منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات



بسم الله الرحمن الرحيم


منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:فإنا نريد أن نوضح لكم معتقد السلف والطريق الذي هو المنجى نحو آيات الصفات: أولا: اعلموا أن كثرة الخوض والتعمق في البحث في آيات الصفات وكثرة الأسئلة في ذلك الموضوع من البدع التي يكرهها السلف.

اعلموا أن مبحث آيات الصفات دل القرآن العظيم أنه يتركز على ثلاثة أسس من جاء بها كلها فقد وافق الصواب وكان على الاعتقاد الذي كان عليه النبي صلي الله عليه وسلم، وأصحابه والسلف الصالح، ومن أخل بواحد من تلك الأسس الثلاثة فقد ضل.

وكل هذه الأسس الثلاثة يدل عليها قرآن عظيم

أحد هذه الأسس الثلاثة هو تنزيه الله جل وعلا عن أن يشبه شيء من صفاته شيثا من صفات المخلوقين. وهذا الأصل يدل عليه قوله تعالى: ( ليس كمثله شئ)، (ولم يكن له كفوا أحد)، (فلا تضربوا لله الأمثال).

الثاني من هذه الأسس : هو الإيمان بما وصف الله به نفسه، لأنه لا يصف الله أعلم بالله من الله {أأنتم أعلم أم الله}. والإيمان بما وصفه به رسوله لأنه لا يصف الله بعد الله أعلم بالله من رسول الله ، الذي قال في حقه: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}، فيلزم كل مكلف أن يؤمن بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله وينزه ربه جل وعلا عن أن تشبه صفته صفة المخلوقين . وحيث أخل بأحد هذين الأصلين وقع في هوة ضلال، لأن من تنطع بين يدي رب السموات والأرض وتجرأ على الله بهذه الجرأة العظيمة ونفى عن ربه وصفا أثبته لنفسه فهذا مجنون فالله جل وعلا يثبت لنفسه صفات كمال وجلال فكيف يليق لمسكين جاهل أن يتقدم بين يدي رب السموات والأرض ويقول هذا الذي وصفت به نفسك لا يليق بك ويلزمه من النقص كذا وكذا، فأنا أؤوله وألغيه وآتى ببدله من تلقاء نفسي من غير استناد إلى الكتاب أو السنة . سبحانك هذا بهتان عظيم ! ومن ظن أن صفة خالق السموات والأرض تشبه شيئا من صفات الخلق فهذا مجنون جاهل، ملحد ضال، ومن آمن بصفات ربه جل وعلا منزها ربه عن تشبيه صفاته بصفات الخلق فهو مؤمن منزه سالم من ورطة التشبيه والتعطيل. وهذا التحقيق هو مضمون قوله : (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) فهده الآية فيها تعليم عظيم يحل جميع الإشكالات ويجيب عن جميع الأسئلة حول الموضوع. ذلك لأن الله قال: (وهو السميع البصير) بعد قوله (ليس كمثله شئ). ومعلوم أن السمع والبصر من حيث هما سمع وبصر يتصف بهما جميع الحيوانات، فكأن الله يشير للخلق ألا ينفوا عنه سمعه وبصره بادعاء أن الحوادث تسمع وتبصر وأن ذلك تشبيه بل عليهم أن يثبتوا له صفة سمعه وبصره على أساس (ليس كمثله شىء). فالله جل وعلا له صفات لائقة بكماله وجلاله والمخلوقات لهم صفات مناسبة لحالهم وكل هذا حق ثابت لا شك فيه.

إلا أن صفة رب السموات والأرض أعلى وأكمل من أن تشبه صفات المخلوقين، فمن نفي عن الله وصفا أثبته لنفسه فقد جعل نفسه أعلم بالله من الله سبحانك هذا بهتان عظيم،. ومن ظن أن صفة ربه تشبه شيثا من صفة الخلق فهذا مجنون ضال ملحد لا عقل له يدخل في قوله تعالى : (تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين). ومن يسوى رب العالمين بغيره فهو مجنون .

ثم اعلموا أن المتكلمين الذين خاضوا في الكلام وجاءوا بأدلة يسمونها أدلة عقلية ركبوها في أقيسة منطقية، قسموا صفات الله جل وعلا إلى ستة أقسام. قالوا: هناك صفة نفسية وصفة معنى. وصفة معنوية وصفة فعلية وصفة سلبية وصفة جامعة. أما الصفات الإضافية فقد جعلوها أمورا اعتبارية لا وجود لها في الخارج وسببوا بذلك إشكالات عظيمة وضلالا مبينا.

ثم إنا نبين لكم - على تقسيم المتكلمين - ما جاء في القران العظيم من وصف الخالق جل وعلا بتلك الصفات ووصف المخلوقين بتلك الصفات وبيان القران العظيم بأن صفة خالق السموات والأرض حق وأن صفة المخلوقين حق، وأنه لا مناسبة بين صفة الخالق وبين صفة المخلوق فصفة الخالق لائقة بذاته وصفة المخلوق مناسبة لعجزه وافتقاره وبين الصفة والصفة من المخالفة كمثل ما ببن الذات والذات.

أما هذا الكلام الذي يدرس في أقطار الدنيا اليوم في المسلمين فإن أغلب الذين يُدَرِّسونه إنما يثبتون من الصفات التي يسمونها صفات المعاني سبع صفات فقط وينكرون سواها من المعاني ويؤولونها، وصفة المعنى عندهم في الاصطلاح ضابطها أنها ما دل على معنى وجودي قائم بالذات، والذي اعترفوا به منها سبع صفات، هي: القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام.

