نأتك على طول التجاور «زينب»

نأتْك على طُولِ التَّجاوَرِ «زَيْنبُ»

​نأتْك على طُولِ التَّجاوَرِ «زَيْنبُ»​ المؤلف بشار بن برد


نأتْك على طُولِ التَّجاوَرِ «زَيْنبُ»
وما شعرت أن النوى سوف تصقب
كأن الذي غال الرحيل رقادها
بما عضبت من قربنا النفس تعضب
تداعى إلى ما فاتنا من وداعنا
علَى بُعْدها بِالْوَأْيِ إِذْ تتقرَّبُ
فإن تنصبي يوماً إلى لمة الهوى
فإنِّي بما أَلْقى إِلَى تلْكِ أنْصَب
سَلِي تُخبَري أنَّ الْمَعنَّى بذكْركُمْ
على سنةٍ فيمن يحيب ويدأب
إذا ذادَ عنه عقرباً من هواكم
بِرُقْيَتِهِ دَبَّتْ لهُ منْكِ عَقْرَبُ
فبات يدني قلبه من جلادة
ليقْلبهُ عنْكُمْ فلاَ يتقلَّبُ
أبى منك ما يلقى ويأبى فؤادهُ
سِوَاكِ، فيُلْمي هجْرُهُ ثُمَّ يُغْلَبُ
لذي نُصْحِه عنْكُنْ به أجْنبيَّةٌ
وعنْ نُصْح دُنْياهُ به الْقلْبُ أجْنبُ
فؤادٌ على نهي النصيح كأنما
يُحَثُّ بما يُنْهى إِليْه ويُتْعبُ
فمات بما يرخى له من خناقه
ويحيا علوقاً في الحبال فينشب
كشاكيةٍ منْ عيْنِها غَرْبَ قُرْحةٍ
تَدَاوَى بما تَدَوَى عليْه وتَذْرَبُ
يغص إذا نال الطعام لذكركم
ويشرق من وجدٍ بكم حين يشرب
فلا مذهبٌ عنكم له شطَّ أو دنا
سواك وف الأرض العريضة مذهبُ
على النأي محزونٌ وفي القرب مغرمٌ
فيا كبدا أن الطريقين أركبُ
إذا خدرت رجلي شفيت بذكرها
أَذَاها فأهْفُوا باسْمِها حِينَ تُنْكَبُ
لقدْ عُنِّيتْ عمَّا أقاسي بذِكْرها
وعمَّا يقُولُ الشَّاهِدِي حين أطْرَبُ
يرى النَّاسُ ما نُبْدي بزيْنب إِذْ نأتْ
عجيباً، وما يَخْفَى من الْحُبِّ أعْجبُ
يرُوحُ ويغْدُو واجداً ينْتحي الْهَوَى
على رجل مصبورٍ على الورد أجربُ
إذا عرض القوم الحديث بذكرها
أَئنُّ كما أنَّ الْمريضُ الْمُوَصَّبُ
إذا ما نأت فالعيش ناء لنأيها
وإِنْ قرُبتْ فالْموْتُ بالْقُرْب يقرُبُ
كفاك من الذَّلْفاء لوْ كُنْت تكْتفي
مواعد لم تذهب بها حيث تذهب
وقائلةٍ حين استحقَّ رحيلنا
وأجفان عينيها تجودُ وتكسبُ:
أغادٍ إلى "حران" في غير شيعةٍ
وذلك شأوٌ عن هَوَانَا مُغرِّب
فقُلْتُ لها: كلَّفْتِني طلب النَّدى
وليْس وراءَ ابْن الْخليفة مطْلَبُ
سيكْفي فتًى منْ شِيعَةٍ حدُّ سيْفه
وكور علافي ووجناء ذعلب
إِذا اسْتَوْعرتْ دارٌ عليْه رَمَى بها
بناتِ الصُّوى مِنْها ركُوبٌ ومُصْعِبُ
فعدى إلى يوم ارتحلت وسائلي
نوافلك الفعال من جاء يضرب
لعلك أن تستيقني أن زورتي
«سُليْمان» منْ سَيْر الْهواجر يُعْقِبُ
ومَاء عَفَاءٍ لاَ أنيسَ بجَوِّه
حَليفاهُ منْ شتَّى عِفاءٌ وطُحْلُبُ
وردتُ إذا التاث الهجانُ وقد خوى
عليه من الظلماء بيتٌ مطنبُ
نعوج على التأويب صعر من البرى
نواشطُ في لُجٍّ من اللَّيْل تنْعَبُ
إذا ما أنخناها لغير تئيةٍ
