباد بهما.

والفرقة الثانية منهم وهم أصحاب شيطان الطاق يزعمون أن المعارف كلها اضطرار وقد يجوز أن يمنعها الله سبحانه بعض الخلق فإذا منعها بعض الخلق وأعطاها بعضهم كلفهم الإقرار مع منعه إياهم المعرفة.

والفرقة الثالثة منهم وهم أصحاب أبي مالك الحضرمي يزعمون أن المعارف كلها اضطرار وقد يجوز أن يمنعها الله بعض الخلق فإذا منعها الله بعض الخلق وأعطاها بعضهم كلفهم الإقرار مع منعه إياهم المعرفة.

والفرقة الرابعة منهم أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أن المعرفة كلها اضطرار بإيجاب الخلقة وأنها لا تقع إلا بعد النظر والاستدلال يعنون بما لا يقع منها إلا بعد النظر والاستدلال العلم بالله عز وجل.

والفرقة الخامسة منهم يزعمون أن المعارف ليس كلها اضطراراً والمعرفة بالله يجوز أن تكون كسباً ويجوز أن تكون اضطراراً وإن كانت كسباً أو كانت اضطراراً فليس يجوز الأمر بها على وجه من الوجوه وهذا قول الحسن بن موسى.

والفرقة السادسة منهم يزعمون أن النظر والقياس يؤديان إلى العلم بالله وأن العقل حجة إذا جاءت الرسل فأما قبل مجيئهم فليست العقول دلالة ما لم يكن سنة بينة واعتلوا بقول الله عز وجل: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ".

والفرقة السابعة منهم يقولون بتصحيح النظر والقياس وأنهما يؤديان إلى العلم وأن العقول حجة في التوحيد قبل مجيء الرسل وبعد مجيئهم.

والفرقة الثامنة منهم يزعمون أن العقول لا تدل على شيء قبل مجيء الرسل ولا بعد مجيئهم وأنه لا يعلم شيء من الدين ولا يلزم فرض إلا بقول الرسل والأيمة وأن الإمام هو الحجة بعد الرسول عليه السلام لا حجة على الخلق غيره.

وقالت الروافض بأجمعها بنفي اجتهاد الرأي في الأحكام وإنكاره.

واختلفت الروافض في الناسخ والمنسوخ هل يقع ذلك في الإخبار أم لا وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن النسخ قد يجوز أن يقع في الإخبار فيخبر الله سبحانه أن شيئاً

والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه لا يجوز وقوع النسخ في الإخبار وأن يخبر اتلله سبحانه أن شيئاً يكون ثم لا يكون لأن ذلك يوجب التكذيب في أحد الخبرين.

واختلفت الروافض في الإيمان ما هو وفي الأسماء وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم وهم جمهور الرافضة يزعمون أن الإيمان هو الإقرار بالله وبرسوله وبالإمام وبجميع ما جاء من عندهم فأما المعرفة بذلك فضرورة عندهم فإذا أقر وعرف فهو مؤمن مسلم وإذا أقر ولم يعرف فهو مسلم وليس بمؤمن.

والفرقة الثانية منهم وهم قوم من متأخريهم من أهل زماننا هذا يزعمون أن الإيمان جميع الطاعات وأن الكفر جميع المعاصي ويثبتون الوعيد ويزعمون أن المتأولين الذين خالفوا الحق بتأويلهم كفار وهذا قول ابن جبرويه.

والفرقة الثالثة منهم أصحاب علي بن ميثم يزعمون أن الإيمان اسم للمعرفة والإقرار ولسائر الطاعات فمن جاء بذلك كله كان مستكمل الإيمان ومن ترك شيئاً مما افترض الله عليه غير جاهد له فليس بمؤمن ولكن يسمى فاسقاً وهو من أهل الملة تحل مناكحته وموارثته ولا يكفرون المتأولين.

واختلفت الروافض في الوعيد

وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يثبتون الوعيد على مخالفيهم ويقولون أنهم يعذبون ولا يقولون بإثبات الوعيد فيمن قال بقولهم ويزعمون أن الله سبحانه يدخلهم الجنة وإن أخلهم النار أخرجهم منها ورووا في ذلك عن أيمتهم أن ما كان بين الله وبين الشيعة من المعاصي سألوا الله فيهم فصفح عنهم وما كان بين الشيعة وبين الأيمة تجاوزوا عنه وما كان بين الشيعة وبين الناس من المظالم شفعوا لهم إليهم حتى يصفحوا عنهم.

والفرقة الثانية منهم يذهبون إلى إثبات الوعيد وأن الله عز وجل يعذب كل مرتكب الكبائر من أهل مقالتهم كان أو من غير أهل مقالتهم ويخلدهم في النار.

واختلفت الروافض في خلق الشيء أهو الشيء أم غيره وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أن خلق الشيء صفة للشيء لا هو الشيء ولا هو غيره لأنه صفة للشيء والصفة لا توصف وكذلك زعموا أن البقاء صفة للباقي لا هي هو ولا غيره وكذلك الفناء صفة للفاني لا هي هو ولا هي غيره.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الخلق هو المخلوق وأن الباقي يبقى لا ببقاء وأن الفاني يفنى لا بفناء.

واختلفت الروافض في عذاب الأطفال في الآخرة وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الأطفال جائز أن يعذبهم الله وجائز أن يعفو عنهم كل ذلك له أن يفعله.

والفريق الثاني وهم أصحاب هشام بن الحكم فيما حكى زرقان عنه - فإن لم يكن هشام بن الحكم قاله فممن يقوله اليوم كثير - يزعمون أنه لا يجوز أن يعذب الله سبحانه الأطفال بل هم في الجنة.

واختلفت الروافض في ألم الأطفال في الدنيا وهم ثلاث فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الأطفال يألمون في الدنيا وأن إيلامهم فعل الله بإيجاب الخلقة لأن الله خلقهم خلقة يألمون إذا قطعوا أو ضربوا.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الأطفال يألمون في الدنيا وأن الألم الذي يحل فيهم فعل الله لا بإيجاب الخلقة ولكن باختراع ذلك فيهم وكذلك قولهم في سائر المتولدات كالصوت الحادث عند الاصطكاك وذهاب الحجر الحادث عند دفعتنا للحجر وما أشبه ذلك.

والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالإمامة والاعتزال يزعمون أن الآلام التي تحل في الأطفال منها ما هو فعل الله ومنها ما هو فعل لغيره وإن ما يفعله من الألم فإنما يفعله اختراعاً لا لسبب يوجبه.

وأجمعت الروافض على تصويب علي رضوان الله عليه في حربه من حارب وتخطئة من حارب واختلفت الروافض في محارب علي وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يقولون بإكفار من حارب علياً وتضليله ويشهدون بذلك على طلحة والزبير ومعاوية بن أبي سفيان وكذلك يقولون فيمن ترك الائتمام به بعد الرسول عليه السلام.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن من حارب علياً فاسق ليس بكافر إلا أن يكون حارب علياً عناداً للرسول () ورداً عليه فهم كفار وكذلك يقولون في ترك الائتمام أصحاب رسول الله () بعلي بن أبي طالب بعده أنهم إن كانوا تركوا الائتمام به عناداً للرسول ورداً عليه فهم كفار وإن كانوا تركوا ذلك لا على طريق العناد والتكذيب للرسول () والرد عليه فسقوا ولم يكفروا.

واختلفت الروافض في التحكيم

وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن علياً إنما حكم للتقية وأنه مصيب في تحكيمه للتقية وأن التقية تسعه إذا خاف على نفسه واعتلوا في ذلك بأن رسول الله () كان في تقية في أول الإسلام يكتم الدين.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن التحكيم صواب على أي وجه فعله على التقية أو على غير التقية.

وأجمعت الروافض على إبطال الخروج وإنكار السيف ولو قتلت حتى يظهر لها الإمام وحتى يأمرها بذلك واعتلت في ذلك بأن النبي () قبل أن يأمره الله عز وجل بالقتال كان محرماً على أصحابه أن يقاتلوا.

وأجمعوا على أنه لا يجوز الصلاة خلف الفاسقين وإنما يصلون خلف الفاسقين تقية ثم يعيدون صلاتهم.

واختلفت الروافض في سباء نساء مخالفيهم وأخذ أموالهم إذا أمكنهم

ذلك وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يستحلون ذلك ويستحبونه ويستحلون سائر المحظورات ويتأولون قول الله عز وجل: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات " وقوله: " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ".

والفرقة الثانية منهم يحرمون سباء نساء مخالفيهم وأخذ أموالهم بغير حق ولا يبيحون المحظورات ولا يستحلونها.

واختلفوا في الجزء الذي لا يتجزأ

وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الجزء يتجزأ أبداً ولا جزء إلا وله جزء وليس لذلك آخر إلا من جهة المساحة وأن لمساحة الجسم آخراً وليس لأجزائه آخر من باب التجزؤ والقائل بهذا القول هشام بن الحكم وغيره من الروافض.

والفرقة الثانية منهم يقولون أن لأجزاء الجسم غاية من باب التجزؤ وله أجزاء معدودة لها كل وجميع ولو رفع البارئ كل اجتماع في الجسم لبقيت أجزاؤه لا اجتماع فيها ولا يحتمل كل جزء منها التجزؤ.

واختلفت الروافض في الجسم ما هو وهم

ثلاث فرق: والفرقة الأولى منهم يزعمون أن الجسم هو الطويل العريض العميق ولا يكون شيء موجود إلا ما كان جسماً طويلاً عريضاً عميقاً وأنكروا الأعراض وزعموا أن معنى الجسم الطويل العريض العميق أنه شيء موجود وأن البارئ لما كان شيئاً موجوداً كان جسماً.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن حقيقة الجسم أنه مؤلف مركب مجتمع وأن البارئ عز وجل لما لم يكن مؤتلفاً مجتمعاً لم يكن جسماً.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن حقيقة الجسم أنه يحتمل الأعراض وأن أقل قليل الأجسام جزء لا يتجزأ وأن البارئ لما لم يحتمل الأعراض لم يكن جسماً.

والفرقة الأولى منهم الهشامية وهم فيما حكى زرقان عن هشام يقولون بالمداخلة ويثبتون كون الجسمين اللطيفين في مكان واحد كالحرارة واللون ولست أحقق ما حكى زرقان من ذلك كما حكاه.

والفرقة الثانية منهم ينكرون المداخلة ويحيلون كون جسمين في مكان واحد ويزعمون أن الجسمين يتجاوران ويتماسان فإما أن يتداخلا حتى يكون حيزهما واحداً فذلك محال.

واختلفت الروافض في الإنسان ما هو وهم أربع فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإنسان اسم لمعنيين لبدن وروح فالبدن موات والروح هي الفاعلة الدراكة الحساسة وهي نور من الأنوار هكذا حكى زرقان عن هشام بن الحكم.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الإنسان جزء لا يتجزأ ويحيلون أن يكون الإنسان أكثر من جزء لأنه لو كان أكثر من جزء لجاز أن يحل في أحد الجزأين إيمان وفي الآخر كفر فيكون مؤمناً وكافراً في حال واحد وذلك محال.

وقد ذهب من أهل زماننا قوم من النظامية الذين يزعمون أن الإنسان هو الروح إلى قول الروافض وذهب أيضاً قوم ممن يميل إلى قول أبي الهذيل إن الإنسان هو هذا الجسم المريء إلى القول بالإمامة والرفض.

فالفرقة الأولى منهم أصحاب هشام بن الحكم فيما حكاه زرقان يقولون أن الجسم يكون في مكان ثم يصير إلى المكان الثالث من غير أن يمر بالثاني والفرقة الثانية منهم ينكرون ذلك ويحيلون أن يكون الجسم في مكان ثم يصير إلى مكان ثالث من غير أن يمر بالمكان الثاني.

وهذه حكاية مذاهب لهشام في أشياء من لطيف الكلام: كان هشام يقول أن الجن مأمورون ومنهيون لأنه قال: " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم " وقال: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " وكان يقول في وسواس الشيطان أن الله سبحانه يقول: " الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس " قال: فعلمنا أنه يوسوس وليس يدخل أبدان الناس ولكن قد يجوز أن يكون الله سبحانه قد جعل الجو أداة للشيطان يصل بها إلى القلب من غير أن يدخل فيه قال: ويعلم ما يحدث في القلب وليس ذلك بغيب لأن الله سبحانه قد جعل عليه دليلاً مثل ذلك أن يشير الرجل إلى الرجل أن أقبل أو أدبر فيعلم ما يريد فكذلك إذا فعل الإنسان فعلاً يريد شيئاً من البر عرف الشيطان ذلك بالدليل فينهى الإنسان عنه.

وقال هشام في الملائكة أنهم مأمورون منهيون لقول الله عز وجل: " ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم " وقال: " يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ".

وكان هشام يقول في الزلازل أن الله سبحانه خلق الأرض من طبائع مختلفة يمسك بعضها بعضاً فإذا ضعفت طبيعة منها غلبت الأخرى فكانت الزلزلة وإن ضعفت أشد من ذلك كان الخسف.

وكان يقول في السحر أنه خديعة ومخاريق ولا يجوز أن يقلب الساحر إنساناً حماراً أو العصا حية وحكى عنه زرقان أنه كان يجيز المشي على الماء لغير نبي ولا يجوز أن تظهر الأعلام على غير نبي وكان يقول في المطر: جائز أن يكون ماءً يصعده الله ثم يمطره على الناس وجائز أن يكون الله يخترعه في الجو ثم يمطره وكان يزعم أن الجو جسم رقيق.

ورجال الرافضة ومؤلفو كتبهم: هشام بن الحكم وهو قطعي وعلي بن منصور ويونس بن عبد الرحمن القمي والسكاك وأبو الأحوص داود بن راشد البصري ومن رواة الحديث: الفضل بن شاذان والحسين بن إشكيب والحسين بن سعيد وقد انتحلهم أبو عيسى الوراق وابن الراوندي وألفا لهم كتباً في الإمامة.

والتشيع غالب على أهل قم وبلاد إدريس بن إدريس وهي طنجة وما والاها والكوفة.

وحكى سليمن بن جرير الزيدي أن فرقة من الإمامية تزعم أن الأمر بعد النبي () إلى علي بن أبي طالب يصنع بالإمامة ما أحب إن شاء جعلها لنفسه وإن ولاها غيره كان ذلك جايزاً إن كان ذلك عدلاً وله في ذلك النيابة إذا نفى والتسليم إن شاء ورضي وأن فرقة أخرى قالت أن الدين كله في يدي علي بن أبي طالب وأنه يسند إليه وأوجبوا قطع الشهادة على سريرته وأن الإمامة بعده في جماعة أهل البيت غير أنهم خالفوا الفرقة الأولى في شيئين: أحدهما أنهم يزعمون أن علياً تولى أبا بكر وعمر على الصحة وسلم بيعتهما والآخر أنهم لا يثبتون العصمة لجماعة أهل البيت كما يثبت أولئك ولكنهم يرجون ذلك لهم وأن يصيروا جميعاً إلى ثواب الله ورحمته.

والصنف الثالث من الأصناف الثلاثة التي ذكرناها أن الشيعة يجمعها ثلاثة أصناف وهم الزيدية

وإنما سموا زيدية لتمسكهم بقول زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وكان زيد بن علي بويع له بالكوفة في أيام هشام بن عبد الملك وكان أمير الكوفة يوسف بن عمر الثقفي وكان زيد بن علي يفضل علي بن أبي طالب على سائر أصحاب رسول الله () ويتولى أبا بكر وعمر ويرى الخروج على أيمة الجور فلما ظهر بالكوفة في أصحابه الذين بايعوه سمع من بعضهم الطعن على أبي بكر وعمر فأنكر ذلك على من سمعه منه فتفرق عنه الذين بايعوه فقال لهم: رفضتموني وبقي في شرذمة فقاتل يوسف بن عمر فقتل ودفن ليلاً وكان معه نصر بن خزيمة العبسي ثم إنه ظهر على قبره فنبش وصلب عرياناً وله قصة يطول شرحها ولو ذكرناها لطال بذكرها الكتاب.

ثم خرج ابنه يحيى بن زيد بعده في أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك فوجه إليه نصر بن سيار صاحب خراسان بصاحب شرطته سلم بن أحوز المازني فقتله.

وقال يحيى بن زيد في أبيه زيد لما قتل بالكوفة: خليلي عني بالمدينة بلغا بني هاشم أهل النهى والتجارب فحتى متى مران يقتل منكم خياركم والدهر جم والعجائب وحتى متى ترضون بالخسف منهم وكنتم أباة الخسف عند التجارب لكل قتيل معشر يطلبونه وليس لزيد بالعراقين طالب وقال دعبل الخزاعي يرثي يحيى بن زيد: قبور بكوفان وأخرى بطيبة وأخرى بفخ نالها صلواتي وأخرى بأرض الجوزجان محلها وأخرى بباخمرى لدى الغربات يعني بالقبور التي بأرض الجوزجان يحيى بن زيد ومن قتل معه والزيدية ست فرق: فمنهم الجارودية أصحاب أبي الجارود وإنما سموا جارودية لأنهم قالوا بقول أبي الجارود يزعمون أن النبي () نص على علي بن أبي طالب بالوصف لا بالتسمية فكان هو الإمام من بعده وأن الناس ضلوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول () ثم وافترقت الجارودية فرقتين: فرقة زعمت أن علياً نص على إمامة الحسن وأن الحسن نص على إمامة الحسين ثم هي شورى في وبد الحسن وولد الحسين فمن خرج منهم يدعو إلى سبيل ربه وكان عالماً فاضلاً فهو الإمام وفرقة زعمت أن النبي () نص على الحسن بعد علي وعلى الحسين بعد الحسن ليقوم واحد بعد واحد.

وافترقت الجارودية في نوع آخر ثلاث فرق فزعمت فرقة أن محمد بن عبد الله بن الحسن لم يمت وأنه يخرج ويغلب وفرقة أخرى زعمت أن محمد بن القاسم صاحب الطالقان حي لم يمت وأنه يخرج ويغلب وفرقة قالت مثل ذلك في يحيى بن عمر صاحب الكوفة.

والفرقة الثانية من الزيدية السليمانية أصحاب سليمان بن جرير الزيدي يزعمون أن الإمامة شورى وأنها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين وأنها قد تصلح في المفضول وإن كان الفاضل أفضل في كل حال ويثبتون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر.

وحكى زرقان عن سليمان بن جرير أنه كان يزعم أن بيعة أبي بكر وعمر خطأ لا يستحقان عليها اسم الفسق من قبل التأويل وأن الأمة قد تركت الأصلح في بيعتهم إياهما وكان سليمان بن جرير يقدم على عثمان ويكفره عند الأحداث التي نقمت عليه ويزعم أنه قد ثبت عنده أن علي بن أبي طالب لا يضل ولا تقوم عليه شهادة عادلة بضلالة ولا يوجب علم هذه النكتة على

والفرقة الثالثة من الزيدية البترية أصحاب الحسن بن صالح بن حي وأصحاب كثير النواء وإنما سموا بترية لأن كثيراً كان يلقب بالأبتر يزعمون أن علياً أفضل الناس بعد رسول الله () وأولاهم بالإمامة وأن بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ لأن علياً ترك ذلك لهما ويقفون في عثمان وفي قتلته ولا يقدمون عليه بإكفار وينكرون رجعة الأموات إلى الدنيا ولا يرون لعلي إمامة إلا حين بويع وقد حكي أن الحسن بن صالح بن حي كان يتبرأ من عثمان رضوان الله عليه بعد الأحداث التي نقمت عليه.

والفرقة الرابعة من الزيدية النعيمية أصحاب نعيم بن اليمان يزعمون أن علياً كان مستحقاً للإمامة وأنه أفضل الناس بعد رسول الله () وأن الأمة ليست بمخطئة خطأ إثم في أن ولت أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما ولكنها مخطئة خطأً بيناً في ترك الأفضل وتبرءوا من عثمان ومن محارب علي وشهدوا عليه بالكفر.

والفرقة الخامسة من الزيدية يتبرءون من أبي بكر وعمر ولا ينكرون رجعة الأموات قبل يوم القيامة.

والفرقة السادسة من الزيدية يتولون أبا بكر وعمر ولا يتبرءون ممن برئ منهما وينكرون رجعة الأموات ويتبرءون ممن دان بها وهم اليعقوبية أصحاب رجل يدعى يعقوب.

فالفرقة الأولى منهم وهم جمهور الزيدية يزعمون أن البارئ عز وجل شيء لا كالأشياء ولا تشبهه الأشياء والفرقة الثانية منهم لا يقولون أن البارئ شيء فإن قيل لهم: أفتقولون أنه ليس بشيء قالوا: لا نقول أنه ليس بشيء.

واختلفت الزيدية في الأسماء والصفات وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم أصحاب سليمان بن جرير الزيدي يزعمون أن البارئ عالم بعلم لا هو هو ولا غيره وأن علمه شيء قادر بقدرة لا هي هو ولا غيره وأن قدرته شيء وكذلك قولهم في سائر صفات النفس كالحياة والسمع والبصر وسائر صفات الذات ولا يقولون أن الصفات أشياء ويقولون وجه الله هو الله ويزعمون أن الله سبحانه لم يزل مريداً وأنه لم يزل كارهاً للمعاصي ولأن يعصى وأن الإرادة للشيء هي الكراهة لضده وكذلك لم يزل راضياً ولم يزل ساخطاً وسخطه على الكافرين هو رضاه بتعذيبهم ورضاه بتعذيبهم هو سخطه عليهم ورضى الله عن المؤمنين هو سخطه أن يعذبهم وسخطه أن يعذبهم هو رضاه أن يغفر لهم وقالوا: ولا نقول سخطه على الكافرين هو رضاه عن المؤمنين.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن البارئ عز وجل عالم قادر سميع بصير بغير علم وحياة وقدرة وسمع وبصر وكذلك قولهم في سائر صفات الذات ويمنعون أن يقولوا: لم يزل البارئ مريداً ولم يزل واختلفت الزيدية في البارئ عز وجل هل يوصف بالقدرة على أن يظلم ويكذب وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم أصحاب سليمان بن جرير الزيدي يزعمون أن البارئ لا يوصف بالقدرة على أن يظلم ويجور ولا يقال لا يقدر لأنه يستحيل أن يظلم ويكذب وأحالوا قول القائل يقدر الله على أن يظلم ويكذب وأحالوا سؤاله وكان سليمان بن جرير يجيب عن قول القائل يقدر الله على ما علم أنه لا يفعله إن هذا الكلام له وجهان: إن كان السائل يعني ما علمه أنه لا يفعله مما جاء الخبر بأنه لا يفعله فلا يجوز القول يقدر عليه ولا لا يقدر عليه لأن القول بذلك محال وأما ما لم يأت به خبر فإن كان مما في العقول دفعه فإن الله عز وجل لا يوصف به وأن من وصفه به محيل فالجواب في ذلك مثل الجواب فيما جاء الخبر بأنه لا يكون وأما ما لم يأت به خبر وليس في العقول ما يدفعه فإن القول أنه يقدر على ذلك جائز وإنما جاز القول في ذلك لجهلنا بالمغيب فيه ولأنه ليس في عقولنا ما يدفعه وأنا قد رأينا مثله مخلوقاً.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن البارئ عز وجل يوصف بالقدرة على أن يظلم ويكذب ولا يظلم ولا يكذب وأنه قادر على ما علم وأخبر أنه لا يفعله أن يفعله.

واختلفت الزيدية في خلق الأعمال وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن أعمال العباد مخلوقة لله خلقها وأبدعها واخترعها بعد أن لم تكن

والفرقة الثانية منهم يزعمون أنها غير مخلوقة لله ولا محدثة له مخترعة وإنما هي كسب للعباد أحدثوها واخترعوها وأبدعوها وفعلوها.

واختلفت الزيدية في الاستطاعة وهم ثلاث فرق

والفرقة الأولى منهم يزعمون أن الاستطاعة مع الفعل والأمر قبل الفعل والشيء الذي يفعل به الإيمان هو الذي يفعل به الكفر وهذا قول بعض الزيدية.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الاستطاعة قبل الفعل وهي مع الفعل مشغولة بالفعل في حال الفعل وإنما يستطيع الفعل إذا فعله هكذا حكى بعض المتكلمين عن سليمان بن جرير وقرأت في كتاب لسليمان بن جرير أن الاستطاعة بعض المستطيع وأن الاستطاعة مجاورة له ممازجة كممازجة الدهنين.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن الاستطاعة قبل الفعل وأن الأمر قبل الفعل وأنه لا يوصف الإنسان بأنه مستطيع للشيء قادر عليه في حال كونه.

واختلفت الزيدية في الإيمان والكفر وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإيمان المعرفة والإقرار واجتناب ما جاء فيه الوعيد وجعلوا مواقعة ما فيه الوعيد كفراً ليس بشرك ولا جحود بل هو كفر نعمة وكذلك قولهم في المتأولين إذا والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الإيمان جميع الطاعات وليس ارتكاب كل ما جاء فيه الوعيد كفراً وهذا قول قوم من متأخريهم فأما جمهورهم وأوائلهم فقولهم القول الأول.

وأجمعت الزيدية أن أصحاب الكبائر كلهم معذبون في النار خالدون فيها مخلدون أبداً لا يخرجون منها ولا يغيبون عنها وأجمعوا جميعاً على تصويب علي بن أبي طالب في حربه وعلى تخطئة من خالفه.

واختلفت الزيدية في اجتهاد الرأي وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن اجتهاد الرأي جائز في الأحكام.

والفرقة الثانية منهم ينكرون ذلك وينكرون الاجتهاد في الأحكام.

وأجمعت الزيدية أن علياً كان مصيباً في تحكيمه الحكمين وأنه إنما حكم لما خاف على عسكره الفساد وكان الأمر عنده بيناً واضحاً فنظر للمسلمين ليتألفهم وإنما أمرهما أن يحكما بكتاب الله عز وجل فخالفا فهما اللذان أخطئا وأصاب هو والزيدية بأجمعها ترى السيف والعرض على أيمة الجور وإزالة الظلم وإقامة الحق وهي بأجمعها لا ترى الصلاة خلف الفاجر ولا تراها إلا خلف من ليس بفاسق.

وأجمعت الروافض والزيدية على تفضيل علي على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه

هذا ذكر من خرج من آل النبي () خرج الحسين بن أبي طالب رضي الله عنه منكراً على يزيد بن معاوية ما أظهر من ظلمه فقتل بكربلاء رضوان الله عليه وحديثه مشهور وقتله عمر بن سعد وكان الذي أنفذ لمحاربته عبيد الله بن زياد وحمل رأس الحسين إلى يزيد بن معاوية فلما وضع بين يديه نكت ثناياه التي كان النبي () يقبلها بقضيبه وحمل إليه بنو الحسين وبناته وسائر نسائه على الأقتاب فهم بقتل الذكور فكشف عن عاناتهم ينظر إليهم هل أنبتوا أم لا ثم من عليهم وقتل مع الحسين من آل النبي () ابنه على الأكبر ومن ولد أخيه الحسن عبد الله بن الحسن والقاسم بن الحسن وأبو بكر بن الحسن ومن إخوته العباس بن علي وعبد الله بن علي وجعفر بن علي وعثمان بن علي وأبو بكر بن علي ومحمد بن علي وهو محمد الأصغر ومن ولد جعفر بن أبي طالب محمد بن عبد الله بن جعفر وعون بن عبد الله ومن ولد عقيل عبد الله بن عقيل وقتل مسلم بن عقيل بالكوفة وعبد الرحمن بن عقيل وجعفر بن عقيل وعبد الله بن مسلم بن عقيل.

وفي قتل الحسين يقول ابن أبي رمح الخزاعي: وإن قتيل لطف من آل هشام أذل رقاباً من قريش فذلت مررت على أبيات آل محمد فلم أرها أمثالها يوم حلت وكانوا رجاء ثم عادوا رزية لقد عظمت تلك الرزايا وجلت ألم تر أن الأرض أمست مريضة لفقد حسين والبلاد اقشعرت وفي ذلك يقول منصور النمري: متى يشفيك دمعك من همول ويبرد ما بقلبك من غليل ألا يا رب ذي حزن تعانى بصبر فاستراح إلى العويل قتيل ما قتيل بني زياد ألا بأبي ونفسي من قتيل غدت بيض الصفائح والعوالي بأيدي كل ذي نسب دخيل جنود ضلالة بهم استدلت على إسلام أبناء الجهول غدا بلوائهم عمر بن سعد فأوردهم على شرب وبيل معاشر أودعت أيام بدر صدورهم وديعات التبول أريق دم الحسين فلم يراعوا وفي الأحياء أموات العقول والقصيدة طويلة وفي ذلك قال دعبل: فأما الممضات التي لست واصفاً مبالغها مني بكنه صفات قبور لدى النهرين من أرض كربلا معرسهم منها بشط فرات ثم خرج زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم بالكوفة على هشام بن عبد الملك ووالي العراق يومئذ يوسف بن عمر الثقفي فقتل في المعركة ودفن فعلم به يوسف بن عمر فنبشه وصلبه ثم كتب هشام يأمر بأن يحرق فأحرق ونسف رماده في الفرات وقال في ذلك يحيى بن زيد: لكل قتيل معشر يطلبونه وليس لزيد بالعراقين طالب ثم خرج يحيى بن يزيد بأرض الجوزجان على الوليد بن يزيد بن عبد الملك فوجه نصر بن سيار الليثي صاحب خراسان إلى يحيى بن زيد سلم بن أحوز المازني فحارب يحيى بن زيد فقتل في المعركة ودفن في بعض الجبانات.

ثم خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة وبويع له في الآفاق فبعث إليه أبو جعفر المنصور بعيسى بن موسى وحميد بن قحطبة فحارب محمد حتى قتل ومات تحت الهدم أبوه عبد الله بن الحسن بن الحسن وعلي بن الحسن بن الحسن وقتل بسببه رجال من أهل بيته ووجه محمد بن عبد الله أخاه إدريس بن عبد الله إلى المغرب ولولده ثم خرج بعد محمد بن عبد الله أخوه إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالبصرة فغلب عليها وعلى الأهواز وعلى فارس وأكثر السواد وشخص عن البصرة في المعتزلة وغيرهم من الزيدية يريد محاربة المنصور ومعه عيسى بن زيد بن علي فبعث إليه أبو جعفر بعيسى بن موسى وسعيد بن سلم فحاربهما إبراهيم حتى قتل وقتلت المعتزلة بين يديه.

ثم خرج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب والتقوا بفخ وبايعه الناس وعسكر بفخ على ستة أميال من مكة فخرج إليه عيسى بن موسى في أربعة آلاف فقتل الحسين وأكثر من معه ولا يجسر أحد أن يدفنهم حتى أكلت السباع بعضهم وقتل مع الحسين صاحب فخ وبسببه رجال من أهل بيته وفي قتيل فخ يقول صاحب البصرة: هاج التذكر للفؤاد سقاما ونفى المنام فما أحس مناما منع الرقاد جفون عيني عصبة قتلوا بمنعرج الحجون كراما ثم خرج يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي على أبي جعفر وصار إلى الديلم ثم قتل.

ثم خرج بتاهرت السفلى محمد بن جعفر بن يحيى بن عبد الله بن الحسن فغلب عليها وصارت في أيديهم.

ثم خرج بالكوفة في أيام المأمون محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي ودعا إليه أبو السرايا والمأمون بخراسان وأنفذ زيد بن موسى بن جعفر بن محمد داعية له إلى البصرة ثم مات بعد أربعة أشهر من خروجه ودفن بالكوفة.

فخرج بعده مع أبي السرايا محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فهزم زهير بن المسيب وهزم عبدوس بن محمد بن أبي خالد وقتله ثم توجه إليه هرثمة بن أعين فهزمه وهرب مع أبي السرايا فأخذا في طريق خراسان فوجه بهما إلى الحسن بن سهل فقتل أبا السرايا وأظهر بعد ذلك موت محمد ويقال أنه حمل إلى المأمون وهم بمرو فمات هناك.

وخرج باليمن والمأمون بخراسان إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب داعية لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل صاحب أبي السرايا فوجه إليه المأمون جيشاً فهزمه وصار إلى العراق فأمنه المأمون.

وخرج بعد دخول المأمون بغداد أبو جعفر إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد فوجه إليه المأمون دينار بن عبد الله فصار إلى دينار في الأمان وقدم به على المأمون فمات.

وخرج محمد بن القاسم من ولد الحسين بن علي بخراسان ببلدة يقال لها طالقان في خلافة المعتصم فوجه إليه عبد الله بن طاهر وهو على خراسان جيشاً فانهزم محمد ثم قدر عليه عبد الله بن طاهر فحمله إلى المعتصم فحبسه معه في قصره فاختلف الناس في أمره فمن قائل يقول هرب ومن قائل يقول مات ومن الزيدية من يزعم أنه حي وأنه سيخرج.

وخرج محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بمكة وكان يلقب بديباجة لحسن وجهه داعية لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم فلما مات محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم دعا لنفسه فوجه إليه المأمون عيسى الجلودي فظفر به فحمله إلى المأمون ببغداد ثم أخرجه معه فمات بجرجان.

وخرج الأفطس بالمدينة داعية لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل فلما مات محمد بن إبرايهم دعا إلى نفسه.

وخرج علي بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بعده في خلافة المعتصم فقتله بنو مرة بن عامر.

ثم خرج الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب بطبرستان في سنة خمسين ومائتين والعامل بها سليمان بن عبد الله بنطاهر فغلب عليها وعلى جرجان بعد حروب كثيرة ثم خلف من بعده محمد بن زيد أخوه ثم قتل محمد بن زيد بعد محاربة كانت بينه وبين محمد بن هارون.

وخرج بقزوين الكوكبي وهو من ولد الأرقط واسمه الحسن بن أحمد بن إسماعيل من ولد الحسين وخرج بالكوفة أيام المستعين أبو الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فوجه إليه الحسين بن إسماعيل بأمر محمد بن عبد الله بن طاهر فقتل أبا الحسين.

وخرج أيام المستعين أيضاً الحمزي الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد الله من ولد الحسين بن علي فظفر به وأخذ وحبس إلى أن أطلقه المعتمد.

وخرج بسواد الكوفة أيام فتنة المستعين ابن الأفطس.

وخرج بسواد المدينة مدينة رسول الله () سنة خمسين ومائتين إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم من ولد الحسن بن علي فغلب عليها وتوفي لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين ومائتين وخلف أخوه بعده محمد بن يوسف فقطع الميرة على أهل المدينة وما زال على أمره إلى أن خرج أبو الساج إلى مكة والمدينة فقتل خلقاً كثيراً من أصحابه وهرب محمد فمات في هربه.

وخرج بالكوفة في آخر أيام بني أمية عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فحاربه عبد الله بن عملا فهزمه ومضى عبد الله بن معاوية إلى فارس فغلب عليها وعلى أصبهان ثم مات بفارس.

وخرج صاحب البصرة وكان يدعي أنه علي بن محمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وسمعت من يذكر أنه كان يدعي أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأنصاره الزنج وغلب على البصرة سنة سبع وخمسين وقتل سنة سبعين ومائتين قتله أبو أحمد الموفق بالله بن المتوكل على الله.

وخرج بأرض الشام المقتول على الدكة فظفر به المكتفي بالله بعد حروب ووقائع كانت.

تم كلام الرافضة والله ولي التوفيق يتلوه كلام الخوارج وبالله نستعين.

مقالات الخوارج

أجمعت الخوارج على إكفار علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إن حكم وهم مختلفون هل كفره شرك أم لا وأجمعوا على أن كل كبيرة كفر إلا النجدات فإنها لا تقول ذلك وأجمعوا على أن الله سبحانه يعذب أصحاب الكبائر عذاباً دائماً إلا النجدات أصحاب نجدة.

وأول من أحدث الخلاف بينهم نافع بن الأزرق الحنفي والذي أحدثه البراءة من القعدة والمحنة لمن قصد عسكره وإكفار من لم يهاجر إليه ويقال أن أول من أحدث هذا القول عبد ربه الكبير ويقال أن المبتدع لهذا القول رجل كان يقال له عبد الله بن الوضين قالوا: وقد كان نافع خالفه في أول أمره وبرئ منه فلما مات عبد الله صار نافع إلى قوله وزعم أن الحق كان في يده ولم يكفر نفسه بخلافه إياه حين خالفه ولا أكفر الذين خالفوا عبد الله قبل موته وأكفر من يخالفه فيما بعده والأزارقة لا تتبرأ ممن تقدمتها من سلفها من الخوارج في توليهم القعدة الذين لا يخرجون ولا تتبرأ أيضاً من سلفها من الخوارج في تركهم إكفار القعدة والمحنة لمن هاجر إليهم ويقولون: هذا تبين لنا وخفي عليهم والأزارقة تقول أن كل كبيرة كفر وأن الدار دار كفر يعنون دار مخالفيهم وأن كل مرتكب معصية كبيرة ففي النار خالداً مخلداً ويكفرون علياً رضوان الله عليه في التحكيم ويكفرون الحكمين أبا موسى وعمرو بن العاص ويرون قتل الأطفال.

وكانت الأزارقة عقدت الأمر لقطري بن الفجاءة وكان قطري إذا خرج في السرايا استخلف رجلاً من بني تميم على العسكر وكانت فيه فظاظة فشكت الأزارقة ذلك إليه فقال: لست أستخلفه بعد ثم إنه خرج في سرية وأصبح الناس في العسكر فصلى بهم ذلك الرجل الفجر فقالوا لقطري: ألم تزعم أنك لا تستخلفه وعاتبوه وكان في الذين عاتبوه عمرو القنا وعبيدة بن هلال وعبد ربه الصغير وعبد ربه الكبير فقال لهم: جئتموني كفاراً حلال دماؤكم فقام صالح بن مخراق فلم يدع في القرآن موضع سجدة إلا قرأها وسجد ثم قال: أكفاراً ترانا تب مما قلت فقال: يا هؤلاء إنما استفهمتكم فقالوا: لا بد من توبتك فخلعوه وصار قطري إلى طبرستان وكان سبب الاختلاف الذي أحدثه نافع أن امرأة من أهل اليمن عربية ترى رأي الخوارج تزوجت رجلاً من الموالي على رأيها فقال لها أهل بيتها: فضحتينا فأنكرت ذلك فلما أتى زوجها قالت له أن أهل بيتي وبني عمي قد بلغهم أمري وقد عيروني وأنا خائفة أن أكره على تزويج بعضهم فاختر مني إحدى ثلاث خصال: إما أن تهاجر إلى عسكر نافع حتى نكون مع المسلمين في حوزهم ودارهم وإما أن تخبأني حيث شئت وإما أن تخلي سبيلي فخلى سبيلها ثم إن أهل بيتها استكرهوها فزوجوها ابن عم لها لم يكن على رأيها فكتب ممن بحضرتها بأمرها إلى نافع بن الأزرق يسألونه عن ذلك فقال رجل منهم أنها لم يسعها ما صنعت ولا وسع زوجها ما صنع من قبل هجرتها لأنه كان ينبغي لهما أن يلحقا بنا لأنا اليوم بمنزلة المهاجرين بالمدينة ولا يسع أحداً من المسلمين التخلف عنا كما لم يسع التخلف عنهم فتابعه على قوله ذلك نافع بن الأزرق وأهل عسكره إلا نفراً يسيراً وبرئوا من أهل التقية وأحدثوا أشياء: من ذلك أنهم حرموا الرجم ومن ذلك أنهم قالوا: نشهد بالله أنه لا يكون في دار الهجرة ممن يظهر الإسلام إلا من رضي الله عنه واستحلوا خفر الأمانة التي أمر الله سبحانه بأدائها وقالوا: قوم مشركون لا ينبغي أن تؤدى الأمانة إليهم ولم يقيموا الحدود على من قذف المحصنين من الرجال وأقاموها على من قذف المحصنات من النساء وقالوا: ما كف أحد يده عن القتال مذ أنزل الله عز وجل البسط والأزارقة يرون أن أطفال المشركين في النار وأن حكمهم حكم آبائهم وكذلك أطفال المؤمنين حكمهم حكم آبائهم وزعمت الأزارقة أن من قام في دار الكفر فكافر لا يسعه إلا الخروج.

وهذا قول النجدية ثم خرج نجدة بن عامر الحنفي من اليمامة في نفر من الناس وأقبل إلى الأزارقة يريدهم فاستقبلهم نفر من أهل عسكر نافع وأخبروه ومن معه بأحداث نافع التي أحدثها وأنهم برئوا منه وفارقوه عليها وأمروا نجدة بالمقام وبايعوه فمكث نجدة زماناً ثم إنه بعث بعثاً إلى أهل القطيف واستعمل عليهم ابنه فقتل وسبى وغنم فأخذ ابن نجدة وأصحابه عدة من نسائهم فقوموا كل واحدة منهن بقيمة على أنفسهم وقالوا: إن صارت قيمهن في حصتنا فذاك وإن لم تصر أدينا الفضل فنكحوهن قبل أن يقسمن وأكلوا من الغنائم قبل أن تقسم ثم رجعوا إلى نجدة وأخبروه بذلك فقال نجدة: لم يسعكم ما صنعتم فقالوا: لم نعلم أنه لا يسعنا فعذرهم نجدة بجهالتهم فتابعه على ذلك أصحابه وعذروا بالجهالات إذا أخطأ الرجل في حكم من الأحكام من جهة الجهل وقالوا: الدين أمران أحدهما معرفة الله ومعرفة رسله عليهم السلام وتحريم دماء المسلمين وأموالهم وتحريم الغصب والإقرار بما جاء من عند الله جملة فهذا واجب وما سوى ذلك فالناس معذورون بجهالته حتى تقوم عليهم الحجة في جميع الحلال فمن استحل شيئاً من طريق الاجتهاد مما لعله محرم فمعذور على حسب ما يقول الفقهاء من أهل الاجتهاد فيه قالوا: ومن خاف العذاب على المجتهد في الأحكام المخطئ قبل أن تقوم عليه الحجة فهو كافر قالوا: ومن ثقل عن هجرتهم فهو منافق وحكي عنهم أنهم استحلوا دماء أهل المقام وأموالهم في دار التقية وبرئوا ممن حرمها وتولوا أصحاب الحدود والجنايات من موافقيهم وقالوا: لا ندري لعل الله يعذب المؤمنين بذنوبهم فإن فعل فإنما يعذبهم في غير النار بقدر ذنوبهم ولا يخلدهم في العذاب ثم يدخلهم الجنة وزعموا أن من نظر نظرة صغيرة أو كذب كذبة صغيرة ثم أصر عليها فهو مشرك وأن من زنى وسرق وشرب الخمر غير مصر فهو مسلم.

ويقال أن أصحاب نجدة نقموا عليه أن رجلاً من بني وائل أشار عليه بقتل من تابعه من المكرهين فانتهره نجدة ونقم على نجدة عطية أنه أنفذه في غزو البر وغزو البحر ففضل من أنفذه في غزو البر ونقم عليه أصحابه أنه عطل حد الخمر وقسم الفيء وأعطى مالك بن مسمع وأصحابه وحكم بالشفاعة وكاتب عبد الملك بن مران فأعطاه الرضى واشترى بنت عثمان فاستتابه أصحابه ففعل ثم إن طائفة منهم ندموا على استتابته وقالوا له أن استتابتنا إياك خطأ لأنك إمام وقد تبنا فإن تبت من توبتك واستتبت الذين استتابوك وإلا نابذناك فخرج إلى الناس فتاب من توبته فاختلف أصحابه فطائفة منهم أكفروه على خلعه ونقموا على نجدة أيضاً أنه فرق الأموال بين الأغنياء وحرم ذوي الحاجة منهم فبرئ منه أبو فديك وكثير من أصحابه فوثب عليه أبو فديك فقتله وبويع له ثم إن أصحاب نجدة أنكروا ذلك على أبي فديك وتولوا نجدة وتبرءوا من أبي فديك وكتب أبو فديك إلى عطية بن الأسود وهو عامل نجدة بالحوير يخبره أنه أبصر ضلالة نجدة فقتله وأنه أحق بالخلافة منه فكتب عطية إلى أبي فديك أن يبايع له من قبله وأبى ذلك أبو فديك فبرئ كل واحد منهما من صاحبه وصارت الدار لأبي فديك وصاروا معه إلا من تولى نجدة فصاروا ثلاث فرق: النجدية والعطوية والفديكية.

فأما عطية بن الأسود الحنفي وأصحابه الذين يسمون العطوية فإنه لم يحدث قولاً أكثر من أنه أنكر على نافع ما أحدثه من أقاويله ففارقه ثم أنكر على نجدة ما حكينا عنه ففارقه ومضى إلى سجستان.

ومن العطوية أصحاب عبد الكريم بن عجرد ويسمون العجاردة وهم خمس عشرة فرقة: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنه يجب أن يدعى الطفل إذا بلغ وتجب البراءة منه قبل ذلك حتى يدعى إلى الإسلام ويصفه هو.

والفرقة الثانية من العجاردة الميمونية والذي تفردوا به القول بالقدر على مذهب المعتزلة وذلك أنهم يزعمون أن الله سبحانه فوض الأعمال إلى العباد وجعل لهم الاستطاعة إلى كل ما كلفوا فهم يستطيعون الكفر والإيمان جميعاً وليس لله سبحانه في أعمال العباد مشيئة وليس أعمال العباد مخلوقة لله فبرئت منه العجردية وسموا الميمونية.

والفرقة الثالثة من العجاردة الخلفية أصحاب رجل يقال له خلف فارقوا الميمونية في القول بالقدر وقالوا بالإثبات.

والفرقة الرابعة منهم الحمزية أصحاب رجل يدعى حمزة ثبتوا على قول الميمونية بالقدر وأنهم يرون قتال السلطان خاصة ومن رضيبحكمه فأما من أنكره فلا يرون قتله إلا إذا أعان عليهم أو طعن في دينهم أو صار عوناً للسلطان أو دليلاً له وحكى زرقان أن العجاردة أصحاب حمزة لا يرون قتل أهل القبلة ولا أخذ المال في السر حتى يبعث الحرب.

والفرقة الخامسة من العجاردة الشعيبية أصحاب شعيب وهو رجل برئ من ميمون ومن قوله فقال أنه لا يستطيع أحد أن يعمل إلا ما شاء الله وأن أعمال العباد مخلوقة لله وكان سبب فرقة الشعيبية والميمونية أنه كان لميمون على شعيب مال فتقاضاه فقال له شعيب: أعطيكه إن شاء الله فقال ميمون: قد شاء الله أن تعطينيه الساعة فقال شعيب: لو شاء الله لم أقدر ألا أعطيكه فقال ميمون: فإن الله قد شاء ما أمر وما لم يأمر لم يشأ وما لم يشأ لم يأمر فتابع ناس ميموناً وتابع ناس شعيباً فكتبوا إلى عبد الكريم بن عجرد وهو في حبس خالد بن عبد الله البجلي يعلمونه قول ميمون وشعيب فكتب عبد الكريم: إنا نقول ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا نلحق بالله سوءاً فوصل الكتاب إليهم ومات عبد الكريم فادعى ميمون أنه قال بقوله حين قال: لا نلحق بالله سوءاً وقال شعيب لا بل قال بقولي حيث قال: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فتولوا جميعاً عبد الكريم وبرئ بعضهم من بعض.

وقال بعض الناس أن عبد الكريم بن عجرد وميمون الذي تنسب إليه الميمونية رجل من أهل بلخ وقال قوم أن عبد الكريم كان من أصحاب أبي بيهس خالفه وفارقه في بيع الأمة وذكر الكرابيسي في بعض كتبه أن العجاردة والميمونية يجيزون نكاح بنات البنين وبنات البنات وبنات بنات الأخوة وبنات بني الأخوة ويقولون أن الله حرم البنات وبنات الأخوة وبنات الأخوات.

وحكي لنا عنهم ما لم نتحققه أنهم يزعمون أن سورة يوسف ليست من القرآن.

والفرقة السادسة من العجاردة الخازمية والذي تفردوا به أنهم قالوا في القدر بالإثبات وبأن الولاية والعداوة صفتان لله عز وجل في ذاته وأن الله يتولى العباد على ما هم صائرون إليه وإن كانوا في أكثر أحوالهم مؤمنين.

والفرقة السابعة من العجاردة وهي الثانية من الخازمية ويدعون المعلومية والذي تفردوا به أنهم قالوا: من لم يعلم الله بجميع أسمائه فهو جاهل به وأن أفعال العباد ليست مخلوقة وأن الاستطاعة والفرقة الثامنة من العجاردة وهي الثالثة من الخازمية المجهولية ومن قولهم أن من علم الله ببعض أسمائه فقد علمه ولم يجهله وقالوا بإثبات القدر.

والفرقة التاسعة من العجاردة الصلتية أصحاب عثمان بن أبي الصلت والذي تفرد به أنه قال: إذا استجاب لنا الرجل وأسلم توليناه وبرئنا من أطفاله لأنه ليس لهم إسلام حتى يدركوا فيدعون إلى الإسلام فيقبلونه.

والفرقة العاشرة من العجاردة الثعالبة يقولون: ليس لأطفال الكافرين ولا لأطفال المؤمنين ولاية ولا عداوة ولا براءة حتى يبلغوا فيدعوا إلى الإسلام فيقروا به أو ينكروه وكان ثعلبة مع عبد الكريم يداً واحدة إلى أن اختلفا في أمر الطفل.

والفرقة الحادية عشرة من العجاردة وهي الأولى من الثعالبة يدعون الأخنسية يتوقفون عن جميع من في دار التقية من منتحلي الإسلام وأهل القبلة إلا من قد عرفوا منه إيماناً فيتولونه عليه أو كفراً فيتبرءون منه لأجله ويحرمون الاغتيال والقتل في السر وأن يبدأ أحد من أهل البغي من أهل القبلة بقتال حتى يدعى إلا من عرفوه بعينه فبرئت منهم الثعلبية وسموهم الأخنسية لأن الذي دعاهم إلى قولهم رجل كان يقال له الأخنس.

والفرقة الثانية عشرة من العجاردة وهي الثانية من الثعالبة المعبدية ومما تفردوا به أنهم رأوا أخذ زكاة أموال عبيدهم إذا استغنوا وإعطاءهم من زكاتهم إذا افتقروا ثم رأوا أن ذلك خطأ ولم يتبرءوا ممن فعل ذلك فقال لهم رجل يقال له معبد: إن كنتم لا تتبرءون ممن فعل ذلك فإنا لا ندعه فأقام على ذلك وبرئت منه الثعالبة ومن أصحابه.

والفرقة الثالثة عشرة من العجاردة وهي الثالثة من الثعالبة الشيبانية أصحاب شيبان بن سلمة الخارج أيام أبي مسلم والمعين له ومن قصتهم أن شيبان بن سلمة لما أحدث أحداثاً من معاونة أبي مسلم وغير ذلك برئت منه الخوارج فلما قتل شيبان جاء قوم فذكروا توبته فلم تقبل الثعلبية منهم توبة شيبان وقالوا أن أحداث شيبان كانت قتل المسلمين وأخذ أموالهم وضربهم فإن كنتم دفعتم من دار العلانية فإنا لا نقبل من القاتل في دار العلانية توبة حتى يعفو عنه ولي المقتول ولا نقبل توبة من ضرب المسلمين حتى يقص من نفسه أو يوهب ذلك له وحتى يرد أموالهم وشيبان لم يفعل شيئاً من ذلك فإن زعمتم أنكم قد دفعتم توبته من دار التقية فقد كذبتم فإن أمره كان ظاهراً ودعوته كانت ظاهرة إلى أن قتل فقبل قوم منهم توبته فسموا الشيبانية ثم إن الشيبانية أحدثوا التشبيه لله بخلقه.

وثبت قوم منهم على قول الثعلبية وهم أعظم أصحاب الثعلبية وجمهورهم فسموا الزيادية وذلك أن رجلاً منهم كان يسمى زياد بن عبد الرحمن كان فقيه الثعلبية ورئيسهم.

ثم إن الشيبانية الذين أجازوا توبته قالوا في الولاية والعداوة أنهما صفتان لله من صفات الذات لا من صفات الفعل.

والفرقة الرابعة عشرة من العجاردة وهي الرابعة من الثعالبة الرشيدية ومما تفردوا به أنهم كانوا يؤدون عما سقي بالعيون والأنهار الجارية نصف العشر ثم رجعوا عن ذلك وكتبوا إلى المسمى زياد بن عبد الرحمن فأجابهم ثم أتاهم فأعلمهم أن في ذلك العشر وأنه لا يجيز البراءة ممن غلط منهم في ذلك فقال رجل منهم يسمى رشيداً: إن كان يسعنا أن لا نتبرأ منهم فإنا نعمل بالذي يعملون به وثبت هو ومن معه على الفعل الأول فبرئت منهم الثعالبة وسموهم العشرية.

والفرقة الخامسة عشرة من العجاردة وهي الخامسة من الثعالبة المكرمية أصحاب أبي مكرم ومما تفردوا به أنهم زعموا أن تارك الصلاة كافر وليس هو من قبل تركه الصلاة كفر ولكن من قبل جهله بالله وكذلك قالوا في سائر الكبائر وزعموا أن من أتى كبيرة فقد جهل الله سبحانه وبتلك الجهالة كفر لا بركوبه المعصية وقالوا بالموافاة وهي أن الله سبحانه إنما يتولى عباده ويعاديهم على ما هم صائرون إليه لا على أعمالهم التي هم فيها فبرئت منهم الثعالبة.

ومن قول الثعالبة في الأطفال أنهم يشتركون في عذاب آبائهم وأنهم ركن من أركانهم يريدون بذلك أنهم بعض من أبعاضهم.

ومن الخوارج الفديكية أصحاب أبي فديك ولا نعلم أنهم تفردوا بقول أكثر من إنكارهم على نافع ونجدة ما حكيناه عنهم.

ومن الخوارج الصفرية أصحاب زياد بن الأصفر وهم لا يوافقون الأزارقة في عذاب الأطفال فإنهم لا يجيزون ذلك ويقال أن الصفرية نسبوا إلى عبيدة وكان ممن خالف نجدة ورجع من اليمامة فلما كتب نجدة إلى أهل البصرة اجتمع عبيدة وعبد الله بن أباض فقرءوا كتابه فقال عبد الله بن أباض بما سنذكره من مذهبه وقال عبيدة بجملة مذهب الخوارج من أن مخالفيهم مشركون السيرة فيهم السيرة في أهل حرب رسول الله () الذين حاربوه من المشركين وأصل قول الخوارج إنما هو قول الأزارقة والإباضية والصفرية والنجدية وكل الأصناف سوى الأزارقة والإباضية والنجدية فإنما تفرعوا من الصفرية.

ومن الخوارج طائفة يقولون: ما كان من الأعمال عليه حد واقع فلا يتعدى بأهله الاسم الذي لزمهم به الحد وليس بكفر بشيء ليس أهله به كافراً كالزنا والقذف وهم قذفة زناة وما كان من الأعمال ليس عليه حد كترك الصلاة والصيام فهو كافر وأزالوا اسم الإيمان في الوجهين جميعاً.

ومن الخوارج الإباضية

فالفرقة الأولى منهم يقال لهم الحفصية كان إمامهم حفص بن أبي المقدام زعم أن بين الشرك والإيمان معرفة الله وحده فمن عرف الله سبحانه ثم كفر بما سواه من رسول أو جنة أو نار أو عمل بجميع الخبائث من قتل النفس واستحلال الزنا وسائر ما حرم الله سبحانه من فروج النساء فهو كافر بري من الشرك وكذلك من اشتغل بسائر ما حرم الله سبحانه مما يؤكل ويشرب فهو كافر بري من الشرك ومن جهل الله سبحانه وأنكره فهو مشرك فبرئ منه جل الإباضية إلا من صدقه منهم وتأولوا في عثمان نحو ما تأولت الشيعة في أبي بكر وعمر وزعم أن علياً هو الحيران الذي ذكره الله في القرآن وأن أصحابه الذين يدعونه إلى الهدى أهل النهروان وزعم أن علياً هو الذي أنزل الله سبحانه فيه: " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " وأن عبد الرحمن بن ملجم هو الذي أنزل الله فيه: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله " ثم قال بعد ذلك: الإيمان بالكتب والرسل متصل بتوحيد الله فمن كفر بذلك فقد أشرك بالله.

والفرقة الثانية منهم يسمون اليزيدية كان إمامهم يزيد بن أنيسة قالوا: نتولى المحكمة الأولى ونبرأ ممن كان بعد ذلك من أهل الأحداث ونتولى الإباضية كلها ويزعمون أنهم مسلمون كلهم إلا من بلغه قولنا فكذبه أو من خرج وخالفوا الحفصية في الإكفار والتشريك وقالوا بقول الجمهور وحكى يمان بن رباب أن أصحاب يزيد بن أنيسة قالوا بالتشريك وتولى يزيد المحكمة الأولى قبل نافع وبرئ ممن كان بعدهم وحرم القتال على كل أحد بعد تفريقهم وثبت على ولاية الإباضية إلا من وزعم أن الله سبحانه سيبعث رسولاً من العجم وينزل عليه كتاباً من السماء يكتب في السماء وينزل عليه جملة واحدة فترك شريعة محمد ودان بشريعة غيرها وزعم أن ملة ذلك النبي الصابئة وليس هذه الصابئة التي عليها الناس اليوم وليس هم الصابئين الذين ذكرهم الله في القرآن ولم يأتوا بعد.

وتولى من شهد لمحمد () بالنبوة من أهل الكتاب وأن لم يدخلوا في دينه ولم يعملوا بشريعته وزعم أنهم بذلك مؤمنون فمن الإباضية من وقف فيه ومنهم من برئ منه وجلهم تبرأ منه.

والفرقة الثالثة من الإباضية أصحاب حرث الإباضي قالوا في القدر بقول المعتزلة وخالفوا فيه سائر الإباضية وزعموا أن الاستطاعة قبل الفعل.

وجمهور الإباضية يتولى المحكمة كلها إلا من خرج ويزعمون أن مخالفيهم من أهل الصلاة كفار وليسوا بمشركين حلال مناكحتهم وموارثتهم حلال غنيمة أموالهم من السلاح والكراع عند الحرب حرام ما وراء ذلك وحرام قتلهم وسبيهم في السر إلا من دعا إلى الشرك في دار التقية ودان به وزعموا أن الدار - يعنون دار مخالفيهم - دار توحيد إلا عسكر السلطان فإنه دار كفر يعني عندهم وحكي عنهم أنهم أجازوا شهادة مخالفيهم على أوليائهم وحرموا الاستعراض إذا خرجوا وحرموا دماء مخالفيهم حتى يدعوهم إلى دينهم فبرئت الخوارج منهم على ذلك وقالوا أن كل طاعة إيمان ودين وأن مرتكبي الكبائر موحدون وليسوا بمؤمنين.

والفرقة الرابعة منهم يقولون بطاعة لا يراد الله بها على مذهب أبي الهذيل ومعنى ذلك أن الإنسان قد يكون مطيعاً لله إذا فعل شيئاً أمره الله به وإن لم يقصد الله بذلك الفعل ولا أراده به.

ثم اختلفوا في النفاق فصاروا ثلاث فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن النفاق براءة من الشرك واحتجوا في ذلك بقول الله عز وجل: " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " والفرقة الثانية منهم يقولون أن كل نفاق شرك لأنه يضاد التوحيد والفرقة الثالثة منهم يقولون: لسنا نزيل اسم النفاق عن موضعه وهو دين القوم الذين عناهم الله بهذا الاسم في ذلك الزمان ولا نسمي غيرهم بالنفاق.

وقالوا: من سرق خمسة دراهم فصاعداً قطع وقال القوم الذين زعموا أن المنافق كافر وليس بمشرك أن المنافقين على عهد رسول الله () كانوا موحدين وكانوا أصحاب كبائر.

وقالوا: كل شيء أمر الله به عباده فهم عام ليس بخاص وقد أمر الله به الكافر والمؤمن.

وقال قوم منهم: لا حجة لله على الخلق في التوحيد إلا بالخبر أو ما يقوم مقام الخبر من إشارة وإيماء.

وقال بعضهم: لا يجوز على الله أن يخلي عباده من التكليف لوحدانيته ومعرفته وأجاز بعضهم أن يخليهم من ذلك.

وقال بعضهم فيمن دخل في دين المسلمين: وجبت عليه الشرائع والأحكام وقف على ذلك أو لم يقف سمعه أو لم يسمعه.

وقال بعضهم: لا يرسل الله نبياً إلا نصب دليلاً عليه ولا بد من أن يدا واحداً وقال بعضهم: قد يجوز أن يبعث الله نبياً بلا دليل.

وقال بعضهم: من ورد عليه الخبر بأن الخمر قد حرمت وأن القبلة قد حولت فعليه أن يعلم أن الذي أخبره مؤمن أو كافر وعليه أن يعلم ذلك بالخبر وليس عليه أن يعلم أن ذلك عليه بالخبر.

وقال بعضهم: من قال بلسانه أن الله واحد وعنى به المسيح فهو صادق في قوله مشرك بقلبه.

وقال بعضهم: ليس على الناس المشي إلى الصلاة والركوب إلى الحج ولا شيء من أسباب الطاعات التي يتوصل بها إليها وإنما عليهم فعلها بعينها فقط.

وقالوا جميعاً أن الواجب أن يستتيبوا من خالفهم في تنزيل أو تأويل فإن تاب وإلا قتل كان ذلك الخلاف فيما يسع جهله أو فيما لا يسع جهله وقالوا: من زنى أو سرق أقيم عليه الحد ثم استتيب فإن تاب وإلا قتل.

وقال بعضهم: ليس من جحد الله وأنكره مشركاً حتى يجعل معه إلهاً غيره وقال بعضهم: ذلك شرك وكل جحد بأي جهة كان فهو شرك وكفر وقالوا: الإصرار على أي ذنب كان كفر.

وقالوا: العالم يفنى كله إذا أفنى الله أهل التكليف ولا يجوز إلا ذلك لأنه إنما خلقه لهم فإذا أفناهم لم يكن لبقائه لهم معنىً.

وقال بعضهم بل جلهم: الاستطاعة والتكليف مع الفعل وأن الاستطاعة هي التخلية وقال كثير منهم: ليس الاستطاعة هي التخلية بل هي معنىً في كونه كون الفعل وبه يكون الفعل وأن الاستطاعة لا تبقى وقتين وأن استطاعة كل شيء غير استطاعة ضده وأن الله كلف العباد ما لا يقدرون عليه لتركهم له لا لعجزهم عنه وأن قوة الطاعة توفيق وتسديد وفضل ونعمة وإحسان ولطف وأن استطاعة الكفر ضلال وخذلان وطبع وبلاء وشر وأن الله لو لطف للكافرين لآمنوا وأن عنده لطفاً لو فعله بهم لآمنوا طوعاً وأن الله لم ينظر لهم في حال خلقه إياهم ولا فعل بهم أصلح الأشياء لهم ولا فعل بهم صلاحاً في الدين وأنه أضلهم وطبع على قلوبهم وهذا قول يحيى بن كامل ومحمد بن حرب وإدريس الإباضي وكانوا يقولون في كثير من الإباضية أن أعمال العباد مخلوقة وأن الله سبحانه لم يزل مريداً لما علم أنه يكون أن يكون ولما علم أنه لا يكون أن لا يكون وأنه مريد لما علم من طاعات العباد ومعاصيهم لا بأن أحب ذلك ولكن بمعنى أنه ليس بآب عنه ولا بمكره عليه وسنشرح قولهم في سائر أبواب القدر إذا أخبرنا عن مذاهب الناس في القدر وكل الخوارج يقولون بخلق القرآن.

وقال جل الإباضية: قد يجوز أن يقع حكمان مختلفان في الشيء الواحد من وجهين فمن ذلك أن رجلاً لو دخل زرعاً بغير إذن صاحبه لكان الله سبحانه قد نهاه عن الخروج منه لأن فيه فساد الزرع وقد أمره به لأنه ليس له.

وقال جلهم بالخاطر ولا يجوز أن يخلي الله عز وجل العباد البالغين منه وقالوا: ليس يجوز على شيء من الأعراض البقاء إلا إذا كان بعضا للجسم عند من يقول أن الجسم أعراض مجتمعة وأكثرهم يقول أنه أبعاض للجسم وقالوا: جزاء الله في العباد أكثر من تفضله وعافيته أكثر من ابتلائه والثواب واجب بالاستحقاق والتفضل والابتلاء ابتداء وقال بعضهم بتحليل إلا شربة التي يسكر كثيرها إذا لم تكن الخمر بعينها وحرموا السكر وليس يتبعون المولي في الحرب إذا كان من أهل القبلة وكان موحداً ولا يقتلون امرأة ولا ذرية ويرون قتل المشبهة وسبيهم وغنيمة أموالهم ويتبعون موليهم كما فعل أبو بكر بأهل الردة.

وكان رجل من الإباضية يقال له إبراهيم أفتى بأن بيع الإماء من مخالفيهم جائز فبرئ منه رجل يقال له ميمون وممن استحل ذلك ووقف قوم منهم فلم يقولوا بتحليل ولا بتحريم وكتبوا يستفتون العلماء منهم في ذلك فأفتوا بأن بيعهن حلال وهبتهن حلال في دار التقية ويستتاب أهل الوقف من وقفهم في ولاية إبراهيم ومن أجاز ذلك وأن يستتاب ميمون من قوله وأن يبرءوا من امرأة كانت معهم وقفت فماتت قبل ورود الفتوى وأن يستتاب إبراهيم من عذره لأهل الوقف في جحدهم الولاية عنه وهو مسلم يظهر إسلامه وأن يستتاب أهل الوقف من جحدهم البراءة عن ميمون وهو كافر يظهر كفره فأما الذين وقفوا ولم يتوبوا من الوقف وثبتوا عليه فسموا الواقفة وبرئت الخوارج منهم وثبت إبراهيم على رأيه في التحليل لبيع الإماء من المخالفين وتاب ميمون.

والإباضية يقولون أن جميع ما افترض الله سبحانه على خلقه إيمان وأن كل كبيرة فهي كفر نعمة لا كفر شرك وأن مرتكبي الكبائر في النار خالدون مخلدون فيها.

ووقف كثير من الإباضية في إيلام أطفال المشركين في الآخرة فجوزوا أن يؤلمهم الله سبحانه في الآخرة على غير طريق الانتقام وجوزوا أن يدخلهم الجنة تفضلاً ومنهم من قال أن الله سبحانه يؤلمهم على طريق الإيجاب لا على طريق التجويز.

ثم رجع بنا القول إلى الإخبار عن الاختلاف في أمر المرأة: فافترقت فرقة من الواقفة وهم الضحاكية فأجازوا أن يزوجوا المرأة المسلمة عندهم من كفار قومهم في دار التقية كما يسع الرجل منهم أن يتزوج المرأة الكافرة من قومه في دار التقية فأما في دار العلانية وقد جاز حكمهم فيها فإنهم لا يستحلون ذلك فيها.

ومن الضحاكية فرقة وقفت فلم تبرأ ممن فعله وقالوا: لا نعطي هذه المرأة المتزوجة من كفار قومنا شيئاً من حقوق المسلمين ولا نصلي عليها إن ماتت ونقف فيها ومنهم من برئ منها.

واختلفوا في أصحاب الحدود

فمنهم من برئ منهم ومنهم من تولاهم ومنهم من وقف واختلف هؤلاء في أهل دار الكفر عندهم فمنهم من قال: هم عندنا كفار إلا من عرفنا إيمانه بعينه ومنهم من قال: هم أهل دار خلط فلا نتولى إلا من عرفنا فيه إسلاماً ونقف فيمن لم نعرف إسلامه وتولى بعض هؤلاء بعضاً على اختلافهم وقالوا: الولاية تجمعنا فسموا أصحاب النساء وسموا من خالفهم من الواقفة أصحاب المرأة وصارت الواقفة فرقتين: فرقة تولوا الناكحة وفرقة ينسبون إلى عبد الجبار بن سليمان وهم الذين يتبرءون من المرأة المناكحة من كفار قومهم.

وهذا خبر عبد الجبار الذي خطب إلى ثعلبة ابنته ثم شك في بلوغها فسأل أمها عن ذلك حتى وقع الخلاف بين ثعلبة وعبد الكريم في الأطفال فاختلفا بعد أن كانا متفقين.

فأما عبد الجبار الذي خطب إلى ثعلبة ابنته فسأل ثعلبة أن يمهرها أربعة آلاف درهم فأرسل الخاطب إلى أم الجارية مع امرأة يقال لها أم سعيد يسأل هل بلغت ابنتهم أم لا وقال: إن كانت بلغت وأقرت بالإسلام لم أبال ما أمهرتها فلما بلغتها أم سعيد ذلك قالت: ابنتي مسلمة بلغت أم لم تبلغ ولا تحتاج أن تدعى إذا بلغت فرد مرة أخرى ذلك عليها ودخل ثعلبة على تلك الحال فسمع بتنازعهما فنهاهما عنه ثم دخل عبد الكريم بن عجرد وهما على تلك الحال فأخبره ثعلبة الخبر فزعم عبد الكريم أن يجب دعاؤها إذا بلغت وتجب البراءة منها حتى تدعى إلى الإسلام فرد عليه ثعلبة ذلك وقال: لا بل نثبت على ولايتها فإن لم تدع لم تعرف الإسلام فبرئ بعضهم من بعض على ذلك.

ومن الخوارج البيهسية أصحاب أبي بيهس

ومما أحدث أنه زعم أن ميموناً كفر حين حرم بيع المملوكة في دار كفار قومنا وحين برئ ممن استحل ذلك وكفر أهل الثبت حين لم يعرفوا كفر ميمون وصواب إبراهيم - وأهل الثبت الواقفة - وكفر إبراهيم حين لم يتبرأ من أهل الوقف لوقفهم في أمرهم وجحدهم الولاية عنه وجحدهم البراءة من ميمون وذلك أن الوقف لا يسع على الأبدان ولكن يسع على الحكم بعينه ما لم يواقعه أحد من المسلمين فإذا واقعه أحد من المسلمين لم يسع من حضر ذلك أن لا يعرف من أظهر الحق ودان به ومن أظهر الباطل ودانه به.

وزعم أبو بيهس أنه لا يسلم أحد حتى يقر بمعرفة الله ومعرفة رسوله ومعرفة ما جاء به محمد جملة والولاية لأولياء الله سبحانه والبراءة من أعداء الله وما حرم الله سبحانه مما جاء فيه الوعيد فلا يسع الإنسان إلا علمه ومعرفته بعينه وتفسيره ومنه ما ينبغي أن يعرفه باسمه ولا يبالي أن لا يعرف تفسيره وعينه حتى يبتلى به وعليه أن يقف عند ما لا يعلم ولا يأتي شيئاً إلا بعلم فتابعه على ذلك ناس كثير من الخوارج وفارقه ناس كثير منهم فسموا البيهسية وسمت البيهسية من خالفهم من الخوارج الواقفة.

وقال غيره من الناس: قد يسلم الإنسان بعرفة وظيفة الدين وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله جملة والولاية لأولياء الله والبراءة من أعداء الله وإن لم يعرف ما سوى ذلك فهو مسلم حتى يبتلى بالعمل فمن واقع شيئاً من الحرام مما جاء فيه الوعيد وهو لا يعلم أنه حرام فقد كفر ومن ترك شيئاً من كبير ما افترضه الله سبحانه عليه وهو لا يعلم فقد كفر فإن حضر أحد من أوليائه مواقعة من واقع الحرام وهو لا يدري أحلال أم حرام أو اشتبه عليه وقف فيه فلم يتوله ولم يبرأ منه حتى يعرف أحلال ركب أم حرام فبرئت منه البيهسية.

ومن البيهسية فرقة يقال لهم العوفية وهم فرقتان: فرقة تقول: من رجع من دار هجرتهم ومن الجهاد إلى حال القعود نبرأ منهم وفرقة تقول: لا نبرأ منهم لأنهم رجعوا إلى أمر كان حلالاً لهم وكلا الفريقين من العوفية يقولون: إذا كفر الإمام فقد كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد والبيهسية يبرءون منهم وهم جميعاً يتولون أبا بيهس.

ومن البيهسية فرقة يقال لهم أصحاب شبيب النجراني يعرفون بأصحاب السؤال والذي أبدعوه أنهم زعموا أن الرجل يكون مسلماً إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وتولى أولياء الله وتبرأ من أعدائه وأقر بما جاء من عند الله جملة وإن لم يعلم سائر ما افترض الله سبحانه عليه مما سوى ذلك أفرض هو أم لا فهو مسلم حتى يبتلى بالعمل به فيسأل وفارقوا الواقفة وقالوا في أطفال المؤمنين بقول الثعلبية أنهم مؤمنون أطفالاً وبالغين حتى يكفروا وأن أطفال الكفار كفار أطفالاً وبالغين حتى يؤمنوا وقالوا بقول المعتزلة في القدر فبرئت منهم البيهسية.

وقال بعض البيهسية من واقع زناً لم نشهد عليه بالكفر حتى يرفع إلى الإمام أو الوالي ويحد فوافقهم على ذلك طائفة من الصفرية إلا أنهم قالوا: نقف فيهم ولا نسميهم مؤمنين ولا كافرين وقالت طائفة من البيهسية إذا كفر الإمام كفرت الرعية وقالت: الدار دار شرك وأهلها جميعاً مشركون وتركت الصلاة إلا خلف من تعرف وذهبت إلى قتل أهل القبلة وأخذ الأموال واستحلت القتل والسبي على كل حال.

وقالت البيهسية: الناس مشركون بجهل الدين مشركون بمواقعة الذنوب وإن كان ذنب لم يحكم الله فيه حكماً مغلظاً ولم يوقفنا على تغليظه فهو مغفور ولا يجوز أن يكون أخفى أحكامه عنا في ذنوبنا ولو جاز ذلك جاز في الشرك وقالوا: التائب في موضع الحدود وفي موضع القصاص والمقر على نفسه يلزمه الشرك إذا أقر من ذلك بشيء وهو كافر لأنه لا يحكم بشيء من الحدود والقصاص إلا على كل كافر يشهد عليه بالكفر عند الله.

وقال بعض البيهسية: السكر من كل شراب حلال موضوع عمن سكر منه وكل ما كان في السكر من ترك الصلاة أو شتم الله سبحانه فهو موضوع لا حد فيه ولا حكم ولا يكفر أهله بشيء من ذلك ما داموا في سكرهم وقالوا أن الشراب حلال الأصل ولم يأت فيه شيء من التحريم لا في قليله ولا في إكثار أو في سكر.

ومن البيهسية فرقة يسمون أصحاب التفسير كان صاحب بدعتهم رجل يقال له الحكم بن مروان من أهل الكوفة زعم أنه من شهد على المسلمين لم تجز شهادتهم إلا بتفسير الشهادة كيف هي قال: ولو أن أربعة شهدوا على رجل منهم بالزنا لم تجز شهادتهم حتى يشهدوا كيف هو وهكذا قالوا في سائر الحدود فبرئت منهم البيهسية على ذلك وسموهم أصحاب التفسير.

وقالت العوفية من البيهسية: السكر كفر ولا يشهدون أنه كفر حتى يأتي معه غيره كترك الصلاة وما أشبه ذلك لأنهم إنما يعلمون أن الشارب سكر إذا ضم إلى سكره غيره مما يدل على أنه ومن الخوارج أصحاب صالح ولم يحدث صالح قولاً تفرد به ويقال أنه كان صفرياً.

ومن قول الصفرية وأكثر الخوارج أن كل ذنب مغلظ كفر وكل كفر شرك وكل شرك عبادة للشيطان.

وقالت الفضلية: لا يكفر عندنا ولا يعصي من قال بضرب من الحق الذي يكون من المسلمين وأراد به غير الله أو وجهه على غير ما يوجهه المسلمون عليه نحو قول القائل لا إله إلا الله يريد بها قول النصارى الذي لا إله إلا هو الذي له الولد والزوجة أو يريد صنماً اتخذ إلهاً وكقول القائل: محمد رسول الله وهو يريد غيره ممن قال: هو حي قائم وما أشبه ذلك من القول كله واعتقاد القلب والتوجه إلى غير الله عز وجل.

وحكى اليمان بن رباب الخارجي أن قوماً من الصفرية وافقوا بعض البيهسية على أن كل من واقع ذنباً عليه حرام لا يشهد عليه بأنه كفر حتى يرفع إلى السلطان ويحد عليه فإذا حد عليه فهو كافر إلا أن البيهسية لا يسمونهم مؤمنين ولا كافرين حتى يحكم عليهم وهذه الطائفة من الصفرية يثبتون لهم اسم الإيمان حتى تقام عليهم الحدود.

وحكى أن صنفاً من الخوارج تفردوا بقول أحدثوه وهو قطعهم الشهادة على أنفسهم ومن وافقهم أنهم من أهل الجنة من غير شرط ولا استثناء.

وذكر أن صنفاً منهم يدعون الحسينية ورئيسهم رجل يعرف بأبي الحسين يرون أن الدار دار حرب وأنه لا يجوز الإقدام على من فيها إلا بعد المحنة ويقولون بالإرجاء في موافقيهم خاصة كما حكي عن نجدة ويقولون فيمن خالفهم أنهم بارتكاب الكبائر كفار مشركون.

وذكر اليمان أيضاً أن صاحب الشمراخية وهو عبد الله بن شمراخ كان يقول أن دماء قومه حرام في السر حلال في العلانية وأن قتل الأبوين حرام في دار التقية ودار الهجرة وإن كانا مخالفين والخوارج تبرأ منه.

ومن العلماء باللغة وهو من الخوارج أبو عبيدة معمر بن المثنى وكان صفرياً ومن شعرائهم: عمران بن حطان وهو صفري ومن مؤلفي كتبهم ومتكلميهم: عبد الله بن يزيد ومحمد بن حرب ويحيى بن كامل وهؤلاء إباضية واليمان بن رباب وكان ثعلبياً ثم صار بيهسياً وسعيد بن هارون وكان فيما أظن إباضياً.

والخوارج تدعي من السلف الشعثاء جابر بن زيد وعكرمة وإسماعيل بن سميع وأبا هارون العبدي وهبيرة بن مريم.

ومن رجال الخوارج ممن لم يذكر أنه خرج ولا له مذهب يعرف به صالح بن مسرح وداود وكانا يتلاقيان ويحدثان مسائل يقع لها الخلاف بين الخوارج ثم كانت لهما في آخر أيامهما خرجة ليست بالمشهورة ورباب السجستاني وهو الذي أوقع الخلاف بين الخوارج في قتيل وجد في عسكر حتى قال بعضهم أن حكم أهل العسكر حكم الكفار حتى يعلم أنه قتل بحق وقال بعضهم: بل هم مؤمنون حتى يعلم أنه قتل بغير حق وهارون الضعيف وقد حكي عنه إجازة تزويج نساء مخالفيه وأحل مخالفيه في هذا الباب محل أهل الكتاب.

ومن الخوارج صنف يسمون الراجعة

رجعوا عن صالح بن مسرح وبرئوا منه لأحكام حكم بها وذلك أن بعض طلائع صالح أتاه فأعلمه أن فارساً على تل واقف ينظر إلى عسكره فوجه إليه رجلين من أصحابه فلما نظر إليهما الفارس ولى مدبراً فلحقاه فطعنه أحدهما فصرعه ونزلا ليقتلاه فقال لهما: أنا رجل مسلم وأنا أخو ربعي بن حراش وكان ربعي بن حراش من رؤسائهم فكفا عنه وقالا له: هل يعرفك أحد في العسكر قال: نعم وسمى رجلين من أصحاب صالح يسمى أحدهما جبيراً والآخر الوليد فصار الفرسان به إلى عسكر صالح فأخبراه بخبره فدعا صالح بن جبيراً والوليد فسألهما عنه فقالا: نعرفه بالخبث والكفر ونعرف أنه أخو ربعي وقد أخبرنا ربعي بخبثه وعداوته للمسلمين فأمر صالح بضرب عنقه فقالت الراجعة: قتل رجلاً مسلماً قد ادعى الإسلام فبرئوا بذلك من صالح ومنها أنه أتاه رجل من طلائعه فأخبره أن فارساً واقف على تل ينظر إلى العسكر بالليل فبعث أبا عمر ويزيد بن خارجة فلما نظر الفارس إليهما ولى مدبراً فطعنه أحدهما وضربه الآخر بالسيف ثم أتيا به صالحاً فدفعه صالح إلى رجل من أصحابه وأوصاه به وقال: إذا كان بالغداة فأتنا به حتى نقف على جراحته وننظر أتصير إلى دية النفس أو إلى دية الأرش فذهب الرجل إلى منزله وأباته عنده فلما نام الرجل الذي من أصحاب صالح قام الأسير فهرب من الليل فبرئت الراجعة من صالح بذلك وقالوا: لم يبرأ من جراحته وقد ادعى أنه ذمي ومنها أن رجلاً من أصحابه يقال له صخر قال لرجل منهم: هذا عدو الله فلم يستتبه صالح من ذلك ومنها أنه احتبس من الغنائم فرساً فكان أصحابه يقترعون إذا أرادوا ركوبه ويتنافسون في القتال عليه فاختلف أصحابه عند هذه الأشياء فبرئت منه فرقة فسميت الراجعة وصوب أكثر الخوارج رأي صالح بن أبي صالح ووقف شبيب في صالح بن أبي صالح والراجعة وقال: لا ندري ما حكم به صالح كان حقاً أو باطلاً ويقال أن أكثر الراجعة عادوا إلى قول صالح ويصوبونه فيما صنع.

فأما بعض الإباضية فيذهب إلى أن الذين برئوا من صالح كفروا وأن من وقف في كفرهم كفر وأحسنوا الظن بشبيب وقالوا: لم يكن مثله يبرأ منه وقالوا: ويدل على ذلك أنه كان معه حتى قتل فهو عندهم على أصل إيمانه.

ومنهم فرقة يسمون الشبيبية وذلك أن شبيباً وقف في صالح وفي الراجعة فقالوا: لا ندري أحق ما حكم به صالح أم جور وحق ما شهدت به الراجعة أم جور فبرئت الخوارج منهم وسموهم مرجئة الخوارج وكان شبيب أصاب أموالاً بجرجرايا فقسمها وبقيت رمكة ومنطقة وعمامة فقال لرجل من أصحابه: اركب هذه الدابة حتى نقسمها وقال لآخر: البس هذه العمامة والمنطقة حتى نقسمها فبلغ ذلك أصحابه فخرج إليه سالم بن أبي الجعد الأشجعي وابن دجاجة الحنفي فقالا: يا معشر المسلمين استقسم هذا الرجل بالأزلام فقال شبيب: إنما كانت رمكة وأحببت أن يركبها صاحبها يوماً أو يومين حتى نقسمها فقالوا: لم أعطيت هذا منطقة وعمامة فلو استشهد وأخذ متاعه تب مما صنعت! فكره أن يخنع فقال: ما أرى موضع توبة فبرئوا منه فليس يتولاه خارجي فيما نعلم وهم يرجئون أمره ولا يكفرونه ولا يثبتون له الإيمان.

فأما التوحيد فإن قول الخوارج فيه كقول المعتزلة وسنشرح قول المعتزلة في التوحيد إذا صرنا إلى شرح مذاهب المعتزلة.

والخوارج جميعاً يقولون بخلق القرآن والإباضية تخالف المعتزلة في التوحيد في الإرادة فقط لأنهم يزعمون أن الله سبحانه لم يزل مريداً لمعلوماته التي تكون أن تكون ولمعلوماته التي لا تكون أن لا تكون والمعتزلة إلا بشر بن المعتمر ينكرون ذلك.

فأما القدر فقد ذكرنا من يذهب فيه إلى قول المعتزلة من الخوارج وذكرنا من يميل إلى الإثبات وأما الوعيد فقول المعتزلة فيه وقول الخوارج قول واحد لأنهم يقولون أن أهل الكبائر الذين يموتون على كبائرهم في النار خالدون فيها مخلدون غير أن الخوارج يقولون أن مرتكبي الكبائر ممن ينتحل الإسلام يعذبون عذاب الكافرين والمعتزلة يقولون أن عذابهم ليس كعذاب الكافرين.

وأما السيف فإن الخوارج تقول به وتراه إلا أن الإباضيةلا ترى اعتراض الناس بالسيف ولكنه يرون إزالة أيمة الجور ومنعهم من أن يكونوا أيمة بأي شيء قدروا عليه بالسيف أو بغير السيف.

فأما الوصف لله سبحانه على أن يظلم فإن الخوارج جميعاً تنكر ذلك.