ونفوا غير هذه الصفات من صفات المعاني التي سنبينها ونبين أدلتها من كتاب الله. وأنكر هذه المعاني السبعة المعتزلة وأثبتوا أحكامها فقالوا:

هو قادر بذاته سميع بذاته عليم بذاته حي بذاته، ولم يثبتوا قدرة ولا علما ولا حياة ولا سمعا ولا بصرا، فرارا منهم من تعدد القديم وهو مذهبٌ كلُ العقلاء يعرفون ضلاله وتناقضه وأنه إذا لم يقم بالذات علم استحال أن تقول هي عالمة بلا علم وهو تناقض واضح بأوائل العقول. فإذا عرفتم هذا فسنتكلم على صفات المعاني التي أقروا بها فنقول:

1 - وصفوا الله تعالى بالقدرة وأثبتوا له القدرة والله جل وعلا يقول في كتابه: (إن الله على كل شيء قدير) ونحن نقطع أنه تعالى متصف بصفة القدرة على الوجه اللائق بكماله وجلاله. وكذلك وصف بعض المخلوقين بالقدرة قال : (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) فأسند القدرة لبعض الحوادث ونسبها إليهـم ونحن نعلم أن كل ما في القرآن حق وأن للمولى جل وعلا قدرة حقيقية تليق بكماله وجلاله. كما أن للمخلوقين قدرة حقيقية مناسبة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم. وبين قدرة الخالق وقدرة المخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق- وحسبك بونا بذلك.

2، 3- ووصف نفسه بالسمع والبصر في غير ما آية من كتابه قال: (إن الله سميع بصير) (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، ووصف بعض الحوادث بالسمع والبصر، قال: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا)، (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا). ونحن لا نشك أن ما في القرآن حق فلله جل وعلا سمع وبصر حقيقيان لائقان بجلاله وكماله. كما أن للمخلوق سمعا وبصرا حقيقين مناسبين لحاله وفقره وفنائه وعجزه وبين سمع وبصر الخالق وسمع وبصر المخلوق من المخالفة كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق.

4- ووصف نفسه بالحياة فقال تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) (هو الحي لا إله إلا هو) (وتوكل على الحي الذي لا يموت) ، الآية. ووصف أيضا بعض المخلوقين بالحياة قال: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) (يخرج الحي من الميت ويخرج الميتَ من الحي) ونحن نقطع بأن لله جل وعلا صفة حياة حقيقية لائقة بكماله وجلاله. كما أن للمخلوقين حياة مناسبة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم وببن صفة الخالق وصفة المخلوق من المخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق . وذلك بون شاسع بين الخالق وخلقه .

5- ووصف جل وعلا نفسه بالإرادة قال: (فعال لما يريد)، (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون). ووصف بعض المخلوقين بالإرادة قال: (تريدون عرض الدنيا)، (إن يريدون إلا فرارا)، (يريدون ليطفئوا نور الله) ولاشك أن لله إرادة حقيقية لائقة بكماله وجلاله كما أن للمخلوقين إرادة مناسبة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم، وبين إرادة الخالق وإرادة المخلوق [من المخالفة ] كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق.

6- وصف نفسه جل وعلا بالعلم قال: (والله بكل شيء عليم)، (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه) (فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين). ووصف بعض المخلوقين بالعلم قال: (إنا نبشرك بغلام عليم) (وإنه لذو علم لما علمناه). ولا شك أن للخالق جل وعلا علما حقيقيا لائقا بكماله وجلاله محيطا بكل شيء، كما أن للمخلوقين علما مناسبا لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم وبين علم الخالق وعلم المخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق.

7- ووصف نفسه جل وعلا بالكلام. قال: (وكلم الله موسى تكليما)، (فأَجِرْه حتى يسمع كلام الله). ووصف بعض المخلوقين بالكلام، قال: (فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين) (وتكلمنا أيديهم). ولا شك أن للخالق تعالى كلاما حقيقيا لائقا بكماله وجلاله. كما أن للمخلوقين كلاما مناسبا لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم، وببن كلام الخالق وكلام المخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق.

هذه صفات المعاني سمعتم ما في القران من وصف الخالق بها ووصف المخلوق بها ، ولا يخفى على عاقل أن صفات الخالق حق، وأن صفات الخالق لائقة بجلاله وكماله، وصفات المخلوقين مناسبة لحالهم وبين الصفة والصفة كما بين الذات والذات.

وسنبين مثل ذلك في الصفات التي يسمونها سلبية.

الكلام على الصفات السلبية عند المتكلمين

ضابط الصفة السلبية عند المتكلمين : هي الصفة التي دلت على عدم محض والمراد بها أن تدل على سلب مالا يليق بالله عن الله من غير أن تدل على معنى وجودي قائم بالذات. والذين قالوا هذا جعلوا الصفات السلبية خمسا لا سادس لها. وهى عندهم القِدَم والبقاء والمخالفة للخلق والوحدانية والغنى المطلق الذي يسمونه (القيام بالنفس) الذي يعنون به الاستغناء عن الحيز والمحل. فإذا عرفتم هذا فاعلموا أن القِدم والبقاء اللذين وصف المتكلمون بهما الله جل وعلا زاعمين أنه وصف بهما نفسه في قوله : ( هو الأول والآخر ) قد وصف بهما المخلوق والقِدم في الاصطلاح عندهم عبارة عن سلب العدم السابق إلا أنه عندهم أخص من ا لأزل لأن الأزل عبارة عما لا افتتاح له سواء كان وجوديا كذات الله وصفاته أو عدميا لأن العدم السابق على العالم قبل وجوده لا أول له فهو أزلي ولا يقال فيه قديم والقِدم عندهم عبارة عما لا أول له بشرط أن يكون وجوديا كذات الله متصفة بصفات الكمال والجلال ونحن الآن نتكلم على ما وصفوا به الله جل وعلا من القِدم والبقاء وإن كان بعض العلماء كره وصفه جل وعلا بالقِدم كما يأتي .فالله عز وجل وصف بعض المخلوقين بالقدم قال: ( تالله إنك لفي ضلالك القديم) ( كالعرجون القديم ) (أنتم وأباؤكم الأقدمون) ووصف المخلوقين بالبقاء قال: (وجعلنا ذريته هم الباقين) ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق) ولاشك أن ما وصفوا به الله من هذه الصفات مخالف لما وصف به الخلق نحو ما تقدم.

