من شاء أن تسكر راح براح

من شاء أن تسكر راحٌ براحْ

​من شاء أن تسكر راحٌ براحْ​ المؤلف عبد الجبار بن حمديس


من شاء أن تسكر راحٌ براحْ
فلِيسْقِها خَمْرَ العيون الملاحْ
فإنَّها بالسْحرِ ممزوجَةٌ
أمَا تَرَاهَا أسكَرَتْ كلّ صاح
فما ترى من شربها في الصّبا
في رِبْقَة السكرِ فهل من سَرَاح
يا من لموصول الشجا بالشجا
فليس للتبريج عنه براح
تُشْرِقُ حوليه الوجوهُ التي
للبدر والشمس بهنّ افتضاح
وارحمتا للصبّ من لوعةٍ
بكلّ ريّا الحقف صِفرِ الوشاح
يمشي اختيالُ التيه في مشيها
فعدّ عن مشي قطاة البطاح
ألقى الهوى العذري في حجره
حرب الغواني والعدى واللّواح
لو حملت منه قلوبُ العدى
جراحُ قلبٍ ما حَمَلْنَ الجراح
وجدي غريبٌ ما أرى شرحه
يوجدُ في العين ولا في الصحاح
وإنَّما يُحْسِنُ تفسيرَهُ
دَمْعٌ حِمَى السرّ به مُسْتَباح
إنْ مسني الضرُّ بقرح الهوى
فبرءُ دائي في الشراب القراح
من ظبَيةٍ تنفرُ من ظِلّها
وإن غدا الظلّ عليها وراح
ففي ثناياها جَنَى ريقةٍ
يا هل ترشفتَ الندى من أقاح
كم من يدٍ قد أطلعتْ في يدي
نجمَ اغتباقٍ بعد نجمِ اصطباح
من قهوةٍ في الكأسِ لمَّاعةٍ
كالبرق شُقّ الغيم عنه فلاح
سخيّة بالسكر مَرّتْ على
دنانها بالختم أيد شحاح
وهي جموحٌ كلّما ألجمت
بالماء كفّتْ من علو الجماح
كأنَّما الكأسُ طلا مُغْزِلٍ
مرويةٍ بالدرّ منه التياح
كأنَّما الإبريقُ في جسمها
ينفخُ للندمان روح ارتياح
في روضةٍ نَفْحَتَهُا مِسْكَةٌ
تُهدى إلينا في جيوب الرياح
تميسُ سُكْرا فكأنَّ الحيا
باتَ يُحَيّيها بكاساتِ راح
كأنما أشجارها مندلٌ
إن لذعتهُ جمرةُ الشمس فاح
كأنَّما القَطْرُ به لؤلؤٌ
لم يجرِ منه ثُقَبٌ في نِصَاح
كأنَّ خُرْسَ الطيرِ قد لُقّنَتْ
مَدْحَ عليٍّ فتغنّتْ فِصَاح
أرْوَعُ وَضَّاحُ المحيَّا كما
قابَلَتَ في الإشراقِ بشرَ الصّباح
مُعَظَّمُ الملك مُقِرُّ لَه
بالملك حتى كلّ حيٍّ لَقَاح
مجتمعُ الطعمين، في طبعة
توقَّد البأس وفيض السماح
يُضْحِكُ في الغرب ثغورَ الظُّبَا
وهنّ يبكين عيون الجراح
مهّد في المهديتين العلى
وعمّ منه العدل كل النواح
والمُلكُ إن قام به حازمٌ
أضحى حِمىً، والجِدّ غيرُ المزاح
في سرجه اللّيثُ الذي لا يُرَى
مفترساً إلاّ ليوثَ الكفاح
كأنَّما سَلَّ على قِرْنِهِ
من غمده سيف القضاء المتاح
ذو هِمَّةٍ شَطّتْ عُلاَهُ فما
تدرك بالأبصار إلاّ التماح
من حِمْيَرِ الأمْلاكِ في منصبٍ
ذو حسبٍ زاكٍ ومجدٍ صراح
أعاظمٌ لم يمحُ آثارَهُمْ
دهرٌ لما خطَّته يمناهُ ماح
هم اليعاسيب لدى طعنهم
إنْ شوّكواأيمانَهمْ بالرّماح
كم لهم في الأسد من ضربةٍ
كما سجاياه قريع اللّقاح
إن ابن يحيى قد بني للعلى
بيتاً فأمسى وهو جار الضراح
وصال بالجد منوطاً به
جدٌ له الفوز بضرب القداح
والصارم الهندي يسقي الردى
فكيفَ إن سُقّيَ مَوتاً ذباح
آراؤه في الرّوع أعْدَى على
أعدائِهِ من مُرْهَفَاتِ السّلاح
وبطشه ما زال عن قُدرةٍ
يغمد في الصفح شفار الصفاح
لا تصدرُ الأنفسُ عن حُبّهِ
فإنَّهُ للسيّئاتِ اجتراح
كم طامح الألحاظ نحوَ العلى
إذا رآه غضَّ لحظ الطماح
ورب ذئب ذي مراح فإن
عنّ له الضرغامُ خلّى المراح
يا طالب المعروف ألمم به
تَخْلَعْ على المطلوبِ منك النجاح
نداه يُغني لا ندى غيره
من للذُّناني بغناءِ الجناح
فخلِّ مَنْ شَحّ على وفره
لا تُقْدَحُ النَّارُّ بزِنْدٍ شحاح
فالربع رحب، والندى ساكب
والعيشُ رغدٌ، والأماني قماح