والخوارج بأسرها يثبتون إمامة أبي بكر وعمر وينكرون إمامة عثمان رضوان الله عليهم في وقت الأحداث التي نقم عليه من أجلها ويقولون بإمامة علي قبل أن يحكم وينكرون إمامته لما أجاب إلى التحكيم ويكفرون معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري ويرون أن الإمامة في قريش وغيرهم إذا كان القائم بها مستحقاً لذلك ولا يرون إمامة الجائر وحكى زرقان عن النجدات أنهم يقولون أنهم لا يحتاجون إلى إمام وإنما عليهم أن يعلموا كتاب الله سبحانه فيما بينهم.

وللخوارج في الأطفال ثلاثة أقاويل

صنف منهم يزعمون أن أطفال المشركين حكمهم حكم آبائهم يعذبون في النار وأن أطفال المؤمنين حكمهم حكم آبائهم واختلف هذا الصنف في الآباء إذا انتقلوا بعد موت أطفالهم عن أديانهم فقال قائلون: ينتقلون إلى حكم آبائهم وقال قائلون: هم على الحال التي كان آباؤهم عليها في حال موتهم لا ينتقلون بانتقالهم.

وقال الصنف الثاني منهم: جائز أن يؤلم الله سبحانه في النار أطفال المشركين على غير المجازاة لهم وجائز أن لا يؤلمهم وأطفال المؤمنين يلحقون بآبائهم لقول الله عز وجل: " بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ".

وقال الصنف الثالث وهم القدرية: أطفال المشركين والمؤمنين في الجنة.

وحكى حاك عن الأخنسية أنها تزوج النساء في نصبة الحرب وغير نصبة الحرب.

وحكى أيضاً أن الشمراخية والصفرية تصلي خلف من لا تعرف.

وحكى أن البيهسية تقول بقتل أهل القبلة وأخذ الأموال وترك الصلاة إلا خلف من تعرف والشهادة على الدار بالكفر.

وحكى حاك أن البدعية تقول مثل مقالة الأزارقة غير أنها تزعم أن الصلاة ركعتان بالغداة وركعتان بالعشي.

واختلفت الخوارج في اجتهاد الرأي وهم صنفان

فمنهم من يجيز الاجتهاد في الأحكام كنحو النجدات وغيرهم ومنهم من ينكر ذلك ولا يقول إلا بظاهر القرآن وهم الأزارقة.

وحكى حاك عن الخوارج أنهم لا يرون على الناس فرضاً ما لم يأتهم الرسل وأن الفرائض تلزم بالرسل واعتلوا بقول الله عز وجل: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ".

والخوارج لا يقولون بعذاب القبر ولا ترى أن أحداً يعذب في قبره.

فأما القول في البارئ هل يرزق عباده الحرام إذا غلبوا عليه وأكلوه فإن من مال منهم إلى قول المعتزلة في القدر ينكر ذلك ومن قال منهم بالإثبات قال أن الله يرزق عباده الحرام إذا غلبوا عليه وأكلوه.

وللخوارج ألقاب فمن ألقابهم الوصف لهم بأنهم خوارج ومن ألقابهم: الحرورية ومن ألقابهم الشراة والحرارية ومن ألقابهم المارقة ومن ألقابهم المحكمة وهم يرضون بهذه الألقاب كلها إلا بالمارقة فإنهم ينكرون أن يكونوا مارقة من الدين كما يمرق السهم من الرمية والسبب الذي له سموا خوارج خروجهم على علي بن أبي طالب والذي له سموا محكمة إنكارهم الحكمين وقولهم: لا حكم إلا لله والذي سموا له حرورية نزولهم بحروراء في أول أمرهم والذي له سموا شراة قولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله أي بعناها بالجنة.

الجزيرة والموصل وعمان وحضرموت ونواح من نواحي المغرب ونواح من نواحي خراسان وقد كان لرجل من الصفرية سلطان في موضع يقال له سجلماسة على طريق غانة.

ويقال أن أول من حكم بصفين عروة بن بلال بن مرداس ويقال بل أول من حكم يزيد بن عاصم المحاربي ويقال بل رجل من سعد بن زيد مناة تميم ويقال أن أول من تشرى رجل من بني يشكر.

وكان أمير الخوارج أول ما اعتزلوا عبد الله بن الكواء وأمير قتالهم شبث بن ربعي ثم بايعوا لعبد الله بن وهب الراسبي لعشر بقين من شوال سنة سبع وثلاثين وكان رئيس الخوارج الذين أقبلوا من البصرة ليجتمعوا مع عبد الله بن وهب مسعر بن فدكي وهو الذي استعرض من لقي هو وأصحابه وقتل عبد الله بن خباب فبعض الخوارج يقولون أن عبد الله بن وهب كان كارهاً لذلك كله وكذلك أصحابه وبعضهم يتأول لمسعر في قتل عبد الله ويقال أنه سأله أن يحدثه عن أبيه عن النبي () بما سمعه منه فحدثه بحديث في الفتن يوجب القعود عن الحروب وأن يكون الرجل عبد الله المقتول فتأولوا عليه أنه يدين بتخطئتهم في الخروج وتخطئة علي رضي الله عنه أيضاً واستحلوا بهذا دمه.

ولما قرب الأمر في محاربة علي بن أبي طالب عبد الله بن وهب استوحش كثير منهم من محاربته ففارق قوم منهم عبد الله بن الوهب منهم جويرية بن فادغ فارقه في ثلاثمائة ومنهم مسعر بن فدكي انصرف إلى البصرة في مائتين ويقال بل صار إلى راية أبي أيوب الأنصاري وهو إذا ذاك مع علي بن أبي طالب ومنهم فروة بن نوفل الأشجعي فارقه في خمسمائة ومنهم عبد الله الطائي رجع إلى الكوفة في ثلاثمائة ويقال بل لحق براية أبي أيوب الأنصاري ومنهم سالم بن ربيعة فارقه في ثمانية عشر ويقال بل لحق براية أبي أيوب الأنصاري ومنهم أبو مريم السعدي فارقه في مائتين ويقال بل لحق براية أبي أيوب الأنصاري ومنهم أشرس بن عوف نزل الدسكرة في مائتين وذكر المدائني أن قوماً من الخوارج قد كانوا خرجوا مع علي رضوان الله عليه لقتال أهل الشام فلما قصد علي أهل النهر اعتزلوا فصاروا إلى النخيلة فأقاموا بها وكان مقتل عبد الله بن وهب الراسبي وأصحابه لسبع خلون من صفر سنة ثمان وثلاثين.

وخرج على علي في حياته من الخوارج بعد عبد الله بن وهب الراسبي أشرس بن عوف فسرح إليه علي جيشاً فقتل بالأنبار هو وأصحابه في شهر ربيع الأول من سنة ثمان وثلاثين.

ثم خرج ابن علفة التيمي فوجه إليه علي معقل بن قيس الرياحي فقتله وأصحابه بماسبذان في جمادى الأولى من هذه السنة.

ثم خرج الأشهب بن بشر فوجه إليه علي جارية بن قدامة فقتل الأشهب وأصحابه بجرجرايا في وخرج رجل من الخوارج يقال له سعد على علي رضي الله عنه فكتب علي إلى سعد بن مسعود الثقفي وهو على المدائن فخرج إليه سعد فقتله وأصحابه في رجب من هذه السنة.

ثم خرج أبو مريم السعدي فوجه إليه علي شريح بن هانىء وقد صاروا من الكوفة على فرسخين ثم أنفذ إليهم جارية بن قدامة السعدي فقتل أبا مريم وأصحابه إلا خمسين رجلاً سألوا الأمان وذلك في شهر رمضان من هذه السنة ثم قتل علي رضوان الله عليه ولو ذكرنا من خرج من الخوارج بعده لطال الكتاب.

آخر مقالات الخوارج.

أول مقالات المرجئة

ذكر اختلاف المرجئة اختلفت المرجئة في الإيمان ما هو وهم اثنتا عشرة فرقة

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإيمان بالله هو المعرفة بالله وبرسله وبجميع ما جاء من عند الله فقط وأن ما سوى المعرفة من الإقرار باللسان والخضوع بالقلب والمحبة لله ولرسوله والتعظيم لهما والخوف منهما والعمل بالجوارح فليس بإيمان وزعموا أن الكفر بالله هو الجهل به وهذا قول يحكى عن جهم بن صفوان وزعمت الجهمية أن الإنسان إذا أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه أنه لا يكفر بجحده وأن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل أهله فيه وأن الإيمان والكفر لا يكونان إلا في القلب دون غيره من الجوارح.

والفرقة الثانية من المرجئة يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط فلا إيمان بالله إلا المعرفة به ولا كفر بالله إلا الجهل به وأن قول القائل أن الله ثالث ثلاثة ليس بكفر ولكنه لا يظهر إلا من كافر وذلك أن الله سبحانه أكفر من قال ذلك وأجمع المسلمون أنه لا يقوله إلا كافر وزعموا أن معرفة الله هي المحبة له وهي الخضوع لله وأصحاب هذا القول لا يزعمون أن الإيمان بالله إيمان بالرسول وأنه لا يؤمن بالله إذا جاء الرسول إلا من آمن بالرسول ليس لأن ذلك يستحيل ولكن لأن الرسول قال: ومن لا يؤمن بي فليس بمؤمن بالله وزعموا أيضاً أن الصلاة ليست بعبادة لله وأنه لا عبادة إلا الإيمان به وهو معرفته والإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص وهو خصلة واحدة وكذلك الكفر والقائل بهذا القول أبو الحسين الصالحي.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله والخضوع له وهو ترك الاستكبار عليه والمحبة له فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن وزعموا أن إبليس كان عارفاً بالله غير أنه كفر باستكباره على الله وهذا قول قوم من أصحاب يونس السمري وزعموا أن الإنسان وإن كان لا يكون مؤمناً إلا بجميع الخلال التي ذكرناها وقد يكون كافراً بترك خلة منها ولم يكن يونس يقول بهذا.

والفرقة الرابعة منهم وهم أصحاب أبي شمر ويونس يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله والخضوع له والمحبة له بالقلب والإقرار به أنه واحد ليس كمثله شيء ما لم تقم عليه حجة الأنبياء وإن كانت قامت عليه حجة الأنبياء فالإيمان الإقرار بهم والتصديق لهم والمعرفة بما جاء من عند الله غير داخل في الإيمان ولا يسمون كل خصلة من هذه الخصال إيماناً ولا بعض إيمان حتى تجتمع هذه الخصال فإذا اجتمعت سموها إيماناً لاجتماعها وشبهوا ذلك بالبياض إذا كان في دابة لم يسموها بلقاء ولا بعض أبلق حتى يجتمع السواد والبياض فإذا اجتمعا في الدابة سمي ذلك بلقاً إذا كان بفرس فإن كان في جمل أو كلب سمي بقعاً وجعلوا ترك الخصال كلها وترك كل خصلة منها كفراً ولم يجعلوا الإيمان متبعضاً ولا محتملاً للزيادة والنقصان.

وحكي عن أبي شمر أنه قال: لا أقول في الفاسق الملي فاسق مطلق دون أن أقيد فأقول فاسق في كذا.

وحكى محمد بن شبيب وعباد بن سليمان عن أبي شمر أنه كان يقول أن الإيمان هو المعرفة بالله والإقرار به وبما جاء من عنده ومعرفة العدل يعني قوله في القدر ما كان من ذلك منصوصاً عليه أو مستخرجاً بالعقول مما فيه إثبات عدل الله ونفي التشبيه والتوحيد وكل ذلك إيمان والعلم به إيمان والشاك فيه كافر والشاك في الشاك كافر أبداً والمعرفة لا يقولون أنها إيمان ما لم تضم الإقرار وإذا وقعا كانا جميعاً إيماناً.

والفرقة الخامسة من المرجئة أصحاب أبي ثوبان يزعمون أن الإيمان هو الإقرار بالله وبرسله وما كان لا يجوز في العقل إلا أن يفعله وما كان جائزاً في العقل أن لا يفعله فليس ذلك من الإيمان.

والفرقة السادسة من المرجئة يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله وبرسله وفرائضه المجتمع عليها والخضوع له بجميع ذلك والإقرار باللسان فمن جهل شيئاً من ذلك فقامت به عليه حجة أو عرفه ولم يقر به كفر ولم تسم كل خصلة من ذلك إيماناً كما حكينا عن أبي شمر وزعموا أن الخصال التي هي إيمان إذا وقعت فكل خصلة منها طاعة فإن فعلت خصلة منها ولم تفعل الأخرى لم تكن طاعة كالمعرفة بالله إذا انفردت من الإقرار لم تكن طاعة لأن الله عز وجل أمرنا بالإيمان جملة أمراً واحداً ومن لم يفعل ما أمر به لم يطع وزعموا أن ترك كل خصلة من ذلك معصية وأن الإنسان لا يكفر بترك خصلة واحدة وأن الناس يتفاضلون في إيمانهم ويكون بعضهم أعلم بالله وأكثر تصديقاً له من بعض وأن الإيمان يزيد ولا ينقص وأن من كان مؤمناً لا يزول عنه اسم الإيمان إلا بالكفر وهذا قول الحسين بن محمد النجار وأصحابه.

والفرقة السابعة من المرجئة الغيلانية أصحاب غيلان يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله الثانية والمحبة والخضوع والإقرار بما جاء به الرسول وبما جاء من عند الله سبحانه وذلك أن المعرفة الأولى عنده اضطرار فلذلك لم يجعلها من الإيمان.

وذكر محمد بن شبيب عن الغيلانية أنهم يوافقون الشمرية في الخصلة من الإيمان أنه لا يقال لها إيمان إذا انفردت ولا يقال لها بعض إيمان إذا انفردت وأن الإيمان لا يحتمل الزيادة والنقصان وأنهم خالفوهم في العلم فزعموا أن العلم بأن الأشياء محدثة مدبرة ضرورة والعلم بأن محدثها ومدبرها ليس باثنين ولا أكثر من ذلك اكتساب وجعلوا العلم بالنبي () وبما جاء من عند الله اكتساباً وزعموا أنه من الإيمان إذا كان الذي جاء من عند الله منصوصاً بإجماع المسلمين ولم يجعلوا شيئاً من الدين مستخرجاً إيماناً.

وكل هؤلاء الذين حكينا قولهم من الشمرية والجهمية والغيلانية والنجارية ينكرون أن يكون في الكفار إيمان وأن يقال أن فيهم بعض إيمان إذ كان الإيمان لا يتبعض عندهم.

وذكر زرقان عن غيلان أن الإيمان هو الإقرار باللسان وهو التصديق وأن المعرفة بالله فعل الله وليست من الإيمان في قليل ولا كثير واعتل بأن الإيمان في اللغة هو التصديق.

والفرقة الثامنة من المرجئة أصحاب محمد بن شبيب يزعمون أن الإيمان الإقرار بالله والمعرفة بأنه واحد ليس كمثله شيء والإقرار والمعرفة بأنبياء الله وبرسله وبجميع ما جاءت به من عند الله مما نص عليه المسلمون ونقلوه عن رسول الله () من الصلاة والصيام وأشباه ذلك مما لا اختلاف فيه بينهم ولا تنازع وأما ما كان من الدين نحو اختلاف الناس في الأشياء فإن الراد للحق لا يكفر وذلك أنه إيمان واستخراج ليس يرد على رسول الله () ما جاء به من عند الله سبحانه ولا على المسلمين ما نقلوه عن نبيهم () ونصوا عليه والخضوع لله هو ترك الاستكبار وزعموا أن إبليس قد عرف الله سبحانه وأقر به وإنما كان كافراً لأنه استكبر ولولا استكباره ما كان كافراً وأن الإيمان يتبعض ويتفاضل أهله وأن الخصلة من الإيمان قد تكون طاعة وبعض إيمان ويكون صاحبها كافراً بترك بعض الإيمان ولا يكون مؤمناً إلا بإصابة الكل وكل رجل يعلم أن الله واحد ليس كمثله شيء ويجحد الأنبياء فهو كافر بجحده الأنبياء وفيه خصلة من الإيمان وهو معرفته بالله وذلك أن الله أمره أن يعرفه ويقر بما كان عرف وإن عرف ولم يقر أو عرف الله سبحانه وجحد أنبياءه فإذا فعل ذلك فقد جاء ببعض ما أمر به وإذا كان الذي أمر به كله إيماناً فالواحد منه بعض إيمان.

وكان محمد بن شبيب وسائر من قدمنا وصفه من المرجئة يزعمون أن مرتكبي الكبائر من أهل الصلاة العارفين بالله وبرسله المقرين به وبرسله مؤمنون بما معهم من الإيمان فاسقون بما معهم من

والفرقة التاسعة من المرجئة أبو حنيفة وأصحابه يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله والإقرار بالله والمعرفة بالرسول والإقرار بما جاء من عند الله في الجملة دون التفسير وذكر أبو عثمان الأدمي أنه اجتمع أبو حنيفة وعمر بن أبي عثمان الشمزي بمكة فسأله عمر فقال له: أخبرني عمن زعم أن الله سبحانه حرم أكل الخنزير غير أنه لا يدري لعل الخنزير الذي حرمه الله ليس هي هذه العين فقال: مؤمن فقال له عمر: فإنه قد زعم أن الله قد فرض الحج إلى الكعبة غير أنه لا يدري لعلها كعبة غير هذه بمكان كذا فقال: هذا مؤمن قال: فإن قال أعلم أن الله سبحانه بعث محمداً وأنه رسول الله غير أنه لا يدري لعله هو الزنجي قال: هذا مؤمن ولم يجعل أبو حنيفة شيئاً من الدين مستخرجاً إيماناً وزعم أن الإيمان لا يتبعض ولا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل الناس فيه.

فأما غسان وأكثر أصحاب أبي حنيفة فإنهم يحكون عن أسلافهم أن الإيمان هو الإقرار والمحبة لله والتعظيم له والهيبة منه وترك الاستخفاف بحقه وأنه لا يزيد ولا ينقص.

والفرقة العاشرة من المرجئة أصحاب أبي معاذ التومني يزعمون أن الإيمان ما عصم من الكفر وهو اسم لخصال إذا تركها التارك أو ترك خصلة منها كان كافراً فتلك الخصال التي يكفر بتركها وبترك خصلة منها إيمان ولا يقال للخصلة منها إيمان ولا بعض إيمان وكل طاعة إذا تركها التارك لم يجمع المسلمون على كفره فتلك الطاعة شريعة من شرائع الإيمان تاركها إن كانت فريضة يرصف بالفسق فيقال له أنه فسق ولا يسمى بالفسق ولا يقال فاسق وليس تخرج الكبائر من الإيمان إذا لم يكن كفر وتارك الفرائض مثل الصلاة والصيام والحج على الجحود بها والرد لها والاستخفاف بها كافر بالله وإنما كفر للاستخفاف والرد والجحود وإن تركها غير مستحل لتركها متشاغلاً مسوفاً يقول: الساعة أصلي وإذا فرغت من لهوي ومن عملي فليس بكافر إذا كان عزمه أن يصلي يوماً أو وقتاً من الأوقات ولكن نفسقه وكان أبو معاذ يزعم أن من قتل نبياً أو لطمه كفر وليس من أجل اللطمة والقتل كفر ولكن من أجل الاستخفاف والعداوة والبغض له وكان يزعم أن الموصوف بالفسق من أصحاب الكبائر ليس بعدو لله ولا ولي له.

وكل المرجئة يقولون أنه ليس في أحد من الكفار إيمان بالله عز وجل.

والفرقة الحادية عشرة من المرجئة أصحاب بشر المريسي يقولون أن الإيمان هو التصديق لأن الإيمان في اللغة هو التصديق وما ليس بتصديق فليس بإيمان ويزعم أن التصديق يكون بالقلب وباللسان جميعاً وإلى هذا القول كان يذهب ابن الراوندي وكان ابن الراوندي يزعم أن الكفر هو الجحد والإنكار والستر والتغطية وليس يجوز أن يكون الكفر إلا ما كان في اللغة كفراً ولا يجوز أن يكون إيماناً إلا ما كان في اللغة إيماناً وكان يزعم أن السجود للشمس ليس بكفر ولكنه علم والفرقة الثانية عشرة من المرجئة الكرامية أصحاب محمد بن كرام يزعمون أن الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب وأنكروا أن يكون معرفة القلب أو شيء غير التصديق باللسان إيماناً وزعموا أن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله () كانوا مؤمنين على الحقيقة وزعموا أن الكفر بالله هو الجحود والإنكار له باللسان.

ومن المرجئة من يقول الفاسق من أهل القبلة لا يسمى بعد تقضي فعله فاسقاً ومنهم من يسميه بعد تقضي فعله فاسقاً.

ومنهم من يقول: لا أقول لمرتكب الكبائر فاسق على الإطلاق دون أن يقال فاسق في كذا ومنهم من أطلق اسم الفاسق.

واختلفت المرجئة في الكفر ما هو وهم سبع فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الكفر خصلة واحدة وبالقلب يكون وهو الجهل بالله وهؤلاء هم الجهمية.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الكفر خصال كثيرة ويكون بالقلب وبغير القلب والجهل بالله كفر وبالقلب يكون وكذلك البغض لله والاستكبار عليه كفر وكذلك التكذيب بالله وبرسله بالقلب واللسان وكذلك الجحود لهم والإنكار لهم ونفيهم وكذلك الاستخفاف بالله وبرسله كفر وكذلك ترك التوحيد إلى اعتقاد التثنية والتثليث أو ما هو أكثر من ذلك كفر وزعم قائل هذا القول أن الكفر يكون بالقلب واللسان دون غيرهما من الجوارح وكذلك الإيمان وزعم قائل هذا القول أن قاتل النبي ولاطمه لم يكفر من أجل القتل واللطمة ولكن من أجل الاستخفاف وكذلك تارك الصلاة مستخفاً لتركها إنما يكفر بالاستحلال لتركها لا بتركها وزعم صاحب هذا القول أن من استحل ما حرم الله سبحانه مما نص الرسول () على تحريمه وأجمع المسلمون على تحريمه فهو كافر بالله وأن استحلال ذلك كفر وكذلك من قال قولاً أو اعتقد عقداً قد أجمع المسلمون على إكفار فاعله وكل فعل أجمعوا على إكفار فاعله كفر بأي جارحة كان ذلك الفعل.

والفرقة الرابعة منهم يزعمون أن الكفر بالله هو التكذيب والجحد له والإنكار له باللسان وأن الكفر لا يكون إلا باللسان دون غيره من الجوارح وهذا قول محمد بن كرام وأصحابه.

والفرقة الخامسة منهم يزعمون أن الكفر هو الجحود والإنكار والستر والتغطية وأن الكفر يكون بالقلب واللسان.

والفرقة السادسة منهم أصحاب أبي شمر وقد تقدمت حكاية قولهم في إكفار من رد قولهم في التوحيد والقدر.

والفرقة السابعة أصحاب محمد بن شبيب وقد ذكرنا قولهم في الإكفار عند ذكرنا قولهم في الإيمان.

وأكثر المرجئة لا يكفرون أحداً من المتأولين ولا يكفرون إلا من أجمعت الأمة على إكفاره.

واختلفت المرجئة في المعاصي هل هي كبائر أم لا على مقالتين

فقال قائلون منهم بشر المريسي وغيره: كل ما عصي الله سبحانه به كبيرة

وقال قائلون منهم: المعاصي على ضربين منها كبائر ومنها صغائر.

وأجمعت المرجئة بأسرها أن الدار دار إيمان وحكم أهلها الإيمان إلا من ظهر منه خلاف الإيمان.

واختلفت المرجئة في الاعتقاد للتوحيد بغير نظر هل يكون علماً وإيماناً أم لا وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الاعتقاد للتوحيد بغير نظر لا يكون إيماناً

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الاعتقاد للتوحيد بغير نظر إيمان.

واختلفت المرجئة في الأخبار إذا وردت من قبل الله سبحانه وظاهرها ظاهر العموم على سبع فرق

فقالت الفرقة الأولى منهم: إذا جاء الخبر من الله سبحانه أنه يعذب القاتلين والآكلين أموال اليتامى ظلماً وأشباههم من أهل الكبائر وقفنا في عذابهم لقول الله عز وجل: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " وقالت هذه الفرقة: جائز أن يخبر الحكيم الصادق بالخبر ثم يستثني منه فيكون له أن يفعل وله أن لا يفعل للاستثناء ويكون صادقاً وإن هو لم يفعل ولا يكون ذلك مستنكراً في اللغة ولا كذباً وهؤلاء هم الذين يزعمون أن الاستثناء ظاهره.

وزعمت الفرقة الثانية أن الوعد ليس فيه استثناء وأن الوعيد فيه استثناء مضمر وذلك جائز في اللغة عند أهلها لأن الرجل قد يوعد عبده أن يضربه ثم يعفو عنه ولا يرون ذلك كذباً للضمير الذي قال في الوعيد.

وزعمت الفرقة الثالثة من أهل الوقف أن الأخبار إذا جاءت ومخرجها عام فسمعها السامع وكان الخبر وعداً أو وعيداً ولم يسمع القرآن كله والأخبار المجتمع عليها كلها فعليه أن يعلم أن الخبر في جميع أهل تلك الصفة الذين جاء فيهم الوعيد عام لا شك فيه وقد يجوز أن يكون على خلاف ذلك العلم الذي لا شك فيه عندهم على الحكم وهو نحو علم الرجل أنه ليس مع الرجل من المسلمين الموثوق بدينه حديدة يريد أن يعترض بها الناس ليقتلهم ونحو علم الأنساب التي على فراش أبيه علماً لا شك فيه ولا يخطر الشك فيه على البال إذا لم يكن ثم سبب يدعوهم إلى الشك من أسباب التهم فعليهم أن يثبتوا ذلك على ظاهره وإن كان خلاف ذلك جائزاً فيما غاب عنهم فعليهم أن لا يشكوا وإن جوزوا في المغيب خلاف ما لم يشكوا فيه في الظاهر.

فزعموا في الوعد إذا انفرد والوعيد إذا انفرد فعليهم أن يثبتوا بكل واحد منهما منفرداً ويعلموا أنه عام علماً لا شك فيه كما وصفنا ويجوز أن يكون على خلاف ذلك فإذا جاء مع الوعيد الوعد عندهم في قوم فعليهم أن يعلموا أن أحدهما مستثنىً من الآخر إما أن يكون الوعد مستثنىً من الوعيد وإما أن يكون الوعيد مستثنىً من الوعد وعلى السامع لذلك أن يقف فلا يدري لعل الخبر في أهل التوحيد كلهم أو في بعضهم غير أنه لا يعلم أنه لا يجتمع الوعد والوعيد في رجل واحد لأن ذلك يتناقض.

وقالت الفرقة الرابعة وهم أصحاب محمد بن شبيب: وجدنا اللغة أجازت: جاء بنو تميم وجاءت الأزد وإنما يعني بعض بني تميم وبعض الأزد وصرمت أرضى وإنما صرم بعضها وضرب الأمير أهل السجن وإنما ضرب بعضهم قالوا فلما وجدنا اللغة أجازت ذلك وسمعنا الأخبار في القرآن مما مخرجه عام أجزنا أن يكون معناها في الخاص من أهل كل طبقة ذكرهم الله سبحانه بوعيد وأجزنا أن يكون ذلك عاماً وذلك مثل قوله: " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم " وكقوله: " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً " وكقوله: " والذين يرمون المحصنات " وأشباه ذلك من آي الوعيد التي جاءت مجيئاً عاماً فأجزنا ذلك لما ذكرنا من إجازة اللغة فيما بينها أن يكون الخبر مخرجه مخرجاً عاماً وهو خاص وأن تكون الآي التي جاءت في الوعيد خاصة في بعض أهل الطباق التي جاءت فيهم من القاتلين والقاذفين وأكلة أموال الأيتام وأشباه ذلك وأجزنا أن تكون عامة في جميعهم وإن كانت في بعضهم كانت في أعظمهم جرماً وليس يجوز عندهم أن يعذب الله سبحانه على جرم ويعفو عما هو أعظم جرماً منه.

وزعمت الفرقة الخامسة من المرجئة أنه ليس في أهل الصلاة وعيد إنما الوعيد في المشركين قالوا: وقول الله عز وجل: " ومن يقتل مؤمناً متعمداً " وما أشبه ذلك من آي الوعيد في المستحلين دون المحرمين قالوا: فأما الوعد من الله فهو واجب للمؤمنين والله جل وعز لا يخلف وعده والعفو أولى بالله والوعد لهم قول الله: " والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون " وقوله: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " وما أشبه ذلك من آي القرآن وزعم هؤلاء أنه كما لا ينفع مع الشرك عمل كذلك لا يضر مع الإيمان عمل ولا يدخل النار أحد من أهل القبلة.

وحكي عن بعض العلماء باللغة أنه قال: من أخبر الله أنه يثيبه أثابه ومن أخبر أنه يعاقبه من أهل القبلة لم يعاقبه ولم يعذبه وذلك يدل على كرمه وزعم أن العرب كانت تمتدح الوعد والعفو عما

وزعمت الفرقة السابعة أن القرآن على الخصوص إلا ما أجمعوا على عمومه وكذلك الأمر والنهي.

واختلفت المرجئة في الأمر والنهي هل هما على العموم على مقالتين: فقال قائلون بما حكيناه آنفاً من أن ذلك على الخصوص حتى تأتي دلالة على العموم وقالت الفرقة الثانية: الأمر والنهي هما على العموم إلا ما خصه دلالة.

واختلفت المرجئة في تخليد الله الكفار على مقالتين

فقالت الفرقة الأولى منهم وهم أصحاب جهم بن صفوان: الجنة والنار تفنيان وتبيدان ويفنى أهلهما حتى يكون الله موجوداً لا شيء معه كما كان موجوداً لا شيء معه وأنه لا يجوز أن يخلد الله أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وهذا رد ما اتفق المسلمون عليه ونقلوه نصاً وقال المسلمون كلهم إلا جهماً أن الله يخلد أهل الجنة في الجنة ويخلد الكفار في النار.

واختلفت المرجئة في فجار أهل القبلة هل يجوز أن يخلدهم الله في النار إن أدخلهم النار على خمسة أقاويل

فزعمت الفرقة الأولى أصحاب بشر المريسي أنه محال أن يخلد الله الفجار من أهل القبلة في النار لقول الله عز وجل: " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " وأنهم يصيرون الى الجنة ان ادخلهم الله النار لا محالة وهو قول ابن الراوندى

وزعمت الفرقة الثانية منهم أصحاب أبي شمر ومحمد بن شبيب أنه جائز أن يدخلهم الله النار وجائز أن يخلدهم فيها إن أدخلهم وجائز أن لا يخلدهم.

وقالت الفرقة الثالثة أن الله عز وجل يدخل النار قوماً من المسلمين إلا أنهم يخرجون بشفاعة رسول الله () ويصيرون إلى الجنة لا محالة.

وقالت الفرقة الرابعة وهم أصحاب غيلان: جائز أن يعذبهم الله وجائز أن يعفو عنهم وجائز أن لا يخلدهم فإن عذب أحداً عذب من ارتكب مثل ما ارتكبه وكذلك إن خلده وإن عفا عن أحد عفا عن كل من كان مثله.

وقالت الفرقة الخامسة منهم: جائز أن يعذبهم الله وجائز أن لا يعذبهم وجائز أن يخلدهم ولا يخلدهم وأن يعذب واحداً ويعفو عمن كان مثله كل ذلك لله عز وجل أن يفعله.

واختلفت المرجئة في الصغائر والكبائر على مقالتين

فقالت الفرقة الأولى: كل معصية فهي كبيرة

وقالت الفرقة الثانية: المعاصي منها كبائر ومنها صغائر.

واختلفت المرجئة في غفران الله الكبائر بالتوبة وهل هو تفضل أم لا على مقالتين

فقالت الفرقة الأولى منهم: غفران الله سبحانه الكبائر بالتوبة تفضل وليس باستحقاق

وقالت الفرقة الثانية منهم غفر ان الله الكبائر بالتوبة استحقاق

واختلفت المرجئة في معاصي الأنبياء هل هي كبائر أم لا على مقالتين

فقالت الفرقة الأولى منهم: معاصيهم كبائر وجوزوا على الأنبياء فعل الكبائر من القتل والزنا وغير ذلك

وقالت الفرقة الثانية: معاصيهم صغائر ليست بكبائر.

واختلفت المرجئة في الموازنة على مقالتين

فقال قائلون منهم: الإيمان يحبط عقاب الفسق لأنه أوزن منه وأن الله لا يعذب موحداً وهذا قول مقاتل بن سليمان.

وقال قائلون منهم بتجويز عذاب الموحدين وأن الله يوازن حسناتهم بسيئاتهم فإن رجحت حسناتهم أدخلهم الجنة وإن رجحت سيئاتهم كان له أن يعذبهم وله أن يتفضل عليهم وإن لم ترجح حسناتهم على سيئاتهم ولا رجحت سيئاتهم على حسناتهم تفضل عليهم بالجنة وهذا قول أبي معاذ.

واختلفت المرجئة في إكفار المتأولين على ثلاثة أقاويل

فقالت الفرقة الأولى منهم: لا نكفر أحداً من المتأولين إلا من أجمعت الأمة على إكفاره.

وقالت الفرقة الثانية منهم أصحاب أبي شمر أنهم يكفرون من رد قولهم في القدر والتوحيد ويكفرون الشاك في الشاك.

وقالت الفرقة الثالثة منهم: الكفر هو الجهل بالله فقط ولا يكفر بالله إلا الجاهل به وهذا قول جهم بن صفوان.

واختلفت المرجئة في عفو الله عن عبد الله ما بينه وبين العباد من المظالم على مقالتين

فقالت الفرقة الأولى منهم: ما كان من مظالم العباد فإنما العفو من الله عنهم في القيامة إذا جمع الله بينه وبين خصمه أن يعوض المظلوم بعوض فيهب لظالمه الجرم فيغفر له.

وقالت الفرقة الثانية منهم أن العفو عن جميع المذنبين في الدنيا جائز في العقول ما كان بينهم وبين الله وما كان بينهم وبين العباد.

واختلفت المرجئة في التوحيد

فقال قائلون منهم في التوحيد بقول المعتزلة وسنشرح قول المعتزلة إذا انتهينا إلى شرح أقاويلهم.

وقال قائلون منهم بالتشبيه فهم ثلاث فرق

فقالت الفرقة الأولى منهم وهم أصحاب مقاتل بن سليمان أن الله جسم وأن له جمة وأنه على صورة الإنسان لحم ودم وشعر وعظم له جوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس وعينين مصمت وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه.

وقالت الفرقة الثانية منهم أصحاب الجواربي مثل ذلك غير أنه قال: أجوف من فيه إلى صدره

وقالت الفرقة الثالثة منهم: هو جسم لا كالأجسام.

واختلفت المرجئة في الرؤية على مقالتين

فمنهم من مال في ذلك إلى قول المعتزلة ونفى أن يرى البارئ بالأبصار.

وقالت الفرقة الثانية منهم أن الله يرى بالأبصار في الآخرة.

واختلفت المرجئة في القرآن هل هو مخلوق أم لا على ثلاث مقالات

فقال قائلون منهم أنه مخلوق

وقال قائلون منهم أنه غير مخلوق

وقال قائلون منهم بالوقف وإنا نقول: كلام الله سبحانه لا نقول أنه مخلوق ولا غير مخلوق.

واختلفت المرجئة هل للبارئ ماهية أم لا على مقالتين

فقال قائلون: لله ماهية لا ندركها في الدنيا وأنه يخلق لنا في الآخرة حاسة سادسة فندرك بها ماهيته

وقال قائلون منهم بإنكار ذلك ونفيه.

واختلفت المرجئة في القدر

فمنهم من مال إلى قول المعتزلة في القدر وسنشرح أقاويلهم في ذلك

وقال قائلون بالإثبات للقدر وسنشرح ذلك إذا انتهينا إلى شرح قول الحسين بن محمد النجار في القدر.

واختلفت المرجئة في أسماء الله وصفاته

فمنهم من مال إلى قول المعتزلة في ذلك ومنهم من قال بقول عبد الله بن كلاب وسنشرح قول عبد الله بن كلاب إذا انتهينا إليه وسنشرح أقاويل المرجئة في لطيف الكلام إذا انتهينا إلى وصف الاختلاف في لطيف الكلام وغامضه إن شاء الله.

تم اختلاف المرجئة.

مقالات المعتزلة

وهذا شرح قول المعتزلة في التوحيد وغيره أجمعت المعتزلة على أن الله واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة ولا لحم ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض ولا بذي لون ولا طعم ولا رائحة ولا مجسة ولا بذي حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا اجتماع ولا افتراق ولا يتحرك ولا يسكن ولا يتبعض وليس بذي أبعاض وأجزاء وجوارح وأعضاء وليس بذي جهات ولا بذي يمين وشمال وأمام وخلف وفوق وتحت ولا يحيط به مكان ولا يجري عليه زمان ولا تجوز عليه المماسة ولا العزلة ولا الحلول في الأماكن ولا يوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدثهم ولا يوصف بأنه متناه ولا يوصف بمساحة ولا ذهاب في الجهات وليس بمحدود ولا والد ولا مولود ولا تحيط به الأقدار ولا تحجبه الأستار ولا تدركه الحواس ولا يقاس بالناس ولا يشبه الخلق بوجه من الوجوه ولا تجري عليه الآفات ولا تحل به العاهات وكل ما خطر بالبال وتصور بالوهم فغير مشبه له لم يزل أولاً سابقاً متقدماً للمحدثات موجوداً قبل المخلوقات ولم يزل عالماً قادراً حياً ولا يزال كذلك لا تراه العيون ولا تدركه الأبصار ولا تحيط به الأوهام ولا يسمع بالأسماع شيء لا كالأشياء عالم قادر حي لا كالعلماء القادرين الأحياء وأنه القديم وحده ولا قديم غيره ولا إله سواه ولا شريك له في ملكه ولا وزير له في سلطانه ولا معين على إنشاء ما أنشأ وخلق ما خلق لم يخلق الخلق على مثال سبق وليس خلق شيء بأهون عليه من خلق شيء آخر ولا بأصعب عليه منه لا يجوز عليه اجترار المنافع ولا تلحقه المضار ولا يناله السرور واللذات ولا يصل إليه الأذى والآلام ليس بذي غاية فيتناهى ولا يجوز عليه الفناء ولا يلحقه العجز والنقص تقدس عن ملامسة النساء وعن اتخاذ الصاحبة والأبناء.

فهذه جملة قولهم في التوحيد وقد شاركهم في هذه الجملة الخوارج وطوائف من المرجئة وطوائف من الشيع وإن كانوا للجملة التي يظهرونها ناقضين ولها تاركين.

القول في المكان

اختلفت المعتزلة في ذلك فقال قائلون: البارئ بكل مكان بمعنى أنه مدبر لكل مكان وأن تدبيره في كل مكان والقائلون بهذا القول جمهور المعتزلة أبو الهذيل والجعفران والإسكافي ومحمد بن عبد الوهاب الجبائي.

وقال قائلون: البارئ لا في مكان بل هو على ما لم يزل عليه وهو قول هشام الفوطي وعباد بن سليمان وأبي زفر وغيرهم من المعتزلة وقالت المعتزلة في قول الله عز وجل: " الرحمن على العرش استوى ": يعني استولى.

القول في رؤية الله عز وجل

أجمعت المعتزلة على أن الله سبحانه لا يرى بالأبصار واختلفت هل يرى بالقلوب فقال أبو الهذيل وأكثر المعتزلة: نرى الله بقلوبنا بمعنى أنا نعلمه بقلوبنا وأنكر هشام الفوطي وعباد بن سليمان ذلك.

القول في أن الله عز وجل عالم قادر

اختلفت الناس في ذلك فأنكر كثير من الروافض وغيرهم أن يكون البارئ لم يزل عالماً قادراً وأجمعت المعتزلة على أن الله لم يزل عالماً قادراً حياً.

واختلفت المعتزلة في البارئ عز وجل هل يقال أنه لم يزل عالماً بالأجسام وهل المعلومات معلومات قبل كونها وهل الاشياء اشياء لم تزل ان تكون على سبع مقالات

فقال هشام بن عمرو الفوطي: لم يزل الله عالماً قادراً وكان إذا قيل له: لم يزل الله عالماً بالأشياء قال: لا أقول لم يزل عالماً بالأشياء وأقول لم يزل عالماً أنه واحد لا ثاني له فإذا قلت: لم يزل عالماً بالأشياء ثبتها لم تزل مع الله عز وجل وإذا قيل له: أفتقول أن الله لم يزل عالماً بأن ستكون الأشياء قال: إذا قلت بأن ستكون فهذه إشارة إليها ولا يجوز أن أشير إلا إلى موجود وكان لا يسمى ما لم يخلقه الله ولم يكن شيئاً ويسمى ما خلقه الله وأعدمه شيئاً وهو معدوم.

وكان أبو الحسين الصالحي يقول أن الله لم يزل عالماً بالأشياء في أوقاتها ولم يزل عالماً أنها ستكون في أوقاتها ولم يزل عالماً بالأجسام في أوقاتها وبالمخلوقات في أوقاتها ويقول لا معلوم إلا موجود ولا يسمي المعدومات معلومات ولا يسمي ما لم يكن مقدوراً ولا يسمي الأشياء أشياء إلا إذا وجدت ولا يسميها أشياء إذا عدمت.

وقال عباد بن سليمان: لم يزل الله عالماً بالمعلومات ولم يزل عالماً بالأشياء ولم يزل عالماً بالجواهر والأعراض ولم يزل عالماً بالأفعال ولم يزل عالماً بالخلق ولم يقل أنه لم يزل عالماً بالأجسام ولم يقل أنه لم يزل عالماً بالمفعولات ولم يقل أنه لم يزل عالماً بالمخلوقات وقال في أجناس الأعراض كالألوان والحركات والطعوم أنه لم يزل عالماً بألوان وحركات وطعوم وأجرى هذا القول في سائر أجناس الأعراض وكان يقول: المعلومات معلومات لله قبل كونها وأن المقدورات مقدورات قبل كونها وأن الأشياء أشياء قبل أن تكون وكذلك الجواهر جواهر قبل أن تكون وكذلك الأعراض أعراض قبل أن تكون والأفعال أفعال قبل أن تكون ويحيل أن تكون الأجسام أجساماً قبل كونها والمخلوقات مخلوقات قبل أن تكون والمفعولات مفعولات قبل أن تكون وفعل الشيء عنده غيره وكذلك خلقه غيره وكان إذا قيل له: أتقول أن هذا الشيء موجود هو الذي لم يكن موجوداً قال: لا أقول ذلك وإذا قيل له: أتقول أنه غيره قال: لا أقول ذلك.

وقال قائلون منهم ابن الراوندي أن الله سبحانه لم يزل عالماً بالأشياء على معنى أنه لم يزل عالماً أن ستكون أشياء وكذلك القول عنده في الأجسام والجواهر المخلوقات أن الله لم يزل عالماً بأن ستكون الأجسام والجواهر المخلوقات وكان يقول أن المعلومات معلومات لله قبل كونها وأن إثباتها معلومات لله قبل كونها رجوع إلى أن الله يعلمها قبل كونها وإثبات المعلوم معلوماً لزيد قبل كونه رجوع إلى علم زيد به قبل كونه وأن المقدورات مقدورات لله قبل كونها على سبيل ما حكينا عنه أنه قاله في المعلومات وكذلك كل ما تعلق بغيره كالمأمور به إنما هو مأمور به لوجود الأمر والمنهي عنه لوجود النهي كان منهياً عنه وكذلك المراد لوجود إرادته كان مراداً فهو مراد قبل كونه ويرجع في ذلك إلى إثبات الإرادة قبل كونه وكذلك القول في المأمور والمنهي وسائر ما يتعلق بغيره وكان يزعم أن الأشياء إنما هي أشياء إذا وجدت ومعنى أنها أشياء أنها موجودات وكذلك كل اسم لأشياء لا تتعلق بغيرها وهو رجوع إليها وخبر عنها فلا يجوز أن تسمى به قبل وجودها ولا في حال عدمها.

وقال قائلون من البغداذيين: نقول أن المعلومات معلومات قبل كونها وكذلك المقدورات مقدورات قبل كونها وكذلك الأشياء أشياء قبل كونها ومنعوا أن يقال أعراض.

وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي: أقول أن الله سبحانه لم يزل عالماً بالأشياء والجواهر والأعراض وكان يقول أن الأشياء تعلم أشياء قبل كونها وتسمى أشياء قبل كونها وأن الجواهر تسمى جواهر قبل كونها وكذلك الحركات والسكون والألوان والطعوم والأراييح والإرادات وكان يقول أن الطاعة تسمى طاعة قبل كونها وكذلك المعصية تسمى معصية قبل كونها وكان يقسم الأسماء على وجوه فما سمي به الشيء لنفسه فواجب أن يسمى به قبل كونه كالقول سواد إنما سمي سواداً لنفسه وكذلك البياض وكذلك الجوهر إنما سمي جوهراً لنفسه وما سمي به الشيء لأنه يمكن أن يذكر ويخبر عنه فهو مسمىً بذلك قبل كونه كالقول شيء فإن أهل اللغة سموا بالقول شيء كل ما أمكنهم أن يذكروه ويخبروا عنه وما سمي به الشيء للتفرقة بينه وبين أجناس أخر كالقول لون وما أشبه ذلك فهو مسمىً بذلك قبل كونه وما سمي به الشيء لعلة فوجدت العلة قبل وجوده فواجب أن يسمى بذلك قبل وجوده كالقول مأمور به إنما قيل مأمور به لوجود الأمر به فواجب أن يسمى مأموراً به في حال وجود الأمر وإن كان غير موجود في حال وجود الأمر وكذلك ما سمي به الشيء لوجود علة يجوز وجودها قبله وما سمي به الشيء لحدوثه ولأنه فعل فلا يجوز أن يسمى بذلك قبل أن يحدث كالقول مفعول ومحدث وما سمي به الشيء لوجود علة فيه فلا يجوز أن يسمى به قبل وجود العلة فيه كالقول جسم وكالقول متحرك وما أشبه ذلك وكان ينكر قول من قال الأشياء أشياء قبل كونها ويقول: هذه عبارة فاسدة لأن كونها هو وجودها ليس غيرها فإذا قال القائل: الأشياء أشياء قبل كونها فكأنه قال: أشياء قبل أنفسها.

وقال قائلون: لم يزل الله يعلم عوالم وأجساماً لم يخلقها وكذلك لم يزل يعلم أشياء وجواهر وأعراضاً لم تكن ولا تكون ولا نقول: لم يزل يعلم مؤمنين وكافرين وفاعلين ولكن نقول أن كل شيء يقدر الله أن يبتدئه بصفة من الصفات فهو يعلمه بتلك الصفة إذا كانت تلك الصفة مقدورة له إذ كان لم يزل مقدوراً له قالوا: ويستحيل أن يقال للإنسان مؤمن في حال كونه أو كافر فلما استحال أن يوصف به في حال كونه فمستحيل أن يوصف به قبل كونه ولما كان الله سبحانه قد يبتدئه جسماً طويلاً قيل جسم طويل مقدور وهذا قول الشحام وقد ناهض هؤلاء لأن الجسم في حال كونه موجود مخلوق وهم لا يقولون أنه موجود مخلوق قبل كونه.

وقال قائلون: لم يزل الله يعلم أجساماً لم تكن ولا تكون ويعلم مؤمنين لم يكونوا وكافرين لم يخلقوا ومتحركين وساكنين مؤمنين وكافرين ومتحركين وساكنين في الصفات قبل أن يخلقوا وقاسوا قولهم حتى قالوا: معلومون معذبون بين أطباق النيران في الصفات وأن المؤمنين مثابون ممدوحون منعمون في الجنان في الصفات لا في الوجود إذ كان الله قادراً أن يخلق من يطيعه فيثيبه ومن يعصيه فيعاقبه مقدور معلوم وبلغني عن أنيب بن سهل الخراز أنه كان يقول: مخلوق في الصفات قبل الوجود ويقول: موجود في الصفات.

واختلفوا في معلومات الله عز وجل ومقدوراته هل لها كل أو لا كل لها على مقالتين

فقال أبو الهذيل أن لمعلومات الله كلاً وجميعاً ولما يقدر الله عليه كل وجميع وأن أهل الجنة تنقطع حركاتهم يسكنون سكوناً دائماً.

وقال أكثر أهل الإسلام: ليس لمعلومات الله ولا لما يقدر عليه كل ولا غاية.

واختلفوا أيضاً هل لأفعال الله سبحانه آخر أم لا آخر لها على مقالتين

فقال جهم بن صفوان: لمقدورات الله تعالى ومعلوماته غاية ونهاية ولأفعاله آخر وأن الجنة والنار تفنيان ويفنى أهلهما حتى يكون الله سبحانه آخراً لا شيء معه كما كان أولاً لا شيء معه.

وقال أهل الإسلام جميعاً: ليس للجنة والنار آخر وأنهما لا تزالان باقيتين وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون وأهل النار لا يزالون في النار يعذبون وليس لذلك آخر ولا لمعلوماته ومقدوراته غاية ولا نهاية.

واختلف الذين قالوا: لم يزل الله عالماً قادراً حياً من المعتزلة فيه أهو عالم قادر حي بنفسه أم بعلم وقدرة وحياة وما معنى القول عالم قادر حي

فقال أكثر المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وبعض الزيدية أن الله عالم قادر حي بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة وأطلقوا أن لله علماً بمعنى أنه عالم وله قدرة بمعنى أنه قادر ولم يطلقوا ذلك على الحياة ولم يقولوا: له حياة ولا قالوا سمع ولا بصر وإنما قالوا قوة وعلم لأن الله سبحانه أطلق ذلك.

ومنهم من قال: له علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور ولم يطلقوا غير ذلك.

وقال أبو الهذيل: هو عالم بعلم هو هو وهو قادر بقدرة هي هو وهو حي بحياة هي هو وكذلك قال في سمعه وبصره وقدمه وعزته وعظمته وجلاله وكبريائه وفي سائر صفاته لذاته وكان يقول: إذا قلت أن الله عالم ثبت له علماً هو الله ونفيت عن الله جهلاً ودللت على معلوم كان أو يكون وإذا قلت قادر نفيت عن الله عجزاً وأثبت له قدرة هي الله سبحانه ودللت على مقدور وإذا قلت لله حياة أثبت له حياة وهي الله ونفيت عن الله موتاً وكان يقول: لله وجه هو هو فوجهه هو هو ونفسه هي هو ويتأول ما ذكره الله سبحانه من اليد أنها نعمة ويتأول وقال عباد: هو عالم قادر حي ولا أثبت له علماً ولا قدرة ولا حياة ولا أثبت سمعاً ولا أثبت بصراً وأقول: هو عالم لا بعلم وقادر لا بقدرة حي لا بحياة وسميع لا بسمع وكذلك سائر ما يسمى به من الأسماء التي يسمى بها لا لفعله ولا لفعل غيره.

وكان ينكر قول من قال أنه عالم قادر حي لنفسه أو لذاته وينكر ذكر النفس وذكر الذات وينكر أن يقال أن لله علماً أو قدرة أو سمعاً أو بصراً أو حياة أو قدماً وكان يقول: قولي عالم إثبات اسم لله ومعه علم بعلوم وقولي قادر إثبات اسم لله ومعه علم بمقدور وقولي حي إثبات اسم لله وكان ينكر أن يقال للبارئ وجهاً ويدين وعينين وجنباً وكان يقول: أقرأ القرآن وما قال الله من ذلك فيه ولا أطلق ذلك بغير قراءة وينكر أن يكون معنى القول في البارئ أنه عالم معنى القول فيه أنه قادر وأن يكون معنى القول فيه أنه قادر معنى القول فيه أنه حي وكذلك صفات الله التي يوصف بها لا لفعله كالقول: سميع ليس معناه أنه بصير ولا معناه عالم.

وقال ضرار: معنى أن الله عالم أنه ليس بجاهل ومعنى أنه قادر أنه ليس بعاجز ومعنى أنه حي أنه ليس بميت.

وقال النظام: معنى قولي عالم إثبات ذاته ونفي الجهل عنه ومعنى قولي قادر إثبات ذاته ونفي العجز عنه ومعنى قولي حي إثبات ذاته ونفي الموت عنه وكذلك قوله في سائر صفات الذات على هذا الترتيب وكان يقول أن الصفات للذات إنما اختلفت لاختلاف ما ينفى عنه من العجز والموت وسائر المتضادات من العمى والصمم وغير ذلك لا لاختلاف ذلك في نفسه - وقال غيره من المعتزلة: إنما اختلفت الأسماء والصفات لاختلاف المعلوم والمقدور لا لاختلاف فيه - وكان يقول: ذكر الله سبحانه الوجه على التوسع لا لأنه له وجهاً في الحقيقة وإنما معنى " ويبقى وجه ربك " ويبقى ربك ومعنى اليد النعمة.

وقال آخرون من المعتزلة: إنما اختلفت الأسماء والصفات لاختلاف الفوائد التي تقع عندها وذلك أنا إذا قلنا أن الله عالم أفدناك علماً به وبأنه خلاف ما لا يجوز أن يعلم وأفدناك إكذاب من زعم أنه جاهل ودللناك على أن له معلومات هذا معنى قولنا أن الله عالم فإذا قلنا أن الله قادر أفدناك علماً بأنه لا خلاف ما لا يجوز أن يقدر وإكذاب من زعم أنه عاجز ودللناك على أن له مقدورات وإذا قلنا أنه حي أفدناك علماً بأنه بخلاف ما لا يجوز أن يكون حياً وأكذبنا من زعم أنه ميت وهذا معنى القول أنه حي وهذا قول الجبائي قاله لي.

وقال أبو الحسين الصالحي: معنى قولي أن الله عالم لا كالعلماء قادر لا كالقادرين حي لا كالأحياء أنه شيء لا كالأشياء وكذلك كان قوله في سائر صفات النفس وكان إذا قيل له: أفتقول أن معنى أنه عالم لا كالعلماء معنى أنه قادر لا كالقادرين قال: نعم ومعنى ذلك أنه شيء لا كالأشياء وكذلك قوله في سائر صفات النفس وكان يقول أن معنى شيء لا كالأشياء معنى عالم لا كالعلماء.

وحكي عن معمر أنه كان يقول أن البارئ عالم بعلم وأن علمه كان علماً له لمعنى والمعنى كان لمعنى لا إلى غاية وكذلك كان قوله في سائر الصفات أخبرني بذلك أبو عمر الفراتي عن محمد بن عيسى السيرافي أن معمراً كان يقوله.

وقال قائلون من البغداذيين: ليس معنى أن البارئ عالم معنى قادر ولا معنى حي ولكن معنى أن البارئ حي معنى أنه قادر ومعنى أنه سميع معنى أنه عالم بالمسموعات ومعنى أنه بصير معنى أنه عالم بالمبصرات وليس معنى قديم عند هؤلاء معنى حي ولا معنى عالم قادر وكذلك ليس معنى القول في البارئ أنه قديم معنى أنه عالم ولا معنى أنه حي قادر.

وهذا شرح قول عبد الله بن كلاب في الأسماء والصفات قال عبد الله بن كلاب: لم يزل الله عالماً قادراً حياً سميعاً بصيراً عزيزاً عظيماً جليلاً متكبراً جباراً كريماً جواداً واحداً صمداً فرداً باقياً أولاً رباً إلهاً مريداً كارهاً راضياً عمن يعلم أنه يموت مؤمناً وإن كان أكثر عمره كافراً ساخطاً على من يعلم أنه يموت كافراً وإن كان أكثر عمره مؤمناً محباً مبغضاً موالياً معادياً قائلاً متكلماً رحماناً بعلم وقدرة وحياة وسمع وبصر وعزة وعظمة وجلال وكبرياء وجود وكرم وبقاء وإرادة وكراهة ورضىً وسخط وحب وبغض ومولاة ومعاداة وقول وكلام ورحمة وأنه قديم لم يزل بأسمائه وصفاته وكان يقول أن أسماء الله وصفاته لذاته لا هي الله ولا هي غيره وأنها قائمة بالله ولا يجوز أن تقوم بالصفات صفات وكان يقول أن وجه الله لا هو الله ولا هو غيره وهو صفة له وكذلك يداه وعينه وبصره صفات له لا هي هو ولا غيره وأن ذاته هي هو ونفسه هي هو وأنه موجود لا بوجود وشيء لا بمعنى له كان شيئاً وكان يزعم أن صفات البارئ لا تتغاير وأن العلم لا هو القدرة ولا غيرها وكذلك كل صفة من صفات الذات لا هي الصفة الأخرى ولا غيرها.

واختلفت أصحاب عبد الله بن كلاب في القول بأن الله قديم بقدم أم لا بقدم على مقالتين: فمنهم من زعم أن الله قديم لا بقدم ومنهم من زعم أنه قديم بقدم.

واختلفوا هل يطلق في الصفات أنها لا هي الموصوف ولا غيره أم لا يطلق ذلك

فقال قائلون: ليست الصفات هي الموصوف ولا غيره.

وقال قائلون: لا يقال للصفات هي الموصوف ولا يقال هي غيره وامتنعوا من أن يقولوا أن واختلف من يثبت الصفات ولم يقل هي البارئ ولم يقل هي غيره هل الصفات تتغاير وهل كل صفة منها هي غير الصفة الأخرى أم ليست غيرها على ثلاث مقالات: فقال بعضهم: الصفات تتغاير وهي أغيار وليس هي مع ذلك غير البارئ وقال قائلون: كل صفة لا هي البارئ ولا هي غيره وقال قائلون: كل صفة لا يقال هي الأخرى ولا يقال هي غيرها ولم يقولوا: لا هي الأخرى ولا غيرها.

واختلف المثبتون لعلم البارئ سبحانه ووجهه أهو هو أم ليس هو على مقالتين

فقال سليمان بن جرير: وجه الله هو الله وعلمه ليس هو وقال بعضهم: وجه الله صفة لا يقال هي هو ولا يقال غيره وامتنعوا أن يقولوا لا هي هو ولا غيره.

واختلفوا في صفات البارئ سبحانه هل يقال أنها أشياء أو لا يقال أنها أشياء على ثلاث مقالات

فقال سليمان بن جرير: علم البارئ شيء وقدرته شيء وحياته شيء ولا أقول: صفاته أشياء وقال بعض أصحاب الصفات: صفات البارئ أشياء وقال بعضهم: لا أقول العلم شيء ولا أقول الصفات أشياء لأني إذا قلت البارئ شيء بصفاته استغنيت عن أن أقول صفاته أشياء.

فقال قائلون: إن صفات البارئ قديمة وقال قائلون: إذا قلنا أن البارئ قديم بصفاته استغنينا عن أن نقول أن الصفات قديمة وقالوا: لا يقال أن الصفات قديمة ولا يقال أنها محدثة.

واختلفوا في اسم البارئ جل وعز هل هو البارئ أم غيره على أربع مقالات

فقال قائلون: أسماؤه هي هو وإلى هذا القول يذهب أكثر أصحاب الحديث وقال قائلون من أصحاب ابن كلاب أن أسماء البارئ لا هي البارئ ولا غيره وقال قائلون من أصحابه: أسماء البارئ لا يقال هي البارئ ولا يقال هي غيره وامتنعوا من أن يقولوا: لا هي البارئ ولا غيره وقال قائلون: أسماء البارئ هي غيره وكذلك صفاته وهذا قول المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وكثير من الزيدية.

واختلف الذين لم يقولوا الأسماء والصفات هي البارئ في الأسماء والصفات ما هي على مقالتين

فقالت المعتزلة والخوارج: الأسماء والصفات هي الأقوال وهي قولنا: الله عالم الله قادر وما أشبه ذلك.

وقال عبد الله بن كلاب: أسماء الله هي صفاته وهي العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر وسائر صفاته.

فحكى جعفر بن حرب عن أبي الهذيل أنه قال: لا أقول أن الله لم يزل سميعاً بصيراً لا على أن يسمع ويبصر لأن ذلك يقتضي وجود المسموع والمبصر وأظن الحاكي هذا عن أبي الهذيل كان غالطاً.

وقال عباد بن سليمان: لا أقول أن البارئ لم يزل سميعاً بصيراً لأن ذلك يقتضي وجود المسموع والمبصر لأن قولي أن الله سميع إثبات اسم لله ومعه علم بمسموع والقول بصير إثبات اسم لله ومعه علم بمبصر وكان يقول: السميع لم يزل وسميع لم يزل قال ولا أقول: لم يزل السميع ولا أقول لم يزل سميعاً.

وقال النظام وأكثر المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وكثير من الزيدية وعبد الله بن كلاب وأصحابه أن الله لم يزل سميعاً بصيراً ومن ثبت من المعتزلة علم البارئ هو البارئ وإن معنى قولي عالم إثبات علم هو الله وأنفي عن الله جهلاً فكذلك يقول في سمعه وبصره وإن معنى قولي سميع أني أثبت سمعاً هو الله وأنفي عن الله الصمم وإن معنى قولي بصير أني أثبت بصراً هو الله وأنفي عن الله العمى.

ومن قال أن البارئ عالم بنفسه فكذلك يقولسميع بصير لا بسمع وبصر.

ومن قال أن القول عالم إثبات اسم الله ومعه علم بمعلوم فكذلك يقول قولي سميع إثبات اسم الله ومن قال: معنى عالم إثبات ذات البارئ ونفي الجهل عنها فكذلك يقول: معنى سميع بصير إثبات ذات البارئ ونفي الصمم والعمى عنها.

ومن قال: معنى عالم أنه ليس بجاهل فكذلك يقول: معنى سميع بصير أنه ليس أصم ولا أعمى.

ومن قال: اختلف القول عالم قادر لاختلاف ما نفينا عن الله من الجهل والعجز فكذلك يقول: اختلف القول سميع بصير لاختلاف ما نفينا عن الله من الصمم والعمى.

ومن قال: اختلف القول عالم قادر لاختلاف المعلوم والمقدور لا لاختلاف القول به فكذلك يقول: اختلف القول سميع بصير لاختلاف المسموع والمبصر أو لاختلاف الفوائد التي تقع عند قولنا سميع بصير.

واختلف الذين قالوا أن الله لم يزل سميعاً بصيراً هل يقال لم يزل سامعاً مبصراً أم لا يقال ذلك على مقالتين

فقال الإسكافي والبغداذيون من المعتزلة أن الله لم يزل سميعاً بصيراً سامعاً مبصراً يسمع الأصوات والكلام ومعنى ذلك أنه يعلم الأصوات والكلام وأن ذلك لا يخفى عليه لأن معنى سميع وبصير عنده وعند من وافقه أنه لا تخفى عليه المسموعات والمبصرات.

وقال الجبائي: لم يزل الله سميعاً بصيراً وامتنع من أن يكون م يزل سامعاً مبصراً ومن أن يكون لم يزل يسمع لأن سامعاً مبصراً يعدى إلى مسموع ومبصر فلما لم يجز أن تكون المسموعات والمبصرات لم تزل موجودات لم يجز أن يكون لم يزل سامعاً مبصراً وسميع بصير لا يعدى زعم إلى مسموع ومبصر لأنه يقال للنائم سميع بصير وإن لم يكن بحضرته ما يسمعه ويبصره ولا يقال للنائم أنه سامع مبصر.

وكان يقول: معنى قولي أن الله سميع إثبات لله وأنه بخلاف ما لا يجوز أن يسمع ودلالة على أن المسموعات إذا كانت سمعها وإكذاب لمن زعم أنه أصم وكان يقول: القول في الله أنه بصير على وجهين: يقال بصير بمعنى عليم كما يقال رجل بصير بصناعته أي عالم بها وبصير بمعنى أنا نثبت ذاته ونوجب أنه بخلاف ما لا يجوز أن يبصر وندل على أن المبصرات إذا كانت أبصرها ونكذب من زعم أنه أعمى.

واختلف الناس في معنى القول في الله سبحانه أنه حي هل هو معنى أنه قادر أم لا على مقالتين

فقالت المعتزلة من البصريين وأكثر الناس: ليس معنى القول أن الله حي معنى القول أنه قادر.

وقالت طوائف من معتزلة البغداذيين منهم الإسكافي وغيره: معنى القول فيه أنه حي أنه قادر.

واختلف الذين قالوا لم يزل الله غنياً عزيزاً عظيماً جليلاً كبيراً سيداً مالكاً قاهراً عالياً

في القول أن الله غني عزيز عظيم جليل كبير سيد مالك رب قاهر عال هل قيل ذلك لعزة وعظمة وجلال وكبرياء وسودد وملك وربوبية وقهر وعلو أم لم يقل ذلك على خمس مقالات

فقالت المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وكثير من الزيدية أن الله غني عزيز عظيم جليل كبير سيد جبار مبصر رب مالك قاهر عال لا لعزة وعظمة وجلال وكبرياء وسودد وربوبية وقهر وكذلك قالوا في القول أنه واحد فرد موجود باق رفيع أنه لم يوصف بذلك لإلهية وبقاء ووحدانية ووجود وكذلك سائر الصفات التي ليست صفاته ولم يوصف بها لمعان.

وأما أبو الهذيل من المعتزلة فإنه أثبت العزة والعظمة والجلال والكبرياء وكذلك في سائر الصفات التي يوصف بها لنفسه وقال: هي البارئ كما قال في العلم والقدرة فإذا قيل له: العلم هو القدرة قال: خطأ أن يقال هو القدرة وخطأ أن يقال هو غير القدرة وهذا نحو ما أنكر من قول عبد الله بن كلاب.

وأما النظام فإنه رجع من إثباته أن البارئ عزيز إلى إثبات ذاته ونفي الذلة عنه وكذلك قوله في سائر ما يوصف به البارئ لذاته على هذا الترتيب.

وأما عباد فكان إذا سئل عن القول عزيز قال: إثبات اسم لله ولم يقل أكثر من هذا وكذلك جوابه في عظيم مالك سيد.

وقال ابن كلاب ما حكيناه عنه قبل هذا الموضع واختلف عنه في الإلهية فمن أصحابه من يثبت الإلهية معنىً ومنهم من لا يثبتها معنىً.

واختلفوا في القول أن الله كريم هل هو من صفاته لنفسه أم لا على أربع مقالات: فقال عيسى الصوفي في الوصف لله بأنه كريم أنه من صفات الفعل والكرم هو الجود وكان إذا قيل له: أفتقول أنه لم يزل غير كريم امتنع من ذلك وكذلك كان يقول في الإحسان أنه من صفات الفعل ويمتنع من القول أنه لم يزل غير محسن وكذلك جوابه في العدل والحلم.

وقال الإسكافي: الوصف لله بأنه كريم يحتمل وجهين: أحدهما صفة فعل إذا كان الكرم بمعنى الجود والآخر صفة نفس إذا أريد به الرفيع العالي على الأشياء لنفسه.

وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي: الوصف لله بأنه كريم على وجهين: فالوصف له بأنه كريم بمعنى عزيز من صفات الله لنفسه والوصف له بأنه كريم بمعنى أنه جواد معط من صفات الفعل.

وقال ابن كلاب: الوصف لله بأنه كريم ليس من صفات الفعل واختلفوا في صفات الفعل عندهم من الإحسان والعدل وما أشبه ذلك هل يقال لم يزل الله غير محسن إذ كان للإحسان فاعلاً غير عادل إذ كان للعدل فاعلاً على مقالتين: فمنهم من كان إذا قيل له: إذا قلت أن الإحسان فعل وقلت أن العدل فعل فقل أن الله لم يزل غير محسن ولا عادل! قال: نقول أنه لم يزل غير محسن ولا مسيء وغير عادل ولا جائر حتى يزول الإيهام ولم يزل غير صادق ولا كاذب وهذا قول الجبائي.

وكان عباد إذا قيل له: أتقول أن الله لم يزل محسناً عادلاً قال: لا أقول ذلك فإن قيل له: فلم يزل غير محسن ولا عادل قال: لا أقول ذلك وكذلك إذا قيل له: لم يزل خالقاً أنكر ذلك وإذا قيل له: لم يزل غير خالق أنكر ذلك.

وجميع المعتزلة لا ينكر أن يكون الله لم يزل غير خالق ولا رازق ولا فاعل وكذلك كل ما ليس في نعته إيهام من صفات الفعل لا يمتنعون منه كالقول محي مميت باعث وارث وما أشبه ذلك.

واختلف المتكلمون في معنى القول في الله أنه قديم

فقال بعضهم: معنى القول أن الله قديم أنه لم يزل كائناً لا إلى أول وأنه المتقدم لجميع المحدثات لا إلى غاية.

وقال عباد بن سليمان: معنى قولنا في الله أنه قديم أنه لم يزل ومعنى لم يزل هو أنه قديم وأنكر عباد القول بأن الله كائن متقدم للمحدثات وقال: لا يجوز أن يقال ذلك.

وقال بعض البغداذيين: معنى قديم أنه إله.

وقال أبو الهذيل: معنى أن الله قديم إثبات قدم لله هو الله.

وحكي عم معمر أنه قال: لا أقول أن البارئ قديم إلا إذا حدث المحدث.

وحكي عن بعض المتقدمين أنه قال: لا أقول أن البارئ قديم على وجه من الوجوه.

واختلف المتكلمون هل يسمى البارئ شيئاً أم لا على مقالتين

فقال جهم وبعض الزيدية أن لبارئ لا يقال أنه شيء لأن الشيء هو المخلوق الذي له مثل وقال المسلمون كلهم أن البارئ شيء لا كالأشياء.

واختلفت المعتزلة في القول أن الله غير الأشياء على أربع مقالات

فقال قائلون أن البارئ غير الأشياء وزعموا أن معنى القول في الله أنه شيء أنه غير الأشياء بنفسه ولا يقال أنه غيرها لغيرية والقائل بهذا القول عباد بن سليمان.

وقال قائلون: البارئ غير الأشياء والأشياء غيره فهو غير الأشياء لنفسه وأنفسها والقائل بهذا القول الجبائي.

وقال قائلون أن البارئ غير الأشياء لغيرية لا لنفسه وزعم صاحب هذا القول أن الغيرية صفة للبارئ لا هي البارئ ولا هي غيره والقائل بهذا القول هو الحلقاني وكان يزعم أن الجواهر تتغاير بغيرية يجوز ارتفاعها فلا تتغاير وأن الأعراض لا تتغاير وكان يقول في صفات الإنسان أنها وقال قائلون: قولنا البارئ غير الأشياء إنما معناه أنه ليس هو الأشياء.

واختلفوا في معنى القول أن الله جواد وهل الوصف له بذلك من صفات النفس أو من صفات الفعل على ثلاث مقالات

فقال قائلون وهم المعتزلة وطوائف من غيرهم أن الوصف لله بالجود من صفات الفعل وأن الله فاعل لجوده وقد كان غير فاعل له.

وقال الحسين بن محمد النجار: الله تعالى لم يزل جواداً بنفي البخل عنه ولم يثبت لله جوداً كان به جواداً.

وقال عبد الله بن كلاب: لم يزل الله جواداً وأثبت الجود صفة لله لا هي هو ولا هي غيره.

واختلف المتكلمون أن يكون علم الله على شرط على مقالتين

فقال كثير من المتكلمين من معتزلة البصريين والبغداذيين إلا هشاماً وعباداً أن الله يعلم أنه يعذب الكافر إن لم يتب من كفره وأنه لا يعذبه إن تاب من كفره ومات تائباً غير متجانف لاثم.

وقال هشام الفوطي عباد: لا يجوز ذلك لما فيه من الشرط والله عز وجل لا يجوز أن يوصف بأنه يعلم على شرط ويخبر على شرط وجوز مخالفوهم أن يوصف الله بأنه بخير على شرط والشرط في المخبر عنه ويعلم على شرط والشرط في المعلوم.

واختلفوا في القول أن الله عالم حي قادر سميع بصير وهل يقال ذلك في الله على الحقيقة أم لا وهل يقال ذلك في الإنسان في الحقيقة أم لا على ست مقالات

فقال أكثر المعتزلة أن الله عالم قادر سميع بصير في الحقيقة ولم يمتنعوا أن يقولوا أنه موصوف بهذه الصفات في حقيقة القياس.

وقال عباد: لا أقول أن الله عالم في حقيقة القياس لأني لو قلت أنه عالم في حقيقة القياس لكان لا عالم إلا هو وكذلك قوله في قادر حي سميع بصير وكان يقول: القديم لم يزل في حقيقة القياس لأن القياس ينعكس لأن القديم لم يزل ومن لم يزل فقديم فلو كان البارئ عالماً في حقيقة القياس لكان لا عالم إلا هو.

وحكي عن بعض الفلاسفة أنه لا يشرك بين البارئ وغيره في هذه الأسماء ولا يسمى البارئ عالماً ولا يسميه قادراً ولا حياً ولا سميعاً ولا بصيراً ويقول أنه لم يزل.

وقال بعض أهل زماننا وهو رجل يعرف بابن الإيادي أن البارئ عالم قادر حي سميع بصير في المجاز والإنسان عالم قادر حي سميع بصير في الحقيقة وكذلك في سائر الصفات.

وقال الناشئ: البارئ عالم قادر حي سميع بصير قديم عزيز عظيم جليل كبير فاعل في الحقيقة والإنسان عالم قادر حي سميع بصير فاعل في المجاز وكان يقول أن البارئ شيء موجود في الحقيقة والإنسان شيء موجود في المجاز وكان يزعم أن البارئ غير الأشياء والأشياء غيره في الحقيقة ويزعم أن النبي () صادق في الحقيقة فاعل في المجاز وكان يقول أن الاسم إذا وقع على المسميين فلا يخلو أن يكون وقع عليهما لاشتباههما كقولنا جوهر وجوهر وماء وماء أو لاشتباه ما احتملته ذاتهما من المعنى كقولنا متحرك ومتحرك وأسود وأسود أو لمضاف أضيفا إليه وميزا منه لولاه ما كانا كذلك نحو محسوس ومحسوس ومحدث ومحدث أو لأنه في أحدهما بالمجاز وفي الآخر بالحقيقة كقولنا للصندل المجتلب من معدنه صندل وكتسميتنا للإنسان بهذا الاسم فإذا قلنا أن البارئ عالم قادر سميع بصير فلا يجوز أن تكون وقعت هذه الأسماء عليه لمشابهته لغيره ولا يجوز أن تكون وقعت عليه لمعان قامت بذاته ولا يجوز أن تكون وقعت عليه لمضاف أضيف البارئ إليه لأنه لم يزل عالماً قادراً حياً سميعاً بصيراً قبل كون الأشياء فلم يبق إلا أن الأسماء وقعت عليه وهي فيه بالحقيقة وفي الإنسان بالمجاز وكان لا يستدل بالأفعال الحكمية على أن البارئ عالم قادر حي سميع بصير لأن الإنسان قد تظهر منه الأفعال الحكمية وليس بعالم قادر حي سميع بصير في الحقيقة.

وقال أكثر أهل الكلام أن البارئ عالم قادر حي سميع بصير في الحقيقة والإنسان أيضاً يسمى بهذه الأسماء في الحقيقة.

اختلفت المعتزلة في ذلك فمنهم من أثبت البارئ متكلماً ومنهم من امتنع أن يثبت البارئ متكلماً وقال: لو ثبته متكلماً لثبته متفعلاً والقائل بهذا الإسكافي وعباد بن سليمان.

وأنكرت المعتزلة بأسرها أن يكون الله سبحانه لم يزل مريداً للمعاصي وأنكروا جميعاً أن يكون الله لم يزل مريداً لطاعته وأنكرت المعتزلة بأسرها أن يكون الله لم يزل متكلماً راضياً ساخطاً محباً مبغضاً منعماً رحيماً موالياً معادياً جواداً حليماً عادلاً محسناً صادقاً خالقاً رازقاً بارئاً مصوراً محيياً مميتاً آمراً ناهياً مادحاً ذاماً وزعموا بأجمعهم أن ذلك أجمع من صفات الله التي يوصف بها لفعله وزعموا أن ما يوصف به البارئ لنفسه كالقول قادر حي وما أشبه ذلك لم يجز أن يوصف بضده ولا بالقدرة على ضده لأنه لما وصف بأنه عالم لم يجز أن يوصف بأنه جاهل ولا بالقدرة على أن يجهل وما وصف البارئ بضده أو بالقدرة على ضده فهو من صفات الأفعال وذلك أنه لما وصف بالإرادة وصف بضدها من الكراهة وزعموا أنه لما وصف بالبغض وصف بضده من الحب ولما وصف بالعدل وصف بالقدرة على ضده من الجور.

واختلفت المعتزلة في صفات الأفعال كالقول خالق رازق محسن جواد وما أشبه ذلك هل يقال أن البارئ لم يزل غير خالق ولا رازق ولا جواد أم لا على ثلاث فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنه لا يقال أن البارئ لم يزل خالقاً ولا يقال لم يزل غير خالق ولا يقال لم يزل رازقاً ولا يقال لم يزل غير رازق وكذلك قولهم في سائر صفات الأفعال والقائل بهذا عباد بن سليمان.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن البارئ لم يزل غير خالق ولا رازق فإذا قيل لهم: فلم يزل غير عادل قالوا: لم يزل غير عادل ولا جائر ولم يزل غير محسن ولا مسيء ولم يزل غير صادق ولا كاذب قالوا: لأنا إذا قلنا لم يزل غير صادق وسكتنا أوهمنا أنه كاذب وكذلك إذا قلنا لم يزل غير حليم وسكتنا أوهم أنه سفيه ولكن نقيد فيما يقع عنده الإيهام فنقول: لم يزل لا حليماً ولا سفيهاً فأما ما لا يقع عنده الإيهام كالقول خالق رازق فإنا نقول لم يزل غير خالق ولا رازق والقائل بهذا الجبائي.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن البارئ عز وجل لم يزل غير خالق ولا رازق ولا يقولون: لم يزل غير عادل ولا محسن ولا جواد ولا صادق ولا حليم لا على تقييد ولا على إطلاق لما في ذلك زعموا من الإيهام وهذا قول معتزلة البغداذيين وطوائف من معتزلة البصريين.

واختلفت المعتزلة هل يقال لله علم وقدرة أم لا وهم أربع فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنا نقول للبارئ علماً ونرجع إلى أنه عالم ونقول له قدرة ونرجع إلى أنه قادر لأن الله سبحانه أطلق العلم فقال: " أنزله بعلمه " وأطلق القدرة فقال: " أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة " ولم يطلقوا هذا في شيء من صفات الذات ولم يقولوا حياة بمعنى حي ولا سمع بمعنى سميع وإنما أطلقوا ذلك في العلم والقدرة من صفات الذات فقط والقائل بهذا النظام وأكثر معتزلة البصريين وأكثر معتزلة البغداذيين.

والفرقة الثانية منهم يقولون: لله علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور وذلك أن الله قال: " ولا يحيطون بشيء من علمه " أراد: من معلومه والمسلمون إذا رأوا المطر قالوا: هذه قدرة الله أي مقدوره ولم يقولوا ذلك في شيء من صفات الذات إلا في العلم والقدرة.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن لله علماً هو هو وقدرة هي هو وحياة هي هو وسمعاً هو هو وكذلك قالوا في سائر صفات الذات والقائل بهذا القول أبو الهذيل وأصحابه.

والفرقة الرابعة منهم يزعمون أنه لا يقال لله علم ولا يقال قدرة ولا يقال سمع ولا بصر ولا يقال لا علم له ولا لا قدرة له وكذلك قالوا في سائر صفات الذات والقائل بهذه المقالة العبادية أصحاب عباد بن سليمان.

واختلفوا هل يقال لله وجه أم لا وهم ثلاث فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن لله وجهاً هو هو والقائل بهذا القول أبو الهذيل.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أنا نقول وجه توسعاً ونرجع إلى إثبات الله لأنا نثبت وجهاً هو هو وذلك أن العرب تقيم الوجه مقام الشيء فيقول القائل: لولا وجهك لم أفعل أي لولا أنت لم أفعل وهذا قول النظام وأكثر المعتزلة البصريين وقول معتزلة البغداذيين.

والفرقة الثالثة منهم ينكرون ذكر الوجه أن يقولوا لله وجه فإذا قيل لهم: أليس قد قال الله سبحانه: " كل شيء هالك إلا وجهه " قالوا: نحن نقرأ القرآن فأما أن نقول من غير أن نقرأ القرآن أن لله وجهاً فلا نقول ذلك والقائلون بهذه المقالة العبادية أصحاب عباد.

القول في أن الله مريداختلفت المعتزلة في ذلك على خمسة أقاويل

فالفرقة الأولى منهم أصحاب أبي الهذيل يزعمون أن إرادة الله غير مراده وغير أمره وأن إرادته لمفعولاته ليست بمخلوقة على الحقيقة بل هي مع قوله لها كوني خلق لها وإرادته للإيمان ليست بخلق له وهي غير الأمر به وإرادة الله قائمة به لا في مكان وقال بعض أصحاب أبي الهذيل: بل إرادة الله موجودة لا في مكان ولم يقل هي قائمة بالله تعالى.

والفرقة الثانية منهم أصحاب بشر بن المعتمر يزعمون أن إرادة الله على ضربين إرادة وصف بها الله في ذاته وإرادة وصف بها وهي فعل من أفعاله وأن إرادته التي وصف بها في ذاته غير لاحقة بمعاصي العباد.

والفرقة الثالثة منهم أصحاب أبي موسى المردار فيما حكى أبو الهذيل عن أبي موسى أنه كان يزعم أن الله أراد معاصي العباد بمعنى أنه خلي بينهم وبينها وكان أبو موسى يقول: خلق الشيء غيره والخلق مخلوق لا يخلق.

والفرقة الرابعة منهم أصحاب النظام يزعمون أن الوصف لله بأنه مريد لتكوين الأشياء معناه أنه كونها وإرادته للتكوين هي التكوين والوصف له بأنه مريد لأفعال عباده معناه أنه آمر بها والأمر بها غيرها قال: وقد نقول أنه مريد الساعة أن يقيم القيامة ومعنى ذلك أنه حاكم بذلك مخبر به وإلى هذا القول يميل البغداذيون من المعتزلة.

والفرقة الخامسة منهم أصحاب جعفر بن حرب يزعمون أن الله أراد أن يكون الكفر مخالفاً للإيمان وأراد أن يكون قبيحاً غير حسن والمعنى أنه حكم أن ذلك كذلك.

القول في كلام الله عز وجل: اختلفت المعتزلة في كلام الله سبحانه هل هو جسم أم ليس بجسم وفي خلقه على ستة أقاويل

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن كلام الله جسم وأنه مخلوق وأنه لا شيء إلا جسم.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن كلام الخلق عرض وهو حركة لأنه لا عرض عندهم إلا الحركة وأن كلام الخالق جسم وأن ذلك الجسم صوت مقطع مؤلف مسموع وهو فعل الله وخلقه وإنما يفعل الإنسان القراءة والقراءة حركة وهي غير القرآن وهذا قول النظام وأصحابه وأحال النظام أن يكون كلام الله في أماكن كثيرة أو في مكانين في وقت واحد وزعم أنه في المكان الذي خلقه الله فيه

والفرقة الثالثة من المعتزلة يزعمون أن القرآن مخلوق لله وهو عرض وأبوا أن يكون جسماً وزعموا أنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد: إذا تلاه تال فهو يوجد مع تلاوته وكذلك إذا كتبه كاتب وجد مع كتابته وكذلك إذا حفظه حافظ وجد مع حفظه فهو يوجد في الأماكن بالتلاوة والحفظ والكتابة ولا يجوز عليه الانتقال والزوال وهذا قول أبي الهذيل وأصحابه وكذلك قوله في كلام الخلق أنه جائز وجوده في أماكن كثيرة في وقت واحد.

والفرقة الرابعة منهم يزعمون أن كلام الله عرض وأنه مخلوق وأحالوا أن يوجد في مكانين في وقت واحد وزعموا أن المكان الذي خلقه الله فيه محال انتقاله وزواله منه ووجوده في غيره وهذا قول جعفر بن حرب وأكثر البغداذيين.

والفرقة الخامسة منهم أصحاب معمر يزعمون أن القرآن عرض والأعراض عندهم قسمان: قسم منها يفعله الأحياء وقسم منها يفعله الأموات محال أن يكون ما يفعله الأموات فعلاً للأحياء والقرآن مفعول وهو عرض ومحال أن يكون الله فعله في الحقيقة لأنهم يحيلون أن تكون الأعراض فعلاً لله وزعموا أن القرآن فعل للمكان الذي يسمع منه إن سمع من شجرة فهو فعل لها وحيثما

والفرقة السادسة يزعمون أن كلام الله عرض مخلوق وأنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد وهذا قول الإسكافي.

واختلفت المعتزلة في كلام الله هل يبقى أم لا يبقى

فمنهم من قال: هو جسم باق والأجسام يجوز عليها البقاء وكلام المخلوقين لا يبقى وقالت طائفة أخرى: كلام الله تعالى عرض وهو باق وكلام غيره يبقى وقالت طائفة أخرى: كلام الله عرض غير باق وكلام غيره لا يبقى وقالت في كلامه تعالى أنه لا يبقى وأنه إنما يوجد في وقت ما خلقه الله ثم عدم بعد ذلك.