أما الله عز وعلا فلم يصف في كتابه نفسه بالقِدم وبعض السلف كره وصفه بالقِدم لأنه قد يطلق مع سبق العدم نحو: (كالعرجون القديم) (إنك لفي ضلالك القديم) (أنتم وآباؤكم الأقدمون) وقد زعم بعضهم أنه جاء فيه حديث قال فيه بعض العلماء هو يدل على وصفه بهذا وبعضهم يقول لم يثبت وقد ذكر الحاكم في المستدرك في بعض الروايات القديم في أسمائه تعالى وفي حديث دخول المسجد: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. أما الأولية والآخرية التي نص الله عليهـما في قوله: (هو الأول والآخر) فقد وصف المخلوقين أيضا بالأولية والآخرية قال: (ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين) ولا شك أن ما وصف الله به نفسه من ذلك لائق بجلاله وكماله كما أن للمخلوقين أولية وآخرية مناسبة لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم.

ووصف نفسه بأنه واحد قال: (وإلهكم إله واحد) ووصف بعض المخلوقين بذلك قال: (يسقى بماء واحد) ووصف نفسه بالغنى قال: (إن الله هو الغنى الحميد)، (إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغنى الحميد) , (فكفروا وتولوا واستغى الله والله غنى حميد) ووصف بعض المخلوقين بذلك قال: (ومن كان غنيا فليستعفف) (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ).

فهذه صفات السلب جاء في القرآن وصف الخالق و وصف المخلوق بها ولاشك أن ما وصف به الخالق منها لائق بكماله وجلاله وما وصف به المخلوق مناسب لحاله و عجزه و فنائه و افتقاره .

الكلام عن الصفات السبع

ثم نذهب إلى الصفات السبع التي يسمونها المعنوية والتحقيق: أن عد الصفات السبع المعنوية التي هي كونه تعالى قادرا ومريدا وعالما وحيا وسميعا وبصيرا ومتكلما لا وجه له لأنها في الحقيقة إنما هي كيفية الاتصاف بالمعاني السبع التي ذكرنا ومن عدها من المتكلمين عدوها بناء على ثبوت ما يسمونه الحال المعنوية التي يزعمون أنها واسطة ثبوتية لا معدومة ولا موجودة. والتحقيق إن هذه خرافة وخيال. وأن العقل الصحيح لا يجعل بين الشيء ونقيضه واسطة البتة فكل ما ليس بموجود فهو معدوم قطعا وكل ما ليس بمعدوم فهو موجود قطعا ولا واسطة البتة كما هو معروف عند العقلاء. فإذا كنا قد مثلنا لكونه قادرا وحيا ومريدا وسميعا وبصيرا ومتكلما و لما جاء في القرآن من وصف الخالق بذلك وما جاء في القران من وصف المخلوق بذلك وبينا أن صفة الخالق لائقة بكماله وجلاله وان صفة المخلوق مناسبة لحاله وفنائه وعجزه وافتقاره، فلا داعي لأن ننفي وصف رب السموات والأرض عنه لئلا نشبهها بصفات المخلوقين، بل يلزم أن نقر بوصف الله ونؤمن به في حال كوننا منزهين له عن مشابهة صفة المخلوق وهذه صفات الأفعال جاء في القرآن بكثرة وصف الخالق بها ووصف المخلوق ولاشك أن ما وصف به الخالق منها مخالف لما وصف به المخلوق كالمخالفة التي بين ذات الخالق وذات المخلوق، ومن ذلك أنه وصف نفسه جل وعلا بصفة الفعل التي هي أنه يرزق خلقه قال جل وعلا: (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) ( قل ما عند الله خير من اللهو و من التجارة والله خير الرازقين ). ووصف بعض المخلوقين بصفة الرزق قال: (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها). (وعلى المولود له رزقهن). ولا شك أن ما وصف الله به من هذا الفعل مخالف لما وصف به منه المخلوق كمخالفة ذات الله لذات المخلوق. ووصف نفسه جل وعلا بصفة الفعل الذي هو العمل قال: (أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون). ووصف المخلوقبن بصفة الفعل التي هي العمل قال: (إنما تجزون ما كنتم تعملون). ولا شك أن ما وصف الله به من هذا الفعل مناف لما وصف به المخلوق مخالف له كمخالفة ذات الخالق لذات المخلوق.

ووصف نفسه بأنه يُعَلِّم خلقه : (الرحمن علم القرآن. خلق الإنسان علمه البيان) (إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) ( وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما). ووصف بعض خلقه بصفة الفعل التي هي التعليم أيضا قال: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب). وجمع المثالين في قوله: (تعلمونهن مما علمكم الله). ووصف نفسه جل وعلا بأنه يُنْبِئ ووصف المخلوق بأنه يُنْبِئ وجمع بين الفعل في الأمرين في قوله جل وعلا : (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير). ولا شك أن ما وصف الله به من هذا الفعل مخالف لما وصف به منه العبد كمخالفة ذات الخالق لذات المخلوق. ووصف نفسه بصفة الفعل الذي هو الإيتاء فال جل وعلا: (يؤتى الحكمة من يشاء) (ويؤت كل ذي فضل فضله). ووصف المخلوقين بالفعل الذي هو الإيتاء قال: (وآتيتم إحداهن قنطارا) ( وآتوا النساء صدُقاتهن نِحلة).

