ناشدتك الله أن تستفسد المننا

ناشدتُك الله أن تستفسِدَ المننا

​ناشدتُك الله أن تستفسِدَ المننا​ المؤلف ابن الرومي


ناشدتُك الله أن تستفسِدَ المننا
يا ابنَ الوزيرين أو تستشهد الظِّننا
والقربُ منك لقد غششت مُنتصحاً
مِنْ محضَري ولقد خَوَّنتَ مؤتَمنا
إني امرؤ مستعيذٌ أَتُهَجِّنني
أو أن أُرى بحجابٍ منك مُمتَهِنا
لايُكتَبن على وجهي حجابكمُ
من اغتدى مُستزيداً راح ممتحَنا
إن كان عُتبك ضَناً فهو عارفةٌ
لايعرفُ الناسُ في الدنيا لها ثمنا
وإن يكن ذاك إعناتاً لمَقْليةٍ
فقد غدوتُ بسوء الحال مُرتَهنا
روحي رضاكَ وتأميلك ما بقيا
فإن سخِطتَ فماذا يُمسك البدنا
لا أبتغي غيرَ أخلاقٍ خُصِصتَ بها
دونَ السهام التي فوَّقْتَها جُننا
وقد فتحتَ لواشٍ بابَ حيلته
فاستعملِ العينَ بعد اليوم لا الأذنا
يا من سطا بهزيل لا حراك به
أَسْمِنه ثم انتقم منه إذا سمنا
لم يأذنِ الرأيُ في الشكوى فأشكُوَكُمْ
وقد شكاكم لنا ما تفعلون بنا
أشكو إليك ولا أشكوكَ يا وَزَرِي
وكيف يشكوكَ من أعفَى له الزمنا
تالله أشكو زماناً أنت صاحبُه
ولو تملأْتُ من أفعالِه إحَنَا
وقد نظرتُ بعينٍ غيرِ كاذبةٍ
فلم أجِدك على الأيام مُضطغنا
أليس قد قرَّبتْني منك في دَعَةٍ
وأسعدَتْك كَفَتْها هذه مِننا
يا أسمحَ الناس نفساً باللُّهى ويداً
وأفسحَ الناس في مكروهةٍ عَطَنا
قد بان غَيُّ أُناسٍ في تَخرُّصِهم
لك العيوبَ فلا تجعل لهم لَسَنا
هَبني خلعتُ بجهل فارطٍ زِيني
أخالعٌ أنت يا ذا الحكمةِ الزِّينا
لايُسخِطَنَّك ذنبٌ غيرُ معتمِد
على الوفاء الذي استخلصته سَكَنا
أنجِز مواعيدَ قد شُدَّت معاقدها
شَدَّ المواثقِ إنَّ الخُلفَ قد لعُنا
واعلمْ بأن شهودَ الشعر قد شهدت
قِدماً وأن ضَميرَ المجد قد ضَمِنا
يا من إذا حُكتُ فيه المدح أوسَعني
مجداً فلم أجتلبْه من هُنا وهنا
ومَنْ إذا ما أقامت لي مَواهبُه
فما أُبالي أقامَ الغيث أم ظعنا
لا تهجُرنَّ أليفا إلا لفاحشةٍ
إن الكريم يرى ألاَّفَهُ وطنا
سلِّط عليَّ حيائي منك حَسْبُكَهُ
ولا تُسلط علي الهمَّ والحَزنا
ها قدْ سألتك غُفراناً ونافلةً
فلا أكن كالمُعنَّى يسألُ الدِّمنا
ولا يقولنَّ حُسادي دعا وثناً
وإنما كنت أدعو الله لا الوثنا
أعجِبْ بحاجة ملهوفٍ تُؤَخّرها
عنايةً مع إمكانٍ قد اعتونا
ولو عقِلتُ ما حاولتُ نافلةً
ولا بكيتُ وقد أقصيتني شجنا
أمثلُ سُخطك يدهوني فيَكرُبني
شيء سواه وإن مثقالَهُ وَزَنا
في سوء رأيك لي عن غيره شُغُلٌ
ينفي الكرى عن جفون العينِ والوسنا
لو يئستُ من العُتبَى وفِتنتها
لما حَفِلتُ أطارَ الحظُّ أم وكَنا
لكن نفسي تُمنيني مراجعةً
وربما قَرُب الأمر الذي شطنا
ولم أكن عن رجاءٍ فيك مُنصرفاً
ولو عدلتَ بذنب واحد حَضَنا
وفي الرجاء على الإجرام تعفيةٌ
عند الأشداء في آرائهم مُننا
ولو فَطنتُ لكان الذنبُ حينئذٍ
ذنْبين لا شك إلا عند من أفِنا
فاعذِرْ على طلبي جَدْواك في هَنةٍ
دهياءَ تنسي السُّقاةَ الغربَ والشَّطَنا
جاذَبتَني الحبلَ حتى كدت تصرِمُه
عن غير جُرم فصادفتَ امرأً طبِنا
إن احتجبتَ فلم تُنْصِفك غاشيةٌ
واستَنْكَفَتْ قال بدرٌ ربما دجنا
وإن مطلتَ فلام الناسُ قال لهم
غيثٌ يجود إذا ما ربُّه أذنا
وإن تَعتَّبْتَ أو أعرضتَ آونةً
ناجَى النُّهى واستلانَ الجانبَ الخشنا
وإن تلومتَ في أمرٍ يقوم به
قال اتقَى العَثْرَ محمودا وما وهنا
فلست تعدَمُ منه عاذراً أبداً
مُسدَّداً يجمعُ الأفهامَ واللَّقنا
أتبعتُ جَدبَك طَوْعي لا كذي خطَل
ممن تقاعسَ إذ جاذبتَه القَرنا
مافوق ظاهِر وُدِّي ظاهرٌ حسن
وإنَّ أحسنَ منه للذي بطَنا
أما لنا فيك آراءٌ مُسدَّدةٌ
فلا تُعدَّن أهواءً ولافِتنا
وقد جعلتَ لدعوى طاعنٍ سبباً
فلا تُبرهنْ على الدعوى إذا طعنا
لاتَغبننَّ مُوالاتي ولا مِدَحي
فقد عهِدتك ممن يكره الغَبنَا
ولا تُفتك العلى يا بن الأُلى شَرعوا
فيها الشرائع واستنُّوا لها السُّننا
قومٌ تخطتْ إلى الأعقابِ أنعمُهم
حتى غذتهم غذاءً سابق اللَّبنا