واختلفت المعتزلة هل مع قراءة القارئ لكلام غيره وكلام نفسه كلام غيرهما على مقالتين

فزعمت فرقة منهم أن مع قراءة القارئ لكلام غيره وكلام نفسه كلاماً غيرهما وزعمت فرقة أخرى منهم أن القراءة هي الكلام.

واختلف الذين زعموا أن مع القراءة كلاماً على مقالتين

فزعمت الفرقة الأولى منهم أن القراءة كلام لأن القارئ يلحن في قراءته وليس يجوز اللحن إلا في كلام وهو أيضاً متكلم وإن قرأ كلام غيره ومحال أن يكون متكلماً بكلام غيره فلا بد من أن تكون قراءته هي كلامه.

واختلفت المعتزلة في الكلام هل هو حروف أم لا على مقالتين

فزعمت فرقة منهم أن كلام الله سبحانه حروف وزعم آخرون منهم أن كلام الله سبحانه ليس بحروف.

واختلفت المعتزلة في الكلام هل هو موجود مع كتابته أم لا على مقالتين

فزعمت فرقة منهم أن الكلام يوجد مع كتابته في مكانها كما يجامع القراءة في موضعها وزعمت فرقة أخرى منهم أن الكتابة رسوم تدل عليه وليس بموجود معها.

واختلفت المعتزلة هل يقال أن البارئ محبل أم لا وهم فرقتان

فزعمت فرقة منهم أن البارئ بخلق الحبل محبل والقائل بهذا القول الجبائي ومن قال بقوله وزعمت فرقة أخرى منهم أن البارئ لا يجوز أن يكون محبلاً بخلق الحبل كما لا يكون والداً بخلق الولد.

واختلفت المعتزلة في معنى القول أن الله خالق وهم فرقتان

فزعمت فرقة منهم أن معنى القول في الله أنه خالق أنه فعل الأشياء مقدرة وأن الإنسان إذا فعل أفعالاً مقدرة فهو خالق وهذا قول الجبائي وأصحابه.

وزعمت الفرقة الثانية منهم أن معنى القول في الله سبحانه أنه خالق أنه فعل لا بآلة ولا بقوة مخترعة فمن فعل لا بآلة ولا بقوة مخترعة فهو خالق لفعله ومن فعل بقوة مخترعة فليس بخالق لفعله.

وأجمعت المعتزلة بأسرها على إنكار العين واليد وافترقوا في ذلك على مقالتين

فمنهم من أنكر أن يقال: لله يدان وأنكر أن يقال أنه ذو عين وأن له عينين ومنهم من زعم أن لله يداً وأن له يدين وذهب في معنى ذلك إلى أن اليد نعمة وذهب في معنى العين إلى أنه أراد العلم وأنه عالم وتأول قول الله عز وجل: " ولتصنع على عيني " أي بعلمي.

واختلفت المعتزلة في البارئ هل يقال أنه وكيل وأنه لطيف على مقالتين

فمنهم من زعم أن البارئ لا يقال أنه وكيل وأنكر قائل هذا القول أن يقول حسبنا الله ونعم الوكيل من غير أن يقرأ القرآن وأنكر أيضاً أن يقال لطيف دون أن يوصل ذلك فيقال لطيف بالعباد والقائل بهذا القول عباد بن سليمان.

ومنهم من أطلق وكيل وأطلق لطيف وإن لم يقيد.

واختلفت المعتزلة هل يقال أن البارئ قبل الأشياء أو يقال قبل ويسكت على ذلك على ثلاث مقالات

فزعمت الفرقة الأولى منهم وهم العبادية أصحاب عباد بن سليمان أن البارئ يقال أنه قبل ولا وزعمت الفرقة الثانية منهم وهم أصحاب أبي الحسين الصالحي أن البارئ لم يزل قبل الأشياء برفع اللام قالوا: ولا نقول لم يزل قبل الأشياء بنصب اللام.

وزعمت الفرقة الثالثة منهم وهم الأكثرون عدداً أن البارئ لم يزل قبل الأشياء وأن ذلك يطلق بنصب اللام من قبل.

واختلفت المعتزلة هل يجوز أن يسمى البارئ عالماً من استدل على أنه عالم بظهور أفعاله عليه وإن لم يأته السمع من قبل الله سبحانه بأن يسميه بهذا الاسم أم لا على مقالتين

فزعمت الفرقة الأولى منهم أنه جائز أن يسمي الله سبحانه عالماً قادراً حياً سميعاً بصيراً من استدل على معنى ذلك أنه يليق بالله وإن لم يأت به رسول.

وزعمت الفرقة الثانية منهم أنه لا يجوز أن يسمي الله سبحانه بهذه الأسماء من دله العقل على معناها إلا أن يأتيه بذلك رسول من قبل الله سبحانه يأمره بتسميته بهذه الأسماء.

واختلفت المعتزلة هل كان يجوز أن يقلب الله الأسماء فيسمي العالم جاهلاً والجاهل عالماً أم لم يكن ذلك جائزاً على مقالتين

فزعمت الفرقة الأولى منهم أن ذلك لم يكن جائزاً ولا يجوز على وجه من الوجوه وهذا قول عباد.

وزعم آخرون ان ذلك جائز ولو قلب الله سبحانه الاسماء لم يكن ذلك مستنكرا

واختلفت المعتزلة هل يجوز اليوم قلب الأسماء واللغة على ما هي عليه أم لا على مقالتين: فمنهم من أجاز ذلك ومنهم من أنكره.

واختلفت المعتزلة هل كان يجوز أن يسمي الله سبحانه نفسه جاهلاً ميتاً عاجزاً على طريق التقليب واللغة على ما هي عليه وهم فرقتان

فزعمت الفرقة الأولى منهم أن ذلك لا يجوز وأنه لا يجوز أن يسمي الله نفسه على طريق التقليب.

وزعمت الفرقة الثانية منهم أن ذلك جائز ولو فعل ذلك لم يكن مستنكراً وهو قول الصالحي.

وأجمعت المعتزلة على أن صفات الله سبحانه وأسماءه هي أقوال وكلام فقول الله أنه عالم قادر حي أسماء لله وصفات له وكذلك أقوال الخلق ولم يثبتوا صفة له علماً ولا صفة قدرة وكذلك قولهم في سائر صفات النفس.

واختلفت المعتزلة هل البارئ قادر على خلق الأعراض وهم فرقتان

فزعم فريق منهم أن الله يقدر على خلق الأعراض وإنشائها

وزعمت فرقة أخرى منهم وهم أصحاب معمر أنه لا يجوز أن يخلق الله عرضاً ولا يوصف بالقدرة على خلق الأعراض.

واختلفت المعتزلة في البارئ هل يوصف بالقدرة على ما أقدر عليه عباده أم لا وهم فرقتان: وزعم بعضهم وهو الشحام أن الله يقدر على ما أقدر عليه عباده وأن حركة واحدة تكون مقدورة لله وللإنسان فإن فعلها الله كانت ضرورة وإن فعلها الإنسان كانت كسباً.

واختلفت المعتزلة هل يوصف الله بالقدرة على جنس ما أقدر عليه عباده أم لا وهم فرقتان: فزعمت فرقة منهم أنه إذا أقدر عباده على حركة أو سكون أو فعل من الأفعال لم يوصف بالقدرة على ذلك ولا على ما كان من جنس ذلك وأن الحركات التي يقدر البارئ عليها ليست من جنس الحركات التي أقدر عليها غيره من العباد.

وزعمت فرقة أخرى منهم أن الله إذا أقدر عباده على حركة أو سكون أو فعل من الأفعال فهو قادر على ما هو من جنس ما أقدر عليه عباده وهذا قول الجبائي وطوائف من المعتزلة.

واختلفت المعتزلة في البارئ سبحانه هل يوصف بالقدرة على الجور والظلم أم لا يوصف بالقدرة على ذلك وهم فرقتان: فزعم أكثر الزاعمين أن البارئ قادر على الظلم والجور أنه قادر على أن يظلم ويجور.

وزعمت فرقة منهم وهم أصحاب عباد بن سليمان أن البارئ قادر على الظلم والجور ولا نقول على أن يظلم وهو قادر على الجور ولا نقول على أن يجور.

واختلفت المعتزلة في الجواب عمن سأل عن البارئ سبحانه لو فعل ما يقدر عليه من الظلم فقال أبو الهذيل في جواب من سأله: إن فعل البارئ ما يقدر عليه من الجور والظلم كيف كان يكون الأمر فقال: محال أن يفعل البارئ ذلك لأن ذلك لا يكون إلا عن نقص ولا يجوز النقص على البارئ.

وقال أبو موسى المردار في الجواب عن ذلك: إطلاق هذا الكلام على البارئ عز وجل قبيح لا يستحسن إطلاقه في رجل من المسلمين فكيف يطلق في الله فمنع أن يقال: لو فعل البارئ الظلم لقبح ذلك لا لاستحالته وكان أبو موسى إذا جدد الكلام عليه قال: لو فعل الله الظلم لكان ظالماً رباً إلهاً قادراً ولو ظلم مع وجود الدلائل على أنه لا يظلم لكان يدل بدلائل على أنه يظلم.

وكان بشر المعتمر يقول أن الله يقدر أن يعذب الأطفال فإذا قيل له: فلو عذب الطفل قال: لو عذبه لكان يكون بالغاً كافراً مستحقاً للعذاب.

وكان محمد بن شبيب يزعم أن الله يقدر أن يظلم ولكن الظلم لا يكون إلا ممن به آفة فعلمت أنه لا يكون من الله سبحانه فلا معنى لقول من قال: لو فعله.

وكان بعضهم يزعم أن الله يقدر أن يفعل العدل وخلافه والصدق وخلافه ولا يقول: يقدر أن يظلم ويكذب قال صاحب هذا الجواب: إن قال قائل: هل معكم أمان من أن يفعله قال: نعم هو ما أظهر من أدلته على أنه لا يفعله فإذا قيل له: أفيقدر أن يفعله مع الدليل على أن لا يفعله أجاب بأنه قادر على أن يفعله مع الدليل مفرداً من الدليل لئلا يتوهم الدليل دليلاً والظلم واقعاً وكذلك إذا قيل له: لو فعله مع الدليل على أنه لا يفعله وفعل الظلم وزعم أن الظلم لو وقع لكانت العقول بحالها وكانت الأشياء التي يستدل بها أهل العقول غير هذه الأشياء الدالة في يومنا هذا وكانت تكون هي هي ولكن على خلاف هيئاتها ونظمها واتساقها التي هي اليوم عليه وهذا قول جعفر بن حرب.

وكان الإسكافي يقول: يقدر الله على الظلم إلا أن الأجسام تدل بما فيها من العقول والنعم التي أنعم بها على خلقه على أن الله لا يظلم والعقول تدل بأنفسها على أن الله ليس بظالم وليس يجوز أن يجامع الظلم ما دل لنفسه على أن الظلم لا يقع من الله وكان إذا قيل له: فلو وقع الظلم منه كيف كانت تكون القصة قال: يقع والأجسام معراة من العقول التي دلت بأنفسها وأعينها على أن الله لا يظلم.

وكان هشام الفوطي وعباد بن سليمان إذا قيل لهما: لو فعل الله سبحانه الظلم كيف كانت تكون القصة أحالا هذا القول وقالا: إن أراد القائل بقوله لو الشك فليس عندنا شك في أن الله لا يظلم وإن أراد بقوله لو النفي فقد قال أن الله لا يجور ولا يظلم فليس يسوغ أن يقال لو ظلم القول في أن الله قادر على ما علم أنه لا يكون: اختلفت المعتزلة في ذلك على أربعة أقاويل: فقال أبو الهذيل ومن اتبعه وجعفر بن حرب ومن وافقه: البارئ قادر على ما علم أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون ولو كان ما علم أنه لا يكون مما يكون كان عالماً أنه يفعله لكان الخبر بأنه يكون سابقاً.

وكان علي الأسواري يحيل أن يقرن القول أن الله يقدر على الشيء أن يفعله بالقول أنه عالم أنه لا يكون وأنه قد أخبر أنه لا يكون وإذا أفرد أحد القولين من الآخر كان الكلام صحيحاً وقيل أن الله سبحانه قادر على ذلك الشيء أن يفعله.

وقال عباد بن سليمان: ما علم أنه لا يكون لا أقول أنه قادر على أن يكون ولكن أقول: قادر عليه كما أقول: الله عالم به ولا أقول أنه عالم بأنه يكون لأن إخباري بأن الله قادر على أن يكون ما علم أنه لا يكون إخبار أنه يقدر وأنه يكون وكان إذا قيل له: فهل يفعل الله ما علم أنه لا يفعله أحال القول.

وكان الجبائي إذا قيل له: لو فعل القديم ما علم أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون كيف كان يكون العلم والخبر أحال ذلك وكان يقول مع هذا أنه لو آمن من علم الله أنه لا يؤمن لأدخله الجنة وكان يزعم أنه إذا وصل مقدور بمقدور صح الكلام كقوله: " لو آمن الإنسان لأدخله الله الجنة وإنما الإيمان خير له ولو ردوا لعادوا " فالرد مقدور عليه فقال: لو كان الرد مقدوراً منهم لكان عود مقدور وكان يزعم أنه إذا وصل محال بمحال صح الكلام كقول القائل: لو كان الجسم متحركاً ساكناً في حال لجاز أن يكون حياً ميتاً في حال وما أشبه ذلك وكان يزعم أنه إذا وصل مقدور بما هو مستحيل استحال الكلام كقول القائل: لو آمن من علم الله وأخبر أنه لا يؤمن كيف كان يكون العلم والخبر وذلك أنه إن قال: كان لا يكون الخبر عن أنه يؤمن سابقاً بأن لا يكون كان الخبر الذي قد كان بأنه لا يؤمن وبأن لا يكون لم يزل عالماً استحال الكلام لأنه يستحيل أن لا يكون ما قد كان بأن لا يكون كان ويستحيل أن لا يكون البارئ عالماً بما لم يزل عالماً به بأن لا يكون لم يزل عالماً وإن قال: كان يكون الخبر عن أنه لا يكون والعلم بأنه لا يكون ثابتاً صحيحاً وإن كان الشيء الذي علم وأخبر أنه لا يكون استحال الكلام وإن قال: كان الصدق ينقلب كذباً والعلم ينقلب جهلاً استحال الكلام فلما كان المجيب على هذه الوجوه على أي وجه أجاب عن السؤال استحال كلامه لم يكن الوجه في الجواب إلا نفس إحالة سؤال السائل.

واختلفت المعتزلة في جواز كون ما علم الله أنه لا يكون على أربعة أقاويل: فقال أكثر المعتزلة: ما علم الله سبحانه أنه لا يكون لاستحالته أو العجز عنه فلا يجوز كونه مع استحالته ولا مع العجز عنه ومن قال: يجوز أن يكون المعجوز عنه بأن يرتفع العجز عنه وتحدث القدرة عليه فيكون الله عالماً بأنه يكون يذهب هذا القائل بقوله يجوز إلى أن الله قادر على ذلك فقد صدق وما علم الله سبحانه أنه لا يكون لترك فاعله له فمن قال: يجوز أن يكون بأن لا يتركه فاعله ويفعل آخذه بدلاً من تركه ويكون الله عالماً بأنه يفعله يريد بقوله يجوز يقدر فذلك صحيح.

وقال علي الأسواري: ما علم الله سبحانه أنه لا يكون لم نقل أنه يجوز أن يكون إذا قرنا ذلك بالعلم بأنه لا يكون.

وقال عباد: قول من قال يجوز أن يكون ما علم الله سبحانه أنه لا يكون فهو كقوله: يكون ما علم الله أنه لا يكون أو من قال: يجوز أن يكون ما علم الله أنه لا يكون لأن معنى يجوز عنده معنى الجواز.

وقال الجبائي: ما علم الله سبحانه أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون فلا يجوز أن يكون عند من صدق بأخبار الله وما علم أنه لا يكون ولم يخبر بأنه لا يكون فجائز عندنا أن يكون وتجويزنا لذلك هو الشك في أن يكون أو لا يكون لأن يجوز عنده في اللغة على وجهين: بمعنى الشك وبمعنى يحل.

واتفقت المعتزلة على أن البارئ سبحانه ليس بذي علم محدث يعلم به ولا يجوز أن تبدو له البدوات ولا يجوز على أخباره النسخ لأن النسخ لو جاز على الأخبار لكان إذا أخبرنا أن شيئاً يكون ثم نسخ ذلك بأن أخبر أنه لا يكون لكان لا بد من أن يكون أحد الخبرين كذباً قالوا: وإنما الناسخ والمنسوخ في الأمر والنهي.

وأجمعت المعتزلة على إنكار القول بالماهية وأن لله ماهية لا يعلمها العباد وقالوا: اعتقاد ذلك في الله سبحانه خطأ وباطل.

هذا شرح اختلاف الناس في التجسيم قد أخبرنا عن المنكرين للتجسيم أنهم يقولون أن البارئ جل ثناؤه ليس بجسم ولا محدود ولا ذي نهاية ونحن الآن نخبر أقاويل المجسمة واختلافهم في التجسيم.

اختلفت المجسمة فيما بينهم في التجسيم وهل للبارئ تعالى قدر من الأقدار وفي مقداره على ست عشرة مقالة: فقال هشام بن الحكم أن الله جسم محدود عريض عميق طويل طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه نور ساطع له قدر من الأقدار بمعنى أن له مقداراً في طوله وعرضه وعمقه لا يتجاوزه في مكان دون مكان كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها ذو لون وطعم ورائحة ومجسة لونه هو طعمه وهو رائحته وهو مجسته وهو نفسه لون ولم يثبت لوناً غيره وأنه يتحرك ويسكن ويقوم ويقعد وحكى عنه أبو الهذيل أنه أجابه إلى أن جبل أبي قبيس أعظم من معبوده وحكى عنه ابن الراوندي أنه زعم أن الله سبحانه يشبه الأجسام التي خلقها من جهة من الجهات ولولا ذلك ما دلت عليه وحكي عنه أنه قال: هو جسم لا كالأجسام ومعنى ذلك أنه شيء موجود.

وقد ذكر عن بعض المجسمة أنه كان يثبت البارئ ملوناً ويأبى أن يكون ذا طعم ورائحة ومجسة وأن يكون طويلاً وعريضاً وعميقاً وزعم أنه في مكان دون مكان متحرك من وقت خلق الخلق.

وقال قائلون أن البارئ جسم وأنكروا أن يكون موصوفاً بلون أو طعم أو رائحة أو مجسة أو شيء مما وصف به هشام غير أنه على العرش مماس له دون ما سواه.

واختلفوا في مقدار البارئ بعد أن جعلوه جسماً: فقال قائلون: هو جسم وهو في كل مكان وفاضل عن جميع الأماكن وهو مع ذلك متناه غير أن مساحته أكثر من مساحة العالم لأنه أكبر من كل شيء.

وقال بعضهم: مساحته على قدر العالم وقال بعضهم أن البارئ جسم له مقدار في المساحة وقال بعضهم: هو في أحسن الأقدار وأحسن الأقدار أن يكون ليس بالعظيم الجافي ولا القليل القميء وحكي عن هشام بن الحكم أن أحسن الأقدار أن يكون سبعة أشبار بشبر نفسه.

وقال بعضهم: ليس لمساحة البارئ نهاية ولا غاية وأنه ذاهب في الجهات الست اليمين والشمال والأمام والخلف والفوق والتحت.

قالوا: وما كان كذلك لا يقع عليه اسم جسم ولا طويل ولا عريض ولا عميق وليس بذي حدود ولا هيئة ولا قطب.

وقال قوم أن معبودهم هو الفضاء وهو جسم تحل الأشياء فيه ليس بذي غاية ولا نهاية وقال بعضهم: هو الفضاء وليس بجسم والأشياء قائمة به.

وقال داود الجواربي ومقاتل بن سليمان أن الله جسم وأنه جثة على صورة الإنسان لحم وذم وشعر وعظم له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه وحكي عن الجواربي أنه كان يقول: أجوف من فيه إلى صدره ومصمت ما سوى ذلك وكثير من الناس يقولون: هو مصمت ويتأولون قول الله: " الصمد " المصمت الذي ليس بأجوف.

وقال هشام بن سالم الجواليقي أن الله على صورة الإنسان وأنكر أن يكون لحماً ودماً وأنه نور ساطع يتلألأ بياضاً وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان سمعه غير بصره وكذلك سائر حواسه له يد ورجل وأذن وعين وأنف وفم وأن له وفرة سوداء.

وممن قال بالصورة من ينكر أن يكون البارئ جسماً وممن قال بالتجسيم من ينكر أن يكون البارئ صورة.

باب اختلافهم في البارئ هل هو في مكان دون مكان أم لا في مكان أم في كل مكان وهل تحمله الحملة أم يحمله العرش وهل هم ثمانية أملاك أم ثمانية أصناف من الملائكة اختلفوا في ذلك على سبع عشرة مقالة: قد ذكرنا قول من امتنع من ذلك وقال أنه في كل مكان حال وقول من قال: لا نهاية له وأن هاتين الفرقتين أنكرتا القول أنه في مكان دون مكان.

وقال قائلون: هو جسم خارج من جميع صفات الجسم ليس بطويل ولا عريض ولا عميق ولا يوصف بلون ولا طعم ولا مجسة ولا شيء من صفات الأجسام وأنه ليس في الأشياء ولا على العرش إلا على معنى أنه فوقه غير مماس له وأنه فوق الأشياء وفوق العرش ليس بينه وبين الأشياء أكثر من أنه فوقها.

وقال هشام بن الحكم أن ربه في مكان دون مكان وأن مكانه هو العرش وأنه مماس للعرش وأن وقال بعض أصحابه أن البارئ قد ملأ العرش وأنه مماس له.

وقال بعض من ينتحل الحديث أن العرش لم يمتلئ به وأنه يقعد نبيه عليه السلام معه على العرش.

وقال أهل السنة وأصحاب الحديث: ليس بجسم ولا يشبه الأشياء وأنه على العرش كما قال عز وجل: " الرحمن على العرش استوى " ولا نقدم بين يدي الله في القول بل نقول استوى بلا كيف وأنه نور كما قال تعالى: " الله نور السماوات والأرض " وأن له وجهاً كما قال الله: " ويبقى وجه ربك " وأن له يدين كما قال: " خلقت بيدي " وأن له عينين كما قال: " تجري بأعيننا " وأنه يجيء يوم القيامة هو وملائكته كما قال: " وجاء ربك والملك صفاً صفاً " وأنه ينزل إلى السماء الدنيا كما جاء في الحديث ولم يقولوا شيئاً إلا ما وجدوه في الكتاب أو جاءت به الرواية عن رسول الله ().

وقالت المعتزلة أن الله استوى على عرشه بمعنى استولى.

وقال بعض الناس: الاستواء القعود والتمكن.

واختلف الناس في حملة العرش ما الذي تحمل: فقال قائلون: الحملة تحمل البارئ وأنه إذا غضب ثقل على كواهلهم وإذا رضي خف فيتبينون غضبه من رضاه وأن العرش له أطيط إذا ثقل عليه كأطيط الرحل وقال بعضهم: ليس يثقل البارئ ولا يخف ولا تحمله الحملة ولكن العرش هو الذي يخف ويثقل وتحمله الحملة.

وقال بعضهم: الحملة ثمانية أملاك وقال بعضهم: ثمانية أصناف وقال قائلون أنه على العرش وأنه بائن منه لا بعزلة وإشغال لمكان غيره بل ببينونة ليس على العزلة والبينونة من صفات الذات.

القول في المكان: اختلفت المعتزلة في ذلك فقال قائلون: إن الله بكل مكان بمعنى أنه مدبر لكل مكان وقال قائلون: البارئ لا في مكان بل هو على ما لم يزل عليه وقال قائلون: البارئ في كل مكان بمعنى أنه حافظ للأماكن وذاته مع ذلك موجودة بكل مكان.

واختلفوا هل يقال أن البارئ لم يزل عالماً قادراً حياً أم لا يقال ذلك على مقالتين: فقال قائلون: لم يزل الله عالماً قادراً حياً.

وزعم كثير من المجسمة أن البارئ كان قبل أن يخلق الخلق ليس بعالم ولا قادر ولا سميع ولا بصير ولا مريد ثم أراد وإرادته عندهم حركته فإذا أراد كون شيء تحرك فكان الشيء لأن معنى أراد تحرك وليست الحركة غيره وكذلك قالوا في قدرته وعلمه وسمعه وبصره أنها معان وليست غيره وليست بشيء لأن الشيء هو الجسم.

واختلف القائلون أن البارئ يتحرك على مقالتين: فزعم هشام أن حركة البارئ هي فعله الشيء وكان يأبى أن يكون البارئ يزول مع قوله يتحرك.

وأجاز عليه السكاك الزوال وقال: لا يجوز عليه الطفر.

وحكي عن رجل كان يعرف بأبي شعيب أن البارئ يسر بطاعة أوليائه وينتفع بها وبإنابتهم ويلحقه العجز بمعاصيهم إياه تعالى عن ذلك علواً كبيراً.

واختلفوا في رؤية البارئ بالأبصار على تسع عشرة مقالة: فقال قائلون: يجوز أن نرى الله بالأبصار في الدنيا ولسنا ننكر أن يكون بعض من نلقاه في الطرقات.

وأجاز عليه بعضهم الحلول في الأجسام وأصحاب الحلول إذا رأوا إنساناً يستحسنونه لم يدروا لعل إلههم فيه.

وأجاز كثير مما أجاز رؤيته في الدنيا مصافحته وملامسته ومزاورته إياهم وقالوا أن المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا أرادوا ذلك حكي ذلك عن بعض أصحاب مضر وكهمس.

وحكي عن أصحاب عبد الواحد بن زيد أنهم كانوا يقولون أن الله سبحانه يرى على قدر وقد قال قائلون إنا نرى الله في الدنيا في النوم فأما في اليقظة فلا وروي عن رقبة بن مصقلة أنه قال: رأيت رب العزة في النوم فقال: لأكرمن مثواه يعني سليمان التيمي صلى الفجر بطهر العشاء أربعين سنة.

وامتنع كثير من القول أنه يرى في الدنيا ومن سائر ما أطلقوه وقالوا أنه يرى في الآخرة.

واختلفوا أيضاً في ضرب آخر: فقال قائلون نرى جسماً محدوداً مقابلاً لنا في مكان دون مكان.

وقال زهير الأثري: ذات الله عز وجل في كل مكان وهو مستو على عرشه ونحن نراه في الآخرة على عرشه بلا كيف وكان يقول أن الله يجيء يوم القيامة إلى مكان لم يكن خالياً منه وأنه ينزل إلى السماء الدنيا ولم تكن خالية منه.

واختلفوا في رؤية الله عز وجل بالأبصار هل هي إدراك له بالأبصار أم لا: فقال قائلون: هي إدراك له بالأبصار وهو يدرك بالأبصار.

وقال قائلون: يرى الله سبحانه بالأبصار ولا يدرك بالأبصار.

واختلفوا في ضرب آخر: فقال قائلون: نرى الله جهرة ومعاينة وقال قائلون: لا نرى الله جهرة ولا معاينة.

وقال قائلون منهم ضرار وحفص الفرد أن الله لا يرى بالأبصار ولكن يخلق لنا يوم القيامة حاسة سادسة غير حواسنا هذه فندركه بها وندرك ما هو بتلك الحاسة.

وقالت البكرية أن الله يخلق صورة يوم القيامة يرى فيها ويكلم خلقه منها.

وقال الحسين النجار أنه يجوز أن يحول الله العين إلى القلب ويجعل لها قوة العلم فيعلم بها ويكون ذلك العلم رؤية له أي علماً له.

وأجمعت المعتزلة على أن الله لا يرى بالأبصار واختلفت هل يرى بالقلوب: فقال أبو الهذيل وأكثر المعتزلة أن الله يرى بقلوبنا بمعنى أنا نعلمه بها وأنكر ذلك الفوطي وعباد.

وقالت المعتزلة والخوارج وطوائف من المرجئة وطوائف من الزيدية أن الله لا يرى بالأبصار في الدنيا والآخرة ولا يجوز ذلك عليه.

واختلفوا في الرؤية لله بالأبصار هل يجوز أن تكون أو هي كائنة لا محالة على مقالتين: فقال قائلون: يجوز أن يرى الله سبحانه في الآخرة بالأبصار وقال: نقول أنه بتاتاً وقال: نقول أنه يرى بالأبصار.

وقال قائلون: نقول بالأخبار المروية وبما في القرآن أنه يرى بالأبصار في الآخرة بتاتاً يراه المؤمنون.

واختلفوا في العين واليد والوجه على أربع مقالات: فقالت المجسمة: له يدان ورجلان ووجه وعينان وجنب يذهبون إلى الجوارح والأعضاء.

وقال أصحاب الحديث: لسنا نقول في ذلك إلا ما قاله الله عز وجل أو جاءت به الرواية من رسول الله () فنقول: وجه بلا كيف ويدان وعينان بلا كيف.

وقال عبد الله بن كلاب: أطلق اليد والعين والوجه خبراً لأن الله أطلق ذلك ولا أطلق غيره فأقول: هي صفات لله عز وجل كما قال في العلم والقدرة والحياة أنها صفات.

وقالت المعتزلة بإنكار ذلك إلا الوجه وتأولت اليد بمعنى النعمة وقوله: " تجري بأعيننا " أي بعلمنا والجنب بمعنى الأمر وقالوا في قوله: " أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله " أي في أمر الله وقالوا: نفس البارئ هي هو وكذلك ذاته هي هو وتأولوا قوله: " الصمد " على وجهين: أحدهما أنه السيد والآخر أنه المقصود إليه في الحوائج.

وأما الوجه فإن المعتزلة قالت فيه قولين: قال بعضهم وهو أبو الهذيل: وجه الله هو الله وقال غيره: معنى قوله: " ويبقى وجه ربك " ويبقى ربك من غير أن يكون يثبت وجهاً يقال أنه هو الله ولا يقال ذلك فيه.

حكايات اختلاف الناس في الأسماء والصفات: قد ذكرنا قول من قال أن الله لم يزل لا عالماً ولا قادراً ولا سميعاً ولا بصيراً وقول من قال لم يزل الله عالماً قادراً حياً.

فأما الذين أنكروا أن يكون الله لم يزل عالماً وقالوا: لا يعلم ما يكون قبل أن يكون فإنهم افترقوا في القول لم يزل حياً فرقتين: فرقة قالت: لم يزل الله حياً وفرقة أنكرت ذلك أيضاً وأنكرت أن يكون الله سبحانه لم يزل رباً إلهاً.

وافترق الذين قالوا أن الله لا يعلم الشيء حتى يكون على خمس عشرة مقالة: فقالت السكاكية أن الله عالم في نفسه وأن الوصف له بالعلم من صفات ذاته غير أنه لا يوصف بأنه عالم حتى يكون الشيء فإذا كان قيل عالم به وما لم يكن الشيء لم يوصف بأنه عالم به لأن الشيء ليس وليس يصح العلم بما ليس.

وقال فريق آخر أن الله لم يزل عالماً والعلم صفة له في ذاته ولا يوصف بأنه عالم بالشيء حتى يكون كما أن الإنسان موصوف بالبصر والسمع ولا يقال أنه بصير بالشيء حتى يلاقيه ولا سميع له حتى يرد على سمعه وكما يقال: الإنسان عاقل ولا يقال: عقل الشيء ما لم يرد عليه.

وقال شيطان الطاق أن الله لا يعلم شيئاً حتى يؤثر أثره ويقدره والتأثير عندهم التقدير والتقدير لإرادة فإذا أراد الشيء فقد علمه وإذا لم يرد فلم يعلمه ومعنى أراده عندهم أنه تحرك حركة هي إرادة فإذا تحرك تلك الحركة علم الشيء وإلا لم يجز الوصف له بأنه عالم به وزعموا أنه لا يوصف بالعلم بما لا يكون.

وقال قائلون: لا يعلم الشيء حتى يحدث الإرادة فإن أحدث الإرادة لأن يكون كان عالماً بأنه يكون وإن أحدث الإرادة لأن لا يكون كان عالماً بأنه لا يكون وإن لم يحدث إرادة لأن يكون ولا إرادة لأن لا يكون لم يكن عالماً بأنه يكون ولا عالماً بأنه لا يكون.

ومن الروافض من يقول: معنى أن الله يعلم معنى أنه يفعل فإن قيل لهم فلم يزل عالماً بنفسه قال بعضهم: لم يكن يعلم نفسه حتى فعل العلم لأنه قد كان ولما يفعل وقال بعضهم: لم يزل يعلم نفسه فإن قيل لهم: فلم يزل يفعل قالوا: نعم ولم يقولوا بقدم الفعل.

ومن الروافض من يقول أن الله تبدو له البدوات وأنه يريد أن يفعل ثم لا يفعل لما يحدث له من البداء.

وقال بعض الروافض: ما علمه الله سبحانه أنه يكون وأطلع عليه أحداً من خلقه فلا يجوز أن يبدو له فيه وما علمه ولم يطلع عليه أحداً من خلقه فجائز أن يبدو له فيه.

وقال بعضهم: جائز عليه البدء فيما علم أنه يكون وأخبر أنه يكون حتى لا يكون ما أخبر أنه وقالت طائفة من أهل التشبيه أن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون إلا أعمال العباد فإنه لا يعلمها إلا في حال كونها لأنه لو علم من يطيع ممن يعصي حال بين العاصي وبين المعصية.

واختلفوا أيضاً في باب آخر هل يعلم الشيء من غير أن يلابسه أم لا: فقال هشام بن الحكم الرافضي أن الله سبحانه علم ما تحت الأرض بالشعاع المتصل الذاهب في عمق الأرض ولولا ملابسته لما هناك بشعاعه ما دري ما هناك.

وقال قائلون أن الله يعلم الأشياء على المماسة وقد يعلم ما لا يماسه.

وحكي عن هشام بن الحكم أنه قال أن العلم صفة لله وليس هي هو ولا غيره ولا بعضه وأنه لا يجوز أن يقال له محدث ولا يقال له قديم لأن الصفة لا توصف عنده وكذلك قوله في سائر صفاته من القدرة والإرادة والحياة وسائر ذلك أنها لا هي الله ولا هي غيره ولا هي قديمة ولا محدثة.

وقال الجهم أن علم الله محدث هو أحدثه فعلم به وأنه غير الله وقد يجوز عنده أن يكون الله عز وجل عالماً بالأشياء كلها قبل وجودها بعلم محدث بها وحكي عن الجهم خلاف هذا وأنه كان لا يقول أن الله يعلم الأشياء قبل أن تكون لأنها قبل أن تكون ليست بأشياء فتعلم أو تجهل وألزمه مخالفوه أن لله سبحانه علماً محدثاً.

اختلفت المعتزلة في محكم القرآن ومتشابهه: فقال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد: المحكمات ما أعلم الله سبحانه من عقابه للفساق كقوله: " ومن يقتل مؤمناً متعمداً " وما أشبه ذلك من آي الوعيد وقوله: " وأخر متشابهات " يقول: أخفى الله عن العباد عقابه عليها ولم يبين أنه يعذب عليها كما بين في المحكم منه.

وقال أبو بكر الأصم: محكمات يعني حججاً واضحة لا حاجة لمن يتعمد إلى طلب معانيها كنحو ما أخبر الله سبحانه عن الأمم التي مضت ممن عاقبها وما يثبت عقابها وكنحو ما أخبر عن مشركي العرب أنه خلقهم من النطفة وأنه أخرج لهم من الماء فاكهة وأباً وما أشبه ذلك فهذا محكم كله فقال: قال الله سبحانه: " آيات محكمات هن أم الكتاب " أي الأصل الذي لو فكرتم فيه عرفتم أن كل شيء جاءكم به محمد () حق من عند الله سبحانه وأخر متشابهات وهو كنحو ما أنزل الله من أنه يبعث الأموات ويأتي بالساعة وينتقم ممن عصاه أو ترك آية أو نسخها مما لا يدركونه إلا شبهة حتى يكون منهم النظر فيعلمون أن لله أن يعذبهم متى شاء وينقلهم إلى ما شاء.

وقال الإسكافي في قول الله تعالى: " آيات محكمات " قال: هي التي لا تأويل لها غير تنزيلها ولا يحتمل ظاهرها الوجوه المختلفة وأخر متشابهات وهي الآيات التي يحتمل ظاهرها في السمع وذهب بعض الناس في قوله: " وأخر متشابهات " إلى ما اشتبه على اليهود من قول الله عز وجل ألم وألمر وألر وألمص.

وذهب بعضهم إلى اشتباه القصص التي في القرآن.

واختلفوا في تأويل قوله: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ": فقال قائلون: ليس يعلم تأويل المتشابه إلا الله ولم يطلع عليه أحداً.

وقال قائلون: قد يعلمه الراسخون في العلم وأن هذا القول عطف واحتجوا بقول الشاعر: لريح يبكي شجوه والبرق يلمع في غمامه قالوا: فالبرق معطوف على الريح.

وأجمعت المعتزلة على أن قراءة القرآن غير المقروء واختلفوا هل القراءة حكاية للقرآن أم لا: فمنهم من قال: هي حكاية ومنهم من قال: لا.

واختلفت المعتزلة هل يجوز أن يلفظ القرآن أم لا: فقال قائلون: يلفظ به كما يقرأ وقال الإسكافي: لا يجوز ذلك بل يقرأ القرآن ولا يلفظ به.

واختلفوا في نظم القرآن هل هو معجز أم لا على ثلاثة أقاويل: فقالت المعتزلة إلا النظام وهشاماً الفوطي وعباد بن سليمان: تأليف القرآن ونظمه معجز محال وقال النظام: الآية والأعجوبة في القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لولا أن الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم.

وقال هشام وعباد: لا نقول أن شيئاً من الأعراض يدل على الله سبحانه ولا نقول أيضاً أن عرضاً يدل على نبوة النبي () ولم يجعلا القرآن علماً للنبي () وزعما أن القرآن أعراض.

وأجمعت المعتزلة بأجمعها أنه لا يجوز قول النبي إلا بحجة وبرهان وأنه لا تلزم شرائعه إلا من شاهد أعلامه وانقطع عذره ممن بلغه شرائع الرسول () وأجمعوا جميعاً أن الناس محجوجون بعقولهم من بلغه خبر الرسول ومن لم يبلغه.

وأجمعت المعتزلة على أنه لا يجوز أن يبعث الله نبياً يكفر ويرتكب كبيرة ولا يجوز أن يبعث نبياً كان كافراً أو فاسقاً وأجمعت المعتزلة على أنه جائز أن يبعث نبياً إلى قوم دون قوم وأجمعت أن الملائكة أفضل من الأنبياء.

وأجمعت أن معاصي الأنبياء لا تكون إلا صغاراً واختلفوا هل يجوز أن يأتي النبي المعاصي وهل يعلم أنها معاص في حال ارتكابها أم لا على مقالتين: فقال قائلون: لا يجوز أن يعلم في حال ارتكابه المعاصي أن ما يأتيه معصية ويعتمد ذلك.

واختلفوا في دلالة الأعراض وأفعال العباد على مقالتين: فمنهم من زعم أنها تدل على حدوث الجسم وأبي هشام وعباد أن يكون ذلك يدل على الله عز وجل.

واختلفت المعتزلة هل النبوة جزاء أم لا: فقال قائلون: هي ثواب وجزاء وقال قائلون: ليست بجزاء ولا ثواب.

وهذا شرح قول المعتزلة في القدر: أجمعت المعتزلة على أن الله سبحانه لم يخلق الكفر والمعاصي ولا شيئاً من أفعال غيره إلا رجلاً منهم فإنه زعم أن الله خلقها بأن خلق أسماءها وأحكامها حكي ذلك عن صالح قبة.

وأجمعت المعتزلة إلا عباداً أن الله جعل الإيمان حسناً والكفر قبيحاً ومعنى ذلك أنه جعل التسمية للإيمان والحكم بأنه أحسن والتسمية للكفر والحكم بأنه قبيح وأن الله خلق الكافر لا كافراً ثم إنه كفر وكذلك المؤمن.

وأنكر عبا أن يكون الله جعل الكفر على وجه من الوجوه أو خلق الكافر والمؤمن.

واختلفت المعتزلة هل يقال أن الإنسان يخلق فعله أم لا على ثلاث مقالات: فزعم بعضهم أن معنى فاعل وخالق واحد وأنا لا نطلق ذلك في الإنسان لأنا منعنا منه.

وقال بعضهم: معنى خالق أنه وقع منه الفعل مقدراً فكل من وقع فعله مقدراً فهو خالق له قديماً كان أو محدثاً.

وأجمعت المعتزلة على أن الله سبحانه لم يرد المعاصي إلا المردار فإنه حكي عنه أنه قال أن الله أرادها بأن خلى بين العباد وبينها وقد ذكرنا اختلافهم في الإرادة فيما تقدم من وصفنا لأقاويل المعتزلة.

وهذا شرح اختلاف المعتزلة في الاستطاعة: اختلفوا هل الإنسان حي مستطيع بنفسه أم لا على مقالتين: فزعم النظام وعلي الأسواري أن الإنسان حي مستطيع بنفسه لا بحياة واستطاعة هما غيره والإنسان عند النظام هو الروح وهو جسم لطيف مداخل لهذا الجسم الكثيف وزعم أن الإنسان لا يجوز أن يكون مستطيعاً لنفسه لما من شأنه أن يفعله حتى تحدث به آفة والآفة هي العجز وهي غير الإنسان وكان النظام يزعم أن الإنسان قادر على الشيء قبل كونه وأنه لا يوصف بأنه قادر عليه في حال وجوده.

وقال قائلون أن الإنسان حي مستطيع والحياة والاستطاعة هما غيره وهذا قول أبي الهذيل ومعمر وهشام الفوطي وأكثر المعتزلة.

فقال أبو الهذيل ومعمر والمردار: هي عرض وهي غير الصحة والسلامة.

وقال بشر بن المعتمر وثمامة بن أشرس وغيلان أن الاستطاعة هي السلامة وصحة الجوارح وتخليها من الآفات.

واختلفت المعتزلة في الاستطاعة هل تبقى أم لا على مقالتين: فقال أكثر المعتزلة أنها تبقى وهذا قول أبي الهذيل وهشام وعباد وجعفر بن حرب وجعفر بن مبشر والإسكافي وأكثر المعتزلة.

وقال قائلون: لا تبقى وقتين وأنه يستحيل بقاؤها وأن الفعل يوجد في الوقت الثاني بالقدرة المتقدمة المعدومة ولكن لا يجوز حدوثه مع العجز بل يخلق الله في الوقت الثاني قدرة فيكون الفعل واقعاً بالقدرة المتقدمة وهذا قول أبي القاسم البلخي وغيره من المعتزلة.

وهذا قولهم في الفعل المباشر فأما المتولد فقد يجوز عندهم أن يحدث بقدرة معدومة وأسباب معدومة ويكون الإنسان في حال حدوثه ميتاً أو عاجزاً.

وأجمعت المعتزلة على أن الاستطاعة قبل الفعل وهي قدرة عليه وعلى ضده وهي غير موجبة للفعل وأنكروا بأجمعهم أن يكلف الله عبداً ما لا يقدر عليه.

وقال بعض المتأخرين ممن كان ينتحل المعتزلة: القدرة مع الفعل وهي تصلح للشيء وتركه في حال حدوثها وجائز كون الشيء في حال وجود تركه بأن لا يكون كان فتركه وهذا قول ابن الراوندي.

واختلفوا هل هي قدرة عليه في حاله: فزعم بعضهم أنها قدرة عليه في حاله لا على تركه وأنها قبله قدرة عليه وعلى تركه وهذا قول أبي الحسين الصالحي وأحال أكثر المعتزلة أن تكون قدرة عليه في حاله على وجه من الوجوه.

واختلفوا إذا فعل الإنسان أحد الضدين اللذين كان يقدر عليهما قبل كون أحدهما هل يوصف بالقدرة على الضد الذي لم يفعله أم لا على مقالتين: فقال أكثر المعتزلة: إذا وجد أحد الضدين استحال أن يوصف الإنسان بالقدرة عليه أو على الضد الآخر.

وقال رجل منهم وهو الإسكافي: إذا وجد أحد الضدين لم يوصف الإنسان بالقدرة عليه ولكن يوصف بالقدرة على ضده الآخر.

واختلفوا في الاستطاعة هل يجوز فناؤها في الوقت الثاني فيكون الفعل المباشر الذي يفعله الإنسان في نفسه وأنه بقدرة معدومة على أربعة أقاويل: فقال أبو الهذيل: الاستطاعة يحتاج إليها قبل الفعل فإذا وجد الفعل لم يكن بالإنسان حاجة بوجه من الوجوه وقد يجوز وقوع العجز في الوقت الثاني فيكون مجامعاً للفعل ويكون عجزاً عن فعل لأن العجز عنده لا يكون عجزاً عن موجود فيكون الفعل واقعاً بقدرة معدومة وجوز وجود أقل قليل الكلام مع الخرس وجوز الفعل مع الموت بالاستطاعة المتقدمة ولم يجوز وجود العلم مع الموت ولا وجود الإرادة مع الموت.

وقال أكثر المعتزلة: ليس يحتاج إلى الاستطاعة للفعل في حال وجوده ليفعل بها ما قد فعل ولكن يحتاج إليها لأنه محال وجود الفعل في جارحة ميتة عاجزة وقال هؤلاء: محال وقوع الفعل المباشر بقوة معدومة وأجازوا وقوع الأفعال المتولدة كنحو ذهاب الحجر بعد الدفعة وانحدار الحجر بعد الزجة بقدرة معدومة وهذا قول جعفر بن حرب والإسكافي.

وقال قائلون: جائز وقوع الفعل المباشر بقوة معدومة لأن القدرة لا تبقى ولكن لا توجد في جارحة ميتة ولا عاجزة وهذا قول أبي القاسم البلخي وغيره.

وقال قائلون: لا يجوز وقوع الفعل بقوة معدومة وأن القوة يحتاج إليها في حال الفعل للفعل وأنها إن كانت قوة عليه قبله وعلى تركه فهي قوة عليه في حال كون تركه وأنكر قائل هذا أن يكون الإنسان يفعل فعلاً على طريق التولد وهذا قول أبي الحسين الصالحي.

وقال بعض من مال إلى هذا القول أن الإنسان قادر عليه في حاله وعلى تركه بدلاً منه.

واختلفت المعتزلة هل يقال الإنسان قادر في الأول أن يفعل فيه أو أن يفعل في الثاني على سبعة أقاويل: فقال أبو الهذيل: الإنسان قادر أن يفعل في الأول وهو يفعل في الأول والفعل واقع في الثاني لأن الوقت الأول وقت يفعل والوقت الثاني وقت فعل.

وحكي عن بشر بن المعتمر أنه كان يقول: لا أقول يفعل في الأول ولا أقول يفعل في الثاني ولا أقول قادر أن يفعل في الأول ولا أقول قادر أن يفعل في الثاني وذكر القدرة مضمر مقدور عليه يستحيل كونه مع القدرة عليه وذكر العجز مضمر معجوز عنه يستحيل كونه مع العجز عنه ولسنا نقول أيضاً عاجز في الأول أن يفعل في الأول أو أن يفعل في الثاني.

وقال النظام وأكثر المعتزلة أن الإنسان قادر في الوقت الأول أن يفعل في الوقت الثاني وأنه يقال قبل كون الوقت الثاني أن الفعل يفعل في الوقت الثاني فإذا كان الوقت الثاني قد فعل فالذي قيل يفعل في الثاني قبل كون الثاني هو الذي قيل فعل في الثاني إذا حدث الوقت الثاني.

واختلف هؤلاء فقال قائلون منهم أن الإنسان يقدر في الحال الأولى أن يفعل في الحال الثانية فإذا حل العجز في الحال الثانية علمنا أنه لم يكن قادراً في الحال الأولى أن يفعل في الحال الثانية.

وقال أكثرهم أن الإنسان قادر أن يفعل في الحال الثانية حل فيها العجز أو لم يحل وخلق العجز في الوقت الثاني لا يخرج القدرة أن تكون قدرة عليه إن لم يعجز فهو قادر أن يفعل في الحال الثانية وإن حل العجز فيها على شرط والشرط هو أنه قادر عليه إن لم يعجز.

وقال قائلون: هو قادر في الحال الأولى أن يفعل في الحال الثانية وإن عجز في الحال الثانية فالفعل واقع مع العجز وليس بعجز عنه ولم يقل هؤلاء على الشرط الذي قاله الذين حكينا قولهم قبل.

وحكى برغوث أن قوماً منهم يقولون أن الآفة إن كانت تحل في الحال الثانية كان الإنسان في الأولى عاجزاً عن الفعل في الثانية بسببه وإن كانت فيه استطاعة.

وقال عباد: أقول أن الإنسان قادر أن يفعل في الثاني.

واختلفت المعتزلة هل الفعل واقع بالاستطاعة أم لا على مقالتين: فقال عباد: القدرة لا أقول أني أفعل بها أو أستعملها.

وقال أكثر المعتزلة الذين ثبتوا قدرة الإنسان غيره: بل الفعل واقع بها.

واختلفت المعتزلة هل تستعمل القوة في الفعل أم لا على مقالتين: فأنكر الجبائي أن تكون تستعمل في الفعل لأن الاستعمال زعم يحل في الشيء المستعمل وكان مع هذا يزعم أن الفعل واقع بها.

وأنكر عباد الاستعمال وقال كثير من المعتزلة أنها تستعمل في الفعل بمعنى أنه يعمل بها الفعل.

واختلفوا هل يوصف الإنسان بالقدرة على ما يكون في الوقت الثالث أو إنما يوصف بالقدرة على ما يكون في الثاني على مقالتين: فقال قائلون: الإنسان قادر بقدرته على أن يفعل في الثاني ولا يوصف بالقدرة في حال حدوثها أنه قادر بها على ما يكون في الثالث.

وقال قائلون: هو قادر بقدرته على الفعل في الثاني والثالث وعلى ما لا يتناهى من الأفعال أن يأتي به في أوقات لا تتناهى إن بقيت قدرته وأحال هؤلاء أن يكون ما يقدر عليه في الثالث يفعله في الثاني وما يقدر عليه في الرابع يفعله في الثالث.

واختلفوا هل يقدر الإنسان في الوقت الأول أن يفعل في الثاني أشياء متضادة أو شيئين: فقال بعضهم: إنما يقدر أن يفعل في الثاني شيئاً إن يرد ذلك الشيء فهو قادر على شيئين في الثاني متضادين على البدل فقط.

وقال بعضهم: هو قادر في حال حدوث القدرة أن يفعل أشياء متضادة في الوقت الثاني على البدل.

واختلفت المعتزلة هل يقدر الإنسان على حركة في الثاني أو على حركات: فزعم أبو الهذيل أنه يقدر على حركة في الثاني وسكون على البدل فإن فعل الحركة في الثاني وفعل معها كوناً يمنة كانت حركة يمنة وكذلك إن فعل معها كوناً يسرة كانت حركة يسرة وكذلك القول في سائر الأكوان.

وقال غيره: الإنسان يقدر على حركات في الثاني متضادات وسكون على البدل وزعم صاحب هذا القول أن الحركة ضرب من الأكوان وهي يمنة ضد الحركة يسرة.

واختلفت المعتزلة هل القدرة التي يكون بها الكلام باللسان هي التي يكون بها المشي بالرجل أم لا على مقالتين: فقال قوم: القدرة التي يكون بها الكلام باللسان هي التي بها يكون المشي بالرجل ومحلهما واحد وإنما امتنع الكلام بالرجل لاختلاف الموانع.

وقال قوم: القدرة على الكلام غير القدرة على المشي ومحل كل قدرة غير محل القدرة الأخرى فقدرة المشي في الرجل وقدرة الإرادة في القلب وقدرة النظر في العين.

واختلف الذين قالوا بتغاير القدرة على الإرادة والمشي والكلام هل القدرة على ذلك جنس واحد أم لا على مقالتين: فقال قائلون: كلها من جنس واحد وقد يجوز أن تكون قدرة الكلام من جنس قدرة المشي وإن لم يتجانس المقدور عليه.

وحكى برغوث أن قوماً ممن زعم أن الاستطاعة قبل الفعل وأنها تنفى وتحدث لكل فعل قبله قالوا أنه تحدث في الإنسان قبل كل فعل استطاعات بعدد هذا الفعل وعدد كل ترك له فإذا فعل الفعل الواحد بطلت كلها وحدثت استطاعات لفعل آخر ولتركه أو عجز ينفيها.

واختلفوا في فعل الخوارج في أي وقت يحدث بعد حدوث الاستطاعة على ثلاثة أقاويل: فقال قوم: الإنسان يقدر على الحركة في حال حدوث القدرة والحركة تقع في الحال الثانية.

وقال بعضهم: هو يقدر عليها في حال حدوث الاستطاعة وهي لا تقع إلا في الحال الثالثة لأنه لا بد من توسط الإرادة.

وقال قوم: هو يقدر عليها في حال حدوث الاستطاعة ولم تقع إلا في الحال الرابعة لأنه لا بد بعد حال الاستطاعة من حال الإرادة وحال التمثيل ثم توجد الحركة.

واختلفت المعتزلة هل الإنسان قادر على ما لا يخطر بباله أم لا على مقالتين: فزعم إبراهيم النظام أن الإنسان لا يقدر على ما لا يخطر بباله.

وقال سائر المعتزلة: الإنسان قادر على ما تصلح قدرته له خطر بباله شيء من ذلك أم لم يخطر.

واختلفت المعتزلة هل يقال أن الله سبحانه قوى الكافر على الكفر أم لا على مقالتين: فقال أكثر المعتزلة: لا يجوز أن يقال أن الله قوى أحداً على الكفر وأقدره عليه وقال عباد أن الله قد قوى الكافر على الكفر وأقدره عليه.

واختلفوا هل يجوز أن يألم ويحس ما لا قدرة فيه: فأنكر ذلك قوم وأجازه آخرون.

واختلفوا في الحي هل يجوز أن يكون حياً مع عدم قدرته: فأجاز ذلك بعضهم وأنكره بعضهم.

واختلفوا هل يجوز أن يكون القادر يعجز على مقالتين: فأنكر ذلك عباد وقال: العاجز ميت وقال أكثر المعتزلة: قد يكون الإنسان قادراً على أشياء عاجزاً عن أشياء.

واختلفت المعتزلة هل تكون القدرة في الإنسان ولا يقال أنه قادر: فزعم عباد أن حال المعينة فيه قدرة ولا يقال أنه قادر وأنكر أكثر المعتزلة أن توجد قدرة لا بقادر.

واختلفت المعتزلة في الممنوع هل هو قادر أم لا على أربعة أقاويل: فقال قائلون: إذا منع الإنسان من المشي بالقيد ومن الخروج من البيت بغلق الباب فهو قادر على وقال آخرون: القدرة فيه ولكن لا نسميه قادراً على ما منع منه.

وقال قائلون: بل نقول أنه قادر إذا حل وأطلق.

وقال جعفر بن حرب الممنوع قادر وليس يقدر على شيء كما أن المنطبق جفنه بصير ولا يبصر.

واختلفوا في الذي يقدر على حمل خمسين رطلاً ولا يقدر على حمل مائة رطل على مقالتين: فقال قائلون: لا بد من أن يكون فيه عجز عن حمل الخمسين الفاضلة على ما يقدر على حمله وقال قائلون: لا عجز فيه وإنما عدم القوة على ذلك فقط.

واختلفوا هل يجوز أن يقوى الإنسان على حمل جزأين بجزء من القوة أم لا على مقالتين: فقال قائلون: قد يقدر بجزء من القدرة أن يحمل جزأين وأكثر من جزأين.

وقال قائلون: لا يقدر على حمل جزء إلا بجزء واحد من القوة ولو جاز أن يقوى على جزأين بجزء من القوة لجاز أن يقوى على حمل السموات والأرضين بجزء من القوة والقائل بهذا القول الجبائي وزعم أن الإنسان يحمل جزأين من الأجزاء بجزأين من القوة وأنه إذا حمل جزأين من الأجزاء بجزأين من القوة ففيه أربعة أجزاء من الحمل.

واختلفت المعتزلة في العجز على ثلاث مقالات: فقال الأصم: إنما هو العاجز وليس له عجز غيره يعجز به وقال أكثر المعتزلة: العجز غير العاجز.

وقال عباد: العجز غير الإنسان ولا أقول غير العاجز لأن قولي عاجز خبر عن إنسان وعجز.

واختلفوا هل العجز عجز عن شيء أم لا على مقالتين: فزعم عباد أن العجز لا يقال أنه عجز عن شيء وأن القوة لا تكون قوة لا على شيء وقال أكثر المعتزلة: العجز عجز عن الفعل.

واختلف الذين أثبتوا العجز عجزاً عن الفعل هل هو عجز عنه في حاله أو في حال ثانية على ثلاثة أقاويل: فقال قائلون: الإنسان يعجز عن الفعل في الثاني والعجز لا ينفي الفعل في حال حدوثه بل قد يكون مجامعاً له وهو عجز عن غيره.

وقال آخرون: العجز وإن كان عجزاً عن الفعل في الثانية فإن الفعل ينتفي في حال العجز لا للعجز ولكن للضرورة المجامعة له.

وقال آخرون: العجز ينفي الفعل في حاله ومحال وجود الفعل مع العجز.

وأجمع القائلون: إن العجز عجز عن شيء من المعتزلة أن العجز يكون عجزاً عن أفعال كثيرة.

وأجمع أكثر المعتزلة على أن الأمر بالفعل قبله وأنه لا معنى للأمر به في حاله لأنه موجود واختلفوا هل يبقى الأمر إلى حال الفعل على مقالتين: فقال بعضهم أنه يبقى إلى أجل الفعل وأنه يكون في حال الفعل ولا يكون أمراً به وأحال بعضهم أن يبقى الأمر.

واختلفوا هل يجوز أن يؤمر بالصلاة قبل دخول وقتها أم لا على مقالتين: فأجاز ذلك بعضهم وأنكره بعضهم.

واختلفوا هل يجوز أن يأمر الله سبحانه بالفعل في الوقت الثاني وهو يعلم أنه يحول بين الإنسان وبين الفعل على ثلاثة أقاويل: فقال بعضهم: يجوز أن يأمر الله بذلك وإن كان يعلم أنه يحول بين العباد وبينه في الثاني لأنه إنما يقول له: افعل إن لم نحل بينك وبين الفعل ويجوز أن يقدر على الفعل في الثاني وإن كان يحال بينه وبينه في الثاني.

وقال بعضهم: لن يجوز ذلك في الأمر ولا في القدرة.

واختلفوا فيمن علم الله أنه لا يؤمن: فقالت المعتزلة إلا علياً الأسواري أنه مأمور بالإيمان قادر عليه.

وقال علي الأسواري: إذا قرن الإيمان إلى العلم بأنه لا يكون أحلت القول بأن الإنسان مأمور به أو قادر عليه وإذا أفرد كل قول من صاحبه فقلت هل أمر الله سبحانه الكافر بالإيمان وأقدره عليه ونهى المؤمن عن الكفر قلت نعم.

وأجمعت المعتزلة على أن الشيء إذا وجد فوجود ضده في تلك الحال محال وقال أكثرهم أن الكافر تارك للإيمان في حال ما هو كافر وأحالوا جميعاً البدل في الموجود واختلفوا هل يقال: لو كان الشيء في حال كون ضده أم لا يقال.

فقال جعفر بن حرب والإسكافي: قد يقال: لو كان الكفار آمنوا في حال كفرهم بدلاً من كفرهم الواقع لكان خيراً لهم ولا نقول أنه يجوز أن يؤمنوا في حال كفرهم على وجه من الوجوه كما نقول في الكفر الماضي: لو كان هذا الكافر آمن أمس بدلاً من كفره لكان خيراً له ولا يجوز الإيمان بدلاً من الكفر الماضي.

وأحال غيرهم من المعتزلة أن يقال: لو كان الشيء على معنى لو كان وقد كان ضده.

فقالوا جميعاً إلا الجبائي أنه قد يجوز أن يكون الشيء في الوقت الثاني بدلاً من ضده وإن كان ضده مما يكون في الثاني وإذا أجزنا ذلك فإنما نجيز البدل مما لم يكن وقالوا: جائز أن يترك في الوقت الثاني قبل مجيء الوقت ما علم الله سبحانه أنه يكون في الوقت ولو كان ذلك مما يترك لم وقال الجبائي: ما علم الله أنه يكون في الوقت الثاني أو في وقت من الأوقات وجاءنا الخبر بأنه يكون فلسنا نجيز تركه على وجه من الوجوه لأن التجويز لذلك هو الشك والشك في أخبار الله كفر وقال: ما علم الله سبحانه أنه يكون فمستحيل قول القائل لو كان مما يترك لم يكن العلم سابقاً بأنه يكون وقد شرحنا قوله في ذلك قبل هذا الموضع.

وأجاز أكثر المعتزلة أن لا يكون ما أخبر الله أنه يكون وعلم أنه يكون بأن لا يكون كان علم وأخبر أنه يكون.

واختلفت المعتزلة هل يقال أن الله خلق الشر والسيئات أم لا على مقالتين: فقالت المعتزلة كلها إلا عباداً أن الله يخلق الشر الذي هو مرض والسيئات التي هي عقوبات وهو شر في المجاز وسيئات في المجاز.

وأنكر عباد أن يخلق الله سبحانه شيئاً نسميه شراً أو سيئة في الحقيقة.

واختلفوا في اللطف على أربعة أقاويل: فقال بشر بن المعتمر ومن قال بقوله: عند الله سبحانه لطف لو فعله بمن يعلم أنه لا يؤمن لآمن وليس يجب على الله سبحانه فعل ذلك ولو فعل الله سبحانه ذلك اللطف فآمنوا عنده لكانوا يستحقون من الثواب على الإيمان الذي يفعلونه عند وجوده ما يستحقونه لو فعلوه مع عدمه وليس على الله سبحانه أن يفعل بعباده أصلح الأشياء بل ذلك محال لأنه لا غاية ولا نهاية لما يقدر عليه من الصلاح وإنما عليه أن يفعل بهم ما هو أصلح لهم في دينهم وأن يزيح عللهم فيما يحتاجون إليه لأداء ما كلفهم وماتيسر عليهم مع وجوده العمل بما ليس هم به وقد فعل ذلك بهم وقطع مننهم.

وكان جعفر بن حرب يقول أن عند الله لطفاً لو أتى به الكافرين لآمنوا اختياراً إيماناً لا يستحقون عليه من الثواب ما يستحقونه مع عدم اللطف إذا آمنوا والأصلح لهم ما فعل الله بهم لأن الله لا يعرض عباده إلا لأعلى المنازل وأشرفها وأفضل الثواب وأكثره وذكر عنه أنه رجع عن هذا القول إلى قول أكثر أصحابه.

وقال جمهور المعتزلة: ليس في مقدور الله سبحانه لطف لو فعله بمن علم أنه لا يؤمن آمن عنده وأنه لا لطف عنده لو فعله بهم لآمنوا فيقال يقدر على ذلك ولا يقدر عليه وأنه لا يفعل بالعباد كلهم إلا ما هو أصلح لهم في دينهم وأدعى لهم إلى العمل بما أمرهم به وأنه لا يدخر عنهم شيئاً يعلم أنهم يحتاجون إليه في أداء ما كلفهم أداءه إذا فعل بهم أتوا بالطاعة التي يستحقون عليها ثوابه الذي وعدهم وقالوا في الجواب عن مسألة من سألهم هل يقدر الله سبحانه أن يفعل بعباده أصلح مما فعله بهم: إن أردت أنه يقدر على أمثال الذي هو أصلح فالله يقدر على أمثاله على ما لا غاية له ولا نهاية وإن أردت يقدر على شيء أصلح من هذا أي يفوقه في الصلاح قد ادخره عن عباده فلم يفعله بهم مع علمه بحاجتهم إليه في أداء ما كلفهم فإن أصلح الأشياء هو الغاية ولا شيء يتوهم وراء الغاية فيقدر عليه أو يعجز عنه.

وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي: لا لطف عند الله سبحانه يوصف بالقدرة على أن يفعله بمن علم أنه لا يؤمن فيؤمن عنده وقد فعل الله بعباده ما هو أصلح لهم في دينهم ولو كان في معلومه شيء يؤمنون عنده أو يصلحون به ثم لم يفعله بهم لكان مريداً لفسادهم غير أنه يقدر أن يفعل بالعباد ما لو فعله بهم ازدادوا طاعة فيزيدهم ثواباً وليس فعل ذلك واجباً عليه ولا إذا تركه كان عابثاً في الاستدعاء لهم في الإيمان.

واختلفوا في الألم واللذة على مقالتين: فقال قوم: لن يجوز أن يؤلم الله سبحانه أحداً بألم تقوم اللذة في الصلاح مقامه وقال قوم: يجوز ذلك.

واختلفوا هل كان يجوز أن يبتدئ الله الخلق في الجنة ويتفضل عليهم باللذات دون الأذوات ولا يكلفهم شيئاً على مقالتين: فقال أكثر المعتزلة لن يجوز ذلك لأن الله سبحانه لا يجوز عليه في حكمته أن يعرض عباده إلا لأعلى المنازل وأعلى المنازل منزلة الثواب وقال: لا يجوز أن لا يكلفهم الله المعرفة ويستحيل أن يكونوا إليها مضطرين فلو لم يكونوا بها مأمورين لكان الله قد أباح لهم الجهل به وذلك خروج من الحكمة.

وقال قائلون: كان جائزاً أن يبتدئ الله سبحانه الخلق في الجنة ويبتدئهم بالتفضل ولا يعرضهم لمنزلة الثواب ولا يكلفهم شيئاً من المعرفة ويضطرهم إلى معرفته وهذا قول الجبائي وغيره.

واختلفت المعتزلة في لعن الله الكفار في الدنيا على مقالتين: فقال أكثرهم: ذلك عدل وحكمة وخير وصلاح للكفار لأن فيه زجراً لهم عن المعصية وغلوا في ذلك حتى زعموا أن عذاب جهنم في الآخرة نظر للكافرين في الدنيا ورحمة لهم بمعنى أن ذلك نظر لهم إذا كان قد زجرهم بكون ذلك في الآخرة عن معاصيه في الدنيا واستدعاء لهم إلى طاعته وهذا قول الإسكافي.

وقال قائلون منهم: ذلك عدل وحكمة ولا نقول هو خير وصلاح ونعمة ورحمة.

واختلفت المعتزلة في الصلاح الذي يقدر الله عليه هل له كل أم لا كل له على ثلاثة أقاويل: فقال أبو الهذيل: لما يقدر الله من الصلاح والخير كل وجميع وكذلك سائر مقدوراته لها كل ولا صلاح أصلح مما فعل.

وقال غيره: لا غاية لما يقدر الله عليه من الصلاح ولا كل لذلك وقالوا أن الله يقدر على صلاح لم يفعله إلا أنه مثل ما فعله.

وقال قائلون: كل ما يفعله يجوز ولا يجوز أن يكون صلاح لا يفعله وهذا قول عباد.

وقال قائلون: فيما يقدر الله أن يفعله بعباده شيء أصلح من شيء وقد يجوز أن يترك فعلاً هو صلاح إلى فعل آخر وهو صلاح يقوم مقامه.

واختلفت المعتزلة فيمن علم الله أن يؤمن من الأطفال والكفار أو يتوب من الفساق هل يجوز أن يميته قبل ذلك على مقالتين: فقال قائلون: لا يجوز ذلك بل واجب في حكمة الله أن لا يميتهم حتى يؤمنوا أو يتوبوا.

وأجاز بشر بن المعتمر وغيره أن يميتهم قبل أن يؤمنوا أو يتوبوا.

واختلفوا فيمن علم الله سبحانه أنه يزداد إيماناً خل يجوز أن يخترمه على مقالتين: فقال قوم من أصحاب الصلح: لا يجوز ذلك وقالوا في النبي () أن الله امتحنه قبل موته بما بلغ ثوابه على طاعته إياه قبل مبلغ ثوابه على طاعاته إياه لو أبقاه إلى يوم القيامة وجعل في هذه المحنة إعلامه أنه يموت في الوقت الذي مات فيه.

وقال قوم منهم أن ذلك جائز.

وأجمعت المعتزلة على أن الله سبحانه خلق عباده لينفعهم لا ليضرهم وأن ما كان من الخلق غير مكلف فإنما خلقه لينتفع به المكلف ممن خلق وليكون عبرة لمن يخلقه ودليلاً واختلفوا في خلق الشيء لا ليعتبر به على مقالتين: فقال أكثرهم: لن يجوز أن يخلق الله سبحانه الأشياء إلا ليعتبر بها العباد وينتفعوا بها ولا يجوز أن يخلق شيئاً لا يراه أحد ولا يحس به أحد من المكلفين.

وقال بعضهم ممن ذهب إلى أن الله عز وجل لم يأمر بالمعرفة إن جميع ما خلقه الله فلم يخلقه ليعتبر به أحد ويستدل به أحد وهذا قول ثمامة بن أشرس فيما أظن.

واختلفوا فيمن قطعت يده وهو مؤمن ثم كفر ومن قطعت يده وهو كافر ثم آمن على ثلاثة أقاويل: فقال قوم أنه يبدل يداً أخرى لا يجوز غير ذلك.

وقال قائلون لو أن مؤمناً قطعت يده فأدخل النار لبدلت يده المقطوعة في حال إيمانه وكذلك الكافر إذا قطعت يده ثم آمن لأن الكافر والمؤمن ليس هما اليد والرجل.

وقال قائلون: توصل يد المؤمن الذي كفر ومات على الكفر بكافر قطعت يده وهو كافر ثم آمن ثم مات على إيمانه وتوصل يد الكافر الذي قطعت يده وهو كافر ثم آمن ثم مات على إيمانه واختلفت المعتزلة هل خلق الله سبحانه الخلق لعلة أم لا على أربعة أقاويل: فقال أبو الهذيل: خلق الله عز وجل خلقه لعلة والعلة هي الخلق والخلق هو الإرادة والقول وأنه إنما خلق الخلق لمنفعتهم ولولا ذلك كان لا وجه لخلقهم لأن من خلق ما لا ينتفع به ولا يزيل بخلقه عنه ضرراً ولا ينتفع به غيره ولا يضر به غيره فهو عابث.

وقال النظام: خلق الله الخلق لعلة تكون وهي المنفعة والعلة هي الغرض في خلقه لهم وما أراد من منفعتهم ولم يثبت علة معه لها كان مخلوقاً كما قال أبو الهذيل بل قال: هي علة تكون وهي الغرض.

وقال معمر: خلق الله الخلق لعلة والعلة لعلة وليس للعلل غاية ولا كل.

وقال عباد خلق الله سبحانه الخلق لا لعلة.

واختلفت المعتزلة في إيلام الأطفال على ثلاثة أقاويل: فقال قائلون: الله يؤلمهم لا لعلة ولم يقولوا أنه يعوضهم من إيلامه إياهم وأنكروا ذلك وأنكروا أن يعذبهم في الآخرة.

وقال أكثر المعتزلة أن الله سبحانه يؤلمهم عبرة للبالغين ثم يعوضهم ولولا أنه يعوضهم لكان إيلامه إياهم ظلماً.

وقال أصحاب اللطف أنه آلمهم ليعوضهم وقد يجوز أن يكون إعطاؤه إياهم ذلك العوض من غير ألم أصلح وليس عليه أن يفعل الأصلح.

واختلفوا هل يجوز أن يبتدئ الله سبحانه الأطفال بمثل العوض من غير ألم أم لا على مقالتين: فأجاز ذلك بعض المعتزلة وأنكره بعضهم.

واختلفوا في العوض الذي يستحقه الأطفال هل هو عوض دائم أم لا على مقالتين: فقال قائلون: الذي يستحقونه من العوض الدائم.

وقال قائلون: إدامة العوض تفضل وليس باستحقاق.

وأجمعت المعتزلة على أنه لا يجوز أن يؤلم الله سبحانه الأطفال في الآخرة ولا يجوز أن يعذبهم.

واختلفوا في عوض البهائم على خمسة أقاويل: فقال قوم أن الله سبحانه يعوضها في المعاد وأنها تنعم في الجنة وتصور في أحسن الصور فيكون نعيمها لا انقطاع له.

وقال قوم: يجوز أن يعوضها الله سبحانه في دار الدنيا ويجوز أن يعوضها في الموقف ويجوز أن يكون في الجنة على ما حكينا عن المتقدمين.

وقال جعفر بن حرب والإسكافي: قد يجوز أن تكون الحيات والعقارب وما أشبهها من الهوام والسباع تعوض في الدنيا أو في الموقف ثم تدخل جهنم فتكون عذاباً على الكافرين والفجار ولا ينالهم من ألم جهنم شيء كما لا ينال خزنة جهنم.

وقال قوم: قد نعلم أن لهم عوضاً ولا ندري كيف هو.

وقال عباد أنها تحشر وتبطل.

واختلف الذين قالوا بإدامة عوضها على مقالتين: فقال قوم أن الله يكمل عقولهم حتى يعطوا دوام عوضهم لا يؤلم بعضهم بعضاً وقال قوم: بل تكون على حالها في الدنيا.

واختلفوا في الاقتصاص لبعضها من بعض على ثلاثة أقاويل: فقال قائلون: يقتص لبعضها من بعض في الموقف وأنه لا يجوز إلا ذلك وليس يجوز الاقتصاص والعقوبة بالنار ولا بالتخليد في العذاب لأنهم ليسوا بمكلفين وقال قوم: لا قصاص بينهم.

وقال قوم أن الله سبحانه يعوض البهيمة لتمكينه البهيمة التي جنت عليها ليكون ذلك العوض عوضاً لتمكينه إياها منها هذا قول الجبائي.

واختلفوا فيمن دخل زرعاً لغيره على مقالتين: فقال أبو شمر وهو يوافقهم في التوحيد والقدر: إذا دخل الرجل زرعاً لغيره فحرام عليه أن يقف فيه أو يتقدم أو يتأخر فإن تاب وندم فليس يمكنه إلا أن يكون عاصياً لله عز وجل وأنه ملوم على ذلك وقال غيره: الواجب عليه إذا ندم أن يخرج منه ويضمن جميع ما استهلك.

واختلفوا في نعيم الجنة هل هو تفضل أو ثواب على مقالتين: فقال قائلون: كل ما في الجنة ثواب ليس بتفضل.

وقال بعضهم: بل ما فيها تفضل ليس بثواب.

القول في الآجال: اختلفت المعتزلة في ذلك على قولين: فقال أكثر المعتزلة: الأجل هو الوقت الذي في معلوم الله سبحانه أن الإنسان يموت فيه أو يقتل فإذا قتل قتل بأجله وإذا مات مات بأجله وشذ قوم من جهالهم فزعموا أن الوقت الذي في معلوم الله سبحانه أن الإنسان لو لم يقتل لبقي إليه هو أجله دون الوقت الذي قتل فيه.

واختلف الذين زعموا أن الأجل هو الوقت الذي في معلوم الله سبحانه أن الإنسان يموت فيه أو يقتل في المقتول الذي لو لم يقتل هل كان يموت أم لا على ثلاثة أقاويل: فقال بعضهم: إن الرجل لو لم يقتل مات في ذلك الوقت وهذا قول أبي الهذيل.

وقال بعضهم: يجوز لو لم يقتله القاتل أن يموت ويجوز أن يعيش وأحال منهم محيلون هذا القول.

قالت المعتزلة أن الأجسام الله خالقها وكذلك الأرزاق وهي أرزاق الله سبحانه فمن غصب إنساناً مالاً أو طعاماً فأكله أكل ما رزق الله غيره ولم يرزقه إياه وزعموا بأجمعهم أن الله سبحانه لا يرزق الحرام كما لا يملك الله الحرام وأن الله سبحانه إنما رزق الذي ملكه إياهم دون الذي غصبه.

وقال أهل الإثبات: الأرزاق على ضربين: منها ما ملكه الله الإنسان ومنها ما جعله غذاءً له وقواماً لجسمه وإن كان حراماً عليه فهو رزقه إذ جعله الله سبحانه غذاءً له لأنه قوام لجسمه.

القول في الشهادة: اختلفت المعتزلة في ذلك على أربعة أقاويل: فقال قائلون: هو الصبر على ما ينال الإنسان من ألم الجراح المؤدي إلى القتل والعزم على ذلك وعلى التقدم إلى الحرب وعلى الصبر على ما يصيبه وكذلك قالوا في المبطون والغريق ومن مات تحت الهدم قالوا: وإن غوفص إنسان من المسلمين بشيء مما ذكرنا فكان عزمه على التسليم والصبر قد كان تقدم ودخل في جملة اعتقاده.

وقال قائلون: الشهادة هي الحكم من الله سبحانه لمن قتل من المؤمنين في المعركة بأنه شهيد وتسميته بذلك.

وقال قائلون: الشهداء هم العدول قتلوا أو لم يقتلوا وزعموا أن الله سبحانه قال: " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس " فالشهداء هو المشاهدون لهم ولأعمالهم وهم العدول المرضيون.

القول في الختم والطبع: اختلفت المعتزلة في ذلك على مقالتين: فزعم بعضهم أن الختم من الله سبحانه والطبع على قلوب الكفار هو الشهادة والحكم أنهم لا يؤمنون وليس ذلك بمانع لهم من الإيمان.

وقال قائلون: الختم والطبع هو السواد في القلب كما يقال طبع السيف إذا صدئ من غير أن يكون ذلك مانعاً لهم عما أمرهم به وقالوا: جعل الله ذلك سمة لهم تعرف الملائكة بتلك السمة في القلب أهل ولاية الله سبحانه من أهل عداوته.

وقال أهل الإثبات: قوة الكفر طبع وقال بعضهم: معنى أن الله طبع على قلوب الكافرين أي خلق فيها الكفر وقالت البكرية ما سنذكره بعد هذا الموضع إن شاء الله.

القول في الهدى: اختلفت المعتزلة هل يقال أن الله سبحانه هدى الكافرين أم لا على مقالتين: فقال أكثر المعتزلة أن الله هدى الكافرين فلم يهتدوا ونفعهم بأن قواهم على الطاعة فلم ينتفعوا وقال قائلون: لا نقول أن الله هدى الكافرين على وجه من الوجوه بأن بين لهم ودلهم لأن بيان الله ودعاءه هدى لمن قبل دون من لم يقبل كما أن دعاء إبليس إضلال لمن قبل دون من لم يقبل.

وقال أهل الإثبات: لو هدى الله الكافرين لاهتدوا فلما لم يهدهم لم يهتدوا وقد يهديهم بأن يقويهم على الهدى فتسمى القدرة على الهدى هدى وقد يهديهم بأن يخلق هداهم.

واختلف الذين قالوا أن الله هدى الكافرين بأن بين لهم ودلهم وأن هذا هو الهدى العام في الهدى الذي يفعله بالمؤمنين دون الكافرين على مقالتين: فقال قائلون: قد نقول أن الله هدى المؤمنين بأن سماهم مهتدين وحكم لهم بذلك وقالوا: ما يزيد الله المؤمنين بإيمانهم من الفوائد والألطاف هو هدى كما قال: " والذين اهتدوا زادهم هدى ".

وقال قائلون: لا نقول أن الله هدى بأن سمى وحكم ولكن نقول هدى الخلق أجمعين بأن دلهم وبين لهم وأنه هدى المؤمنين بما يزيدهم من ألطافه وذلك ثواب يفعله بهم في الدنيا وأنه يهديهم في الآخرة إلى الجنة وذلك ثواب من الله سبحانه لهم كما قال: " يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم " هذا قول الجبائي.

وزعم إبراهيم النظام أنه قد يجوز أن يسمى طاعة المؤمنين وإيمانهم بالهدى وبأنه هدى الله فيقال هذا هدى الله أي دينه.

اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقاويل: فقال أكثر المعتزلة: معنى الضلال من الله يحتمل أن يكون التسمية لهم والحكم بأنهم ضالون ويحتمل أن يكون لما ضلوا عن أمر الله سبحانه أخبر أنه أضلهم أي أنهم ضلوا عن دينه ويحتمل أن يكون الإضلال هو ترك إحداث اللطف والتسديد والتأييد الذي يفعله الله بالمؤمنين فيكون ترك ذلك إضلالاً ويكون الإضلال فعلاً حادثاً ويحتمل أن يكون لما وجدهم ضلالاً أخبر أنه أضلهم كما يقال أجبن فلان فلاناً إذا وجده جباناً.

وقال بعضهم: إضلال الله الكافرين هو إهلاكه إياهم وهو عقوبة منه لهم واعتل بقول الله عز وجل: " في ضلال وسعر " والسعر سعر النار وبقوله: " أئذا ضللنا في الأرض " أي هلكنا وتفرقت أجزاؤنا.

وقال أهل الإثبات أقاويل: قال بعضهم: الإضلال عن الدين قوة على الكفر وقال بعضهم: الإضلال عن الدين هو الترك هذا قول الكوساني وقال بعضهم: معنى أضلهم أي خلق ضلالهم وامتنعت المعتزلة أن تقول أن الله سبحانه أضل عن الدين أحداً من خلقه.

القول في التوفيق والتسديد: اختلفوا في التوفيق والتسديد على أربعة أقاويل: فقال قائلون: التوفيق من الله سبحانه ثواب يفعله مع إيمان العبد ولا يقال للكافر موفق وكذلك التسديد.

وقال جعفر بن حرب: التوفيق والتسديد لطفان من ألطاف الله سبحانه لا يوجبان الطاعة في العبد ولا يضطرانه إليها فإذا أتى الإنسان بالطاعة كان موفقاً مسدداً.

وقال الجبائي: التوفيق هو اللطف الذي في معلوم الله سبحانه أنه إذا فعله وفق الإنسان للإيمان في الوقت فيكون ذلك اللطف توفيقاً لأن يؤمن وأن الكافر إذا فعل به اللطف الذي يوفق للإيمان في الوقت الثاني فهو موفق لأن يؤمن في الثاني ولو كان في هذا الوقت كافراً وكذلك العصمة عنده لطف من ألطاف الله.

وقال أهل الإثبات: التوفيق هو قوة الإيمان وكذلك العصمة.

القول في العصمة: اختلفوا في العصمة فقال بعضهم: العصمة من الله سبحانه ثواب للمعتصمين.

وقال بعضهم: العصمة لطف من الله يفعله بالعبد فيكون به معتصماً.

وقال بعضهم: العصمة على وجهين: أحدهما هو الدعاء والبيان والزجر والوعد والوعيد وقد فعله بالكافرين ولكن لا يطلق أنه معصوم ويقال أن الله عصمه فلم يعتصم والوجه الآخر ما يزيد الله المؤمنين بإيمانهم من الألطاف والأحكام والتأييد وقد يتفاضل الناس في العصمة ويكون ضرب من العصمة إذا آتاه بعض عبيده آمن طوعاً وإذا أعطاه غيره ازداد كفراً وإذا منعه إياه أتى بكفر دون ذلك فيتفضل به على من يعلم أنه ينتفع ويمنعه من يعلم أنه يزداد كفراً قالوا وقد يجوز أن يكون شيء صلاحاً لواحد ضرراً على غيره قالوا وقد يعصم الله سبحانه من الشيء باضطرار كالعصمة من قتل نبيه ().

القول في النصرة والخذلان: قالت المعتزلة أن نصر الله المؤمنين قد يكون على معنى نصرهم بالحجة كما قال: " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا " وقد تكون النصرة بمعنى أن يزلزل أقدام الكافرين ويرعب قلوبهم فينهزموا فيكون ناصراً للمؤمنين عليهم وخاذلاً لهم بما طرحه من الرعب في قلوبهم فإن انهزم المؤمنون لم يكن ذلك بخذلان من الله سبحانه لهم بل هم منصورون بالحجة على الكافرين وإن كانوا منهزمين.

وقال أهل الإثبات: النصر من الله ما يفعله ويقذفه في قلوب المؤمنين من الجرأة على الكافرين وقد تسمى القوة على الإيمان نصراً.

فأما الخذلان فإنهم اختلفوا فيه على ثلاثة أقاويل: فقال بعضهم: الخذلان هو ترك الله سبحانه أن يحدث من الألطاف والزيادات ما يفعله بالمؤمنين كنحو قوله: " والذين اهتدوا زادهم هدى " فترك الله سبحانه أن يفعل هو الخذلان من الله للكافرين.

وقال بعضهم: الخذلان من الله سبحانه هو تسميته إياهم والحكم بأنهم مخذولون.

وقال بعضهم: الخذلان عقوبة من الله سبحانه وهو ما يفعله بهم من العقوبات.