ولاشك أن ما وصف الله به من هذا الفعل مخالف لما وصف به العبد من هذا الفعل كمخالفة ذاته لذاته.

ثم نتكلم على الصفات الجامعة كالعلو والعظم والكبر والملك والتكبر والجبروت والعزة والقوة وما جرى مجرى ذلك من الصفات الجامعة فنجد الله وصف نفسه بالعلو والكبر والعظم قال في وصف نفسه بالعلو والعظم: (ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم). وقال في وصف نفسه بالعلو والكبر: (إن الله كان عليا كبيرا) (عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال).

ووصف بعض المخلوقين بالعظم قال: (فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) (إنكم لتقولون قولا عظيما) (ولها عرش عظيم).

ووصف بعض المخلوقين بالعلو قال: (ورفعناه مكانا عليا. وجعلنا لهم لسان صدق عليا).

ولأشك أن ما وصف الله به من هذه الصفات الجامعة كالعلو والكبر والعظم مناف لما وصف به المخلوق منها كمخالفة ذات الخالق لذات المخلوق فلا مناسبة بين ذات الخالق والمخلوق كما لا مناسبة بين صفة الخالق وصفة المخلوق.

ووصف بعض المخلوقين بالعلو قال: (ورفعناه مكانا عليا) ( وجعلنا لهم لسان صدق عليا). ووصف بعض المخلوقات بالكبر : ( لهم مغفرة وأجر كبير ) ( بل فعله كبيرهم هذا )

ولأشك أن ما وُصِف الله به من هذه الصفات الجامعة كالعلو والكبر والعظم مناف لما وصف به المخلوق منها كمخالفة ذات الخالق جل وعلا لذات المخلوق فلا مناسبة بين ذات الخالق وذات المخلوق كما لا مناسبة بين صفة الخالق وصفة المخلوق.

ووصف نفسه بالملك قال: (يسبح له ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس) (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) .

ووصف بعض المخلوقين بالملك قال: (وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان) (وقال الملك إئتوني به) (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) (تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء).

ولاشك أن الله جل وعلا ملكا حقيقيا لائقا بكماله وجلاله. كما أن للمخلوقين ملكأ مناسبا لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم.

ووصف نفسه بأنه جبار متكبرفي قوله ( العزيز الجبار المتكبر ) ووصف بعض المخلوقين بأنه جبار متكبر قال: (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) (وإذا بطشتم بطشتم جبارين) (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد).

ولاشك أن ما وصف به الخالق من هذه الصفات مناف لما وصف به المخلوق كمنافاة ذات الخالق لذات المخلوق.

ووصف نفسه جل وعلا بالعزة قال: (إن الله عزيز حكيم) (أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب). ووصف بعض المخلوقين بالعزة وقال: (قالت امرأة العزيز) (وعزني في الخطاب). وجمع المثالين في قوله: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين).

ولا شك أن ما وصف به الخالق من هذا الوصف مناف لما وصف به المخلوق كمخالفة ذات الخالق لذات المخلوق.

ووصف نفسه جل وعلا بالقوة قال: (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين). (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز).

ووصف بعض المخلوقين بالقوة قال: (ويزدكم قوة إلى قوتكم).

وقال جل وعلا : (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة). وجمع بين المثالين في قوله: (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون).

الصفات التي اختلف فيها المتكلمون

ثم إننا نتكلم على الصفات التي اختلف فيها المتكلمون. هل هي صفات فعل أو صفات معنى والتحقيق: أنها صفات معان قائمة بذات الله جل وعلا. كالرأفة والرحمة والحلم. فنجده جل وعلا وصف نفسه بأنه رؤوف رحيم قال: (إن ربكم لرؤوف رحيم) ووصف بعض المخلوقين بذلك قال في وصف نبينا صلوات الله وسلامه عليه: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

ووصف نفسه بالحلم قال: (ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم) (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم) (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم) ووصف بعض المخلوقين بالحلم قال: (فبشرناه بغلام حليم) (إن إبراهيم لأواه حليم).

ووصف نفسه بالمغفرة قال: (إن الله غفور رحيم) (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء). ووصف بعض المخلوقين بالمغفرة قال: (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) (قول معروف ومغفرة) الآية. ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله).

ولاشك أن ما وُصِف به خالق السموات والأرض من هذه الصفات أنه حق لائق بكماله وجلاله لا يجوز أن ينفى خوفا من التشبيه بالخلق. وأن ما وصف به الخلق من هذه الصفات حق مناسب لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقار هم.

وعلى كل حال فلا يجوز للإنسان أن يتنطع إلى وصف أثبته الله جل وعلا لنفسه فينفي هذا الوصف عن الله متهجما على رب السموات والأرض مدعيا عليه أن هذا الوصف الذي تمدَّح به أنه لا يليق به وأنه هو ينفيه عنه ويأتيه بالكمال من كيسه الخاص فهذا جنون وهَوَس ولا يذهب إليه إلا من طمس الله بصائرهم.

وسنضرب لكم لهذا مثلا يتبين به الجميع ، لأن مثلا واحدا من آيات الصفات ينسحب على الجميع إذ لا فرق بين الصفات لأن الموصوف بها واحد. وهو جل وعلا لا يشبهه شيء من خلقه في شيء من صفاته البتة. فهذه صفة الاستواء التي كثر فيها الخوض ونفاها كثير من الناس بفلسفة منطقية وأدلة جدلية سنتكلم في آخر البحث على وجوه إبطالها كلاما يخص الذين درسوا المنطق والجدل ليتبين كيف استدل أولئك بالباطل وأبطلوا به الحق وأحقوا به الباطل. فهذه صفة الاستواء تجرأ الآلاف ممن يدعون الإسلام ونفوها عن رب السموات والأرض بأدلة منطقية يركبون فبها قياسا استثنائيا مركبا من شرطية متصلة لزومية يستثنون فيه نقيض التالي ينتجون في زعمهم الباطل نقيض المقدم بناء على أن نفي اللازم يقتضي نفي الملزوم. فيقولون مثلا لو كان مستويا على عرشه لكان مشابها للخلق لكنه غير مشابه للخلق ينتج فهو غير مستو على العرش , وهذه النتيجة باطلة لمخالفتها صريح القرآن .