على غرض الحاجات والقوم لغب
وقَعْنَ فَريصَاتِ السَّديس كما دَعَا
على فنن من ضالة الأيك أخطب
قلائص إن حركت كفا تكمشت
كأن على أكسائها الجن تجلب
سقين بحذاء النجاء شملةٍ
إِذا قال يعْفُورُ الْفلاَة تأوَّبُوا
مفرجة الضبعين ممهورة القرى
تَحُذُّ عليْها راكبٌ مُتنقِّبُ
سَرَى الليْلَ والتَّهْجيرَ في كلِّ سبْسبٍ
يُعارضُهُ منْ عَارضِ النَّصِّ سَبْسَبُ
دياميم ترمي بالمطي إليكم
تظل بنات الأزل فيهن تلعبُ
وكمْ جاوزتْ منْ ظَهْر أرْعَنَ شَاخصٍ
ومن بطن واد جوفه متصوبُ
لها هاتفٌ يحْكي غِناءً عَشَنَّقاً
سميعاً بما أدَّى لهُ الصَّوْتُ مُعْربُ
فغنَّتْ غِناءً عيْنُهُ ولسانُهُ
قريبُ مَصَارِ الصَّوْت ليْس يُثقَّبُ
هُو الْخَنْف لاَ إِنْسٌ ولاَ نَجْلُ جِنَّةٍ
يعيشُ ولا يغُذُوهُ أمٌّ ولا أبُ
إِليْك أبا أيُّوبَ أسْمعْتُ صاحبي
أَغانيَهُ والنَّاعجاتُ تَسَرَّبُ
إذا خرجت من عينه قلتُ ليتني
يجُوبُ الدُّجى منْها حرارٌ وتنْعبُ
شربْتُ برنْقٍ مِنْ مُدامٍ ولوْ دنَتْ
حياض " سليمان" صفا لي مشربُ
إذا جئت "حراناً" وزرت أميرها
فَرَبُّكِ مضْمُونٌ ووَاديكِ مُعشِبُ
هُناك امْرُؤٌ إِنَّ النَّوالَ لمنْ دنا
له عطنٌ سهلٌ وكف تحلبُ
درورٌ لقوم بالحياة على الرضى
على أن فيها موتهم حين يغضبُ
ألاَ أيُّها الْمُسْتعْتِبُ الدَّهْرَ مَسَّهُ
من الضِّيق والتَّأنيب نابٌ ومِخْلبُ
إذا قذيت عينُ الزمان فداوها
بقرب "سليمان" فإنك معتبُ
عداك العدى ما سار تحت لوائه
بَطَاريقُ في الْمَاذيِّ كَهْلٌ وَأشْيبُ
هو المرء يستعلي " قريشاً" بنفعه
ودفع عدو فاحشٍ حين يكلب
رزين حصاة العلم لا يستخفه
أحَاديثُ يَسْتَوْعي عَلَيْهَا الْمُعَيِّبُ
شَبيهُ أمير الْمُؤْمنِينَ وَسَيْفُهُ
به يتقى في النائبات ويصعبُ
يهش لميقات الجهاد فؤادهُ
فَلاَ يَتَطَرَّقْهُ الْبَنَانُ الْمُخَضَّبُ
إذا الحرب قامت قام حتى يفيدها
قُعُوداً وَحُثْحُوثُ الْكَتيبَة مُطْنَبُ
له كلَّ عام غزوةٌ بمسوم
يقود المنايا رايهُ حين يذهبُ
لَهَامٌ كَأنَّ الْبِيضَ في حَجَرَاته
نُجُومُ سَمَاء «نُورُهَا» مُتَجَوّبُ
كراديس خيل لا تزالُ مغيرةً
بهَا الْمَلِكُ الرُّوميُّ عَانٍ مُعَذَبُ
كأن بنات اليونَ بعد إيابه
مُوَزَّعَةً بَيْنَ الصَّحَائب رَبْرَبُ
مواهب مغبوط بها من ينالها
صفايا سبايا الروم بكرٌ وثيبُ
وما قصدت قوماً محلين خيلهُ
فَتَصْرفَ إِلاَّ عَنْ دِماءٍ تَصَبَّبُ
جَديرٌ بتَرْك النَّائحَات إِذا غَدَا
لَهُنَّ عَلَى الْقَتْلَى عَويلٌ وَمَنْدَبُ
أغر هشامي القنا إذا انتمى
نَمَتْهُ بُدُورٌ لَيْسَ فيهنَّ كَوْكَبُ
جميل المحيا حين راح كأنما
تخير في ديباجة الوصف مذهبُ
يزينُ سرير الملك زيناً وينتهي
به المنبر المنصوبُ في يوم يخطبُ