وقال أهل الإثبات قولين: قال بعضهم: الخذلان قوة الكفر وقال بعضهم: خذلهم أي خلق كفرهم.

القول في الولاية والعداوة: اختلفت المعتزلة في ذلك على مقالتين: فقالت المعتزلة إلا بشر بن المعتمر وطوائف منهم أن الولاية من الله سبحانه للمؤمنين مع إيمانهم وكذلك عداوته للكافرين مع كفرهم والولاية عندهم الأحكام الشرعية والمدح وأحداث الألطاف والعداوة ضد ذلك وكذلك قالوا في الرضى والسخط.

وقال بشر بن المعتمر: الولاية والعداوة تكونان بعد حال الإيمان والكفر.

وقال قائلون منهم: الولاية مع الإيمان والعداوة مع الكفر وهما غير الأحكام والأسماء وكذلك وقال غير المعتزلة: الولاية والعداوة من صفات الذات وكذلك الرضى والسخط.

القول في الثواب في الدنيا: اختلفت المعتزلة في ذلك على مقالتين: فقال إبراهيم النظام لا يكون الثواب إلا في الآخرة وإن ما يفعله الله سبحانه بالمؤمنين في الدنيا من المحبة والولاية ليس بثواب لأنه إنما يفعله بهم ليزدادوا إيماناً وليمتحنهم بالشكر عليه.

وقال سائر المعتزلة أن الثواب قد يكون في الدنيا وأن ما يفعله الله سبحانه من الولاية والرضى على المؤمنين فهو ثواب.

واختلفت المعتزلة في الإيمان ما هو على ستة أقاويل: فقال قائلون: الإيمان هو جميع الطاعات فرضها ونفلها وأن المعاصي على ضربين: منها صغائر ومنها كبائر وأن الكبائر على ضربين: منها ما هو كفر ومنها ما ليس بكفر وأن الناس يكفرون من ثلاثة أوجه: رجل شبه الله سبحانه بخلقه ورجل جوره في حكمه أو كذبه في خبره ورجل رد ما أجمع المسلمون عليه عن نبيهم () نصاً وتوقيفاً فأكفر هؤلاء من زعم أن البارئ جسم مؤلف محدود ولم يكفروا من سماه جسماً ولم يعطه معاني الأجسام وأكفروا من زعم أن الله سبحانه يرى كما ترى المرئيات بالمقابلة أو المحاذاة أو في مكان حالاً فيه دون مكان ولم يزعموا أنه يرى لا كالمرئيات وأكفروا من زعم أن الله خلق الجور وأراد السفه وكلف الزمنى والعجزة الذين فيهم العجز ثابت لأن هؤلاء بزعمهم سفهوا الله وجوروه ولم يكفروا من قصد إلى قادر على الفعل فقال قد كلفه الله سبحانه وليس بقادر لأنه قد كذب على القادر عندهم فأخبر أنه ليس بقادر ولم يكذب على الله في تكليفه إياه ولا وصفه بالعبث عندهم والقائل بهذا القول هم أصحاب أبي الهذيل وإلى هذا القول كان يذهب أبو الهذيل وحكي عنه أن الصغائر تغفر لمن اجتنب الكبائر على طريق التفضل لا على طريق الاستحقاق وزعم أن الإيمان كله إيمان بالله منه ما تركه كفر ومنه ما تركه فسق ليس بكفر كالصلاة وصيام شهر رمضان ومنه ما تركه صغير ليس بفسق ولا كفر ومنه ما تركه ليس بكفر ولا بعصيان كالنوافل.

وقال هشام الفوطي: الإيمان جميع الطاعات فرضها ونفلها والإيمان على ضربين: إيمان بالله وإيمان لله ولا يقال أنه إيمان بالله فالإيمان بالله ما كان تركه كفراً بالله والإيمان لله يكون تركه كفراً ويكون تركه فسقاً ليس بكفر نحو الصلاة والزكاة فذلك إيمان لله فمن تركه على الاستحلال كفر ومن تركه على التحريم كان تركه فسقاً ليس بكفر ومما هو إيمان لله عند هشام ما يكون تركه صغيراً ليس بفسق.

وقال عباد بن سليمان: الإيمان هو جميع ما أمر الله سبحانه به من الفرض وما رغب فيه من النفل والإيمان على وجهين: إيمان بالله وهو ما كان تاركه أو تارك شيء منه كافراً كالملة والتوحيد والإيمان لله إذا تركه تارك لم يكفر ومن ذلك ما يكون تركه ضلالاً وفسقاً ومنه ما يكون تركه صغيراً وكل أفعال الجاهل بالله عنده كفر بالله.

وقال إبراهيم النظام: الإيمان اجتناب الكبائر والكبائر ما جاء فيه الوعيد وقد يجوز أن يكون فيما لم يجئ فيه الوعيد كبير عند الله ويجوز أن لا يكون فيه كبير وإن لم يكن فيه كبير فالإيمان اجتناب ما فيه الوعيد عندنا وعند الله سبحانه وإن كان فيما لم يجئ فيه الوعيد كبير فالتسمية له بالإيمان وبأنه مؤمن يلزم باجتناب ما فيه الوعيد عندنا فأما عند الله سبحانه فاجتناب كل كبير.

وقال آخرون: الإيمان اجتناب ما فيه الوعيد عندنا وعند الله وهو ما يلزم به الاسم وما سوى ذلك فصغير مغفور باجتناب الكبير.

وكان محمد بن عبد الوهاب الجبائي يزعم أن الإيمان لله هو جميع ما افترضه الله سبحانه على عباده وأن النوافل ليس بإيمان وأن كل خصلة من الخصال التي افترضها الله سبحانه فهي بعض إيمان لله وهي أيضاً إيمان بالله وأن الفاسق الملي مؤمن من أسماء اللغة بما فعله من الإيمان وكان يزعم أن الأسماء على ضربين: منها أسماء اللغة ومنها أسماء الدين فأسماء اللغة المشتقة من الأفعال تتقضى مع تقضي الأفعال وأسماء الدين يسمى بها الإنسان بعد تقضي فعله وفي حالة فعله فالفاسق الملي مؤمن من أسماء اللغة يتقضى الاسم عنه مع تقضي فعله للإيمان وليس يسمى بالإيمان من أسماء الدين وكان يزعم أن في اليهودي إيماناً نسميه به مؤمناً مسلماً من أسماء اللغة.

وكانت المعتزلة بأسرها قبله إلا الأصم تنكر أن يكون الفاسق مؤمناً وتقول أن الفاسق ليس بمؤمن ولا كافر وتسميه منزلة بين المنزلتين وتقول: في الفاسق إيمان لا نسميه به مؤمناً وفي اليهودي إيمان لا نسميه به مؤمناً.

وكان الجبائي يزعم أن من الذنوب صغائر وكبائر وأن الصغائر يستحق غفرانها باجتناب الكبائر وأن الكبائر تحبط الثواب على الإيمان واجتناب الكبائر يحبط عقاب الصغائر وكان يزعم أن العزم على الكبير كبير والعزم على الصغير صغير والعزم على الكفر كفر وكذلك قول أبي الهذيل كان يقول في العازم أنه كالمقدم عليه.

وقال أبو بكر الأصم: الإيمان جميع الطاعات ومن عمل كبيراً ليس بكفر من أهل الملة فهو فاسق بفعله للكبير لا كافر ولا منافق مؤمن بتوحيده وما فعل من طاعته.

وزعمت المعتزلة أن الله سمى إيماناً ما لم يكن في اللغة إيماناً.

فقال قائلون منهم: كل ما أتى فيه الوعيد فهو كبير وكل ما لم يأت فيه الوعيد فهو صغير.

وقال قائلون: كل ما أتى فيه الوعيد فكبير وكل ما كان مثله في العظم فهو كبير وكل ما لم يأت فيه الوعيد أو في مثله فقد يجوز أن يكون كله صغيراً ويجوز أن يكون بعضه كبيراً وبعضه صغيراً وليس يجوز أن لا يكون صغيراً ولا شيئاً منه.

وقال جعفر بم مبشر: كل عمد كبير وكل مرتكب لمعصية متعمداً لها فهو مرتكب لكبيرة.

واختلفت المعتزلة في غفران الصغائر على ثلاثة أقاويل: فقال قائلون أن الله سبحانه يغفر الصغائر إذا اجتنبت الكبائر تفضلاً.

وقال قائلون: يغفر الصغائر إذا اجتنبت الكبائر باستحقاق وقال قائلون: لا يغفر الصغائر إلا بالتوبة.

واختلفت المعتزلة هل يجوز أن يجتمع ما ليس بكبير وما ليس بكبير فيكون كبيراً على مقالتين: فقال كثير من المعتزلة: لا يجوز أن يجتمع ما ليس بكبير وما ليس بكبير فيكون كبيراً وليس يجوز أن يجتمع ما ليس بكفر وما ليس بكفر فيكون كفراً.

وقال الجبائي: الصغائر تقع من مجتنبي الكبائر مغفورة ويجوز أن يجتمع ما ليس بكبير وما ليس بكبير من مجتنبي الكبائر فيكون ذلك كبيراً كالرجل يسرق درهماً ثم درهماً حتى يكون سارقاً لخمسة دراهم يسرقها درهماً درهماً قد يجوز أن يكون سرقه كل درهم على انفراده صغيراً فإذا اجتمع ذلك كان كبيراً.

وقال غيره من المعتزلة: إن لم يكن سرقه كل درهم على انفراده كبيراً فليس ذلك إذا اجتمع كبيراً ولكن الذنب الكبير منعه الخمسة دراهم.

واختلفت المعتزلة في التائب يتوب من الذنب ثم يعود إليه هل يؤخذ به على مقالتين: فقال قائلون: يؤخذ بالذنب الذي تاب منه إذا عاد إليه.

وقال قائلون: لا يؤخذ بما سلف لأنه قد تاب منه.

واختلفوا في آخذ الدرهم وسارقه من حرز هل يفسق أم لا على مقالتين: فزعم أبو الهذيل أنه فاسق لأنه قد أباح يده فقهاء من فقهاء المسلمين ولم يفسقه غيره من المعتزلة إلا جعفر بن مبشر إذا اعتمد ذلك.

واختلفوا في خائن درهم فصاعداً على خمسة أقاويل: فزعم جعفر بن مبشر أن مرتكب معصية متعمداً لها فاسق وإن كانت سرقة درهم أو أقل أو أكثر وأي معصية كانت.

وقال الجبائي: من عزم أن يخون في درهم وثلثين في الوقت الثاني من حال عزمه ثم جاء الوقت الثاني فأراد ذلك وفعله فسق لأن العزم على ذلك كفعل المعزوم عليه والإرادة لأخذ الدرهم وثلثين كأخذ الدرهم وثلثين فإذا اجتمع ذلك فهو كخائن خمسة دراهم.

وقال أبو الهذيل: لا يفسق إلا بأخذ خمسة دراهم من غير حلها أو بمنعها ولا يفسق في أقل من ذلك إلا سارق الدرهم بإباحة يده فقهاء من فقهاء الأمة.

وقال قائلون: لا يفسق السارق لأقل من عشرة دراهم والخائن لأقل منها وإنما يفسق من سرق عشرة دراهم فصاعداً أو خانها.

وقال قائلون: لا يفسق الخائن إلا في مائتي درهم وهذا قول النظام.

واختلفت المعتزلة فيمن لم يؤد زكاته على مقالتين: فزعم هشام الفوطي أنه لا يكون مانعاً للزكاة إلا إذا عزم أن لا يؤديها أبداً فمن عزم أن لا يؤديها وقتاً ما فليس بضال.

وقال غيره من المعتزلة: من منعها أهل الحاجة وقد وجبت عليه لزمه الفسق إذا منع خمسة دراهم على قول أصحاب الخمسة أو عشرة على قول أصحاب العشرة أو مائتين على قول أصحاب المائتين.

وأجمع أصحاب الوعيد من المعتزلة أن من أدخله الله النار خلده فيها.

فزعم بعضهم أنه يقال له آمن ولا يقال له مؤمن وهذا قول عباد.

وقال قائلون: لا يقال آمن ولا يقال مؤمن.

وقال الجبائي: يقال آمن من أوصاف اللغة ويقال مؤمن من أسماء اللغة.

واختلفت المعتزلة هل يعلم وعيد الكفار بالعقل أو بالخبر دون العقل على ستة أقاويل: فقال بعضهم: العذاب على الكبائر كلها الكفر منها وغير الكفر واجب في العقول وأن إدامته كذلك.

وقال بعضهم: ليس يجب هذا في كل الذنوب ولكن في الكفر خاصة.

وقال بعضهم: ليس يجب في العقول إلا التفريق بين المحسن والمسيء والولي والعدو والتفرقة تكون بضروب شتى منها تعذيب المذنب بعذاب لا ينقطع وسلامة المطيع من ذلك ومنها إفناؤه وإبقاء المطيع ومنها تفضيل المطيع في النعم ولله عندهم أن يعفو عن جميع المذنبين ويديم نعيمهم تفضلاً.

وقال بعض من يميل إلى هذا القول: مظالم العباد لا يجوز العفو عنها إلا بعد عفو أهلها وإن لم يقع العفو منهم فالقصاص واجب فيها.

وقال عباد بن سليمان: إن أهل العفو يعلمون أن الله سبحانه يجازي على كل ذنب كائناً ما كان حتى يفرق بين الفاعل وغيره ولا يعلمون ما ذلك الجزاء والجزاء والله يعلم ما هو وإن يكون إلا من قبل السمع.

وقال قائلون: ليس يعلم عقاب الكفار إلا من جهة الخبر.

واختلفوا هل كان في العقل يجوز أن يغفر الله لعبده ذنباً ويعذب غيره على مثله أم لا على مقالتين: فأجاز ذلك بعضهم وهو الجبائي وأنكره أكثرهم.

وأجمعت المعتزلة القائلون بالوعيد أن الأخبار إذا جاءت من عند الله ومخرجها عام كقوله: " وإن الفجار لفي جحيم " " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " فليس بجائز إلا أن تكون عامة في جميع أهل الصنف الذي جاء فيهم الخبر من مستحليهم ومحرميهم وزعموا جميعاً أنه لا يجوز أن يكون الخبر خاصاً أو مستثنى منه والخبر ظاهر الإخبار والاستثناء والخصوصية ليسا بظاهرين وليس يجوز عندهم أن يكون الخبر خاصاً وقد جاء مجيئاً عاماً إلا ومع الخبر ما يخصصه أو تكون خصوصيته في العقل ولا يجوز أن يكون خاصاً ثم يجيء الخصوصية بعد الخبر.

واختلفوا إذا سمع السامع الخبر الذي ظاهره العموم ولم يكن في العقل ما يخصصه ما الذي عليه فقال قائلون: عليه أن يقف في عمومه حتى يتصفح القرآن والإجماع والأخبار فإذا لم يجد للخبر تخصيصاً في القرآن ولا في الإجماع ولا في الأخبار ولا في السنن قضى على عمومه وهذا قول النظام.

وقال قائلون: إذا جاء الخبر ومخرجه العموم فعلى السامع لذلك أن يجعله في جميع من لزمه الاسم الذي سمي به أهل تلك الصفة الذين جاء فيهم الخبر ولا يعرف من يلزمه ذلك الاسم حتى يلقى أهل اللغة فيعفونه من الذي يلزمه ذلك الاسم فإذا علم ذلك من قبل أهل اللغة سمى به أهلها وقضى بعموم الخبر لمن لزمه الاسم وزعم قائل هذا أنه لو كان في معلوم الله سبحانه أنه يسمع الآية التي ظاهرها العموم من لا يسمع ما يخصصها لم يجز أن ينزلها إلا ومعها تخصيصها فلما كان في معلومه أنه لا يسمع الآية التي ظاهرها العموم والمراد بها الخصوص إلا من يسمع تخصيصها إذا نزلها أوجب على كل من سمع آية ظاهرها العموم ولم يسمع لها تخصيصاً أن يقضي على عمومها وهذا قول أبي الهذيل والشحام.

واختلفوا بأي شيء يعلم وعيد أهل الكبائر على ثلاثة أقاويل: فزعم زاعمون أن ذلك يعلم من جهة التنزيل هذا قول أبي الهذيل وقال بعضهم: ليس يعلم ذلك من قبل التنزيل ولكن من قبل التأويل وهذا قول الفوطي.

وقال الأصم أنه ليس من قبل التنزيل علم بذلك ولا من قبل التأويل ولكن من قبل أن أهل الفسق مشتومون عند أهل الصلاة ولا يكون أحد مشتوماً إلا وهو عدو لله ومن كان عدواً لله كان من أهل النار.

وأجمعت المعتزلة إلا الأصم على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإمكان والقدرة باللسان واليد والسيف كيف قدروا على ذلك.

فهذه أصول المعتزلة الخمسة التي يبنون عليها أمرهم قد أخبرنا عن اختلافهم فيها وهي التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإثبات الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ذكر قول الجهمية

الذي تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله وحده وأنه هو الفاعل وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز كما يقال: تحركت الشجرة ودار الفلك وزالت الشمس وإنما فعل ذلك بالشجرة والفلك والشمس الله سبحانه إلا أنه خلق للإنسان قوة كان بها الفعل وخلق له إرادة للفعل واختياراً له منفرداً له بذلك كما خلق له طولاً كان به طويلاً ولوناً كان به متلوناً وكان جهم ينتحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقتل جهم بمرو قتله سلم بن أحوز المازني في آخر ملك بني أمية ويحكى عنه أنه كان يقول: لا أقول أن الله سبحانه شيء لأن ذلك تشبيه له بالأشياء وكان يقول أن علم الله سبحانه محدث فيما يحكى عنه ويقول بخلق القرآن وأنه لا يقال أن الله لم يزل عالماً بالأشياء قبل أن تكون.

ذكر قول الضرارية

أصحاب ضرار بن عمر والذي فارق ضرار بن عمرو به المعتزلة قوله أن أعمال العباد مخلوقة وأن فعلاً واحداً لفاعلين أحدهما خلقه وهو الله والآخر اكتسبه وهو العبد وأن الله عز وجل فاعل لأفعال العباد في الحقيقة وهم فاعلون لها في الحقيقة وكان يزعم أن الاستطاعة قبل الفعل ومع الفعل وأنها بعض المستطيع وأن الإنسان أعراض مجتمعة وكذلك الجسم أعراض مجتمعة من لون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ومجسة وغير ذلك وأن الأعراض قد يجوز أن تنقلب أجساماً وأبى ذلك أكثر الناس وأن الإنسان قد يفعل الطول والعرض والعمق وإن كان ذلك أبعاضاً للجسم.

وكلن يزعم أن كل ما تولد عن فعله كالألم الحادث عن الضربة وذهاب الحجر الحادث عن الدفعة وكان يزعم أن معنى أن الله قادر أنه ليس بجاهل ولا عاجز وكذلك كان يقول في سائر صفات البارئ لنفسه.

وحكي عنه أنه كان ينكر حرف ابن مسعود ويشهد أن الله سبحانه لم ينزله وكذلك حرف أبي بن كعب وأنه كان يزعم أنه لا يدري لعل سرائر العامة كلها كفر وتكذيب قال: ولو عرضوا علي إنساناً لوسعني أن أقول لعله يضمر الكفر قال وكذلك إذا سئلت عنهم جميعاً قلت لا أدري لعلهم يسرون الكفر.

وكان يزعم أن الله سبحانه يخلق حاسة سادسة يوم القيامة للمؤمنين يرون بها ماهيته أي ما هو وقد تابعه على ذلك حفص الفرد وغيره.

ذكر قول الحسينية الحسين بن محمد النجار زعم الحسين بن محمد النجار وأصحابه وهم الحسينية أن أعمال العباد مخلوقة لله وهم فاعلون لها وأنه لا يكون في ملك الله سبحانه إلا ما يريده وأن الله سبحانه لم يزل مريداً أن يكون في وقته ما علم أنه يكون في وقته مريداً أن لا يكون ما علم أنه لا يكون.

وأن الاستطاعة لا يجوز أن تتقدم الفعل وأن العون من الله سبحانه يحدث في حال الفعل مع الفعل وهو الاستطاعة وأن الاستطاعة الواحدة لا يفعل بها فعلان وأن لكل فعل استطاعة تحدث معه إذا حدث وأن الاستطاعة لا تبقى وأن في وجودها وجود الفعل وفي عدمها عدم الفعل وأن استطاعة الإيمان توفيق وتسديد وفضل ونعمة وإحسان وهدى وأن استطاعة الكفر ضلال وخذلان وبلاء وشر وأنه جائز كون الطاعة في حال المعصية التي هي تركها بأن لا تكون كانت المعصية التي هي تركها في ذلك الوقت وبأن لا يكون كان الوقت وقتاً للمعصية التي هي تركها.

وأن المؤمن مؤمن مهتد وفقه الله سبحانه وهداه وأن الكافر مخذول خذله الله سبحانه وأضله وطبع على قلبه ولم يهده ولم ينظر له وخلق كفره ولم يصلحه ولو نظر له وأصلحه لكان صالحاً.

وأنه جائز أن يؤلم الأطفال في الآخرة وجائز أن يتفضل عليهم فلا يؤلمهم.

وأن الله سبحانه لو لطف بجميع الكافرين لآمنوا وهو قادر أن يفعل بهم من الألطاف ما لو فعله بهم لآمنوا وأن الله سبحانه كلف الكفار ما لا يقدرون عليه لتركهم له لا لعجز حل فيهم ولا لآفة نزلت بهم.

وأن الإنسان لا يفعل في غيره وأنه لا يفعل الأفعال إلا في نفسه كنحو الحركات والسكون والإرادات والعلوم والكفر والإيمان وأن الإنسان لا يفعل ألماً ولا إدراكاً ولا رؤية ولا يفعل شيئاً على طريق التولد - وكان برغوث يميل إلى قوله ويزعم أن الأشياء المتولدة فعل الله بإيجاب الطبع وذلك أن الله سبحانه طبع الحجر طبعاً يذهب إذا دفع وطبع الحيوان طبعاً يألم إذا ضرب وقطع -.

وكان يزعم أن الله سبحانه لم يزل جواداً بنفي البخل عنه وأنه لم يزل متكلماً بمعنى أنه لم يزل غير عاجز عن الكلام وأن كلام الله سبحانه محدث مخلوق.

وكان يقول في التوحيد بقول المعتزلة إلا في باب الإرادة والجود وكان يخالفهم في القدر ويقول بالإرجاء.

وكان يزعم أنه جائز أن يحول الله سبحانه العين إلى القلب ويجعل في العين قوة القلب فيرى الله سبحانه الإنسان بعينه أي يعلمه بها وكان ينكر الرؤية لله عز وجل بالأبصار على غير هذا الوجه.

وكان يقول أن الميت يموت بأجله وكذلك المقتول يقتل بأجله.

وأن الله سبحانه يرزق الحلال ويرزق الحرام وأن الرزق على ضربين: رزق غذاء ورزق ملك.

وهم أصحاب بكر بن أخت عبد الواحد بن زيد والذي كان يذهب إليه في الكبائر التي تكون من أهل القبلة أنها نفاق كلها وأن مرتكب الكبيرة من أهل الصلاة عابد للشيطان مكذب لله سبحانه جاحد له منافق في الدرك الأسفل من النار مخلد فيها أبداً إن مات مصراً وأنه ليس في قلبه لله عز وجل إجلال ولا تعظيم وهو مع ذلك مؤمن مسلم وأن في الذنوب ما هو صغير وأن الإصرار على الصغائر كبائر.

وكان يزعم أن الإنسان إذا طبع الله سبحانه على قلبه لم يكن مخلصاً أبداً وحكى عنه زرقان أن الإنسان مأمور بالإخلاص مع الطبع وأن الطبع الحائل بينه وبين الإخلاص عقوبة له وأنه مأمور بالإيمان مع الطبع الحائل بينه وبين الإيمان.

وحكى زرقان عن عبد الواحد بن زيد أنه كان يقول أنه غير مأمور بالإخلاص وحكى بعض أصحابه عنه أنه كان ينكر الأمر بما قد حيل بينه وبينه.

وكان يزعم أن القاتل لا توبة له وكان يزعم أن الأطفال الذين في المهد لا يألمون ولو قطعوا وفصلوا ويجوز أن يكون الله سبحانه لذذهم عندما يضربون ويقطعون.

وكان يقول في علي والطلحة والزبير أنهم مغفور لهم قتالهم وأنه كفر وشرك وزعم أن الله سبحانه اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.

وكان يزعم أن الإنسان هو الروح وكذلك جميع الحيوان ولم يكن يجوز أن يحدث الله في جماد شيئاً من الحياة والعلم والقدرة.

وكان يزعم أن الله هو المخترع للألم عند الضربة وقد يجوز عنده أن يحدث الضربة ولا يحدث الله ألماً وكذلك قوله في باب التولد.

وحكى عنه أن الله بكل مكان.

وكان يقول أن الاستطاعة قبل الفعل فيما حكى عنه زرقان.

وكان يحرم أكل الثوم والبصل لأنه حرام على الإنسان أن يقرب المسجد إذا أكلهما وكان يرى الوضوء من قرقرة البطن.

هذه حكاية قول قوم من النساك وفي الأمة قوم ينتحلون النسك يزعمون أنه جائز على الله سبحانه الحلول في الأجسام وإذا رأوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري لعله ربنا.

ومنهم من يقول أنه يرى الله سبحانه في الدنيا على قدر الأعمال فمن كان عمله أحسن رأى معبوده أحسن.

ومنهم من يجوز على الله سبحانه المعانقة والملامسة والمجالسة في الدنيا وجوزوا مع ذلك على الله - تعالى عن قولهم - أن نلمسه.

ومنهم من يزعم أن الله سبحانه ذو أعضاء وجوارح وأبعاض لحم ودم على صورة الإنسان له ما للإنسان من الجوارح تعالى ربنا عن ذلك علواً كبيراً.

وكان في الصوفية رجل يعرف بأبي شعيب يزعم أن الله يسر ويفرح بطاعة أوليائه ويغتم ويحزن إذا عصوه.

وفي النساك قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى منزلة تزول عنهم العبادات وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم من الزنا وغيره مباحات لهم وفيهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم أن يروا الله سبحانه ويأكلوا من ثمار الجنة ويعانقوا الحور العين في الدنيا ويحاربوا الشياطين ومنهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضل من لنبين والملائكة المقربين.

هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله () لا يردون من ذلك شيئاً وأن الله سبحانه إله واحد فرد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأن محمداً عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.

وأن الله سبحانه على عرشه كما قال: " الرحمن على العرش استوى " وأن له يدين بلا كيف كما قال: " خلقت بيدي " وكما قال: " بل يداه مبسوطتان " وأن له عينين بلا كيف كما قال: " تجري بأعيننا " وأن له وجهاً كما قال: " ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ".

وأن أسماء الله لا يقال أنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج وأقروا أن الله سبحانه علماً كما قال: " أنزله بعلمه " وكما قال: " وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ".

وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة وأثبتوا لله القوة كما قال: " أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ".

وقالوا أنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله وأن الأشياء تكون بمشيئة الله كما قال عز وجل: " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله " وكما قال المسلمون: ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون.

وقالوا أن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله أو يكون أحد يقدر أن يخرج عن علم الله أو أن يفعل شيئاً علم الله أنه لا يفعله وأقروا أنه لا خالق إلا الله وأن سيئات العباد يخلقها الله وأن أعمال العباد يخلقها الله عز وجل وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً.

وأن الله سبحانه وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين ولطف بالمؤمنين ونظر لهم وأصلحهم وهداهم ولم يلطف بالكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم ولو أصلحهم لكانوا صالحين ولو هداهم لكانوا مهتدين وأن الله سبحانه يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن لا يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم وخذلهم وأضلهم وطبع على قلوبهم وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره ويؤمنون بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله كما قال ويلجئون أمرهم إلى الله سبحانه ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت والفقر إلى الله في كل حال.

ويقولون أن القرآن كلام الله غير مخلوق والكلام في الوقف واللفظ من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ولا يقال غير مخلوق.

ويقولون أن الله سبحانه يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله محجوبون قال الله عز وجل: " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " وأن موسى عليه السلام سأل الله سبحانه الرؤية في الدنيا وأن الله سبحانه تجلى للجبل فجعله دكاً فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة.

ولا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه كنحو الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من الكبائر وهم بما معهم من الإيمان مؤمنون وإن ارتكبوا الكبائر والإيمان عندهم هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره حلوه ومره وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم وما أصابهم لم يكن ليخطئهم والإسلام هو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله على ما جاء في الحديث والإسلام عندهم غير الإيمان.

ويقرون بأنه الله سبحانه مقلب القلوب.

ويقرون بشفاعة رسول الله () وأنها لأهل الكبائر من أمته وبعذاب القبر وأن الحوض حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق والمحاسبة من الله عز وجل للعباد حق والوقوف بين يدي الله حق.

ويقرون بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق ويقولون: أسماء الله هي الله ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين حتى يكون الله سبحانه ينزلهم حيث شاء ويقولون: أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ويؤمنون بأن الله سبحانه يخرج قوماً من الموحدين من النار على ما جاءت به الروايات عن رسول الله () وينكرون الجدل والمراء في الدين والخصومة في القدر والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم بالتسليم للروايات الصحيحة ولما جاءت به الآثار التي رواها الثقات عدلاً عن عدل حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله () ولا يقولون كيف ولا لم لأن ذلك بدعة.

ويقولون أن الله لم يأمر بالشر بل نهى عنه وأمر بالخير ولم يرض بالشر وإن كان مريداً له.

ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله سبحانه لصحبة نبيه () ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علياً رضوان الله عليهم ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي ().

ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله () أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر كما جاء الحديث عن رسول الله () ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال الله عز وجل: " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول " ويرون اتباع من سلف من أيمة الدين وأن لا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله.

ويقرون أن الله سبحانه يجيء يوم القيامة كما قال: " وجاء ربك والملك صفاً صفاً " وأن الله يقرب من خلقه كيف يشاء كما قال: " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ".

ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل إمام بر وفاجر ويثبتون المسح على الخفين سنة ويرونه في الحضر والسفر ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث الله نبيه () إلى آخر عصابة تقاتل الدجال وبعد ذلك.

ويرون الدعاء لأيمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرجوا عليهم بالسيف وأن لا يقاتولا في الفتنة ويصدقون بخروج الدجال وأن عيسى بن مريم يقتله.

ويؤمنون بمنكر ونكير والمعراج والرؤيا في المنام وأن الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل إليهم.

ويصدقون بأن في الدنيا سحرة وأن الساحر كافر كما قال الله وأن السحر كائن موجود في الدنيا.

ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة برهم وفاجرهم وموارثتهم.

ويقرون أن الجنة والنار مخلوقتان.

وأن من مات مات بأجله وكذلك من قتل قتل بأجله.

وأن الأرزاق من قبل الله سبحانه يرزقها عباده حلالاً كانت أم حراماً وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه.

وأن الصالحين قد يجوز أن يخصهم الله بآيات تظهر عليهم.

وأن السنة لا تنسخ بالقرآن.

وأن الأطفال أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء فعل بهم ما أراد وأن الله عالم بالعباد عاملون وكتب أن ذلك يكون وأن الأمور بيد الله ويرون الصبر على حكم الله والأخذ بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه وإخلاص العمل والنصيحة للمسلمين ويدينون بعبادة الله في العابدين والنصيحة لجماعة المسلمين واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والعصبية والفخر والكبر والإزراء على الناس والعجب.

ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار والنظر في الفقه مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق وبذل المعروف وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المأكل والمشرب.

فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين وعليه نتوكل وإليه المصير.

فإنهم يقولون بأكثر ما ذكرناه عن أهل السنة ويثبتون أن البارئ تعالى لم يزل حياً عالماً قادراً سميعاً بصيراً عزيزاً عظيماً جليلاً كبيراً كريماً مريداً متكلماً جواداً ويثبتون العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والعظمة والجلال والكبرياء والإرادة والكلام صفات لله سبحانه ويقولن أن أسماء الله سبحانه وصفاته لا يقال هي غيره ولا يقال أن علمه غيره كما قالت الجهمية ولا يقال أن علمه هو هو كما قال بعض المعتزلة وكذلك قولهم في سائر الصفات ولا يقولون العلم هو القدرة ولا يقولون غير القدرة ويزعمون أن الصفات قائمة بالله وأن الله لم يزل راضياً عمن يعلم أنه يموت مؤمناً ساخطاً على من يعلم أنه يموت كافراً وكذلك قوله في الولاية والعداوة والمحبة.

وكان يزعم أن القرآن كلام الله غير مخلوق وقوله في القدر كما حكينا عن أهل السنة والحديث وكذلك قوله في أهل الكبائر وكذلك قوله في رؤية الله سبحانه بالأبصار.

وكان يزعم أن البارئ لم يزل ولا مكان ولا زمان قبل الخلق وأنه على ما لم يزل عليه وأنه مستو على عرشه كما قال وأنه فوق كل شيء تعالى.

ذكر قول زهير الأثري فأما أصحاب زهير الأثري فإن زهيراً كان يقول أن الله سبحانه بكل مكان وأنه مع ذلك مستو على عرشه وأنه يرى بالأبصار بلا كيف وأنه موجود الذات بكل مكان وأنه ليس بجسم ولا محدود ولا يجوز عليه الحلول والمماسة ويزعم أن يجيء يوم القيامة كما قال: " وجاء ربك " بلا كيف.

ويزعم أن القرآن كلام الله محدث غير مخلوق وأن القرآن يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد وأن إرادة الله سبحانه ومحبته قائمتان بالله.

ويقول بالاستثناء كما يقول أصحاب الاستثناء من المرجئة الذين حكينا قولهم في الوعيد ويقول في القدر بقول المعتزلة ويزعم هو وسائر المرجئة أن الفساق من أهل القبلة مؤمنون بما معهم من الإيمان فاسقون بارتكاب الكبائر وأمرهم إلى الله سبحانه إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم.

أبو معاذ التومني فإنه يوافق زهيراً في أكثر أقواله ويخالفه في القرآن ويزعم أن كلام الله حدث غير محدث ولا مخلوق وهو قائم بالله لا في مكان وكذلك قوله في إرادته ومحبته.

هذا آخر الكلام في الجليل.

هذا ذكر اختلاف الناس في الدقيق فقال قائلون: الجسم هو ما احتمل الأعراض كالحركات والسكون وما أشبه ذلك فلا جسم إلا ما احتمل الأعراض ولا ما يحتمل أن تحل الأعراض فيه إلا جسم وزعموا أن الجزء الذي لا يتجزأ جسم يحتمل الأعراض وكذلك معنى الجوهر أنه يحتمل الأعراض وهذا قول أبي الحسين الصالحي وزعم صاحب هذا القول أن الجزء محتمل لجميع أجناس الأعراض غير أن التأليف لا يسمى حتى يكون تأليف آخر ولكن أحدهما قد يجوز على الجزء ولا نسميه تأليفاً اتباعاً للغة قالوا: وذلك أن أهل اللغة لم يجيزوا مماسة لا شيء قالوا: فإنما سمي ذلك عند مجامعة الآخر له وإلا فحظه من ذلك قد يقدر الله سبحانه أن يحدثه فيه وإن لم يكن آخر معه إذا كان يقوم به ولا يقوم بأخيه وشبهوا ذلك بالإنسان يحرك أسنانه فإن كان فيه شيء فذلك مضغ وإن لم يكن في فيه شيء لم يسم ذلك مضغاً.

وقال قائلون: الجسم إنما كان جسماً للتأليف والاجتماع وزعم هؤلاء أن الجزء الذي لا يتجزأ إذا جامع جزءاً آخر لا يتجزأ فكل واحد منهما جسم في حال الاجتماع لأنه مؤتلف بالآخر فإذا افترقا لم يكونا ولا واحد منهما جسماً وهذا قول بعض البغداذيين وأظنه عيسى الصوفي.

وقال قائلون: معنى الجسم أنه مؤتلف وأقل الأجسام جزءان ويزعمون أن الجزأين إذا تألفا فليس كل واحد منهما جسماً ولكن الجسم هو الجزءان جميعاً وأنه يستحيل أن يكون التركيب في واحد والواحد يحتمل اللون والطعم والرائحة وجميع الأعراض إلا التركيب وأحسب هذا القول للإسكافي.

وزعموا أن قول القائل: يجوز أن يجمع إليهما ثالث خطأ محال لأن كل واحد منهما مشغل لصاحبه وإذا أشغله لم يكن للآخر مكان لأنه إن كان جزءان مكانهما واحد فقد ماس الشيء أكثر من قدره ولو جاز ذلك جاز أن تكون الدنيا تدخل في قبضة فلهذا قال: لا يماس الشيء أكثر من قدره وهذا قول أبي بشر صالح بن أبي صالح ومن وافقه.

وقال أبو الهذيل: الجسم هو ما له يمين وشمال وظهر وبطن وأعلى وأسفل وأقل ما يكون الجسم ستة أجزاء أحدهما يمين والآخر شمال وأحدهما ظهر والآخر بطن وأحدهما أعلى والآخر أسفل وأن الجزء الواحد الذي لا يتجزأ يماس ستة أمثاله وأنه يتحرك ويسكن ويجامع غيره ويجوز عليه الكون والمماسة ولا يحتمل اللون والطعم والرائحة ولا شيئاً من الأعراض غير ما ذكرنا حتى تجتمع هذه الستة الأجزاء فإذا اجتمعت فهي الجسم وحينئذ يحتمل ما وصفنا.

وزعم بعض المتكلمين أن الجزأين اللذين لا يتجزأان يحلهما جميعاً التأليف وأن التأليف الواحد يكون في مكانين وهذا قول الجبائي.

وقال معمر: هو الطويل العريض العميق وأقل الأجسام ثمانية أجزاء فإذا اجتمعت الأجزاء وجبت الأعراض وهي تفعلها بإيجاب الطبع وأن كل جزء يفعل في نفسه ما يحله من الأعراض وزعم أنه إذا انضم جزء إلى جزء حدث طول وأن العرض يكون بانضمام جزأين إليهما وأن العمق يحدث بأن يطبق على أربعة أجزاء أربعة أجزاء فتكون الثمانية الأجزاء جسماً عريضاً طويلاً عميقاً.

وقال هشام بن عمر الفوطي أن الجسم ستة وثلاثون جزءاً بل يتجزأ وذلك أنه جعله ستة أركان وجعل كل ركن منه ستة أجزاء فالذي قال أبو الهذيل أنه جزء جعله هشام ركناً وزعم أن الأجزاء لا تجوز عليها المماسة وأن المماسات للأركان وأن الأركان التي كل ركن منها ستة أجزاء ليست الستة الأجزاء مماسة ولا مباينة ولا يجوز ذلك إلا على الأركان فإذا كان كذلك فهو محتمل لجميع الأعراض من اللون والطعم والرائحة والخشونة واللين والبرودة وما أشبه ذلك.

وقال قائلون: الجسم الذي سماه أهل اللغة جسماً هو ما كان طويلاً عريضاً عميقاً ولم يحدوا في ذلك عدداً من الأجزاء وإن كان لأجزاء الجسم عدد معلوم.

وقال هشام بن الحكم: معنى الجسم أنه موجود وكان يقول: إنما أريد بقولي جسم أنه موجود وأنه شيء وأنه قائم بنفسه.

وقال النظام: الجسم هو الطويل العريض العميق وليس لأجزائه عدد يوقف عليه وأنه لا نصف وقال عباد بن سليمان: الجسم هو الجوهر والأعراض التي لا ينفك منها وما كان قد ينفك منها من الأعراض فليس ذلك من الجسم بل ذلك غير الجسم وكان يقول: الجسم هو المكان ويعتل في البارئ تعالى أنه ليس بجسم بأنه لو كان جسماً لكان مكاناً ويعتل أيضاً بأنه لو كان جسماً لكان له نصف.

وقال ضرار بن عمرو: الجسم أعراض ألفت وجمعت فقامت وثبتت فصارت جسماً يحتمل العراض إذا حل والتغيير من حال إلى حال وتلك الأعراض هي ما لا تخلو الأجسام منه أو من ضده نحو الحياة والموت اللذين لا يخلو الجسم من واحد منهما والألوان والطعوم التي لا ينفك من واحد من جنسها وكذلك الزنة كالثقل والخفة وكذلك الخشونة واللين والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وكذلك الصمد فأما ما ينفك منه ومن ضده فليس ببعض له عنده وذلك كالقدرة والألم والعلم والجهل وليس يجوز عنده أن تجتمع هذه الأعراض وتصير أجساداً بعد وجودها ومحال أن يفعل بها ذلك إلا في حال ابتدائها لأنها لا تخرج إلى الوجود إلا مجتمعة وقد يمكن أن يجتمع عنده كلها وهي موجودة ومحال أن يفترق كلها وهي موجودة لأنها لو افترقت مع الوجود لكان اللون موجوداً لا لملون والحياة موجودة لا لحي فإذا قلت له: فليس يجوز على هذا القياس عليها الافتراق قال مرة: افتراقها فناؤها وقال مرة: الافتراق يجوز على الجسمين فأما أبعاض الجسم مع الوجود فلا وقد يجوز عنده أن يفنى بعض الجسم وهو موجود على أن يجعل مكانه ضده فإن لم يختلف الضدان يفن مع البعض وليس يجوز عنده أن يفنى الأكثر ولا النصف على هذه الشريطة لأن الحكم فيما زعم للأغلب فإذا كان الأغلب باقياً كانت سمة الجسم باقية وإذا ارتفع الأغلب لم تبق السمة على الأقل وقد يجوز عنده أن يفني الله بعضه ويحدث ضده وهو متحرك فيكون الكل الذي منه البعض الحادث في حال وجود الحركة متحركاً بتلك الحركة وكذلك لو كان ساكناً ومحال أن تقع الحركة عنده على شيء من الأعراض وإنما تقع على الجسم الذي هو أعراض مجتمعة.

وزعم سليمان بن جرير أن الاستطاعة هي أحد أبعاض الجسم كاللون والطعم وأنها مجاورة للجسم.

واختلف الناس في الجوهر وفي معناه على أربعة أقاويل

فقالت النصارى: الجوهر هو القائم بذاته وكل قائم بذاته فجوهر وكل جوهر فقائم بذاته.

وقال بعض المتفلسفة: الجوهر هو القائم بالذات القابل للمتضادات.

وقال قائلون: الجوهر ما إذا وجد كان حاملاً للأعراض وزعم صاحب هذا القول أن الجواهر جواهر بأنفسها وأنها تعلم جواهر قبل أن تكون والقائل بهذا القول هو الجبائي.

وقال الصالحي: الجوهر هو ما احتمل الأعراض وقد يجوز عنده ن يوجد الجوهر ولا يخلق الله فيه عرضاً ولا يكون محلاً للأعراض إلا أنه محتمل لها.

واختلفوا في الجواهر هل هي كلها أجسام أو قد يجوز وجود جواهر ليست بأجسام

على ثلاثة أقاويل: فقال قائلون: ليس كل جوهر جسماً والجوهر الواحد الذي لا ينقسم محال أن يكون جسماً لأن الجسم هو الطويل العريض العميق وليس الجوهر الواحد كذلك وهذا قول أبي الهذيل ومعمر وإلى هذا القول يذهب الجبائي.

وقال قائلون: لا جوهر إلا جسم وهذا قول الصالحي.

وقال قائلون: الجواهر على ضربين: جواهر مركبة وجواهر بسيطة غير مركبة فما ليس بمركب من الجواهر فليس بجسم وما هو مركب منها فجسم.

واختلف الناس هل الجواهر جنس واحد وهل جوهر العالم جوهر واحد على سبعة أقاويل: فقال قائلون: جوهر العالم جوهر واحد وأن الجواهر إنما تختلف وتتفق بما فيها من الأعراض وكذلك تغايرها بالأعراض إنما تتغاير بغيرية يجوز ارتفاعها فتكون الجواهر عيناً واحدة شيئاً واحداً وهذا قول أصحاب أرسطاطاليس.

وقال قائلون: الجواهر على جنس واحد وهي بأنفسها جواهر وهي متغايرة بأنفسها ومتفقة بأنفسها وليست تختلف في الحقيقة والقائل بهذا هو الجبائي.

وقال قائلون: الجوهر جنسان مختلفان أحدهما نور والآخر ظلمة وأنهما متضادان وأن النور كله جنس واحد والظلام كله جنس واحد وهم أهل التثنية وذكر عن بعضهم أن كل واحد منهما خمسة أجناس من سواد وبياض وحمرة وصفرة وخضرة.

وقال قائلون: الجواهر ثلاثة أجناس مختلفة وهو المرقونية.

وقال بعضهم: الجواهر أربعة أجناس متضادة من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وهم أصحاب الطبائع.

وقال بعضهم: الجواهر خمسة أجناس متضادة أربع طبائع وروح.

وقال قائلون: الجواهر أجناس متضادة منها بياض ومنها سواد وصفرة وحمرة وخضرة ومنها حرارة ومنها برودة ومنها حلاوة ومنها حموضة ومنها روائح ومنها طعوم ومنها رطوبة ومنها يبوسة ومنها صور ومنها أرواح وكان يقول: الحيوان كله جنس واحد وهذا قول النظام.

واختلفوا في الجواهر هل يجوز على جميعها ما يجوز على بعضها وهل يجوز أن يحل الجوهر الواحد ما يجوز أن يحل الجواهر جميعها وهل يجوز وجودها ولا أعراض فيها أم يستحيل ذلك.

فقال قائلون: يجوز على الواحد من الجواهر ما يجوز على جميعها من الأعراض من الحياة والقدرة والعلم والسمع والبصر وأجازوا حلول ذلك أجمع في الجزء الذي لا يتجزأ إذا كان منفرداً وأجازوا حلول القدرة والعلم والسمع والبصر مع الموت ومنعوا حلول الحياة مع الموت في وقت واحد قالوا لأن الحياة تضاد الموت ولا تضاد القدرة الموت لأن القدرة لو ضادت الموت لضاد العجز الحياة لأن ما ضاد شيئاً عندهم فضده مضاد لضده وزعموا أن الإدراك جائز كونه عندهم مع العمى ومنعوا كون البصر مع العمى لأن البصر عندهم مضاد للعمى وزعموا أن الحياة لا تضاد الجمادية وأنه جائز أن يخلق الله مع الجمادية حياة وجوزوا أن يعري الله الجواهر من الأعراض وأن يخلقها لا أعراض فيها والقائلون بهذا القول أصحاب أبي الحسين الصالحي وكان أبو الحسين يذهب إلى هذا القول وجوز أبو الحسين الصالحي أن يجمع الله بين الحجر الثقيل والجو أوقاتاً كثيرة ولا يخلق هبوطاً ولا ضد الهبوط وأن يجمع بين القطن والنار وهما على ما هما عليه ولا يخلق إحراقاً ولا ضد الإحراق وأن يجمع بين البصر الصحيح والمرئي مع عدم الآفات ولا يخلق إدراكاً ولا ضد الإدراك وأحالوا أن يجمع الله بين المتضادات وجوزوا أن يعدم الله قدرة الإنسان مع وجود حياته فيكون حياً غير قادر وأن يفني حياته مع وجود قدرته وعلمه فيكون عالماً قادراً ميتاً وجوزوا أن يرفع الله تعالى ثقل السموات والأرضين من غير أن ينقص شيئاً من أجزائهما حتى يكونا أخف من ريشة وأحال أن يوجد الله تعالى أعراضاً لا في مكان وأحال أن يفني الله قدرة الإنسان مع وجود فعله فيكون فاعلاً بقدرة وهي معدومة.

وقال قائلون: لا يجوز على الجوهر الواحد الذي لا ينقسم ما يجوز على الأجسام ولا يجوز أن يتحرك الجوهر الواحد ولا أن يسكن ولا أن ينفرد ولا أن يماس ولا أن يجامع ولا أن يفارق وهذا قول هشام وعباد وأحال عباد أن يوجد حي لا قادر وأن يوجد الجسم مع عدم الأعراض كلها وأحال أن يوجد الفعل من الإنسان مع العجز بقدرة وقد عدمت.

وقال قائلون: يجوز على الجوهر الواحد الذي لا ينقسم إذا انفرد ما يجوز على الأجسام من الحركة والسكون وما يتولد عنهما من المجامعة والمفارقة وسائر ما يتولد عنهما مما يفعل الآدميون كهيئته فأما الألوان والطعوم والأراييح والحياة والموت وما أشبه ذلك فلا يجوز حلوله في الجوهر ولا يجوز حلول ذلك إلا في الأجسام وأن الجسم إذا تحرك ففي جميع أجزائه حركة واحدة تنقسم على الأجزاء وأحال قائلو هذا القول أن يعري الله الجوهر من الأعراض والقائل بهذا القول أبو الهذيل وكان يقول أن الإدراك يحل في القلب لا في العين وهو علم الاضطرار.

وقال قائلون: يجوز على الجوهر الواحد الذي لا ينقسم ما يجوز على الجسم من الحركة والسكون واللون والطعم والرائحة إذا انفرد وأحالوا حلول القدرة والعلم والحياة فيه إذا انفرد وجوزوا أن يخلق الله حياً لا قدرة فيه وأحالوا تعري الجوهر من الأعراض والقائل بهذا القول محمد بن عبد الوهاب الجبائي.

وأحال سائر أهل الكلام غير صالح والصالحي أن يجمع الله بين العلم والقدرة والموت والجمادية والحياة والقدرة.

فأما الجمع بين الحجر الثقيل والجو أوقاتاً كثيرة من غير أن يخلق انحداراً وهبوطاً بل يحدث سكوناً والجمع بين النار والقطن من غير أن يحدث احتراقاً بل يحدث ضد ذلك فقد جوز ذلك أبو الهذيل والجبائي وكثير من أهل الكلام وغلا أبو الهذيل في هذا الباب غلواً كبيراً حتى جوز اجتماع الفعل المباشر والموت واجتماع الإدراك والعمى واجتماع الخرس الذي هو منع عجز الكلام مع الكلام وجوز وجود أقل قليل المشي مع الزمانة كما جوز وجود أقل قليل الكلام مع الخرس ولم يجوز وجود العلم مع الموت ولا جوز وجود القدرة مع الموت ولا جوز وجود الإدراك مع الموت.

فأما وجود الإدراك مع العمى فقد جوز ذلك بعض المتكلمين وقد حكي أن أبا الهذيل كان ينكر أن توجد الإرادة بقدرة معدومة حتى يكون العجز مجامعاً لها.

وكان الإسكافي ينكر كل الفعل المباشر الذي يحل في الإنسان بقوة معدومة وأن يكون مجامعاً لعجز الإنسان ويجيز أن يجامع الفعل المتولد العجز والموت ويجوز اجتماع النار والحطب أوقاتاً من غير أن يحدث الله سبحانه إحراقاً وأن يثبت الحجر أوقاتاً كثيرة من غير أن يحدث الله سبحانه فيه هبوطاً وينكر اجتماع الإدراك مع العمى والكلام والخرس والمشي والزمانة والعلم والموت والقدرة والموت ويحيل أن يفرد الله الحياة من القدرة حتى يكون الإنسان حياً غير قادر.

واختلفوا هل يجوز أن يحل اليد علم وإدراك وقدرة على العلم أم لا يجوز ذلك

فجوز ذلك بعض المتكلمين منهم الإسكافي وغيره وأنكره بعضهم وأحاله إلا أن تنقض بنية اليد وتحول عما هي عليه منهم الجبائي.

وأنكر كثير من أهل الكلام ما حكينا من مجامعة الحجر الجو أوقاتاً من غير أن يحدث الله سبحانه انحداراً ومجامعة النار الحطب أوقاتاً من غير أن يحدث الله إحراقاً وكذلك أنكروا كون الإدراك مع العمى والكلام مع الخرس ووقوع الفعل ي بقدرة معدومة ووجود الزمانة مع المشي ووجود العلم مع الموت ويحيلون أن يفرد الحياة من القدرة حتى يكون الإنسان حياً غير قادر وهذا قول بعض البغداذيين الخياط وغيره.

واختلف الناس في الجسم هل يجوز أن يتفرق أو يبطل ما فيه من الاجتماع حتى يصير جزءاً لا يتجزأ أم لا يجوز ذلك وفيما يحل في الجسم على أربع عشرة مقالة: فقال أبو الهذيل أن الجسم يجوز أن يفرقه الله سبحانه ويبطل ما فيه من الاجتماع حتى يصير جزءاً لا يتجزأ وأن الجزء الذي لا يتجزأ لا طول له ولا عرض له ولا عمق له ولا اجتماع فيه ولا افتراق وأنه قد يجوز أن يجامع غيره وأن يفارق غيره وأن الخردلة يجوز أن تتجزأ نصفين ثم أربعة ثم ثمانية إلى أن يصير كل جزء منها لا يتجزأ وأجاز أبو الهذيل على الجزء الذي لا يتجزأ الحركة والسكون والانفراد وأن يماس ستة أمثاله بنفسه وأن يجامع غيره ويفارق غيره وأن يفرد الله فتراه العيون ويخلق فينا رؤية له وإدراكاً له ولم يجز عليه اللون والطعم والرائحة والحياة والقدرة والعلم وقال: لا يجوز ذلك إلا للجسم وأجاز عليه من الأعراض ما وصفنا.

وكان الجبائي يثبت الجزء الذي لا يتجزأ ويقول أنه يلقي بنفسه ستة أمثاله ويجيز عليه الحركة والسكون واللون والكون والمماسة والطعم والرائحة إذا كان منفرداً وينكر أن يحله طول أو تأليف وهو منفرد أو يحله علم أو قدرة أو حياة وهو منفرد.

وكان أبو الهذيل ينكر أن يكون الجسم طويلاً أو عريضاً أو عميقاً مؤتلفاً ويقول أنه يجتمع شيئان ليس كل واحد منهما طويلاً فيكون طويلاً واحداً.

وقال هشام الفوطي بإثبات الجزء الذي لا يتجزأ غير أنه لم يجز عليه أن يماس أو يباين أو يرى وأجاز على أركان الجسم ذلك والركن ستة أجزاء عنده والجسم من ستة أركان وقد حكينا وحكى النظام في كتابه الجزء أن زاعمين زعموا أن الجزء الذي لا يتجزأ شيء لا طول له ولا عرض ولا عمق وليس بذي جهات ولا مما يشغل الأماكن ولا مما يسكن ولا مما يتحرك ولا يجوز عليه أن ينفرد وهذا القول يذهب إليه عباد بن سليمان ويقول أن الجزء لا يجوز عليه الحركة والسكون والكون والإشغال للأماكن وليس بذي جهات ولا يجوز عليه الانفراد ويقول معنى الجزء أن له نصفاً وأن النصف له نصف.

وحكى النظام أن قائلين قالوا أن الجزء له جهة واحدة وكنحو ما يظهر من الأشياء وهي الصفحة التي تلقاك منها.

وحكى النظام أيضاً أن قائلين قالوا: الجزء له ست جهات هي أعراض فيه وهي غيره وهو لا يتجزأ وأعراضه غيره وعليه وقع العدد وهو لا يتجزأ من جهاته الأعلى والأسفل واليمين والشمال والقدام والخلف.

وحكى أن آخرين قالوا أن الجزء قائم إلا أنه لا يقوم بنفسه ولا يقوم بشيء من الأشياء أقل من ثمانية أجزاء لا تتجزأ فمن سأل عن جزء منها فإنما يسأل عن إفراده وهو لا ينفرد ولكنه يعلم والكلام على الثمانية وذلك أن الثمانية لها طول وعرض وعمق فالطول جزءان والطول إلى الطول بسيط له طول وعرض والبسيط إلى البسيط جهة لها طول وعرض وعمق.

وحكى أن آخرين قالوا: تتجزأ الأجزاء حتى تنتهي إلى جزأين فإذا هئت لقطعهما أفناهما القطع وإن توهمت واحداً منهما لم تجده في وهمك ومتى فرقت بينهما بالوهم وغير ذلك لم تجد إلا فناءهما هذا آخر ما حكاه النظام.

وقال صالح قبة بإثبات الجزء الذي لا يتجزأ وأحال أن يلقي الجزء ستة أمثاله أو مثليه وقال: يستحيل أن يلقى الجزء الواحد جزأين وجوز أن يحله جميع الأعراض إلا التركيب وحده.

وجوز أبو الحسين الصالحي على الجزء الذي لا يتجزأ الأعراض كلها وأنه قد يحله المعنى الذي إذا جامع غيره سمي المعنى تركيباً ولكن لا نسميه تركيباً اتباعاً للغة.

وزعم ضرار وحفص الفرد والحسين النجار أن الأجزاء هي اللون والطعم والحر والبرد والخشونة واللين وهذه الأشياء المجتمعة هي الجسم وليس للأجزاء معنى غير هذه الأشياء وأن قل ما يوجد من الأجزاء عشرة أجزاء وهو أقل قليل الجسم وأن هذه الأشياء متجاورة ألطف مجاورة وأنكروا المداخلة.

وقال معمر أن الإنسان جزء لا يتجزأ وأجاز أن يحل فيه العلم والقدرة والحياة والإرادة والكراهة ولم يجز أن يحل فيه المماسة والمباينة والحركة والسكون واللون والطعم والرائحة.

وقال النظام: لا جزء لا وله جزء ولا بعض إلا وله بعض ولا نصف إلا وله نصف وأن الجزء وقال بعض المتفلسفة أن الجزء يتجزأ ولتجزئته غاية في الفعل فأما في القوة والإمكان فليس لتجزئته غاية.

وشك شاكون فقالوا: لا ندري أيتجزأ الجزء أم لا يتجزأ.

وقال قائلون ممن أثبت الجزء الذي لا يتجزأ: للجزء طول في نفسه بقدره ولولا ذلك لم يجز أن يكون الجسم طويلاً أبداً لأنه إذا جمع بين ما لا طول له وبين ما لا طول له لم يحدث له طول أبداً.

واختلفوا في الجزء الواحد هل يجوز أن يحله حركتان أم لا

وهل يجوز أن يحله لونان وقوتان أم لا: فقال قائلون: لا يجوز أن يحل الجزء الواحد حركتان وهذا قول أبي الهذيل وأكثر من يثبت الجزء الذي لا يتجزأ.

وقال قائلون: الجزء الواحد قد يجوز أن يحله حركتان وذلك إذا دفع الحجر دافعان حل كل جزء منه حركتان معاً والقائل بهذا القول هو الجبائي.

وقال أبو الهذيل أنها حركة واحدة تنقسم على الفاعلين فهي حركة واحدة لأجزاء كثيرة فعلان متغايران وزعم أن الأعراض تنقسم بالمكان أو بالزمان أو بالفاعلين فزعم أن حركة الجسم تنقسم على عدد أجزائه وكذلك لونه فما حل هذا الجزء من الحركة غير ما حل الجزء الآخر وأن الحركة تنقسم بالزمان فيكون ما وجد في هذا الزمان غير ما يوجد في الآخر وأن الحركة تنقسم وأنكر الجبائي وغيره من أهل النظر أن تكون الحركة الواحدة تنقسم أو تتجزأ أو أن تتبعض أو أن يكون حركة أو لون أو قوة لأحد الأشياء وقال أن الجسم إذا تحرك ففيه من الحركات بعدد أجزاء المتحرك في كل جزء حركة وكذلك قوله في اللون وفي سائر الأعراض.

وقد أنكر قوم أن يحل الجزء الواحد حركتان وطولان وجوزوا أن يحله لونان منهم الإسكافي وجوز الإسكافي أن يحل الجزء الذي لا يتجزأ لونان وقوتان حتى جوز أن يحل الجزء الذي لا يتجزأ لون السماء بكمالها.

وقال قائلون: قد يجوز أن يحله لونان وقوتان على ما يحتمل فأما لون السماء فلا يحتمله.

وقال قائلون: محال أن يكون عرضان في موضع واحد وهما في الجسم على المجاورة وزعموا أن القوة والحركة عرضان في موضع واحد.

وقال قائلون: لا يجوز أن يحل الجزء الواحد حركتان ولا يجوز أن يحله لونان وكذلك قالوا في سائر الأعراض ولا يجوز أن يحل الجزء الواحد الذي لا يتجزأ من جنس واحد عرضان.

وقال قائلون: يجوز أن يحل الجزء الواحد قدرتان على مقدور واحد وأنكر ذلك غيرهم.

وقال عباد بن سليمان أنه قد يجوز أن يجتمع في الجسم ألمان ولذتان وأنه قد يجوز أن يحله تأليفان وأكثر من ذلك فيكون هو بأحدهما مؤلفاً مع غيره وبالآخر مؤلفاً مع غيره.

واختلف الناس في الطفرة: فزعم النظام أنه قد يجوز أن يكون الجسم الواحد في مكان ثم يصير إلى المكان الثالث ولم يمر بالثاني على جهة الطفرة واعتل في ذلك بأشياء منها الدوامة يتحرك أعلاها أكثر من حركة أسفلها ويقطع الحز أكثر مما يقطع أسفلها وقطبها قال: وإنما ذلك لأن أعلاها يماس أشياء لم يكن حاذى ما قبلها.

وقد أنكر أكثر أهل الكلام قوله منهم أبو الهذيل وغيره وأحالوا أن يصير الجسم إلى مكان لم يمر بما قبله وقالوا: هذا محال لا يصح وقالوا أن الجسم قد يسكن بعضه وأكثره متحرك وأن للفرس في حال سيره وقفات خفية وفي شدة عدوه مع وضع رجله ورفعها ولهذا كان أحد الفرسين أبطأ من صاحبه وكذلك الحجر في حال انحداره وقفات خفية بها كان أبطأ من حجر آخر أثقل منه أرسل معه وقد أنكر كثير من أهل النظر أن تكون للحجر في حال انحداره وقفات من الفلاسفة وغيرهم وقالوا أن الحجرين إذا أرسلا سبق أثقلهما لأن أخف الحجرين يعترض له من الآفات أكثر مما يعترض على الحجر الأثقل فيتحرك في جهة اليمين والشمال والقدام والخلف ويقطع الحجر الآخر في حال العوائق التي تلحق هذا الحجر في جهة الانحدار فيكون هذا أسرع.

وكان الجبائي يقول أن للحجر في حال انحداره وقفات وكان يقول أن القوس الموترة فيها حركات خفية وكذلك الحائط المبني وتلك الحركات هي التي تولد وقوع الحائط والحركات التي في القوس والوتر هي التي يتولد عنها انقطاع الوتر.

واختلف المتكلمون في الجسم يكون ملازماً لمكان ومكانه سائر متحرك هل الجسم الملازم لذلك المكان متحرك أم لا على مقالتين: فزعم كثير من المتكلمين منهم الجبائي وغيره أن الجسم إذا كان مكانه متحركاً فهو متحرك وهذه حركة لا عن شيء وجوزوا أن يتحرك المتحرك لا عن شيء ولا إلى شيء وأن يحرك الله سبحانه العالم لا في شيء.

وقد كان أبو الهذيل يقول: يجوز أن يتحرك الجسم لا عن شيء ولا إلى شيء.

وقال قائلون: إذا تحرك مكان الشيء والشيء لازم لمكان واحد فهو ساكن غير متحرك وأحال هؤلاء أن يتحرك المتحرك لا عن شيء ولا إلى شيء.

وكان النظام ممن يحيل أن يتحرك المتحرك لا في شيء ولا إلى شيء.

واختلفوا هل يجوز أن يتحرك الشيء في حال حركة مكانه

فيكون يقطع مكاناً ويتحرك إلى مكان آخر ومكانه متحرك على مقالتين: فقال قائلون: لا يجوز ذلك لأنه إذا تحرك مكانه نحو بغداذ فتحرك هو في ذلك الوقت نحو البصرة وجب أن يكون متحركاً في جهتين في وقت واحد وذلك محال وهؤلاء هم الذين قالوا أن الشيء إذا تحرك مكانه فهو متحرك.

وقال قائلون: ذلك جائز لأنه ليس إذا تحرك مكانه كان متحركاً بل يكون مكانه متحركاً وهو ساكن.

واختلف المتكلمون هل يكون الساكن في حال سكونه متحركاً على وجه من الوجوه على مقالتين: فقال قائلون: لا يجوز ذلك وقال قائلون: ذلك جائز وذلك أن الصفحة العليا من رأس ابن آدم إذا أزال الإنسان رأسه عما كان يماسه من الجو وماس شيئاً آخر فهي متحركة لمماستها شيئاً من الجو بعد شيء وهي ساكنة على الصفحة الثانية التي تحتها فهي متحركة عن شيء وساكنة على شيء آخر وهذا زعم لا يتناقض كما لا يتناقض أن تكون مماسة لشيء مفارقة لشيء آخر في وقت واحد ويتناقض أن تكون ساكنة على شيء متحركة عن ذلك الشيء في وقت واحد كما يتناقض أن تكون مماسة لشيء مفارقة لذلك الشيء في وقت واحد.

واختلفوا هل الأجسام كلها متحركة أم كلها ساكنة

أم كيف القول في ذلك على مقالات: فقال النظام: الأجسام كلها متحركة والحركة حركتان حركة اعتماد وحركة نقلة فهي كلها متحركة في الحقيقة وساكنة في اللغة والحركات هي الكون لا غير ذلك وقرأت في كتاب يضاف إليه أنه قال: لا أدري ما السكون إلا أن يكون يعني كان الشيء في المكان وقتين أي تحرك فيه وقتين وزعم أن الأجسام في حال خلق الله سبحانه لها متحركة حركة اعتماد.

وقال بعض المتفلسفة: الجسم في حال ما خلقه الله سبحانه يتحرك حركة هي الخروج من العدم إلى الوجود.

وقال معمر: الأجسام كلها ساكنة في الحقيقة ومتحركة على اللغة والسكون هو الكون لا غير ذلك والجسم في حال خلق الله له ساكن.

وقال أبو الهذيل: الأجسام قد تتحرك في الحقيقة وتسكن في الحقيقة والحركة والسكون هما غير الكون والجسم في حال خلق الله سبحانه له لا ساكن ولا متحرك.

وقال الجبائي أن الحركات والسكون أكوان للجسم والجسم في حال خلق الله له ساكن.

وكان عباد يقول أن الحركات والسكون مماسات والجسم في حال خلق الله له ساكن وأبى كثير من أهل النظر أن تكون الأكوان مماسات وقالوا أنها غير مماسات.

واختلفوا في وقوف الأرض

فقال قائلون من أهل التوحيد منهم أبو الهذيل وغيره أن الله سبحانه سكنها وسكن العالم وقال قائلون: خلق الله سبحانه تحت العالم جسماً صعاداً من طبعه الصعود فعمل ذلك الجسم في الصعود كعمل العالم في الهبوط فلما اعتدل ذلك وتقاوم وقف العالم ووقفت الأرض.

وقال قائلون أن الله سبحانه يخلق تحت الأرض في كل وقت جسماً ثم يفنيه في الوقت الثاني ويخلق في حال فنائه جسماً آخر فتكون الأرض واقفة على ذلك الجسم وليس يجوز أن يهوى ذلك الجسم في حال حدوثه ولا يحتاج إلى مكان يقله لأن الشيء يستحيل أن يتحرك في حال حدوثه ويسكن.

وقال قائلون أن الله سبحانه خلق الأرض من جسمين أحدهما ثقيل والآخر خفيف على الاعتدال فوقفت الأرض لذلك.

وقد ذكرنا قول المتقدمين في ذلك في الموضع الذي وصفنا فيه قول الناس في الفلك وفي وقوف الأرض في كتاب مقالات الملحدين.

واختلف الناس في الحركة هل تكون سكوناً أم لا: فقال أكثر أهل النظر: ذلك لا يجوز وقال قائلون: إذا صار الجسم إلى المكان فبقي فيه وقتين صارت حركته سكوناً.

واختلف الناس في المداخلة والمكامنة والمجاورة: فقال إبراهيم النظام أن كل شيء قد يداخل ضده وخلافه فالضد هو الممانع المفاسد لغيره مثل الحلاوة والمرارة والحر والبرد والخلاف مثل الحلاوة والبرودة والحموضة والبرد وزعم أن الخفيف قد يداخل الثقيل ورب خفيف أقل كيلاً من ثقيل وأكثر قوة منه فإذا داخله شغله يعني أن القليل الكيل الكثير القوة يشغل الكثير الكيل الثقيل القوة وزعم أن اللون يداخل الطعم والرائحة وأنها أجسام ومعنى المداخلة أن يكون حيز أحد الجسمين حيز الآخر وأن يكون أحد الشيئين في الآخر وسنذكر قوله في الإنسان وقد أنكر الناس جميعاً أن يكون جسمان في موضع واحد في حين واحد أنكر ذلك جميع المختلفين من أهل الصلاة ومن قال بقوله.

وقال أهل التثنية أن امتزاج النور بالظلمة على المداخلة التي ثبتها إبراهيم.

وقال ضرار أن الجسم من أشياء مجتمعة على المجاورة فتجاورت ألطف المجاورة وأنكر المداخلة وأن يكون شيئان في مكان واحد عرضان أو جسمان.

وقال أكثر أهل النظر أنه قد يكون عرضان في مكان واحد ولا يجوز كون جسمين في مكان واحد منهم أبو الهذيل وغيره.

وحكى زرقان أن ضرار بن عمرو قال: الأشياء منها كوامن ومنها غير كوامن فأما اللواتي هن كوامن فمثل الزيت في الزيتون والدهن في السمسم والعصير في العنب وكل هذا على غير المداخلة التي ثبتها إبراهيم وأما اللواتي ليست بكوامن فالنار في الحجر وما أشبه ذلك ومحال أن تكون النار في الحجر إلا وهي محرقة له فلما رأيناها غير محرقة له علمنا أنه لا نار فيه.

وقد قال كثير من أهل النظر أن النار في الحجر كامنة حتى زعم أنها في الحطب كامنة الإسكافي وغيره.

وحكى زرقان أن أبا بكر الأصم قال: ليس في العالم شيء كامن في شيء مما قالوا.

وقال أبو الهذيل وإبراهيم ومعمر وهشام بن الحكم وبشر بن المعتمر: الزيت كامن في الزيتون والدهن في السمسم والنار في الحجر.

وقال كثير من الملحدين أن الألوان والطعوم والأراييح كامنة في الأرض والماء والهواء ثم يظهرن في النسرة وغيرها من الثمار بالانتقال واتصال الأشكال بعضها ببعض وشبهوا ذلك بحبة زعفران قذفت في نعارة ماء ثم غذي بأشكالها فتظهر.

واختلف الناس في الإنسان ما هو: فقال أبو الهذيل: الإنسان هو الشخص الظاهر المرئي الذي له يدان ورجلان وحكي أن أبا الهذيل كان لا يجعل شعر الإنسان وظفره من الجملة التي وقع عليها اسم الإنسان.

وحكي أن قوماً قالوا أن البدن هو الإنسان وأعراضه ليست منه وليس يجوز إلا أن يكون فيه وقال بشر بن المعتمر: الإنسان جسد وروح وأنهما جميعاً إنسان وأن الفعال هو الإنسان الذي هو جسد وروح.

وكان أبو الهذيل لا يقول أن كل بعض من أبعاض الجسد فاعل على الانفراد ولا أنه فاعل مع غيره ولكنه يقول الفاعل هو هذه الأبعاض.

وقال ضرار بن عمرو: الإنسان من أشياء كثيرة لون وطعم ورائحة وقوة وما أشبه ذلك وأنها الإنسان إذا اجتمعت وليس ها هنا جوهر غيرها.

وأنكر حسين النجار أن تكونالقوة بعض الإنسان وأنكر ذلك أكثر أهل النظر.

وقال عباد بن سليمان: الإنسان معناه أنه بشر فمعنى إنسان معنى بشر ومعنى بشر معنى إنسان في حقيقة القياس وزعم أن الإنسان جواهر وأعراض.

وقال برغوث أن الإنسان هو الأخلاط من اللون والطعم والرائحة وما أشبه ذلك وأن الإنسان إذا تحرك بعضه وسكن بعضه فعل البعض الساكن الحركة لا من جهة ما فعله المتحرك وفعل البعض المتحرك السكون لا من جهة ما فعله الساكن وأن كل بعض من أبعاض الإنسان يفعل فعل الآخر لا من جهة ما فعله الآخر.

وحكى زرقان أن هشام بن الحكم قال: الإنسان اسم لمعنيين لبدن وروح فالبدن موات والروح وقال أبو بكر الأصم: الإنسان هو الذي يرى وهو شيء واحد لا روح له وهو جوهر واحد ونفى إلا ما كان محسوساً مدركاً.

وقال النظام: الإنسان هو الروح ولكنها مداخلة للبدن مشابكة له وأن كل هذا في كل هذا وأن البدن آفة عليه وحبس وضاغط له وحكى زرقان عنه أن الروح هي الحساسة الدراكة وأنها جزء واحد وأنها ليست بنور ولا ظلمة.

وقال معمر: الإنسان جزء لا يتجزأ وهو المدبر في العالم والبدن الظاهر آلة له وليس هو في مكان في الحقيقة ولا يماس شيئاً ولا يماسه ولا يجوز عليه الحركة والسكون والألوان والطعم ولكن يجوز عليه العلم والقدرة والحياة والإرادة والكراهة وأنه يحرك هذا البدن بإرادته ويصرفه ولا يماسه.

وقال قائلون: الإنسان جزء لا يتجزأ وقد يجوز عليه المماسة والمباينة والحركة والسكون وهو جزء في بعض هذا البدن حال ومسكنه القلب وأجازوا عليه جميع الأعراض وهذا قول الصالحي.

وكان ابن الراوندي يقول: هو في القلب وهو غير الروح والروح ساكنة في هذا البدن.

وقال قائلون: الإنسان هو الحواس الخمس وهي أجسام وهم المنانية وأنه لا شيء غير الحواس الخمس.

وقال آخرون: الإنسان هو الروح والحواس الخمس أجزاء منه والإنسان جنس واحد غير مختلف إلا أن إدراكه اختلف فكان يدرك بكل جهة ما لا يدركه بالأخرى لأن الآفة قد خالطته من جهة على خلاف ما خالطته من جهة أخرى فاختلف الإدراك لاختلاف الأخلاط والامتزاج وهم الديصانية.

وحكي عن المرقونية أنهم يزعمون أن البدن فيه حواس خمس وروح وأن الروح هي الإنسان وأن الحواس ليست منه إلا أنها إرادات تؤدي إليه وهو غير البدن وجعلوه جنساً ثالثاً ليس بنور ولا ظلمة.

وقال أصحاب الطبائع: الإنسان هو الحر والبرد واليبس والبلة اختلط بهذا الضرب من الاختلاط وكذلك سمعه وسائر حواسه وكذلك جثته ولحمه ودمه وجميع هذه الأمور هي الإنسان.

وقال أصحاب الهيولى أقاويل مختلفة: فزعم بعضهم أن الإنسان هو الجوهر الحي الناطق الميت وأنه إنسان في حال نطقه وحياته وجوزوا الموت عليه وقد كان قبل ذلك لا إنساناً وقال بعضهم: الإنسان هو الحي الناطق وهو الجوهر وأعراضه وقال آخرون: بل في الجوهر شيء ليس بمماس ولا مباين ولا أحد منهما مختلط بصاحبه وهو في الجوهر على أنه مدبر له.

واختلف الناس في الروح والنفس والحياة وهل الروح هي الحياة أو غيرها وهل الروح جسم أم فقال النظام: الروح هي جسم وهي النفس وزعم أن الروح حي بنفسه وأنكر أن تكون الحياة والقوة معنى غير الحي القوي وأن سبيل كون الروح في هذا البدن على جهة أن البدن آفة عليه وباعث له على الاختيار ولو خلص منه لكانت أفعاله على التولد والاضطرار وقد حكينا قوله في الإنسان فيما تقدم من كتابنا.

وقال قائلون: الروح عرض وقال قائلون منهم جعفر بن حرب: لا ندري الروح جوهر أو عرض واعتلوا في ذلك بقول الله تعالى: " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " ولم يخبر عنها ما هي لا أنها جوهر ولا أنها عرض وأظن جعفراً ثبت الحياة غير الروح وثبت الحياة عرضاً.

وكان الجبائي يذهب إلى أن الروح جسم وأنها غير الحياة والحياة عرض ويعتل بقول أهل اللغة: خرجت روح الإنسان فزعم أن الروح لا تجوز عليها الأعراض.

وقال قائلون: ليس الروح شيئاً أكثر من اعتدال الطبائع الأربع ولم يرجعوا من قولهم اعتدال إلا إلى المعتدل ولم يثبتوا في الدنيا شيئاً إلا الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.

وقال قائلون أن الروح معنى خامس غير الطبائع الأربع وأنه ليس في الدنيا إلا الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والروح.

واختلفوا في أعمال الروح

فثبتها بعضهم طباعاً وثبتها بعضهم اختياراً وقال قائلون: الروح الدم الصافي الخالص من الكدر والعفونات وكذلك قالوا في القوة وقال قائلون: الحياة هي الحرارة الغريزية وكل هؤلاء الذين حكينا قولهم في الروح من أصحاب الطبائع يثبتون أن الحياة هي الروح.

وكان الأصم لا يثبت الحياة والروح شيئاً غير الجسد ويقول: ليس أعقل إلا الجسد الطويل العريض العميق الذي أراه وأشاهده وكان يقول: النفس هي هذا البدن بعينه لا غير وإنما جرى عليها هذا الذكر على جهة البيان والتأكيد لحقيقة الشيء لا على أنها معنى غير البدن.

وذكر عن أرسطاطاليس أن النفس معنى مرتفع عن الوقوع تحت التدبير والنشوء والبلى غير داثرة وأنها جوهر بسيط منبث في العالم كله من الحيوان على جهة الإعمال له والتدبير وأنه لا تجوز عليه صفة قلة ولا كثرة وهي على ما وصفت من انبساطها في هذا العالم غير منقسمة الذات والبنية وأنها في كل حيوان العالم بمعنى واحد لا غير.

وقال آخرون: بل النفس معنى موجود ذات حدود وأركان وطول وعرض وعمق وأنها غير مفارقة في هذا العالم لغيرها مما يجري عليه حكم الطول والعرض والعمق فكل واحد منهما يجمعهما صفة الحد والنهاية وهذا قول طائفة من الثنوية يقال لهم المنانية.

وقالت طائفة أن النفس توصف بما وصفها هؤلاء الذين قدمنا ذكرهم من معنى الحدود والنهايات إلا أنها غير مفارقة لغيرها مما لا يجوز أن يكون موصوفاً بصفة الحيوان وهؤلاء الديصانية.

وحكى الحريري عن جعفر بن مبشر أن النفس جوهر ليس هو هذا الجسم وليس بجسم ولكنه معنى بين الجوهر والجسم.

وقال آخرون: النفس معنى غير الروح والروح غير الحياة والحياة عنده عرض وهو أبو الهذيل وزعم أنه قد يجوز أن يكون الإنسان في حال نومه مسلوب النفس والروح دون الحياة واستشهد على ذلك بقول الله عز وجل: " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ".

وقال جعفر بن حرب: النفس عرض من الأعراض يوجد في هذا الجسم وهو أحد الآلات التي يستعين بها الإنسان على الفعل كالصحة والسلامة وما أشبههما وأنها غير موصوفة بشيء من صفات الجواهر والأجسام.

واختلف الناس في الحواس: فقالت المنانية: الإنسان هو الحواس الخمس وأنها أجسام وأنه لا شيء غير الحواس لأن الأشياء عندهم شيئان نور وظلمة وأن النور خمس حواس وأن الظلام خمس حواس سمع وبصر وحاسة وقالت الديصانية أن الظلام موات جاهل لا حس له وأن النور حي بنفسه حساس وأن سمع النور هو بصره وهو ذائقه وهو شامه وإنما اختلف إدراكه فصار يدرك بجهة ما لا يدرك بالجهة الأخرى لأن الآفة خالطته من جهة خلاف ما خالطته من الجهة الأخرى فاختلف الإدراك لاختلاف الأعراض وزعموا أن النور بياض كله وأن الظلام سواد كله وإنما اختلفت الألوان فصار منها صفرة وخضرة إلى غير ذلك لاختلاف اختلاط هذين اللونين وزعموا أن اللون هو الطعم.

وحكي عن المرقونية أنهم يزعمون أن البدن فيه روح وحواس خمس وأن الروح غير الحواس وغير البدن.

وقد أنكر كثير من الناس الحواس وهم الذين ينفون الأعراض وزعموا أنه ليس إلا السميع البصير الذائق الشام اللامس وليس ها هنا سمع وبصر وحاسة ذوق وحاسة شم وحاسة يكون بها اللمس غير الجسد فدفعوا الحواس وأنكروها.

وحكى زرقان عن أبي الهذيل ومعمر أنهما ثبتا الحواس الخمس أعراضاً غير البدن وأنهما ثبتا النفس عرضاً غيرها وغير البدن.

وثبت عباد بن سليمان الإنسان ست حواس السمع والبصر وحاسة الذوق وحاسة الشم وحكى الجاحظ أن النظام قال أن النفس تدرك المحسوسات من هذه الخروق التي هي الأذن والفم والأنف والعين لا أن للإنسان سمعاً هو غيره وبصراً هو غيره وأن الإنسان يسمع بنفسه وقد يصم لآفة تدخل عليه وكذلك يبصر بنفسه وقد يعمى لآفة تدخل عليه.

واختلفوا هل يوصف البارئ عز وجل بالقدرة

على أن يخلق حاسة سادسة غير هذه الحواس لمحسوس سادس أم لا يوصف بالقدرة على ذلك وهل يوصف بالقدرة على أن يخلق لبعض عبيده قدرة على خلق الأجسام أم لا: فزعم زاعمون منهم ضرار بن عمرو وحفص الفرد وسفيان بن سحبان في رجال غيرهم أن البارئ عز وجل يوصف بالقدرة على ذلك وأنه يخلق لعباده في المعاد حاسة سادسة يدركون بها ماهيته أي يدركون بها ما هو وأبى أكثر أهل الكلام من المعتزلة والخوارج وكثير من الشيع وكثير من المرجئة ذلك.

وقال قائلون أن البارئ قادر أن يقدر عباده على خلق الأجسام وأبى أكثر الناس ذلك.

واختلفوا في الحواس الخمس هل هي جنس واحد أو أجناس مختلفة

فقال قائلون: هي أجناس مختلفة جنس السمع غير جنس البصر وكذلك حكم كل حاسة: جنسها مخالف لسائر أجناس الحواس وهي على اختلافها أعراض غير الحساس وهذا قول كثير وقال قائلون: كل حاسة خلاف الحاسة الأخرى ولا نقول هي مخالفة لها لأن المخالف هو ما كان مخالفاً بخلاف وهذا قول أبي الهذيل.

وزعم عمرو بن بحر الجاحظ أن الحواس جنس واحد وأن حاسة البصر من جنس حاسة السمع ومن جنس سائر الحواس وإنما يكون الاختلاف في جنس المحسوس وفي موانع الحساس والحواس لا غير ذلك لأن النفس هي المدركة من هذه الفتوح ومن هذه الطرق وإنما اختلفت فصار واحد منها سمعاً وآخر بصراً وآخر شماً على قدر ما مازجها من الموانع فأما جوهر الحساس فلا يختلف ولو اختلف جوهر الحساس لتمانع ولتفاسد كتمانع المختلف وتفاسد المتضاد وزعم أن اختلاف المحسوس من اللون والصوت في جنسهما وأنفسهما واو كان يدل على اختلاف جنس البصر والسمع لكان ينبغي أن يكون بعض البصر أشد خلافاً لبعض من السمع للبصر لأن السواد وإن كان مرئياً فهو أشد مخالفة لجنس البياض من جنس الحموضة للسواد قال فلما كان ذلك فاسداً لم يجب أن تختلف الحواس لاختلاف المحسوسات قال الجاحظ: فالحساس ضرب واحد والحس ضرب واحد والمحسوسات ثلاثة أضرب: مختلف كالطعم واللون ومتفق ك.

ومتضاد كالسواد والبياض وكان يجيب عن قول من قال: هل يقدر الله سبحانه أن يخلق حاسة سادسة لا تعقل كيفيتها لمحسوس سادس لا تعلم كيفيته بأنه وإن كان لا تعلم كيفية ذلك المحسوس فقد علم أنه لا يخلو من أن يدرك بالمجاورة أو بالمداخلة أو بالاتصال ولا بد لتلك الحاسة من أن تكون من جنس الحواس الخمس كما أن حاسة البصر من جنس حاسة السمع.

وزعم الجاحظ أن أصحابه اختلفوا في اختلاف طرق الحواس وشوائبها ومن أي شيء موانعها: فزعم قوم أن الذي منع السمع من وجود اللون أن شائبه ومانعه من جنس الظلام الذي يمنع من درك اللون ولا يمنع من درك الصوت وأن الذي منع البصر من وجود الأصوات أن شائبه من جنس الزجاج الذي يمنع من درك الصوت ولا يمنع من درك اللون قال وعلى مثل هذا رتبوا اختلاف موانع الحواس وشوائب هذه الطرق والفتوح.