اعلموا أن هذه الصفة التي هي صفة الاستواء صفة كمال وجلال تمدح بها رب السموات والأرض، والقرينة على أنها صفة كمال وجلال أن الله ما ذكرها في موضع من كتابه إلا مصحوبة بما يبهر العقول من صفات جلاله وكماله التي هي منها. وسنضرب مثلا لذلك بذكر الآيات

1- : فأول سورة ذكر الله فيها صفة الاستواء حسب ترتيب المصحف سورة الأعراف قال: (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين). فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الجلال والكمال.

2- الموضع الثاني في سورة يونس قال: (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيا ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون. هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون. إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون).

فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على هذا الكمال والجلال ؟.

الموضع الثالث في سورة الرعد في قوله جل وعلا: (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون. وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشى الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون).

وفي القراءة الأخرى (وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان. تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الجلال والكمال.

الموضع الرابع في سورة طه: (طه. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. إلا تذكرة لمن يخشى. تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى الرحمن على العرش استوى له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى. وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفي. الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى).

فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الجلال والكمال ؟.

الموضع الخامس في سورة الفرقان في قوله: (وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا) (الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا )، فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على هذا من الكمال والجلال ؟.

الموضع السادس في سورة السجدة في قوله تعالى: (أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون. الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولى ولا شفيع أفلا تتذكرون. يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون. ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم. الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين. ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهـين. ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون) فهل لأحد أن ينفي شيئا من هذه الصفات الدالة على الغاية من الجلال والكمال ؟.

الموضع السابع في سورة الحديد في قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم. هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير).

فالشاهد أن هذه الصفة التي يظن الجاهلون أنها صفة نقص ويتهجمون على رب السموات والأرض بأنه وصف نفسه بصفة نقص ثم يسببون عن هذا أن ينفوها ويؤولوها مع أن الله جل وعلا تمدح بها وجعلها من صفات الجلال والكمال مقرونة بما يبهر العقول من صفات الجلال والكمال. هدا يدل على جهل وهوس من ينفي بعض صفات الله جل وعلا بالتأويل.


فتنة التأويل

ثم اعلموا أن هذا الشيء الذي يقال له التأويل ـ الذي فتن به الخلق وضل به آلآف من هذه الأمة اعلموا أن التأويل يطلق - في الاصطلاح - مشتركا بين ثلاثة معان:

1- يطلق على ما تؤول إليه حقيقة الأمر في ثاني حال وهذا هو معناه في القرآن نحو قوله تعالى : (ذلك خير وأحسن تأويلا). (ولما يأتهم تأويله )، الآية، ( يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل) ومعنى التأويل في الآيات المذكورة ما تؤول إليه حقيقة الأمر في ثاني حال. 2- ويطلق التأويل بمعنى التفسير وهذا قول معروف كقول ابن جرير: القول في تأويل قوله تعالى كذا، أي تفسيره.

3- أما في اصطلاح الأصوليين فالتأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى محتمل مرجوح لدليل.

وصرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه له عند علماء الأصول ثلاث حالات :

إما أن يصرفه عن ظاهره المتبادر منه لدليل صحيح من كتاب أو سنة وهذا النوع من التأويل صحيح مقبول لا نزاع فيه ومثال هذا النوع ما ثبت عن النبي أنه قال: (الجار أحق بصقبه) . فظاهر هذا الحديث ثبوت الشفعة للجار وحمل هذا الحديث على الشريك المقاسم حمل للفظ على محتمل مرجوح غير ظاهر متبادر إلا أن حديث جابر الصحيح (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة)، دل على أن المراد بالجار الذي هو أحق بصقبه خصوص الشريك المقاسم. فهذا النوع من صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه لدليل واضح من كتاب وسنة يجب الرجوع إليه وهذا التأويل يسمى تأويلا صحيحا وتأويلا قريبا ولا مانع منه إذا دل عليه النص.

الثاني هو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه لشيء يعتقده المجتهد دليلا وهو في نفس الأمر ليس بدليل فهذا يسمى تأويلا بعيدا ويقال له فاسد ومثَّل له بعض العلماء بتأويل الإمام أبي حنيفة رحمه الله لفظ امرأة في قوله : "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل) قالوا حمل هذا على خصوص المكاتِبَة تأويل بعيد لأنه صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه لأن (أي) في قوله (أي امرأة) صيغة عموم وأكدت صيغة العموم بما المزيدة للتوكيد فحمل هذا على صورة نادرة هي المكاتِبَة حمل، اللفظ على غير ظاهره لغير دليل جازم يجب الرجوع إليه.

(ج) أما حمل اللفظ على غير ظاهره لا لدليل: فهذا لا يسمى تأويلا في الاصطلاح بل يسمى لعبا لأنه تلاعب بكتاب الله وسنة نبيه ومن هذا تفسير غلاة الروافض قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة)، قالوا عائشة. ومن هذا النوع صرف آيات الصفات عن ظواهرها إلى محتملات ما أنزل الله بها من سلطان كقولهم استوى بمعنى استولى فهذا لا يدخل في اسم التأويل لأنه لا دليل عليه البتة وإنما يسمى في اصطلاح أهل الأصول لعبا. لأنه تلاعب بكتاب الله جل وعلا من غير دليل ولا مستند فهذا النوع لا يجوز لأنه تهجم على كلام رب العالمين. والقاعدة المعروفة عند علماء السلف أنه لا يجوز صرف شيء من كتاب الله ولا سنة رسوله عن ظاهره المتبادر منه إلا بدليل يجب الرجوع إليه.

