ناد القريحة ما استطعت نداءها

نادِ القَريحَةَ ما اِستَطَعتُ نِداءَها

​نادِ القَريحَةَ ما اِستَطَعتُ نِداءَها​ المؤلف شكيب أرسلان


نادِ القَريحَةَ ما اِستَطَعتُ نِداءَها
إِنَّ الحُقوقَ لِتَقتَضيكَ أَداءَها
مهما ينل منها الجمود فإن من
إعجاز أحمد ما يفجر ماءها
مَهما تَراكَمَتِ الغيومُ بِأُفقِها
فَاليَومُ عِندَكَ ما يُعيدُ جَلاءَها
لا تَعتَذِر عَنها بَكرَ نَوائِبٍ
سَدَّت عَلَيها نَهجَها وَسَواءَها
فَأَهَمُّ ما هَمَتِ السَحابُ إِذا مَرَّت
هوجُ العَواصِفِ دَرَّها وَسَخاءَها
وَالحَكُّ يَستَوري الزِنادَ وَإِنَّما
تُربي الصَوارِمَ بِالصِقالِ مَضاءَها
وَالرُمحُ يَكسَبُ بِالثِقافِ مَتانَةً
وَالخَيلُ يُظهِرُ عَدوُها خَيلاءَها
حاشا القَرائِحَ أَن تَضَنَّ بِوَدقِها
ما دامَ شَوقي كافِلاً أَنواءَها
الشاعِرُ الفَذُّ الَّذي كَلِماتَهُ
ضَمَنَ النُبوغُ عَلى الزَمانِ بَقاءَها
أَنسَت فَصاحَتَهُ أَوائِلَ وائِلٍ
وَغَدَت هَوازِنٌ مَعَ ثَقيفٍ فِداءَها
في كُلِّ كائِنَةٍ يَزِفُّ قَصيدَةً
توتي جَميعَ الكائِناتِ بَهاءَها
غَدَتِ المَعاني كُلَّها مِلكَها لَهُ
فَأَصابَ مِنها كُلَّ بَكرٍ شاءَها
وَكَسا اللِسانَ اليَعرُبِيَّ مَطارِفاً
هَيهاتَ يَنتَظِرُ الزَمانَ فَناءَها
سَتُخَلِّدُ الأَوطانُ مِن تَكريمِهِ
ذِكرى تُطَبِّقُ أَرضَها وَسَماءَها
لَو أَنصَفَت لُغَةُ الأَعارِبِ قَدرَهُ
صَلَّت عَلَيهِ صَباحَها وَمَساءَها
مِن كَلِّ مَوضوعٍ أَصابَ شَواكِلاً
بَلَغَت بِمَقتَلِها الصُدورُ شِفاءَها
يَبكي شِكِسبيرَ عَلى أَمثالِها
وَيَبيتُ غَوَتهُ حاسِداً عَلياءَها
وَلَوَ أَنَّ آلِهَةَ الفَصاحَةِ عِندَهُم
أَدرَكنَ شَوقي خَفَفَّتُ غُلَواءَها
صَنّاجَةَ الشَرقِ الَّذي نَبَراتُهُ
تَجلو المَشارِقَ عِندَها غَمّاءَها
في كُلِّ حَرفٍ مِن حُروفِ يَراعِهِ
وَتَرٌ يُثيرُ سُرورَها وَبُكاءَها
ما حَلَّ بِالإِسلامِ بَأسُ مُلِمَّةٍ
إِلّا وَرَجَّعَ شِعرُهُ أَصداءَها
يُبدي فَظاعَتَها وَيوسِعُ هَولَها
وَصفاً وَيُذكِرُ داءَها وَدَواءَها
كانَت قَصائِدُهُ لِبَعثِ بِلادِهِ
صُوَراً اَرادَ مِنَ البَلى إِحياءَها
وَأَرى اللَيالي لا تَعزِز أُمَّةً
إِن لَم يَكُن سَوّاسُها شُعَراءَها
كَم اَثبَتَ التاريخُ في صَفَحاتِهِ
أُمَماً غَدا اِنشادُها إِنشاءَها
ضَلَّت لِعَمري في الحَياةِ قَبيلَةٌ
لَم تَصطَحِب أَفعالُها أَسماءَها
وَالعَربُ لا تَبدَأ بِجَمعِ جُموعِها
إِلّا سَمِعتَ نَشيدَها وَحَداءَها
أَكرَمَ بِأَحمَدَ شاعِراً وافى لَنا
في روحِ حامِلاً سيماءَها
أَتلو قَصائِدَهُ فَتَملَأُ مُهجَتي
فَرَحاً يُزيلُ هُمومَها وَعَناءَها
وَأَظَلُّ مُفتَخِراً بِها فَكَأَنَّ لي
دونَ الأَنامِ ثَناءَها وَسَناءَها
نَخَلت لَهُ نَفسي مَوَدَّةَ وامِقٍ
وَفّى عِهادُ عُهودِها إِنماءَها
نَعزو إِلى لَخمٍ مِتانَةً أَصلَها
وَتَمُزُّ مِن ماءِ السماءِ صفاءَها
لا ترتجي منهاالنمائم ثلمة
كلا ولا توهي الهنات بناءها
ناشَدتَ شِعري أَن يَفي بِمَوَدَّتي
وَأَراهُ يَعجَزُ أَن يَجيءَ كِفاءَها
قَد صارَ عَهدي بِالقَريضِ كَأَنَّهُ
دِمَنٌ تَقاضَتها الرِياحُ عَفاءَها
أَدعو فَلا يَأتي الَّذي أَرضى بِهِ
وَالشِعرُ أَن تَجِدَ النُفوسَ رِضاءَها
وَالشِعرُ ما رَسَمَ الضَمائِرَ ناثِلاً
مِنها الكَنائِنَ نافِجاً أَحناءَها
وَالشِعرُ ما تَرَكَ المَعاني مُثَّلاً
فَتَكادُ تَلمِسُ بِالَكُفِّ هَباءَها
وَالشِعرُ حَيثُ يُقالُ مَن ذا قالَها
ما الشِعرُ حَيثُ يُقالُ مَن ذا قاءَها
وَهُناكَ نَفسٌ مَرَّةً ما تَأَتَلي
تُملي عَلَيَّ مِنَ العُلا أَهواءَها
إِن لَم تَجِدين في العَجاجَةِ أَوَّلاً
نَكَرتَ عَلَيَّ ثَلاثَها وَثَناءَها
وَفَّرتَ يا شَوقي السِباقَ عَلى الوَرى
بِرِياسَةٍ باتَ السِباقُ وَراءَها
تَتَقَطَّعُ الأَعناقُ عَن غاياتِها
حَتّى الأَماني لا تَحومُ حِذاءَها
تَاللَهِ أَعطَيتَ الرِياسَةَ حَقَّها
وَعَقَدتَ حَبوَتَها وَنِلتَ حباءَها
وَبَذَذتَ أَهلَ العَبقَرِيَّةِ كُلَّهُم
وَبَزَزتَ جَنَّةَ عَبقَرَ أَشياءَها
لَمّا رَأَيتُكَ قَد نَزَحتَ قَليبَها
أَلقَيتَ عَنّي دَلوَها وَرَشاءَها
فَاِسعَد بِعَرشِ إِمارَةِ الشِعرِ الَّتي
أَلقَت إِلَيكَ لِواءَها وَوَلاءَها
وَتَهَنَّ وَاِبقَ لِأُمَّةٍ عَرَبِيَّةٍ
لا زِلتَ قُرَّةَ عَينِها وَضِياءَها