قال: وزعم آخرون أنه إنما صار الفم يجد الطعوم دون الأراييح والأصوات والألوان لأن الغالب على شوائبه الطعوم دون غيرها وأن كل شيء منها ما سوى الطعوم فقليل ممنوع ومستفرغ القوى مشغول وكذلك الغالب على شوائب الأسماع الأصوات وعلى شوائب الأنوف الأراييح.

قال: وزعم آخرون أن البصر إنما أدرك الألوان دون الطعوم والأراييح والأصوات لقلة الألوان فيه ولو كانت كثيرة لكان منعها أشد ولو أفرطت عليه لما وجد لوناً رأساً لأن الألوان هي التي تمنع من الألوان فلقلة الموانع من اللون أدرك اللون وكذلك الذائق والشام والسامع وزعم الجاحظ أن هذا هو القياس على أصول النظام وأن النظام كان يعتل للقولين الأولين.

فزعم زاعمون أن ذلك إدراك للملموس والمذوق والمشموم وقال آخرون أن ذلك ليس بإدراك للملموس والمذوق والمشموم وأن الإدراك للملموس والمذوق والمشموم غير الذوق واللمس والشم منهم الجبائي وغيره.

واختلف الناس في الحركات والسكون والأفعال: فقال الأصم: لا أثبت إلا الجسم الطويل العريض العميق ولم يثبت حركة غير الجسم ولا يثبت سكوناً غيره ولا فعلاً غيره ولا قياماً غيره ولا قعوداً غيره ولا افتراقاً ولا اجتماعاً ولا حركة ولا سكوناً ولا لوناً غيره ولا صوتاً ولا طعماً غيره ولا رائحة غيره.

فأما بعض أهل النظر ممن يزعم أن الأصم قد علم الحركات والسكون والألوان ضرورة وإن لم يعلم أنها غير الجسم فإنه يحكى عنه أنه كان لا يثبت الحركة والسكون وسائر الأفعال غير الجسم ولا يحكى عنه أنه كان لا يثبت حركة ولا سكوناً ولا قياماً ولا قعوداً ولا فعلاً.

فأما من زعم أن الأصم كان لا يعلم الأعراض على وجه من الوجوه فإنه يحكى عنه أنه كان لا يثبت حركة ولا سكوناً ولا قياماً ولا قعوداً ولا اجتماعاً ولا افتراقاً على وجه من الوجوه وكذلك يقول في سائر الأعراض.

وقال هشام بن الحكم: الحركات وسائر الأفعال من القيام والقعود والإرادة والكراهة والطاعة والمعصية وسائر المثبتون الأعراض أعراضاً أنها صفات الأجسام لا هي الأجسام ولا غيرها أنها ليست بأجسام فيقع عليها التغاير.

وقد حكي هذا عن بعض المتقدمين وأنه كان يقول كما حكينا عن هشام وأنه لم يكن يثبت أعراضاً غير الأجسام.

وحكي عن هشام أنه كان لا يزعم أن صفات الإنسان أشياء لأن الأشياء هي الأجسام عنده وكان يزعم أنها معان وليست بأشياء.

وحكى زرقان عن هشام بن الحكم أنه كان يزعم أن الحركة معنى وأن السكون ليس بمعنى فإن لم يكن ما حكاه من ذلك صحيحاً فقد كان بعض المتقدمين يزعم أن العالم كان ساكناً متحركاً وأن الحركة معنى وأن السكون ليس بمعنى حكاه أبو عيسى عن أصحاب الطبائع.

وقال قائلون منهم أبو الهذيل وهشام وبشر بن المعتمر وجعفر بن حرب والإسكافي وغيرهم: الحركات والسكون والقيام والقعود والاجتماع والافتراق والطول والعرض والألوان والطعوم والأراييح والأصوات والكلام والسكوت والطاعة والمعصية والكفر والإيمان وسائر أفعال الإنسان والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة واللين والخشونة أعراض غير الأجسام.

وقال ضرار بن عمرو: الألوان والطعوم والأراييح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والزنة أبعاض الجسم وأنها متجاورة وحكي عنه مثل ذلك في الاستطاعة والحياة وزعم أن الحركات والسكون وسائر الأفعال التي تكون من الأجسام أعراض لا أجسام وحكي عنه في التأليف أنه كان يثبته بعض الجسم فأما غيره ممن كان يذهب إلى قوله في الأجسام فإنه يثبت التأليف والاجتماع والافتراق والاستطاعة غير الأجسام.

وقال قائلون: السواد هو غير السواد وكذلك الحلاوة هي غير الحلو وكذلك الحموضة هي غير الشيء الحامض ولم يثبتوا اللون غير الملون ولا يثبتون طعم الشيء غيره.

وحكى زرقان عن جهم بن صفوان أنه كان يزعم أن الحركة جسم ومحال أن تكون غير جسم لأن غير الجسم هو الله سبحانه فلا يكون شيء يشبهه.

وحكي عن الجواليقية وشيطان الطاق أن الحركات هي أفعال الخلق لأن الله عز وجل أمرهم بالفعل ولا يكون مفعولاً إلا ما كان طويلاً عريضاً عميقاً وما كان غير طويل ولا عريض ولا عميق فليس بمفعول.

وقال إبراهيم النظام: أفاعيل الناس كلها حركات وهي أعراض وإنما يقال سكون في اللغة: إذا اعتمد الجسم في المكان وقتين قيل سكن في المكان لا أن السكون معنى غير اعتماده وزعم أن الاعتمادات والأكوان هي الحركات وأن الحركات على ضربين: حركة اعتماد في المكان وحركة نقلة وكان النظام فيما حكي عنه يزعم أن الطول هو الطويل وأن العرض هو العريض وكان يثبت الألوان والطعوم والأراييح والأصوات والآلام والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة أجساماً لطافاً ويزعم أن حيز اللون هو حيز الطعم والرائحة وأن الأجسام اللطاف قد تحل في حيز واحد وكان لا يثبت عرضاً إلا الحركة فقط.

وقال معمر: الأكوان كلها سكون وإنما يقال لبعضها حركات في اللغة وهي كلها سكون في الحقيقة وكان يثبت الألوان والطعوم والأراييح والأصوات والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة غير الأجسام.

وكان عباد بن سليمان يثبت الأعراض غير الأجسام فإذا قيل له: تقول الحركة غير المتحرك والأسود غير السواد امتنع من ذلك وقال: قولي في الجسم متحرك إخبار عن جسم وحركة فلا يجوز أن أقول الحركة غير المتحرك إذ كان قولي متحرك إخباراً عن جسم وحركة ولكن أقول الحركة غير الجسم.

وقال قائلون من أصحاب الطبائع أن الأجسام كلها من أربع طبائع حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وأن الطبائع الأربع أجسام ولم يثبتوا أشياء إلا هذه الطبائع الأربع وأنكروا الحركات وزعموا أن الألوان والطعوم والأراييح هي الطبائع الأربع.

وقال قائلون منهم أن الأجسام من أربع طبائع وأثبتوا الحركات ولم يثبتوا عرضاً غيرها وثبتوا الألوان والأراييح من هذه الطبائع.

وقال قائلون: الأجسام من أربع طبائع وروح سابحة فيها وأنهم لا يعقلون جسماً إلا هذه الخمسة الأشياء وأثبتوا الحركات أعراضاً.

وقال قائلون بإبطال الأعراض والحركات والسكون وأثبتوا السواد وهو عين الشيء الأسود لا غيره وكذلك البياض وسائر الألوان وكذلك الحلاوة والحموضة وسائر الطعوم وكذلك قولهم في الأراييح وفي الحرارة أنها عين الشيء الحار لا غيره وكذلك قولهم في الرطوبة والبرودة واليبوسة وكذلك قولهم في الحياة أنها هي الحي وهؤلاء منهم من يثبت حركة الجسم وفعله غيره ومنهم من لا يثبت عرضاً غير الجسم على وجه من الوجوه.

وحكي عن بعض أهل التثنية من المنانية أنهم يزعمون أن الأجسام من أصلين وأن كل واحد من الأصلين من خمسة أجناس: من سواد وبياض وصفرة وخضرة وحمرة وأنهم لا يعقلون جسماً إلا ما كان كذلك وأنهم دانوا بإبطال الأعراض.

وحكي عن بعض أهل التثنية من الديصانية أنهم ثبتوا الأجسام من أصلين وأنهم زعموا أن أحد الأصلين سواد كله والآخر بياض كله وأن النور هو البياض وأن الظلام هو السواد وأن سائر الألوان من هذين اللونين وإنما اختلفت الألوان فصار منها صفرة وحمرة وخضرة لاختلاف امتزاج هذين اللونين وأنهم أنكروا الأعراض.

فأما أبو عيسى الوراق فإنه حكى أن من أهل التثنية من يثبت الأعراض من الحركات والسكون وسائر الأفعال غير الأجسام وأن منهم من يزعم أنها صفات الأجسام لا هي الأجسام ولا غيرها وأن منهم من نفاها وأبطلها وزعم أنه لا حركة ولا سكون ولا فعل غير الأصلين.

واختلفوا في اللون هل هو الطعم أم غيره

وهل الطعم هو الرائحة أم هو غيرها: فقال قائلون: اللون هو الطعم وهو الرائحة وهو الصوت والجو وكذلك قولهم في السمع والبصر والذائق والشام وهؤلاء هم الديصانية.

وقال قائلون: اللون غير الطعم والطعم غير الرائحة والرائحة غير الجو والجو غير الصوت وهذا قول أكثر أهل النظر.

واختلف الذين أثبتوا الحركات أعراضاً غير الأجسام في الحركات هل هي مشتبهة أم لا وهل هي جنس واحد أم أجناس كثيرة أم ليست بأجناس: فقال أبو الهذيل: الحركة لا يجوز أن تشبه الحركة وكذلك العرض لا يجوز أن يشبه العرض لأن المشتبهين يشتبهان باشتباه ولكن قد يقال أن الحركة شبه الحركة وزعم أن الإنسان يقدر على حركة وسكون فإن فعل الحركة في الوقت الثاني من وقت قدره وفعل معها كوناً يمنة فهي حركة يمنة وإن فعل معها كوناً يسرة فهي حركة يسرة وكذلك القول في سائر الجهات لأنا إذا قلنا: حركة يمنة فقد ذكرنا الحركة وكوناً يمنة وكذلك إذا قلنا الحركة يسرة فإنما ثبتنا الحركة وكوناً يسرة.

والحركات عنده غير الأكوان والمماسات وكذلك السكون عنده غير الأكوان والمماسات ولم يكن يزعم أنه قادر أن يفعل في الوقت الأول حركات في الثاني وإنما يقدر على حركة وسكون فأي الأكوان فعله وهي الثاني فالحركة حركة في تلك الجهة مع الكون ولم يكن يجعل حركة خلافاً لحركة وكان أيضاً لا يزعم أن الأعراض لا تختلف لأن المختلف باختلاف يختلف عنده وكان لا يزعم أن الخلاف ما كان الشيئان به مختلفين وكذلك الوفاق ما كانا به متفقين وكان يزعم أن شيئاً يخالف شيئاً بنفسه أو يشبهه ويوافقه بنفسه وكان لا يقول البارئ مخالف للعالم.

وقال إبراهيم النظام: حركات الإنسان وأفعاله كلها جنس واحد وأن الحركات هي الأكوان وأن الجنس الواحد لا يفعل شيئين متضادين كما لا يكون بالنار تبريد وتسخين وزعم أن التصاعد من جنس الانحدار والتيامن من جنس التياسر والطاعة من جنس المعصية والكفر من جنس الإيمان والصدق من جنس الكذب.

وقال قائلون: الحركات أجناس وأنها متضادات والتيامن ضد التياسر والقيام ضد القعود والتقدم ضد التأخر والتصاعد ضد الانحدار وأن هذه المتضادات من الأعراض مختلفة فمنها ما يختلف بنفسه كالسواد والبياض ومنها ما يختلف لعلة هي غيره ك.

ومنها ما يختلف لا لنفسه ولا لعلة هي غيره كالتيامن والتياسر وما أشبه ذلك وأن الحركة والسكون هي الأكوان وأن الإنسان يقدر أن يفعل السكون في الثاني وحركات مختلفات متضادات على البدل.

وقد تكون الطاعة عند هؤلاء القائلين من جنس المعصية كالحركتين في الجهة الواحدة يؤمر بإحداهما فتكون طاعة وينهى عن الأخرى فتكون معصية فقد تكون الطاعة من جنس المعصية وقد تكون ضدها كالحركتين في جهتين مختلفتين وقد يفعل الفاعل الواحد أفعالاً متضادة كالحركة والسكون.

وزعم صاحب هذا القول أن الأعراض تشتبه بأنفسها كالسوادين والبياضين وأنها تتفق بأنفسها وأن الجواهر مشتبهة بأنفسها وكذلك الأعراض المختلفة تختلف بأنفسها كالسواد والبياض.

وكان يزعم مرة أن الذهاب يمنة من جنس الذهاب يمنة ثم رجع عن هذا وزعم أن الذهاب يمنة إذا كان في مكان فهو ضد الذهاب يمنة في مكان آخر لأن الكون في مكان يضاد الكون في غيره وكان لا يثبت متفقين مشتبهين يتفقان بغيرهما وإنما يتفق المتفقان بأنفسهما وكذلك المشتبهان وهذا قول محمد بن عبد الوهاب الجبائي.

وزعم بعض المتكلمين أن الأعراض تشتبه بغيرها وأن الأعراض مختلفة بأنفسها والأجسام تختلف بغيرها وهذا قول البغداذيين الخياط وغيره.

وزعم البغداديون من المعتزلة أن الطاعة لا تكون من جنس المعصية وأن الكفر لا يكون من جنس الإيمان وأن الحركة لا تكون من جنس السكون.

وقال حسين النجار ومن قال بقوله أن الأشياء المحدثات كلها مشتبهة في باب الحدث متفقة فيه أجسامها وأعراضها وأنه لا يشبه المخلوق إلا مخلوق لأنه لو جاز أن يشبه المخلوق ما ليس بمخلوق لجاز أن يشبه الخالق ما ليس بخالق.

واختلف المتكلمون في معنى الحركة والسكون وأين محل ذلك في الجسم هل هو في المكان الأول أو الثاني: فقال قائلون: معنى الحركة معنى الكون والحركات كلها اعتمادات ومنها انتقال ومنها ما ليس بانتقال والقائل بهذا القول النظام وزعم أن الجسم إذا تحرك من مكان إلى مكان فالحركة تحدث في الأول وهي اعتماداته التي توجب الكون في الثاني وأن الكون في الثاني هو حركة الجسم في الثاني.

وكان محمد بن شبيب يثبت الحركة والسكون ويزعم أنهما الأكوان وأن الأكوان منها حركة ومنها سكون وأن الإنسان إذا تحرك إلى الثاني فاعتماده في المكان الأول الذي يوجب الكون في الثاني ونقله وزوال إذا صار الجسم إلى الثاني لأن أهل اللغة لم يسموا الجسم زائلاً منتقلاً متحركاً عن الأول إلا إذا صار إلى المكان الثاني فالمعنى حدث فيه وهو في المكان الأول وسمي زوالاً في حال كونه في المكان الثاني لاتساع اللغة ونتكلم بكلام الناس على سبيل ما تكلموا به وقد يكون الكون في المكان الثاني حركة ويكون سكوناً فإن كان حركة أوجب كوناً في المكان الثالث وكان سكوناً في الثاني.

وقال معمر: معنى السكون أنه الكون ولا سكون إلا كون ولا كون إلا سكون.

وقال أبو الهذيل: الحركات والسكون غير الأكوان والمماسات وحركة الجسم عن المكان الأول إلى الثاني تحدث فيه وهو في المكان الثاني في حال كونه فيها وهي انتقاله عن المكان الأول وخروجه عنه وسكون الجسم في المكان هو لبثه فيه زمانين فلا بد في الحركة عن المكان من مكانين وزمانين ولا بد للسكون من زمانين.

وقال عباد: الحركات والسكون مماسات وزعم أن معنى حركة معنى زوال.

وقال بشر بن المعتمر: الحركة تحدث لا في المكان الأول ولا في الثاني ولكن يتحرك بها الجسم عن الأول إلى الثاني.

وكان الجبائي يزعم أن الحركة والسكون أكوان وأن معنى الحركة معنى الزوال فلا حركة إلا وهي زوال وأنه ليس معنى الحركة معنى الانتقال وأن الحركة المعدومة تسمى زوالاً قبل كونها ولا تسمى انتقالاً فقلت له: فلم لا تثبت كل حركة انتقالاً كما تثبت كل حركة زوالاً فقال: من قبل أن حبلاً لو كان معلقاً بسقف فحركه إنسان لقلنا: زال واضطرب وتحرك ولم نقل أنه انتقل فقلت له: ولم لا يقال انتقل في الجو كما قيل تحرك وزال واضطرب فلم يأت بشيء يوجب التفرقة.

واختلف المتكلمون فيما يوصف به الشيء: لنفسه يوصف أو لعلة وفي الطاعة حسنت لنفسها أو لعلة.

فقال قائلون: كل معصية كان يجوز أن يأمر الله سبحانه بها فهي قبيحة للنهي وكل معصية كان لا يجوز أن يبيحها الله سبحانه فهي قبيحة لنفسها كالجهل به والاعتقاد بخلافه وكذلك كل ما جاز أن لا يأمر الله سبحانه فهو حسن للأمر به وكل ما لم يجز إلا أن يأمر به فهو حسن لنفسه وهذا قول النظام.

وقال الإسكافي في الحسن من الطاعات حسن لنفسه والقبيح أيضاً قبيح لنفسه لا لعلة وأظنه كان يقول في الطاعة أنها طاعة لنفسها وفي المعصية أنها معصية لنفسها.

وقال قائلون: الطاعة إنما سميت طاعة لله لأنه أمر بها لا لنفسها.

وقال قائلون: كل ما يوصف به الشيء فلنفسه وصف به وأنكروا الأعراض والصفات.

وقال قائلون: كل ما وصف به الشيء فإنما وصف به لمعنى هو صفة له وهو قول ابن كلاب وكان يقول: كل معنى وصف به الشيء فهو صفة له.

وقال قائلون: ما وصف به الشيء قد يكون لنفسه لا لمعنى كالقول سواد وبياض وكالقول في القديم أنه قديم عالم وقد يكون لعلة كالقول متحرك ساكن من غير أن تكون الحركة صفة له أو السكون وثبتوا أن الصفات هي الأقوال والكلام كقولنا عالم قادر فهي صفات أسماء وكالقول يعلم ويقدر فهذه صفات لا أسماء وكالقول شيء فهذا اسم لا صفة.

وقال قائلون: قد يوصف الشيء بصفة لنفسه كقولنا سواد وبياض وقد يوصف لعلة كقولنا متحرك ساكن وقد يوصف لا لنفسه ولا لعلة كقولنا محدث.

واختلف الناس في الأعراض هل تبقى أم لا: فقال قائلون: الأعراض كلها لا تبقى وقتين لأن الباقي إنما يكون باقياً بنفسه أو ببقاء فيه فلا يجوز أن تكون باقية بأنفسها لأن هذا يوجب بقاءها في حال حدوثها ولا يجوز أن تبقى ببقاء يحدث فيها لأنها لا تحتمل الأعراض والقائل بهذا أحمد بن علي الشطوي وقال به أبو القاسم البلخي ومحمد بن عبد الله بن مملك الأصبهاني وزعم هؤلاء أن الألوان والطعوم والأراييح والحياة والقدرة والعجز والموت والكلام والأصوات أعراض وأنها لا تبقى وقتين وهو يثبتون الأعراض كلها ويزعمون أنها لا تبقى زمانين.

وقال قائلون أنه لا عرض إلا الحركات وأنه لا يجوز أن تبقى والقائل بهذا النظام.

وقال أبو الهذيل: الأعراض منها ما يبقى ومنها ما لا يبقى والحركات كلها لا تبقى والسكون منه ما يبقى ومنه ما لا يبقى وزعم أن سكون أهل الجنة سكون باق وكذلك أكوانهم وحركاتهم منقطعة متقضية لها آخر وكان يزعم أن الألوان تبقى وكذلك الطعوم والأراييح والحياة والقدرة تبقى ببقاء لا في مكان ويزعم أن البقاء هو قول الله عز وجل للشيء ابقه وكذلك في بقاء الجسم وفي بقاء كل ما يبقى من الأعراض وكذلك كان يزعم أن الآلام تبقى وكذلك اللذات فآلام أهل النار باقية فيهم ولذات أهل الجنة باقية فيهم.

وكان محمد بن شبيب يزعم أن الحركات لا تبقى وكذلك السكون لا يبقى.

وكان محمد بن عبد الوهاب الجبائي يقول: الحركات كلها لا تبقى والسكون على ضربين: سكون الجماد وسكون الحيوان فسكون الحي المباشر الذي يفعله في نفسه لا يبقى وسكون الموات يبقى وكان يقول أن الألوان والطعوم والأراييح والحياة والقدرة والصحة تبقى ويقول ببقاء أعراض كثيرة وكان يقول أن كل ما فعله الحي في نفسه مباشراً من الأعراض فهو غير باق وكذلك يقول أن الباقي من الأعراض يبقى لا ببقاء وكذلك يقول في الأجسام أنها تبقى لا ببقاء وكذلك يجيز بقاء الكلام.

وقال قائلون في الحركة أنها لا يجوز أن تبقى ولا يجوز أن تعاد.

وقال ضرار بن عمرو والحسين بن محمد النجار أن الأعراض التي هي غير الأجسام يستحيل أن تبقى زمانين وكان ضرار والحسين النجار يقولان: البقاء للجسم الذي هو أبعاض منها كذا ومنها كذا.

وكان النجار ينكر بقاء الاستطاعة لأنها ليست بداخلة في جملة الجسم وهي غيره ويستحيل أن يكون في غيرها لأنه يستحيل لأن يبقى الشيء ببقاء في غيره.

وقال بشر بن المعتمر: السكون يبقى ولا يتقضى إلا بأن يخرج الساكن منه إلى حركة وكذلك السواد يبقى ولا يتقضى إلا بأن يخرج منه الأسود إلى ضده من بياض أو غيره وكذلك في سائر الأعراض على هذا الترتيب.

واختلفوا هل تفنى الأعراض أم لا

فقال قائلون: الأعراض كلها لا يقال أنها تفنى لأن ما جاز أن يفنى جاز أن يبقى وقال قائلون: هي تفنى بمعنى تعدم وقال قائلون: ما يجوز أن يبقى منها يجوز أن يفنى وما لا يجوز أن يبقى واختلفوا هل لها بقاء أم لا: فقال قائلون: تبقى ببقاء الجسم وقال قائلون: تبقى لا ببقاء وقال قائلون: تبقى ببقاء لا في مكان.

واختلفوا في فنائها: فقال قائلون: تفنى بفناء لا في مكان وقال قائلون: تفنى بفناء في غيرها والسواد فناء للبياض إذا حدث بعهده وقال قائلون: تفنى لا بفناء.

واختلف الناس في رؤية الأعراض والأجسام: فقال أبو الهذيل: الأجسام ترى وكذلك الحركات والسكون والألوان والاجتماع والافتراق والقيام والقعود والاضطجاع وأن الإنسان يرى الحركة إذا رأى الشيء متحركاً ويرى السكون إذا رأى الشيء ساكناً برؤيته له ساكناً وكذلك القول في الألوان والاجتماع والافتراق والقيام والقعود والاضطجاع وكل شيء إذا رأى الرائي الجسم عليه فرق بينه وبين غيره إذا كان على غير تلك المنظرة وفرق بينه وبين غيره مما ليس على منظرة فهو راء لذلك الشيء.

وكان يزعم أن الإنسان يلمس الحركة والسكون بلمسه للشيء متحركاً أو ساكناً لأنه قد يفرق بين الساكن والمتحرك بلمسه له ساكناً ومتحركاً كما يفرق بين الساكن والمتحرك برؤيته لأحدهما ساكناً والآخر متحركاً وكذلك كل شيء من الأجسام إذا لمسه الإنسان فرق بينه وبين غيره مما ليس على هيئته بلمسه إياه فهو يلمس ذلك العرض وكان يزعم أن الألوان لا تلمس لأن الإنسان لا يفرق بين الأسود والأبيض باللمس.

وكان الجبائي يوافقه في رؤية الأجسام والأعراض وكان يخالفه في لمس الأعراض.

وكان بعض أهل الكلام ينكر أن يكون الإنسان يلمس الحرارة والبرودة ويزعم أنه يجدها لا بأن يلمسها.

وقال النظام: الأعراض محال أن ترى وأنه لا عرض إلا الحركة ومحال أن يرى الإنسان إلا الألوان والألوان أجسام ولا جسم يراه الرائي إلا لون.

وقال عباد بن سليمان: الأعراض لا ترى ولا يرى الرائي إلا الأجسام ولا يرى إلا وهو ذو جهات وأنكر أن يرى أحد لوناً أو حركة أو سكوناً أو عرضاً.

وقال قائلون: الأجسام لا ترى ولا يرى إلا لون والألوان أعراض وهو أبو الحسين الصالحي ومن قال بقوله.

وقال قائلون: يرى اللون والملون ولا ترى الحركات والسكون وسائر الأعراض.

وقال معمر: إنما تدرك أعراض الجسم فأما الجسم فلا يجوز أن يدرك.

فقال أبو الهذيل: خلق الشيء الذي هو تكوينه بعد أن لم يكن هو غيره وهو إرادته له وقوله له: كن والخلق مع المخلوق في حاله وليس بجائز أن يخلق الله سبحانه شيئاً لا يريده ولا يقول له كن وثبت خلق العرض غيره وكذلك خلق الجوهر وزعم أن الخلق الذي هو إرادة وقول لا في مكان وزعم أن التأليف هو خلق الشيء مؤلفاً وأن الطول هو خلق الشيء طويلاً وأن اللون خلقه له ملوناً وابتداء الله الشيء بعد أن لم يكن هو خلقه له وهو غيره وإعادته له غيره وهو خلقه له بعد فنائه وإرادة الله سبحانه للشيء غيره وإرادته للإيمان غير أمره به وكان يثبت الابتداء غير المبتدأ والإعادة غير المعاد والابتداء خلق الشيء أول مرة والإعادة خلقه مرة أخرى.

وقال هشام بن عمرو الفوطي: ابتداء الشيء مما يجوز أن يعاد غيره وابتداؤه مما لا يجوز أن يعاد ليس بغيره والإرادة المراد.

وكان عباد بن سليمان إذا قيل له: أتقول أن الخلق غير المخلوق قال: خطأ أن يقال ذلك لأن المخلوق عبارة عن شيء وخلق وكان يقول: خلق الشيء غير الشيء ولا يقول الخلق غير المخلوق وكان يقول أن خلق الشيء قول كما كان يقول أبو الهذيل ولا يقول أن الله قال له كن كما كان أبو الهذيل يقول.

وحكى زرقان عن معمر أنه كلن يزعم أن خلق الشيء غيره وللخلق خلق إلى ما لا نهاية له وأن وحكي عن هشام بن الحكم أن خلق الشيء صفة له لا هو هو ولا غيره.

وقال بشر بن المعتمر: خلق الشيء غيره والخلق قبل المخلوق وهو الإرادة من الله للشيء.

وقال إبراهيم النظام: الخلق من الله سبحانه الذي هو تكوين هو المكون وهو الشيء المخلوق وكذلك الابتداء هو المبتدأ والإعادة هي المعاد والإرادة من الله سبحانه تكون إيجاداً للشيء وهي الشيء وتكون أمراً وهي غير المراد كنحو إرادة الله للإيمان هي أمره به وتكون حكماًُ وإخباراً وهي غير المحكوم والمخبر عنه وكان إرادة الله سبحانه أن يقيم القيامة يعني أنه حاكم بذلك مخبر به والابتداء هو المبتدأ والإعادة هي المعاد وهي خلق الشيء بعد إعدامه.

وقال الجبائي: الخلق هو المخلوق والإرادة من الله غير المراد وفعل الإنسان هو مفعوله وإرادته غير مراده وكان يزعم أن إرادة الله سبحانه للإيمان غير أمره به وغير الإيمان وإرادته لتكوين الشيء غيره.

وأظن أن مثبتاً ثبت الخلق هو المخلوق والإعادة غير المعاد.

واختلف الذين قالوا أن خلق الشيء غيره في الخلق هل هو مخلوق أم لا: فقال أبو موسى الدردار أن الخلق غير المخلوق والخلق مخلوق في الحقيقة وليس له خلق.

وقال أبو الهذيل: الخلق الذي هو تأليف والذي هو لون والذي هو طول والذي هو كذا كل ذلك مخلوق في الحقيقة وهو واقع عن قول وإرادة والخلق الذي هو قول وإرادة ليس بمخلوق في الحقيقة وإنما يقال: مخلوق في المجاز.

وقال قائلون: لا يقال الخلق مخلوق على وجه من الوجوه.

وقال زهير الأثري: الخلق غير المخلوق وهو إرادة وقول وهو محدث ليس بمخلوق.

وقال أبو معاذ التومني: الخلق حدث وليس بمحدث ولا مخلوق وأن الإرادة من الله سبحانه تكون إيجاداً وهي خلق وتكون أمراً وكان يزعم أن القرآن حدث ليس بمخلوق ولا محدث.

واختلف المتكلمون في البقاء والفناء: فقال قائلون ممن يثبت خلق الشيء غيره أن الباقي باق لا ببقاء.

وزعم قوم ممن يثبت الخلق هو المخلوق أن الباقي يبقى ببقاء.

وقال أبو الهذيل: خلق الشيء غيره والبقاء غير الباقي والفناء غير الفاني والقباء قول الله عز وجل للشيء ابق والفناء قوله افن.

وقال قائلون من البغداذيين: بقاء الشيء غيره وليس للفاني فناء والفاني يفنى لا بفناء.

وقال قائلون منهم الجبائي وغيره: الباقي باق لا ببقاء والفاني يفنى لا بفناء غيره.

وقال معمر أن للفاني فناء وللفناء فناء لا إلى غاية ومحال أن يفني الله الأشياء كلها.

وحكى زرقان أن هشام بن الحكم قال: البقاء صفة للباقي لا هو هو ولا غيره وكذلك الفناء.

واختلفوا في البقاء والفناء أين يوجدان وهل يوجدان وقتاً واحداً أو أكثر من ذلك

فقال أبو الهذيل: البقاء والفناء يوجدان لا في مكان وكذلك الخلق وكذلك الوقت لا في مكان ولا يجوز أن يوجد أكثر من وقت واحد.

وقال قائلون: بقاء الشيء يوجد معه وهو غيره يوجد فيه ما دام باقياً.

وقال محمد بن شبيب: المعنى الذي هو فناء ومن أجله يعدم الجسم لا يقال له فناء حتى يعدم الجسم وأنه حال في الجسم في حال وجوده فيه ثم يعدم بعد وجوده.

وقال الجبائي: فناء الجسم يوجد لا في مكان وهو مضاد له ولكل ما كان من جنسه وزعم أن السواد الذي كان في حال وجوده بعد البياض هو فناء للبياض وكذلك كل شيء في وجوده عدم شيء فهو فناء ذلك الشيء وأن فناء العرض يحل في الجسم والفناء لا يفنى.

واختلفوا في معنى الباقي

فقال قائلون: معنى الباقي أن له بقاء وكذلك قولهم في القديم والمحدث وهو قول عبد الله بن كلاب.

وقال قائلون: القديم باق بنفسه وغير باق ببقاء ومعنى القول في المحدث إنه باق أن له بقاء لأنه وقال قائلون ممن يذهب إلى أن كل باق فهو باق لا ببقاء: معنى الباقي أنه كائن لا بحدوث وأن القديم لم يزل باقياً لأنه لم يزل كائناً لا بحدوث والمحدث في حال كونه بالحدوث ليس بباق وفي الوقت الثاني هو باق لأنه كائن في الوقت الثاني لا بحدوث.

وقال آخرون منهم الإسكافي: معنى القول في المحدث إنه باق أنه وجد حالين ومر عليه زمانان فأما القديم فليس ذلك معنى القول فيه أنه باق لأنه لم يزل باقياً على الأوقات والأزمان.

واختلف الناس في المعاني القائمة بالأجسام كالحركات والسكون وما أشبه ذلك هل هي أعراض أو صفات: فقال قائلون: نقول أنها صفات ولا نقول هي أعراض ونقول هي معان ولا نقول هي الأجسام ولا نقول غيرها لأن التغاير يقع بين الأجسام وهذا قول هشام بن الحكم.

وقال قائلون: هي أعراض وليست بصفات لأن الصفات هي الأوصاف وهي القول والكلام كالقول: زيد عالم قادر حي فأما العلم والقدرة والحياة فليست بصفات وكذلك الحركات والسكون ليست بصفات.

واختلفوا لم وقال قائلون: هي أعراض وليست بصفات لأن الصفات هي الأوصاف وهي القول والكلام كالقول: زيد عالم قادر حي فأما العلم والقدرة والحياة فليست بصفات وكذلك فقال قائلون: سميت بذلك لأنها تعترض في الأجسام وتقوم بها وأنكر هؤلاء أن يوجد عرض لا في مكان أو يحدث عرض لا في جسم وهذا قول النظام وكثير من أهل النظر.

وقال قائلون: لم تسم الأعراض أعراضاً لأنها تعترض في الأجسام لأنه يجوز وجود أعراض لا في جسم وحوادث لا في مكان كالوقت والإرادة من الله سبحانه والبقاء والفناء وخلق الشيء الذي هو قول وإرادة من الله تعالى وهذا قول أبي الهذيل.

وقال قائلون: إنما سميت الأعراض أعراضاً لأنها لا لبث لها وإن هذه التسمية إنما أخذت من قول الله عز وجل: " قالوا هذا عارض ممطرنا " فسموه عارضاً لأنه لا لبث له وقال: " تريدون عرض الدنيا " فسمى المال عرضاً لأنه إلى انقضاء وزوال.

وقال قائلون: سمي العرض عرضاً لأنه لا يقوم بنفسه وليس من جنس ما يقوم بنفسه.

وقال قائلون: سميت المعاني القائمة بالأجسام أعراضاً باصطلاح من اصطلح على ذلك من المتكلمين فلو منع هذه التسمية مانع لم نجد عليه حجة متن كتاب أو سنة أو إجماع من الأمة وأهل اللغة وهذا قول طوائف من أهل النظر منهم جعفر بن حرب.

وكان عبد الله بن كلاب يسمي المعاني القائمة بالأجسام أعراضاً ويسميها أشياء ويسميها صفات.

فقال قائلون منهم حفص الفرد وغيره: جائز أن يقلب الله الأعراض أجساماً والأجسام أعراضاً لأنه خلق الجسم جسماً والعرض عرضاً وإنما كان العرض عرضاً بأن خلقه الله عرضاً وكان الجسم جسماً بأن خلقه الله جسماً فجائز أن يكون الذي خلقه الله عرضاً يخلقه جسماً والذي خلقه جسماً يخلقه عرضاً وكذلك زعم أن الله خلق اللون لوناً والطعم طعماً وكذلك قوله في سائر الأجناس وأن الأشياء إنما هي على ما هي عليه بأن خلقت كذلك وأن الإنسان لم يفعل الأشياء على ما هي عليه ولم تكن على ما هي عليه بأن فعلها كذلك.

وقال أكثر أهل النظر بإنكار قلب الأعراض أجساماً والأجسام أعراضاً وقال: ذلك محال لأن القلب إنما هو رفع الأعراض وإحداث أعراض والأعراض لا تحتمل أعراضاً واعتلوا بعلل كثيرة.

وقال كثير من الذين لم يقولوا بجواز قلب الأعراض منهم الجبائي: لا نقول أن الله خلق الجوهر جوهراً واللون لوناً والشيء شيئاً والعرض عرضاً لأنه الله يعلمه جوهراً قبل أن يخلقه وكذلك اللون يعلمه لوناً قبل أن يخلقه وكذلك قوله فيما سمي به الشيء قبل كونه.

وقال قائلون من المعتزلة وغيرهم أن الله تعالى خلق الجوهر جوهراً واللون لوناً والشيء شيئاً والحركة حركة ولو لم يخلق الجوهر جوهراً ويحدثه جوهراً لكان قديماً جوهراً فلما استحال ذلك صح أنه خلقه جوهراً ولو لم يخلقه جوهراً لم يكن الجوهر بالله كان جوهراً.

فقال قائلون أن الجسم إذا سكن فإنما يسكن لمعنى هو الحركة لولاه لم يكن بأن يكون متحركاً أولى من غيره ولم يكن بأن يتحرك في الوقت الذي يتحرك فيه أولى منه بالحركة قبل ذلك قالوا: وإذا كان ذلك كذلك فكذلك الحركة لولا معنى له كانت حركة للمتحرك لم تكن بأن تكون حركة له أولى منها أن تكون حركة لغيره وذلك المعنى كان معنى لأن كانت الحركة حركة للمتحرك لمعنى آخر وليس للمعاني كل ولا جميع وأنها تحدث في وقت واحد وكذلك القول في السواد والبياض وفي أنه سواد لجسم دون غيره وفي أنه بياض لجسم دون غيره وكذلك القول في مخالفة السواد والبياض وكذلك القول في سائر الأجناس والأعراض عندهم وأن العرضين إذا اختلفا أو اتفقا فلا بد من إثبات معان لا كل لها وزعموا أن المعاني التي لا كل لها فعل للمكان الذي حلته وكذلك القول في الحي والميت إذا أثبتناه حياً وميتاً فلا بد من إثبات معان لا نهاية لها حلت فيه لأن الحياة لا تكون حياة له دون غيره إلا لمعنى وذلك المعنى لمعنى ثم كذلك لا إلى غاية وهذا قول معمر.

وسمعت بعض المتكلمين وهو أحمد الفراتي يزعم أن الحركة حركة للجسم لمعنى وأن المعنى الذي كانت له الحركة حركة للجسم حدث لا لمعنى.

وقال أكثر أهل النظر: إذا ثبتنا الجسم متحركاً بعد أن كان ساكناً فلا بد من حركة لها تحرك والحركة حركة للجسم لا من أجل حدوث معنى له كانت حركة له وكذلك القول في سائر الأعراض.

واختلف هؤلاء في الحركة إذا كانت حركة للجسم لا لمعنى هل هي حركة له لنفسها ولا لمعنى: فقال الجبائي أنها حركة له لا لنفسها ولا لمعنى وقال قائلون: هي حركة له لنفسها.

واختلف المتكلمون في الأعراض هل يجوز إعادتها أم لا: فقال كثير من المتكلمين منهم محمد بن شبيب بإعادة الحركات وحكى زرقان عن بعض المتقدمين أن الحركة في الوقت الثاني هي الحركة في الوقت الأول معادة.

وقال قائلون: الأعراض كلها لا يجوز إعادتها.

وقال قائلون منهم الإسكافي: ما يبقى من الأعراض يجوز أن يعاد وما لا يبقى منها لا يجوز أن يعاد.

وقال قائلون: ما لا نعرف كيفيته كالألوان والطعوم والأراييح والقوة والسمع والبصر وما أشبه ذلك فجائز أن يعاد وما يعرف الخلق كيفيته كالحركات والسكون وما يتولد عنها كالتأليف والتفريق والأصوات وسائر ما يعرفون كيفيته فلا يجوز أن يعاد وهذا قول أبي الهذيل.

وقال قائلون: ما يعرف الخلق كيفيته أو يقدرون على جنسه أو لا يجوز أن يبقى فليس بجائز أن يعاد وما كان غير ذلك من الأعراض فجائز أن يعاد وهذا قول الجبائي وزعم أن ما يجوز أن يعاد فجائز عليه التقديم في الوجود والتأخير وأن الحركات وما أشبه ذلك مما لا يجوز أن يعاد لو أعيد لكان يجوز عليه التقديم في الوجود والتأخير ولو جاز ذلك على الحركات لكان ما يقدر أن يفعل بعد عشرة أوقات يجوز أن يقدم قبل ذلك أو كان ما يقدر عليه أن يفعل في الوقت الثاني يجوز أن يفعل في الوقت العاشر معاداً ولو كان ذلك جائزاً - وليس لما يقدر عليه البارئ من حركات الأجسام نهاية - لكان جائزاً أن يفعل ذلك في وقتنا هذا ولو جاز ذلك لجاز أن يقدم الإنسان ما يقدر أن يفعله في أوقات لا تتناهى فيفعله في هذا الوقت ولو كان ذلك جائزاً لكان الإنسان لو لم يفعل ذلك في هذا الوقت لكان يفعل لها تروكاً لا كل لها وذلك فاسد فلما فسد ذلك فسد أن تعاد الحركات وكان يعتل بهذا في وقت كان يزعم أن ترك كل شيء غير ترك غيره وأن تركاً واحداً يكون لشيئين.

واختلف القائلون أن الأجسام تعاد في الآخرة هل الذي ابتدئ في الدنيا هو الذي يعاد في الآخرة أم لا: فقال قائلون وهم أكثر المسلمين أن المبتدأ في الدنيا هو المعاد في الآخرة.

وقال عباد بن سليمان: لا أقول المعاد هو المبتدأ ولا أقول هو غيره وكذلك كان يقول: لا أقول المتحرك هو الساكن ولا أقول هو غيره إذا تحرك الشيء ثم سكن وكذلك كان يقول: لا أقول أن المحدث هو الذي لم يكن ولا أقول أن ما يوجد هو الذي يعدم.

واختلف المتكلمون في الأضداد: فقال أبو الهذيل: هو ما إذا لم يكن كان الشيء وإذا كان لم يكن الشيء وزعم أن الأجسام لا تتضاد وأحال تضادها.

وقال قائلون: الضدان هما المتنافيان اللذان ينفي أحدهما الآخر وأنكر أبو الهذيل هذا القول لأن الحرفين يتنافيان ولا يتضادان.

وقال النظام: الأعراض لا تتضاد والتضاد إنما هو بين الأجسام كالحرارة والبرودة والسواد والبياض والحلاوة والحموضة وهذه كلها أجسام متفاسدة يفسد بعضها بعضاً وكذلك كل جسمين متفاسدين فهما متضادان.

وقال قائلون: الضدان هما اللذان لا يجتمعان فمعنى أن الشيئين ضدان أنهما لا يجتمعان وهذا قول عباد بن سليمان.

وزعم زاعمون أن الشيئين قد يتضادان في المكان الواحد كالحركة والسكون والقيام والقعود والحرارة والبرودة واجتماع الشيئين وافتراقهما ويتضادان في الوقت كالفناء الذي لا يجوز وجوده مع المفنى في وقت واحد ويتضادان في الوصف كنحو إرادة القديم للشيء وكراهته له يتضاد الوصف له بهما وأن معنى التضاد التنافي فإن كان الشيء مما يحل الأماكن فتضاد الشيئين في المكان الواحد تنافي وجودهما فيه وتضادهما في الوقت تنافي وجودهما فيه وتضادهما في الوصف تنافي الوصف للموصوف بهما.

وزعم زاعمون أن الضد هو الترك وأن ضد الشيء هو تركه.

واختلفوا هل يوصف البارئ بالترك أم لا على مقالتين

فقال قائلون: قد يوصف البارئ عز وجل بالترك وفعله للحركة في الجسم تركه لفعل السكون فيه وقال قائلون: لا يجوز أن يوصف البارئ بالترك على وجه من الوجوه.

واختلفوا هل يوصف البارئ بالقدرة على أن يقدر خلقه على الحياة والموت أم لا وعلى فعل الأجسام أم لا: فقال قائلون: البارئ قادر أن يقدر عباده على فعل الأجسام والألوان والطعوم والأراييح وسائر الأفعال وهذا قول أصحاب الغلو من الروافض.

وقال قائلون: لا يوصف البارئ بالقدرة على أن يقدر عباده على فعل الأجسام ولكنه قادر أن يقدرهم على فعل جميع الأعراض من الحياة والموت والعلم والقدرة وسائر أجناس الأعراض وقال قائلون: البارئ قادر أن يقدر عباده على الألوان والطعوم والأراييح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وقد أقدرهم على ذلك فأما القدرة على الحياة والموت فليس يجوز أن يقدرهم على شيء من ذلك وهذا قول بشر بن المعتمر.

وقال قائلون: لا عرض إلا والبارئ سبحانه جائز أن يقدر على ما هو من جنسه ولا عرض عند هؤلاء إلا الحركة فأما الألوان والأراييح والحرارة والبرودة والأصوات فإنهم أحالوا أن يقدر الله عباده عليها لأنها أجسام عندهم وليس بجائز أن يقدر الخلق إلا على الحركات وهذا قول النظام.

وقال قائلون: جائز أن يقدر الله عباده على الحركات والسكون والأصوات والآلام وسائر ما يعرفون كيفيته فأما الأعراض التي لا يعرفون كيفيتها كالألوان والطعوم والأراييح والحياة والموت والعجز والقدرة فليس يجوز أن يوصف البارئ بالقدرة على أن يقدرهم على شيء من ذلك وهذا قول أبي الهذيل.

واختلف المتكلمون في الترك للشيء والكف هل هو معنى غير التارك على أربعة أقاويل: فقال قائلون بإثبات الترك وأنه معنى غير التارك وأنه كف النفس عن الشيء.

وقال قائلون بنفي الترك وأنه ليس بشيء إلا التارك وليس له ترك.

وقال عباد بن سليمان: أقول أن ترك الإنسان غير الإنسان ولا أقول الترك غير التارك لأني إذا قلت: الإنسان تارك فقد أخبرت عنه وعن ترك.

واختلف المثبتون للترك هل ترك الشيء هو أخذ ضده أم لا على مقالتين: فقال قائلون: ترك كل شيء غير أخذ ضده وترك السكون هو الإقدام على الحركة وقال قائلون: ترك الشيء هو أخذ ضده.

واختلفوا هل يكون الترك الواحد لمتروكين أم لا على مقالتين: فقال قائلون: الترك الواحد يكون لمتروكين ويخرج منهما وأن المتروكين يتركان بترك واحد وهؤلاء الذين زعموا أن ترك كل شيء غير أخذ ضده.

وقال قائلون: ترك كل شيء فعل سوى ترك غيره كما أن الإقدام عليه سوى الإقدام على غيره وأكثر هؤلاء القائلين هم الذين يقولون أن ترك الشيء هو فعل ضده وزعم بعض القائلين بهذا القول أنه قد يترك أفعالاً كثيرة بترك واحد.

واختلفوا في الأفعال المتولدة هل يجوز أن يتركها الإنسان أم لا

وهي كنحو الألم الحادث عن الضرب وذهاب الحجر الحادث عن دفعة الدافع على مقالتين: فقال قائلون: لا يجوز على الأفعال المتولدة الترك وهذا قول عباد والجبائي.

وقال قائلون: قد يجوز أن تترك الأفعال المتولدة وأن الإنسان قد يترك الكثير من الأفعال في غيره بتركه لسببه.

واختلفوا فيه من وجه آخر وهو اختلافهم في الترك هل يترك الإنسان ما لا يخطر بباله أم لا: فزعم بعض المتكلمين أنه قد يترك ما لم يخطر بباله.

وقال بعضهم: لست أكف إلا بعد داع إلى الكف ولا أقدم إلا بعد داع إلى الإقدام.

وقال بعضهم: من الإقدام ما يحتاج إلى خاطر وهو المباشر وكثير من المتولدات وأكثر المتولدات يستغني عن الخاطر ولكن قد أترك لا لخاطر يدعو إلى الترك وزعموا أيضاً أنهم يتركون ما لا يعرفونه قط ولم يذكروه.

وزعم بعضهم أن الإرادة لا تقع بخاطر ولا يدعو إليها داع.

واختلفوا في التروك هل هي أفعال القلب على مقالتين: فزعم بعضهم أن التروك كلها من أفعال القلوب وزعم بعضهم في الإقدام مثل ذلك وزعم سائرهم أن الترك والإقدام يكونان بغير القلب كما يكونان بالقلب.

واختلفوا في الترك من وجه آخر: فقال بعضهم: الإقدام يحتاج إلى إرادة والكف لا يحتاج إلى إرادة وأبى ذلك أكثرهم وزعمت واختلفوا في الترك هل هو باق أم لا: فقال بعضهم أن الترك لا يجوز عليه البقاء وقد يجوز البقاء على غير الترك من الأعراض وقال قائلون: الأعراض كلها لا تبقى لا الترك ولا غيره وزعم بعضهم أنه قد يبقى وأن أكثر ما يقدم عليه كذلك.

واختلفوا فيه من وجه آخر: فقال بعضهم: قد يجوز أن أفعل ما تركته بعد أن تركته وقال بعضهم: هذا محال ممتنع.

واختلفوا فيه من وجه آخر: فزعم بعضهم أنه قد يترك فعلين وأكثر من ذلك في حالة واحدة وقال بعضهم: ليس يتهيأ في حال إلا ترك فعل واحد فقط.

واختلفوا فيه من وجه آخر: فقال بعضهم: قد أترك الكون في المكان العاشر بترك متولد وأبى هذا حذاقهم.

واختلف المتكلمون فيما يقع بالحواس من إدراك المحسوسات: فقال بعضهم: إن كانت أسبابه من ذوي الحواس فهو له وإن كانت من الله سبحانه فهو له وإن كانت من غير الله سبحانه وغير ذوي الحواس فهو له وكل من ادعى فعله ممن ذكرنا فليس يفعله وقال بعضهم: هو من ذوي الحواس وله إلا أنه ليس باختيار ولكنه فعل طباع وتحقيق قول أصحاب الطبائع أن الإدراك فعل لمحله الذي هو قائم به وهم أصحاب معمر.

وقال بعضهم: هو لله دون غيره بإيجاب خلقه للحواس وليس يجوز منه فعل إلا كذلك وهذا قول إبراهيم النظام.

وقال بعضهم: هو لله لطبيعة يحدثها في الحاسة مولدة له وهذا قول محمد بن حرب الصيرفي وكثير من أهل الإثبات.

وقال بعضهم: هو لله يبتدئه ابتداء ويخترعه اختراعاً إن شاء أن يرفعه والبصر صحيح والفتح واقع والشخص محاذ والضياء متوسط وإن شاء أن يخلقه في الموات فعل وهذا قول صالح قبة.

وقال قائلون: الإدراك فعل الله يخترعه ولا يجوز أن يفعله الإنسان ولا يجوز أن يكون البصر صحيحاً والضياء متصلاً ولا يفعل الله سبحانه الإدراك ولا يجوز أن يجعل الله سبحانه الإدراك مع العمى ولا يجوز أن يفعله مع الموت.

وقال ضرار: الإدراك كسب للعبد خلق لله.

وقال بعض البغداذيين: الإدراك فعل للعبد ومحال أن يكون فعلاً لله عز وجل.

واختلف القائلون أن الإنسان قد يفعل الإدراك مختاراً له في سبب الإدراك: فقال قائلون: سبب الإدراك متقدم له وللفتح وهو الإرادة الموجبة للفتح والفتح والإدراك يكونان معاً.

وقال قائلون: الفتح سبب الإدراك وليس يقع إلا بعد فتح البصر وكذلك الإحراق يكون بعد مماسة النار للشيء.

وقال بعضهم: يجوز أن يكون اعتماد الجفن الأعلى على الجفن الأسفل لارتفاع غيره وهو الذي يوجب الإدراك وليس يوجب الفتح قبله وليس يقع الفتح قبله.

وقالت طائفة أخرى غير هذه الطائفة: الفتح سببه ومعه يقع لا قبله ولا بعده.

واختلفوا كيف يدرك المدرك للشيء ببصره

فقال قائلون: لا يدرك الندرك للشيء ببصره إلا أن يطفر البصر إلى المدرك فيداخله وزعم صاحب هذا القول أن الإنسان لا يدرك المحسوس بحاسة إلا بالمداخلة والاتصال والمجاورة وهذا قول النظام.

وحكى عنه زرقان أنه قال أن الأشياء تدرك على المداخلة الأصوات والألوان وزعم أن الإنسان لا يدرك الصوت إلا بأن يصاكه وينتقل إلى سمعه فيسمعه وكذلك قوله في المشموم والمذوق.

وقال قائلون: لا يجوز على الحواس المداخلة والمجاورة والاتصال لأنها أعراض وزعموا أن البصر محال أن يطفر وكذلك سائر الحواس ولكن الرائي لا يرى الشيء إلا بأن يتصل الضياء والشعاع بينه وبينه ولا يشم الشيء ولا يذوقه حتى تنتقل إلى ذائقه وشامه أجزاء يقوم بها الطعم والرائحة وإذا سمع الشيء فمحال أن ينتقل سمعه إليه أو ينتقل إلى سمعه بل يتصل الضياء والشعاع بينه وبينه من غير أن يطفر إليه وبداخله وكذلك سمع الشيء من غير أن ينتقل إليه أو ينتقل سمعه إليه أو ينتقل إلى سمعه لأن المسموع عرض لا يجوز عليه الانتقال وكذلك شمه للرائحة وذوقه الطعم لا بأن ينتقل إليه الطعم والرائحة.

وقال قائلون: محال أن تدرك الأعراض بالاتصال أو تسمع بالآذان أو تشم أو تذاق أو تلمس لأنه لا يرى عنده إلا جسم ولا يسمع إلا جسم لأن الأصوات أجسام عنده قائل هذا القول وكذلك لا يذاق ويشم ويلمس عند قائل هذا القول إلا جسم والقائل بهذا القول النظام.

وقال قائلون: لا يذاق ويرى ويشم ويلمس إلا جسم وقد يسمع ما ليس بجسم والقائل بهذا القول بعض أهل النظر.

وقال قائلون: قد يجوز أن ترى الأعراض وتسمع وتشم وتذاق وتلمس.

واختلفوا في الإدراك من وجه آخر: فقال بعضهم: محله القلب وهو علم بالمدرك وليس في الحدقة إلا انتصاب العين حيال المدرك إذا قابله بها الإنسان أو القلب إذا قابلها وسمى بعضهم هذا الفعل رؤية.

وقال بعضهم: بل الرؤية والإدراك واحد وفي العين يكون وهو غير العلم وقالوا في إدراك سائر الحواس على هذا النحو.

وقال بعضهم: الإدراك يكون في بعض الحدقة وهي جنسه والعلم في القلب دون غيره وقالوا في سائر الأجناس كقولهم في هذا.

واختلفوا في الإدراك هل يجوز أن يكون فعلاً للشيء الذي أدركه المدرك على مقالتين: فقال أكثر المتكلمين: لا يجوز أن يكون الإدراك فعلاً للشيء الذي أدركه المدرك.

وقال قائلون: قد يكون الإدراك فعلاً للشيء الذي أدركه كالرجل يكون فاتحاً لبصره فيرد عليه الشيء فيراه فالرؤية فعل للوارد.

ولبعض الناس في الإدراك قول ليس من جنس هذه الأقاويل وهو أنه زعم أن البصر قائم في الإنسان وإن كان مطبق الأجفان لأنه بصير وإن كان كذلك وإذا قابل الشخص بصره وارتفعت الموانع عنه وقع عليه ووقع العلم به في تلك الحال والعلم عنده قد كان قبل ذلك مستوراً في القلب ممنوعاً من الوقوع بالمعلوم فلما زال مانعه وقع ولم يحدث لأنه قد كان قبل ذلك موجوداً كما واختلف المتكلمون في المحال ما هو: فقال قائلون: هو معنى تحت القول لا يمكن وجوده ثم اختلف هؤلاء فقال قائلون: هو اجتماع الضدين وكل مذكور لا يتهيأ كونه وقال بعضهم: هو الضدان يجتمعان وقال قوم سوى هؤلاء: هو القول المتناقض.

ثم اختلفوا في ماهية القول المتناقض: فقال قوم: هو قولك فلان قائم قاعد وما كان في نجاره.

وقال بعضهم: ليس هذا هكذا لأن قاعداً لإثبات كما أن قائماً إثبات والإثباتان لا يتناقضان وإن فسدا أو فسد أحدهما وإنما يقع التناقض والتنافي في قولك فلان قائم لا قائم وليس بقائم وهو قائم لأن الثاني نفي لمعنى الأول.

وقال قوم آخرون: كل كلام لا معنى له فهو محال.

وقال قوم آخرون: كل قول أزيل عن منهاجه واتسق على غير سبيله وأحيل عن جهته وضم إليه ما يبطله ووصل به ما لا يتصل به مما يغيره ويفسده ويقصر به عن موقعه وإفهام معناه فهو محال وذلك كقول القائل أتيتك غداً وسآتيك أمس وهذا قول ابن الراوندي.

واختلفوا في باب آخر من هذا الكلام: فقال قائلون: المحال لا يكون كذباً والكذب لا يكون محالاً وقال قائلون: كل كذب محال وكل محال كذب وقال قائلون: من الكذب ما ليس بمحال والمحال كله كذب ومنهم من يقول: إذا قال العاجز فلم يحل ولكنه كذب إلا أن يكون قد وصفه بالقدرة على ما لا يجوز أن يقدر عليه فإذا قال: الغائب حاضر فكذلك وإذا قال: القديم محدث فهذا محال لأنه هذا مما لا يجوز أن يكون وقد كان يمكن أن يكون العاجز قادراً والغائب حاضراً.

واختلفوا في العلل على عشرة أقاويل

فقال بعضهم: العلة علتان فعلة مع المعلول وعلة قبل المعلول فعلة الاضطرار مع المعلول وعلة الاختيار قبل المعلول فعلة الاضطرار بمنزلة الضرب والألم إذا ضربت إنساناً فألم فالألم مع الضرب وهو الاضطرار وكذلك إذا دفعت حجراً فذهب فالدفع علة للذهاب والذهاب ضرورة وهي معه وقالوا: الأمر علة الاختيار وهو قبله والعلة علة الفعل وهي قبله.

وقال بعضهم: علة كل شيء قبله ومحال أن تكون علة الشيء معه وجعل قائل هذا القول نفسه على أنه إذا حمل شيئاً فعلمه بأنه حامل له بعد حمله يكون بلا فصل وعلى أن عداوة الله سبحانه للكافرين تكون بعد الكفر بلا فصل وهذا قول بشر بن المعتمر والأول قول الإسكافي.

وقال بعضهم: العلة قبل المعلول حيث كانت والعلة علتان علة موجبة وهي قبل الموجب وهي التي إذا كانت لم يكن من فاعلها تصرف في معناها ولم يجز منه ترك لها أراده بعد وجودها وعلة قبل معلولها وقد يكون معها التصرف والاختيار للشيء وخلافه وذلك لأني قد أقول: أطعت الله لأن الله أمرني أعني لأجل الأمر ورغبت في طاعة الله وآثرتها وقد تمكنني مخالفة الأمر وترك المأمور به قد كان ذلك من كثير من الخلق ومثله قوله: إنما جئناك لأنك دعوتنا وجئتك لأنك أرسلت إلي.

وقال قائلون: العلة علتان علة قبل المعلول وهي متقدمة بوقت واحد وما جاز أن يتقدم الشيء أكثر من وقت واحد فليس بعلة له ولا يجوز أن يكون علة له وعلة أخرى تكون مع معلولها كالضرب والألم وما أشبه ذلك وهذا قول الجبائي.

وقال قائلون: العلة لا تكون إلا مع معلولها وما تقدم وجوده وجود الشيء فليس بعلة له وزعم هؤلاء أن الاستطاعة علة للفعل وأنها لا تكون إلا معه.

واختلفوا فيما بينهم: فمنهم من زعم أن العجز يوجب الضرورة كما أن الاستطاعة توجب الاختيار وهذا قول إبراهيم النجاري ومنهم من زعم أن العجز لا يوجب الضرورة وإن كانت الاستطاعة توجب الاختيار وقال بعض هؤلاء: في المدرك للشيء طبيعة تولد الإدراك وأبى ذلك بعضهم.

وقال قائلون: العلة لا تكون إلا مع معلولها وأنكروا أن تكون الاستطاعة علة وهذا قول عباد بن سليمان.

وقال قائلون: العلل منها ما يتقدم المعلول كالإرادة الموجبة وما أشبه ذلك مما يتقدم المعلول وعلة يكون معلولها معها كحركة ساقي التي أبني عليها حركتي وعلة تكون بعد وهي الغرض كقول القائل: إنما بنيت هذه السقيفة لأستظل بها والاستظلال يكون فيما بعد وهذا قول النظام.

واختلف الناس في المعلوم والمجهول: فقال قائلون: الإنسان إذا علم شيئاً - قديماً كان ذلك الشيء أو محدثاً - لم يجز أن يجهله في حال علمه على وجه من الوجوه.

وقال آخرون: كل ما علمه الإنسان فقد يجوز أن يجهله في حال علمه من وجه من الوجوه.

وقال آخرون: كل ما علمه الإنسان فقد يجوز أن يجهله في حال علمه من غير الوجه الذي علمه منه كالرجل الذي يعرف الحركة ولا يعلم أنها لا تبقى وأنها من فعل المختار وأنها تحدث في المكان الثاني وكالإنسان الذي يعرف الأجسام ويجهل أنها محدثة قالوا: ومن المحال الممتنع أن يكون الإنسان عالماً بأن الجسم موجود وهو يجهل أنه موجود أو يكون عالماً بأن الحركة لا تبقى وهو جاهل بأنها لا تبقى ولكن ليس بمحال أن يعلم الحركة موجودة من يجهل أنها محدثة في المكان الثاني وأنها من فعل الله سبحانه أو مما أقدر عليه الحيوان وهذا قول أبي الهذيل وبشر بن المعتمر.

وقال النجار وأصحابه: أما المحدثات فقد يجوز أن تجهل وتعلم من وجهين في حال واحد وأما القديم فلن يجوز أن يعرفه من يجهله على وجه من الوجوه واعتلوا في ذلك بأن زعموا أن للمحدثات أمثالاً ونظائر وأنها من جنس ونوع وجهات مختلفة كالبياض الذي هو نوع من أنواع الألوان وله أمثال ونظائر فقد يجوز أن يعرفه لوناً من لا يدري من أي أنواع الألوان هو قالوا: وقد يجوز أن يعرفه بالخبر العام من لا يعرفه من جهة الحس والخبر الخاص وقد يجوز أن يعرفه بالخبر من لا يعرفه من جهة الحس والخبر العام هو قول النبي (): " اعلموا لوناً قد حدث في يومنا هذا " والخبر الخاص هو قوله: " اعلموا أن ذلك اللون بياض " وقد قال بهذا القول قوم غير النجار وأصحابه.

ثم اختلفوا في معرفته من جهة الحس: فقال بعضهم: إذا رأى الملون بالبصر أبيض علم أن فيه بياضاً هو غيره والبياض لا يجوز عليه الحس بوجه من الوجوه.

وقال بعضهم: بل قد يحس البياض والأبيض جميعاً في حال واحدة ومحال أن يرى أحدهما من لا فأما الذين زعموا أن اللون هو الذي يرى دون الملون فإنهم أبوا المجهول والمعلوم وأنكروه إنكاراً شديداً وهذا قول النظام.

وزعم بعضهم أن الشيء لا يعلم بعلمين فيحال واحدة قالوا: وما علم باضطرار فمحال أن يعرف باختيار وما عرف باختيار فمحال أن يعرف باضطرار.

وقال بعضهم: قد يجوز أن يعلم الشيء بعلمين في حال واحدة وقد يجوز أن يكون العلمان جميعاً اضطراراً وقد يجوز أن يكونا اختياراً قالوا: فإن كان المعلوم جسماً فقد يجوز أن يعلم بعلوم كثيرة بعضها اضطراراً وبعضها اختياراً وإن كان عرضاً فلن يعلم إلا باختيار ولكنه قد يجوز أن يعلم بعلوم كثيرة في حال وهذا قول بشر بن المعتمر.

وزعم بعضهم أنه قد يعرف العرض باضطرار كما يعرف باختيار وأن العلمين جميعاً قد يجوز اجتماعهما في حال.

وزعم بعضهم أن القديم لا يعلم بعلم واحد ولكن بعلوم كثيرة ولا يجوز انفراد بعضها من بعض وزعم صاحب هذه المقالة أنه لا يعرف الله سبحانه من يجهل أنه يعرف الأشياء قبل كونها وأن الأبصار لا تقع عليه وأن التحرك ليس بجائز عليه وأنه أحدث طعم الطبيخ والحلواء هذا قول النظام قال: وكل من علم أن الله أحدثه فهو يعلم أنه ليس بجسم وأن الأبصار لا تقع عليه وأنه خلق طعم البطيخ ورائحته فمن جهل شيئاً من ذلك فقد انسلخ من العلم بأن له محدثاً وأنه محدث وأنه مربوب وأن له رباً وقد يجوز في زعمه أن يعرف الحركة من يجهل أنها لا تبقى وأن الإعادة لا تجوز عليها وصاحب هذه المقالة قد قاس بعض ما بقي على من أنكر المعلوم والمجهول وأنكر بقي عليه وعليهم إكفار المتأولين جميعاً وتجهيلهم وهذا قول أكثر البغداذيين.

وزعم بعض الذين أنكروا المعلوم والمجهول أنه قد يعرف الله سبحانه من لا يعرف أنه أحدث شيئاً ومن يعتقد أن الأجسام من فعل غيره وأنه يرى بالأبصار وأنه في مكان دون مكان قالوا: من قبل أن الدليل الذي دل على أنه موجود هو الدليل الذي دل على أنه لا يرى بالأبصار وأنه بكل مكان والوجه الذي من قبله يعلم أنه موجود هو الذي من قبله يعلم أن الحيز لا يقع عليه والوجه الذي من قبله عرف أنه أحدث جسماً واحداً هو الوجه الذي من قبله يعرف أنه أحدث جميعها وهذا قول البغداذيين.

وزعم الإسكافي أن الوجه الذي من قبله يعلم أن الله قادر على العدل هو الوجه الذي من قبله يعلم أنه قادر على الجور وأن الدليل الذي دل على ذلك واحد.

وزعموا جميعاً أن الدليل الذي دل على أنه خلق واحداً من القوى وواحداً من الألوان هو الدليل الذي دل على أنه خلق جميعها وأنه قد يجوز أن يعلم أن الله قادر على العدل من لا يعلم أنه قادر على الجور وزعموا أيضاً أنه قد يجوز أن يعلم أن الله سبحانه خلق ألوان الزرنيخ من يجهل أنه خلق ألوان البطيخ والحلواء.

وزعم كثير منهم أنه لا يقدر على فعل الإيمان والكفر إلا محدث وأن الأبصار لا تقع إلا على محدث ثم زعموا أنه قد يجوز أن يعرف الله سبحانه من يعتقد أنه يقدر على فعل الكفر والإيمان وإن كان لا يقدر عليهما إلا محدث ومحال أن يعرفه من يعتقد أن الأبصار تقع عليه من أجل أن الأبصار لا تقع إلا على محدث قال: ومن زعم أن الله سبحانه يقدر أن يتحرك فهو لا يعرفه لأنه لا يقدر على التحرك إلا محدث وقد يجوز أن يعرفه من يعتقد أنه يقدر على كلام الخلق وما توجبه أفعالهم وإن كان ذلك لا يقدر عليه إلا محدث.

وكان أبو الحسين الصالحي يزعم أن العلم بأن الجسم موجود يصير علماً بأنه محدث إذا علم الإنسان محدث الجسم لا من أجل حدوث معنى غير العلم ولكن بحدوث العلم بالمحدث كالرجل لا يكون له أخ ثم يكون له أخ فيصير أخاً لحدوث أخيه لا لحدوث معنى فيه وأن العلم بالله علم واحد والعلم بأنه موجود لا كالموجودين هو العلم بأنه شيء لا كالأشياء عالم لا كالعلماء حي لا كالأحياء قادر لا كالقادرين وأن معنى ذلك أنه شيء لا كالأشياء وكان يزعم أن البارئ لا يعلم بعلمين وأنه لا يجوز أن يجهل البارئ من علمه من وجه من الوجوه في حال علمه به وأجاز أن وزعم المنكرون للمعلوم والمجهول أن العلم بأن الجسم محدث علم بمحدثه وكذلك الجهل بأنه محدث جهل بمحدثه لا به.

وقال من جوز أن يكون الشيء معلوماً مجهولاً من وجهين: العلم بأن الجسم محدث علم به والجهل بأنه محدث جهل به.

وذكر بعض أهل النظر أنه قد يجوز أن يعلم الشيء موجوداً من جهة من يجهله موجوداً من جهة أخرى كالرجل يعلم الشيء خبراً ويجهله حساً قول النبي وأما أهل النظر كلهم هذا ممن جوز المعلوم والمجهول وقال يجوز أن يعلم الشيء موجوداً من يجهله موجوداً ويعلمه محدثاً من يجهله محدثاً من وجه آخر فهذا ما لا يجوز.

واختلفوا هل يكون علم واحد بمعلومين أم لا

فأنكر ذلك منكرون وأجازه مجيزون وقال بعض من أجاز علم واحد بمعلومين: يجوز أن يكون علم واحد بما لا كل له وهو كعلمنا أن معلومات الله لا كل لها وهو علم الجملة.

ذكر اختلاف الناس في النفي والإثبات وفي الأمر هل يكون نهياً على وجه من الوجوه وفي الإرادة هل تكون كراهة على وجه من الوجوه وفي الأخذ هل يكون تركاً.

اختلف الناس في النفي والإثبات وهل يكون المثبت منفياً على مقالتين: فقال قائلون: قد يثبت الشيء على وجه وينفى على غيره وذلك كالجسم يكون موجوداً ويكون غير متحرك فيثبته الإنسان موجوداً وينفيه أن يكون متحركاً فالنفي والإثبات واقعان عليه.

واختلف هؤلاء فيما بينهم: فمنهم من أجاز أن يكون الشيء معلوماً مجهولاً من وجهين ومنهم من أنكر أن يكون معلوماً مجهولاً من وجهين مع إقراره بأنه يكون مثبتاً منفياً من وجهين.

وقال قائلون: محال أن يكون المثبت منفياً والمنفي مثبتاً على وجه من الوجوه لأن المثبت هو الكائن الثابت الغابر والمنفي هو الذي ليس بكائن ولا موجود فمحال أن يكون الشيء كائناً لا كائناً في وقت واحد وزعموا أن إثبات الجسم متحركاً إثبات حركته وكذلك إثباته ساكناً إثبات سكونه والنفي لأن يكون متحركاً نفي لحركته والنفي لأن يكون ساكناً نفي لسكونه وكذلك إثبات العالم منا عالماً والجاهل منا جاهلاً والفاعل فاعلاً والنفي لأن يكون فاعلاً على هذا الترتيب.

واختلف هؤلاء فيما بينهم: فمنهم من أنكر أن يكون الشيء معلوماً مجهولاً من وجهين كما أنكر أن يكون مثبتاً منفياً من وجهين ومنهم من أجاز أن يكون مجهولاً معلوماً من وجهين مع إنكاره أن يكون مثبتاً منفياً وهو الجبائي ومن قال بقوله.

واختلفوا في الأمر بأن يكون متحركاً والنهي عن أن يكون متحركاً على ثلاثة أقاويل: فقال قائلون: الأمر للإنسان بأن يكون متحركاً أمر بغيره وهو حركته ومن هؤلاء من زعم أن إثباته متحركاً إثبات عينه مع قوله أن الأمر له بأن يكون متحركاً أمر بحركته.

وقال قائلون: الأمر له بأن يكون متحركاً أمر بنفسه أن تكون متحركة والنهي له عن أن يكون متحركاً نهي عن نفسه أن تكون متحركة لا عن غيره وكذلك الأمر له بأن يكون فاعلاً قال: ولا أقول: أمر بنفسه وأسكت لئلا يوهم أنه أمر بنفسه أن يكون موجوداً ولكني أقول: أمر بنفسه أن تكون متحركة.

وقال قائلون: لا أقول أن الإنسان أمر بأن يكون متحركاً على الحقيقة ولكن أقول: أمر في الحقيقة بالحركة وكذلك قوله في السكون وفي سائر ما يقع الأمر به وهذا قول بعض الحوادث.

واختلف الناس في الأمر بالشيء هل يكون نهياً على وجه من الوجوه على مقالتين: فقال قائلون: الأمر بالشيء نهي عن تركه وكذلك الإرادة لكون الشيء كراهة لكون تركه ولأن لا يكون ومنعوا أن يكون العلم بشيء جهلاً بغيره والقدرة على الشيء عجزاً عن تركه.

وقال قائلون: الأمر بالشيء غير النهي عن تركه وكذلك الإرادة للشيء غير الكراهة لتركه.

فأما اختلافهم في أخذ الشيء هل يكون تركاً لضده فقد ذكرناه عند ذكرنا اختلافهم في الترك.

واختلف المتكلمون في الأعراض هل هي عاجزة جاهلة وموات أم لا على مقالتين: فقال قائلون: هي جاهلة بمعنى أنها ليست بعالمة وهي عاجزة بمعنى أنها ليست بقادرة وهي موات بمعنى أنها ليست بحية حكي ذلك عن العطوي وأبى أكثر أهل الكلام أن يطلقوا ذلك فيها على وجه من الوجوه.

واختلف المتكلمون في باب التولد كنحو ذهاب الحجر الحادث عند دفعة الدافع له وكنحو انحداره الحادث عند طرحه وكنحو الألم الحادث عند الضرب وخروج الروح الحادث عند الوجبة والألوان الحادثة عند الضربة وما أشبهها من الأسباب والطعوم الحادثة والأراييح وما أشبه ذلك.

فقال قائلون: ما تولد عن فعلنا كنحو الأحر الحادث من البياض والحمرة وطعم الفالوذج عند جمع النشأ والسكر وإنضاجه وكنحو الرائحة الحادثة والألم الحادث عند الضرب واللذة الحادثة عند أكل الشيء وخروج الروح الحادث عند الوجبة وخروج النطفة الحادث عند الحركة وذهاب الحجر عند الدفعة وذهاب السهم عند الإرسال والإدراك الحادث إذا فتحنا أبصارنا كل ذلك فعلنا حادثعن الأسباب الواقعة منا وكذلك انكسار اليد والرجل الحادث عند السقوط فعل من أتى بسببه وكذلك صحة اليد بالجبر وصحة الرجل بالجبر فعل الإنسان وكذلك زمانة الرجل إذا كسرها الإنسان أو أوهاها حتى تزمن وكذلك إدراك جميع الحواس فعل الإنسان وزعم قائل هذا القول أنه إذا ضرب الإنسان غيره فعلم بضربه فالعلم فعل الضارب وأنه قد يفعل في غيره العلم وإذا فتح بصره غيره بيده فأدرك فالإدراك زعم فعل فاتح البصر وكذلك إذا عمى الإنسان غيره فأعمى فعله في غيره وزعم قائل هذا القول أن الإنسان يفعل في غيره بسبب يحدثه في نفسه ويفعل في نفسه أفعالاً متولدة وأفعالاً غير متولدة وزعم قائل هذا القول أن الناس يفعلون لون الناطف وبياضه وحلاوة الفالوذج ورائحته والألم واللذة والصحة والزمانة والشهوة وهذا قول بشر بن المعتمر رئيس البغداذيين من المعتزلة.

وقال أبو الهذيل ومن ذهب إلى قوله أن كل ما تولد عن فعله مما يعلم كيفيته فهو فعله وذلك كالألم الحادث عن الضرب وذهاب الحجر عند دفعه له وكذلك انحداره عند زجة الزاج به من يده وتصاعده عند رمية الرامي به صعداً وكالصوت الحادث عند اصطكاك الشيئين وخروج الروح إن كانت الروح جسماً أو بطلانها إن كانت عرضاً فذلك كله فعله وزعم أنه قد يفعل في نفسه وفي غيره بسبب يحدثه في نفسه فأما اللذة والألوان والطعوم والأراييح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والجبن والشجاعة والجوع والشبع والإدراك والعلم الحادث في غيره عند فعله فذلك أجمع عنده فعل الله سبحانه وكان بشر بن المعتمر يجعل ذلك أجمع فعلاً للإنسان إذا كان سببه منه وكان أبو الهذيل يزعم أن ذلك أجمع لا يتولد عن فعله ولا يعلم كيفيته وإنما فعله في نفسه الحركة والسكون والإرادة والعلم وما يعرف كيفيته وما يتولد عن الحركة والسكون في نفسه أو في غيره وما يتولد عن ضربه والاصطكاك الذي يفعله بين الشيئين وكان يزعم أن الإنسان يفعل في غيره الأفعال بالأسباب التي يحدثها في نفسه وأن إنساناً لو رمى إنساناً بسهم ثم مات الرامي قبل وصول السهم إلى المرمي ثم وصل السهم إلى المرمي فآلمه وقتله أنه يحدث الألم والقتل الحادث بعد حال موته بالسبب الذي أحدثه وهو حي وكذلك لو عدم لكان يفعل في غيره وهو معدوم لسبب كان منه وهو حي وليس يجوز عنده ولا عند بشر بن المعتمر أن يفعل الإنسان قوة ولا حياة ولا جسماً.

وقال إبراهيم النظام: لا فعل للإنسان إلا الحركة وأنه لا يفعل الحركة إلا في نفسه وأن الصلاة والصيام والإرادات والكراهات والعلم والجهل والصدق والكذب وكلام الإنسان وسكوته وسائر أفعاله حركات وكذلك سكون الإنسان في المكان إنما معناه أنه كائن فيه وقتين أي تحرك فيه وقتين وكان يزعم أن الألوان والطعوم والأراييح والحرارات والبرودات والأصوات والآلام أجسام لطيفة ولا يجوز أن يفعل الإنسان الأجسام واللذة أيضاً ليست من فعل الإنسان عنده وكان يقول أن ما حدث في غيره حيز الإنسان فهو فعل الله سبحانه بإيجاب خلقه للشيء كذهاب الحجر عند دفعة الدافع وانحداره عند رمية الرامي به وتصاعده عند زجة الزاج به صعداً وكذلك الإدراك من فعل الله سبحانه بإيجاب الخلقة ومعنى ذلك أن الله سبحانه طبع الحجر طبعاً إذا وكان يقول فيما حكي عنه أن الله سبحانه خلق الأجسام ضربة واحدة وأن الجسم في كل وقت يخلق.

وكان يزعم أن الإنسان هو الروح وأنه يفعل في نفسه واختلف عنه هل يفعل في ظرفه وهيكله فالحكاية الصحيحة عنه أنه يفعل في ظرفه ومن الناس من يحكي عنه أنه يفعل في هيكله وظرفه.

وقال غيره من المتكلمين أن الإرادات والكراهات والعلم والجهل والصدق والكذب والكلام والسكوت غير الحركات والسكون وهو أبو الهذيل.

وقال معمر: الإنسان لا يفعل في نفسه حركة ولا سكوناً وأنه يفعل في نفسه الإرادة والعلم والكراهة والنظر والتمثيل وأنه لا يفعل في غيره شيئاً وأنه جزء لا يتجزأ ومعنى لا ينقسم وأنه في هذا البدن على التدبير له لا على المماسة والحلول وزعم أن المتولدات وما يحل في الأجسام من حركة وسكون ولون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة فهو فعل للجسم الذي حل فيه بطبعه وأن الموات يفعل الأعراض التي حلت فيه بطبعه وأن الحياة فعل الحي وكذلك القدرة فعل القادر وكذلك الموت فعل الميت وزعم أن الله سبحانه لا يفعل عرضاً ولا يوصف بالقدرة على عرض ولا على حياة ولا على موت ولا على سمع ولا على بصر وأن السمع فعل السميع وكذلك البصر فعل البصير وكذلك الإدراك فعل المدرك وكذلك الحس فعل الحساس وكذلك القرآن فعل الشيء الذي سمع منه إن كان ملكاً أو شجرة أو حجراً وأنه لا كلام لله عز وجل في الحقيقة تعالى ربنا عن قوله علواً كبيراً وزعم أن الله سبحانه إنما يفعل التلوين والإحياء والإماتة وليس ذلك أعراضاً لأن البارئ عز وجل إذا لون الجسم فلا يخلو أن يكون من شأنه أن يتلون أم لا فإن كان من شأنه أن يتلون فيجب أن يكون اللون بطبعه وإذا كان اللون بطبع الجسم فهو فعله ولا يجوز أن يكون بطبعه ما يكون تبعاً لغيره كما لا يجوز أن يكون كسب الشيء خلقاً لغيره وإن م يكن طبع الجسم أن يتلون جاز أن يلونه البارئ فلا يتلون.

وقال صالح قبة أن الإنسان لا يفعل إلا في نفسه وأن ما حدث عند فعله كذهاب الحجر عند الدفعة واحتراق الحطب عند مجامعة النار والألم عند الضربة فالله سبحانه الخالق له وكذلك المبتدئ له وجائز أن يجامع الحجر الثقيل الجو الرقيق ألف عام فلا يخلق الله فيه هبوطاً ويخلق سكوناً وجائز أن يجتمع النار والحطب أوقاتاً كثيرة ولا يخلق الله احتراقاً وأن توضع الجبال على الإنسان فلا يجد ثقلها وأن يخلق سكون الحجر الصغير عند دفعة الدافع له ولا يخلق إذهابه ولو دفعه أهل الأرض جميعاً واعتمدوا عليه وجائز أن يحرق الله سبحانه إنساناً بال نار ولا يألم بل يخلق فيه اللذة وجائز أن يضع الله سبحانه الإدراك مع العمى والعلم مع الموت وكان يجوز أن يرفع الله سبحانه ثقل السموات والأرضين حتى يكون ذلك أجمع أخف من ريشة ولم ينقص ذلك من أجزائه شيئاً وبلغني أنه قيل له: فما تنكر أن تكون في هذا الوقت بمكة جالساً في قبة قد ضربت عليك وأنت لا تعلم ذلك لأن الله سبحانه لم يخلق فيك العلم به هذا وأنت صحيح سليم غير مأوف قال: لا أنكر فلقب بقبة وبلغني أنه قيل له في أمر الرؤيا إذا كان بالبصرة فرأى كأنه بالصين أنه قال: أكون في الصين إذا رأيت أني في الصين فقيل له: فلو ربطت رجلك برجل إنسان بالعراق فرأيت كأنك في الصين قال: أكون في الصين وإن كانت رجلي مربوطة برجل الإنسان الذي بالعراق.

وقال ثمامة: لا فعل للإنسان إلا الإرادة وأن ما سواها حدث لا من محدث كنحو ذهاب الحجر عند الدفعة وما أشبه ذلك وزعم أن ذلك يضاف إلى الإنسان على المجاز.

وقال الجاحظ: ما بعد الإرادة فهو للإنسان بطبعه وليس باختيار له وليس يقع منه فعل باختيار سوى الإرادة.

وقال ضرار وحفص الفرد: ما تولد من فعلهم مما يمكنهم الامتناع منه متى أرادوا فهو فعلهم وما سوى ذلك مما لا يقدرون على الامتناع منه متى أرادوا فليس بفعلهم ولا وجب لسبب وهو فعلهم.

وكان ضرار بن عمرو يزعم أن الإنسان يفعل في غير حيزه وأن ما تولد عن فعله في غيره من حركة أو سكون فهو كسب له خلق لله عز وجل وكل أهل الإثبات غير ضرار يقولون: لا فعل للإنسان في غيره ويحيلون ذلك.

واختلفت المعتزلة هل المقتول ميت أم لا: فقال قائلون: كل مقتول ميت وكل نفس ذائقة الموت وقال قائلون: المقتول ليس بميت.

واختلفوا في القتل أين يحل

فقال قائلون: يحل في القاتل وقال قائل: حل في المقتول.

واختلفت المعتزلة في المتولد ما هو: فقال بعضهم: هو الفعل الذي يكون بسبب مني ويحل في غيري وقال بعضهم: هو الفعل الذي أوجبت سببه فخرج من أن يمكنني تركه وقد أفعله في نفسي وأفعله في غيري.

وقال بعضهم: هو الفعل الثالث الذي يلي مرادي مثل الألم الذي يلي الضربة ومثل الذهاب الذي يلي الدفعة.

وقال الإسكافي: كل فعل يتهيأ وقوعه على الخطأ دون القصد إليه والإرادة له فهو متولد وكل فعل لا يتهيأ إلا بقصد ويحتاج كل جزء منه إلى تجديد وعزم وقصد إليه وإرادة له فهو خارج من واختلفوا في الشيء المتحرك إذا حركه اثنان: فقال من نفى التولد: فيه حركة واحدة الله فاعلها إلا معمراً فإنه يزعم أن الشيء المتحرك يفعله في نفسه.

وقال من أثبت التولد قولين: قال بعضهم: فيه حركة فعلها اثنان فهي حركة واحدة لفاعلين غيرين وقال بعضهم: هي حركتان فعلان للمحركين للشيء المحرك.