التعطيل سببه اعتقاد التشبيه أولا : فاسمعوا أيها الإخوان نصيحة مشفق إنما جاء من مسألة وهى تنجس القلب وتلطخه وتدنسه بأقذار التشبيه فإذا سمع ذ و القلب المتنجس بأقذار التشبيه صفة من صفات الكمال التي أثنى الله بها على نفسه كنزوله إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الأخير وكاستوائه على عرشه وكمجيئه يوم القيامة وغير ذلك من صفات الجلال والكمال أول ما يخطر في ذهن المسكين أن هذه الصفة تشبه صفة الخلق فيكون قلبه متنجسا بأقذار التشبيه

لا يقدر الله حق قدره ولا يعظم الله حق عظمته حيث يسبق إلى ذهنه أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق فيكون أولا نجس القلب متقذره بأقذار التشبيه فيدعو شؤم هذا التشبيه إلى أن ينفي صفة الخالق جل وعلا عنه بادعاء أنها تشبه صفات المخلوق فيكون فيها أولا مشبها وثانيا معطلا ضالا ابتداء وانتهاء متهجما على رب العالمين ينفي صفاته عنه بادعاء أن تلك الصفة لا تليق. واعلموا أن هنا قاعدة أصولية أطبق عليها من يعتد به من أهل العلم وهى أن النبي لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة ولاسيما في العقائد ولاسيما لو مشينا على فرضهم الباطل "أن ظاهر آيات الصفات الكفر" فالنبي لم يؤول الاستواء (بالاستيلاء) ولم يؤول شيئا من هذه التأويلات ولو كان المراد بها هذه التأويلات لبادر النبي إلى بيانها لأنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة فالحاصل أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد هذا الاعتقاد الذي يحل جميع الشُّبه ويجيب عن جميع الأسئلة وهو: أن الإنسان إذا سمع وصفا وصف به خالق السموات والأرض نفسه أو وصفه به رسوله امتلأ صدره من التعظيم ويجزم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والجلال والشرف والعلو ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة، بينه وبين صفات المخلوقين فيكون القلب منزها معظما له جل وعلا غير متنجس بأقذار التشبيه فتكون أرض قلبه قابلة للإيمان والتصديق بصفات الله التي تمدح بها أو أثنى عليه بها نبيه على غرار (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). والشر كل الشر في عدم تعظيم الله وأن يسبق في ذهن الإنسان أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق فيضطر المسكين أن ينفي صفة الخالق بهذه الدعوى الكاذبة الخائنة .

ولابد في هذا المقام من نقط يتنبه إليها طالب العلم

القول في الصفات جميعها من باب واحد

أولا: أن يعلم طالب العلم أن جميع الصفات من باب واحد إذ لا فرق بينها البتة لان الموصوف ها واحد وهو جل وعلا لايشبه الخلق في شيء من صفاتهم البتة، فكما أنكم أثبتم له سمعا وبصرا لائقين بجلاله لا يشبهان شيئا من أسماع الحوادث وأبصارهم فكذلك يلزم أن تجروا هذا بعينه في صفة الاستواء والنزول والمجيء إلى غير ذلك من صفات الجلال والكمال التي أثنى الله بها على نفسه. واعلموا أن رب السموات والأرض يستحيل عقلا أن يصف نفسه بما يلزمه محذور أو يلزمه محال أو يؤدى إلى نقص. كل ذلك مستحيل عقلا. فإن الله لا يصف نفسه إلا بوصف بالغ من الشرف والعلو والكمال ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين على حد قوله (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).

القول في الصفات كالقول في الذات

الثاني: أن تعلموا أن الصفات والذات من باب واحد فكما أننا نثبت ذات الله جل وعلا إثبات وجود وإيمان لا إثبات كيفية مكيفة محددة فكذلك نثبت لهذه الذات الكريمة المقدسة صفات إثبات وإيمان ووجود لا إثبات كيفية وتحديد.

هل آيات الصفات هي من المتشابه ؟

واعلموا أن آيات الصفات يطلق عليها كثير من الناساسم المتشابه

وهذا من جهة غلط ومن جهة قد يسوغ كما يثبته الإمام مالك في أنس. أما المعاني فهي معروفة عند العرب كما قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله الاستواء غير مجهـول، والكيف غير معقول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب.

كذلك يقال في النزول: النزول غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب. واطرده في جميع الصفات لأن هذه الصفات معروفة عند العرب، إلا أن ما وصف به خالق السموات والأرض منها أكمل وأجل وأعظم من أن يشبه شيئا من صفات المخلوقين كما أن ذات الخالق جل وعلا حق والمخلوقون لهم ذوات وذات الخالق جل وعلا أكمل وأنزه وأجل من أن تشبه شيئا من ذوات المخلوقين.

فعلى كل حال. الشر كل الشر في تشبيه الخالق بالمخلوق وتنجيس القلب بقذر التشبيه فالإنسان المسلم إذا سمع صفة وصف بها الله أول ما يجب عليه أن يعتقد أن تلك الصفة بالغة من الجلال والكمال ما يقطع علائق أوهام المشابهة بينها وبين صفات المخلوقين فتكون أرض قلبه طيبة طاهرة قابلة للإيمان بالصفات على أساس التنزيه على نحو (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).

