نبأ تقاصر دونه الأنباء
نَبَأٌ تَقَاصَرَ دُونَهُ الأنْباءُ
نَبَأٌ تَقَاصَرَ دُونَهُ الأنْباءُ
واستَمْطَرَ العَبَراتِ وهيَ دِماءُ
فالمُقْرَباتُ خَواشِعٌ أبْصارُها
مِيلُ الرُّؤوسِ، صَليلُهُنَّ بُكاءُ
وَالبيِضُ تَقْلَقُ في الغُمودِ كَما التَوى
رُقْشٌ تَبُلُّ مُتونَها الأنْداءُ
وَالسُّمرُ راجِفَةٌ كَأَنَّ كُعوبَها
تَلوي مَعاقِدَها يَدٌ شَلاَّءُ
وَالشَّمسُ شاحِبَةٌ يَمورُ شُعاعُها
مَوْرَ الغَديرِ طَغَتْ بِهِ النَّكْباءُ
وَالنَّيِّراتُ طَوالِعٌ رَأْدَ الضُّحى
نُفِضَتْ عَلى صَفَحاتِها الظَّلْماءُ
يَنْدُبْنَ أَحْمَدَ، فَالِبلادُ خَواشِعٌ
والأَرْضُ تُعْوِلُ، وَالصَّباحُ مَساءُ
وَالعَينُ تَنزِفُ ماءَها حرَقُ الجَوى
وَالوَجْهُ تُضْمِرُ نارَهُ الأَحِشاءُ
فأَذَلَّ أَعناقاً خَضَعْنَ لِفَقْدِهِ
وَهْيَ الّتي طَمَحَتْ بِها الخُيَلاءُ
غَنِيَتْ عَواطِلَ بَعْدَما صَاغتْ حُلَى
أَطْواقِها بِنَوالِهِ الآلاءُ
ما لِلمنَايا يَجْتذِبنَ إلى الرَّدى
مَهَجاً، فَهُنَّ طَلائِحٌ أنْضاءُ
تُدهَى بِها العَصْماءُ في شَعَفاتِها
وَتُحَطَّ عَنْ وُكُناتِها الشَّغْواءُ
عُونٌ تَكَدَّسُ بالنُّفوسِ وَعِندَها
في كُلِّ يَومٍ مُهْجَةٌ عَذْراءُ
دُنيا تُرَشِّحُ لِلرَّدى أَبناءَها
أُمٌّ لَعَمْرُ أبِيهِمُ وَرْهاءُ
فَالنّاسُ مِنْ غادٍ عَلَيهِ وَرائِحٍ
وَلِمنْ تَأَخَّرَ عَنْهُما الإسْراءُ
لا شَارِخٌ يَبْقى وَلا ذُو لِمَّةٍ
أَلوَتْ بِعَصْرِ شَبابِها العَنقاءُ
وَلَكَمْ نَظَرْتُ إلى الحَياةِ وَقَدْ دَجَتْ
أَظلالُها، فإّذا الحَياةُ عَناءُ
لايَخْدَعَنَّكَ مَعْقِلٌ أَشِبٌ وَلَو
حَلَّتْ عَلَيهِ نِطاقَها الجَوْزاءُ
وَاكْفُفْ شَبا العَيْنِ الطَّموحِ، فَدونَ ما
تَسْمو إلَيْهِ بِلَحْظِها أَقْذاءُ
وَلَو اسْتُطيلَ عَلى الحِمامِ بِعِزَّةٍ
رُفِعَتْ بِها اليَزَنِيَّةُ السَّمراءُ
لَتَحَدَّبَتْ صِيدُ المُلوكِ عَلى القَنا
حَيثُ القُلوبُ تُطِيرُها الهَيْجاءُ
يَطَؤونَ أَذيالَ الدُّروعِ كَأَنَّهُمْ
أُسْدُ الشَّرَى، وَكَأَنَّهُنَّ إضاءُ
وَالخَيْلُ عابِسَةُ الوُجُوهِ كَأَنَّها
تَحْتَ الكُماةِ، إذا انْجَرَدْنَ، ضِراءُ
يَفِدونَ أَحْمَدَ بِالنُّفُوسِ، وَقَلَّما
يُغني إذا نَشِبَ المَنونُ فِداءُ
قادَ الكَتائِبَ وَهْوَ مُقْتَبِلُ الصِّبا
حَتَّى اتَّقَتْ غَزَواتِهِ الأَعْداءُ
وَرَمى المَشارِقَ بالمَذاكي فَارتَدى
بِعَجاجِها المَلمومَةُ الشَّهباء
وَلَهُ بأَطرار المَغارِبِ وَقْعَةٌ
تُرْضي السُّيوفَ، وغَارَةٌ شَعْواءُ
لَمْ يَدْفَعِ الحَدَثان عَن حَوبائِهِ
مَجدٌ أَشَمُّ وَعِزَّةٌ قَعساءُ
وَصَوارِمٌ مَشْحوذَةٌ، وَأَسنَّةٌ
مَذروبَةٌ، وَكَتيبَةٌ جَأواء
لَقِحَتْ بِهِ الأَرضُ العَقسمُ وَأُسقِيَتْ
سَبَلَ الحَيا فَكَأَنَّها عُشراءُ
وَالصَّبْرُ في رَيْعانِ كُلِّ رَزِيَّةٍ
تَقِصُّ الجَوانِحَ عَزْمَةٌ بَزْلاءُ
وَلِكُلِّ نَفْسٍ مَصْرَعٌ لا تُمْتَطَى
إلاّ إلَيهِ الآلهُ الحَدباءُ
للهِ ما اعتَنَقَ الثَّرى مِن سؤدَدٍ
شَهِدَهْ بِهِ أُكرومَةٌ وَحَياء
وَشَمائِلٍ رَقَّتْ كَما خَطَرتْ عَلى
زَهَرِ الرَّبيع رُوَيْحَةٌ سَجْواءُ
عَطِرَتْ بِهِ الأَرْضُ الفَضَاءُ كَأَنَّما
نُشِرَتْ عَلَيها الرَّوْضَةُ الغَنَّاءُ
لا زالَ يَنْضَحُ قَبْرَهُ دَمُ قارِحٍ
يَحبْو لَدَيهِ، وَدِيمَةٌ وَطْفاءُ
وَالبَرْقُ يَخْتَلِسُ الوَميضَ كَأَنَّهُ
بَلقاءُ تَمْرَحُ حَولَها الأَفلاءُ
جَرَّ النَّسيمُ بِهِ فُضولَ عِطافِهِ
وَبَكَتْ عَلَيْهِ شَجْوَها الأَنواءُ