واختلفوا هل يجوز أن يترك المتولد إذا ترك سببه أم لا على مقالتين: فقال قائلون: إنما يترك السبب فأما المسبب فمحال أن يكون الترك لسببه تركاً له وهذا قول عباد والجبائي.

وقال قائلون: قد نترك المسبب بتركنا للسبب.

واختلف مثبتو التولد هل يجوز أن يفعل الإنسان في غير علماً أم لا على مقالتين: فقال قائلون: لا يجوز أن يفعل الإنسان في غيره علماً ولا يجوز أن يفعل في نفسه إدراكاً ولا في غيره إدراكاً وهذا قول أبي الهذيل والجبائي.

وقال قائلون: قد يجوز أن يفعل الإنسان في غيره علماً وذلك أني إذا ضربت عبدي فعلمي بأني قد ضربته علم بالألم فعلمه بالألم فعلي كما أن الألم فعلي.

فقال قائلون: لا يجوز أن يفعل الإنسان في شيء إلا بأن يماسه أو يماس ما يماسه.

وقال قائلون: قد يجوز أن يفعل الإنسان فعلاً متولداً في جسم من الأجسام من غير أن يماسه ولا يماس ما يماسه كنحو الإنسان الذي يهجم على الرجل الفاتح بصره فيكون إدراكه فعلاً للهاجم.

واختلفوا في المتولد إذا بعد من السبب هل يكون هو المسبب الأول كالإنسان يرمي نفسه في نار أضرمها غيره أو يطرح نفسه على حديدة نصبها غيره أو يعترض سهماً قد رمى به غيره بطفل حتى يدخل فيه: فقال كثير من المثبتين للتولد: الإحراق فعل لمن رمى بنفسه في النار والقتل لمن وقع على الحديدة المنصوبة والقتل فعل لمن اعترض السهم بالطفل وعبر بعض هؤلاء عن دخول السهم في جسدالإنسان فقال: أنا حركة السهم في نفسه ففعل الرامي وأم الشق الحادث في الصبي ففعل من اعترض السهم به إلا أن يكون المعترض للسهم بالطفل أزال السهم عن جهته التي كانت يهذب فيها موضعه فذلك فعله وإن لم يكن منه إلا نصب الصبي فحركة السهم فعل الرامي قال: فإن نفذ السهم الصبي فأصاب شيئاً آخر كان الشيء الآخر قصته كقصة الصبي الذي اعترض السهم به من غير قصد الرامي فحكمه حكم واحد وإن كان السهم نفذ وأصاب شيئاً قد كان في ذلك المكان قبل إرسال السهم فذلك فعل الرامي وهذا قول الإسكافي.

وقال قائلون: ذلك فعل للرامي بالسهم والمضرم للنار والناصب للحديدة وأفرط بعض هؤلاء في القول حتى زعموا أن إنساناً لو هجم عليه إنسان وهو فاتح لبصره فأدركه أن الإدراك فعل للهاجم عليه دون الفاتح لبصره.

وقال قائلون: دخول السهم في جسد المعترض له فعل للرامي فأما الإحراق فهو فعل لمن زج نفسه في النار والقتل لمن رمى بنفسه على الحديدة المنصوبة.

واختلف مثبتو التولد من المعتزلة في الأسباب التي تكون عنها المسببات هل هي متقدمة لها أو موجودة مع وجودها: فقال قائلون: السبب مع المسبب لا يجوز أن يتقدمه وقال قائلون: السبب الذي يتولد عنه المسبب لا يكون إلا قبله وقال قائلون: من الأسباب ما يكون مع مسبباتها المتولدة عنها ومنها ما يتقدم المسببات بوقت فأما ما كان قبل المسبب بوقتين فليس ذلك المسبب متولداً عنه وجوز بعضهم أن يتقدم السبب المسبب أكثر من وقت واحد.

واختلفوا في السبب هل هو موجب للمسبب أم لا على مقالتين

فقال أكثر المعتزلة المثبتين للتولد: الأسباب موجبة لمسبباتها وقال الجبائي: السبب لا يجوز أن يكون موجباً للمسبب وليس الموجب للشيء إلا من فعله وأوجده.

فأوجب ذلك قوم ونفاه آخرون.

واختلفوا في توليد الحركة للسكون والطاعة للمعصية: فنفى ذلك قوم وأن تولد الحركة سكوناً والسكون حركة وقالوا في المعصية أنها تولد ما ليس بطاعة ولا معصية ولا تولد الطاعة هذا قول البغداذيين.

وحكي عن بشر بن المعتمر أنه جوز أن يولد الحركة سكوناً والسكون حركة والحركة حركة والسكون سكوناً.

وقال الجبائي: لا يجوز أن يولد السكون شيئاً والحركة قد تولد حركة وتولد سكوناً وزعم أن في الحجر إذا وقف في الجو حركات خفية تولد انحداره بعد ذلك وأن في القوس الموتر حركات خفيات تولد قطع الوتر إذا انقطع وفي الحائط حركات خفية يتولد عنها وقوعه.

واختلفوا في الأفعال كلها سوى الإرادات هل يجوز أن تقع متولدة

وأجمعوا أن الإرادات لا تقع متولدة واختلفوا فيما بعدها: فقال قوم: قد يجوز أن تكون كلها متولدة وقال قوم: المتولد منها ما حل في الفاعل وما فعل في نفسه فليس بمتولد وقال قوم أن المتولد هو ما جاز أن يقع على طريق السهو والخطأ وما سوى ذلك فليس بمتولد وقال قوم: قد تحدث في الإنسان أفعال غير الإرادة متولدة وأفعال غير متولدة.

فقال قائلون: لا يقع الفعل من القديم على طريق التولد ولا يقع منه عن سبب ولا يقع منه إلا على طريق الاختراع وقال قائلون: قد يفعل القديم على طريق التولد فأما الأجسام فلا تقع منه متولدة.

واختلفوا في الشيء المولد للفعل ما هو على مقالتين

فقال قائلون: المولد للفعل المتولد هو الفاعل للسبب وقال قائلون: المولد للفعل المتولد هو السبب دون الفاعل.

واختلفوا في القدرة على الفعل المتولد على مقالتين: فقال أكثر أهل النظر: هو مقدور عليه ما لم يقع سببه فإذا وقع سببه خرج من أن يكون مقدوراً وقال قائلون: هو مقدور مع وجود سببه.

واختلفت المعتزلة في الإرادة هل تكون موجبة لمرادها أم لا: فقال أبو الهذيل وإبراهيم النظام ومعمر وجعفر بن حرب والإسكافي والآدمي والشحام وعيسى الصوفي: الإرادة التي يكون مرادها بعدها بلا فصل موجبة لمرادها وزعم الإسكافي أنه قد تكون إرادة غير موجبة فإذا لم توجب وقع مرادها في الثالث.

وقال بشر بن المعتمر وهشام بن عمرو الفوطي وعباد بن سليمان وجعفر بن مبشر ومحمد بن وأجاز أكثر الذين قالوا بالإرادة الموجبة أن يمنع الإنسان من مرادها وحكى الحسين بن محمد النجار أن قوماً ممن قاولا بالإرادة الموجبة قالوا: لن يجوز أن يمنعه الله من المراد وذلك أن الموت لا يكون إلا عن معاينة فإذا أراد أن يفعل الإنسان في أقرب الأوقات إليه لم يجز أن يموت في ثانية لأنه لا يموت إلا بمعاينة وليس يجوز أن يريد في حال المعاينة أن يفعل في الثاني لأن حال المعاينة لا رجاء فيها لأن يبقى فيحدث الإرادة أن يفعل في الثاني قال: ولم يجيزوا فناء الجوارح في الثاني إذا أحدث الإرادة في الحال الأول.

واختلفت المعتزلة في الإنسان في حال إرادته الموجبة هل يقدر على خلاف المراد أم لا على خمسة أقاويل: فقال بعضهم أنه قد يقدر على خلاف المراد ولكنه لا يفعل إلا المراد وشبهوا ذلك بالفعل المعلوم من العبد أنه يكون وهو يقدر على خلافه ولا يكون إلا المعلوم لأنه لا يختار غيره وقالوا: ليس بمحال إذا أراد الإنسان أن يتحرك في الثاني أن يسكن في الثاني ولو سكن في الثاني لم يسكن إلا بإرادة متقدمة فمثلوا بالمعلوم أنه لو كان ما علم أنه يكون مما لا يكون لم يكن العلم سابقاً بأنه يكون ولكان العلم سابقاً بأنه لا يكون.

وقال بعضهم أن المريد إذا أراد أن يتحرك في أقرب الأوقات إليه فهو قادر على الحركة وعلى وقال بعضهم أن الإنسان إذا أحدث الإرادة لأن يتحرك إلى أقرب الأوقات إليه جاز أن يجيء الوقت الثاني فيكون ساكناً فيه ولا يكون ذلك السكون فعلاً مكتسباً ولا تركاً لتلك الحركة التي تقدمت إرادتها ولكن يكون تركاً للحركة في الوقت الثالث ويجعلون السكون الذي يكون في الثاني سكون بنية كالإحراق الذي يكون من بنية النار وزعم هؤلاء أن الأفعال التي تكون بالبنية ليست خلقاً لله عز وجل وهذا قول معمر.

وقال بعضهم: إذا أحدث الإرادة الموجبة لأقل قليل الفعل وهو زعموا أقل من ألف جزء من كلمة وذلك أنهم قالوا أن الكلمة الواحدة تكون بإرادات كثيرة والخطوة الواحدة تكون بإرادات كثيرة وذلك أن الإنسان يريد إرادة اجتماع أن يزول إلى موضع فيأتي بجزء من الذهاب ثم يدع الإرادة فيقطع المراد فإن أدام المرادات أدام المراد وقالوا: إنما نحيل قول القائل يقدر على خلاف المراد إذ كان قد جاء بعلته ولكنه يقدر على المراد لأن فيه قدرة في حال الإرادة لها يكون المراد.

وقال بعضهم: محال قول القائل يقدر عليه أو على خلافه لأنا فيه بمنزلة رجل أرسل نفسه من شاهق في الهواء فلا يقال أنه يقدر على الذهاب ولا على الكف عنه وإن كانت فيه قدرة فهي لغير هذا الفعل الذي أوجبه بإدخاله نفسه في علته الموجبة له.

وأجمعت المعتزلة إلا الجبائي أن الإنسان يريد أن يفعل ويقصد إلى أن يفعل وأن إرادته لأن يفعل لا تكون مع مراده ولا تكون إلا متقدمة للمراد.

وزعم الجبائي أن الإنسان إنما يقصد الفعل في حال كونه وأن القصد لكون الفعل لا يتقدم الفعل وأن الإنسان لا يوصف بأنه في الحقيقة مريد أن يفعل وزعم أن إرادة البارئ مع مراده.

وقال أبو الهذيل أن إرادة البارئ مع مراده ومحال أن تكون إرادة الإنسان لكون الفعل مع الفعل.

واختلف الذين أنكروا الإرادة الموجبة في الإرادة للفعل هل تجامع المراد أم لا على مقالتين: فمنهم من زعم أن الإرادة وإن كانت غير موجبة فلا تكون إلا قبل المراد وزعم الجبائي أن الإرادة التي هي قصد للفعل مع الفعل لا قبله.

واختلفت المعتزلة في الإرادة التي هي تقرب بالفعل هل تكون قبل الفعل أو مع الفعل على مقالتين: فمنهم من زعم أنها قبل الفعل كما أن الإرادة لأن يفعل الفعل قبله وقال الإسكافي: قد يجوز أن تكون مع الفعل.

واختلفت المعتزلة في إرادة العباد هل لها إرادة على مقالتين: فقال بعضهم: لا يجوز أن تكون للإرادة إرادة لأنها أول الأفعال وأجاز الجبائي أن يريد الإنسان واختلفوا هل تدعو النفس إلى الإرادة ويدعو إليها الخاطر على مقالتين: فأجاز ذلك قوم وأباه آخرون.

واختلفوا في الإرادة هل هي مختارة أم ليست بمختارة على مقالتين

فقال قوم: هي مختارة كما أنها اختيار ولم يجيزوا أن تكون مرادة كما أنها مختارة وقال قائلون: هي اختيار وليست بمختارة.

واختلفوا في أفعال الله عز وجل هل هي كلها مختارة أم لا

على أربعة أقاويل: فقال قائلون: منها ما هو اختيار ومنها ما هو مختار.

وقال بعضهم: كلها مختارة لا باختيار غيرها بل هي اختيار كما كانت مرادة لا بإرادة غيرها وهذا قول البغداذيين.

وقال قائلون: ما كان من أفعال الله له ترك كالأعراض فهو مختار وما لا ترك له كالأجسام فهو اختيار وليس بمختار.

وقال قائلون: ليس كل أفعال العباد مختارة بل منها ما لا يقال أنه مختار وجميعاً لا يقال له اختيار.

واختلفوا في الإيثار

فقال قوم: الإيثار هو الاختيار والإرادة والمراد لا يكون إيثاراً ولا اختياراُ وقال قوم: الإيثار هو الإرادة والاختيار قد يكون إرادة وقد يكون مراداً.

واختلفت المعتزلة في الثقل والخفة هل هما الشيء أو غيره: فقال قائلون: الثقل هو الثقيل وكذلك الخفة هو الخفيف وإنما يكون الشيء أثقل بزيادة الأجزاء وهذا قول جمهور المعتزلة وهو قول الجبائي.

وقال قائلون منهم الصالحي: الثقل غير الثقيل والخفة غير الخفيف.

واختلف هؤلاء فيما بينهم هل يجوز أن يرفع الله ثقل السموات والأرضين حتى تكون أخف من الريشة على مقالتين: فجوز ذلك بعضهم وأنكره بعضهم.

وقال ضرار بن عمرو: ثقل الشيء بعضه وخفته بعضه.

واختلفوا في ظل الشيء هل هو الشيء أم غيره على مقالتين

فقال قائلون: ظل الشيء غيره وكان الجبائي يزعم أن الظل ليس بمعنى وإنما معنى الظل أن الشيء يستر لا أن الظل معنى.

واختلفوا في القتل ما هو

فقال قائلون: القتل هو الحركة التي تكون من الضارب كنحو الموجبة والرمية وما أشبه ذلك التي يكون بعدها خروج الروح وأنها لا تسمى قتلاً ما لا تخرج الروح فإذا خرجت الروح سميت قتلاً قالوا: وهذا كالحالف يحلف فيقول: إن قدم زيد فامرأتي طالق فإذا قدم زيد كان قوله الأول طلاقاً وزعموا أن الانقتال حل في المقتول وكذلك قاولا: ذبح وانذباح وشجة وانشجاج على مثل قوله القتل والانقتال وأن الشجة في الشجاج وكذلك الذبح في الذابح والانذباح في المذبوح والانشجاج في المنشج والقائل بهذا إبراهيم النظام.

وقال قائلون: الحركة التي تخرج بعدها الروح عند الله قتل لأنه يعلم أن الروح بعدها تخرج وهي قتل في الحقيقة ولكن لا يعلم أنه قتل حتى تخرج وأبى هذا القول أصحاب القول الأول وزعم الفريقان أن القتل قائم بالقاتل وأن المقتول مقتول بقتل في غيره.

وقال قائلون من المعتزلة: القتل هو خروج الروح عن سبب من الإنسان وخروج الروح لا عن سبب يكون من الإنسان موت وليس بقتل وزعم هؤلاء أن القتل يحل في المقتول لا في القاتل.

وقال قائلون: القتل إبطال البنية وهو كل فعل لا تكون الحياة في الجسم إذا وجد كنحو قطع الرأس وفلق الحنجرة وكل فعل لا يكون الإنسان حياً مع وجوده وهو يحل في المقتول.

وقال ابن الراوندي: فاعل القتل قاتل في حال فعله والمقتول مقتول في حال وقوع القتل به عند من عرف أن القاتل استعمل السيف بضرب ما يقع بعده خروج الروح قال: وليس يكون الإنسان قاتلاً على الحقيقة إلا لمن خرج روحه مع ضربته لأنه يعلم حينئذ أنه هو الذي استفعله الخروج بضربته وأن الروح لم يكن ليخرج بهوى نفسه دون أن يضطره الضارب بالسيف ويكرهه ولا نعرف شيئاً حدث في وقت خروجه إلا الضربة والقضاء على الظاهر وكل ما جرت العادة في إحكام الأفعال والفاعلين فأما من تأخر خروج روحه فليس الضارب قاتلاً له إلا بأن عرض روحه للخروج وسلط عليه ضداً يخرجه ويغمره قال: فإن قال لنا قائل: فمن القاتل له في الحقيقة قلنا لهم: ليس بمقتول في الحقيقة فيكون له قاتل في الحقيقة وليس يضاف قتله إلا إلى الضارب ولكن الضد الذي دخل عليه هو الذي منعه من الحس وغمره وأخرج روحه عن جسده قال: ولو قال قائل: الضد قتله كما يقتله السم لجاز ذلك له وزعم أن الله سبحانه خص إخراجه لروح غيره بأن سماه موتاً قال: ومما يجاب به أيضاً أن يقال: الضارب قاتل بالتعريض والضد قاتل على الحقيقة ووصف ابن الراوندي في القتل فزعم أنه ينفصل من آلة الضارب إلى جسد المضروب ضد للروح ولولا موضع ذلك الضد لم يقصد تلك الآلة فإذا حلت عليه جاهضته فأجهضها فإن غلب الروح الضد فلا قتل وإن غلب الضد غمر وجاءت تلك الحال التي يعرف عندها أن الإنسان مقتول عند أهل التولد وعندنا قال ابن الراوندي: وقد زعم أصحاب التولد أنه يحدث عن الضربة في بدنه شيء هو الألم والقتل قال: وذلك الحادث في قولهم منتقل عندنا إلا عمل الضد وعمل الروح فإنهما يحدثان منهما طباعاً.

واختلفوا في القتل هل يضاد الحياة أم لا على مقالتين: فزعم بعضهم أن القتل يضاد الحياة وقال قائلون: لا يضاد الحياة.

واختلف هؤلاء في الحياة على مقالتين: فمنهم من يثبت الحياة عرضاً والموت عرضاً.

ومنهم من زعم أن القتل عرض يحل في القاتل والحياة جسم لطيف يحل في جسد المقتول وإنما يضاد الحياة الموت الذي هو جسم يمنعها من الحس الذي هو خاصتها فبهذا سمي موتاً وهو موت وميت كما أنها حياة وحي وزعم أن الإماتة التي هي إدخال الله عز وجل الجسم المضاد لها عليها تكون وحسها قائم كما أن القتل الذي هو إدخال ذلك الجسم أيضاً عليها يكون وحسها قائم.

واختلفوا في كلام الإنسان هل هو صوت أو ليس بصوت وهل الصوت جسم أو عرض

فقال قائلون: كلام الإنسان صوت وهو عرض وقد يكون باللسان مسموعاً وفي القرطاس مكتوباً وفي القلوب محفوظاً فهو حال في هذه الأماكن بالكتابة والحفظ والتلاوة.

وقال قائلون: كلام الإنسان ليس بصوت وهو عرض وكذلك الصوت عرض ولا يوجب إلا باللسان.

وقال قائلون: الصوت جسم لطيف وكلام الإنسان هو تقطيع الصوت وهو عرض وهذا قول النظام.

وقال قائلون: هو معنى قائم بالنفس لا يحل في اللسان وهو عرض وهو غير الصوت.

واختلفوا في الكلام هل يوصف بأنه مؤلف أم لا على مقالتين: فقال قائلون: قد يوصف بذلك وهو مؤلف في الحقيقة.

وقال قائلون: لا يوصف بذلك ومن قال: هذا كلام مؤلف فإنما يقوله اتساعاً.

واختلفوا في الصوت كيف يسمع وهل يجوز عليه الانتقال أم لا

فقال قائلون: الصوت ينتقل في الجو فيصاك الأسماع ويؤلمها ولا يسمع إلا باتصال السمع أو مداخلته إياه وهذا قول النظام.

وقال قائلون: لا يجوز عليه الانتقال بل يسمع في مكانه الذي يحل فيه يسمعه ألف إنسان وأكثر.

وقال قائلون: لا يسمع الصوت إذا كان مكانه بائناً عن سمع الإنسان وإنما يسمع الإنسان ما يوجد في سمعه وقال هؤلاء في الصدى أن الإنسان إذا فتح فاه وقصد الصياح فدافع الجو فيحدث وأبى ذلك آخرون وقالوا: الصوت موجود فيظهر ولا يحدث.

وقال قائلون أن الصوت لا يسمع وكذلك الكلام وإنما يسمع الجسم مصوتاً والجسم متكلماً.

واختلفوا في الصوت هل يبقى أم لا على مقالتين

فقال قوم أنه يبقى وقال قائلون أن الصوت لا يبقى ومنهم من قال: من الصوت ما يبقى ومنه ما لا يبقى.

واختلفوا هل يكون صوت واحد في مكانين: فأنكر ذلك منكرون وأجازه مجيزون.

واختلفوا في الصوت هل هو جسم

فقال النظام: هو جسم وقال غيره: هو عرض وقال قائلون: ليس بجوهر ولا عرض وأنكر منكرون الصوت وقالوا: لا صوت في الدنيا وليس إلا المصوت.

واختلفوا هل يكون صوت لا لمصوت على مقالتين: فمنهم من قال: لا يكون صوت إلا لمصوت ومنهم من أجاز صوتاً لمصوت.

واختلفت المعتزلة إذا قال جماعة: يا زيد! فتكلم أحدهم بالياء والآخر بالألف والأخر بالزاي والآخر بالياء والآخر بالدال على مقالتين: فقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي: كل حرف من هذا كلمة يتكلم بها صاحبها وخبر يخبر به صاحبه فهو إخبار وكلمات.

وقال أحمد بن علي الشطوي المعروف بنوقة: ليس كل حرف من هذا كلمة وليس الجميع كلاماً ولا خبراً ولا إخباراً.

واختلفت المعتزلة في الخواطر: فقال إبراهيم النظام: لا بد من خاطرين أحدهما يأمر بالإقدام والآخر يأمر بالكف ليصح الاختيار وحكى عنه ابن الراوندي أنه كان يقول أن خاطر المعصية من الله إلا أنه وضعه للتعديل لا ليعصي وحكى عنه أنه كان يقول أن الخاطرين جسمان وأظنه غلط في الحكاية الأخيرة عنه.

وقال بشر بن المعتمر: قد يستغني المختار في فعله وفيما يختاره عن الخاطرين واحتج في ذلك بأول شيطان خلقه الله وأنه لم ينقل شيطان يخطر.

وقال قوم أن الأفعال التي من شأن النفس أن تفعلها وتجمعها وتميل إليها وتحبها فليس تحتاج إلى خاطر يدعوها إليها وأما الأفعال التي تكرهها وتنفر منها فإن الله عز وجل إذا أمر بها أحدث لها من الدواعي مقدار ما يوازي كراهتها لها ونفارها منها وإن دعاه الشيطان إلى ما تميل إليه وتحبه زادها من الدواعي والترغيب ما يوازي داعي الشيطان ويمنعه من الغلبة وإن أراد الله سبحانه أن يقع من النفس فعل ما تكرهه وينفر طباعها منه جعل الدواعي والترغيب والترهيب والتوفير يفضل ما عندها من الكراهة لذلك منه فتميل النفس إلى ما دعيت إليه ورغبت فيه طباعاً وذكر ابن الراوندي أن هذا القول قوله.

وقال أبو الهذيل وسائر المعتزلة: الخاطر الداعي إلى الطاعة من الله وخاطر المعصية من الشيطان وثبتوا الخواطر أعراضاً إلا أن أبا الهذيل يقول: قد تلزم الحجة المتفكر من غير خاطر وإبراهيم وجعفر يقولان: لا بد من خاطر.

فأنكر منكرون الخواطر وقالوا: لا خاطر.

واختلف الناس في العامة والنساء الذين على جملة الدين إذا خطر ببالهم التشبيه على مقالتين: فقال قائلون: عليهم أن يتفكروا في ذلك ويتبعوا في ذلك حجة.

وقال قوم: ليس ذلك بواجب عليهم وقد يجوز أن يعرضوا عنه فلا يعتقدوا فيه شيئاً ولكن عليهم أن يعتقدوا إن كان ناقضاً للجملة التي هم عليها فهو باطل.

القول بطاعة لا يراد الله بها: اختلفت المعتزلة في ذلك فزعم زاعمون منهم أنه لا يجوز أن يطيع الله من لم يرده بطاعة ولم يقترب إليه بها وأنكر أن يكون في الدهرية طاعة لله أو معرفة أمر والقدرية يعيرون من خالفهم في القدر وأهل الحق يسمونهم قدرية ويسمونهم مجبرة وهم أولى بأن يكونوا قدرية من أهل الإثبات.

وقال قائلون منهم ممن أنكر القول بطاعة لا يراد الله بها: ليس في المشبهة معرفة بالله ولا يكونون مطيعين له ولكن في القدرية معرفة بالله إذا كانت موجودة وكذلك فيهم طاعة لله عز وجل.

وقال قائلون ممن أنكر القول بطاعة لا يراد الله بها أن أفعال الجاهل بالله كلها جهل بالله وليس أحد من الجهال لله مطيعاً وهذا قول عباد.

واختلفوا في عذاب القبر

فمنهم من نفاه وهم المعتزلة والخوارج ومنهم من أثبته وهم أكثر أهل الإسلام ومنهم من زعم أن الله ينعم الأرواح ويؤلمها فأما الأجساد التي في قبورهم فلا يصل ذلك إليها وهي في القبور.

واختلفوا هل يجوز أن يخلق العالم لا في مكان أو يوجد لا في مكان على مقالتين: فقال قائلون: كان جائزاً أن يخلق الله العالم لا في مكان ويوجده لا في مكان ويوجده لا في شيء وأحال ذلك محيلون وقالوا: لا يجوز وجود العالم لا في مكان وخلقه لا في شيء.

واختلفوا هل يجوز أن يتحرك الجسم الموات إذا كان ساكناً من غير دافع: فأجاز ذلك مجيزون أن يكون البارئ يحركه من غير دافع وأنكر ذلك منكرون وقالوا: لا يجوز أن يتحرك إلا أن يدفعه دافع وهذا قول أصحاب الطبائع.

واختلفوا هل الحركة يمنة هي الحركة يسرة أم لا

فقال قائلون: إنما يقدر الإنسان على سكون وحركة فإن فعل مع تلك الحركة كوناً يمنة فهي حركة يمنة وإن فعل معها كوناً يسرة فهي حركة يسرة: وهو قول أبي الهذيل.

وقال قائلون: الحركة يمنة غير الحركة يسرة.

واختلفوا هل تكون حركة أخف من حركة: فأجاز ذلك مجيزون ومنعه آخرون.

واختلفوا في أفعال القلوب من الإرادات والكراهات والعلوم والنظر والفكر وما أشبه ذلك هل هي حركات أم لا: فقال قائلون: كلها حركات وقال قائلون: هي سكون كلها وقال قائلون: ليست بحركات ولا سكون.

واختلفوا هل يجوز أن يخلق العلم بالألوان في قلب الأعمى أم لا: فأجاز ذلك مجيزون وأنكره آخرون.

فقال قائلون: كلام العباد لا يبقى وقال قائلون: الكلام قد يبقى وهذا قول أبي الهذيل وغيره.

واختلفوا هل يفعل الكلام بغير اللسان: فأجاز ذلك مجيزون وأنكره منكرون.

واختلفوا في الهواء هل هو معنى: فقال قائلون: ليس بجسم وقال قائلون: هو جسم رقيق.

واختلفوا هل يجوز رفعه من حيز الأجسام حتى لا يكون: فأجاز ذلك مجيزون وأنكره منكرون وقالوا: لو ارتفع ما بين الحائطين من الجو لالتقت الحيطان وتلاصقت.

واختلفوا فيمن مد يده وراء العالم على مقالتين: فقال قائلون: يمتد مع يده فهذا يكون مكاناً ليده لأن المتحرك لا يتحرك إلا في شيء وقال قائلون: يمد يده وتتحرك لا في شيء.

واختلف الناس في الرؤيا على ستة أقاويل: فزعم النظام ومن قال بقوله فيما حكى عنه زرقان أن الرؤيا خواطر مثل ما يخطر البصر وما أشبهها ببالك فتمثلها وقد رأيتها.

وقالت السوفسطائية: سبيل ما يراه النائم في نومه كسبيل ما يراه اليقظان في يقظته وكل ذلك على الخيلولة والحسبان.

وقال صالح قبة ومن قال بقوله: الرؤيا حق وما يراه النائم في نومه صحيح كما أن ما يراه اليقظان في يقظته صحيح فإذا رأى الإنسان في المنام كأنه بإفريقية وهو ببغداذ فقد اخترعه الله سبحانه بإفريقية في ذلك الوقت.

وقال بعض المعتزلة: الرؤيا على ثلاثة أنحاء منها ما هو من قبل الله كنحو ما يحذر الله سبحانه الإنسان في منامه من الشر ويرغبه في الخير ونحو منها من قبل الإنسان ونحو منها من قبل حديث النفس والفكر يفكر الإنسان في منامه فإذا انتبه فكر فيه فكأنه شيء قد رآه.

وقال أهل الحديث: الرؤيا الصادقة صحيحة وقد يكون من الرؤيا ما هو أضغاث.

واختلف الناس في الذي يراه الرائي في المرآة: فقال قائلون: الذي يرى الرائي في المرآة إنما هو إنسان مثله اخترعه الله وهذا قول صالح.

وقال أبو الحسين الصالحي: لا مرئي إلا لون وأن الشعاع ينفصل من وجه الإنسان وله لون كلون الإنسان فيرى الإنسان لون الشعاع المنتقل من وجهه إذا اتصل بالمرآة ولونه كلون وجهه.

وقال السوفسطائية على أصل قولهم: إنما هو على الحسبان.

وقال قائلون: الذي يراه الرائي في المرآة هو ظل الوجه.

وقال ضرار بن عمرو أن الإنسان يرى مثاله ومثال غيره.

واختلف الناس في الجن هل يدخلون في الناس على مقالتين: فقال قائلون: محال أن يدخل الجن في الناس.

وقال قائلون: يجوز أن يدخل الجن في الناس لأن أجسام الجن أجسام رقيقة فليس بمستنكر أن يخلوا في جوف الإنسان من خروقه كما يدخل الماء والطعام في بطن الإنسان وهو أكثف من أجسام الجن وقد يكون الجنين في بطن أمه وهو أكثف جسماً من الشيطان وليس بمستنكر أن يدخل الشيطان إلى جوف الإنسان.

واختلفوا هل المصروع يرى الشيطان أم لا

على ثلاثة أقاويل: فقال قائلون: الجن لا يخبطون الناس ولا يستهلكونهم وإنما ذلك من جهة اختلاط الطبائع وغلبة بعض الأخلاط من المرة أو البلغم.

وقال قائلون: الشيطان يخبط الإنسان ويستهلكه ويراه الإنسان وما يسمع منه فهو كلام الشيطان.

وقال قائلون: بل يخبط الإنسان ويصرعه ويوسوسه ولا يراه الإنسان وليس الكلام المسموع في وقت الصرع والاختباط كلام الشيطان.

فقال قائلون: أنهم يوسوسون وقد يجوز أن يكون الله تعالى جعل الجو أداة لهم أو جعل لهم أداة ما غير الجو وذلك متصل بالقلب فيحرك الشيطان تلك الآلة من جهة بعض خروق الإنسان فيوصل الوسوسة إلى قلبه بتلك الآلة مثال ذلك أنك تأخذ الرمح وبينك وبين الإنسان عشرة أذرع فتكلم فيه فيسمع الإنسان إذا كان الرمح مجوفاً وكان متصلاً بسمعه.

وقال قائلون: جسم الشيطان أرق من أجسامنا وكلامه أخفى من كلامنا فيجوز أن يصل إلى سمع الإنسان فيتكلم بكلامه الخفي فيكون ذلك هو وسوسته.

وقال قائلون: بل يدخل إلى قلب الإنسان بنفسه حتى يوسوس فيه.

واختلفوا هل يعلم الشيطان ما في القلوب أم لا

على ثلاث مقالات: فقال إبراهيم ومعمر وهشام ومن اتبعهم أن الشياطين يعلمون ما يحدث في القلوب وليس ذلك بعجيب لأن الله عز وجل قد جعل عليه دليلاً ومحال أن يدخل الشيطان قلب الإنسان ومثال ذلك أن تشير إلى الرجل: أقبل أو أدبر فيعلم ما تريد فكذلك إذا فعل فعلاً عرف الشيطان كيف ذلك الفعل فإذا حدث نفسه بالصدقة والبر عرف ذلك الشيطان بالدليل فنهى الإنسان عنه هكذا حكى زرقان.

قال: وقال آخرون من المعتزلة وغيرهم أن الشيطان لا يعرف ما في القلب فإذا حدث الإنسان نفسه بصدقة أو بشيء من أفعال البر نهاه الشيطان عن ذلك على الظن والتخمين وقال قائلون أن الشيطان يدخل في قلب الإنسان فيعرف ما يريد بقلبه.

واختلفوا في الجن هل يخبرون الناس بشيء أو يخدمونهم

على مقالتين: فقال النظام وأكثر المعتزلة وأصحاب الكلام: لا يجوز ذلك لأن في ذلك فساد دلائل الأنبياء لأن من دلالتهم أن ينبئوا بما نأكل وندخر وقال قائلون: جائز أن يخدم الجن الناس وأن يخبروهم ما لا يعلمون.

واختلفوا هل يطيق الشيطان على حمل ما يطيق البشر حمله: فقال قائلون: جائز ذلك وأن يحمل الأشياء الكثيرة.

وأنكر ذلك منكرون وقالوا: في هذا بطلان دلائل الرسل وهذا قول الجبائي.

واختلفوا هل يجوز أن ينقلب الشياطين عن صورها

فأجاز ذلك قوم وأنكر آخرون.

واختلفوا هل يجوز أن تظهر الأعلام على غير الأنبياء: فقال قائلون: لا يجوز أن تظهر الأعلام المعجزات على غير الأنبياء.

وقال قائلون: جائز أن تظهر المعجزات على الأيمة وينزل الملائكة عليهم وهذا قول طوائف من الروافض وقد أفرط بعضهم في القول حتى زعم أنه جائز أن ينسخوا الشرائع وقد أفرط قوم من جنس هؤلاء من الخرمدينية حتى زعموا أن الرسل يأتون تترى بعد رسول الله () وأنهم لا ينقطعون.

وقال قائلون: جائز أن تظهر المعجزات على الصالحين الذين لا يدعون النبوة ولا يجوز أن تظهر على المبطلين.

وقال قائلون: قد يجوز أن تظهر المعجزات على الكذابين الذين يدعون الإلهية ولا يجوز أن تظهر على الكذابين الذين يدعون النبوة قال: لأن من يدعي الإلهية ففي بنيته ما يكذبه في دعواه وليس من ادعى النبوة في بنيته ما يكذبه أنه نبي فهذا قول حسين النجار.

وقد جوز قوم من الصوفية ظهور المعجزات على الصالحين وأن تأتيهم ثمار الجنة في الدنيا فيأكلونها ويواقعون الحور العين في الدنيا ويظهر لهم الملائكة ويظهر لهم الشياطين فيحاربونهم ولم يجوزوا رؤية الله في الدنيا وزعموا أن هذه مواريث الأعمال.

وجوز آخرون كل ما حكيناه عن المتقدمين منهم وجوزوا أن يروا الله سبحانه في الدنيا وأن يباشروه ويجالسوه.

وقال قائلون: جائز أن تظهر المعجزات على الصالحين وأن تبلغ بهم مواريث الأعمال حتى تسقط عنهم العبادات وتكون الدنيا لهم مباحة وكل ما فيها ويسقط عنهم النهي ويحل لهم النساء وسائر الأشياء وهذا قول أصحاب الإباحة وزعموا أن العبادة تبلغ بهم حتى لا يهموا بشيء إلا كان كما يريدون وإن أرادوا أن تحدث لهم دنانير حدثت وكل ما أرادوا من شيء لم يستعصب عليهم وقد زعم بعضهم أن العبادة تبلغ بهم حتى يكونوا أفضل من النبيين والملائكة المقربين.

واختلف الناس هل الملائكة أفضل من الأنبياء: فقال قائلون: الملائكة أفضل من الأنبياء.

وقال قائلون: الأنبياء أفضل من الملائكة والأيمة أفضل من الملائكة أيضاً وهذا قول الروافض.

وقال قوم من المتنسكين أنه جائز أن يكون في الناس غير الأنبياء والأيمة من هو أفضل من الملائكة.

واختلف الناس في الجن هل هم مكلفون أم مضطرون: فقال قائلون من المعتزلة وغيرهم: هم مأمورون منهيون قد أمروا ونهوا لأن الله عز وجل يقول: " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض " وأنهم مختارون وزعم زاعمون أنهم مضطرون مأمورون وكذلك اختلافهم في الملائكة وفي أنهم مأمورون أو مختارون على سبيل اختلافهم في الجن.

فقال قوم: لا يجوز إلا أن يريهم الله سبحانه نبياً أو يجعل رؤيتهم علماً ودليلاً على نبوة نبي وقد يقدر الله سبحانه أن يري عباده الملائكة والشياطين من غير أن يقلب خلقهم وقد يرى الإنسان الملائكة في حال المعاينة.

وقال قائلون: لا يجوز أن يروا بحال إلا أن يقلب الله خلقهم ويخرجهم عما هم عليه.

وقال قائلون: جائز أن يروا في الدنيا من غير أن يقلب الله خلقهم ومن غير أن يجعل ذلك دليلاً على نبوة نبي.

وذهب إلى إنكار الجن والشياطين ذاهبون وزعموا أنه ليس في الدنيا شيطان ولا جن غير الإنس الذين نراهم.

واختلفوا هل يجوز أن ينقلب الشياطين في صور الإنس أو في غير ذلك من الصور

إذا أرادوا ذلك أم لا: فقال قائلون: جائز أن ينقلبوا إلى أي صورة شاءوا من الصور فيكون الشيطان مرة في صورة إنسان ومرة في صورة حية.

وقال قائلون من المعتزلة وغيرهم: ذلك غير جائز ولم يجعل الله سبحانه إليهم أن ينقلبوا متى أرادوا.

فقال قائلون: هو منهم ولكنه أخرج عن جملتهم لما استكبر على الله عز وجل وقال قائلون: ليس هو من الملائكة.

واختلفوا هل الملائكة جن أم ليسوا بجن

فقال قائلون: هم جن لاستتارهم عن الأبصار ومن هذا قيل للجنين أنه جنين وقال قائلون: ليسوا بجن.

واختلفوا في السحر

فقال المعتزلة وغيرهم من أهل الإسلام: السحر هو التمويه والاحتيال وليس يجوز أن يبلغ الساحر بسحره أن يقلب الأعيان ولا أن يحدث شيئاً لا يقدر غيره على إحداثه.

وقال قائلون: يجوز أن يقلب الساحر بسحره الإنسان حماراً وأن تذهب المرأة إلى الهند في ليلة وترجع.

وقال قائلون: السحر ليس على قلب الأعيان ولكنه أخذ بالعيون كنحو ما يفعله الإنسان مما يتوهمه المتوهم على خلاف حقيقته.

واختلفوا في المكان

فقال قائلون: مكان الشيء ما يقله ويعتمد عليه ويكون الشيء متمكناً فيه.

وقال قائلون: مكان الشيء ما يمنعه منالهوى معتمداً كان الشيء عليه أو غير معتمد.

وقال قائلون: مكان الأشياء هو الجو وذلك أن الأشياء كلها فيه.

وقال قائلون: مكان الشيء هو ما يتناهى إليه الشيء وإنما ذكرنا قول المنتحلين الإسلام في المكان دون غيرهم من الأوائل.

واختلفوا في الوقت

فقال قائلون: الوقت هو الفرق بين الأعمال وهو مدى ما بين عمل إلى عمل وأنه يحدث مع كل وقت فعل وهذا قول أبي الهذيل.

وقال قائلون: الوقت هو ما توقته للشيء فإذا قلت: آتيك قدوم زيد فقد جعلت قدوم زيد وقتاً لمجيئك وزعموا أن الأوقات هي حركات الفلك لأن الله عز وجل وقتها للأشياء هذا قول الجبائي.

وقال قائلون: الوقت عرض ولا نقول ما هو ولا نقف على حقيقته.

واختلفوا هل يكون وقت لشيئين أم لا: فأجاز ذلك مجيزون وأنكره منكرون.

واختلفوا هل يجوز وجود أشياء لا في أوقات

واختلفوا في الدنيا ما هي

فقال قائلون: هي الهواء والجو وهذا قول زهير الأثري.

وقال قائلون: قول القائل دنيا واقع على كل ما خلقه الله سبحانه من الجواهر والأعراض وجميع ما خلقه الله سبحانه قبل مجيء الآخرة وورودها.

واختلف المتكلمون في الخبر ما هو: فقال قائلون: كل ما وقع فيه الصدق والكذب وهو مع هذا يشتمل على ضروب شتى منها النفي والإثبات والمدح والذم والتعجب وليس منه الاستفهام والأمر والنهي والأسف والتمني والمسألة لأنه ليس يقال لمن ينطق بشيء من ذلك صدقت ولا يقال له كذبت.

وقال قائلون: الخبر هو الكلام الذي يقتضي مخبراً وإنما سمي خبراً من أجل المخبر به فإذا لم يكن مخبر لم يسم الكلام خبراً وأبى هذا القائلون الذين حكينا قولهم آنفاً.

واختلفوا في الكلام ما هو

فقال قائلون: الكلام هو ما لا يخرج من أن يكون أمراً أو نهياً أو خبراً أو استخباراً أو تمنياً أو تعجباً أو سؤالاً وهو بمخرج الأمر إلا أنه يسمى سؤالاً إذا كان لمن فوقك.

وقال قائلون: الكلام هو القول وقد يخرج من هذه الأقسام كلها لأنه أمر لعلة المأمور نهي لعلة

واختلفوا في الصدق والكذب

فقال بعضهم: الصدق هو الإخبار عن الشيء على ما هو به والكذب الإخبار عنه بخلاف حقيقته بعلم وقع أم بغير علم.

وقال بعضهم: الصدق الخبر عن الشيء على ما هو به إذا كان معه علم الحقيقة.

ثم اختلفوا في الكذب: فقالت جماعة منهم: الكذب هو الإخبار عنه بخلاف حقيقته وزاد سائرهم في الكذب الخبر عن الشيء بخلاف ما هو عليه بغير علم.

وقال بعضهم: الصدق ذو شروط شتى منها صحة الحقيقة ومنها العلم بها ومنها أمر الله به والكذب ذو شروط أيضاً منها علم الحقيقة والعلم باعتماد نفيها ومنها النهي من الله عنه فأما ما وقع بغير علم فهو خبر عاثر لا يسمى صدقاً ولا كذباً.

واختلفوا هل يسمى الخبر صدقاً قبل وقوع مخبره أم لا على مقالتين: فمنهم من سماه صدقاً قبل وقوع مخبره ومنهم من امتنع من ذلك.

واختلفوا في الخاص والعام

فزعم زاعمون أن الخبر قد يكون خاصاً كالخبر عن الواحد من النوع المذكور اسمه في الخبر أو بعضه فيكون عاماً والعام ما عم اثنين فصاعداً ويكون عاماً خاصاً وهو ما كان في اثنين من النوع المذكور اسمه في الخبر أو فيما هو أكثر من ذلك بعد أن يكون دون الكل وهذا قول ابن الراوندي والمرجئة.

وقال قائلون: الخبر الخاص لا يكون عاماً والعام لا يكون خاصاً والخاص ما كان خبراً عن الواحد والعام ما عم اثنين فصاعداً وهذا قول عباد بن سليمان وغيره.

واختلفوا في قول الله عز وجل: " افعلوا "!

هل يكون أمراً من غير أن يقارنه نهي عن ترك ما قال افعلوه.

فقال قائلون: هو أمر لازم وإن لم يظهر النهي.

وقال آخرون: لا يكون أمراً حتى يقارنه النهي عن ترك ما قال: افعلوه وقول القائل: افعلوا! هو أمر لمن دونك وهو سؤال لمن هو فوقك.

واختلفوا في الإثبات والنفي ما هو

فقال قائلون: النفي متصل بالإثبات في العقل لأنك لا تنفي شيئاً إلا وقد أثبته على وجه آخر كقولك: ليس زيد متحركاً أنت تثبت زيداً غير متحرك وأنت نفيت أن يكون ساكناً وأحال قائل هذا أن ينفى إلا ما هو شيء ثابت كائن موجود.

وقال قائلون: النفي كل قول واعتقاد دل على عدم شيء أو كان خبراً عن عدمه ولا يجوز أن يكون المثبت منفياً على وجه من الوجوه وكذلك المنفي ليس بمثبت على وجه من الوجوه وكذلك الإثبات كل قول واعتقاد دل على وجود شيء أو كان خبراً عن وجوده ثم زعم صاحب هذا القول أن الإثبات في الحقيقة هو ما به كان الشيء ثابتاً والنفي ما كان الشيء به منتفياً في الحقيقة وهذا القول هو قول الجبائي.

وقال قائلون: المثبت قد يكون منفياً على وجه والمنفي قد يكون مثبتاً على وجه كما تثبت زيداً موجوداً وتنفيه متحركاً وليس بمستحيل أن ينتفي الشيء بأن لا يكون موجوداً ولا يكون ثابتاً.

واختلفوا هل يكون فعل للإنسان لا طاعة ولا معصية أم لا

على مقالتين: فقال قائلون: لا فعل للإنسان البالغ إلا وهو لا يخلو من أن يكون طاعة أو معصية وقال قائلون أن الأفعال منها طاعات ومنها معاص ومنها مباحات لم يأمر الله بها ليست بطاعة ولا معصية.

واختلف الناس هل يقال لم يزل الله خالقاً: فأجاز ذلك قوم ومنعه آخرون.

واختلف الذين منعوا من ذلك هل يقال لم يزل الخالق أم لا: وقال آخر: يقال لم يزل الخالق واحداً عالماً وما أشبه ذلك ولا يقال لم يزل الخالق لأن القول لم يزل الخالق كالقول لم يزل خالقاً ونقول: الخالق لم يزل وخالق لم يزل والقائل بهذا عباد بن سليمان.

واختلفوا في النبوة هل هي ثواب أو ابتداء

فقال قائلون: هي ابتداء وقال قائلون: هي جزاء على عمل الأنبياء هذا قول عباد وقال الجبائي: يجوز أن تكون ابتداء.

واختلفوا هل يجوز أن توجد في الإنسان قوة ولا يقال قوي

فقال قائلون: إذا كانت القوة في بعض أجزائه فهو القوي ولا جائز أن يكون قوة ولا قوي.

وقال قائلون: إذا كانت القوة في بعض أجزائه لم نقل أن الإنسان قوي إلا أن تجامع القوة أمراً أو نهياً أو إباحة أو ترغيباً أو إطلاقاً فالأمر والنهي والإباحة والترغيب للبالغين والإطلاق للأطفال والبهائم والهوام والمجانين وكل من كانت له قوة معها هذا فهو قوي والقائل بهذا عباد بن سليمان.

القول في المقطوع والموصول: زعم عباد أن أصل الموصول هو كل فعل من الفرض أو النفل لا يفعل بعضه ويترك بعضه تركاً لضد ذلك فإذا دخل فيه فاعله لم يدع منه ما يخرجه منه فكل ما كان من ذلك أو من جنس ذلك فهو يفعل إلى آخره فإذا دخل في أوله بلغ إلى آخره ولا يفعل بعضه ويدع بعضه ولا يفعل ثلثه ويدع ثلثيه فهذا أصل ذلك وزعم أن رجلاً لو دخل عند نفسه في الظهر فلما صلى ركعتين نظر إلى طفل يغرق فقد فرض عليه أن يخلص الطفل ولا يصلي قال: وليس ما صلى طاعة وصلها ووصلها طاعة فيكون قد حرمت عليه الطاعات وذلك فاسد وزعم أن إنساناً لو أمسك في رمضان إلى نصف النهار ثم أكل أن إمساكه المتقدم طاعة لله لا صوم وزعم أن من أحرم ثم غشي امرأته قبل انقضاء الحج أن إحرامه طاعة لله ووقوفه طاعة مفترضة وعليه أن يقف بعد ذلك في المواقيت إلى انقضاء وقت الحج وليس ما فعل من الحج طاعة وعليه الحج من قابل.

وقال أكثر أهل الكلام أن من صلى ركعتين من الظهر ثم رأى طفلاً إن لم يخلصه غرق أنه إذا قطع صلاته فخلصه أن ما مضى من صلاته طاعة لله عز وجل وقد أتى ببعض الصلاة وكذلك القول فيمن أمسك عن الأكل بعض يوم أنه قد صام بعض يوم وأن صومه بعض اليوم طاعة لله وكذلك القول فيمن أتى ببعض الحج.

واختلفوا في الصلاة في الدار المغصوبة على مقالتين

فقال أكثر أهل الكلام: صلاته ماضية وليس عليه إعادة.

وقال أبو شمر: عليه إعادة الصلاة لأنه إنما يؤديها إذا كانت طاعة لله وكونه في الدار واعتماده واختلفوا في الصلاة خلف الفاجر هل على فاعلها إعادة أم لا على مقالتين: فقال قائلون: لا يجوز صلاة الجمعة ولا شيء من الصلوات خلف الإمام الفاجر وعلى من فعل ذلك الإعادة وهذا قول أكثر المعتزلة.

وقال قائلون من المعتزلة وغيرهم: الصلاة جائزة خلف البار والفاجر وليس على من صلى خلف الفاجر إعادة.

واختلف الناس في السيف على أربعة أقاويل: فقالت المعتزلة والزيدية والخوارج وكثير من المرجئة: ذلك أوجب إذا أمكننا أن نزيل بالسيف أهل البغي ونقيم الحق واعتلوا بقول الله عز وجل: " وتعاونوا على البر والتقوى: وبقوله: " فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " واعتلوا بقول الله عز وجل: " لا ينال عهدي الظالمين ".

وقالت الروافض بإبطال السيف ولو قتلت حتى يظهر الإمام فيأمر بذلك.

وقال أبو بكر الأصم ومن قال بقوله: السيف إذا اجتمع على إمام عادل يخرجون معه فيزيل أهل البغي.

وقال قائلون: السيف باطل ولو قتلت الرجال وسبيت الذرية وأن الإمام قد يكون عادلاً ويكون غير عادل وليس لنا إزالته وإن كان فاسقاً وأنكروا الخروج على السلطان ولم يروه وهذا قول واخلفوا في إنكار المنكر والأمر بالمعروف بغير السيف: فقال قائلون: تغير بقلبك فإن أمكنك فبلسانك فإن أمكنك فبيدك وأما السيف فلا يجوز وقال قائلون: يجوز تغيير ذلك باللسان والقلب فأما باليد فلا.

واختلف الناس في الحكمين: فقالت الخوارج: الحكمان كافران وكفر علي حين حكم واعتلوا بقول الله عز وجل: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " وقوله: " فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " قالوا: فأمر الله عز وجل وحكم بقتال أهل البغي وترك علي قتالهم لما حكم وكان تاركاً لحكم الله سبحانه مستوجباً للكفر لقول الله عز وجل: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ".

واختلفت الخوارج في كفر علي والحكمين: فمنهم من قال: هو كفر شرك وهم الأزارقة ومنهم من قال: هو كفر نعمة وليس بكفر شرك وهم الإباضية.

وقالت الروافض: الحكمان مخطئان وعلي مصيب لأنه حكم للتقية لما خاف على نفسه.

وقال قائلون من الروافض: تحكيم علي لا على طريق التقية وهو صواب.

وقالت الزيدية وكثير من المرجئة وإبراهيم النظام وبشر بن المعتمر أن علياً رضوان الله عليه كان مصيباً في تحكيمه الحكمين وأنه إنما حكم لما خاف على عسكره الفساد وكان الأمر عنده واضحاً فنظر للمسلمين ليتألفهم وإنما أمرهما أن يحكما بكتاب الله عز وجل فخالفا فهما المخطئان وعلي مصيب.

ووقف واقفون في هذا وقالوا: نحن لا نتكلم فيه ونرد أمرهم إلى الله عز وجل فإن كان حقاً فالله أعلم به حقاً كان أو باطلاً.

وقال الأصم: إن كان تحكيمه ليحوز الأمر إلى نفسه فهو خطأ وإن كان ليتكاف الناس حتى يصطلحوا على إمام فهو صواب وقد أصاب أبو موسى حين خلعه حتى يجتمع الناس على إمام.

وقال قائلون بتصويب علي في تحكيمه وأنه اجتهد.

وقال قائلون بتصويب الحكمين وتصويب علي ومعاوية وجعلوا أمرهم من باب الاجتهاد.

وزعم عباد بن سليمان أن علياً رضوان الله عليه لم يحكم وأنكر التحكيم.

واختلفوا في إمامة عثمان وقتله

فقال أهل الجماعة: كان أبو بكر وعمر إمامين وكان عثمان إماماً إلى أن قتل رحمة الله عليه ورضوانه وقتله قاتلوه ظلماً.

وقال قائلون: لم يكن إماماً منذ يوم قام إلى أن قتل وهؤلاء هم الروافض وأنكروا إمامة أبي بكر وقال قائلون: كان مصيباً في السنة الأولى من أيامه ثم أنه أحدث أحداثاً وجب بها خلعه وإكفاره وهؤلاء هم الخوارج.

فمنهم من قال: كان كافراً مشركاً ومنهم من قال: كان كفر نعمة وثبتوا إمامة أبي بكر وعمر.

وقال قائلون: كان إماماً إلى أن أحدث أحداثاً استحق بها أن يكون مخلوعاً وأنه فسق وبطلت إمامته وهذا قول كثير من الزيدية وقد ذكرنا عند شرحنا قول الزيدية كيف قولهم في إمامة أبي بكر وعمر وأنه وقف في أمره واقفون ولم يقدموا عليه بتخطئة ولا بلعن.

وقال أبو الهذيل: لا ندري قتل عثمان ظالماً أو مظلوماً.

واختلفوا في إمامة علي

فقال قائلون: كان علي إماماً في أيام أبي بكر وعمر وأن الأمر كان له بنص النبي () وأن الأمة ضلت حين بايعت غيره.

وقال قائلون: كان أبو بكر الإمام بعد النبي () ثم عمر ثم عثمان ثم علي وأن الخلافة بعد النبوة ثلاثون سنة وهذا قول أهل السنة والاستقامة.

واختلف هؤلاء في إمامة أبي بكر كيف كانت: فقال قائلون: بأن وقف النبي () ونص على إمامته.

وقال قائلون: لا بل دل على إمامته بأمره أن يصلي بالناس وبقوله: " مروا أبا بكر أن يصلي بالناس " وبقوله: " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " وقالوا: قد دل الله سبحانه على إمامة أبي بكر في كتابه بقوله: " ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون " فجعل توبتهم مقرونة بدعوة الداعي لهم إلى قتال القوم وهم أهل اليمامة وأبو بكر دعاهم أو فارس فعمر دعاهم وفي ثثبيت إمامة عمر ثثبيت إمامة أبي بكر.

وقال قائلون: كان أبو بكر إماماً بعقد المسلمين له الإمامة وإجماعهم على إمامته وكان عمر إماماً بنص أبي بكر على إمامته وكان عثمان إماماً باتفاق أهل الشورى عليه وكان علي إماماً بعقد أهل العقد له بالمدينة.

وقال قائلون: كان أبو بكر إماماً ثم عمر ثم عثمان وأن علياً لم يكن إماماً لأنه لم يجتمع عليه وأن معاوية كان إماماً بعد علي لأن المسلمين اجتمعوا على إمامته في ذلك الوقت وهذا قول الأصم.

وقال قائلون بإمامة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي وأنكروا إمامة معاوية وقالوا: لم يكن إماماً بحال.

واختلفوا في قتال علي وطلحة وفي قتال علي ومعاوية

فقالت الروافض والزيدية وبعض المعتزلة إبراهيم النظام وبشر بن المعتمر وبعض المرجئة أن علياً وقال ضرار وأبو الهذيل ومعمر: نعلم أن أحدهما مصيب والآخر مخطئ فنحن نتولى كل واحد من الفريقين على الانفراد وأنزلوا الفريقين منزلة المتلاعنين الذين يعلمون أن أحدهما مخطئ ولا يعلمون المخطئ منهما هذا قولهم في علي وطلحة والزبير وعائشة فأما معاوية فهم له مخطئون غير قائلين بإمامته.

وقال قائلون: سبيل علي وطلحة والزبير وعائشة في حربهم سبيل الاجتهاد وأنهم جميعاً كانوا مصيبين وكذلك قول هؤلاء في قتال معاوية وعلي وهذا قول حسين الكرابيسي.

وقال بكر بن أخت عبد الواحد بن زيد أن علياً وطلحة والزبير مشركون منافقون وهم في الجنة لقول النبي () أن الله سبحانه اطلع إلى أهل بدر فقال: " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ".

وقالت الخوارج بتصويب علي في قتال طلحة والزبير ومعاوية.

وقال الأصم في قتال علي وطلحة والزبير: إن كان قاتلهما ليتكاف الناس حتى يصطلحوا على إمام فقتاله لهما على هذا الوجه صواب وكذلك قال في قتالهما إياه وقال: إن كان معاوية قاتل علياً ليحوز الأمر إلى نفسه فهو ظالم وإن كان قاتل ليتكاف الناس حتى يصطلحوا على إمام فقتاله على هذا الوجه صواب وإن كان قتاله لئلا يسلم ما في يديه إليه لم يتفق على إمامته فقتاله وقال قائلون: نزعم أن علياً وطلحة والزبير لم يكونوا مصيبين في حربهم وأن المصيبين هم القعود ونتولاهم جميعاً ونبرأ من حربهم ونرد أمرهم إلى الله.

وقال عباد: لم يكن بين طلحة والزبير وعلي قتال.

واختلفوا في التفضيل

فقال قائلون: أفضل الناس بعد رسول الله () أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي.

وقال قائلون: أفضل الناس بعد رسول الله () أبو بكر ثم عمر ثم علي ثم عثمان.

وقال قائلون: نقول أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت بعد ذلك.

وقال قائلون: أفضل الناس بعد رسول الله () علي ثم بعده أبو بكر.

وأجمع من ثبت فضل أبي بكر وعمر أن أبا بكر أفضل من عمر وأجمع من ثبت فضل عمر وعثمان أن عمر أفضل من عثمان.

وقال قائلون: لا ندري أبو بكر أفضل أم علي فإن كان أبو بكر أفضل فيجوز أن يكون عمر أفضل من علي ويجوز أن يكون علي أفضل من عمر وإن كان علي أفضل من عمر فهو أفضل من عثمان لأن عمر أفضل من عثمان وإن كان عمر أفضل من علي فيجوز أن يكون علي أفضل من عثمان ويجوز أن يكون عثمان أفضل من علي وهذا قول الجبائي.

واختلفوا في الإمامة هل هي بنص أم قد تكون بغير نص

فقال قائلون: لا تكون إلا بنص من الله سبحانه وتوقيف وكذلك كل إمام ينص على إمام بعده فهو بنص من الله سبحانه على ذلك وتوقيف عليه.

وقال قائلون: قد تكون بغير نص ولا توقيف بل بعقد أهل العقد.

واختلفوا هل يكون بعد علي إمام: فقال أكثر الناس: قد يكون بعد علي إمام وقال عباد بن سليمان: لا يجوز أن يكون بعد علي إمام واعتل بأنهم أجمعوا في عصر أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أنه جائز أن يكون إمام واختلفوا بعد علي هل يجوز أن يكون إمام أم لا فلو جاز أن يكون بعد علي إمام لم يختلفوا في أن يكون بعده إمام أو لا يكون كما لم يختلفوا في ذلك في عصره لأن الأمة لا تجتمع على شيء تختلف في مثله.

واختلفوا في كم تنعقد الإمامة من رجل

فقال قائلون: تنعقد برجل واحد من أهل العلم والمعرفة والستر.

وقال قائلون: لا تنعقد الإمامة بأقل من رجلين وقال قائلون: لا تنعقد بأقل من أربعة يعقدونها وقال قائلون: لا تنعقد إلا بخمسة رجال يعقدونها وقال قائلون: لا تنعقد إلا بجماعة لا يجوز عليهم أن يتواطؤا على الكذب ولا تلحقهم الظنة وقال الأصم: لا تنعقد إلا بإجماع المسلمين.

واختلفوا في وجوب الإمامة: فقال الناس كلهم إلا الأصم: لا بد من إمام.

وقال الأصم: لو تكاف الناس عن التظالم لاستغنوا عن الإمام.

واختلفوا هل يكون الإمام أكثر من واحد: فقال قائلون: لا يكون في وقت واحد أكثر من إمام واحد.

وقال قائلون: يجوز أن يكون إمامان في وقت واحد أحدهما صامت والآخر ناطق فإذا مات الناطق خلفه الصامت وهذا قول الرافضة وجوز بعضهم ثلاثة أيمة في وقت واحد أحدهم صامت وأنكر أكثرهم ذلك.

واختلفوا هل يجوز أن يخلو الناس من إمام

فقالت الروافض: لا تخلو الأرض من إمام وقال غيرهم: قد يجوز أن تخلو الأرض من إمام حتى يعقد لواحد.

فقالت الزيدية وكثير من المعتزلة: جائز أن يكون في رعية الإمام من هو أفضل منه وجوزوا أن يكون الإمام مفضولاً كما يكون الأمير مفضولاً في رعيته من هو خير منه.

وقال قائلون: لا يكون الإمام إلا أفضل الناس.

واختلفوا هل يجوز أن يكون الأيمة في غير قريش على مقالتين: فقال قائلون من المعتزلة والخوارج: جائز أن يكون الأيمة في غير قريش وقال قائلون من المعتزلة وغيرهم: لا يجوز أن يكون الأيمة إلا من قريش.

واختلف الذين قالوا لا يكون الأيمة إلا من قريش في أي قريش تكون على مقاليتن: فقالت الروافض: لا يكون الأيمة من قريش إلا في بني هاشم خاصة وقال قائلون: قد يكون الأيمة من غيرها من قريش.

واختلف الذين قالوا لا يكون الأيمة إلا من بني هاشم في أي بني هاشم على مقالتين: فقال قائلون: في العباس بن عبد المطلب وفي ولده لا تكون في غيرهم وهم الراوندية وقال قائلون: هي في علي وولده لا تكون في غيرهم.

واختلفوا إذا اجتمع قرشي وأعجمي وتساويا في الفضل أيهما أولى

على مقالتين: فقال ضرار بن عمرو: يولى الأعجمي لأنه أقلهما عشيرة وقال سائر الناس: يولى القرشي فهو واختلفوا في الإمام إذا مات ببلده فبايع من بحضرته رجلاً وبايع غيرهم آخر في وقته أو قبله: فقال قائلون: الإمام هو الذي عقد له في بلد الإمام دون غيره وقال قائلون: هو الذي عقد له أولاً ببلد الإمام كان أم بغيره.

واختلفوا إذا بايع قوم إماماً وبايع آخرون إماماً آخر في وقت واحد

فقال قائلون: يقرع بينهما فأيهما خرجت قرعته كان إماماً دون الآخر وقال آخرون: يقال لهما أن يعتزلا ثم يعقد لأحدهما أو لغيرهما وقال آخرون: أيهما امتنع من أن يعتزل لم يكن إماماً فإذا قيل له اعتزل فلم يعتزل لم يكن إماماً وكان الإمام الذي يقال له اعتزل ولم يأب ذلك.

واختلفوا في الإمامة هل تتوارث

فقال قائلون: هي وراثة وقال آخرون: ليست بوراثة.

واختلفوا هل للإمام أن يوصي إلى غيره في جهة وجوب الإمامة: فأجاز ذلك قوم وأنكره آخرون.

== واختلفوا هل الدار دار إيمان أم لا

فقال أكثر المعتزلة والمرجئة: الدار دار إيمان.

وقالت الخوارج من الأزارقة والصفرية: هي دار كفر وشرك.

وقال جعفر بن مبشر ومن وافقه: هي دار فسق.

وقال الجبائي: كل دار لا يمكن فيها أحداً أن يقيم بها أو يجتاز بها إلا بإظهار ضرب من الكفر أو بإظهار الرضى بشيء من الكفر وترك الإنكار له فهي دار كفر وكل دار أمكن القيام بها والاجتياز بها من غير إظهار ضرب من الكفر أو إظهار الرضى بشيء من الكفر وترك الإنكار له فهي دار إيمان وبغداذ على قياس الجبائي دار كفر لا يمكن المقام بها عنده إلا بإظهار الكفر الذي هو عنده كفر أو الرضى كنحو القول أن القرآن غير مخلوق وأن الله سبحانه لم يزل متكلماً به وأن الله سبحانه أراد المعاصي وخلقها لأن هذا كله عنده كفر وكذلك القول في مصر وغيرها على قياس قوله وفي سائر أمصار المسلمين وهذا هو القول بأن دار الإسلام دار كفر ومعاذ الله من ذلك.

وقال بعضهم: الدار دار هدنة ولم يقولوا أنها دار إيمان ولا قالوا أنها دار كفر وهذا قول بعض الروافض.

واختلفوا في أحكام الجائر على مقالتين

فقال قائلون: هي جائزة لازمة إذا كانت على الحق وإن كان جائراً.

وقال قائلون: لا تلزم أحكامه ولا يلتفت إليها.

فقال قائلون: يمضي حكمه وقال قائلون: لا بل يرجع عنه ويرد إلى الصواب.

واختلفوا في قتال البغاة

على ثلاثة أقاويل: فقال قائلون: لا يتبع من يولى منهم ولا يغنم أموالهم ولا يجاز على جرحاهم وقال قائلون: بل يتبع من ولي منهم ويجاز على جرحاهم ويغنم أموالهم وقال قائلون: يغنم ما حوى عسكرهم وما لم يكن في عسكرهم من أموالهم لم يغنم.

واختلفوا في دفن البغاة وتكفينهم والصلاة عليهم وسبي ذراريهم

فقال قائلون: يدفن قتلاهم ويكفنون ويصلى عليهم ولا تسبى ذراريهم وقال قائلون: لا يدفنون ولا يصلى عليهم ولا يكفنون وتسبى ذراريهم وهذا قول الخوارج وغيرهم.

واختلفوا في قتل البغاة غيلة: فمنهم من أجاز ذلك ومنهم من لم يجز الغيلة وكان في المعتزلة رجل يقال له عباد بن سليمان يرى قتل الغيلة في مخالفيه إذا لم يخف شيئاً وقد ذهب إلى هذا قوم من الخوارج وقوم من غلاة الروافض حتى استحلوا خنق المخالفين لهم وأخذ أموالهم وإقامة شهادة الزور عليهم واستباحوا الزنا بنساء مخالفيهم.

واختلفوا في المقدار الذي يجوز إذا بلغوا إليه أن يخرجوا على السلطان ويقاتلوا المسلمين: فقالت المعتزلة: إذا كنا جماعة وكان الغالب عندنا أنا نكفي مخالفينا عقدنا للإمام ونهضنا فقتلنا السلطان وأزلناه وأخذنا الناس بالانقياد لقولنا فإن دخلوا في قولنا الذي هو التوحيد وفي قولنا في القدر وإلا قتلناهم وأوجبوا على الناس الخروج على السلطان على الإمكان والقدرة إذا أمكنهم ذلك وقدروا عليه.

وقال قائلون من الزيدية: أقل المقدار الذي يجوز لهم الخروج أن يكونوا كعدة أهل بدر فيعقدون الإمامة للإمام ثم يخرجون معه على السلطان.

وقال قائلون: أي عدد اجتمع عقدوا للإمام ونهضوا إذا كان من أهل الخير ذلك واجب عليهم.

وقال قائلون: إذا كان مقدار أهل الحق كمقدار أهل البغي لزمهم قتالهم لقول الله تعالى: " الآن خفف الله عنكم ".

واختلفوا هل يكون الظهور إلا مع إمام وهل يكون قطع السارق وأخذ القود وإنفاذ الأحكام إلا بإمام: فقال عباد بن سليمان: لا يجوز أن يكون بعد علي إمام وأن المسلمين إذا أمكنهم الخروج خرجوا فأنفذوا الأحكام وقطعوا السراق وأقادوا وفعلوا ما كان يلزم الأيمة فعله.

وقال الأصم وابن علية: إذا كانوا جماعة لا يجوز على مثلهم أن يتواطئوا ولم تلحقهم ظنة ولا وقال قائلون وهم أكثر المعتزلة: لا يكون الخروج إلا مع إمام عادل ولا يتولى إنفاذ الأحكام وقطع السارق والقود إلا الإمام العادل أو من يأمر الإمام العادل لا يجوز غير ذلك.

وقالت الروافض: لا يجوز شيء من ذلك إلا للإمام أو من يأمره.

واختلفوا في المكاسب هل هي جائزة أم لا

فقال قائلون بتحريم المكاسب والتجارات وقالوا: لا يجوز بيع ولا شرىً حتى يظهر الإمام على الدار ويقسمها لأن الأشياء التي فيها لا ملك للناس عليها لفسادها ولكون الغصب والظلم فيها وهم يرون أن يسألوا الناس ما يكفيهم لقوتهم وما فضل عن ذلك لم يروا أخذه وليس يسألون الناس على أن الناس يملكون شيئاً عندهم ولكنهم إذا نظروا إلى أنفسهم تتلف سألوا الناس شيئاً وأقاموا ما يأخذونه مقام الميتة للمضطر وهذا قول طوائف من المعتزلة وهو مذهب قوم تكاسلوا عن التجارات وقد جرى مجراهم قوم من أهل لتوكل وتركوا الأعمال وتكاسلوا عنها وقالوا: إذا توكلنا حقيقة التوكل جاءتنا أرزاقنا واستغنينا عن الاضطراب.

فقال أكثر الناس أن المكاسب من وجهها جائزة والبيع والشرى جائز إلا فيما عرفناه حراماً بعينه فأما ما لم نعرفه حراماً ورأيناه في أيدي قوم جائز لنا أن نشتري منهم وجائز لنا البيع والتجارة والأشياء على ظاهرها والدار دار إيمان لا يحرم فيها شيء إلا ما عرفناه حراماً.

فقال قوم: يجوز أن نبايعه ونشتري منه إلا ما كان من آلات الحرب وقال قوم: لا يجوز لنا مبايعته ولا الشرى إلا أن يرجع عن الفتة حتى نلجئه بذلك إلى ترك البغي.

واختلفوا فيمن اشترى جارية بمال حرام بعينه: فقال قائلون: إذا اشترى بذلك المال الحرام بعينه كان البيع منتقضاً لا يجوز ولكن إذا اشترى لا بذلك المال بعينه كان البيع منعقداً وكان المال في ذمة المشتري وقال قائلون: جائز البيع والشرى وإن كان اشترى بعين ذلك المال.

واختلفوا فيمن حج أو قضى فرضاً من مال حرام

فقال قائلون: لا يكون مؤدياً للحج ولا للفرض إذا كان المال الذي حج به حراماً وقال قائلون: حجه ماض وكذلك الفرض الذي قضاه والمال في ذمته.

واختلفوا إذا ذبح بسكين مغتصبة: فقال قائلون: لا تكون الذبحية ذكية وقال قائلون: هي ذكية.

واختلفوا في الطلاق لغير العدة: فقال أكثر الناس: عصى ربه وبانت منه امرأته وكذلك إذا طلقها ثلاثاً فقد لحقها الطلاق ثلاثاً.

وقال قائلون: لا يقع الطلاق لغير العدة وليس طلاق الثلاث شيئاً ولا يقع الطلاق حتى يطلقها واحدة للعدة وهي طاهر من غير جماع ويشهد على ذلك شاهدين ولا يكون غضباناً ويكون قاصداً إلى الطلاق راضياً به وقال قائلون: إذا طلقها ثلاثاً كانت واحدة.

واختلفوا في المسح على الخفين

فقال أكثر أهل الإسلام بالمسح على الخفين وأنكر المسيح على الخفين الروافض والخوارج.

واختلفوا في الفرائض هل فرضت لعلل أو لا لعلل

فقال قائلون: فرض الله الفرائض وشرع الشرائع لا لعلة وإنما يكون الشيء محرماً بتحريم الله إياه محللاً بتحليله له مطلقاً بإطلاقه له لا لعلة غير ذلك وأنكر هؤلاء القياس في الأحكام.

وقال قائلون: إن الله سبحانه حرم أشياء عبادات وحرم أشياء لعلل يجب عليها وأنه لا قياس يقاس إلا على أصل معلول فيه علة يجب أن تطرد في الفرع.

وقال قائلون: الأشياء حرمها الله سبحانه وأحلها لعلة المصحة لا غير ذلك وإنما يقع القياس إذا اشتبه شيئان في معنى قيس أحدهما على الآخر لاشتباههما في ذلك المعنى.

واختلفوا في التقية

فزعمت الروافض أنه جائز أن يظهر الإمام الكفر والرضى به والفسق على طريق التقية وجوزوا ذلك على الرسول عليه السلام وقال قائلون: لا يجوز ذلك على الرسول عليه السلام ولا يجوز واختلفوا في إمامة يزيد: فقال قائلون: كان إماماً بإجماع المسلمين على إمامته وبيعتهم له غير أن الحسين أنكر عليه أشياء مثلها ينكر وقال قائلون بإمامته وتخطئة الحسين في إنكاره عليه وقال قائلون: لم يكن إماماً على وجه من الوجوه.

واختلفوا في هل النبي () عشرة في الجنة: فقال قائلون بإنكار هذا الخبر وإبطاله وهم الروافض.

وقال قائلون: هو فيهم على شريطة إن لم يتغيروا عما كانوا عليه حتى يموتوا وإن ماتوا على الإيمان.

وقال قائلون وهم أهل السنة والجماعة: هو في العشرة وهم في الجنة لا محالة.

واختلف الناس في المعارف والعلوم هل هي العالم منا أو غيره: فقال قائلون: معارفنا وعلومنا غيرنا وقال قائلون بنفي العلوم والمعارف وقالوا: ليس إلا العالم العارف وقال قائلون: صفات العالم منا لا هو ولا غيره.

واختلفوا في الصراط

فقال قائلون: هو الطريق إلى الجنة وإلى النار ووصفوه فقالوا: هو أدق من الشعر وأحد من وقال قائلون: هو الطريق وليس كما وصفوه بأنه أحد من السيف وأدق من الشعر ولو كان كذلك لاستحال المشي عليه.

واختلفوا في الميزان

فقال أهل الحق: له لسان وكفتان توزن في إحدى كفتيه الحسنات وفي الأخرى السيئات فمن رجحت حسناته دخل الجنة ومن رجحت سيئاته دخل النار ومن تساوت حسناته وسيئاته تفضل الله عليه فأدخله الجنة.

وقال أهل البدع بإبطال الميزان وقالوا: موازين وليس بمعنى كفات وألسن ولكنها المجازاة يجازيهم الله بأعمالهم وزناً بوزن وأنكروا الميزان وقالوا: يستحيل وزن الأعراض لأن الأعراض لا ثقل لها ولا خفة.

وقال قائلون بإثبات الميزان وأحالوا أن توزن الأعراض في كفتين ولكن إذا كانت حسنات الإنسان أعظم من سيئاته رجحت إحدى الكفتين على الأخرى فكان رجحانها دليلاً على أن الرجل من أهل الجنة وكذلك إذا رجحت الكفة الأخرى السوداء كان رجحانها دليلاً على أن الرجل من أهل النار.

وحقيقة قول المعتزلة في الموازنة أن الحسنات تكون محبطة للسيئات وتكون أعظم منها وأن القول في الحوض: قال أهل السنة والاستقامة أن للنبي () حوضاً يسقي منه المؤمنين ولا يسقي منه الكافرين وأنكر قوم الحوض ودفعوه.

واختلفوا في منكر ونكير هل يأتيان الإنسان في قبره

فأنكر ذلك كثير من أهل الأهواء وثبته أهل الاستقامة.

واختلفوا في شفاعة رسول الله () هل هي لأهل الكبائر: فأنكرت المعتزلة ذلك وقالت بإبطاله وقال بعضهم: الشفاعة من النبي () للمؤمنين أن يزادوا في منازلهم من باب التفضيل وقال أهل السنة والاستقامة بشفاعة رسول الله () لأهل الكبائر من أمته.

واختلفوا في تخليد الفساق في النار

فقالت المعتزلة الخوارج بتخليدهم وأن من دخل النار لا يخرج منها وقال أهل السنة والاستقامة أن الله يخرج أهل القبلة الموحدين من النار ولا يخلدهم فيها.

القول في دوام نعيم أهل الجنة ودوام عذاب أهل النار: أجمع أهل الإسلام جميعاً إلا الجهم أن نعيم أهل الجنة دائم لا انقطاع له وكذلك عذاب الكفار في وقال جهم بن صفوان أن الجنة والنار تفنين وتبيدان ويفنى من فيهما حتى لا يبقى إلا الله وحده كما كان وحده لا شيء معه.

وقال أبو الهذيل بانقطاع حركات أهل الجنة والنار وأنهم يسكنون سكوناً دائماً.

وقال قوم أن أهل الجنة ينعمون فيها وأن أهل النار ينعمون فيها بمنزلة دود الخل يتلذذ بالخل ودود العسل يتلذذ بالعسل وهم البطيخية.

واختلفوا في الجنة والنار أخلقتا أم لا

فقال أهل السنة والاستقامة: هما مخلوقتان وقال كثير من أهل البدع: لم تخلقا.

واختلفوا هل تفنيان إذا أفنى الله الأشياء: فثبت ذلك قوم وأنكره آخرون.

واختلفوا في الإرجاء هل يجوز أن يتعبد الله سبحانه به

فأجاز ذلك قوم وأنكره آخرون.

واختلفوا في الصغائر هل كان يجوز أن يأتي فيها وعيد

فأجاز ذلك أبو الهذيل وغيره وقال قائلون: لم يكن يجوز أن يأتي فيها وعيد لأنها مغفورة باجتناب الكبائر باستحقاق.

واختلفوا هل كان يجوز أن يعفو عن الكبائر لولا الأخبار: واختلفوا في غفران الصغائر بأي شيء هو: فقال قائلون: يغفرها الله سبحانه تفضلاً بغير توبة وقال قائلون: يغفرها لمجتنبي الكبائر باستحقاق وقال قوم: لا يغفرها إلا بالتوبة وقد ذكرنا اختلافهم قبل هذا في ماهية الصغائر.

واختلفوا فيما يقع من الإنسان على طريق السهو والخطأ هل يكون معصية

فقال قائلون: قد يكون ذلك معصية وقال قائلون: لا يكون ذلك معصية إلا أن يقع بقصده.

واختلفوا في وجوب التوبة

فقال قائلون: التوبة من المعاصي فريضة وأنكر ذلك آخرون.

واختلف الناس في إكفار المتأولين وتفسيقهم: فحكى زرقان أن المرجئة كلها لا تفسق أهل التأويل لأنهم تأولوا فأخطئوا وهذا غلط منه في الحكاية لأن الأكثر من المرجئة يقولون: كل معصية فسق ويفسقون الخوارج بسفكهم الدماء وسبيهم النساء وأخذ الأموال وإن كانوا متأولين فكيف يحكى عنهم أنهم لا يفسقون أحداً من المتأولين وزعم أكثر المرجئة أنهم لا يكفرون أحداً من المتأولين ولا يكفرون إلا من أجمعت الأمة على إكفاره.

وزعم الجهم أنه لا كفر إلا الجهل ولا كافر إلا جاهل بالله سبحانه وأن قول القائل ثلاث ثلاثة وقال أكثر المرجئة: كل مرتكب معصية بتأويل أو بغير تأويل فهو فاسق.

وزعم أبو شمر أن المعرفة بالله وبما جاء من عنده والإقرار بذلك ومعرفة التوحيد والعدل - يعني قوله في القدر لأنه كان قدرياً - ما كان من ذلك منصوصاً عليه أو مستخرجاً بالعقول مما فيه إثبات عدل الله سبحانه ونفي التشبيه عنه كل ذلك إيمان والشاك فيه كافر.

وقال أبو الهذيل: من شبه الله سبحانه بخلقه أو جوره في حكمه أو كذبه في خبره فهو كافر.

واختلف الناس هل يعد خلاف أهل الأهواء إذا خالفوا في الأحكام خلافاً: فقال قائلون أنهم يكونون خلافاً وقال قائلون: لا يكونون خلافاً.

واختلفوا في الأمة تختلف في الشيء في وقت وتجتمع عليه بعد الاختلاف

فقال قائلون: جائز أن نأخذ بالأمر الأول إذا كان مردوداً إلى أصل وجائز أن نأخذ بالإجماع وقال قائلون: نأخذ بما أجمعوا عليه.

واختلفوا في الأمة هل يجوز أن تجتمع على أمر تختلف في مثله أم لا: فقال أكثر الناس: ذلك جائز وقال عباد: لا يجوز أن تجمع الأمة على أمر تختلف في مثله كما لا يجوز أن تجتمع على شيء تختلف فيه.

واختلف الناس في الناسخ والمنسوخ

هل يجوز أن يكون في الأخبار ناسخ ومنسوخ أم لا يجوز فقال قائلون: الناسخ والمنسوخ في الأمر والنهي.

وغلت الروافض في ذلك حتى زعمت أن الله سبحانه يخبر بالشيء ثم يبدو له فيه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

واختلفوا في القرآن هل ينسخ بالسنة أم لا على ثلاث مقالات

فقال قائلون: لا ينسخ القرآن إلا قرآن وأبوا أن تنسخه السنة.

وقال قائلون: السنة تنسخ القرآن والقرآن لا ينسخها وقال قائلون: القرآن ينسخ السنة والسنة تنسخ القرآن.

واختلفوا هل يكون قول الله عز وجل: " افعلوا! " أمراً بنفس ظاهره أم لا: فثبت ذلك مثبتون وقال قائلون: لا حتى يدل على أنه فرض ذلك الشيء.

القول فيمن له أن يجتهد: قال أهل الاجتهاد: لا يجوز الاجتهاد إلا لمن علم ما أنزل الله عز وجل في كتابه من الأحكام وعلم السنن وما أجمع عليه المسلمون حتى يعرف الأشياء والنظائر ويرد الفروع إلى الأصول وقالوا في المستفتي أن له أن يفتي فيقلد بعض المفتين.

وقال بعض أهل القياس: ليس للمستفتي أن يقلد وعليه أن ينظر ويسأل عن الدليل والعلة حتى القول فيما يعلم بالاجتهاد هل يكون ديناً: قال قائلون: هو دين وقال قائلون: ليس بدين.

واختلف الناس في البلوغ

فقال قائلون: لا يكون البلوغ إلا بكمال العقل ووصفوا العقل فقالوا: منه علم الاضطرار الذي يفرق الإنسان به بين نفسه وبين الحمار وبين السماء وبين الأرض وما أشبه ذلك ومنه القوة على اكتساب العلم وزعموا أن العقل الحس نسميه عقلاً بمعنى أنه معقول وهذا قول أبي الهذيل.

وقال قائلون: البلوغ هو تكامل العقل والعقل عندهم هو العلم وإنما سمي عقلاً لأن الإنسان يمنع نفسه به عما لا يمنع المجنون نفسه عنه وأن ذلك مأخوذ من عقال البعير وإنما سمي عقاله عقالاً لأنه يمنع به وزعم صاحب هذا القول أن هذه العلوم كثيرة منها اضطرار وأنه قد يمكن أن يدركه الإنسان قبل تكامل العقل فيه بامتحان الأشياء واختبارها والنظر فيها وفي بعض ما هو داخل في جملة العقل كنحو تفكر الإنسان إذا شاهد الفيل أنه لا يدخل في خرق إبرة بحضرته فنظر في ذلك وفكر فيه حتى علم أنه يستحيل دخوله في خرق إبرة وإن لم يكن بحضرته فإذا تكاملت هذه العلوم في الإنسان كان بالغاً ومن لم يمتحن الأشياء فجائز أن يكمل الله سبحانه له العقل ويخلقه فيه ضرورة فيكون بالغاً كامل العقل مأموراً مكلفاً.

ومنع صاحب هذا القول أن تكون القوة على اكتساب العلم عقلاً غير أنه وإن لم تكن عنده عقلاً فليس بجائز أن يكلف الإنسان حتى يتكامل عقله ويكون مع تكامل عقله قوياً على اكتساب العلم بالله وزعم صاحب هذا القول أنه لا يجب على الإنسان التكليف ولا يكون كامل العقل ولا يكون بالغاً إلا وهو مضطر إلى العلم بحسن النظر وأن التكليف لا يلزمه حتى يخطر بباله أنك لا تأمن إن لم تنظر أن يكون للأشياء صانع يعاقبك بترك النظر أو ما يقوم مقام هذا الخاطر من قول ملك أو رسول أو ما أشبه ذلك فحينئذ يلزمه التكليف ويجب عليه النظر والقائل بهذا القول محمد بن عبد الوهاب الجبائي.

