نجاك يا ابن الحاجب الحاجب

نجَّاكَ يا ابن الحاجِبِ الحاجبُ

​نجَّاكَ يا ابن الحاجِبِ الحاجبُ​ المؤلف ابن الرومي


نجَّاكَ يا ابن الحاجِبِ الحاجبُ
وأين ينجو منّيَ الهاربُ؟
أبعدَ إحرازِك أيمانَنَا
هاربتنا واعتذر الحاجب؟
يا عجباً إذ ذاك من حالةٍ
دافِعُنا فيها هو الجاذب
حقّاً لقد أولَيتَنَا جَفوةً
يُمحل منها البلد العاشب
انظر بعين العدل تبصر بها
أنك عن منهاجِه ناكبُ
لَهْفي وقد جاءَتْكَ جفَّالةٌ
كُلٌّ مغذٌّ ساغبٌ لاغب
فكّاه كالعصريْن من دهره
هذا على أنك ذو شيمةٍ
ذي مِعْدةٍ ثعلُبها لاحِس
وتارةً أرنبها ضاغب
تعلوه حمّى شرهٍ نافضٍ
لكن حمّى هضمه صالب
كأنما الفرُّوج في كفَّهِ
فريسةٌ ضرغامُها دارب
وإن غدا الشَّبّوط قرناً لهم
هِيبَتْ لقومٍ شرَّةٌ فاحْتبُوا
أقسمتُ لو أنك لاقيتهم
نابك من أضراسهم نائب
فالشعر حُرٌّ ـ إن نَجَوْا ـ سائبُ
بالثار في أمثالها طالب
لا تحسَبنِّي عنك في غَفْلةٍ
إلا وفيه راتعٌ جادبُ
سيصنعُ اللَّهُ لنا في غدٍ
إن كان اكدى يومُنا الخائب
كُرّوا على الشيخ بتطفيلةٍ
عن عزمةٍ كوكبُها ثاقب
وإن زواه منكم جانبٌ
فلا يَفُتْكُمُ ذلك الجانبُ
جُوسُوا عليه الأرضَ واستَخْبروا
حتى يروح الخبرُ العازب
كأنَّ من عُولجَ من سِحرها
لا وهب المَنْجَى لها الواهب
لا تُفْلِتَنْ منكمُ شَبَابيطُهُ
لا أفلت الطافى ولا الراسب
جدّوا فقد جدّ بكم لاعباً
وقد يجدّ الرجل اللاعب
وليكن الكرُّ على غرّةٍ
والصيد في مأمنه سارب
يا واقباً بالأمس في بيتهِ
أفْلَحَ هذا الغائب الآئبُ
فاعتزم القومُ على غارةٍ
ساند فيها الراجلَ الراكب
يهدى أبو عثمان كردوسها
هَداك ذاك الطاعنُ الضاربُ
يُرْقِلُ والرَّايَةُ في كفِّه
جاوَبها خِشْفٌ لها نازبُ
والقومُ لاقَوْكَ فاعدِدْ لهم
ما يرتضي الآكلُ والشارب
يسِّرْ فراريجَك مقرونةً
بها شَبابيطُكَ ياكاتبُ
يا حبذا المُنهزمُ التائبُ
تلك التي منظرُها شاحبُ
واذكر بقلبٍ غير مستوهلٍ
يعروه من ذكرى القِرَى ناخب
أنَّك من جيران قُطْربُّلٍ
وعندك اللّقْحَة والحالب
أحضِرْهُمُ البكْرَ التي ما اصطلت
ناراً فكلٌّ خاطب راغب
إلا التي الشمسُ لها ناسِبُ
في الكأس إلا الذهبُ الذائبُ
أو أمُّها الكبرى التى لم يَزلْ
لليل من طلعتها جانب
حقَقها بالشمس أن ربيت
في حِجْرها والشبُه الغالب
أعجب بتلك البكر محجوبةً
مكروبةً يُجلَى بها الكارب
مغلوبةً في الدنّ مسلوبةً
يُنْصَرْ عليه إلبُكَ الآلب
بينا تُرًى في الزقّ مسحوبةً
إذ حَكَمَتْ أن يُسْحَب الساحب
تَقتصُّ من واترها صرْعةً
ليس لها باكٍ ولا نادبُ
إلاَّ حَمَامُ الأيَك في أيكِهِ
أو عازفٌ للشَّرب أو قاصبُ
ذات نسيم مسكهُ فائح
وذات لونٍ ورسُه خاضب
هاتيك هاتيك على مثلها
حامَ ولابَ الحائمُ اللائبُ
ما غرَّهم منا ونحن الأُولى
فلا يَعِبْ فقدَهما عائب
ولا تنمْ عن نرجس مؤنس
يضحكُ عنه الزَّمَنُ القاطبُ
ريحانُ روحٍ مُنْهِبٌ عطرَه
والروحُ إذ ذاك هو الناهب
لم يلفح الصيفُ له صفحةً
ولا سقاه عوده الشاسب
وزَخْرِفِ البيتَ كما زُخرفتْ
روضةُ حَزْنٍ جادها هاضبُ
ليس له من غيره شائبُ
لكلِّ ما سرَهُمُ جالبُ
مُحسنةً ليست بخطَّاءة
طائرُها الهادل لا الناعب
بيضاءَ خَوْداً رِدْفُها ناهدٌ
غيداءَ رُوداً ثديُها كاعبُ
مملوكةً بالسيف مغصوبةً
لها دلالٌ مالِكٌ غاصبُ
تَستوهِبُ الجيد إذا أَتلعتْ
من ظبيةٍ أَفْزَعها طالبُ
كأنها والبيت مستضحكٌ
والعودٌ في قبضتها صاخب
أدْمانةٌ تَنْزِبُ في روضةٍ
*** خشفٌ لها نازب
يُحْمَى بهنَّ الموعدُ الكاذبُ
ما نقل الملاّحُ والقاربُ
وتبْ من الذنب الذي جئته
فقد يُقالُ المذنبُ التائبُ
كيما يقولوا حين ترضيهُم:
يا حبذا المنهزم الثائب
أعتِبْ بيومٍ صالحٍ فيهم
ليس على أمثاله عاتبُ
ولا يكن يوماً إذا ما انقضى
صِيحَ به: لا رَجَعَ الذاهبُ
عجلْ لهم ذاك ولا تهْجَهم
ولا يثب منك بهم واثب
فليس من يأدِبُ إخوانَهُ
مؤَدِّباً للقومِ بل آدبُ
ولا يكنْ فيما يُعانَى لهم
فلا تُصِبْنا ريحُك الحاصب
حاشاك أن يلقاك مستمطرٌ
منصورةٍ ليس لها قالبُ