وهنا سؤال لابد من تحقيقه لطالب العلم أولا: اعلموا أن المقرر في الأصول أن الكلام إن دل على معنى لا يحتمل غيره فهو المسمى نصا كقوله مثلا (تلك عشرة كاملة). فإذا كان يحتمل معنيين أو أكثر فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون أظهر في أحد الاحتمالين من الآخر وإما أن يتساوى بينهما فإن كان الاحتمال يتساوى بينهما فهذا الذي يسمى في الاصطلاح المجمل كما لو قلت (عدا اللصوص البارحة على عين زيد) فإنه يحتمل أن تكون عينه الباصرة عوَّروها أو عينه الجارية غوَّروها أو عين ذهبه وفضته سرقوها. فهذا مجمل. وحكم المجمل أن يتوقف عنه إلا بدليل على التفصيل. أما إذا كان نصا صريحا فالنص يعمل به ولا يعدل عنه إلا بثبوت النسخ.

فإذا كان أظهر في أحد الاحتمالين فهو المسمى بالظاهر. ومقابله يسمى (محتملا مرجوحا) والظاهر يجب الحمل عليه إلا لدليل صارف عنه، كما لو قلت: رأيت أسدا فهذا مثلا ظاهر في الحيوان المفترس. محتمل للرجل الشجاع. وإذا فنقول: فالظاهر المتبادر من آيات الصفات من نحو قوله (يد الله فوق أيديهم) وما جرى مجرى ذلك، هل نقول الظاهر المتبادر من هذه الصفة هو مشابهة الخلق حتى يجب علينا أن نؤول ونصرف اللفظ عن ظاهره ؟ أو ظاهرها المتبادر منها تنزيه رب السموات والأرض حتى يجب علينا أن نقره على الظاهر من التنزيه؟

الجواب أن كل وصف أسند إلى رب السموات والأرض فظاهره المتبادر منه عند كل مسلم هو التنزيه الكامل عن مشابهة الخلق فإقراره على ظاهره هو الحق وهو تنزيه رب السموات والأرض عن مشابهة الخلق في شيء من صفاته فهل ينكر عاقل أن المتبادر للأذهان السليمة أن الخالق ينافي المخلوق في ذاته وسائر صفاته؟ لا والله لا يعارض في هذا إلا مكابر.

ثم بعد هذا البحث الذي ذكرنا نحب أن نذكر كلمة قصيرة لجماعة قرءوا في المنطق والكلام وظنوا نفي بعض الصفات من أدلة كلامية كالذي يقول مثلا: لو كان مستويا على العرش لكان مشابها للحوادث لكنه غير مشابه للحوادث ينتج فهو غير مستو على العرش هذه النتيجة الباطلة تضاد سبع آيات من المحكم المنزل ولكننا الآن نقول في مثل هذا على طريق المناظرة والجدل المعروف عند المتكلمين. نقول: هذا قياس استثنائي مركب من شرطية متصلة لزومية واستثنائية فيه نقيض التالي فأنتج منه نقيض المقدم حسب ما يراه مقيم هذا الدليل. ونحن نقول: انه تقرر عند عامة النظار أن القياس الاستثنائي المركب من شرطية متصلة لزومية يتوجه عليه القدح من ثلاث جهات:

1 - يتوجه عليه من جهة استثنائيته

2- ويتوجه عليه من جهة شرطيته- إذا كان الربط بين المقدم والتالي ليس بصحيح.

3- ويتوجه عليه القدح من جهتهما معا.

وهذه القضية كاذبة الشرطية فالربط بين مقدمها وتاليها كاذب كذبا بحتا ولذا جاءت نتيجتها مخالفة لسبع آيات.

وإيضاحه أن نقول: قولكم: لو كان مستويا على العرش لكان مشابها للحوادث هذا الربط بين (لو) و(اللام) كاذب، كاذب، كاذب. بل هو مستو على عرشه كما قال من غير مشابهة للحوادث كما أن سائر صفاته واقعة كما قال من غير مشابهة للخلق ولا يلزم من استوائه على عرشه كما قال أن يشبه شيئا من المخلوقين في صفاتهم البتة بل استواؤه صفة من صفاته وجميع صفاته منزهة عن مشابهة الخلق كما أن ذاته منزهة عن مشابهة ذوات الخلق ويطرد هذا في مثل هذا. وعلى كل حال فالجواب عن شيء واحد من هذا يطرد في الجمبع.

وآخر ما نختم به هذه المقالة أنا نوصيكم وأنفسنا بتقوى الله وأن تلتزموا بثلاث جمل من كتاب الله.

الأولى: (ليس كمثله شيء). فتنزهوا رب السموات والأرض عن مشابهة الخلق.

الثانية: (وهو السميع البصير). فتؤمنوا بصفات الجلال والكمال الثابتة بالكتاب والسنة على أساس التنزيه كما جاء (وهو السميع البصير) بعد قوله: (ليس كمثله شيء).

الثالثة: أن تقطعوا أطماعكم عن إدراك حقيقة الكيفية لأن إدراك حقيقة الكيفية مستحيل وهذا نص الله عليه في سورة (طه) حيث قال: ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما). فقوله: يحيطون به فعل مضارع والفعل الصناعي الذي يسمى بالفعل المضارع وفعل الأمر والفعل الماضي ينحل عند النحويين عن مصدر وزمن كما قال ابن مالك في الخلاصة:

المصدر اسم ما سوى الزمان من * * مدلولي الفعل كأمْنٍ مِنْ أَمِن

وقد حرر علماء البلاغة في مبحث الاستعارة التبعية أنه ينحل عن ( مصدر وزمن ونسبة )، فالمصدر كامن في مفهومه إجماعا. فـ(يحيطون) تكمن في مفهومها (الإحاطة) فيتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل فيكون معه كالنكرة المبنية على الفتح، فيصبر المعنى لا إحاطة للعلم البشرى برب السموات والأرض، فينفي جنس أنواع الإحاطة عن كيفيتها. فالإحاطة المسندة للعلم منفية عن رب العالمين. فلا يشكل عليكم بعد هدا صفة نزول ولا مجيء ولا صفة يد و لا أصابع ولا عجب ولا ضحك. لان هذه الصفات كلها من باب واحد فما وَصَف به نفسه منها فهـو حق وهو لائق بكماله وجلاله لا يشبه شيئا من صفات المخلوقين وما وُصِف به المخلوقون منها فهو حق مناسب لعجزهم وفنائهم وافتقارهم وهذا الكلام الكثير أوضحه الله في كلمتين (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). ليس كمثله شيء : تنزيه بلا تعطيل. (وهو السميع البصير) إيمان بلا تمثيل. فيجب من أول الآية (ليس كمثله شيء) التنزيه الكامل الذي ليس فيه تعطيل ويلزم من قوله (وهو السميع البصير) الأيمان بجميع الصفات التي ليس فيها تمثـيل. فأول الآية تنزيه وآخرها إثبات ، ومن عمل بالتنزيه الذي في (ليس كمثله شيء) والإيمان الذي في قوله : (وهو السميع البصير) وقطع النظر عن إدراك الكنه والكيفية المنصوص في قوله (ولا يحيطون به علما) خرج سالما.

وقد ذكرت لكم مرارا أني أقول: هذه الأسس الثلاثة التي ركزنا عليها البحث وهى:

1- تنزيه الله عن مشابهة الخلق

2- والإيمان بالصفات الثابتة بالكتاب والسنة وعدم التعرض لنفيها : عدم التهجم على الله بنفي ما أثبته لنفسه.

3- وقطع الطمع عن إدراك الكيفية. لو (متم يا إخوان) وأنتم على هذا المعتقد. أترون الله يوم القيامة يقول لكم لم نزهتموني عن مشابهة الخلق ويلومكم على ذلك؟ لا، وكلا والله لا يلومكم على ذلك.

أترون أنه يلومكم على أنكم آمنتم بصفاته وصدقتموه فيما أثنى به على نفسه ويقول لكم لم أثبتم لي ما أثبته لنفسي أو أثبته لي رسولي؟ لا والله لا يلومكم على ذلك ولا تأتيكم عاقبة سيئة من ذلك. كذلك لا يلومكم الله يوم القيامة ويقول لكم: لم قطعتم الطمع عن إدراك الكيفية ولم تحددوني بكيفية مدركة. ثم، إنا نقول: لو تنطع متنطع. وقال: نحن لا ندرك كيفية (نزول) منزهة عن نزول الخلق ولا ندرك كيفية (يد) منزهة عن أيدي الخلق ولا ندرك كيفية (استواء) منزهة عن استواءات الخلق، فبينوا لنا كيفية معقولة منزهة تدركها عقولنا فنقول أولا: هذا السؤال الذي قال فيه مالك بن أنس: والسؤال عن هذا بدعة، ولكن نجيب ونقول: اعرفت أيها المتنطع السائل الضال كيفية الذات المقدسة الكريمة المتصفة بصفة النزول وصفة اليد وصفة الاستواء وصفة السمع والبصر والقدرة والإرادة والعلم فلابد أن يقول: لا، فنقول: معرفة كيفية الصفة متوقفة على معرفة كيفية الذات، إذ الصفات تختلف باختلاف موصوفاتها ونضرب مثلا ولله المثل الأعلى. فان الأمثال لا تضرب لله ولكن الأخرويات لا مانع منها كما جاء بها القرآن فنقول مثلا كما فال العلامة ابن القيم رحمه الله لفظة (رأس) الراء والهمزة والسين، رأس. هذه الكلمة أضفها إلى المال وأضفها إلى الوادي وأضفها إلى الجبل قل رأس المال , رأس الوادي , رأس الجبل , فانظر ما صار من الاختلاف بين هذه المعاني بحسب هذه الإضافات هذا في مخلوق ضعيف مسكين، فما بالك بالبون الشاسع الذي بين صفة الخالق جل وعلا وصفة المخلوق.

وختاما يا إخواني نعود فنوصيكم وأنفسنا بتقوى الله وأن تتمسكوا بهذه الكلمات الثلاث:

1 - أن تنزهوا ربكم عن مشابهة صفات الخلق.

2- أن تؤمنوا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ، إيمانا مبنيا على أساس التنزيه على نحو (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)

3- وتقطعوا الطمع في إدراك الكيفية لأن الله يقول: (ولا يحيطون به علما).

ونريد أن نختم هذه المقالة بنقطتين:

إحداهما : أنه ينبغي للمؤولين أن ينظروا في قوله تعالى لليهود: (وقولوا حطة) فإنهم زادوا في هذا اللفظ المنزل نونا فقالوا: حنطة فسمى الله هذه الزيادة تبديلا فقال في البقرة: (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون)، وقال في الأعراف: (فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون)، وكذلك المؤولون للصفات قيل لهم استوى. فزادوا لاما، فقالوا: استولى. فانظر ما أشبه (لامهم) هذه التي زادوها بـ(نون) اليهود التي زادوها. ذكر هذا ابن القيم.

الثانية : أنه ينبغي للمؤولين أن يتأملوا آية من سورة الفرقان وهى قوله تعالى: (ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا). ويتأملوا معها قوله تعالى في سورة فاطر: (ولا ينبئك مثل خبير). فإن قوله في الفرقان: (فاسأل به خبيرا) بعد قوله: (ثم استوى على العرش الرحمن) يدل دلالة واضحة أن الله الذي وصف نفسه بالاستواء خبير بما يصف به نفسه لا تخفى عليه الصفة اللائقة من غيرها ويفهم منه أن الذي ينفي عنه صفة الاستواء ليس بخبير، نعم هو والله ليس بخبير. وصلى الله على عبده ورسوله محمد ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.