وقال قائلون: لا يكون الإنسان بالغاً كاملاً داخلاً في حد التكليف إلا مع الخاطر والتنبيه وأنه لا بد في العلوم التي في الإنسان والقوة التي فيه على اكتساب العلوم من خاطر وتنبيه وإن لم يكن مضطراً إلى العلم بحسن النظر وهذا قول بعض البغداذيين.

وقال قائلون: لا يكون الإنسان بالغاً إلا بأن يضطر إلى علوم الدين فمن اضطر إلى العلم بالله وبرسله وكتبه فالتكليف له لازم والأمر عليه واجب ومن لم يضطر إلى ذلك فليس عليه تكليف وهو بمنزلة الأطفال وهذا قول ثمامة بن أشرس النميري.

وأكثر المتكلمين متفقون على أن البلوغ كمال العقل.

وقال كثير من المتفقهة: لا يكون الإنسان بالغاً إلا بأحد شيئين إما أن يبلغ الحلم مع سلامة العقل أو تأتي عليه خمس عشرة سنة وذهب ذاهبون إلى سبع عشرة سنة.

وقد شذ عن جملة الناس شاذون فقالوا: لا يكون الإنسان بالغاً ولو أتت عليه ثلاثون سنة وأكثر منها مع سلامة العقل حتى يحتلم.

وهذا ذكر اختلاف الناس في الأسماء والصفات الحمد لله الذي بصرنا خطأ المخطئين وعمى العمين وحيرة المتحيرين الذين نفوا صفات رب العالمين وقالوا أن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه لا صفات له وأنه لا علم له ولا قدرة ولا حياة له ولا سمع له ولا بصر له ولا عز له ولا جلال له ولا عظمة له ولا كبرياء له وكذلك قالوا في سائر صفات الله عز وجل التي يوصف بها لنفسه وهذا قول أخذوه عن إخوانهم من المتفلسفة الذين يزعمون أن للعالم صانعاً لم يزل ليس بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير ولا قديم وعبروا عنه بأن قالوا: نقول عين لم يزل ولم يزيدوا على ذلك غير أن هؤلاء الذين وصفنا قولهم من المعتزلة في الصفات لم يستطيعوا أن يظهروا من ذلك ما كانت الفلاسفة تظهره فأظهروا معناه بنفيهم أن يكون للبارئ علم وقدرة وحياة وسمع وبصر ولولا الخوف لأظهروا ما كانت الفلاسفة وقد أفصح بذلك رجل يعرف بابن الإيادي كان ينتحل قولهم فزعم أن البارئ سبحانه عالم قادر سميع بصير في المجاز لا في الحقيقة ومنهم رجل يعرف بعباد بن سليمان يزعم أن البارئ عالم قادر سميع بصير حكيم جليل في حقيقة القياس.

وقد اختلفوا فيما بينهم اختلافاً تشتتت فيه أهواؤهم واضطربت فيه أقاويلهم: فقال شيخهم أبو الهذيل العلاف أن علم البارئ سبحانه هو هو وكذلك قدرته وسمعه وبصره وحكمته وكذلك كان قوله في سائر صفات ذاته وكان يزعم أنه إذا زعم أن البارئ عالم فقد ثبت علماً هو الله ونفى عن الله جهلاً ودل على معلوم كان أو يكون وإذا قال أن البارئ قادر فقد ثبت قدرة هي الله ونفى عن الله عجزاً ودل على مقدور يكون أو لا يكون وكذلك كان قوله في سائر صفات الذات على هذا الترتيب وكان إذا قيل له: حدثنا عن علم الله سبحانه الذي هو الله أتزعم أنه قدرته أبى ذلك فإذا قيل له: فهو غير قدرته أنكر ذلك وهذا نظير ما أنكره من قول مخالفيه أن علم الله لا يقال هو الله ولا يقال غيره وكان إذا قيل له: إذا قلت أن علم الله هو الله فقل أن الله تعالى علم ناقض ولم يقل أنه علم مع قوله أن علم الله هو الله وكان يسأل الثنوية فيقول لهم: إذا قلتم أن تباين النور والظلمة هو هما وأن امتزاجهما هو هما فقولوا أن التباين هو الامتزاج وكان يسأل من يزعم أن طول الشيء هو هو وكذلك عرضه هل طوله هو عرضه وهذا راجع عليه في قوله أن علم الله هو الله وأن قدرته هي هو لأنه إذا كان علمه هو هو وقدرته هي هو فواجب أن يكون علمه هو قدرته وإلا لزم التناقض كما لزم أصحاب الاثنين.

وهذا أخذه أبو الهذيل عن أرسطاطاليس وذلك أن أرسطاطاليس قال في بعض كتبه أن البارئ علم كله قدرة كله حياة كله سمع كله بصر كله فحسن اللفظ عند نفسه وقال: علمه هو هو وقدرته هي هو.

وكان يقول أن لمقدورات الله ومعلوماته مما يكون ومما لا يكون كلاً وغاية وجميعاً كما أن لما كان كلاً وجميعاً وأن أهل الجنة تنقطع حركاتهم فيسكنون سكوناً دائماً لا يتحركون وكان يقول بانقطاع الأكل والشرب والنكاح.

وكان أبو الهذيل إذا قيل له: أتقول أن لله عالماً قال: أقول أن له علماً هو هو وأنه عالم بعلم هو هو وكذلك كان قوله في سائر صفات الذات فنفى أبو الهذيل العلم من حيث أوهم أنه ثبته وذلك أنه لم يثبت إلا البارئ فقط وكان يقول: معنى أن الله عالم معنى أنه قادر ومعنى أنه حي أنه قادر وهذا له لازم إذا كان لا يثبت للبارئ صفات لا هي هو ولا يثبت إلا البارئ فقط.

وكان إذا قيل له: فلم اختلفت الصفات فقيل عالم وقيل قادر وقيل حي قال: لاختلاف المعلوم وحكى عنه جعفر بن حرب أنه كان لا يقول أن الله سبحانه لم يزل سميعاً ولا بصيراً لا على أن يسمع ويبصر لأن ذلك يقتضي وجود المسموع والمبصر.

فأما النظام فإنه كان ينفي العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر وصفات الذات ويقول أن الله لم يزل عالماً حياً قادراً سميعاً بصيراً قديماً بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة وسمع وبصر وقدم وكذلك قوله في سائر صفات الذات وكان يقول: إذا ثبت البارئ عالماً قادراً حياً سميعاً بصيراً قديماً أثبت ذاته وأنفي عنه الجهل والعجز والموت والصمم والعمى وكذلك قوله في سائر صفات الذات على هذا الترتيب فإذا قيل له: فلم اختلف القول عالم والقول قادر والقول حي وأنت لا تثبت إلا الذات فما أنكرت أن يكون معنى عالم معنى قادر ومعنى حي قال: لاختلاف الأشياء المتضادات المنفية عنه من الجهل والعجز والموت فلم يجب أن يكون معنى عالم معنى قادر ولا معنى عالم معنى حي.

وكان يقول: إن قولي عالم قادر سميع بصير إنما هو إيجاب التسمية ونفي التضاد وكان إذا قيل له: تقول أن لله علماً قال: أقول ذلك توسعاً وأرجع إلى تثبيته عالماً وكذلك أقول لله قدرة وأرجع إلى إثباته قادراً وكان لا يقول: له حياة وسمع وبصر لأن الله سبحانه أطلق العلم فقال: " أنزله بعلمه " وأطلق القوة فقال: " أشد منهم قوة " ولم يطلق الحياة والسمع والبصر.

وكان يقول أن الإنسان حي قادر بنفسه لا بحياة وقدرة كما يقول في البارئ سبحانه ويقول أنه عالم بعلم وأنه قد يدخل في الإنسان آفة فيصير عاجزاً ويدخل عليه آفة فيصير ميتاً.

وأما ضرار بن عمرو فكان يقول: أذهب من قولي أن الله سبحانه عالم إلى نفي الجهل ومن قولي قادر إلى نفي العجز وهو قول عامة المثبتة.

وأما معمر فحكى عنه محمد بن عيسى السيرافي النظامي أنه كان يقول أن البارئ عالم بعلم وأن علمه كان علماً له لمعنى وكان المعنى لمعنى لا إلى غاية وكذلك قوله في سائر صفات الذات فقال في الله عز وجل بالمعاني وأنه عالم لمعان لا نهاية لها قادر حي سميع بصير لمعان لا غاية لها أخبرني بذلك عن محمد بن عيسى أبو عمر الفراتي.

وقال هشام بن عمرو الفوطي أن الله لم يزل عالماً قادراً حياً وكان إذا قيل له: أتقول أن الله لم يزل عالماً بالأشياء أنكر ذلك وقال: أقول أنه لم يزل عالماً أنه واحد ولا أقول بالأشياء لأن قولي بالأشياء إثبات أنها لم تزل وقولي أيضاً بأن ستكون الأشياء إشارة إليها ولا يجوز أن أشير إلا إلى موجود.

وكان يقول أن ما عدم وتقضى شيء ولا أقول أن ما لم يكن ولك يوجد شيء.

وكان لا يقول حسبنا الله ونعم الوكيل ولا يقول أن الله يعذب بالنار.

وهذه العلة التي اعتل بها هشام في العلم أخذها عن بعض الأزلية لأن بعض الأزلية يثبت قدم الأشياء مع بارئها وقالوا: قولنا لم يزل الله عالماً بالأشياء يوجب أن تكون الأشياء لم تزل فلذلك قلنا بقدمها فقال الفوطي: لما استحال قدم الأشياء لم يجز أن يقال لم يزل عالماً بها وكان لا يثبت لله علماً ولا قدرة ولا حياة ولا سمعاً ولا بصراً ولا شيئاً من صفات الذات.

وأنكر أكثر الروافض أن يكون الله سبحانه لم يزل عالماً وكانت أقيس لقولها من الفوطي فقالت بحدث العلم.

وقالت عامة الروافض إلا شرذمة قليلة أن الله سبحانه لا يعلم ما يكون قبل أن يكون.

وفريق منهم يقولون: لا يعلم الشيء حتى يؤثر أثره والتأثير عندهم الإرادة فإذا أراد الشيء علمه وإذا لم يرده لم يعلمه ومعنى أنه أراد عندهم تحرك حركة فإذا تحرك تلك الحركة علم الشيء وإلا لم يجز الوصف له بأنه عالم به وزعموا أنه لا يوصف بالعلم بما لا يكون.

وفريق منهم يقولون: لا يعلم الله الشيء حتى يحدث له إرادة فإذا أحدث له الإرادة لأن يكون كان عالماً بأنه يكون وإن أحدث الإرادة لأن لا يكون كان عالماً بأنه لا يكون وإن لم يحدث الإرادة لأن لا يكون ولا لأن يكون لم يكن عالماً بأنه يكون ولا عالماً بأنه لا يكون.

ومنهم من يقول: معنى يعلم هو معنى يفعل فإن قلت لهم: تقولون أنه لم يزل عالماً بنفسه اختلفوا فمنهم من يقول: لم يكن يعلم نفسه حتى خلق العلم لأنه قد كان ولما يفعل ومنهم من يقول: لم يزل يعلم نفسه فإن قلت لهم: فلم يزل يفعل قالوا: نعم ولا نقول يقدم الفعل.

ومنهم من يقول: العلم صفة لله سبحانه في ذاته وأنه عالم في نفسه غير أنه لا يوصف بأنه عالم حتى يكون الشيء فإذا كان قيل عالم به وما لم يكن الشيء لم يوصف بأنه عالم به لأن الشيء ليس وليس يصح العلم بما ليس وهذا قول يحكى عن السكاكية.

وفريق يقولون: لم يزل الله عالماً والعلم صفة له في ذاته ولا يوصف بأنه عالم بالشيء حتى يكون كما أن الإنسان موصوف بالبصر والسمع ولا يقال أنه بصير بالشيء حتى يلاقيه الشيء ولا سميع له حتى يرد على سمعه وكما يقال عاقل ولا يقال عقل الشيء ما لم يرد عليه.

وحكى الجاحظ أن هشام بن الحكم قال أن الله سبحانه إنما علم ما تحت الثرى بالشعاع المنفصل منه الذاهب في عمق الأرض فلولا ملامسته لما هناك بشعاعه لما درى ما هناك فزعم أن بعضه مشوب وهو شعاعه وأن الشوب محال على بعضه.

وطائفة يقولون أن معبودهم لا يوصف بأنه لم يزل قادراً ولا إلهاً ولا رباً ولا عالماً ولا سميعاً ولا بصيراً حتى يحدث الأشياء لأن الأشياء التي كانت قبل أن تكون ليست بشيء ولن يجوز أن يوصف بالقدرة على غير شيء.

وعامة الروافض يصفون معبودهم بالبداء ويزعمون لأنه تبدو له البدوات.

ويقول بعضهم: قد يأمر ثم يبدو له وقد يريد أن يفعل الشيء في وقت من الأوقات ثم لا يفعله لما يحدث له من البداء وليس على معنى النسخ ولكن على معنى أنه لم يكن في الوقت الأول عالماً بما يحدث له من البداء.

وسمعت شيخاً من مشايخ الرافضة وهو الحسن بن محمد بن جمهور يقول: ما علمه الله سبحانه أن يكون ولم يطلع عليه أحداً من خلقه فجائز أن يبدو له فيه وما اطلع عليه عباده فلا يجوز أن يبدو له فيه.

وقالت طائفة أن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون إلا أعمال العباد فإنه لا يعلمها إلا في حال كونها لأنه لو علم من يعصي ممن يطيع حال بين العاصي وبين المعصية.

وقالت طائفة من المعتزلة أن الوصف لله بأنه سميع من صفات الذات غير أنه لا يقال يسمع الشيء في حال كونه وقد ذهب إلى هذا القول محمد بن عبد الوهاب الجبائي وزعم أنه يقال أن الله لم يزل سميعاً ولا يقال لم يزل سامعاً ولا يقال لم يزل يسمع فيلزمه إذا لم يقل البارئ لم يزل سامعاً أن يقول: لم يزل لا سامعاً وإذا لم يقل: لم يزل يسمع أن يقول: لم يزل لا يسمع وإذا لم يقل: لم يزل مبصراً مدركاً أن يقول: لم يزل لا مبصراً ولا مدركاً كما ألزم من لم يقل أن الله لم يزل عالماً أن وكذلك يلزم عباداً في إنكاره القول أن الله لم يزل سميعاً بصيراً أن يقول أن الله غير سميع ولا بصير كما ألزم من لم يقل أن الله لم يزل عالماً قادراً أن يقول: لم يزل غير عالم ولا قادر ويقال له: أليس لا تقول أن الله لم يزل سميعاً ولا تلزم نفسك أن يكون له سمع محدث فما الذي تنفصل به من مخالفيك إذا أنكروا القول أن القديم لم يزل عالماً ولم يقولوا أنه ذو علم محدث.

وقال شيطان الطاق وكثير من الروافض أن الله عالم في نفسه ليس بجاهل ولكنه إنما يعلم الأشياء إذا قدرها وأرادها فأما من قبل أن يقدرها ويريدها فمحال أن يعلمها لا لأنه ليس بعالم ولكن الشيء لا يكون شيئاً حتى يقدره وينشئه بالتقدير والتقدير عندهم الإرادة.

وحكى أبو القاسم البلخي عن هشام بن الحكم أنه كان يقول: محال أن يكون الله لم يزل عالماً بنفسه وأنه إنما يعلم الأشياء بعد أن لم يكن بها عالماً وأنه يعلمها بعلم وأن العلم صفة له ليست هي هو ولا غيره ولا بعضه ولا يجوز أن يقال في العلم أنه محدث أو قديم لأنه صفة والصفة عنده لا توصف قال: ولو كان لم يزل عالماً لكان المعلوم لم يزل لأنه لا يصح عالم إلا بمعلوم موجود قال: ولو كان عالماً بما يفعله عباده لم يصح المحنة والاختبار وليس قول هشام في القدرة والحياة قوله في العلم إلا أنه لا يقول بحدثهما ولكنه يزعم أنهما صفتان لله لا هما الله ولا هما غيره ولا هما بعضه وإنما نفى أن يكون عالماً لما ذكرناه وحكى حاك أن قول هشام في القدرة كقوله في وقال جهم أن علم الله محدث هو أحدثه فعلم به وأنه غير الله وقد يجوز عنده أن الله يكون عالماً بالأشياء كلها قبل وجودها بعلم يحدثه قبلها.

وحكى عنه حاك خلاف هذا فزعم أن الذي بلغه عنه أنه كان يقول أن الله يعلم الشيء في حال حدوثه ومحال أن يكون الشيء معلوماً وهو معدوم لأن الشيء عنده هو الجسم الموجود وما ليس بموجود فليس بشيء فيعلم أو يجهل فألزمه مخالفوه أن لله علماً محدثاً إذ زعمأن الله قد كان غير عالم ثم علم ويجب على أصله أن يقول في القدرة والحياة كقوله في العلم.

واختلفوا في العلم من وجه آخر

فقال كثير منهم أن الله لم يزل عالماً أنه يعذب الكافر إن لم يتب وأنه لا يعذبه إن تاب.

وأنكر ذلك هشام الفوطي ومن ذهب مذهبه وعباد ومن قال بقوله فقال هؤلاء: لا يجوز لما فيه من الشرط والله تعالى لا يوصف بأنه يعلم على شرط والشرط في المعلوم لا في العالم.

وكان عباد بن سليمان صاحب الفوطي يقول أن الله لم يزل عالماً قادراً حياً وأنه لم يزل عالماً بمعلومات قادراً على مقدورات عالماً بأشياء وجواهر وأعراض وأفعال فإذا قيل له: تقول أن الله لم يزل عالماً بالمخلوقات وبالأجسام وبالمؤلفات أنكر ذلك وكلن يقول أن الأشياء أشياء قبل كونها وأن الجواهر جواهر قبل كونها وأن الأعراض أعراض قبل كونها والمخلوقات كانت بعد أن لم تكن ولا أن حقيقته أنه لم يكن ثم كان كما يقول سائر الناس وكان يأبى ذلك ويقول أن حقيقة المحدث أنه مفعول.

وكان إذا قيل له: تقول أن البارئ عالم بنفسه أو يعلم أنكر القول بنفسه أو بعلم وقال: قولكم عالم صواب وقولكم بنفسه خطأ وقولكم بعلم خطأ وكلك القول بذاته خطأ.

وكان ينكر قول من قال أن لله عز وجل وجهاً وينكر القول وجه الله ونفس الله وينكر القول ذات الله وينكر أن يكون الله ذا عين وأن يكون له يدان هما يداه.

وكان يقول أن الله غير لا كالأغيار ولا يقول أنه معنى.

وكان إذا قيل له: تقول أن الله عالم قادر حي سميع بصير عزيز عظيم جليل في حقيقة القياس أنكر ذلك ولم يقله.

وكان لا يقول أن البارئ قبل الأشياء ولا يقول أنه أول الأشياء ولا يقول أن الأشياء كانت بعده.

وكان لا يقول أن الله لطيف وحكى لي حاك أنه كان يطلق ذلك مقيداً فيقول لطيف بعباده.

واكن إذا قيل له: أتقول أن لله علماً قال: خطأ أن يقال له علم وأنه ذو علم وأنه عالم بعلم فإذا قيل له: تقول أنه لا علم لله قال: خطأ أن يقال لا علم له وكذلك في سائر ما سمي به البارئ.

وكان يقول أن القديم لم يزل في حقيقة القياس لأن ما لم يزل فقديم والقديم لم يزل وليس يقال في وكان لا يقول أن الله لم يزل سميعاً بصيراً ولا يقول لم يزل السميع البصير ويقول أن الله السميع البصير لم يزل ويقول أن الله سميع بصير لم يزل.

وكان إذا سئل عن معنى القول أن الله عالم قال: إثبات اسم لله سبحانه ومعه علم بمعلوم والقول قادر إثبات اسم لله سبحانه ومعه على بمقدور والقول سميع إثبات اسم لله ومعه علم بمسموع والقول بصير إثبات اسم لله سبحانه ومعه علم بمبصر وكان لا يقول أن له سمعاً ولا يقول أنه ذو سمع قديم ولا أنه ذو سمع محدث وكذلك جوابه إذا سئل عن القول بصير ومعنى القول حي إثبات اسم لله عنده ومعنى القول في الله أنه قديم أنه لم يزل.

وكان يقول: معنى حي معنى قادر ولا معنى عالم معنى قادر ولا يقول معنى سميع بصير معنى عالم بالمسموعات والمبصرات كما يقول ذلك البغداذيون.

وكان يقول أن صفات البارئ هي الأقوال كنحو القول يعلم ويقدر ويسمع ويبصر وأن الأسماء هي الأقوال كنحو القول عالم قادر حي سميع بصير وكان يقول: أسماء الله سبحانه ما أجمعت الأمة على تخطئة نافيه وكل اسم أجمعوا على تخطئة نافيه فهو من أسمائه كالقول عالم أجمعت الأمة على تخطئة من قال أن الله سبحانه ليس بعالم وكالقول قادر أجمعت الأمر على تخطئة من قال ليس بقادر وكذلك سائر أسمائه وما لم يجمعوا على تخطئة نافيه فليس من أسمائه.

وكان لا يقول أن البارئ لم يزل قادراً على أن يخلق ولا يقول لم يزل قادراً على الأجسام والمخلوقات ولا يقول أن البارئ لم يزل جواداً محسناً عادلاً ولا منعماً متفضلاً خالقاً مكلماً صادقاً مختاراً مريداً راضياً ساخطاً موالياً معادياً ويقول: هذه أسماء يسمى بها البارئ سبحانه لفعله وزعم أن الأسماء على وجوه منها ما يسمى به البارئ لا لفعله ولا لفعل غيره كالقول عالم قادر حي سميع بصير قديم إله ومنها ما يسمى به لفعله كالقول خالق رازق بارئ متفضل محسن منعم ومنها ما يسمى به لفعل غيره كالقول معلوم ومدعو وكان إذا قيل له: فتقول أن الله سبحانه لم يزل غير خالق وغير رازق وغير منعم وغير متفضل أنكر ذلك ولم يقل لم يزل خالقاً ولم يقل لم يزل غير خالق وقد حكي عنه أنه قال: لم يزل رحماناً.

وكان لا يستدل بالشاهد على الغائب ولا يستدل بالأفعال على أن البارئ عالم حي قادر وكان ينكر دلالة مجيء الشجرة وكلام الذئب وسائر الأعراض على نبوة رسول الله () ويقول: لا أقول ذلك يدل ولا أقول لا يدل وكان لا يستدل على البارئ بالأعراض.

وكان لا يقول أن الله فرد وينكر القول بذلك وكان يقول ما حكينا عنه من أنه لا يستدل بالأعراض وإذا قيل له: من كم وجه يعرف الحق قال: من كتاب الله عز وجل وإجماع المسلمين وحجج العقول وهذا نقض قوله: لا أقول أن الأعراض تدل على الحق.

وكان الناشي لا يستدل بالأفعال المشتقة في الحكمة من البارئ على أن فاعلها عالم قادر لأنها قد تظهر من الإنسان وليس بعالم في الحقيقة ولا قادر وكان يزعم أن البارئ عالم قادر سميع بصير حكيم عزيز عظيم جليل كبير في الحقيقة والإنسان يسمى بهذه الأسماء على المجاز وكان يقول أن الاسم إذا وقع على المسميين لم يخل من أربعة أقسام: إما أن يكون وقع عليهما لاشتباه ذاتيهما كقولنا جوهر وجوهر وإما أن يكون وقع عليهما لاشتباه ما احتملته الذاتان كقولنا متحرك ومتحرك وأسود وأسود أو يكون وقع عليهما لمضاف أضيفا إليه وميزا منه لولاه ما كانا كذلك كقولنا محسوس ومحسوس ومحدث ومحدث أو يكون وقع عليهما وهو في أحدهما بالمجاز وفي الآخر بالحقيقة كقولنا للصندل المجتلب من معدنه صندل وهو واقع عليه في الحقيقة وقولنا للإنسان صندل وهو تسمية له على المجاز قال: فإذا قلنا أن البارئ عالم والإنسان عالم والإنسان قادر والبارئ قادر وكذلك حي وحي فليس هذا واقعاً عليهما لاشتباه ذاتيهما ولا لاشتباه ما احتملته الذاتان ولا لمضاف أضيفا إليه وميزا منه وإنما يقع ذلك عليهما وهو في البارئ سبحانه بالحقيقة وفي الإنسان بالمجاز وكان يقول أن البارئ سبحانه غير المحدثات في الحقيقة وهي غيره في الحقيقة وهذا نقض دليله هذا وكان لا يقول أن الإنسان فاعل في الحقيقة ولا محدث في الحقيقة ولا يقول أن البارئ سبحانه أحدث كسبه وفعله.

وأما أبو الحسن محمد بن مسلم المعروف بالصالحي فإنه كان يقول أن البارئ سبحانه لم يزل عالماً بمعلومات وأجسام مؤلفات ومخلوقات في أوقاتها ولم يزل يعلم موجوداً في وقت كذا ولم يزل عالماً بأن إذا كان وقت كذا فالمخلوق مخلوق فيه ولا يثبت المعلومات قبل كونها معلومات ولا مقدورات ولا أشياء قبل كونها.

وكان ينفي العلم والقدرة وسائر الصفات ويقول: معنى أن البارئ شيء لا كالأشياء أنه قادر لا كالقادرين ومعنى أنه حي لا كالأحياء هو معنى أنه عالم لا كالعلماء وكذلك كان يقول في سائر الأسماء والصفات للذات وإنما هذا بمنزلة قول القائل أقبل وهلم وتعال والمعنى واحد.

وبلغني أن ابن النجراني كان يقول: لا معلوم إلا موجود فقيل له: فكيف تقول في المقدور فقال: لا أقول أن مقدوراً في الحقيقة لأنه كان يحيل القدرة على الموجود وكان الصالحي يقول: القدرة على الشيء في وقته وقبل وقته ومعه وكان يثبته مقدوراً موجوداً في حال كونه.

وكان ابن الراوندي يقول أن المعلومات معلومات قبل كونها وأنه لا شيء إلا موجود وأن المأمور به والمنهي عنه وكذلك كل ما تعلق بغيره يوصف به الشيء قبل كونه وكل ما كان رجوعاً إلى نفس الشيء لم يسم ولم يوصف به قبل كونه.

وكان الصالحي يخطئ من قال: إذا ثبت الله عالماً نفيت جهلاً وإذا ثبته قادراً نفيت عجزاً.

وكان يجيز أن يقدر الله عز وجل الميت فيفعل وهو ميت غير حي وإذا جاز أن يقدر منا من ليس بحي ويظهر الفعل منا ممن ليس بحي فقد بطلت دلالة أفعال البارئ على أنه حي وبطل أن يدل أنه حي على أنه قادر إذا جاز أن يقدر عنده من ليس بحي.

وبلغني أن سائلاً سأله مرة فقال: من أين علمت أن البارئ حي فلم يأت بجواب مقنع وأن سائلاً سأله فقال: إذا كان معنى أسماء الله لذاته أنه شيء لا كالأشياء فهل يجوز أن يسمي نفسه جاهلاً بدلاً من تسميته عالماً واللغة بحالها إذا كان لا يرجع بقوله لا كالعلماء إلا إلى معنى أنه شيء لا كالأشياء فأجاز ذلك فقال له: وكذلك يسمي نفسه عاجزاً ومواتاً ويسمي نفسه إنساناً ويسمي نفسه حماراً ويسمي نفسه فرساً ومعنى ذلك أنه لا كالأشياء فأجاز ذلك نعوذ بالله من الخذلان المتهور ومن الحور بعد الكور ومن الكفر بعد الإيمان.

وبلغني أن أبا الحسين سأله سائل فقال له: إذا قلت أن البارئ متكلم بكلام في غيره فقل: يسكت بسكوت في غيره! فقال: كذلك أقول فوصف الله سبحانه بالسكوت.

وأما البغداذيون فيقولون أن البارئ لم يزل عالماً كبيراً قادراً حياً سميعاً بصيراً إلهاً قديماً عزيزاً عظيماً غنياً جليلاً واحداً أحداً فرداً سيداً مالكاً رباً قاهراً رفيعاً عالياً كائناً موجوداً أولاً باقياً رائياً مدركاً سامعاً مبصراً بنفسه لا بعلم وحياة وقدرة وسمع وبصر وإلهية وقدم وعزة وعظم ولا بجلال وكبرياء وعنى ولا سودد وقهر وربوبية وبقاء وكذلك سائر صفات الذات وهم ينفون صفات الذات أجمع ويقولون البارئ شيء لا كالأشياء وأنه لم يزل عالماً بالأشياء قبل كونها أجسامها وأعراضها وأن الجسم جسم قبل كونه مؤلف قبل كونه.

وغلا بعضهم حتى قال: مؤمن في الصفة قبل كونه كافر في الصفة وأنه ملعون في الصفة ومثاب في الصفة ومعاقب في الصفة قبل كونه وأنه يصرخ ويستغيث من العذاب في الصفات وأن في الصفات مثل هذا العالم عوالم لا يحصيها إلا الله تتحرك وتسكن.

وبلغني أن بعضهم أجاب إلى أن المخلوق مخلوق قبل كونه وهذا من غريب التجاهل.

وقال بعض الحوادث منهم أن المعلوم معلوم قبل كونه وكذلك المقدور وكل ما كان متعلقاً بغيره كالمأمور به والمنهي عنه وأنه لا شيء إلا موجود ولا جسم إلا موجود.

ومن البغداذيين من يقول أن المعلومات معلومات قبل كونها والأشياء أشياء قبل كونها ويمنع أجساماً وجواهر وأعراضاً.

وبعض البصريين وهو الشحام وطوائف من البغداذيين يقولون: ما استحال أن يوصف الشيء به في حال وجوده فمستحيل أن يوصف به قبل كونه كالقول متحرك ومؤمن وكافر فأما جسم مؤلف فقد يوصف به في حال كونه فألزم هؤلاء أن يقولوا موجود قبل كونه فأبوا ذلك.

وأنكروا أن يكون البارئ سبحانه لم يزل مريداً متكلماً راضياً ساخطاً موالياً معادياً جواداً حكيماً عادلاً محسناً صادقاً خالقاً رازقاً وزعموا أن هذا أجمع من صفات الأفعال وزعموا أن الصفات على وجوه فمنها ما يوصف به البارئ لنفسه كالقول عالم قادر حي سميع بصير وشيء يوصف به لفعله كالقول خالق رازق محسن منعم متفضل عادل جواد حكيم متكلم صادق آمر ناه مادح ذام محي مميت ممرض مصح وما أشبه ذلك وشيء يوصف به البارئ لذاته وقد يوصف به لفعله كالقول حكيم بمعنى عليم من صفات النفس والقول حكيم على طريق الاشتقاق من فعله الحكمة من صفات الفعل وكالقول صمد بمعنى سيد يوصف به لذاته وقد يوصف به بمعنى أنه مصمود إليه في النوائب فيوصف به من طريق الاشتقاق من الفعل ومعنى أن الله عالم عندهم أنه متبين للأشياء وأنه لا يخفى عليه شيء ومعنى أنه قادر أنه يمكنه الفعل ويجوز منه.

وزعم أكثرهم أن معنى القول أنه حي أنه قادر ومعنى أنه سميع أنه لا يخفى عليه الأصوات والكلام ومعنى أنه بصير أنه لا يخفى عليه المبصرات ومعنى أن الله راء عندهم أنه عالم.

وكان الإسكافي يقول أن الله لم يزل سامعاً مبصراً ببصر وسمع وأنه لم يزل مدركاً.

واختلف البغداذيون في القول أن الله كريم هل هو من صفات الذات أو من صفات الفعل: فقال عيسى الصوفي: الوصف لله بأنه كريم من صفات الفعل والكرم هو الجود وكان إذا قيل له: فتقول أن القديم لم يزل غير كريم قال: هذا لا يلزمني كما لا يلزمني إذا كان الإحسان والعدل من صفات الفعل أن أقول: لم يزل البارئ غير صادق ولا عادل ولا محسن لأن ذلك يوهم الذم فكذلك وإن كان الكرم فعلاً فإني لا أقول أن الله لم يزل غير كريم.

وكان الإسكافي يقول: كريم يحتمل وجهين: أحدهما صفة فعل إذا كان الكرم بمعنى الجود والآخر صفة نفس إذا أريد به الرفيع العالي على الأشياء بنفسه وحجته في ذلك أنه يقال: أرض كريمة يراد بذلك أي هي أرفع الأرضين ويقال: فرس رافع كريم.

وكان الجبائي يقول: كريم بمعنى عزيز من صفات الله لذاته وكريم بمعنى أنه جواد معط من صفات الفعل وكان إذا قيل له: إذا قلت أن الإحسان فعل فقل أن الله سبحانه لم يزل غير محسن! قال: أقول غير محسن ولا مسيء حتى يزول الإيهام ولم يزل غير عادل ولا جائر ولم يزل غير صادق ولا كاذب وكذلك لم يزل غير حليم ولا سفيه وكذلك يقول: لم يزل لا خالق ولا رازق.

والمعتزلة كلها إلا عباداً يقولون أن الوصف لله بأنه رحمان وأنه رحيم من صفات الفعل وكان عباد يقول: لم يزل الله رحماناً.

وكان حسين النجار يزعم أن الله لم يزل جواداً بنفي البخل عنه لا على أنه أثبت جواداً.

وكافة المعتزلة يقولون أن الوصف لله بأنه حليم جواد كريم محسن صادق خالق رازق من صفات الفعل والبغداذيون يقولون أن الوصف لله بأنه حليم معناه أنه ناه عن السفه كاره له.

وكثير من البغداذيين يعبرون في الصفات وفي معنى القول أن الله عالم قادر بعبارة وكذلك قول النظام.

وفي البغداذيين من يقول: لله علم بمعنى أنه عالم وله قدرة بمعنى أنه قادر ولا يقولن له حياة بمعنى أنه حي وله سمع بمعنى أنه سميع لأن الله سبحانه أطلق العلم والقوة ولم يطلق الحياة والسمع.

ومنهم من يقول: لله علم بمعنى معلوم كما قال: " ولا يحيطون بشيء من علمه " أي من معلومه وله قدرة بمعنى مقدور كما يقول المسلمون إذا رأوا المطر: هذه قدرة الله بمعنى مقدوره.

والمعتزلة تفرق بين صفات الذات وصفات الأفعال بأن صفات الذات لا يجوز أن يوصف البارئ بأضدادها ولا بالقدرة على أضدادها كالقول عالم لا يوصف بالجهل ولا بالقدرة على أن يجهل وصفات الأفعال يجوز أن يوصف البارئ سبحانه بأضدادها وبالقدرة على أضدادها كالإرادة يوصف البارئ بضدها من الكراهة وبالقدرة على أن يكره وكذلك الحب يوصف البارئ بضده من البغض وكذلك الرضى والسخط والأمر والنهي والصدق قد يوصف البارئ بالقدرة على ضده من الكذب وإن لم يوصف بالكذب وقد يوصف بالمتضاد من كلامه كالأمر والنهي وكل اسم اشتق للبارئ من فعله كالقول متفضل منعم محسن خالق رازق عادل جراد وما أشبه ذلك فهو من صفات الفعل وكذلك كل اسم اشتق للبارئ من فعل غيره كالقول معبود من العبادة وكالقول مدعو من دعاء غيره إياه فليس من صفات الذات وكل ما جاز أن يرغب إلى البارئ فيه ليس من صفات الذات.

وقالت المعتزلة بأسرها أن الوصف لله سبحانه بأنه مريد من صفات الفعل إلا بشر بن المعتمر فإنه زعم أن الله لم يزل مريداً لطاعته دون معصيته.

وزعم جماعة من البغداذيين من المعتزلة أن الوصف لله بأنه مريد قد يكون بمعنى أنه كون الشيء والإرادة لتكوين الشيء هي الشيء وقد يكون الوصف لله بأنه مريد للشيء بمعنى أنه أمر بالشيء كنحو الوصف له بأنه مريد بمعنى أنه حاكم بالشيء مخبر عنه وكنحو إرادته الساعة أن تقوم القيامة في وقتها ومعنى ذلك أنه حاكم بذلك مخبر عنه وهذا قول إبراهيم النظام.

وقال أبو الهذيل: إرادة الله سبحانه لكون الشيء هي غير الشيء المكون وهي توجد لا في مكان وإرادته للإيمان غيره وغير الأمر به وهي مخلوقة ولم يجعل الإرادة أمراً ولا حكماً ولا خبراً وإلى هذا القول كان يذهب محمد بن عبد الوهاب الجبائي إلا أن أبا الهذيل كان يزعم أن الإرادة لتكوين الشيء والقول له كن خلق للشيء وكان الجبائي يقول أن الإرادة لتكوين الشيء هي غيره وليست بخلق له ولا جائز أن يقول الله سبحانه للشيء كن وكان يزعم أن الخلق هو المخلوق وكان أبو الهذيل لا يثبت الخلق مخلوقاً.

وكان بشر بن المعتمر يقول: خلق الشيء غيره ويجعل الإرادة خلقاً له وينكر قول أبي الهذيل أن الخلق إرادة وقول وكان ينكر القول.

وكان أبو الهذيل يقول أن الخلق الذي هو إرادة وقول لا يقال أنه مخلوق إلا على المجاز وخلق الله سبحانه للشيء مؤلفاً الذي هو تأليف وخلقه للشيء ملوناً الذي هو لون وخلقه للشيء طويلاً الذي هو طول مخلوق في الحقيقة.

وكان أبو موسى الدردار يقول: خلق الشيء غيره وهو مخلوق لا بخلق.

وحكى زرقان أن بشر بن المعتمر قال: خلق الشيء غيره وهو قبله وأن معمراً قال: خلق الشيء غيره وهو قبله وللخلق خلق إلى ما لا نهاية له وهي كلها معاً وأن هشام بن الحكم قال: خلق الشيء صفة له لا هو هو ولا غيره.

وقال الفوطي: ابتداء ما يجوز أن يعاد غيره وابتداء ما لا يجوز أن يعاد هو هو.

وقال عباد: خلق الشيء غير الشيء وهما معاً وخطأ من قال: الخلق غير المخلوق ومن قال: خلق الشيء غيره لأن القول مخلوق خبر عن شيء وخلق وإذا قلت خلق الشيء غيره أوهم هذا ولم يقل أحد أن الخلق إرادة وقول غير أبي الهذيل.

وقال عبد الله بن كلاب: لا يخلق الله شيئاً حتى يقول له كن وليس القول خلقاً.

وزعمت المعتزلة كلها غير أبي موسى الدردار أنه لا يجوز أن يكون الله سبحانه مريداً للمعاصي على وجه من الوجوه أن يكون موجوداً ولا يجوز أن يأمر بما لا يريد أن يكون وأن ينهى عما يريد كونه وأن الله سبحانه قد أراد ما لم يكن وكان ما لم يرد وأنه قادر على المنع مما لا يريد وأن يلجئ إلى ما أراد.

وقال أبو موسى فيما حكى عنه أبو الهذيل أن الله سبحانه أراد المعاصي بمعنى أنه خلى بين العباد وبينها.

وقالت المعتزلة كلها غير بشر وعباد أن الله سبحانه لم يزل غير مريد لما علم أنه يكون ثم أراده.

وقال عباد: لا يجوز أن يقال لم يزل مريداً ولا يجوز أن يقال لم يزل غير مريد والوصف له بأنه مريد من صفات الفعل عنده.

وقال بشر بن المعتمر ومن ذهب مذهبه: إرادة الله غير الله والإرادة على ضربين: إرادة وصف بها وهي فعل من فعله وإرادة وصف بها في ذاته وأن إرادته الموصوف بها في ذاته غير لاحقة بمعاصي خلقه وجوز وقوعها على سائر الأشياء.

وقالت الفضلية وهم أصحاب فضل الرقاشي أن أفعال العباد لا يقال أن الله سبحانه أرادها إذا لم تكن ولا يقال لم يردها فإن كانت جاز القول بأنه أرادها فما كان من فعلهم طاعة قيل أراده الله سبحانه في وقته وإن كان معصية قيل لم يرده وأجاز القول أن الله يريد أمراً فلا يكون وجوز أن يكون ما لا يريد وأنكر أن يكون الله سبحانه يريد أن يطيعه الخلق قبل أن يطيعوه أو يريد أن لا يعصوه قبل أن يعصوه وكل ما كان من فعل الله فإنه قد يكون إذا أراده وإن لم يرده لم يكن وجوز أن يفعل الله الأمور وإن لم يردها وقد حكي نحو هذا عن غيلان.

واختلفت المعتزلة فقال جعفر بن حرب: قد يجوز القول بأن الله سبحانه أراد الكفر مخالفاً للإيمان وأراد أن يكون قبيحاً غير حسن ويكون المعنى أنه حكم بذلك كما قلت أنه جعل الكفر مخالفاً للإيمان وجعله قبيحاً.

وأبى ذلك سائر المعتزلة وقالوا: لم نقل أن الله جعل الكفر مخالفاً للإيمان قياساً وإنما قلناه اتباعاً فليس يلزمنا أن نقيس عليه وقول القائل: أراد أن يكون الكفر قبيحاً مخالفاً للإيمان ليس يقع إلا على الكفر لأنه ليس هناك مخالفة ولا قبح وهذا إذا كان هكذا فقد أوجب القائل أن الله سبحانه أراد الكفر بوجه من الوجوه.

وكل المعتزلة إلا الفضلية أصحاب فضل الرقاشي يقولون أن الله سبحانه يريد أمراً ولا يكون وأنه وقال معمر: إرادة الله سبحانه غير مراده وهي غير الخلق وغير الأمر والإخبار عنه والحكم به.

وقال حسين النجار أن الله لم يزل مريداً أن يكون ما علم أنه يكون وأن لا يكون ما علم أنه لا يكون بنفسه لا بإرادة بل بمعنى أنه لم يزل غير آب ولا مكره.

وقال سليمان بن جرير وعبد الله بن كلاب أن الله سبحانه لم يزل مريداً بإرادة يستحيل أن يقال هي الله أو يقال هي غيره.

وقال ضرار بن عمرو: إرادة الله سبحانه على ضربين: إرادة هي المراد وإرادة هي الأمر بالفعل وزعم أن إرادته لفعل الخلق هي فعل الخلق وإرادته لفعل العباد هي خلق فعل العباد وخلق فعل العباد هو فعل العباد وذلك أنه كان يزعم أن خلق الشيء هو الشيء.

وقال بشر المريسي وحفص الفرد ومن قال بقولهما: إرادة الله على ضربين: إرادة هي صفة له في ذاته وإرادة هي صفة له في فعله وهي غيره فالإرادة التي زعموا أنها صفة لله سبحانه في فعله وأنها غيره هي أمره بالطاعة والإرادة التي ثبتوها صفة لله في ذاته واقعة على كل شيء سوى الله من فعله وفعل خلقه.

وقال هشام بن الحكم وهشام الجواليقي وغيرهما من الروافض: إرادة الله سبحانه حركة وهي معنى لا هي الله ولا غيره وأنها صفة لله وذلك أنهم زعموا أن الله إذا أراد الشيء تحرك فكان ووصف أكثر الروافض ربهم بالبداء وأنه يريد الشيء ثم يبدو له فيريد خلافه وذلك أنه يتحرك حركة لخلق شيء ثم يتحرك خلاف تلك الحركة فيكون ضد ذلك الشيء ولا يكون الذي أراده قبل.

وقال أبو مالك الحضرمي وعلي بن ميثم: إرادة الله غيره وهي حركة يتحرك بها تعالى الله عما قالوه.

وأما القول في البارئ أنه متكلم: فقد اختلفت المعتزلة في ذلك فقال عباد بن سليمان: لا أقول أن البارئ متكلم وأقول أنه مكلم وهذا خلاف إجماع المسلمين وزعم أن متكلم متفعل فيلزمه أن لا يقول أن البارئ متفضل لأن متفضل متفعل ولا يقول قيوم لأن قيوم فيعول.

وقال أكثر المعتزلة إلا من قال منها بالطباع أن كلام الله سبحانه فعله وأن لله كلاماً فعله وأنه محال أن يكون الله سبحانه لم يزل متكلماً.

وقال بعض مشايخ المعتزلة أن الله سبحانه لم يخلق الكلام إلا على معنى أنه خلق ما أوجبه وأن الله لا يكلم أحداً في الحقيقة ولا يفعل الكلام على التصحيح وأن كلام الله فعل الجسم بطباعه وحقيقة قول هؤلاء أنه لا كلام لله في الحقيقة وأن الله ليس بمتكلم في الحقيقة ولا مكلم وهذا قول وقالت شرذمة أن الله لم يزل متكلماً بمعنى أنه لم يزل مقتدراً على الكلام وأن كلام الله محدث وافترقوا فرقتين: فقال بعضهم: مخلوق وقال بعضهم: غير مخلوق.

وقال ابن كلاب أن الله لم يزل متكلماً والكلام من صفات النفس كالعلم والقدرة وسنذكر اختلاف الناس في القرآن بعد هذا الموضع من كتابنا.

واختلف المتكلمون في معنى القول أن الله قديم: فقال بعضهم: معنى أن الله قديم أنه لم يزل كائناً لا إلى أول وأنه المتقدم لجميع المحدثات لا إلى غاية وهذا قول الجبائي.

وقال عباد: معنى قديم أنه لم يزل ومعنى لم يزل أنه قديم.

وقال بعضهم: معنى قديم بمعنى إله.

وقال من ثبت القديم قديماً بقدم: معنى أن الله قديم إثبات قدم لله كان به قديماً وكذلك معنى عالم عندهم إثبات علم وكذلك القول في سائر الصفات.

وقد حكي عن بعض المتفلسفة أنه كان لا يقول أن البارئ قديم.

وحكي عن معمر أنه كان لا يقول أن البارئ قديم إلا إذا أوجد المحدثات.

واختلف المتكلمون هل يسمى البارئ شيئاً أم لا: فقال جهم بن صفوان أن البارئ لا يقال أنه شيء لأن الشيء عنده هو المخلوق الذي له مثل وقال أكثر أهل الصلاة أن البارئ شيء.

واختلف القائلون أنه شيء في معنى القول أنه شيء: فقالت المشبهة: معنى أن الله شيء معنى أنه جسم.

وقال قائلون: معنى أن الله شيء معنى أنه موجود وهذا مذهب من قال: لا شيء إلا موجود.

وقال قائلون: معنى أن الله شيء هو إثباته وقد ذهب إلى هذا قوم زعموا أن الأشياء أشياء قبل وجودها وأنها مثبتة أشياء قبل وجودها وهذا القول مناقضه لأنه لا فرق بين أن تكون ثابتة وبين أن تكون موجودة وهذا قول أبي الحسين الخياط.

وقال عباد بن سليمان: معنى القول أن الله شيء أنه غير فلا شيء إلا غير ولا غير إلا شيء.

وقال الصالحي: معنى أن الله شيء لا كالأشياء معنى أنه قديم وهو معنى أنه عالم لا كالعلماء قادر لا كالقادرين وما قال بهذا غيره أحد علمناه.

وقال الجبائي: القول شيء سمة لكل معلوم ولكل ما أمكن ذكره والإخبار عنه فلما كان الله عز وجل معلوماً يمكن ذكره والإخبار عنه وجب أنه شيء.

وكان الجبائي يقول أن البارئ لم يزل غير الأشياء التي يعلم أنها تكون والتي يعلم أنها لا تكون وأنها تعلم أغياراً له قبل كونها وأن الغيرين لأنفسهما كانا غيرين ومعنى أنه غير الأشياء أنه يفرق بينه وبين غيره من سائر المعلومات وأنه بمنزلة أنه ليس بعضاً لشيء منها وليس شيء منها بعضاً له وكذلك كان يقول أن البارئ لم يزل غير الأشياء.

وزعم عباد بن سليمان أن الله يقال أنه قبل ولا يقال قبل الأشياء فكان لا يقال أول الأشياء ولا يقال أن الأشياء كانت بعده ولا يقول أن البارئ فرد.

وأما الصالحي فإنه كان يقول أن البارئ لم يزل قبل الأشياء بضم اللام من قبل ولا يقول لم يزل قبل الأشياء بنصب اللام من قبل لأن ذلك لو قيل بنصب اللام لكان قبل ظرفاً.

ومن أهل الكلام من لا يقول أن البارئ غير الأشياء قبل وجودها لأن هذا يوجب أنها غيره قبل كونها وذلك يستحيل عنده وزعم هذا القائل أن الغير لا يكون غيراً إلا إذا وجد غيره.

وكان الجبائي لا يجيز قول القائل لم يزل البارئ ولا يزال دون أن يصل ذلك بقول آخر فيقول: لم يزل البارئ عالماً فإذا وصله بقول يكون خبراً له جاز.

وأما القول في البارئ أنه موجود: فزعم الجبائي أن القول في البارئ أنه موجود قد يكون بمعنى معلوم وأن البارئ لم يزل واجداً للأشياء بمعنى أنه لم يزل عالماً وأن المعلومات لم تزل موجودات لله معلومات له بمعنى أنه لم يزل يعلمها وقد يكون موجوداً بمعنى لم يزل معلوماً وبمعنى لم يزل كائناً.

وزعم هشام بن الحكم أن معنى موجود في البارئ أنه جسم لأنه موجود شيء.

وأنكر عباد القول في البارئ أنه كائن.

وقال قائلون: معنى أن البارئ موجود معنى أنه شيء.

وقال قائلون: معنى أنه موجود معنى أنه محدود وهذا قول المشبهة.

وقال قائلون: معنى أنه موجود بنفسه معنى أنه قائم بنفسه.

وقال قائلون: معنى أنه موجود العين لم يزل أنه لم يزل ثابت العين وإنما يرجع بهذا القول إلى إثباته.

وقال عباد: معنى القول أن البارئ موجود إثبات اسم لله وكان عباد ينكر أن يقال أن البارئ قائم بنفسه وأنه عين وأنه نفس وأن له وجهاً وأن وجهه هو هو وأن له يدين وعينين وجنباً ولا يقول حسبنا الله ونعم الوكيل إلا أن يقرأ القرآن فإما أن يطلق ذلك إطلاقاً فلا ويتأول ما ذكره الله تعالى " تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك " أي تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم وكان لا يقول أن الله كفيل.

وكان غيره من المعتزلة يقول أن وجه الله سبحانه هو الله ويقول أن نفس الله سبحانه هي الله وأن الله غير لا كالأغيار وأن له يدين وأيدياً بمعنى نعم وقوله تعالى أعين وأن الأشياء بعين الله أي بعلمه ومعنى ذلك أنه يعلمها ويتأولون قولهم أن الأشياء في قبضة الله سبحانه أي في ملكه ويتأولون قول الله عز وجل: " لأخذنا منه باليمين " أي بالقدرة.

وكان سليمان بن جرير يقول أن وجه الله هو الله.

وقال عباد بن كلاب أن وجه الله لا هو الله ولا هو غيره وهو صفة له وكذلك يداه وعيناه.

وكان الجبائي يقول أن الله لم يزل عالماً قادراً على الأشياء قبل كونها بنفسه وأن الأشياء خطأ أن يقال أشياء قبل كونها لأن كونها هو هي وكان ينكر أن يقال أشياء قبل أنفسها ولكنها تعلم أشياء قبل كونها وتسمى أشياء قبل كونها وكذلك الجواهر عنده تسمى جواهر قبل كونها والألوان تسمى ألواناً قبل كونها وكان يمنع أن تسمى الهيئات هيئات قبل كونها ويمنع أن تسمى الأجسام أجساماً قبل كونها وأن تسمى الأفعال أفعالاً قبل كونها.

وكان يزعم أن القول شيء سمة لكل معلوم فلما كانت الأشياء معلومات قبل كونها سميت أشياء قبل كونها وما سمي به الشيء لنفسه فواجب أن يسمى به قبل كونه كالقول جوهر وكذلك سواد وبياض وما أشبه ذلك وما سمي به لوجود علة لا فيه فقد يجوز أن يسمى به مع عدمه وقبل كونه إذا وجدت العلة التي كان لها مسمى بالاسم كالقول مدعو ومخبر عنه إذا وجد ذكره والإخبار عنه وكالقول فان يسمى به الشيء مع عدمه إذا وجد فناؤه قال: وما سمي به الشيء لوجود علة فيه فلا يجوز أن يسمى به قبل كونه مع عدمه كالقول متحرك وأسود وما أشبه ذلك وما سمي به الشيء لأنه فعل وحديث نفسه كالقول مفعول ومحدث لا يجوز أن يسمى بهذا الاسم قبل كونه وما سمي به الشيء وسميت به أشياء للتفريق بين أجناسها وغيرها من الأجناس سماها بذلك الاسم قبل كونها وما سمي به الشيء كان إخباراً عن إثباته أو دلالة على ذلك القول كائن ثابت وما أشبه ذلك يجوز أن يسمى به قبل كونه وكان لا يسمى العلم علماً قبل كونه لأنه اعتقاد الشيء على ما هو به بضرورة أو بدليل ولا يسمى الأمر أمراً قبل كونه لأنه إنما يكون أمراً بقصد القاصد إلى ذلك وذلك أنه قد يكون الشيء مخرجه مخرج الأمر وهو تهدد ليس بأمر وكان يقول أن الموجودات التي وجدت هي التي لم تكون قبل كونها موجودة وكان لا يمنع من القول لم يزل البارئ عالماً بالأجسام والمخلوقات لا على أنه يسميها أجساماً قبل كونها ومخلوقات قبل كونها ولكن على معنى أنه لم يزل عالماً بأن ستكون أجساماً مخلوقات.

وكان لا يثبت للبارئ علماً في الحقيقة به كان عالماً ولا قدرة في الحقيقة بها كان قادراً وكذلك جوابه في سائر ما يوصف به القديم لنفسه وكان يفرق بين صفات النفس وصفات الفعل بما حكيناه عن المعتزلة قبل هذا الوضع.

وكان يزعم أن معنى الوصف لله بأنه عالم إثباته وأنه بخلاف ما لا يجوز أن يعلم وإكذاب من زعم أنه جاهل ودلالة على أن له معلومات وأن معنى القول أن الله قادر إثباته والدلالة على أنه بخلاق ما لا يجوز أن يقدر وإكذاب من زعم أنه عاجز والدلالة على أن له مقدورات ومعنى القول أنه حي إثباته واحداً وأنه بخلاف ما لا يجوز أن يكون حياً وإكذاب من زعم أنه ميت والقول سميع إثباته وأنه بخلاف ما لا يجوز أن يسمع وإكذاب من زعم أنه أصم والدلالة على أن المسموعات إذا كانت سمعها ومعنى القول بصير إثباته وأنه بخلاف ما لا يجوز أن يبصر وإكذاب من زعم أنه أعمى والدليل على أن المبصرات إذا كانت أبصرها وقد شرحنا قوله في أنه شيء موجود قديم غير الأشياء قبل هذا الموضع.

وكان يزعم أن العقل إذا دل على أن البارئ عالم فواجب أن نسميه عالماً وإن لم يسم نفسه بذلك إذا دل العقل على المعنى وكذلك في سائر الأسماء وأن أسماء البارئ لا يجوز أن تكون على التقليب له.

وخالفه البغداذيون فزعموا أنه لا يجوز أن نسمي الله عز وجل باسم قد دل العقل على صحة معناه إلا أن يسمي نفسه بذلك وزعموا أن معنى عالم معنى عارف ولكن نسميه عالماً لأنه سمى نفسه به ولا نسميه عارفاً وكذلك القول فهم وعاقل معناه عالم ولا نسميه به وكذلك معنى وزعم الصالحي أنه جائز أن يسمي الله سبحانه نفسه جاهلاً ميتاً ويسمي نفسه إنساناً وحماراً واللغة على ما هي عليه اليوم ويجوز أن يسمى البارئ على طريق التقليب بهذه الأسماء وأبى الناس جميعاً هذا.

واختلفوا هل كان يجوز أن يقلب الله تعالى اللغة فيسمي نفسه جاهلاً بدلاً من تسميته عالماً

فجوز ذلك قوم وقال عباد: لا يجوز أن يقلب الله اللغة ولا يجوز أن يسمي نفسه بغير هذه الأسماء.

وكان الجبائي يزعم أن معنى القول أن الله عالم معنى القول أنه عارف وأنه يدري الأشياء وكان يسميه عالماً عارفاً دارياً وكان لا يسميه فهماً ولا فقيهاً ولا موقناً ولا مستبصراً ولا مستبيناً لأن الفهم والفقه هو استدراك العلم بالشيء بعد أن لم يكن الإنسان به عالماً وكذلك قول القائل أحسست بالشيء وفطنت له وشعرت به معناه هذا واليقين هو العلم بالشيء بعد الشك ومعنى العقل إنما هو المنع عنده وهو مأخوذ من عقال البعير وإنما سمي علمه عقلاً من هذا قال: فلما لم يجز أن يكون البارئ ممنوعاً لم يجز أن يكون عاقلاً وليس معنى عالم عنده معنى عاقل والاستبصار والتحقق هو العلم بعد الشك وكان يزعم أن البارئ يجد الأشياء بمعنى يعلمها.

وكان يزعم أن البارئ لم يزل عالماً قادراً حياً سميعاً بصيراً ولا يقول لم يزل سامعاً مبصراً ولا يقول لم يزل يسمع ويبصر ويدرك لأن ذلك يعدى إلى مسموع ومبصر ومدرك وكان يقول أن الوصف لله بأنه سامع مبصر من صفات الذات وإن كان لا يقال لم يزل سامعاً مبصراً كما أن وصفنا له بأنه عالم بأن زيداً مخلوق من صفات الذات وإن كان لا يقال لم يزل عالماً بأنه يخلق قال: وقد نقول سميع بمعنى يسمع الدعاء ومعناه يجيب الدعاء وهو من صفات الفعل وكان يقول أن البارئ لم يزل رائياً بمعنى لم يزل عالماً ويقول يرى نفسه بمعنى يعلمها وكان يزعم أن البارئ لم يزل عالماً ولا يقول لم يزل رائياً بمعنى لم يزل مدركاً والرائي عنده قد يكون بمعنى عالم وبمعنى مدرك وكذلك القول بصير قد يكون عنده بمعنى عالم كالقول: فلان بصير بصناعته أي عالم بها فيقول البارئ لم يزل بصيراً بمعنى لم يزل عالماً ويقول لم يزل بصيراً بمعنى يرى نفسه وأنه بخلاف ما لا يجوز أن يبصر ونكذب من زعم أنه أعمى وندل بهذا القول على أن المبصرات إذا كانت أبصرها فيلزمه أن يقول أن البارئ لم يزل مدركاً على هذا المعنى وكان يقول أن البارئ لم يزل قوياً قاهراً عالماً مستولياً مالكاً وكذلك القول بأنه متعال على معنى أنه منزه كقوله: " تعالى الله عما يشركون " وأنه لم يزل مالكاً سيداً رباً بمعنى أنه لم يزل قادراً ولا يقول أن البارئ رفيع شريف في الحقيقة لأن هذا مأخوذ من شرف المكان وارتفاعه فيلزمه أن لا يقول أنه عال في الحقيقة لأن هذا مأخوذ من علو المكان وكان يزعم أن معنى عظيم وكبير وجليل أنه السيد ومعنى هذا أنه مالك مقتدر وكان يقول أن البارئ جبار بمعنى أنه لا يلحقه قهر ولا يناله ذل ولا يغلبه شيء فهذا عنده قريب من معنى عزيز والوصف له بذلك من صفات النفس ويقول في كريم ما قد شرحناه قبل هذا الموضع ويقول مجيد بمعنى عزيز ويقول لم يزل البارئ غنياً بنفسه فأما القول كريم فقد يكون عنده من صفات النفس إذا كان بمعنى عزيز ويكون عنده من صفات الأفعال إذا كان بمعنى جواد والقول حكيم بمعنى عليم من صفات النفس عنده والقول حكيم من طريق الاشتقاق من فعله الحكمة من صفات الفعل والقول صمد بمعنى سيد من صفات الذات والقول صمد بمعنى أنه مصمود إليه لا من صفات الذات عنده وقد يكون عنده بمعنى أنه عين لا ينقسم ولا يتجزأ ويكون معنى واحد أنه لا شبه له ولا مثل - وكذلك يقول النجار في معنى واحد - ويكون بمعنى أنه لا شريك له في قدمه وإلهيته والقول إله عنده معناه أنه لا تحق العبادة إلا له وهو من صفات الذات عنده ومعنى القول الله أنه الإله فحذفت الهمزة الثانية فلزم إدغام إحدى اللامين في الأخرى ووجب أن يقال أنه الله.

وكان لا يقول أن البارئ معنى لأن المعنى هو معنى الكلام وكان يقول أن البارئ لم يزل باقياً في الحقيقة بنفسه لا ببقاء ومعنى أنه باق أنه كائن لا بحدوث وأنه لا يوصف البارئ بأنه لم يزل دائماً لا يفنى بل يوصف بأنه لا يزال دائماً لأن هذا مما يوصف به في المستقبل ويوصف بأنه لم يزل دائماً لا إلى أول له كما يقال لم يزل دائم الوجود أي لا أول لوجوده ومعنى قائم وقيوم أي دائم وهو من صفات الذات وكان ينكر قول من قال أن معنى القديم أنه حي قادر وأن معنى سميع أنه يعلم الأصوات والكلام ومعنى بصير أنه يعلم المبصرات وكان يقول: لم يزل القديم أولاً ولا يزال آخراً.

وكان يزعم أن الوصف هو الصفة وأن التسمية هي الاسم وهو قولنا: الله عالم قادر فإذا قيل له: تقول أن العلم صفة والقدرة صفة قال: لم نثبت علماً فنقول صفة أم لا ولا ثبتنا علماً في الحقيقة فنقول قديم أو محدث أو هو الله أو غيره فإذا قيل له: القديم صفة قال خطأ لأن القديم هو الموصوف ولكن الصفة قولنا الله وقولنا القديم.

وكان يقول أن الوصف لله بأنه مريد محب ودود راض ساخط غضبان موال معاد حليم رحمان رحيم راحم خالق رازق بارئ مصور محي مميت من صفات الفعل وأن كل ما يحب إلى القديم فيه أو وصف بضده أو بالقدرة على ضده فهو من صفات الفعل وكان يزعم أن الوصف لله بأنه متكلم أنه فعل الكلام وكان يزعم أن معنى الإرادة منه كمعنى الإرادة منا وهي محبته للشيء وكذلك الكراهة هي البغض للشيء وأن الرضى منه هو الرضى عنا ولعملنا ورضاه عنا لهذا العمل معنى واحد وهو أن نكون قد فعلنا ما لم يرد منا أكثر منه وهو كما قال مراده منا وكان يقول أن غضبه هو سخطه وكان يفرق بين الإرادة والشهوة ولا يجوز الشهوة على البارئ وكان يزعم أن حلم الله سبحانه هو إمهاله لعباده وفعل النعم التي يضاد كونها كون الانتقام وهي صرف الانتقام عنهم وأنه لو يفعل ذلك لم يوصف بالحلم وكان لا يصف البارئ بالصبر والوقار والزراية وكان لا يزعم أن البارئ حنان لأنه إنما أخذ من الحنين وكان يزعم أن البارئ محبل وأنه لا محبل للنساء في الحقيقة سواه فيلزمه والد في الحقيقة وأنه لا والد سواه وكان يقول أن البارئ لا يزال خالداً وأن الوصف له بذلك من صفات الذات ولا يقول لم يزل خالداً وكان مرة يقول أن الأجسام إذا تقادم وجودها قيل لها قديمة في الحقيقة إلى غاية وأول ثم رجع عن ذلك.

وكان لا يزعم أن الإنسان باق في الحقيقة لأن الباقي هو الكائن لا بحدوث والإنسان كائن بحدوث.

وكان إذا قيل له: لم اختلفت المسميات والمسمى بها واحد والمعاني والمعنى بها واحد ولم ليس معنى عالم معنى قادر قال: لاختلاف المعلوم والمقدور لأم من المعلومات ما لا يجوز أن يوصف القادر بأنه قادر عليه وكذلك القول في سميع بصير اختلف القول فيهما لاختلاف المسموعات والمبصرات وكان يجيب أيضاً بأن الأسماء والصفات اختلفت لاختلاف الفوائد لأني إذا قلت أن البارئ عالم أفدتك علماً به ودللتك على معلومات وأكذبت من قال أنه جاهل وأفدتك علماً بأنه خلاف ما لا يجوز أن يعلم وإذا قلت قادر أفدتك علماً به وأنه بخلاف ما لا يجوز أن يقدر وأكذبت من زعم أنه عاجز ودللت على مقدورات وإنما اختلفت الأسماء والصفات لاختلاف العلوم التي أفدتك لما قلت أنه عالم قادر حي سميع بصير.

وكان يقول أن الوصف للبارئ بأنه سبوح قدوس من صفات النفس ومعنى ذلك تنزيه الله سبحانه عما جاز على عباده من ملامسة النساء ومن اتخاذ الصاحبة والأولاد وسائر الصفات التي لا تليق به وكان يقول: معنى الوصف لله بأنه واحد وبأنه متوحد واحد وكذلك الوصف له بأنه جبار ومتجبر وكبير ومتكبر وزعم أنه لا يجوز أن يوصف البارئ بأنه فوق عباده على الحقيقة فإن وجدنا ذلك في صفات الله تعالى فهو مجاز وقد قال الله سبحانه: " وهو القاهر فوق عباده " وأراد به القادر المستولي على العباد فجعل قوله فوق بدلاً من قوله مستعل قال: وقد نقول: فوق عباده في العلم والقدرة أي هو أعلم وأقدر منهم وهو توسع قال: وقد يوصف البارئ سبحانه بأنه قريب من الخلق توسعاً ومعنى ذلك أنه عالم بنا وبأعمالنا سامع القول من الخلق راء لأعمالهم وكذلك تقرب العباد بالطاعة إلى الله هذا مجاز وزعم أن البارئ لا يوصف بأنه متين لأن المتين في الحقيقة هو الثخين وإنما قال المتين توسعاً وأراد أن يبالغ في وصفه بالقوة وزعم أنه لا يوصف بالشدة والجلد على التوسع لأن الجلد وشدة البدن ليسا من القدرة في شيء لأن ذلك بمعنى الصلابة والله سبحانه لا يجوز أن يوصف بالصلابة فإن وجدنا ذلك من صفات الله سبحانه فهو على المجاز وليس يجوز أن يوصف الله سبحانه بأنه شديد العقاب وما أشبه ذلك من صفات الأفعال لأن الشديد من صفات الأفعال إنما هي الأفعال وقول الله عز وجل: " أشد منهم قوة " مجاز معناه أنه أقدر منهم ولو لم يكن ذلك مجازاً لكانت قوته شديدة في الحقيقة وقوته في الحقيقة لا توصف بالشدة.

وكان يزعم أن البارئ مشاهد للأشياء بمعنى أنه راء لها وسامع لها فقيل له من معنى الرؤية والسمع أنه مشاهد على التوسع لأن المشاهد منا للشيء هو الذي يراه ويسمعه دون الغائب منا وكان يصف البارئ بأنه مطلع على العباد وأعمالهم توسعاً ومعنى ذلك عنده أنه عالم بهم وأعمالهم وكان يزعم أن الوصف لله بأنه غني أنه لا يصل إليه المنافع والمضار ولا يجوز عليه اللذات والسرور ولا الآلام والغموم ولا يحتاج إلى غيره.

وكان يزعم أن البارئ نور السموات والأرض توسعاً ومعنى ذلك أنه هادي أهل السموات والأرض وأنهم به يهتدون كما يهتدون بالنور والضياء وأنه لا يجوز أن نسميه نوراً على الحقيقة إذ لم يكن من جنس الأنوار لأنا لو سميناه بذلك وليس هو من جنسها لكانت التسمية له بذلك تلقيباً إذ كان لا يستحق معنى الاسم ولا الاسم من جهة العقول واللغة ولو جاز ذلك لجاز أن يسمى بأنه جسم ومحدث وبأنه إنسان وإن لم يكن مستحقاً لهذه الأسماء ولا لمعانيها من جهة اللغة فلما لم يجز ذلك لم يجز أن يسمى على جهة التلقيب.

وكان الحسين النجار يزعم أنه نور السموات والأرض بمعنى أنه هادي أهل السموات والأرض.

وكان الجبائي يزعم أن معنى وصف الله نفسه بأنه السلام أنه المسلم الذي السلامة إنما تنال من قبله وكذلك قوله بأن الله هو الحق إنما أراد أن عبادة الله هي الحق قال: وقد يجوز أيضاً أن يعني بقوله أن الله هو الحق أن الله هو الباقي المحيي المميت المعاقب وأن ما يدعون من دونه الباطل أراد بذلك أنه يبطل ويذهب ولا يملك لأحد ثواباً ولا عقاباً وزعم أن الوصف لله بأنه مؤمن أنه آمن العباد من أن يأخذ أحداً منهم بغير حق وأن معنى المهيمن أنه الأمين على الأشياء وأن الهاء التي في المهيمن بدلاً من الهمزة التي في الأمين وكذلك معنى قوله: " ومهيمناً عليه " معنى أميناً عليه وكان يصف البارئ بأنه جواد ولا يصفه بأنه سخي لأن ذلك إنما أخذوه من قولهم أرض سخاوية أي لينة وكان يقول أن الوصف لله سبحانه بأنه غالب من صفات الذات ومعناه أنه قاهر مقتدر والوصف له بأنه طالب عنده من صفات الفعل ومعناه أنه يطلب من الظالم حق المظلوم وكان يزعم أن الوصف لله سبحانه بأنه راحم من صفات الفعل وأن معناه أنه منعم ناظر محسن.

ويزعم أن البارئ لا يوصف بالإشفاق على عباده لأن معناه الحذر وذلك أن ترك المريض للأغذية الردية إشفاقاً منها إنما هو لحذره من المرض ولا يجوز ذلك على الله وكان يزعم أن معنى الوصف لله بأنه لطيف قد يكون بمعنى منعم وقد يكون بمعنى أنه لطيف التدبير والصنع لأن تدبيره لا يعرفه العباد للطفه وكان لا يصف البارئ بأنه رفيق لأن الرفق في الأمور هو الاحتيال لإصلاحها ولإتمامها والتسبب إلى ذلك وزعم أن الله يوصف بأنه ناظر لعباده بمعنى أنه منعم عليهم ولا يوصف بذلك عنده بمعنى الرؤية لأن النظر في الحقيقة إلى الشيء ليس هو الرؤية وإنما هي تحديق العين وتقليبها نحو المرئي وكذلك الاستماع عنده للصوت غير السمع له وغير إدراكه وإنما هو الإصغاء إليه إذا كان سمعه وأدركه ولا يجوز أن يوصف البارئ عنده بالاستماع وكذلك النظر في الأمر ليقف الناظر على صحته أو بطلانه هو الفكر ولا يجوز الفكر على الله سبحانه ومعنى الوصف لله بالغفران عنده أنه غفور وأنه يستر على عباده ويحط عنهم عقاب ذنوبهم ولا يفضحهم والمغفر إنما سمي مغفراً لأنه يستر رأس الإنسان ووجهه في الحرب وزعم أن الوصف لله بأنه شكور على جهة المجاز لأن الشكور في الحقيقة شكر النعمة التي للمشكور على الشاكر فلما كان مجازياً للمطيعين على طاعاتهم جعل مجازاته إياهم على طاعاتهم شكراً على التوسع إذ كان الشكر في الحقيقة هو الاعتراف بنعمة المنعم وليس الحمد عنده هو الشكر لأن الحمد ضد الذم والشكر ضد الكفر وزعم أن البارئ يوصف بأنه حميد ومعنى ذلك أنه محمود على نعمه وكان يزعم أن البارئ إذا فعل الصلاح لم يقل له صالح وإنما الصالح من صلح بالصلاح وكذلك قول غيره.

وكان لا يسمي الله بما فعل من الفضل فاضلاً لأنه إنما يفضل بذلك غيره وهو عز وجل مستغن عن الأفضال أن يفضل بها أو يشرف بها وإنما يشرف ويفضل بالأفضال من تفضل الله بها عليه وكذلك يقول غيره.

وكان يزعم أن الله خير بما فعل من الخير لأن من كثر منه الشر قيل له شرير وزعم أن الأمراض والأسقام ليست بشر في الحقيقة وإنما هي شر في المجاز وكذلك كان قوله في جهنم وكان يزعم أن جمع فاعل الشر أشرار وكان يقول أن عذاب جهنم ليس بخير ولا شر في الحقيقة لأن الخير هو النعمة وما للإنسان فيه منفعة والشر هو العبث والفساد وعذاب جهنم فليس بصلاح ولا فساد وليس برحمة ولا منفعة ولكنه عدل وحكمة.

وخالفه الإسكافي وغيره في ذلك فزعموا أن عذاب جهنم خير في الحقيقة ومنفعة وصلاح ورحمة وأما أهل الإثبات فيقولون أن عذاب جهنم ضرر وبلاء وشر في الحقيقة وأن ذلك ليس بخير ولا صلاح ولا منفعة ولا رحمة ولا نظر.

وزعم عباد بن سليمان أن الله سبحانه لم يفعل شراً بوجه من الوجوه ولم يقل أن عذاب جهنم شر في الحقيقة ولا في المجاز وكذلك قوله في الأمراض والسقام وهو يعارض المعتزلة فيقول لهم: إذا قلتم أن البارئ فعل فعلاً هو شر على وجه من الوجوه فما أنكرتم من أن يكون شريراً واختلفوا هل يقال أن الله يضر أم لا: فقال أهل الإثبات أن الله ينفع المؤمنين ويضر الكافرين في الحقيقة في دنياهم وفي الآخرة في إتيانهم وأن كل ما فعله بهم فهو ضرر عليهم في الدين لأنه إنما فعله بهم ليكفروا وهم في ذلك فريقان: فقال بعضهم أن لله نعماً على الكافرين في دنياهم كنحو المال وصحة البدن وأشباه ذلك وأبى ذلك بعضهم لأن كل ما فعله بالكفار إنما فعله بهم ليكفروا.

وقال الجبائي أن الله لا يضر أحداً في باب الدين ولكنه يضر أبدان الكفار بالعذاب في جهنم وبالآلام التي يعاقبهم بها.

وأنكر ذلك أكثر المعتزلة وقالوا: لا يجوز أن يضر الله أحداً في الحقيقة كما لا يجوز أن يغر أحداً في الحقيقة.

فقال قائلون: معنى أن الخالق خالق أن الفعل وقع منه بقدرة قديمة فإنه لا يفعل بقدرة قديمة إلا خالق ومعنى الكسب أن يكون الفعل بقدرة محدثة فكل من وقع منه الفعل بقدرة قديمة فهو فاعل خالق ومن وقع منه بقدرة محدثة فهو مكتسب وهذا قول أهل الحق.

وقال قائلون: معنى الخالق أنه يفعل لا بآلة ولا بجارحة فمن فعل لا بآلة ولا بجارحة فهو خالق وهذا قول الإسكافي وطوائف من المعتزلة.

وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي أن معنى الخالق أنه يفعل أفعاله مقدرة على مقدار ما دبرها عليه وذلك هو معنى قولنا في الله أنه خالق وكذلك القول في الإنسان أنه خالق إذا وقعت منه أفعال مقدرة وأبى ذلك سائر المعتزلة.

وزعم عباد أن معنى خالق معنى بارئ ومعنى مخلوق معنى مبري.

واختلفوا هل يقال أن الإنسان فاعل على الحقيقة: فقالت المعتزلة كلها إلا الناشي أن الإنسان فاعل محدث ومخترع ومنشئ على الحقيقة دون المجاز.

وقال الناشي: الإنسان لا يفعل في الحقيقة ولا يحدث في الحقيقة وكان لا يقول أن البارئ يحدث كسب الإنسان فلزمه محدث لا لمحدث في الحقيقة ومفعول لا لفاعل في الحقيقة.

وكثير من أهل الإثبات يقولون أن الإنسان فاعل في الحقيقة بمعنى مكتسب ويمنعون أنه محدث وبلغني أن بعضهم أطلق في الإنسان أنه محدث في الحقيقة بمعنى مكتسب.

ورأيت منهم من إذا سألوه هل الإنسان فاعل في الحقيقة قال: هذا كلام على أمرين: إن أردتم أنه خالق في الحقيقة فهذا خطأ وإن أردتم أنه مكتسب فهو مكتسب فإذا قالوا له: فتقول أنه فاعل بمعنى مكتسب قال: إن أردتم أنه مكتسب فنعم هو مكتسب وكلما سألوه عن لفظة يفعل قسم الأمر على وجهين على سبيل ما حكيناه وهذا قول الكوشاني.

وبلغني أن يحيى بن أبي كامل قال: لا أقول أن البارئ يفعل إلا على المجاز ولا أقول أن الإنسان يفعل إلا على المجاز والحقيقة في الإنسان أنه مكتسب وفي البارئ أنه خالق.

وبلغني أن برغوثاً قيل له مرة: أتزعم أن البارئ فاعل فقال: لا أقول ذلك لأن يفعل تهجين في الاستعمال يقال للإنسان بئس ما فعلت فألزم أن لا يكون البارئ خالقاً تهجين في نص القرآن قال الله عز وجل: " وتخلقون إفكاً " فهجنهم بذلك وما كان تهجيناً في نص القرآن فهو أغلظ مما كان تهجيناً في استعمال العامة.

وسمعت أحمد بن سلمة الكوشاني وكان من أصحاب الحسين النجار يقول لا أزعم أن البارئ يفعل الجور لأن هذا القول يوهم أنه جائر وهذا القول منه غلط عندي.

ومن أهل الإثبات من يقول أن الله يفعل في الحقيقة بمعنى يخلق وأن الإنسان لا يفعل في الحقيقة وإنما يكتسب في التحقيق لأنه لا يفعل إلا من يخلق إذ كان معنى فاعل في اللغة معنى خالق ولو جاز أن يخلق الإنسان بعض كسبه لجاز أن يخلق كل كسبه كما أن القديم لما خلق بعض فعله خلق كل فعله.

واتفق أهل الإثبات على أن معنى مخلوق معنى محدث ومعنى محدث معنى مخلوق وهذا هو الحق عندي وإليه أذهب وبه أقول.

وقال زهير الأثري وأبو معاذ التومني: معنى خالق أنه وقع عن إرادة من الله وقول له كن وقال كثير من المعتزلة بذلك منهم أبو الهذيل.

وقد قال قائلون: معنى المخلوق أن له خلقاً ولم يجعلوا الخلق قولاً على وجه من الوجوه منهم أبو موسى وبشر بن المعتمر.

واختلف الناس في معنى مكتسب

فقال قوم من المعتزلة: معناه أن الفاعل فعل بآلة وبجارحة وبقوة مخترعة.

وقال الجبائي: معنى المكتسب هو الذي يكتسب نفعاً أو ضرراً أو خيراً أو شراً أو يكون اكتسابه للمكتسب غيره كاكتسابه للأموال وما أشبه ذلك واكتسابه للمال غيره والمال هو الكسب والحق عندي أن معنى الاكتساب هو أن يقع الشيء بقدرة محدثة فيكون كسباً لمن وقع بقدرته.

واختلف الناس في معنى قول الله عز وجل: " الأول والآخر " فزعم أكثر الناس أن الآخر معناه أن يكون بعد فناء الدنيا وأن الله بعد الخلق فيدخل أهل الجنة الجنة ويدخل الكفار النار وأن أهل الجنة لا يزالون مثابين ولا يزال الكفار معاقبين.

وزعم الجهم بن صفوان أن معنى الآخر أنه لا يزال كائناً موجوداً ولا شيء سواه ولا موجود غيره وأن الجنة والنار تفنيان ويبيد من فيهما ويفنى.

وزعمت البطيخية أن أهل الجنة في الجنة يتنعمون وأن أهل النار في النار يتنعمون بمنزلة دود الخل يتلذذ بالخل ودود العسل يتلذذ بالعسل.

وقال أبو الهذيل - وقد حكيناه قوله قبل هذا الموضع - أن أهل الجنة تنقطع حركاتهم فيسكنون سكوناً دائماً ويكونون سكوناً بسكون باق متلذذين بلذات باقية.

وزعم بعض المعتزلة أن معنى أن الله هو الآخر أنه الباقي.

وقال من مال إلى أنه لا شيء إلا موجود أن معنى الأول أنه لم يزل كائناً ولا شيء سواه وأن الأشياء لو كانت تعلم أشياء غير كائنة لم يصح أن البارئ هو الأول إذ كان لا يصح الوصف له بأنه موجود إلا وهو عالم بأشياء غير كائنة وقال من خالفهم أن حقيقة الأول أنه لم يزل موجوداً القول في البارئ أنه كامل: كان الجبائي لا يزعم أن البارئ يوصف بأنه كامل لأن الكامل هو من تمت خصاله وأبعاضه ولأن الكامل في بدنه هو الذي قد تمت أبعاضه وكذلك الكامل في خصاله من تمت خصاله منا نحو كمال الرجل في علمه وعقله ورأيه وقوله وفصاحته فلما كان الله عز وجل لا يوصف بالأبعاض لم يجز أن يوصف بالكمال في ذاته ولا بالنقصان ولما لم يجز أن يشرف بأفعاله لم يجز أن يوصف بالكمال في ذاته من جهة الأفعال وكذلك لا يوصف بأنه وافر لأن معنى ذلك كمعنى الكامل وكذلك لا يقال تام لأن تأويل التام والكامل واحد.

وقال: لا يجوز أن يوصف بالشجاعة لأن الشجاعة هي الجرأة على المكاره وعلى الأمور المخوفة.

وكان يزعم أن الوصف لله سبحانه بأنه مختار معناه أنه مريد إذ لم يكن ملجأً إلى ما أراده ولا مكرهاً ولا مضطراً إليه والإرادة هي الاختيار وكذلك القول في أن الإنسان مختار عنده وأن الاختيار غير المختار كما أن الإرادة غير المراد وأن اختيار الله للأنبياء هو اختياره لإرسالهم وهو إرادته لذلك وزعم أن معنى الاصطفاء من الله للأنبياء برسالته هو اختصاصه إياهم بها وليس معنى الاصطفاء معنى الاختيار لأن كل ما يريده الإنسان من غير أن يلجأ إليه فهو مختار له كما يكون مختاراً للأكل والشرب ولا يكون مصطفياً لذلك وزعم أن الإرادة ليس هي الضمير وأن الضمير محل الإرادة.

وزعم أن معنى أن الله يمتحن عباده ويختبرهم هو أنه يكلفهم وذلك توسع وإنما معنى ذلك أنه يكلفهم طاعته فلذلك لم يجز أن يقال يجربهم وكذلك معنى يبتلي أنه يكلفهم.

فأما الترك فقد اختلف الناس في ذلك: فجوز قوم على الله سبحانه الترك وأنه فعل شيئاً فقد ترك بفعل الشيء فعل ضده.

وقد قال الحسين بالترك وأن البارئ لم يزل تاركاً.

وقال قائلون: لا يجوز على البارئ الترك وليس الترك منه معنى كما لا يجوز عليه كف النفس ومنعها وكما لا يوصف بالامتناع والكف.

القول أن البارئ لم يزل خالقاً: قال أكثر أهل الكلام: لا يجوز إطلاق ذلك.

وقال قائلون: قد يجوز أن يقال: لم يزل البارئ خالقاً على أن سيخلق.

وقال قائلون: لم يزل البارئ خالقاً على إثباته لم يزل خالقاً في الحقيقة وهذا قول بعض الرافضة.

شرح قول عبد الله بن كلاب قال عبد الله بن كلاب أن الله سبحانه لم يزل قديماً بأسمائه وصفاته وأنه لم يزل عالماً قادراً حياً سميعاً بصيراً عزيزاً جليلاً كبيراً عظيماً جواداً متكبراً واحداً صمداً فرداً باقياً أولاً سيداً مالكاً رباً رحماناً مريداً كارهاً محباً مبغضاً راضياً ساخطاً موالياً معادياً قائلاً متكلماً بعلم وقدرة وحياة وسمع وبصر وعزة وجلال وعظمة وكبرياء وكرم وجود وبقاء وإلهية ورحمة وإرادة وكراهة وحب وبغض ورضى وسخط وولاية وعداوة وكلام وأن ذلك من صفات الذات وأن صفات الله سبحانه هي أسماؤه وأنه لا يجوز أن توصف الصفات بصفة ولا تقوم بأنفسها وأنها قائمة بالله وزعم أنه موجود لا بوجود وأنه شيء لا بمعنى له كان شيئاً وأن صفاته لا هي هو ولا غيره وكذلك القول في الصفات أنها لا تتغاير كما أنها ليست بغيره وأن العلم لا هو القدرة ولا غيرها وكذلك سائر الصفات.

وقال بعض أصحابه: الصفات لا يقال هي هو ولا يقال غيره وكذلك لا يقال كل صفة هي الأخرى ولا يقال غيرها ومنعوا العبارة الأولى.

وقال قائلون أن البارئ سبحانه ليس بغير صفاته وصفاته متغايرة قول حارث.

فقال بعضهم: هو قديم بقدم وقال بعضهم: هو قديم لا بقدم كما أن المحدث محدث لا بإحداث.

واختلفوا في الصفات هل هي أشياء أم لا: فأثبت بعضهم الصفات أشياء ومنع ذلك بعضهم وقال: إذا قلت شيء بصفاته استغنيت عن ذلك وكذلك قال بعض أصحابه أن الصفات قديمة ومنع بعضهم أن يقال قديمة أو حديثة لأنا إذا قلنا قديم استغنينا عن ذلك.

وزعم أنه لم يزل راضياً عمن يعلم أنه يموت مؤمناً وإن كان أكثر عمره كافراً ساخطاً على من يعلم أنه يموت كافراً وإن كان أكثر عمره مؤمناً وإرادة الله سبحانه لكون الشيء هي الكراهة أن لا يكون.

وقال سليمان بن جرير: علم الله سبحانه لا هو الله ولا هو غيره ووجهه هو هو وعلمه شيء وقدرته شيء ولا أقول: صفاته أشياء.

وقال ابن كلاب في الوجه والعين واليدين أنها صفات لله لا هي الله ولا هي غيره كما قال في العلم والقدرة غير أنه ثبت هذا خبراً.

القول في أن الله سبحانه قادر: قد اختلف المتكلمون في ذلك اختلافاً كثيراً فمما اختلفوا فيه القول هل يوصف البارئ بأنه قادر على الأعراض: فقال المسلمون كلهم أجمعون إلا معمراً أن الله قادر على الأعراض والحركات والسكون والألوان والحياة والموت والصحة والمرض والقدرة والعجز وسائر الأعراض.

وقال معمر بالتعجيز لله وأنه لا يوصف القديم بأنه قادر إلا على الجواهر وأما الأعراض فلا يجوز أن يوصف بالقدرة عليها وأنه ما خلق حياة ولا موتاً ولا صحة ولا سقماً ولا قوة ولا عجزاً ولا لوناً ولا طعماً ولا ريحاً وأن ذلك أجمع فعل الجواهر بطبائعها وأن من قدر على الحركة قدر أن يتحرك ومن قدر على السكون قدر أن يسكن كما أن من قدر على الإرادة قدر أن يريد وأن البارئ قد يريد ويكره وذلك قائم به لا في مكان وكذلك تحريكه وتسكينه قائم به وهو إرادته فيقال له: إذا قلت أن البارئ قادر على التحريك والتسكين فقل قادر على أن يتحرك ويسكن فإن كان من قدر على تحريك غيره وتسكينه لا يوصف بالقدرة أن يتحرك فكذلك من وصف بالقدرة على حركة غيره لا يوصف بالقدرة على أن يتحرك.

وخالف أهل الحق أهل القدر ومعمراً في ذلك فقالوا: قد يوصف القديم بالقدرة على إنشاء واختلف الناس أيضاً في القول هل يقدر القديم على ما أقدر عليه عباده أو لا يجوز ذلك: فقال إبراهيم وأبو الهذيل وسائر المعتزلة والقدرية إلا الشحام: لا يوصف البارئ بالقدرة على شيء يقدر عليه عباده ومحال أن يكون مقدور واحد لقادرين.

وقال الشحام أن الله يقدر على ما أقدر عليه عباده وأن حركة واحدة مقدورة تكون مقدورة لقادرين لله وللإنسان فإن فعلها القديم كانت اضطراراً وأن فعلها المحدث كانت اكتساباً وأن كل واحد منهما يوصف بالقدرة على أن يفعل وحده لا على أن القديم يوصف بالقدرة على أن تكون الحركة فعلاً له وللإنسان ولا يوصف الإنسان بالقدرة على أن تكون الحركة فعلاً له والقديم ولكن يوصف البارئ بأنه قادر أن يخلقها ويوصف الإنسان بأنه قادر أن يكتسبها.

وقال أهل الحق والإثبات: لا مقدور إلا والله سبحانه عليه قادر كما أنه لا معلوم إلا والله به عالم وما بين أن يكون مقدور لا يوصف الله سبحانه بالقدرة عليه وبين أن يكون معلوم لا يعلمه فرقان.

واختلفت المعتزلة هل يجوز أن يقدر الله سبحانه على جنس ما أقدر عليه عباده أو لا يوصف بالقدرة على ذلك: فقال البغداذيون من المعتزلة: لا يوصف البارئ بالقدرة على فعل عباده ولا على شيء هو من جنس ما أقدرهم عليه ولا يوصف بالقدرة على أن يخلق إيماناً لعباده يكونون به مؤمنين وكفراً لهم يكونون به كافرين وعصياناً لهم يكونون به عاصين وكسباً يكونون به مكتسبين وجوزوا الوصف له بالقدرة على أن يخلق حركة يكونون بها متحركين وإرادة يكونون بها مريدين وشهوة يكونون بها مشتهين وزعموا أن الحركة التي يفعلها الله عز وجل مخالفة للحركة التي يفعلها الإنسان وأن الإنسان لو أشبه فعله فعل الله لكان مشبهاً لله عز وجل ولم يصف كثير منهم البارئ بالقدرة على أن يخلق معرفة بنفسه يضطر عباده إليها.

وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي وكثير من المعتزلة أن البارئ سبحانه قادر على ما هو من جنس ما أقدر عليه عباده من الحركات والسكون وسائر ما أقدر عليه العباد وأنه قادر على أن يضطرهم إلى ما هو من جنس ما أقدرهم عليه وإلى المعرفة به سبحانه.

وكان لا يصف ربه بالقدرة على أن يخلق إيماناً يكونون به مؤمنين وكفراً يكونون به كافرين وعدلاً يكونون به عادلين وكلاماً يكونون به متكلمين لأن معنى متكلم أنه فعل الكلام عنده وكذلك القول في سائر ما ذكرناه من العدل والجور عنده وكذلك يحيل ذلك في كل شيء يوصف به الإنسان ومعنى ذلك أنه فاعل مما اشتق له الاسم منه.

وقال أبو الهذيل: لا تشبه أفعال الإنسان فعل البارئ على وجه من الوجوه وكان لا يصف وقال أهل الحق والإثبات أن البارئ قادر على أن يخلق إيماناً يكون عباده به مؤمنين وكفراً يكونون به كافرين وكسباً يكونون به مكتسبين وطاعة يكونون بها مطيعين ومعصية يكونون بها عاصين.

وأنكر أكثر أهل الإثبات أن يكون البارئ موصوفاً بالقدرة على أن يضطر عباده إلى إيمان يكونون به مؤمنين وكفر يكونون به كافرين وعدل يكونون به عادلين وجور يكونون به جائرين.

وقال أبو الهذيل أن البارئ يضطر عباده في الآخرة إلى صدق يكونون به صادقين وكلام يكونون به متكلمين فيلزمه أن يجوز القدرة أن يضطرهم إلى كفر يكونون به كافرين وجور يكونون به جائرين وإلا كان مناقضاً.

فأما أنا فأقول أن كل ما وصف بالقدرة على أن يخلقه كسباً لعباده فهو قادر أن يضطرهم إليه وجائز أن يضطرهم الله سبحانه إلى الجور.

والمعتزلة يصفون البارئ سبحانه بالقدرة على أن يلجئ العباد إلى فعل ما أراده منهم.

وأنكر محمد بن عيسى ذلك وقال: لو ألجأهم لم يكونوا مؤمنين وكذلك لو ألجأهم إلى العدل لم يكونوا عادلين وكذلك لو ألجأهم إلى الكفر لم يكونوا كافرين لأنهم أمروا أن يأتوا بالإيمان طوعاً وأن يتركوا الكفر طوعاً فإذا أتوا به كرهاً وتركوا الكفر كرهاً لم يكونوا مؤمنين.

وكان يقول: إذا فعل الله سبحانه علماً كان غيره به عالماً وكذلك كل علم يفعله فغيره به عالم وكذلك القول في كل شيء يفعله فكان غيره موصوفاً به وكذلك إذا فعل شهوة فغيره بها مشته وكل شهوة يفعلها فغيره بها مشته وإذا فعل عدلاً فهو به عادل وكل عدل يفعله فهو به عادل ولا يوصف البارئ بأنه قادر أن يخلق جوراً لغيره وعن غيره أنالبارئ قادر على جور غيره وإيمان غيره وكفر غيره فقوله أن الله سبحانه قادر كلام صحيح وقوله: على جور غيره وإيمان غيره وقول غيره خطأ وكذلك لا يجوز أن يقال أن البارئ قادر على خلق كسب غيره ولا يقال أنه قادر أن يخلق كسب غيره والقول في هذه المسألة: قادر صواب والقول أنه يخلق كسب غيره و: على كسب غيره خطأ.

وكان يقول أن البارئ قادر على الجور ولا أقول: قادر أن يجور ولم يزل قادراً على الفعل ولا أقول: لم يزل قادراً على أن يفعل لأن القول: قادر أن يفعل إخبار أنه قادر وأنه يفعل كالقول عالم أنه يفعل وزعم أن العدل ما فعله الله سبحانه والجور هو ما لم يفعله وأنه لا يوصف البارئ سبحانه بأنه قادر على عدل لم يفعله واعتل بأنه لو جاز أن يفعل البارئ ما هو عدل لجاز أن يفعل ما هو جور وكان يعارض من قال أن القادر على الفعل قادر أن يفعل.

وكان معمر يقول أن القادر على الحركة قادر أن يتحرك وكان يقول: لما قلتم أنه يقدر على الحبل من لا يقال أنه قادر أن يحبل كذلك قادر على الجور من لا يقال أنه قادر أن يجور وكان يعارض أبا الهذيل فيقول له: إذا قدر القديم على الصدق فيجب أن يكون قادراً على أن يصدق وهذا يوجب أن يكون قادراً على أن يصدق أهل الجنة.

وقال كل من ثبت البارئ قادراً على الظلم والجور من المعتزلة أن البارئ قادر أن يظلم ويجور.

وقال أهل الإثبات أن البارئ قادر على ظلم غيره وجوره وإيمانه وكسبه ولا يوصف بالقدرة على أن يظلم ويجور ولا بالقدرة على أن يكتسب ولم يصفوا ربهم بالقدرة على ظلم لا يكتسبه العباد إلا طوائف منهم فإنهم قالوا أن الله قادر أن يضطر العباد إلى ظلم وجور ولا جور في العالم ولا ظلم فيه إلا والله سبحانه فاعل لذلك.

وقال النظام وأصحابه وعلي الأسواري والجاحظ وغيرهم: لا يوصف الله سبحانه بالقدرة على الظلم والكذب وعلى ترك الأصلح من الأفعال إلى ما ليس بأصلح وقد يقدر على ترك ذلك إلى أمثال له لا نهاية لها مما يقوم مقامه وأحالوا أن يوصف البارئ بالقدرة على عذاب المؤمنين والأطفال وإلقائهم في جهنم.

وقال أبو الهذيل أن الله سبحانه يقدر على الظلم والجور والكذب وعلى أن يجور ويظلم وقال أبو موسى وكثير من المعتزلة أن الله سبحانه يقدر على الظلم والكذب ولا يفعلهما فإذا قيل: فلو فعلهما قالوا: لا يفعلهما أصلاً وهذا الكلام قبيح لا يحسن إطلاقه في رجل من صلحاء المسلمين فكذلك لا يطلق في الله عز وجل وليس بجائز أن يقول قائل: لو زنى أبو بكر وكفر علي كيف يكون القول فيهما وقد علمنا أن الله سبحانه لا يظلم بالدلائل فلذلك نستقبح القول: لو فعل الظلم وكان أبو موسى إذا جدد القول عليه قال: لو ظلم مع وجود الدلائل على أنه لا يظلم لكانت تدل دلائل على أنه يظلم وكان يكون رباً إلهاً قادراً ظالماً قالوا: فأما الجهل فالقول فيه على وجهين: إن أراد السائل بالجهل الأفعال التي تسمى جهلاً فالقول فيه كالقول في الظلم والكذب وإن أراد جهل الذات بالأشياء على معنى أنها تخفى عليه فنحن لم نقل أنه قادر على أضداده.

وكان بشر بن المعتمر إذا سئل فقيل له: هل يقدر الله سبحانه أن يعذب الطفل قال: نعم ولو عذبه لكان كافراً بالغاً مستحقاً للعذاب.

وكان أبو الهذيل إذا قيل له: فلو فعل الله الظلم قال: محال أن يفعله.

وكان محمد بن شبيب يقول: يقدر الله أن يظلم ويجور ويكذب ولكن الظلم والكذب لا يكونان إلا ممن به آفة فعلمت أنه لا يكون من الله عز وجل واعتل بأن الله سبحانه لو خبرنا أنه لا يدخل هذه الدار إلا حمار وكان الإنسان قادراً على دخولها لم تكن قدرته على ذلك قدرة على أن يكون حماراً فكذلك الجور لا يكون إلا من منقوص وليس قدرة البارئ على الجور قدرة على أن يكون منقوصاً.

وقال بعض المتكلمين: يقدر الله أن يفعل الظلم وخلافه والصدق وخلافه قال: فإن قال قائل: أفمعكم أمان من أن يفعله قلنا: نعم هو ما أظهر من حكمته وأدلته على نفي الظلم والجور والكذب فإن قيل: أفيقدر مع الدليل أن يفعل الظلم والكذب قال: نعم يقدر مع الدليل أن يفعل مفرداً من الدليل لا بأن نتوهم الدليل دليلاً والظلم واقعاً لأن في توهمنا الدليل دليلاً علماً بأن الظلم لا يقع وإذا قلت يفعل الظلم توهمت الظلم واقعاً وعلمته كائناً مع علمك أنه غير كائن ومحال أن يجتمع العلم والتوهم بوقوعه والعلم والتوهم بأنه غير واقع فلم يجز اجتماع هذين التوهمين وهذين العلمين في قلب واحد قال: ونظير ذلك أن قائلاً لو قال: يقدر من أخبر الله أنه لا يؤمن على الإيمان قيل له: يقدر مع وجود الخبر أن يفعل الإيمان ولا بأن نتوهم وقوع الإيمان ووجود الخبر ولكن على أن نتوهم وقوع الإيمان مفرداً من وجود الخبر وإلى هذا القول كان يذهب جعفر بن حرب.

وذهب إلى هذا القول البلخي وزعم أن الظلم لو وقع لكانت العقول بحالها ولكن الأشياء التي يستدل بها العقول كانت تكون غير هذه الأشياء الدالة يومنا هذا وكانت تكون هي هي ولكن على خلاف هيئاتها ونظمها واتساقها التي هي عليه اليوم.

وكان الإسكافي يقول: يقدر الله سبحانه على الظلم ولا يقع لأن الأجسام تدل بما فيها من العقول والنعم التي أنعم بها على خلقه أن الله لا يظلم والعقول تدل بأنفسها على أن الله سبحانه ليس بظالم وأنه ليس يجوز أن يجامع الظلم ما دل لنفسه على أن الظلم لا يقع منه فإذا قيل له: فلو وقع الظلم منه كيف كانت تكون القصة قال: يقع والأجسام معراة من العقول التي دلت بأنفسها وبعينها على أنه لا يظلم.

وكان الفوطي وعباد إذا قيل لهما: فلو فعل الظلم كيف كانت تكون القصة أحالا هذا القول وقالا: إن أراد القائل بقوله لو الشك فليس عندنا شك في أنه لا يظلم وإن أراد القائل بقوله لو النفي فقد قال أن الله لا يظلم ولا يجور.

القول في أن الله قادر على ما علم أنه لا يكون: قال أكثر المنتحلين للتوحيد أن الله قادر على ما علم أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون فإذا قيل لهم: فلو فعل ذلك اختلفوا في الجواب فقال أكثرهم: لو فعل ذلك لكان عالماً أنه يفعله فلم يكن الخبر بأنه لا يفعله سابقاً ولكن الخبر بأنه يفعله سابقاً.

وكان علي الأسواري يحيل أن يقرن القول أن الله يقدر على الشيء أن يفعله بالقول أنه عالم أنه لا يكون وأنه قد أخبر أنه لا يكون وإذا أفرد أحد القولين من الآخر كان الكلام صحيحاً وقيل أن الله سبحانه قادر على ذلك الشيء أن يفعله.

وقال سليمان بن جرير: إن قال قائل: تقولون أن الله قادر على فعل ما علم أنه لا يفعله قلنا: هذا كلام له وجهان: إن كنتم تعنون ما جاء به الخبر أنه لا يفعله فلا يجوز القول يقدر عليه ولا لا يقدر عليه لأن القول بذلك محال وأما ما لم يجئ به خبر فإن كان مثل ما في العقول دفعه عن الله أن يوصف به وأن من وصفه به محيل فالجواب في ذلك مثل الجواب فيما جاء به الخبر من إحالة القولين وأما ما لم يجئ به خبر وليس في العقول ما يدفعه فإن القول أنه يقدر على ذلك جائز وإنما جاز ذلك لجهلنا بالمغيب منه وأنه ليس في عقولنا ما يدفعه وأنا قد رأينا مثله مخلوقاً فإن قالوا: فيعلم البارئ أنه قادر على فعل ما علم أنه لا يفعله قيل: لهذا وجهان إن كنتم تعنون أنه يعلم أنه لا يفعله وأنه يقدر على فعل ما علم أنه لا يفعله والعلم موجود بأنه لا يفعله فالسؤال في هذا محال وإن كنتم تعنون أنه قادر على فعل ما علم أنه لا يفعله على معنى أنه لو فعله كان هو المعلوم وأن القدرة عليه جائزة لو كان المعلوم أنه كائن فقد نقول أنه قادر على فعل ما علم أنه لا يفعله على هذا المعنى.

وقال عباد: ما علم الله أنه لا يكون لا أقول أنه قادر على أن يكون ولكن أقول: قادر عليه كما أقول: الله عالم به ولا أقول: عالم بأن يكون لأن إخباري بأن الله قادر على أن يكون ما علم أنه لا يكون إخبار أنه يقدر وأنه يكون وكذلك الجواب فيما أخبر الله أنه لا يكون عنده وكان إذا قيل له: فلو فعل ما علم أنه لا يفعله أحال قول القائل.

وكان محمد بن عبد الوهاب الجبائي إذا قيل له: فلو فعل القديم ما علم أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون كيف كان يكون العلم والخبر أحال ذلك وكان يقول مع هذا: لو آمن من علم الله أنه لا يؤمن لأدخله الله الجنة وكان يزعم أنه إذا وصل مقدور بمقدور صح الكلام كقوله: لو آمن الإنسان أدخله الله الجنة وكان الإيمان خيراً له وكقول الله عز وجل: " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " فالرد مقدور فقال: لو كان الرد المقدور لكان منهم عود مقدور ويزعم أنه إذا وصل محال بمحال صح الكلام كقول القائل: لو كان الجسم متحركاً ساكناً في حال لكان حياً ميتاً في حال وما أشبه ذلك ويزعم أنه إذا وصل مقدور بما هو مستحيل استحال الكلام وهذا كقول القائل: لو آمن من علم الله وأخبر أنه لا يؤمن كيف كان يكون العلم والخبر وذلك أنه إن قال: كان يكون الخبر عن أنه يؤمن سابقاً بأن لا يكون كان الخبر الذي كان بأنه لا يؤمن وبأن لا يكون لم يزل عالماً استحال الكلام لأنه يستحيل أن لا يكون ما قد كان بأن لا يكون كان ويستحيل أن لا يكون البارئ عالماً بما لم يزل عالماً به بأن لا يكون لم يزل عالماً وإن قال: كان يكون الخبر عن أنه لا يكون والعلم بأنه لا يكون ثابتاً صحيحاً وإن كان الشيء الذي علم وأخبر أنه لا يكون استحال الكلام فلما كان على أي وجه أجيب عن ذلك استحال الكلام لم يكن الوجه في الجواب إلا نفس إحالة سؤال السائل.

واختلفوا في قدرة الإنسان على ما علم الله أنه لا يكون

فأجازت المعتزلة ذلك وأنكره أهل الإثبات.

واختلفوا في جواز كون ما علم الله أنه لا يكون: فقال أكثر المعتزلة: ما علم الله أنه لا يكون لاستحالته أو للعجز عنه فلا يجوز كونه مع استحالته ولا مع العجز عنه ومن قال أنه يجوز أن يكون المعجوز عنه بأن يرتفع العجز عنه وتحدث القوة عليه فيكون الله عالماً بأنه يكون يذهب بقوله يجوز إلى أن الله قادر على ذلك فقد صدق وما علم الله أنه لا يكون لترك فاعله له فمن قال: يجوز أن يكون بأن لا يتركه فاعله ويفعل أخذه بدلاً من تركه فيكون الله عالماً بأنه يفعله يريد بقوله يجوز يقدر فذلك صحيح.

وقال الأسواري مثل ما حكيناه من إنكاره أن يقال أن الله قادر على أن يكون ما علم أنه لا يكون.

وقال عباد بن سليمان: قول من قال: يجوز أن يكون ما علم الله أنه لا يكون كقوله: يكون ما علم الله أنه لا يكون وأحال القول: يجوز ما علم الله أنه لا يكون لأن معنى يجوز معنى يكون عنده.

وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي: ما علم الله سبحانه أنه لا يكون وأخبر بأنه لا يكون فلا يجوز أن يكون عند من صدق بأخبار الله عز وجل وما علم الله أنه لا يكون ولم يخبر بأنه لا يكون فجائز عندنا أن يكون وتجويزنا لذلك هو الشك في أن يكون أو لا يكون لأن يجوز عنده بمعنى الشك وبمعنى يحل.

وكل المعتزلة لا يجوز أن يكون الشيء في حال كون ضده على البدل بأن لا يكون كان ضده وينكر ذلك ممن قال ذلك من أهل الإثبات ويقول أكثرهم أنه جائز أن يكون ما أخبر الله أنه لا يكون بأن لا يكون كان أخبر أنه لا يكون فإن كان تجويزهم لهذا ليس بتجويز لأن يكون الشيء كائناً لا كائناً في حال واحدة فكذلك تجويز من جوز كون الشيء في حال كون ضده من أهل الإثبات ليس بتجويز لاجتماع المتضادات.

واختلف الناس هل يقدر الله سبحانه أن يقدر أحداً على فعل الأجسام أم لا يوصف بالقدرة على ذلك وهل يقدر الله أن يقدر أحداً على فعل الحياة والموت أم لا يوصف بالقدرة على ذلك فقال معمر: لا يوصف الله سبحانه بالقدرة على أن يخلق قدرة لأحد وما خلق الله لأحد قدرة على موت ولا حياة ولا يجوز ذلك عليه.

وقال النظام والأصم: لا يوصف الله بالقدرة على أن يخلق قدرة غير القادر وحياة غير الحي وأحالا ذلك.

وقال عامة أهل الإسلام أن الله سبحانه قد أقدر العباد وأحياهم وأنه لا يقدر أحد إلا بأن يخلق الله له القدرة ولا يكون حياً إلا بأن يخلق الله له الحياة.

وقال قائلون من المشبهة أن الله سبحانه قد أقدر العباد على فعل الأجسام وأنه لا يفعل إلا ما كان جسماً وأن العباد يفعلون الأجسام الطويلة العريضة العميقة.

وقال قوم من الغالية أن الله سبحانه قد أقدر علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على فعل الأجسام وفوض إليه الأمور والتدبيرات.

وقال قوم منهم أن الله سبحانه قد أقدر نبيه عليه السلام على فعل الأجسام واختراع الأنام وهذا كقول من قال من النصارى أن الله خص عيسى بلطيفة يخترع بها الأجرام وينشئ بها الأجسام وهو كقول من قال من اليهود أن الله سبحانه خلق ملكاً وأقدره على خلق الدنيا فذلك الملك هو الذي خلق الدنيا وأبدعها وأرسل الرسل وأنزل الكتب وهو قول أصحاب ابن ياسين وهو مشتق من قول أصحاب الفلك الذين قالوا أن الله خلق الفلك وأن الفلك هو الذي خلق الأجسام وأبدع هذا العالم الذي يلحقه الكون والفساد وأن ما أبدعه البارئ لا يلحقه كون ولا فساد.

وقال بعض الضعفاء من العامة أن النبيين هم الذين فعلوا المعجزات والأعلام التي ظهرت عليهم.

وقال عامة أهل الإسلام: لا يجوز أن يقدر الله سبحانه مخلوقاً على خلق الأجسام ولا يوصف البارئ بالقدرة على أن يقدر أحداً على ذلك ولو جاز ذلك لم يكن في الأشياء دلالة على أن خالقها ليس بجسم وأما الحياة والموت وسائر الأعراض فقد أنكر الوصف لله سبحانه بالقدرة على الإقدار عليها كثير من أهل النظر حتى أنكروا أن يوصف الله سبحانه بالقدرة على أن يقدر أحداً على لون أو طعم أو رائحة أو حرارة أو برودة وكل عرض لا يجوز أن يفعله الإنسان فحكمه هذا الحكم عندهم وهذا قول أبي الهذيل والجبائي.

وقال قوم: يجوز أن يقدر الله سبحانه عباده على فعل الألوان والطعوم والأراييح والإدراك بل قد أقدرهم على ذلك ولا يجوز أن يقدر أحداً على الحياة والموت وهذا قول بشر بن المعتمر.

وكان أبو الحسين الصالحي يقول في كل الأعراض من الحياة والموت وغيرهما أن الله قادر على أن يقدر عباده على ذلك وينكر الوصف لله بالقدرة على أن يقدرهم على الجواهر.

وقال النظام: لا يجوز أن يقدر الله سبحانه أحداً إلا على الحركات لأنه لا عرض إلا الحركات وهي جنس واحد ولا يجوز أن يقدر على الجواهر ولا على أن يخلق الإنسان في غيره حياة.

وقال أكثر المعتزلة أن الله قد أقدر العباد أن يفعلوا في غير حيزهم.

وقال بعض المتكلمين أن العباد قد أعجزهم الله سبحانه عن اختراع الجواهر لأنفسهم وهم عاجزون عن ذلك لأعيانهم.

وقال بعضهم: لا يوصفون بالقدرة على ذلك ولا بالعجز عنه لاستحالته.

وقال النجار أن الإنسان قادر على الكسب عاجز عن الخلق وأن المقدور على كسبه هو المعجوز عن خلقه.

وأبى ذلك غيره وقالوا: لا نقول أن الله سبحانه أعجزنا عن الخلق ولا نقول أقدرنا عليه لاستحالة ذلك وإن كنا قادرين على الكسب كما أن الحركة التي يقدر البارئ عليها لا يوصف بالقدرة على أن يحلها الله في نفسه ولا بالعجز.

واختلفوا هل يقدر الله سبحانه أن يقلب الأعراض أجساماً والأجسام أعراضاً

فقال قائلون: الأشياء إنما كانت على ما هي عليه بأن خلقها على ما هي عليه وهو قادر على أن يقلب الأجسام أعراضاً والأعراض أجساماً وأكثر القائلين بهذا القول يقولون: الجسم إنما هو وقال قائلون: الوصف لله بالقدرة على هذا يستحيل لأن القلب إنما هو إبطال أعراض من الشيء وخلق أعراض فيه والأعراض فليست محتملة لأعراض تبطل منها وتوجد فيها غيرها فتنقلب والأعراض لم تكن أعراضاً لأعراض خلقت فيها فتكون الأجسام إذا حلتها تلك الأعراض انقلبت أعراضاً واعتلوا بعلل غير هذه العلة.

واختلفوا هل يوصف البارئ بالقدرة

على أن يرفع جميع اجتماع الأجسام حتى تكون أجزاءً لا تتجزأ: فأنكر ذلك النظام ومن أنكر الجزء الذي لا يتجزأ.

واختلفوا هل يقدر الله عز وجل أن يجمع بين العلم والقدرة والموت وكذلك بين الإرادة والموت أم لا: فقال أكثر أهل الكلام: يستحيل أن يجمع الله سبحانه بين القدرة والعلم والإرادة والموت كما يستحيل أن يجمع بين الحياة والموت وهذا قول أبي الهذيل ومعمر وهشام وبشر بن المعتمر وسائر المعتزلة.

واختلف هؤلاء هل يجوز أن يفرد الله الحياة من القدرة أم لا: فأجاز ذلك أبو الهذيل وأنكره عباد.

وقال صالح وأبو الحسين المعروف بالصالحي أن الله سبحانه قادر على أن يجمع بين العلم والقدرة والموت كما جمع بين الحياة والجهل والعجز والكراهة لأنه إذا جامع عرض من الأعراض جاز أن يجامع ضده ضد ذلك العرض وما ضاد عرضاً من الأعراض ضاد ضده ضد ذلك العرض فلو كان العلم يضاد الموت لكانت الحياة تضاد الجهل ولو كانت القدرة والإرادة تضادان الموت لكانت الكراهة والعجز يضادان الحياة فلما جاز كون الجهل والعجز والكراهة مع الحياة جاز كون العلم والقدرة والإرادة مع الموت وأحالوا أن يوصف البارئ بالقدرة على أن يجمع بين الحياة والموت وجوزوا القدرة على أن يفرد الله سبحانه الحياة من القدرة.

وثبت أبو الحسين وأبو الهذيل ومن ذهب إلى قول قدرة الله سبحانه على خلق الإدراك مع العمى فزعم أبو الهذيل أن الإدراك هو علم القلب وزعم الصالحي أن الإدراك مع العمى يجوز أن يحلا في موضع واحد لأن العمى لو ضاد الإدراك لضاد البصر الذي هو ضد العمى وأنكر هذا سائر المعتزلة.

ووصفا ربهما بالقدرة على أن يجمع بين القطن والنار ولا يقع إحراق وبين الحجر على ثقله والجو على رقته ولا يفعل هبوطاً.

وأنكر ذلك قوم آخرون.

فأما محمد بن عبد الوهاب الجبائي فإنه لا يصف ربه بالقدرة على أن يخلق الإدراك مع العمى لأن العمى عنده ضد الإدراك ويصف ربه بالقدرة على أن يجمع بين النار والقطن ولا يخلق إحراقاً وأن يسكن الحجر في الجو فيكون ساكناً لا على عمد من تحته وإذا جمع بين النار والقطن فعل ما ينفي الإحراق وسكن النار فلم تدخل بين أجزاء القطن فلم يوجد إحراق.

وكان صالح وأبو الحسين يصفان الله عز وجل بالقدرة على أن يجمع بين البصر الصحيح والمرئي ويرفع الآفات ولا يخلق إدراكاً وأن يكون الفيل بحضرة الإنسان والذرة بالبعد منه وهو مقابل لهما فيخلق فيه إدراكاً للذرة ولا يخلق إدراكاً للفيل.

ويجوزان أن يخلق الله سبحانه جوهراً لا أعراض فيه ويرفع الأعراض من الجواهر فتكون لا متحركة ولا ساكنة ولا مجتمعة ولا متفرقة ولا حارة ولا باردة ولا رطبة ولا يابسة ولا ملونة ولا مطعمة ولا قابلة لشيء من الأعراض.

وأحال ذلك عامة أهل النظر لأنه محال عند كثير من أهل الصلاة أن يوجد الجوهر متعرياً من الأعراض فأما الجمع بين البصر الصحيح والمرئي مع ارتفاع الآفات ولا يخلق إدراكاً فذلك فاسد أيضاً عند كثير من أهل النظر لأن الله عز وجل إذا لم يخلق عرضاً خلق ما يضاده وإلا لزم تعرى الجواهر من المتضادات ومن الأعراض وعفا عنها وذلك فاسد.

اختلف الناس في ذلك فقال عامة أهل التوحيد أن الله قادر على إيقاف الأرض لا على شيء وقد أوقفها لا على شيء وهذا قول أبي الهذيل وغيره.

وقال قائلون: لا يوصف البارئ بالقدرة على إيقاف الأرض لا على شيء وأن يحركها لا في شيء بل يخلق تحتها في كل وقت جسماً ثم يعدمه بعد وجوده ثم يخلق مع عدمه جسماً آخر تقف الأرض عليه ثم كذلك أبداً لأن الجسم إذا وجد لا حالي لا بد عندهم من أن يكون متحركاً أو ساكناً ويستحيل أن يتحرك المتحرك إلا عن شيء أو يسكن الساكن إلا على شيء.

وقال قائلون: لا يوصف البارئ بالقدرة على إيقافها لا على شيء غير أنه خلق تحت الأرض جسماً طبعه الصعود وعمله في الصعود كعمل الأرض في الهبوط فلما كافأ ذلك وقفت.

وقال بعضهم: لا ولكنه خلق الأرض من جنسين جنس ثقيل وجنس خفيف على الاعتدال فوقفت لذلك.

وذكر ابن الراوندي أن طوائف من المنتحلين للتوحيد قالوا: لا يتم التوحيد لموحد إلا بأن يصف البارئ سبحانه بالقدرة على الجمع بين الحياة والموت والحركة والسكون وأن يجعل الجسم في مكانين في وقت واحد وأن يجعل الواحد الذي لا ينقسم مائة ألف شيء من غير زيادة وأن يجعل مائة ألف شيء شيئاً واحداً من غير أن ينقص من ذلك شيئاً ولا يبطله وأنهم وصفوا البارئ سبحانه بالقدرة على أن يجعل الدنيا في بيضة والدنيا على كبرها والبيضة على صغرها وبالقدرة على أن يخلق مثله وأن يخلق نفسه وأن يجعل المحدثات قديمة والقديم محدثاً وهذا قول لم نسمع به قط ولا نرى أن أحداً يقوله وإنما دلسه اللعين ليعتقده من لا معرفة له ولا علم عنده.

واختلفوا هل يوصف البارئ بالقدرة على أن يخلق جواهر لا أعراض فيها أم لا

فقال قائلون: قد يوصف البارئ بالقدرة على أن يوجد جواهر لا أعراض فيها فتوجد ولا تكون فيها أعراض.

وقال قائلون: يستحيل أن يوجد البارئ جواهر لا أعراض فيها أو يوصف بالقدرة على ذلك.

واختلفوا هل يوصف البارئ بالقدرة على لطيفة لو فعلها بمن علم أنه لا يؤمن لآمن

فقال أهل الإثبات جميعاً وبشر بن المعتمر وجعفر بن حرب أن الله سبحانه يقدر على لطيفة لو فعلها بمن علم أنه لا يؤمن لآمن غير أن جعفر بن حرب كان يقول أنه إن فعلها بمن علم أنه لا يؤمن لم يكو يستحق من الثواب على الإيمان ما يستحقه إذا لم يفعلها به فعرضه الله سبحانه بأن لم يفعل ذلك به للمنزلة السنية والأصلح لهم ما فعله الله سبحانه بهم ولم يكن بشر يقول أن الله سبحانه لو فعل اللطيفة لم يكن الذي فعل به يستحق من الثواب دون ما يستحق إذا لم يفعلها به ثم رجع جعفر بن حرب عن القول باللطف بعد ذلك فيما حكي عنه.

وقال بشر أن ما يقدر الله عليه من اللطف لا غاية له ولا نهاية وعند الله من اللطف ما هو أصلح مما فعل ولم يفعله ولو فعله بالخلق آمنوا طوعاً لا كرهاً وقد فعل بهم لطفاً يقدرون به على ما كلفهم.

وقالت المعتزلة كلها غير بشر بن المعتمر أنه لا لطف عند الله لو فعله بمن لا يؤمن لآمن ولو كان عنده لطف لو فعله بالكفار لآمنوا ثم لم يفعل بهم ذلك لم يكن مريداً لمنفعتهم فلم يصفوا ربهم بالقدرة على ذلك تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

وقال أكثر هؤلاء في جواب من سألهم: هل يوصف البارئ أنه قادر على أصلح مما فعله عباده إن أردتم أن الله سبحانه يقدر على أمثال الذي هو أصلح مما فعله بعباده فالله يقدر من أمثاله على ما لا غاية له ولا نهاية وإن أردتم يقدر على شيء أصلح من هذا قد ادخره عن عباده مع علمه بحاجتهم إليه في إدراك ما كلفم فإن أصلح الأشياء هو الغاية ولا شيء يتوهم وراء الغاية فيقدر عليه أو يعجز عنه لأن ما فعله بهم فهو غاية الصلاح.

وهذا - زعموا - كقول من قال يقدر الله سبحانه أن يخلق صغيراً أصغر من الجزء الذي لا يتجزأ وأجابوا أيضاً بجواب آخر وهو أنه لا شيء فعله الله سبحانه بعبد الله من الصلاح إلا وهو قادر على أصلح منه لزيد ولا صلاح فعله بزيد إلا وهو يقدر على ما هو أصلح منه لمحمد وكذلك كل واحد من عبيده أبداً وزعموا أنه لا يجوز في حكمة الله سبحانه أن يدخر عنهم شيئاً أصلح مما فعله بهم لهم وأن أدنى فعله بهم ليس في مقدوره ما هو أصلح لهم منه وليس شيء فعله بهم من الصلاح إلا وهو قادر على مثله أو أمثاله لا غاية لذلك ولا جميع له وأنه قادر على دون ما فعله بهم من الصلاح وعلى ضده من الفساد.

وقال بعض من لا يصف الله بالقدرة على لطيفة لو فعلها بمن علم أنه لا يؤمن من الكفار لآمن: قد يوصف القديم بالقدرة على أن يفعل بعباده في باب الدرجات والزيادة من الثواب أكثر مما فعله بهم لأنه لو بقاه أكثر مما يبقى لازداد إلى طاعاته طاعات يكون ثوابه أعظم من ثوابه لما اخترمه فأما ما هو استدعاء إلى فعل الإيمان واستصلاح التكليف فلا يوصف بالقدرة على أصلح مما فعله بهم وهذا قول الجبائي.

وليس يجيز ذلك من وصفنا قوله آنفاً من أصحاب الأصلح أن يكون قادراً على منزلة يكون عبده أعظم ثواباً إذا فعلها به ثم لا يفعلها به.

وقال عباد: ما وصف البارئ بأنه قادر عليه عالم بفعله وهو لا يفعله فهو جور.

وقال إبراهيم النظام أن ما يقدر الله عليه من اللطف لا غاية له ولا كل وأن ما فعل من اللطف لا شيء أصلح منه إلا أن له عند الله سبحانه أمثالاً ولكل مثل مثل ولا يقال يقدر على أصلح مما فعل أن يفعل ولا يقال يقدر على دون ما فعل أن يفعل لأن فعل ما دون نقص ولا يجوز على الله عز وجل فعل النقص ولا يقال يقدر على ما هو أصلح لأن الله سبحانه لو قدر على ذلك ولم يفعل كان ذلك بخلاً.

وقال آخرون أن ما يقدر الله سبحانه عليه من اللطف له غاية وكل وجميع وما فعله الله سبحانه لا شيء أصلح منه والله يقدر على مثله وعلى ما هو دونه ولا يفعله وزعموا أن فعل ما هو دون من الصلاح مع فعل الأصلح من الأشياء فساد وأن الله سبحانه لو فعل ما هو دون ومنع ما هو أصلح لكانا جميعاً فساداً وقالوا: لا يقال يقدر الله سبحانه على فعل ما هو أصلح مما فعل لأنه لو قدر على ذلك كان فعل ما هو أصلح أولى والله سبحانه لا يدع فعل ما هو أصلح لأنه أولى به ولأنه لم يخلق الخلق لحاجة به إليهم وإنما خلقهم لأن خلقه لهم حكمة وإنما أراد منفعتهم وليس ببخيل تبارك وتعالى فمن ثم لم يجز أن يدع ما هو أصلح ويفعل ما هو دون ذلك غير أنه يقدر على دون ما صنع ومثله لأنه غير عاجز ولو لم يوصف أنه قادر على ذلك لكان يوصف بالعجز وهذا قول أبي الهذيل.

وقال أهل الإثبات: ما يقدر الله سبحانه عليه من اللطف لا غاية له ولا نهاية ولا لطف يقدر عليه إلا وقد يقدر على ما هو أصلح منه وعلى ما هو دونه وليس كل من كلفه لطف له وإنما لطف للمؤمنين ومن لطف له كان مؤمناً في حال لطف الله سبحانه له لأن الله لا ينفع أحداً إلا انتفع وزعموا أن الله سبحانه قد كلف قوماً لم يلطف لهم وزعموا أن القدرة على الطاعة لطف وأن الطاعة نفسها لطف وأن القرآن والأدلة كلها لطف وخير للمؤمنين وهي عمى وشر وبلاء وخزي على الكافرين واعتلوا بقول الله عز وجل: " قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى " وبقوله: " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون " وبقوله: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا " وبقوله: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم " وما أشبه ذلك من آي القرآن.

وقال آخرون: ما يقدر الله تعالى عليه من الصلاح له كل وغاية ولا شيء أصلح مما فعل ويقدر على ما هو دونه ولا يقال يقدر على ما هو أصلح مما فعل ولا مثله لأنه لو قدر على مثله - زعموا - لم يكن ما فعل أصلح الأمور وقالوا: لو قدر على ما هو أصلح مما فعل فلم يفعل كان قد بخل وقالوا: لا يجوز أن يأمر العباد بغير ما أمرهم به.

وقال آخرون: ما يقدر عليه من الاستصلاح له كل وجميع ولا استصلاح إلا ما فعل أو يفعل ولا يقال يقدر على أصلح مما فعل ولا على مثله ولا على صلاح دون ما فعل لأن الله عز وجل لا يدع صلاحاً إلا فعله لأنه ليس ببخيل فيمنع نعمة ويدخر فضيلة وأنه لا يموت العبد إلا ولم يبق له صلاح إلا فعله به.

القول في أن البارئ لم يزل محسناً: قال قائلون: لم يزل البارئ محسناً كيف يفعل بمعنى أنه لم يزل عالماً كيف يفعل لا على معنى أنه لم يزل محسناً بالإحسان ولا على إثبات الإحسان لم يزل وقال قائلون: لم يزل الله محسناً على الحقيقة.

وقال قائلون: الإحسان فعل ولا يجوز أن يقال لم يزل البارئ محسناً إلا بمعنى أنه لم يزل محسناً إلى الخلق منذ خلقهم فيكون لإحسانه أول وغاية وقال قائلون: لم يزل البارئ محسناً على أن سيحسن.

واختلفوا هل يقال لم يزل البارئ غير محسن

فقال قائلون: لا يجوز إطلاق ذلك وإن كان الإحسان فعلاً.

وقال قائلون: لم يزل البارئ غير محسن.

واختلفوا هل يقال لم يزل البارئ عادلاً بنفي الجور عنه: فقال قائلون: لم يزل البارئ عادلاً على إثباته عادلاً وأنه لم يزل كذلك في الحقيقة.

واختلفوا هل يقال لم يزل البارئ غير عادل أم لا: فقال قائلون: لا يقال ذلك وقال قائلون: لم يزل غير عادل ولا جائر.

واختلفوا هل يقال لم يزل البارئ حليماً أم لا يقال ذلك: فقال قائلون: لم يزل البارئ حليماً بنفي السفه عنه.

وقال قائلون: لم يزل حليماً على إثباته لم يزل كذلك لا على معنى نفي السفه وقال قائلون: لا يقال لم يزل حليماً لأن الحلم فعل.

واختلف الذين قالوا الحلم فعل هل يقال لم يزل البارئ غير حليم أم لا: فقال قائلون: لم يزل البارئ غير حليم ولا سفيه وقال قائلون منهم: لا يقال ذلك وقال قائلون: لم يزل البارئ خالقاً عادلاً حليماً محسناً على أنه لم زيل قادراً على ذلك.

القول في أن الله لم يزل صادقاً: قالت المعتزلة وكثير من أهل الكلام: الوصف لله بالصدق من صفات الفعل وأنه لا يجوز أن يقال أن الله سبحانه لم يزل صادقاً.

وحكي عن جعفر بن محمد بن علي رضوان الله عليهم أنه كان يزعم أن الله لم يزل صادقاً بنفي الكذب.

وكان النجار يقول: لم يزل البارئ صادقاً على معنى لم يزل قادراً على الصدق وقال قائلون: لم يزل الله صادقاً في الحقيقة على إثبات الصدق صفة له.

وقال قائلون: لم يزل الله متكلماُ ولا يسمى كلامه خبراً إلا لعلة والصدق من الأخبار فلذلك لا أقول: لم يزل صادقاً.

واختلف الذين قالوا الصدق فعل هل يقال لم يزل البارئ غير صادق فقال قائلون منهم: لا يقال ذلك وقال قائلون منهم: لم يزل غير صادق ولا كاذب.

واختلفوا في رحيم فقال قائلون: لم يزل الله رحيماً وقال قائلون: الرحمة فعل ولا يقال لم يزل رحيماً.

واختلف الذين زعموا أن الرحمة فعل هل يقال لم يزل البارئ غير رحيم فأجاز ذلك بعضهم.

القول في مالك: قال قوم: هو من صفات الذات لم يزل مالكاً واختلف الذين قالوا ذلك فقال بعضهم: معنى مالك معنى قادر.

القول في الولاية والعداوة والرضى والسخط: قالت المعتزلة أن ولاية الله وعداوته ورضاه وسخطه من صفات فعله وقال سليمان بن جرير القول في القرآن قالت المعتزلة والخوارج وأكثر الزيدية والمرجئة وكثير من الرافضة أن القرآن كلام الله سبحانه وأنه مخلوق لله لم يكن ثم كان.

وقال هشام بن الحكم ومن ذهب مذهبه أن القرآن صفة لله لا يجوز أن يقال أنه مخلوق ولا أنه خالق هكذا الحكاية عنه وزاد البلخي في الحكاية أنه قال: لا يقال غير مخلوق أيضاً كما لا يقال مخلوق لأن الصفات لا توصف.

وحكى زرقان عنه أن القرآن على ضربين: إن كنت تريد المسموع فقد خلق الله سبحانه الصوت المقطع وهو رسم القرآن وأما القرآن ففعل الله مثل العلم والحركة منه لا هو هو ولا هو غيره.

وقال محمد بن شجاع الثلجي ومن وافقه من الواقفة أن القرآن كلام الله وأنه محدث كان بعد أن لم يكن وبالله كان وهو الذي أحدثه وامتنعوا من إطلاق القول بأنه مخلوق أو غير مخلوق.

وقال زهير الأثري أن القرآن كلام الله محدث غير مخلوق وأنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد.

وبلغني عن بعض المتفقهة أنه كان يقول أن الله لم يزل متكلماً بمعنى أنه لم يزل قادراً على الكلام ويقول أن كلام الله محدث غير مخلوق وهذا قول داود الأصبهاني.

وقال أبو معاذ التومني: القرآن كلام الله وهو حدث وليس بمحدث وفعل وليس لمفعول وامتنع أن يزعم أنه خلق ويقول ليس بخلق ولا مخلوق وأنه قائم بالله ومحال أن يتكلم الله سبحانه بكلام قائم بغيره كما يستحيل أن يتحرك بحركة قائمة بغيره وكذلك يقول في إرادة الله ومحبته وبغضه أن ذلك أجمع قائم بالله وكان يقول أن بعض القرآن أمر وهو الإرادة من الله سبحانه للإيمان لأن معنى أن الله أراد الإيمان هو أنه أمر به.

وحكى زرقان عن معمر أنه قال أن الله سبحانه خلق الجوهر والأعراض التي هي فيه هي فعل الجوهر وإنما هي فعل الطبيعة فالقرآن فعل الجوهر الذي هو فيه بطبعه فهو لا خالق ولا مخلوق وهو محدث للشيء الذي هو حال فيه بطبعه.

وحكي عن ثمامة بن أشرس النميري أنه قال: يجوز أن يكون من الطبيعة ويجوز أن يكون الله سبحانه يبتدئه فإن كان الله سبحانه ابتدأه فهو مخلوق وإن كان فعل الطبيعة فهو لا خالق ولا مخلوق.

وهذا قول عبد الله بن كلاب: قال عبد الله بن كلاب أن الله سبحانه لم يزل متكلماً وأن كلام الله سبحانه صفة له قائمة به وأنه قديم بكلامه وأن كلامه قائم به كما أن العلم قائم به والقدرة قائمة به وهو قديم بعلمه وقدرته وأن الكلام ليس بحروف ولا صوت ولا ينقسم ولا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتغاير وأنه معنى واحد بالله عز وجل وأن الرسم هو الحروف المتغايرة وهو قراءة القرآن وأنه خطأ أن يقال: كلام الله هو هو أو بعضه أو غيره وأن العبارات عن كلام الله سبحانه تختلف وتتغاير وكلام الله سبحانه ليس بمختلف ولا متغاير كما أن ذكرنا لله عز وجل يختلف ويتغاير والمذكور لا يختلف ولا يتغاير وإنما سمي كلام الله سبحانه عربياً لأن الرسم الذي هو العبارة عنه وهو قراءته عربي فسمي عربياً لعلة وكذلك سمي عبرانياً لعلة وهي أن الرسم الذي هو عبارة عنه عبراني وكذلك سمي أمراً لعلة وسمي نهياً لعلة وخبراً لعلة ولم يزل الله متكلماً قبل أن يسمى كلامه أمراً وقبل وجود العلة التي لها سمي كلامه أمراً وكذلك القول في تسمية كلامه نهياً وخبراً وأنكر أن يكون البارئ لم يزل مخبراً أو لم يزل ناهياً وقال أن الله لا يخلق شيئاً إلا قال له كن ويستحيل أن يكون قوله كن مخلوقاً.

وزعم عبد الله بن كلاب أن ما نسمع التالين يتلونه هو عبارة عن كلام الله عز وجل وأن موسى عليه السلام سمع الله متكلماً بكلامه وأن معنى قوله: " فأجره حتى يسمع كلام الله " معناه حتى وقال بعض من أنكر خلق القرآن أن القرآن قد يسمع ويكتب وأنه متغاير غير مخلوق وكذلك العلم غير القدرة والقدرة غير العلم وأن الله سبحانه لا يجوز أن يكون غير صفاته وصفاته متغايرة وهو غير متغاير وقد حكي عن صاحب هذه المقالة أنه قال: بعض القرآن مخلوق وبعضه غير مخلوق فما كان منه مخلوقاً فمثل صفات المخلوقين وغير ذلك من أسمائهم والأخبار عن أفاعيلهم وزعم هؤلاء أن الكلام غير محدث وأن الله سبحانه لم يزل به متكلماً وأنه مع ذلك حروف وأصوات وأن هذه الحروف الكثيرة لم يزل الله سبحانه متكلماً بها.

وحكي عن ابن الماجشون أن نصف القرآن مخلوق ونصفه غير مخلوق.

وحكى بعض من يخبر عن المقالات أن قائلاً من أصحاب الحديث قال: ما كان علماً من علم الله سبحانه في القرآن فلا نقول مخلوق ولا نقول غير الله وما كان فيه من أمر ونهي فهو مخلوق وحكاه هذا الحاكي عن سليمان بن جرير وهو غلط عندي.

وحكى محمد بن شجاع أن فرقة قالت أن القرآن هو الخالق وأن فرقة قالت: هو بعضه وحكى زرقان أن القائل بهذا وكيع ابن الجراح وأن فرقة قالت أن الله بعض القرآن وذهب إلى أنه مسمى فيه فلما كان اسم الله سبحانه في القرآن والاسم هو المسمى كان الله في القرآن وأن فرقة قالت: هو أزلي قائم بالله سبحانه لم يسبقه.

وكل القائلين أن القرآن ليس بمخلوق كنحو عبد الله بن كلاب ومن قال أنه محدث كنحو زهير ومن قال أنه حدث كنحو أبي معاذ التومني يقولون أن القرآن ليس بجسم ولا عرض.

واختلفوا في كلام الله سبحانه هل يسمع أم لا يسمع

فقال قائلون: ليس يسمع كلام الله إلا بمعنى أنا نفهمه وإنما نسمعه متلواً أي نسمع تلاوته وأن موسى عليه السلام سمعه من الله عز وجل.

وقال قائلون: لسنا نسمع كلام الله بأسماعنا ولا نسمع أيضاً كلام البشر بأسماعنا وإنما نسمع في الحقيقة الشيء المتكلم متكلماً فموسى سمع الله سبحانه متكلماً ولا سمع كلاماً في الحقيقة وأنه يستحيل أن يسمع ما ليس بقائم بنفسه.

وقال قائلون: المسموع هو الكلام أو الصوت وكلام البشر يسمع في الحقيقة وكذلك كلام الله نسمعه في الحقيقة إذا كان متلواً وأنه هذه الحروف التي نسمعها ولا نسمع الكلام إذا كان محفوظاً أو مكتوباً.

وقال قائلون: لا مسموع إلا الصوت وأن كلام الله سبحانه يسمع لأنه صوت وكلام البشر لا يسمع لأنه ليس بصوت إلا على معنى دلائله التي هي أصوات مقطعة تسمع وهذا قول النظام.

واختلف القائلون أن القرآن مخلوق في القرآن ما هو وكيف يوجد في الأماكن: فقال قائلون: هو جسم من الأجسام ومحال أن يكون عرضاً لأنهم ينكرون أن يكون الله سبحانه أو أحد عباده يفعل عرضاً ولا يفعل عنده شيئاً إلا ما كان جسماً إلا الله وحده فإنه عندهم شيء وليش بجسم ولا عرض هذه حكاية قول جعفر بن مبشر وأظن أنا أن هذا قول الأصم.

وقال قائلون: إن كلام الخلق عرض وهو حركة وأن كلام الخالق جسم وأن ذلك الجسم صوت مقطع مؤلف مسموع وهو فعل الله وإنما أفعل قراءتي وهي حركتي وهي غير القرآن.

وحكى ابن الراوندي أنه سمع بعض أهل هذه المقالة يزعم أنه كلام في الجو وأن القارئ يزيل مانعه بقراءته فيسمع عند ذلك وهذا قول إبراهيم النظام في غالب ظني.

وزعم زاعم أن كلام الله سبحانه باق والأجسام يجوز عليها البقاء وأما كلام المخلوقين فلا يجوز عليه البقاء.

وحكى زرقان عن الجهم أنه كان يقول أن القرآن جسم وهو فعل الله وأنه كان يقول أن الحركات أجسام أيضاً وأنه لا فاعل إلا الله عز وجل.

وقال قائلون: القرآن عرض من الأعراض وأثبتوا الأعراض معاني موجودة منها ما يدرك بالأبصار ومنها ما يدرك بالأسماع ثم كذلك سائر الحواس ونفى هؤلاء أن يكون القرآن جسماً ونفوا عن الله عز وجل أن يكون جسماً.

وقال قائلون: القرآن معنى من المعاني وعين من الأعيان خلقه الله عز وجل ليس بجسم ولا عرض وهذا قول ابن الراوندي.

وبعضهم يثبت الله جسماً وينفي الأعراض ويحيل أن يوجد شيء بعد العدم إلا جسم.

قال جعفر بن مبشر: واختلف الذين زعموا أن كلام الله سبحانه جسم فقالت طائفة منهم أن القرآن جسم خلقه الله سبحانه في اللوح المحفوظ ثم هو من بعد ذلك مع تلاوة كل تال يتلوه مع خط كل من يكتبه ومع حفظ كل من يحفظه فكل تال له فهو ينقله إليه بتلاوته وكذلك كل كاتب يكتبه فهو ينقله إليه بخطه وكذلك كل حافظ فهو ينقله إليه بحفظه فهو منقول إلى كل واحد على حياله وهو جسم قائم مع كل واحد منهم في مكانه على غير النقل المعقول من نقل الأجسام وهو مرئي ندركه بالأبصار كذا حكم الكلام عند هؤلاء فهو جسم خارج عن قضايا سائر الأجسام سواه لا يشبهه شيء من الأجسام ولا يشبه شيئاً منها في معناه: إن لم يكن هذا هكذا فليس القرآن مخلوقاً عندهم وليس بمسموع عندهم.

وقالت طائفة أخرى منهم: القرآن جسم من الأجسام قائم بالله في غير مكان ومحال أن يكون بعينه ينتقل أو ينقل لأنه لا يجوز عند هؤلاء النقلة إلا عن مكان فلما كان القرآن عندهم جسماً قائماً بالله لا في مكان وأحلوا الزوال إلا عن مكان أحالوا أن ينقل القرآن ناقل لا الله ولا أحد من خلقه فإذا تلاه تال أو كتبه كاتب أو حفظه حافظ فإنما ذلك عند هؤلاء يأتي به الله يخلقه مع تلاوة كل من تلاه وخط كل من كتبه وحفظ كل من حفظه فكلما تلاه تال فإنما يسمع منه خلق الله مخترعاً في تلك الحال وكذلك كلما كتبه كاتب فإنما تدركه الأبصار جسماً اخترعه الله في هذه الحال وكذلك إذا حفظه حافظ فإنما يحفظ القرآن الذي خلقه الله في قلبه في تلك الحال وإنما كان هذا هكذا عند هؤلاء لأنه كلام الله عز وجل فهو في عينه يخلق في حال بعد حال يخلق مع تلاوة التالي مسموعاً من الله قائماً بالله لا بالتالي ولا بغيره يخلق مع خط الكاتب مرئياً قائماً بالله لا بالكاتب والخط وذلك كله عند هؤلاء أن الله بكل مكان على غير كون الجسم في الجسم وكذلك كلامه قائم بالله فهو بكل مكان على غير ما يعقل من كون الأجسام في الأماكن لأنه قائم بالله والله في مكان وإن لم يكن هذا في القرآن هكذا لم يكن القرآن مخلوقاً ولم يسمع القرآن كما قال الله سبحانه: " فأجره حتى يسمع كلام الله " إنما تأويله فأجره حتى يسمع كلام الله من الله لا من غيره ولا بغيره.

وقالت طائفة منهم أخرى بمثل ما قال هؤلاء أنه جسم قائم بالله سبحانه في كل مكان يخلقه الله عز وجل غير أنهم أحالوا أن يكون الله يخلقه بعينه في كل حال ولكن الله يخلق مع تلاوة كل تال وحفظ كل حافظ وخط كل كاتب مثل القرآن فيكون هذا هو القرآن أو مثله بعينه لا هو هو في نفسه ومحال أن يرى القرآن أو يسمع عند هؤلاء إلا من الله دون خلقه لأنه محال أن يرى راء أو يسمع سامع عند هؤلاء إلا ما كان مخلوقاً جسماً فهذه أقاويل من قال أن القرآن جسم.

فأما الفرقة التي زعمت أن القرآن ليس بجسم ولا عرض فهما طائفتان: قال فريق منهم أن القرآن عين من الأعيان ليس بجسم ولا عرض قائم بالله وهو غيره ومحال أن يقوم بغير الله وهو عند هؤلاء إذا تلاه التالي أو خطه الكاتب أو حفظه الحافظ فإنما يخلق مع تلاوة كل تال وحفظ كل حافظ وخط كل كاتب قرآن آخر مثل القرآن قائماً بالله دون التالي والكاتب والحافظ.

وقال فريق منهم وهم الذين يجعلون الله سبحانه جسماً لا كالأجسام وأن القرآن ليس بجسم ولا عرض لأنه صفة لله سبحانه وصفة الله سبحانه محال أن تكون هي الله ويحيلون أن يكون شيء غير الله ليس بجسم فلذلك يقولون أن القرآن عرض ولو كان جسماً غير الله لما كان عندهم إلا في مكان دون مكان لأنهم يحيلون أن يكون الجسم بكل مكان لأن ذلك عندهم خلاف المعقول وقد جعلوا القرآن في زعمهم في أماكن كثيرة لأنه صفة لله وصفة الله عندهم قد يجوز أن تكون في أماكن كثيرة لمخالفة حكمه لحكم الأجسام والأعراض.

وقال زهير الأثري أن كلام الله سبحانه ليس بجسم ولا عرض ولا مخلوق وهو محدث يوجد في وقال أبو معاذ التومني أن كلام الله سبحانه ليس بعرض ولا جسم وهو قائم بالله ومحال أن يقوم كلام الله بغيره كما يستحيل ذلك في إرادته ومحبته وبغضه.

فأما الذين زعموا أن كلام الله سبحانه أعراض فإنهم أحالوا أن يكون قائماً بالله سبحانه.

واختلف الذين قالوا أن القرآن عرض

فقال طائفة منهم أن القرآن عرض في اللوح المحفوظ فهو قائم باللوح ومحال زواله عن اللوح ولكنه كلما قرأه القارئ أو كتبه الكاتب أو حفظه الحافظ فإن الله سبحانه يخلقه فهو في اللوح مخلوق ومحال أن يكون القرآن الذي في اللوح المحفوظ اكتساباً لأحد إذا تلاه التالي فتلاوته له الله يخلقها في هذه الحال اكتساباً للتالي فهو في هذه الحال مخلوق خلقاً ثانياً فهو في عينه خلق الله واكتساب التالي وكذلك هو في خط الكاتب وحفظ الحافظ هو خلق الله واكتساب الكاتب والحافظ فالذي هو خلق الله في هذه الحال هو اكتسابهم والذي هو خلق الله واكتسابهم في هذه الحال هو القرآن المخلوق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقوا هم.

وكذلك حكى زرقان عن ضرار أنه قال: القرآن من الله خلقاً ومني قراءة وفعلاً لأني أقرأ القرآن والمسموع هو القرآن والله يأجرني عليه فأنا فاعل والله خالق.

وقال زرقان: أكثر الذين قالوا بالاستطاعة مع الفعل قالوا: القرآن مخلوق بالله كان والله أحدثه والقراءة هي حركة اللسان والقرآن هو الصوت المقطع وهو خلق الله سبحانه وحده والقراءة خلق الله سبحانه وهي فعلنا.

رجع الأمر إلى حكاية جعفر قال جعفر: وقالت طائفة من هؤلاء: القرآن عرض في اللوح المحفوظ ثم محال أن يخلقه الله تعالى ثانية ولكن تلاوة كل تال مخلوقة اكتساباً للتالي وكذلك الكاتب والحافظ فالذي هو خلق الله واكتساب الفاعل قرآن مثل القرآن الذي في اللوح المحفوظ وليس هو هو ولكنه قد يقال هو في اللوح المحفوظ على مثله وإن كان غيره وهم لا يحيلون أن يخلق الله ما قد خلق وهو موجود.

وقالت طائفة أخرى من هؤلاء: القرآن عرض خلقه الله سبحانه في اللوح المحفوظ فمحال أن ينقل أو يزول كلما تلاه بعد ذلك حافظ أو كتبه كاتب فإن الله يخلق تلاوة التالي فيسمى قرآناً وهو تلاوة التالي وخط الكاتب في المجاز لم يفعل واحد منهما في الحقيقة من ذلك شيئاً ولكن الله سبحانه خالق ذلك وهو يسمى قرآناً مكتوباً وقرآناً متلواً وقالت طائفة أخرى: القرآن عرض وهؤلاء ممن يزعم أن الأعراض ما يفعله الله في الدنيا من الحركات وكذلك لا يفعل من خلق الله في الدنيا الأعراض وهو الحركات والحركات عند هؤلاء محال أن تدرك بالأبصار أو تسمع بالآذان أو تحس بواحدة من الحواس الخمس ولا مرئي ولا مسموع عندهم إلا جسم ثم القرآن عندهم مع وقالت طائفة أخرى من هؤلاء: القرآن عرض والأعراض عند هؤلاء قسمان فقسم منها يفعله الأحياء وقسم آخر يفعله الأموات في الحقيقة ومحال أن يكون ما يفعله الأحياء فعلاً للأموات أو ما يفعله الأموات فعلاً للحي ثم القرآن عندهم مفعول وهو عرض ومحال أن يكون الله فعله في الحقيقة لأنهم صرحوا بأن الأجسام تفعل أعراضها وأنه محال أن تكون الأعراض خلقاً لله عز وجل في الحقيقة فكيف بالقرآن.

وقالت طائفة: القرآن عرض وهو حروف مؤلفة مسموعة محال أن تقوم بالله سبحانه ولكنها قائمة بالأجسام القائمات بالله عز وجل وهو مع هذا عند هؤلاء مخلوق قائم باللوح المحفوظ مرئي فإذا تلاه تال أو حفظه حافظ أو كتبه كاتب فإن كل تال وكل كاتب وحافظ ينقله بتلاوته وخطه وحفظه فلو كان الذين يتلونه ويكتبونه ويحفظونه في كل مكان من السموات العليى والأرضين السفلى وما بينهما وكانوا بعدد النجوم والرمل والثرى فكلهم ينقل القرآن بعينه من اللوح المحفوظ إليه حيث كان وهو مع ذلك في اللوح قائم ماكث قد نقله من لا يحصي عددهم إلا الله في الأماكن كلها في حال واحدة وفي أحوال فهو عندهم حكمه خلاف حكم غيره من كل مفعول من الأعراض خارج من المعقولات لأنه كلام الله - زعموا - فهو خارج من حكم غيره من الخلق ولأنه إن لم يكن هكذا لم يسمع أحد كلام الله سبحانه على الحقيقة.

ثم اختلف هؤلاء في باب آخر: فقالت طائفة منهم أن القرآن لما كان أعراضاً هو الحروف فمحال أن يفعل أحد حرفاً أو يحكيه أبداً ولكن الحروف ينقلها القارئون والكاتبون والحافظون إليهم نقلاً فتكون مع كل قارئ وكاتب وحافظ وهذا عند هؤلاء في القرآن وفي غيره من كلام الناس.

وقال آخرون: أما في تلاوة القرآن فهكذا ولكن قد يجوز أن نحكي الحروف من كلام الناس الذي ليس بتلاوة القرآن وكلام الناس يحكى وكلام الله عز وجل محال أن يحكى فيما زعموا ولكنه يقرأ وينقل الحروف القارئ له إليه بقراءته على ما وصفنا.

انقضى حكاية جعفر.

فأما ما حكاه جعفر من قول من قال أن القرآن ينقل فلا أدري أصاب في حكايته أو وهم فيها.

والذي كان يقول به أبو الهذيل أن الله عز وجل خلق القرآن في اللوح المحفوظ وهو عرض وأن القرآن يوجد في ثلاثة أماكن: في مكان هو محفوظ فيه وفي مكان هو مكتوب فيه وفي مكان هو فيه متلو ومسموع وأن كلام الله سبحانه قد يوجد في أماكن كثيرة على سبيل ما شرحناه من غير أن يكون القرآن منقولاً أو متحركاً أو زائلاً في الحقيقة وإنما يوجد في المكان مكتوباً أو متلواً أو محفوظاً فإذا بطلت كتابته من الموضع لم يكن فيه من غير أن يكون عدم أو وجدت كتابته في الموضع وجد فيه بالكتابة من غير أن يكون منقولاً إليه فكذلك القول في الحفظ والتلاوة على هذا الترتيب وأن الله سبحانه إذا أفنى الأماكن كلها التي يكون فيها محفوظاً أو مقروءاً أو مسموعاً عدم وبطل وقد يقول أيضاً أن كلام الإنسان يوجد في أماكن كثيرة محفوظاً ومحكياً.

وإلى هذا القول كان يذهب محمد بن عبد الوهاب الجبائي وكان محمد يقول أن كلام الله سبحانه لا يحكى لأن حكاية الشيء أن يؤتى بمثله وليس أحد يأتي بمثل كلام الله عز وجل ولكنه يقرأ ويحفظ ويكتب وكان يقول أن الكلام يسمع ويستحيل أن يكون مرئياً.

وقد حكي عن الإسكافي أنه كان يقول أن كلام الله سبحانه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد محفوظاً ومسموعاً ومكتوباً وأنه يستحيل ذلك في كلام البشر وأن كلام البارئ سبحانه خص بما ليس لكلام غيره من أنه كائن في أماكن كثيرة في وقت واحد.

وقال جعفر بن حرب وجعفر بن مبشر ومن تابعهما أن القرآن خلقه الله سبحانه في اللوح المحفوظ لا يجوز أن ينقل وأنه لا يجوز أن يوجد إلا في مكان واحد في وقت واحد لأن وجود شيء واحد في وقت واحد في مكانين على الحلول والتمكن يستحيل وقالوا مع هذا أن القرآن في المصاحف مكتوب وفي صدور المؤمنين محفوظ وأن ما يسمع من القارئ هو القرآن على ما أجمع عليه أكثر الأمة إلا أنهم ذهبوا في معنى قولهم هذا إلى أن ما يسمع ويحفظ ويكتب حكاية القرآن لا يغادر منه شيئاً وهو فعل الكاتب والقارئ والحافظ وأن المحكي حيث خلقه الله عز وجل فيه قالوا: وقد يقول الإنسان إذا سمع كلاماً موافقاً لهذا الكلام: هو ذاك الكلام بعينه فيكون صادقاً غير معيب فكذلك ما نقول أن ما يسمع ويكتب ويحفظ هو القرآن الذي في اللوح بعينه على أنه مثله وحكايته وجعفر بن مبشر يقول أن الكلام يرى مكتوباً.

واختلفوا في الكلام هل يبقى أم لا

فقال قائلون أن البارئ قديم بصفاته وقد استغنينا بهذا القول عن الإخبار عن الكلام والذين ذهبوا إليه وهم طائفتان منهم من قال: هو جسم باق والأجسام يجوز عليها البقاء وكلام المخلوقين لا يبقى.

وقالت طائفة أخرى: كلام الله عز وجل عرض وهو باق وكلام غيره لا يبقى وقالت طائفة أخرى: كلام الله باق وكذلك كلام الخلق يبقى.

واختلفوا فيه من وجه آخر

فزعم بعضهم أن مع قراءة القارئ لكلام غيره وكلام نفسه كلاماً غيرهما وقال بعضهم: القراءة هي الكلام بعينها.

واختلف الذين زعموا أن القراءة كلام: فقال بعضهم: القراءة كلام لأن القارئ يلحن في قراءته وليس يجوز اللحن إلا في كلام وهو أيضاً متكلم وإن قرأ كلام غيره ومحال أن يكون متكلماً بكلام غيره ولا بد من أن تكون قراءته هي كلامه.

وقال آخرون: الكلام حروف والقراءة صوت والصوت عندهم غير الحروف وقد أنكر هذا القول جماعة من أهل النظر وزعموا أن الكلام ليس بحروف.

فأما عبد الله بن كلاب فالقراءة عنده هي غير المقروء والمقروء قائم بالله كما أن ذكر الله سبحانه غير الله فالمذكور قديم لم يزل موجوداً وذكره محدث فكذلك المقروء لم يزل الله متكلماً به والقراءة محدثة مخلوقة وهي كسب الإنسان.

وقالت المعتزلة: القراءة غير المقروء وهي فعلنا والمقروء فعل الله سبحانه.

وحكى البلخي أن قوماً قالوا: القراءة هي المقروء كما أن التكلم هو الكلام.

وقال الحسين الكرابيسي: القرآن ليس بمخلوق ولفظي به مخلوق وقراءتي له مخلوقة.

وقال قوم من أهل الحديث ممن زعم أن القرآن غير مخلوق أن قراءته واللفظ به غير مخلوقين وأن اللفظية يجرون مجرى من قال بخلقه وأكفر هؤلاء الواقفة التي لم تقل أن القرآن غير مخلوق ومن شك في أنه غير مخلوق والشاك في الشاك وأكفروا من قال: لفظي بالقرآن مخلوق.

وقال قوم أن القرآن لا يلفظ به منهم الإسكافي وغيره وقالوا: لو جاز أن نلفظ به لجاز أن نتكلم به.

وقال قائلون: قراءتي للقرآن لا يقال مخلوقة ولا غير مخلوقة.

واختلف أصحاب التولد فيه من وجه آخر: فقال بعضهم: هو يجامع الكتبة في مكانها كما يجامع القراءة في مواضعها.

وقال بعضهم: الكتبة رسوم تدل عليه وليس بموجود معها ولكنه موجود مع القراءة وزعم هؤلاء أن الإنسان يفعل بلسانه كلامين في حال واحد وألف كلام وأكثر من ذلك وأبى هذا سائر أهل النظر.

وقد زعم الجبائي أن الإنسان لو كان أخرس عياً يكتب كلاماً كان الكلام موجوداً مع كتابته وكان يكون متكلماً بكلام مكتوب وهو أخرس وأبى غيره أن يكون المتكلم متكلماً إلا بكلام مسموع.

واختلف الذين زعموا أن الصوت هو المسموع دون الكلام الذي دل عليه الصوت: فقال بعضهم: كلام المخلوقين اعتمادهم على الصوت لإظهاره وتقطيعه والاعتماد عندهم حركة وقال بعضهم: هو إرادة لتقطيع الصوت وليست الإرادة عندهم حركة.

فقال قائلون: ليس بحروف كنحو من حكينا قولهم آنفاً وغيرهم أيضاً يقول ذلك.

وحكي عن عبد الله بن كلاب أنه كان يقول: معنى قائم بالنفس يعبر عنه بالحروف وحكي عنه أنه حروف.

وحكي عن بعض الأوائل أن النطق هو أن يخرج الإنسان ما في ضميره إلى أشخاص نوعه.

وقال كثير من المعتزلة أن كلام الإنسان حروف وكذلك كلام الله فأما النظامية فيقولون: كلام الله سبحانه صوت مقطع وهو حروف وكلام الإنسان ليس بحروف.

واختلف الذين قالوا أن كلام الإنسان حروف كم أقل الكلام من حرف: فقال قائلون: أقل الكلام حرفان كقولك: لا.

وقال قائلون: الحرف الواحد يكون كلاماً وهذا مذهب الجبائي واعتل بقول أهل اللغة: الكلام اسم وفعل وحرف جاء لمعنى.

واختلف الناس فيه من وجه آخر: فقال بعضهم: قد يجوز أن يقع الكلام ضرورة للمتكلم ويجوز أن يقع اختياراً وهذا قول أبي الهذيل وذلك أنه كان يزعم أن كلام أهل الآخرة وصدقهم خلق الله باضطرار.

وكذلك يقول عبد الله بن كلاب أن الكلام يكون اضطراراً ويكون اكتساباً.

وقال كثير من هؤلاء أنه وإن كان لا يقع ضرورة للمتكلم فقد يقع ضرورة للجسم الذي أحله فيه المتكلم لأن الضرورة عندهم ما حل في جسم والفعل من غيره.

واختلف الناس في تأويل قول الله عز وجل: " يوم تشهد عليهم ألسنتهم " وفي كلام الذراع فقالوا في ذلك أقاويل: قال قائلون: كلام الذراع خلق لله اضطر الذراع إليه وكذلك شهادة الألسنة والأيدي والأرجل.

وقال قائلون في كلام الذراع أن الله سبحانه خلقها خلقاً احتملت القدرة والحياة وخلق فيها القدرة ففعلت الكلام باختيار وكذلك يقول قائلون نحو هذا في قول الله عز وجل: " يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ": أن الله سبحانه يجعلها حية قادرة فتفعل الشهادة على المشهود عليه.

وقال قائلون: قول النبي (): " هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة " إنما معناه أنها تدلني من غير أن تكون متكلمة في الحقيقة كما يقول القائل: هذه الدار تخبر عن أهلها وعمن كان فيها وعن سلطانهم وتمليكهم في الأرض أي تدل على ذلك.

وقال قائلون: قول الله عز وجل: " يوم تشهد عليهم ألسنتهم " أي أنهم يشهدون على أنفسهم بألسنتهم وأيديهم وأرجلهم كما يقول القائل: ضربته رجلي ومعنى ذلك أي ضربته برجلي.

واختلفوا هل يتكلم الإنسان بكلام غير مسموع أم لا يتكلم إلا بكلام مسموع وهل يجوز أن يتكلم الإنسان بكلام في غيره أم لا

فقال قائلون: يستحيل أن يتكلم الإنسان بكلام غير مسموع وأنه محال أن يتكلم بكلام مكتوب أو محفوظ وأنه لا يتكلم إلا بكلام مسموع ومحال أن يتكلم بكلام في غيره.

وقال قائلون: قد يتكلم الإنسان بكلام مسموع وبكلام مكتوب غير مسموع.

وقال قائلون: الكلام يستحيل أن يكون مسموعاً وأن يتكلم الإنسان إلا بكلام قائم به.

واختلفوا في الناسخ والمنسوخ في أبواب فباب منها اختلافهم في الناسخ والمنسوخ كيف يكون فقال فيه المختلفون أربعة أقاويل: فقال بعضهم أن المنسوخ هو ما رفعت تلاوة تنزيله وترك العمل بحكم تأويله فلا يترك لتنزيله ذكر يتلى في القرآن ولا لتأويله أنه يعمل به في الأحكام.

وقال آخرون: النسخ لا يقع في قرآن قد نزل وتلي وحكم بتأويله النبي () ولكن النسخ ما أنزل الله به على هذه الأمة في حكمه من التفسير الذي أزاح الله به عنهم ما قد كان يجوز أن يمتحنهم به من المحن العظام التي كان صنعها بمن كان قبلها من الأمم.

وقال آخرون: إنما الناسخ والمنسوخ هو أن الله سبحانه نسخ من القرآن من اللوح المحفوظ الذي هو أم الكتاب ما أنزله على محمد () لأن الأصل أم الكتاب والنسخ لا يكون إلا من أصل.

وقال آخرون: قد يقع النسخ في قرآن أنزله الله عز وجل وتلي وعمل به بحضرة النبي () ثم نسخه الله بعد ذلك وليس يلحق في ذلك بداء ولا خطأ فإن شاء الله سبحانه جعل نسخه إياه بتبديل الحكم في تأويله وبترك تنزيله قرآناً متلواً وإن شاء جعل نسخه بأن يرفع تلاوة تنزيله فينسى ولا يتلى ولا يذكر.

واختلفوا في القرآن هل ينسخ إلا بقرآن وفي السنة هل ينسخها القرآن فقال المختلفون في ذلك ثلاثة أقاويل

قال بعضهم: لا ينسخ القرآن إلا بقرآن مثله ولا يجوز أن ينسخ شيء من القرآن بسنة رسول الله ().

وقال آخرون: السنة تنسخ القرآن وتقضي عليه والقرآن لا ينسخ السنة ولا يقضي عليها.

وقال آخرون: القرآن ينسخ السنة والسنة لا تنسخ القرآن.

وقال آخرون: القرآن والسنة حكمان من حكم الله عز وجل العلم والعمل بهما على الخلق واجب فجائز أن ينسخ الله القرآن بالسنة وأن ينسخ السنة بالقرآن لأنهما جميعاً حكمان لله واختلفوا في الآيتين لكل واحدة منهما حكم مخالف لحكم الأخرى مما قد يجوز أن يجتمع حكمهما على اختلافه على إنسان في وقتين ويتنافيان في وقت واحد كقول الله عز وجل: " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين " فحكم الله سبحانه قبل المواريث أن يوصي الرجل عند موته بماله لوالديه وأقربائه ثم حكم للوالدين بالميراث في فرضه المواريث ثم قال: " من بعد وصية يوصي بها أو دين ".

فقال قوم: نسخت آية المواريث للوالدين آية الوصية لهما وهم الذين قالوا لا ينسخ القرآن إلا قرآن.

وقال مخالفوهم: ليست آية المواريث للوالدين بناسخة لآية الوصية لهما وإنما نسخت آية الوصية لهما سنة رسول الله () وهي قوله: " لا وصية لوارث " ولولا سنته بذلك كانت الوصية للوالدين على حالها جائزة لأن الله سبحانه إنما حكم بالمواريث لأهلها من الوالدين وغيرهما من بعد وصية يوصي بها الرجل أو دين ولولا سنة رسول الله () أنه لا وصية لوارث كان للرجل إذا احتضر أن يوصي بماله لوالديه لأن الله ذكر ميراثهما من بعد وصية يوصي بها أو دين فإن لم يوص لهما كان لهما الميراث بآية الموارثة.

وقال أهل هذه المقالة: إنما الناسخ والمنسوخ ما ينفي حكم الناسخ حكم المنسوخ أن يحكم به على عين واحدة في حال واحدة أو في حالين لتنافي ذلك في المعنى كقوله: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " وقال: " واللائي يئسن من المحيض من نسائكم أن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر " فجعل عدة اللواتي حضن الأقراء واللائي لم يحضن لصغر أو كبر الشهور ثم نسخ من هؤلاء المطلقات التي لم يدخل بهن فقال: " إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " فخرجن اللواتي لم يدخل بهن من حكم الآيتين جميعاً.

واختلفوا في باب آخر وهو اختلافهم في أسماء الله ومديحه وأخباره

هل يجوز في ذلك النسخ أم لا: فأجاز ذلك طوائف من أهل الأثر فزعموا أن ما تأخر تنزيله ناسخ لما تقدم نزوله وأن المدني ناسخ للمكي خبراً كان أو مدحاً من مديح الله عز وجل.

وأنكره أكثر الناس وقالوا: لا يجوز النسخ في أخبار الله عز وجل ومديحه وأسمائه والثناء عليه.

وقد شذ شاذون من الروافض عن جملة المسلمين فزعموا أن نسخ القرآن إلى الأيمة وأن الله جعل لهم نسخ القرآن وتبديله وأوجب على الناس القبول منهم وهؤلاء الذين ذكرنا قولهم طبقتان: منهم من يزعم أن ذلك ليس على معنى أن الله يبدو له البدوات.

وقالت الفرقة الأخرى منهم أن الله لا يعلم ما يكون حتى يكون فينسخ عند علمه بما يحدث من على عين واحدة في حال واحدة أو في حالين لتنافي ذلك في المعنى كقوله: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " وقال: " واللائي يئسن من المحيض من نسائكم أن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر " فجعل عدة اللواتي حضن الأقراء واللائي لم يحضن لصغر أو كبر الشهور ثم نسخ من هؤلاء المطلقات التي لم يدخل بهن فقال: " إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " فخرجن اللواتي لم يدخل بهن من حكم الآيتين جميعاً.

واختلفوا في باب آخر وهو اختلافهم في أسماء الله ومديحه وأخباره هل يجوز في ذلك النسخ أم لا: فأجاز ذلك طوائف من أهل الأثر فزعموا أن ما تأخر تنزيله ناسخ لما تقدم نزوله وأن المدني ناسخ للمكي خبراً كان أو مدحاً من مديح الله عز وجل.

وأنكره أكثر الناس وقالوا: لا يجوز النسخ في أخبار الله عز وجل ومديحه وأسمائه والثناء عليه.

وقد شذ شاذون من الروافض عن جملة المسلمين فزعموا أن نسخ القرآن إلى الأيمة وأن الله جعل لهم نسخ القرآن وتبديله وأوجب على الناس القبول منهم وهؤلاء الذين ذكرنا قولهم طبقتان: منهم من يزعم أن ذلك ليس على معنى أن الله يبدو له البدوات.

وقالت الفرقة الأخرى منهم أن الله لا يعلم ما يكون حتى يكون فينسخ عند علمه بما يحدث من على عين واحدة في حال واحدة أو في حالين لتنافي ذلك في المعنى كقوله: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " وقال: " واللائي يئسن من المحيض من نسائكم أن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر " فجعل عدة اللواتي حضن الأقراء واللائي لم يحضن لصغر أو كبر الشهور ثم نسخ من هؤلاء المطلقات التي لم يدخل بهن فقال: " إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " فخرجن اللواتي لم يدخل بهن من حكم الآيتين جميعاً.

واختلفوا في باب آخر وهو اختلافهم في أسماء الله ومديحه وأخباره هل يجوز في ذلك النسخ أم لا: فأجاز ذلك طوائف من أهل الأثر فزعموا أن ما تأخر تنزيله ناسخ لما تقدم نزوله وأن المدني ناسخ للمكي خبراً كان أو مدحاً من مديح الله عز وجل.

وأنكره أكثر الناس وقالوا: لا يجوز النسخ في أخبار الله عز وجل ومديحه وأسمائه والثناء عليه.

وقد شذ شاذون من الروافض عن جملة المسلمين فزعموا أن نسخ القرآن إلى الأيمة وأن الله جعل لهم نسخ القرآن وتبديله وأوجب على الناس القبول منهم وهؤلاء الذين ذكرنا قولهم طبقتان: منهم من يزعم أن ذلك ليس على معنى أن الله يبدو له البدوات.

وقالت الفرقة الأخرى منهم أن الله لا يعلم ما يكون حتى يكون فينسخ عند علمه بما يحدث من خلقه وفيهم مما لم يكن يعلمه ما يشاء من حكمه قبل ذلك فتحول حكمه في الناسخ والمنسوخ على قدر علمه بما يحدث في عباده فكلما علم شيئاً كان لا يعلمه قبل ذلك بدا له فيه حكم لم يكن له ولا علمه قبل ذلك تعالى الله عما قالوه علواً كبيراً.

تم الكتاب بحمد الله وعونه.